مـعـالم الطـــائـفـة المـنـصـورة في عـقـر دار المـؤمـنين ( بـلاد الشـام )
أبو قتادة
( بشـارة و وعد )
عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله؛ أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن جاء دور القتال، ولا يزال من أمتي أمَّةٌ يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إليّ أني مقبوض غير ملَبَّث، وأنتم تتبعونني أفناداً، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشام". {الحديث صحيح رواه النسائي وغيره}
بـسـم الله الــرحـمـن الرحـيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{يا أيها الناس اتَقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون}. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بـــعـد:
فإن أحسن الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار:
في هذا الوقت الذي يعيشه المسلمون؛ عيشة الذل والعار؛ فقدوا من أنفسهم معالم الهدى والرشد، وانقطع حبل الله الذي جمعهم عليه، حبل التمكين والسيادة، فتصاغروا أمام أنفسهم وأمام أعدائهم، وتغطرس الباطل في بلادهم، وصار تيار الردّة هو الأقوى والأعلى، وتواثقت حبال الشر بين الردّة الداخلية والكفر الخارجي، وانشغل المسلمون باللهو والعبث، وتداعت الجماعات والفرق الإسلامية ألى أفكار الرجال واجتهاداتهم بعيداً عن مصدر الهدى والنور - كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - واشتدت الغربة على المتمسكين بهذا الهدي واشتاقت نفوسهم إلى الوعد الإلهي القادم - النصر أو الشهادة - في هذا الوقت والغربة قائمة، غربة الدين و معالمه، وغربة أهل الحق وابتلاؤهم، نلقي على المسلمين رسالتنا هذه؛ تدعوك أيها المسلم لتبصر الحق من خلالها، وترشدك إلى سواء السبيل، واعتقادنا أننا لسنا بدعا في الزمان، بل نحن حلقة من حلقات هذه الطائفة (طائفة الحق والجهاد) آلينا على أنفسنا - بعون الله وتوفيقه - أن نتمسك بها مادام فينا عرق ينبض، ونَفَس يتلجلج، وابتغاؤنا ومقصدنا أن ندخل في خطاب العبودية لرب العالمين، ثم نكاية في أعداء الملة والدين، {ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار إلا كتب لهم به عمل صالح}، لنقلب حياتهم التي أرادوها سعادة ونعيماً شقاوةً وعذاباً، ماداموا على ماهم عليه من الكفر والظلم.
أيها المسلم: بطاقتنا إليك صغيرة الجناح، وراءها ما وراءها بتوفيق الله ومعونته وأول ما وراءها -إن شاء الله تعالى-:
1- على كل قول تراه فيها دليل ساطع، يهتدي به السالك فلا يذل ولايخزى، بل له نسبة إلى خير ما ينتسب الناس إليه {كونوا ربانيين}. وقد عجلنا لك فيها بعض ماعلمنا من الحق لأهميته وضرورته. وسنكون معك في رسالة قادمة بل رسائل إن شاء الله تعالى نمدك فيها بالأدلة الناصعة الواضحة.
2- إخوة لك وطّنوا أنفسهم وأموالهم على إمضاء العقد الذي أمضاه سلفهم {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن}. ونحن على مائدة الله عز وجل نحمل العجز والضعف طمعاً في زيادة الخير، وأمام أعداء الله فقوّة لا تلين. {وكفى بربك هاديا ونصيرا}.
أيها المسلم: إن رأيتنا وعلمتنا فكن معنا، تحمل التكليف مع إخوانك {وتعاونوا على البر والتقوى} وإلا ففي هذه الرسالة ماهو تكليف لك منفردا -علما و جهادا- (أي أنك لن تعجز أن تكون مثل أبي بصير رضي الله عنه). هذا هو طريقنا، عَبَّدَهُ الأنبياء والصدّيقون والشهداء والصالحون، فأقبِل على الله بكليّتك، ولا تبخس نفسك حقّها.
{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
هـذه عـقـيـدتـنـا
نعتقد ماكان عليه سلفنا الصالح من القرون الأولى جملةً وتفصيلا. فنحن على قول أهل السنة والجماعة في مسمىّ الإيمان، وسط بين المرجئة والخوارج، فنقول أن الإيمان قول وعمل ونية وسنّة، وكذلك الكفر قول وعمل، وأنّ الإيمان مراتب وشعب وهي على درجات متفاوتة ونستثني في كمال الإيمان، والكفر منه الأكبر ومنه الأصغر، والقول بأن " الكفر العملي مطلقاً كفر أصغر، والكفر الإعتقادي مطلقاً كفر أكبر" هو قول بدعي. فالكفر العملي منه الأكبر ومنه الأصغر، والكفر الإعتقادي منه الأكبر ومنه الأصغر، ونعتقد في قول القائل " أنّ المرء لا يكفر إلا بجحود قلبي " قول بدعي من أقوال المرجئة، فالجحود يكون بالعمل والقول كما يكون بالقلب، ونعتقد أنّ العمل الظاهر هو دليل على الباطن إذ أن العمل عند أهل السنة والجماعة قدرة وإرادة فحيث كان العمل كانت الإرادة إلا في حال الإكراه.
والكفر عندنا كفر جهل وكفر إعراض. ونؤمن أن عامة كفر الناس هو العناد والإعراض وهو الكفر الذي قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، وكفر الطوائف كان عامته في العبادة وهي النسك والولاء والبراء والحكم والتشريع.
ونعتقد أن أصل الدين واحد هو إفراد الرب بالعبادة وهو دين الإسلام، وإن اختلفت شرائعه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء ديننا واحد). ونعتقد أن الفُرقة واتباع المتشابهات دون المحكمات، والهوى دون الهدى هي من علامات أهل البدع. ونعتقد أن البدع ليست على مرتبة واحدة، فمنها ماهو كفر صراح كبدعة الجاهلية، مثل قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا}. وقوله تعالى: {وقالوا مافي بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتةً فهم فيه شركاء}. وقوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرةٍ و لاسائبةٍ ولا وصيلةٍ ولاحام}. وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعةً لحفظ النفوس والأموال. ومنها ماهو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا: كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة. ومنها ماهو معصية ويتفق عليها ليست بكفر: كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس والخصا بقصد قطع شهوة الجماع. ومنها ماهو مكروه: كالإجتماع للدعاء عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة.
ونعتقد في أسماء الله وصفاته ماكان عليه السلف الصالح وقولهم وسط بين المعطلة والمشبهة.
ونحن وسط بين المرجئة و الخوارج في باب الوعد والوعيد. ووعده ووعيده حق كله والمسلم إذا عصى ولم يتب توبةً نصوحاً فهو موكول إلى رحمة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ونعتقد بكل ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب على الحقيقة كالجنة والنار والكرسي والعرش والصراط والميزان والمحشر وعذاب القبر.
ونحن وسط في القدر بين الجبرية والقدرية فأفعالنا ومشيئتنا مخلوقتان، والإنسان فاعل مختار له إرادة ومشيئة وهو فاعل لأفعاله على الحقيقة.
والدنيا دار سنن لايجوز تركها مع القدرة عليها. والإلتفات إليها شرك، وتركها معصية، وعدم اعتبارها زندقة.
ونعتقد أن الصوفية نحلة بدعية باطلة وأنها تفسد الدنيا والدين، وأن الشيعة الروافض طائفة كفر وهم من شر الخلق تحت أديم السماء من جهة المسلمين. وأن الجماعات الإسلامية التي تدخل الإنتخابات والمجالس التشريعية هي جماعات بدعية نبرأ إلى الله من أفعالها، وأن المجالس التشريعية في البلاد العلمانية عمل من أعمال الكفر.
والتقليد شر لابد منه لمن لم يسعه إلا ذلك.
ونعتقد أن الحاكم وطائفته المبدلين للشريعة هم كفار مرتدّون والخروج عليهم بالسلاح والقوّة فرض عين على كل مسلم، وأن المعطِّـلين لجهاد هؤلاء تحت أي دعوى؛ كعدم وجود الإمام أو الإحتجاج بالحجج القدرية كفساد الناس أو عدم التمايز أو الإحتجاج بمذهب ابن آدم الأول: {لإن بسطت إلىَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي أليك لأقتلك} هم جاهلون، يقولون على الله مالا يعلمون.
والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة تحت كل برِّ وفاجر، ولاتجوز طاعته في معصية الله.
ونعتقد أن أي طائفة من الناس إجتمعوا على مبدأ غير الإسلام هي طائفة ردّة وكفر كالأحزاب القومية والوطنية والشيوعية والبعثية والعلمانية والديمقراطية. وأن دعوى عدم التمايز بين المسلم والكافر تحت دعوى المواطنة هي دعوى جاهلية باطلة، وكذلك دعوى التمايز على أساس العرق أو الوطن كما هو حال الدول الآن.
ونعتقد أن مقولة (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم) هي عند أصحابها على معني جبريّ إرجائي.
ونعتقد أن الوعود الإلهية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي أوامر للمسلمين لتحصيل أسبابها والسعي في إدراكها.
ونعتقد أن المفتي إذا كان على هوى السلطان، يفتيه بحسب ما يريد وإن كان على خلاف الشرع، ويدور معه حيث دار، فيبرر له أفعاله، وينصره بالحق والباطل هو كافر مرتد.
وأما من تقلد المناصب عند طوائف الردّة من العلماء والمشايخ فهم أقسام:
1- قسم لبّس عليهم الطاغوت حاله، فخفي أمره عليهم فهؤلاء قوم معذورون عند الله.
2- قسم علم حال الطاغوت، ولكنّه أراد أن يخفف شرّه، وأن يحقق خيراً لأهل الحق والدين فهذا مأجور مثاب.
3- قسم علم حال الطاغوت، فوالاه ونصره، ودافع عنه، و زوّر على الناس دينهم، وكتم ما أتاه الله من علم خدمة للطاغوت، طلباً للدنيا والرياسة فهذا كافر مرتد. هذا في نفس الأمر والله يعلم السرائر وليس لنا إلا الحكم بالظاهر وقرائن الحال.
ونعتقد أن كل من دان بغير دين الإسلام هو كافر، سواء بلغته الرسالة أم لم تبلغه، فهو كافر كفر عناد وإعراض، ومن لم تبلغه فهو كافر كفر جهل.
ونعتقد أن من دخل الإسلام بيقين لايخرج منه إلا بيقين، ولحوق الرجل بالكفر أسرع من لحوقه بالإسلام.
ونعتقد أن شرائع الإسلام هي شعب الإيمان، من ترك واجباً من الواجبات خرج من الإيمان مع بقاء حكم الإسلام عليه. وإن أتى العبد بناقض من نواقض الإسلام لم تنفعه بقية الشعب إن وجدت.
ولا نكفر بمطلق المعاصي والذنوب والكبائر، وهناك من المعاصي ماهو كفر بواح كَسَبِّ الأنبياء وامتهان دينهم.
ونُحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونلعن مبغضيهم.
ونعتقد أن إجراء الأحكام الشرعية ليس له علاقة بأصل الدين، ولا نكفّر أحدا من المسلمين باجتهاد وتأويل لاينقض عقد الإلتزام، ولا تلازم بين الخطأ والإثم كما لا تلازم بين كفر النوع وكفر المعين.
ونعتقد أنّ تقدم المسلمين وتأخرهم مناطه انحسار الإيمان أو وضوحه علما و عملا.
وأنّ ديار المسلمين التي حكمت بأحكام الكفر هي ديار جامعة للوصفين: وصف دار الكفر ووصف دار الإسلام. أي كل واحد فيها بحسبه. فالمسلم مسلم والكافر كافر، والأصل في أهلها الإسلام سواء منهم المعروف أو مستور الحال.
ونعتقد أن الطائفة المنصورة هي طائفة علمٍ وجهاد.
والحمد لله رب العالمين
الطائـفة المنصـورة طائـفة مقـاتلة:
1- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم تعال صلِ لنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة).
2- عن عقبة بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال).
3- عن عقبة بن عامر فال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرّهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك).
4- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتي تقوم الساعة).
فهذه الأحاديث تدل على أنّ الطائفة المنصورة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرطها القتال في سبيل الله لإظهار الدين، وهي طائفة قائمة لم تنقطع أبداً ( لا تزال طائفة ...) وهي قائمة على الحق ومعناه اتباع السلف الصالح، تهتدي بهدي الكتاب والسنة، ترفض الدخيل، أصيلة بانتسابها إلى الحق، وأما قول كثير من السلف الصالح أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث؛ فهذا معنى حق ومعنى قولهم هذا أي أنها على عقيدة أهل الحديث، وعقيدتهم هي الأسلم والأعلم.
قال النووي رحمه الله: قال أحمد بن حنبل: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم".
قال القاضي عياض: "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد بمذهب أهل الحديث".
قال ابن تيمية في فتواه بوجوب قتال التتار عندما ذكر الطائفة المنصورة: "أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم".
لمـاذا الـجـهاد؟
خلق الله الخلق لعبادته {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وانقسم الخلق إلى قسمين: منهم من آمن به ومنهم من كفر (فريق في الجنة وفريق في السعير. ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدة، ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير). وجعل بعضهم لبعض فتنة (وجعلنا بعضكم لبعض فتنةً أتصبرون). قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إنما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك). فالمؤمن يفتن بالكافر {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}.
وقد أمر الله المؤمنين دعوة الكافرين إلى الهدى والحق فمن أبى و أعرض أمر الله بقتاله حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله. قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وقال: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لاشريك له).
فالجهاد أمر شرعي رباني لتحقيق دين الله في الأرض ولتزول الفتنة (الشرك) من الأرض، وحتى لايبقى سلطان في هذا الوجود إلا سلطان الله {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
والجهاد هو هوية المسلم في وجوده. قال صلى الله عليه وسلم: (والجهاد ذروة سنام الإسلام). وقال الله عز وجل في الحديث القدسي مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك - إلى قوله- استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك).
وبالجهاد يتميز الناس إلى صفوف؛ صف أهل الإيمان والتوحيد، وصف الكفر وأهله، وصف الخذلان والنفاق. قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون}.
مــن نقــاتل؟:
قال على رضي الله عنه: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف:
1- سيف المشركين: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم. إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين. فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}.
2- سيف أهل الكتاب: {قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ماحرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب}.
3- سيف البغاة: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي}.
4 - سيف المنافقين: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}.
لماذا طوائف الردّة التي تحكم بلاد المسلمين قبل غيرها؟
مع ماتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعدّة أسياف ومناط الجهاد هو {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} إلا أننا نعتقد أن قتال طوائف الردّة مقدّم على قتال غيرهم من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وذلك لأسباب عدّة:
1- أنّهم أقرب إلينا من غيرهم: قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة}{التوبة}. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولاً، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليهم مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجاً، شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب". قال ابن قدامة: مسألة: "ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو لأن الأقرب أكثر حرزاً، وفي قتاله دفع ضرره عن المقابل له وعمّن وراءه، والإشتغال بالبعيد عنه يمكّنه من انتهاز الفرصة في المسلمين لإشتغالهم عنه".
2- لكون المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي: قال تقي الدين ابن تيمية: "وقد استقرّت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولايضرب عليه جزية، ولاتعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي، ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزاً عن القتال، بخلاف الكافر الأصلي". وقال أيضاً: "وكفر الردّة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي". وقال أيضاً: "والصدّيق رضي الله عنه وسائر الصحابة بدأوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين" ثم قال: "وحفظ رأس المال مقدم على الربح".
3- أنّ قتالهم من جنس قتال الدفع: قال ابن تيمية: "فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان". وهذه الطائفة لا يُرى منها في بلاد المسلمين إلا إفساداً للدين بنشر الفاحشة وترويج الرذيلة، وتزيين الكفر، ومطاردة الدعاة، ولا نرى منهم إلا إفساداً للدنيا فنشروا الفقر، وباعوا مقدّرات الأمة من خيرات الله فيها إلى أعدائها، وربطوا حياة الشعوب بما يستورد من مفاسد الغرب من شؤون الحياة.
4- ولما كان الأمر الشرعي مطابق للأمر القدري، فإننا نرى أنه لم يصبح للكافرين على المسلمين سبيل إلا بحبل هؤلاء المرتدين، فمن الذي مكَّن لليهود في فلسطين، فكانت قوّاتهم وطوائفهم لا عمل لها إلا حماية هذا الكيان المسخ، ومن الذي جعل لقوات الكفر والشرك وجوداً في بلاد المسلمين على شكل عساكر وجنود وأسياداً للمال والحياة، إنهم بلا شك قادة الردّة وطوائفهم.
حكم قتال طوائف الردة في بلاد المسلمين:
1- إذا ارتدّ الحاكم وجب على المسلمين جميعاً من غير ذوي الأعذار الشرعية خلعه والخروج عليه، وهذا الحكم قد أجمعت عليه طوائف أهل السنة بلا مخالف يُعلم: قال ابن حجر عند شرحه لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه حيث يقول: "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثره علينا، وأن لاننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان". قال ابن حجر: "وملخصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك".
وقال النووي: " قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنّ الإمامة لاتنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل". وقال: " فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر".
2- ومما يؤيد هذا الوجوب أنّ هؤلاء المرتدين قد حلّوا بديار المسلمين، وقد ذكر الفقهاء أنّ الجهاد فرض كفاية إلا في مواطن منها أن يحلّ الكافر في ديار المسلمين فإنه يكون فرض عين.
قال الماوردي: "لأنه قتال دفاع وليس قتال غزو فيصير فرضه على كل مطيق".
قال البغوي: " إذا دخل الكفار دار الإسلام فالجهاد فرض عين على من قرب وفرض كفاية على من بعد".
قال ابن تيمية: "إذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة".
فتسلط المرتدين على بلاد المسلمين هو من جنس دخول الكفرة بشوكتهم بلاد المسلمين لأن مناطه مناطه فقتالهم فرض عين "حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو".
قتال الواحد من المسلمين للكفار جهاد كجهاد طائفة المسلمين وإن عدم الإمام:
من مظاهر التحريف في هذا العصر أن يزعم أقوام فيه أن قتال الواحد والعشرة والعشرين والأربعين من المسلمين ليس بجهاد، كذلك دعوى عدم القتال وشرعيته إلا بوجود إمام مُمَكَّن، وهي دعوى عريضة ليس لها قوائم، بل مجرد تصورها كاف بالحكم عليها بالجهل والتباب، والقول بهذه الشروط وأمثالها من دعاوى كثيرة هي في الحقيقة مآلها إلى تعطيل الشريعة، وفيها دعوى الركون إلى الأرض، وليس هناك من حديث واحد يستطيع المُدّعي أن يستند إليه، أو يزعم أنّ فيه هذا المعنى، مع العلم أنّ القول بالشرطية هو من أبعد ما يخطر على بال طالب العلم، بل وأقوال أهل العلم طافحة بالرد عليه، والأدلة الشرعية النقلية فيها الغناء لرد هذا الغثاء:
1- قال ابن حزم رحمه الله تعالى: مسألة: ويُغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب، كما يُغزى مع الإمام، ويغزهم المرء وحده.
2- قال ابن قدامة المقدسي في المغني (8/353): فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخر الجهاد، لأن مصلحته تفوت بتأخيره، فإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع.
3- - قال ابن تيمية: ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس هو صاحب الكتاب، والذي يقوم بالجهاد هو صاحب الحديد، إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك، فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يُطاع فيما أمر به من طاعة الله في ذلك.
4 - قال الشوكاني: وقد اختلف المسلمون في غزو الكفار إلى ديارهم هل يشترط فيه الإمام الأعظم أم لا؟ والحقّ أنّ ذلك واجب على كل فرد من أفراد المسلمين، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية مطلقة غير مقيدة.
ومن الأدلة على ذلك:
1- عدم وجود نص يفيد الشرطية: قال صديق حسن خان: والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط كما أقره أهل الأصول لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك مثل نفي القبول أو نحو لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس أو النهي عن الصلاة في المكان المتنجس لدلالة النهي عن الفساد، وأما مجرد الأمر فلا يصلح لإثبات الشروط. فأين هذا النص الذي يفيد هذا لشرط؟ بل يوجد من الأحاديث ما يرد هذا المعنى كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماضٍ منذ أن بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل). وقد تقدمت أحاديث الطائفة المنصورة وفيها هذا المعنى.
2- قوله تعالى: ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا تفسك وحرض المؤمنين) {النساء:84} قال القرطبي: "هي أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المنافقين وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك". ثم قال: " ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو لوحده".
3- حادثة أبي بصير رضي الله عنه: وقد تبين من قصته رضي الله عنه أنه لم يكن تحت راية إمام، إذ لم يلتزم بالعقد والعهد الذي عاهد الإمام الكفار عليه، وقاتلهم لوحده منفرداً دون راية إمام مُمَكَّن. وحادثة أبي بصير ليست حادثة عين كما يظن بعضهم بل احتج فيها شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية كما ذكر ابن القيم في الزاد عند ذكره للفوائد الفقهية المستفادة من صلح الحديبية. قال: ومنها أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم، ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم، ومنعهم منهم. وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه أو لم يدخلوا، والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه بينهم. وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم، ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين. وقد قال الله تعالى: {وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} {التوبة}
4 - قول أبي بكر رضي الله عنه في قتال المرتدين: " والله لو لم يبق إلا الذر لجاهدتهم به" فانظر إلى الصديق رضي الله عنه كيف يرى وجوب مقاتلة هؤلاء المرتدين ولو وحده دون بقية الناس فسبحان من قسَّم الهداية والعقول.
بماذا سَنُـتَّهَم في جهادنا؟
لقد درج أعداء الله صوناً لعقائدهم ورياستهم أن يتهموا المؤمنين بشتى التهم: كاذبين على الله جل وعلا وعلى أنفسهم وعلى الناس، وهي إحدى الطرق في الصد عن سبيل الله تعالى، وقد فضح الله هذه الدعاوى وكشف أمرها للمؤمنين ليكونوا على بصيرة ونور من ربهم، فلا تخبو جذوة الإيمان في قلوبهم، ولاينصرفوا عن شرعه خجلاً منه، واستحياءاً من أن يظهروه أو يعلنوه ومن هذه التهم:
1- سَنُتَّهَم أنّنا نسعى إلى المناصب والحكم. قال تعالى: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض} {يونس: 78}.
2- سَنُتَّهَم بالإفساد في الأرض والإتيان بدين جديد {قال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد} {غافر:26}.
3- سَنُتَّهَم أننا باتباعنا يحصل الفقر وتعطل موارد الإقتصاد (كقطع السياحة وتعطيل دور الخنا والفنادق): {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون} {القصص:57}.
4- إتهامهم لنا بفرض الرأي بالقوة والغلبة وليس عن طريق الأغلبية. قال تعالى: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمةٌ قليلون} {الشعراء:54}.
وجماع ذلك كله أن يردّوا الناس عن دين الله والهدى. قال تعالى: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} {النساء:89}. {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} {البقرة:12}. {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} {إبراهيم:13}. {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً} {الكهف:20}.
فكن أخي المسلم على حذر من أن يفتنوك، واعتصم بحبل الله الذي لا يضل من تمسك به، تكن من الناجين، واستعن بالله ولا تعجز، فإنما وراءك جنان الخلد {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} إن قاربت وسدَّدت أو نصر من الله وتمكين.
{وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}. واطلب الموت توهب لك الحياة.
والحــــمــد لله رب الـعـــالـمــيــن
أبو قتادة
( بشـارة و وعد )
عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله؛ أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن جاء دور القتال، ولا يزال من أمتي أمَّةٌ يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إليّ أني مقبوض غير ملَبَّث، وأنتم تتبعونني أفناداً، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشام". {الحديث صحيح رواه النسائي وغيره}
بـسـم الله الــرحـمـن الرحـيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{يا أيها الناس اتَقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون}. {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بـــعـد:
فإن أحسن الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار:
في هذا الوقت الذي يعيشه المسلمون؛ عيشة الذل والعار؛ فقدوا من أنفسهم معالم الهدى والرشد، وانقطع حبل الله الذي جمعهم عليه، حبل التمكين والسيادة، فتصاغروا أمام أنفسهم وأمام أعدائهم، وتغطرس الباطل في بلادهم، وصار تيار الردّة هو الأقوى والأعلى، وتواثقت حبال الشر بين الردّة الداخلية والكفر الخارجي، وانشغل المسلمون باللهو والعبث، وتداعت الجماعات والفرق الإسلامية ألى أفكار الرجال واجتهاداتهم بعيداً عن مصدر الهدى والنور - كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - واشتدت الغربة على المتمسكين بهذا الهدي واشتاقت نفوسهم إلى الوعد الإلهي القادم - النصر أو الشهادة - في هذا الوقت والغربة قائمة، غربة الدين و معالمه، وغربة أهل الحق وابتلاؤهم، نلقي على المسلمين رسالتنا هذه؛ تدعوك أيها المسلم لتبصر الحق من خلالها، وترشدك إلى سواء السبيل، واعتقادنا أننا لسنا بدعا في الزمان، بل نحن حلقة من حلقات هذه الطائفة (طائفة الحق والجهاد) آلينا على أنفسنا - بعون الله وتوفيقه - أن نتمسك بها مادام فينا عرق ينبض، ونَفَس يتلجلج، وابتغاؤنا ومقصدنا أن ندخل في خطاب العبودية لرب العالمين، ثم نكاية في أعداء الملة والدين، {ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار إلا كتب لهم به عمل صالح}، لنقلب حياتهم التي أرادوها سعادة ونعيماً شقاوةً وعذاباً، ماداموا على ماهم عليه من الكفر والظلم.
أيها المسلم: بطاقتنا إليك صغيرة الجناح، وراءها ما وراءها بتوفيق الله ومعونته وأول ما وراءها -إن شاء الله تعالى-:
1- على كل قول تراه فيها دليل ساطع، يهتدي به السالك فلا يذل ولايخزى، بل له نسبة إلى خير ما ينتسب الناس إليه {كونوا ربانيين}. وقد عجلنا لك فيها بعض ماعلمنا من الحق لأهميته وضرورته. وسنكون معك في رسالة قادمة بل رسائل إن شاء الله تعالى نمدك فيها بالأدلة الناصعة الواضحة.
2- إخوة لك وطّنوا أنفسهم وأموالهم على إمضاء العقد الذي أمضاه سلفهم {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن}. ونحن على مائدة الله عز وجل نحمل العجز والضعف طمعاً في زيادة الخير، وأمام أعداء الله فقوّة لا تلين. {وكفى بربك هاديا ونصيرا}.
أيها المسلم: إن رأيتنا وعلمتنا فكن معنا، تحمل التكليف مع إخوانك {وتعاونوا على البر والتقوى} وإلا ففي هذه الرسالة ماهو تكليف لك منفردا -علما و جهادا- (أي أنك لن تعجز أن تكون مثل أبي بصير رضي الله عنه). هذا هو طريقنا، عَبَّدَهُ الأنبياء والصدّيقون والشهداء والصالحون، فأقبِل على الله بكليّتك، ولا تبخس نفسك حقّها.
{ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
هـذه عـقـيـدتـنـا
نعتقد ماكان عليه سلفنا الصالح من القرون الأولى جملةً وتفصيلا. فنحن على قول أهل السنة والجماعة في مسمىّ الإيمان، وسط بين المرجئة والخوارج، فنقول أن الإيمان قول وعمل ونية وسنّة، وكذلك الكفر قول وعمل، وأنّ الإيمان مراتب وشعب وهي على درجات متفاوتة ونستثني في كمال الإيمان، والكفر منه الأكبر ومنه الأصغر، والقول بأن " الكفر العملي مطلقاً كفر أصغر، والكفر الإعتقادي مطلقاً كفر أكبر" هو قول بدعي. فالكفر العملي منه الأكبر ومنه الأصغر، والكفر الإعتقادي منه الأكبر ومنه الأصغر، ونعتقد في قول القائل " أنّ المرء لا يكفر إلا بجحود قلبي " قول بدعي من أقوال المرجئة، فالجحود يكون بالعمل والقول كما يكون بالقلب، ونعتقد أنّ العمل الظاهر هو دليل على الباطن إذ أن العمل عند أهل السنة والجماعة قدرة وإرادة فحيث كان العمل كانت الإرادة إلا في حال الإكراه.
والكفر عندنا كفر جهل وكفر إعراض. ونؤمن أن عامة كفر الناس هو العناد والإعراض وهو الكفر الذي قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، وكفر الطوائف كان عامته في العبادة وهي النسك والولاء والبراء والحكم والتشريع.
ونعتقد أن أصل الدين واحد هو إفراد الرب بالعبادة وهو دين الإسلام، وإن اختلفت شرائعه، قال صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء ديننا واحد). ونعتقد أن الفُرقة واتباع المتشابهات دون المحكمات، والهوى دون الهدى هي من علامات أهل البدع. ونعتقد أن البدع ليست على مرتبة واحدة، فمنها ماهو كفر صراح كبدعة الجاهلية، مثل قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا}. وقوله تعالى: {وقالوا مافي بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتةً فهم فيه شركاء}. وقوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرةٍ و لاسائبةٍ ولا وصيلةٍ ولاحام}. وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعةً لحفظ النفوس والأموال. ومنها ماهو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا: كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة. ومنها ماهو معصية ويتفق عليها ليست بكفر: كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس والخصا بقصد قطع شهوة الجماع. ومنها ماهو مكروه: كالإجتماع للدعاء عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة.
ونعتقد في أسماء الله وصفاته ماكان عليه السلف الصالح وقولهم وسط بين المعطلة والمشبهة.
ونحن وسط بين المرجئة و الخوارج في باب الوعد والوعيد. ووعده ووعيده حق كله والمسلم إذا عصى ولم يتب توبةً نصوحاً فهو موكول إلى رحمة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ونعتقد بكل ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب على الحقيقة كالجنة والنار والكرسي والعرش والصراط والميزان والمحشر وعذاب القبر.
ونحن وسط في القدر بين الجبرية والقدرية فأفعالنا ومشيئتنا مخلوقتان، والإنسان فاعل مختار له إرادة ومشيئة وهو فاعل لأفعاله على الحقيقة.
والدنيا دار سنن لايجوز تركها مع القدرة عليها. والإلتفات إليها شرك، وتركها معصية، وعدم اعتبارها زندقة.
ونعتقد أن الصوفية نحلة بدعية باطلة وأنها تفسد الدنيا والدين، وأن الشيعة الروافض طائفة كفر وهم من شر الخلق تحت أديم السماء من جهة المسلمين. وأن الجماعات الإسلامية التي تدخل الإنتخابات والمجالس التشريعية هي جماعات بدعية نبرأ إلى الله من أفعالها، وأن المجالس التشريعية في البلاد العلمانية عمل من أعمال الكفر.
والتقليد شر لابد منه لمن لم يسعه إلا ذلك.
ونعتقد أن الحاكم وطائفته المبدلين للشريعة هم كفار مرتدّون والخروج عليهم بالسلاح والقوّة فرض عين على كل مسلم، وأن المعطِّـلين لجهاد هؤلاء تحت أي دعوى؛ كعدم وجود الإمام أو الإحتجاج بالحجج القدرية كفساد الناس أو عدم التمايز أو الإحتجاج بمذهب ابن آدم الأول: {لإن بسطت إلىَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي أليك لأقتلك} هم جاهلون، يقولون على الله مالا يعلمون.
والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة تحت كل برِّ وفاجر، ولاتجوز طاعته في معصية الله.
ونعتقد أن أي طائفة من الناس إجتمعوا على مبدأ غير الإسلام هي طائفة ردّة وكفر كالأحزاب القومية والوطنية والشيوعية والبعثية والعلمانية والديمقراطية. وأن دعوى عدم التمايز بين المسلم والكافر تحت دعوى المواطنة هي دعوى جاهلية باطلة، وكذلك دعوى التمايز على أساس العرق أو الوطن كما هو حال الدول الآن.
ونعتقد أن مقولة (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم) هي عند أصحابها على معني جبريّ إرجائي.
ونعتقد أن الوعود الإلهية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي أوامر للمسلمين لتحصيل أسبابها والسعي في إدراكها.
ونعتقد أن المفتي إذا كان على هوى السلطان، يفتيه بحسب ما يريد وإن كان على خلاف الشرع، ويدور معه حيث دار، فيبرر له أفعاله، وينصره بالحق والباطل هو كافر مرتد.
وأما من تقلد المناصب عند طوائف الردّة من العلماء والمشايخ فهم أقسام:
1- قسم لبّس عليهم الطاغوت حاله، فخفي أمره عليهم فهؤلاء قوم معذورون عند الله.
2- قسم علم حال الطاغوت، ولكنّه أراد أن يخفف شرّه، وأن يحقق خيراً لأهل الحق والدين فهذا مأجور مثاب.
3- قسم علم حال الطاغوت، فوالاه ونصره، ودافع عنه، و زوّر على الناس دينهم، وكتم ما أتاه الله من علم خدمة للطاغوت، طلباً للدنيا والرياسة فهذا كافر مرتد. هذا في نفس الأمر والله يعلم السرائر وليس لنا إلا الحكم بالظاهر وقرائن الحال.
ونعتقد أن كل من دان بغير دين الإسلام هو كافر، سواء بلغته الرسالة أم لم تبلغه، فهو كافر كفر عناد وإعراض، ومن لم تبلغه فهو كافر كفر جهل.
ونعتقد أن من دخل الإسلام بيقين لايخرج منه إلا بيقين، ولحوق الرجل بالكفر أسرع من لحوقه بالإسلام.
ونعتقد أن شرائع الإسلام هي شعب الإيمان، من ترك واجباً من الواجبات خرج من الإيمان مع بقاء حكم الإسلام عليه. وإن أتى العبد بناقض من نواقض الإسلام لم تنفعه بقية الشعب إن وجدت.
ولا نكفر بمطلق المعاصي والذنوب والكبائر، وهناك من المعاصي ماهو كفر بواح كَسَبِّ الأنبياء وامتهان دينهم.
ونُحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونلعن مبغضيهم.
ونعتقد أن إجراء الأحكام الشرعية ليس له علاقة بأصل الدين، ولا نكفّر أحدا من المسلمين باجتهاد وتأويل لاينقض عقد الإلتزام، ولا تلازم بين الخطأ والإثم كما لا تلازم بين كفر النوع وكفر المعين.
ونعتقد أنّ تقدم المسلمين وتأخرهم مناطه انحسار الإيمان أو وضوحه علما و عملا.
وأنّ ديار المسلمين التي حكمت بأحكام الكفر هي ديار جامعة للوصفين: وصف دار الكفر ووصف دار الإسلام. أي كل واحد فيها بحسبه. فالمسلم مسلم والكافر كافر، والأصل في أهلها الإسلام سواء منهم المعروف أو مستور الحال.
ونعتقد أن الطائفة المنصورة هي طائفة علمٍ وجهاد.
والحمد لله رب العالمين
الطائـفة المنصـورة طائـفة مقـاتلة:
1- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم تعال صلِ لنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة).
2- عن عقبة بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال).
3- عن عقبة بن عامر فال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرّهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك).
4- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتي تقوم الساعة).
فهذه الأحاديث تدل على أنّ الطائفة المنصورة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرطها القتال في سبيل الله لإظهار الدين، وهي طائفة قائمة لم تنقطع أبداً ( لا تزال طائفة ...) وهي قائمة على الحق ومعناه اتباع السلف الصالح، تهتدي بهدي الكتاب والسنة، ترفض الدخيل، أصيلة بانتسابها إلى الحق، وأما قول كثير من السلف الصالح أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث؛ فهذا معنى حق ومعنى قولهم هذا أي أنها على عقيدة أهل الحديث، وعقيدتهم هي الأسلم والأعلم.
قال النووي رحمه الله: قال أحمد بن حنبل: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم".
قال القاضي عياض: "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد بمذهب أهل الحديث".
قال ابن تيمية في فتواه بوجوب قتال التتار عندما ذكر الطائفة المنصورة: "أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم".
لمـاذا الـجـهاد؟
خلق الله الخلق لعبادته {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وانقسم الخلق إلى قسمين: منهم من آمن به ومنهم من كفر (فريق في الجنة وفريق في السعير. ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدة، ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير). وجعل بعضهم لبعض فتنة (وجعلنا بعضكم لبعض فتنةً أتصبرون). قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إنما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك). فالمؤمن يفتن بالكافر {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}.
وقد أمر الله المؤمنين دعوة الكافرين إلى الهدى والحق فمن أبى و أعرض أمر الله بقتاله حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله. قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وقال: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لاشريك له).
فالجهاد أمر شرعي رباني لتحقيق دين الله في الأرض ولتزول الفتنة (الشرك) من الأرض، وحتى لايبقى سلطان في هذا الوجود إلا سلطان الله {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
والجهاد هو هوية المسلم في وجوده. قال صلى الله عليه وسلم: (والجهاد ذروة سنام الإسلام). وقال الله عز وجل في الحديث القدسي مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك - إلى قوله- استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك).
وبالجهاد يتميز الناس إلى صفوف؛ صف أهل الإيمان والتوحيد، وصف الكفر وأهله، وصف الخذلان والنفاق. قال تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون}.
مــن نقــاتل؟:
قال على رضي الله عنه: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف:
1- سيف المشركين: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم. إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين. فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}.
2- سيف أهل الكتاب: {قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ماحرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب}.
3- سيف البغاة: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي}.
4 - سيف المنافقين: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}.
لماذا طوائف الردّة التي تحكم بلاد المسلمين قبل غيرها؟
مع ماتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعدّة أسياف ومناط الجهاد هو {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} إلا أننا نعتقد أن قتال طوائف الردّة مقدّم على قتال غيرهم من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وذلك لأسباب عدّة:
1- أنّهم أقرب إلينا من غيرهم: قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة}{التوبة}. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولاً، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليهم مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجاً، شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب". قال ابن قدامة: مسألة: "ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو لأن الأقرب أكثر حرزاً، وفي قتاله دفع ضرره عن المقابل له وعمّن وراءه، والإشتغال بالبعيد عنه يمكّنه من انتهاز الفرصة في المسلمين لإشتغالهم عنه".
2- لكون المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي: قال تقي الدين ابن تيمية: "وقد استقرّت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولايضرب عليه جزية، ولاتعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي، ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزاً عن القتال، بخلاف الكافر الأصلي". وقال أيضاً: "وكفر الردّة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي". وقال أيضاً: "والصدّيق رضي الله عنه وسائر الصحابة بدأوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين" ثم قال: "وحفظ رأس المال مقدم على الربح".
3- أنّ قتالهم من جنس قتال الدفع: قال ابن تيمية: "فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان". وهذه الطائفة لا يُرى منها في بلاد المسلمين إلا إفساداً للدين بنشر الفاحشة وترويج الرذيلة، وتزيين الكفر، ومطاردة الدعاة، ولا نرى منهم إلا إفساداً للدنيا فنشروا الفقر، وباعوا مقدّرات الأمة من خيرات الله فيها إلى أعدائها، وربطوا حياة الشعوب بما يستورد من مفاسد الغرب من شؤون الحياة.
4- ولما كان الأمر الشرعي مطابق للأمر القدري، فإننا نرى أنه لم يصبح للكافرين على المسلمين سبيل إلا بحبل هؤلاء المرتدين، فمن الذي مكَّن لليهود في فلسطين، فكانت قوّاتهم وطوائفهم لا عمل لها إلا حماية هذا الكيان المسخ، ومن الذي جعل لقوات الكفر والشرك وجوداً في بلاد المسلمين على شكل عساكر وجنود وأسياداً للمال والحياة، إنهم بلا شك قادة الردّة وطوائفهم.
حكم قتال طوائف الردة في بلاد المسلمين:
1- إذا ارتدّ الحاكم وجب على المسلمين جميعاً من غير ذوي الأعذار الشرعية خلعه والخروج عليه، وهذا الحكم قد أجمعت عليه طوائف أهل السنة بلا مخالف يُعلم: قال ابن حجر عند شرحه لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه حيث يقول: "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثره علينا، وأن لاننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان". قال ابن حجر: "وملخصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك".
وقال النووي: " قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنّ الإمامة لاتنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل". وقال: " فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر".
2- ومما يؤيد هذا الوجوب أنّ هؤلاء المرتدين قد حلّوا بديار المسلمين، وقد ذكر الفقهاء أنّ الجهاد فرض كفاية إلا في مواطن منها أن يحلّ الكافر في ديار المسلمين فإنه يكون فرض عين.
قال الماوردي: "لأنه قتال دفاع وليس قتال غزو فيصير فرضه على كل مطيق".
قال البغوي: " إذا دخل الكفار دار الإسلام فالجهاد فرض عين على من قرب وفرض كفاية على من بعد".
قال ابن تيمية: "إذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة".
فتسلط المرتدين على بلاد المسلمين هو من جنس دخول الكفرة بشوكتهم بلاد المسلمين لأن مناطه مناطه فقتالهم فرض عين "حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو".
قتال الواحد من المسلمين للكفار جهاد كجهاد طائفة المسلمين وإن عدم الإمام:
من مظاهر التحريف في هذا العصر أن يزعم أقوام فيه أن قتال الواحد والعشرة والعشرين والأربعين من المسلمين ليس بجهاد، كذلك دعوى عدم القتال وشرعيته إلا بوجود إمام مُمَكَّن، وهي دعوى عريضة ليس لها قوائم، بل مجرد تصورها كاف بالحكم عليها بالجهل والتباب، والقول بهذه الشروط وأمثالها من دعاوى كثيرة هي في الحقيقة مآلها إلى تعطيل الشريعة، وفيها دعوى الركون إلى الأرض، وليس هناك من حديث واحد يستطيع المُدّعي أن يستند إليه، أو يزعم أنّ فيه هذا المعنى، مع العلم أنّ القول بالشرطية هو من أبعد ما يخطر على بال طالب العلم، بل وأقوال أهل العلم طافحة بالرد عليه، والأدلة الشرعية النقلية فيها الغناء لرد هذا الغثاء:
1- قال ابن حزم رحمه الله تعالى: مسألة: ويُغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب، كما يُغزى مع الإمام، ويغزهم المرء وحده.
2- قال ابن قدامة المقدسي في المغني (8/353): فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخر الجهاد، لأن مصلحته تفوت بتأخيره، فإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع.
3- - قال ابن تيمية: ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس هو صاحب الكتاب، والذي يقوم بالجهاد هو صاحب الحديد، إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك، فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يُطاع فيما أمر به من طاعة الله في ذلك.
4 - قال الشوكاني: وقد اختلف المسلمون في غزو الكفار إلى ديارهم هل يشترط فيه الإمام الأعظم أم لا؟ والحقّ أنّ ذلك واجب على كل فرد من أفراد المسلمين، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية مطلقة غير مقيدة.
ومن الأدلة على ذلك:
1- عدم وجود نص يفيد الشرطية: قال صديق حسن خان: والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط كما أقره أهل الأصول لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك مثل نفي القبول أو نحو لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس أو النهي عن الصلاة في المكان المتنجس لدلالة النهي عن الفساد، وأما مجرد الأمر فلا يصلح لإثبات الشروط. فأين هذا النص الذي يفيد هذا لشرط؟ بل يوجد من الأحاديث ما يرد هذا المعنى كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماضٍ منذ أن بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل). وقد تقدمت أحاديث الطائفة المنصورة وفيها هذا المعنى.
2- قوله تعالى: ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا تفسك وحرض المؤمنين) {النساء:84} قال القرطبي: "هي أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المنافقين وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك". ثم قال: " ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو لوحده".
3- حادثة أبي بصير رضي الله عنه: وقد تبين من قصته رضي الله عنه أنه لم يكن تحت راية إمام، إذ لم يلتزم بالعقد والعهد الذي عاهد الإمام الكفار عليه، وقاتلهم لوحده منفرداً دون راية إمام مُمَكَّن. وحادثة أبي بصير ليست حادثة عين كما يظن بعضهم بل احتج فيها شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية كما ذكر ابن القيم في الزاد عند ذكره للفوائد الفقهية المستفادة من صلح الحديبية. قال: ومنها أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم، ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم، ومنعهم منهم. وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه أو لم يدخلوا، والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه بينهم. وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم، ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين. وقد قال الله تعالى: {وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} {التوبة}
4 - قول أبي بكر رضي الله عنه في قتال المرتدين: " والله لو لم يبق إلا الذر لجاهدتهم به" فانظر إلى الصديق رضي الله عنه كيف يرى وجوب مقاتلة هؤلاء المرتدين ولو وحده دون بقية الناس فسبحان من قسَّم الهداية والعقول.
بماذا سَنُـتَّهَم في جهادنا؟
لقد درج أعداء الله صوناً لعقائدهم ورياستهم أن يتهموا المؤمنين بشتى التهم: كاذبين على الله جل وعلا وعلى أنفسهم وعلى الناس، وهي إحدى الطرق في الصد عن سبيل الله تعالى، وقد فضح الله هذه الدعاوى وكشف أمرها للمؤمنين ليكونوا على بصيرة ونور من ربهم، فلا تخبو جذوة الإيمان في قلوبهم، ولاينصرفوا عن شرعه خجلاً منه، واستحياءاً من أن يظهروه أو يعلنوه ومن هذه التهم:
1- سَنُتَّهَم أنّنا نسعى إلى المناصب والحكم. قال تعالى: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض} {يونس: 78}.
2- سَنُتَّهَم بالإفساد في الأرض والإتيان بدين جديد {قال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد} {غافر:26}.
3- سَنُتَّهَم أننا باتباعنا يحصل الفقر وتعطل موارد الإقتصاد (كقطع السياحة وتعطيل دور الخنا والفنادق): {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون} {القصص:57}.
4- إتهامهم لنا بفرض الرأي بالقوة والغلبة وليس عن طريق الأغلبية. قال تعالى: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمةٌ قليلون} {الشعراء:54}.
وجماع ذلك كله أن يردّوا الناس عن دين الله والهدى. قال تعالى: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} {النساء:89}. {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} {البقرة:12}. {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} {إبراهيم:13}. {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً} {الكهف:20}.
فكن أخي المسلم على حذر من أن يفتنوك، واعتصم بحبل الله الذي لا يضل من تمسك به، تكن من الناجين، واستعن بالله ولا تعجز، فإنما وراءك جنان الخلد {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} إن قاربت وسدَّدت أو نصر من الله وتمكين.
{وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}. واطلب الموت توهب لك الحياة.
والحــــمــد لله رب الـعـــالـمــيــن
تعليق