دروس وعبر .. من حياة أبي الليوث !
كتبه : عطا نجد الراوي
كتبه : عطا نجد الراوي
الحمد لله ، وبعد :
فقد فُجِعْنا بمقتل أحد أسود بلاد خراسان، أعني الشيخَ أبا الليث الليبي –
رحمه الله - أحد كبار قادة الجهاد الصابرين، الذين ضربوا لأمتنا- بصبرهم-
أروع الأمثلة، وأضحتْ سِيَرُهم زاداً لشباب الإسلام، يتزودون منه صبراً عند
المحن، وثباتاً عند الابتلاءات.
أيها الإخوة، لم يكن شيخُنا أبا ليثٍ واحد، بل كان ليثاً أباً لليوثٍ كثيرة،
تَمْلِكُ اليومَ أرض وجبال أفغانستان المجاهدة.
* أيها الإخوة، إن مقتل قادتنا علماء ومجاهدين، لهو من كبار مصائبنا لو كنا
نعلم، فالدين قوامه – كما يقول شيخ الإسلام- كتابٌ هادٍ، والعلماء هم حملته
العاملون به، وسيف حامٍ، والمجاهدون هم حملته الناصرون بحدِّه، فهم من ينصر
الدين ويدافع عنه بالبيان والسنان، وبهما- البيان والسنان- تستقيم المسيرة،
وتقمع الفتن، وتُحمى الدعوة، وتُنشر في ربوع الأرض، فإنها لمصيبة -ولا شك- أن
يقتل أحد أولئك الهداة، ولخسارةٌ على شباب الأمة أن يفقدوا أهل الإرشاد
والهدى والتفقيه بالعلم والعمل.
ومقتل قادة الجهاد في زمن الفتن وتداعي الأعداء أشد وطأة على أهل الإسلام،
فهم الآن الحامون لثغور الإسلام، المنتقمون لأهله ومستضعفيه، في حين تخلى
عنهم كثير من الناس بل ومن المنتسبين إلى العلم إلا من رحم الله منهم.
* فاعلموا أيها الإخوة، أن هذا هو موعود الله لمن سلك طريق الجهاد، أن ينال
إحدى الحسنيين: نصراً لهذا الدين، أو شهادةً ترضي ربَّ العالمين، وما نال أبو
الليث إلا ما قد طلب، فهو قد أذهب سنيَّ عمره طلباً لإحداهما، وأظنه قد نال
أحبهما إليه، فنسأل الله أن يتقبله عنده من الشهداء.
* أيها الإخوة، إن حياة أمثال هؤلاء الرجال هي مراتع خصبة لمن طلب الدروس
والعبر، ولو لم يكن لنا درسٌ من حياة هذا الرجل إلا سعيه الحثيث إلى التوحد
مع إخوانه، والتنازل عن مكاسبه التي حققها بجهاده في أرض خراسان لصالح إخوانه
في قاعدة الجهاد، لكفانا بسعيه هذا درساً ومحلا للنظر والاعتبار، ليتنا
وإخواننا في الجماعات الجهادية نعتبر به ونعمل، فنجتمع تحت راية واحدة، كما
قد توحدنا على دين التوحيد.
فكلنا نعرف من كان أبو الليث، كان قائداً من قادة الجماعة المقاتلة الليبية،
وكان له مشروعه الخاص، الذي كان يعمل عليه على أرض أفغانستان وفق برنامج
اختاره لنفسه، وأنعم الله عليه بمجموعة طيبة من الإخوة أعانوه في سعيه لتحقيق
مقاصده وأهدافه، وقام سوق الجهاد في أفغانستان به وبغيره من القادة
والجماعات، وبينما كان ماضياً في مشروعه، وإذا بداعي الشريعة يدعوه وغيره
للتوحد والاجتماع، وإذا بأبي الليث يضرب أروع أمثلة التفاني وهضم حظ النفس
وشهوتها في الإمارة والسلطة، إذا به رحمه الله يجيب مسرعاً مبادراً بنفس
طيبة، مستجيبةً للداعي، محرضة على الاجتماع ورص الصفوف وتوحيد الجهود.
وهذا الموقف من ليثنا هو والله من أهم الدروس، وفيه أعظم عبرة، فإن الوحدة
والاجتماع يجب أن يكونا على رأس الأهداف، وأَولى السبل لتحقيق المقاصد،
فبالاجتماع تعظم النكاية، وتتوافق الجهود، ويبارَك في العمل، وتحفظ ثمرة
الجهاد من أن يقطفها غير أهلها.
* ومن الدروس المأخوذة من سيرة هذا البطل أيضاً سمو الهمة وعدم الاستسلام
للمصاعب أو السقوط بالابتلاء، فإن أبا الليث كان قد سُجِنَ في بلاد الحرمين،
في سجن هو من أشد سجون طواغيت تلك النواحي حرباً على الإسلام وأهله، أعني سجن
"الرويس" في الحجاز، فلم ينثن أبو الليث ولم تؤسر روحه وهمته إذ أسَروا
جسدَه، فسعت به نفسه الحرة الأبية ليخرج جسده من سجنهم، فكان أن حاول الهرب
والفكاك، فوفقه الله إلى ذلك.
كما أن سيرته في أفغانستان آية أخرى على سمو همته، وثباته، وصبره النادر
الوجود، فبعد أن تساقطت مدن أفغانستان تباعاً على أيدي عباد الصليب، خرج
الكثير من المجاهدين من أرض أفغانستان، ولم يبق إلا قلة قليلة من الإخوة كان
على رأسهم هذا الليث الهصور، فتعاون مع إخوانه من العرب والأفغان لإقامة
الجهاد وشدِّ عوده، وكان أن سطروا أروع القصص ووقفوا أعظم المواقف في معارك
"شاهي كوت" المباركة، والتي ذكر هو بنفسه أن تَعداده هو نفسه لجيف الأمريكان
فاق مئة وخمسين جيفة، هذا سوى ما عدَّه إخوانه.
واعلموا أيها الإخوة، أن المرء قد تُلِم به أمور تُصعب عليه الاستمرار في درب
الجهاد، فيستسلم لها ويقعد عن بذل وسعه للقيام بما أوجبه الله عليه، كمن يصعب
عليه النفير لسجن أو منع سفر ونحو ذلك مما يعانيه إخواننا في بعض البلدان،
ومن ألمَّ به شيء من ذلك، فعليه أن يستحضر توفيق الله لعبده أبي الليث،
وليعلم أن الله مع عبده ما صدق العبدُ معه، فلا رخصة في المحاولة قدر
المستطاع لتذليل الصعوبات وإزالة العقبات عن طريق الهجرة والجهاد، ولعل هذا
يدخل في قوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً)، فلتراجَع التفاسير في هذه
الآية.
وإنني لأعرف من الإخوة من وصل إلينا بلا جواز سفر، بل إن منهم من عبر عدة دول
بدونه!
* ومن أهم الدروس -التي يجب على أبناء التيار "السلفي الجهادي" خصوصاً أن
يقفوا عندنا طويلاً- موقفه من أهل العلم، فقد كان رحمه الله يحفظ لأهل العلم
قدرهم، ويحترمهم كما يجب لمثلهم، حتى ولو خالفوه في مسائل هي عند البعض من
المسائل التي لا يعفى عن المخالف فيها.
فقد كان – كغيره من قادة الجهاد - يعرف أن لأهل العلم حقهم في الاجتهاد
ومخالفة أهل الثغور في آرائهم، ولم تمنعه المخالفة من حفظ الود لمخالفيه،
ومنع الولوغ في أعراضهم بغير حق.
وكان رحمه الله كثير التواصل مع العلماء في باكستان وأفغانستان، بل وفي بلاد
العرب، ولولا خشية الشيخ رحمه الله على إخوانه العلماء من بطش الطواغيت لصرح
بأسمائهم، ليعرف الناس أن أهل الجهاد هم من أحرص الناس على التواصل مع
العلماء والاستنارة بنور علمهم.
فعلى إخواننا من شباب الجهاد وأنصاره أن يحتذوا بمثل هذا الخلق الكريم الواجب
شرعاً، وأن يحفظوا لأهل العلم الود والاحترام الواجبين شرعاً، وأن يُعلوا من
شأنهم، وألاَّ يجعلوا من آحاد المسائل التي خالفوا فيها –مما تحتمل الاجتهاد
ويتردد فيها النظر- معقداً للولاء والبراء، أو حجة للحط والتخوين، وخاصة
أولئك الذين يظهر منهم حب الخير ونصرة الجهاد وحمل الحق والصدع به ما
استطاعوا، فهؤلاء أولى بالاحترام والتقدير من غيرهم ولو أخطؤوا، ولا يعني هذا
أن نسكت عن أخطائهم، أو أن نتابعهم فيما نظنهم قد أخطؤوا فيه (لا) ، بل
الواجب أن يُرَد عليهم خطؤهم، مع إعذارهم بالقدر الواجب لهم، وحفظ أقدارهم،
ولا تنافي بين الأمرين أبداً.
* ومن الدروس أيضاً، إيلاؤه -رحمه الله- للإعلام اهتماماً كبيراً، وحرصه على
إشهار عمليات إخوانه في بلاد خراسان عبر مؤسسة (لبيك) التي كان قائماً بأمرها
هو وثلة من إخوانه من الكوادر الإعلامية، حتى يسر الله له أن توحد مع قاعدة
الجهاد، فوضع كافة إمكانات مؤسسته الإعلامية (لبيك) في تصرف الإخوة في مؤسسة
السحاب.
وفي هذا عبرة لإخواننا الأنصار من الإعلاميين وغيرهم، فعليهم أن يهتموا
بالإعلام ولا يَحقروا شيئاً مما يمكن فعله في سبيل نصرة المجاهدين إعلامياً
ولو قلَّ، فإن الشيخ أبا الليث الليبي كان قد أوجد مؤسسته الإعلامية هذه من
(لا شيء) ، نصره فيها بعض إخوانه المتخصصين، فقام بجهدهم نشاطٌ إعلاميٌّ مهم،
عرفت الأمة من خلاله أحوال أبنائها في بلاد خراسان.
* ومن الدروس أيضاً، حرصه العظيم على إخوانه وأهاليهم ومن يعولون، بالسؤال
عنهم، وسؤالهم عن أحوالهم، ورفع معنوياتهم لمواجهة مصاعب الحياة.
وهذا مما ينبغي أن يعيَه أهلُ الجهاد ويعملوا به، فكم من عائلةِ مجاهدٍ فقدت
عائلها، بقتل أو أسر، أو بأن ابتعد عنها لظرف الجهاد، فعليهم أن يسألوا عن
هؤلاء وعن أحوالهم، وأن يوفروا لهم احتياجاتهم بقدر استطاعتهم.
كما ينبغي أن يهتم الإخوة بعضُهم بأحوال بعض، بأن يسلي بعضُهم بعضاً ويروِّح
عنه إن رأى منه ضيقاً أو كدراً، وأن يسأله عن حاله وما يضيق صدره، ويشعره
بعمق الأخوّة والولاء، فهذا كله من واجبات الأخوّة الإسلامية.
* وليت إخواننا في بلاد خراسان يعملون على إصدار شيء فيه قبسات من حياة الشيخ
أبي الليث الليبي، وذِكرِ شيء من سيرته ودراسته الشرعية وقيادته العسكرية،
ويستخلصوا منها الفوائد والعبر، فإن سير هؤلاء الأبطال هي من خير الزاد لشباب
الجهاد، ومن خير الوسائل للدعوة إلى الجهاد وإزالة ما علَّقه الإعلام المعادي
في أذهان المسلمين من كَدَر في صورة أهل الجهاد، فإزالة السُّتُر التي تحول
دون نظر المسلمين إلى إشراق صفحات وجوه المجاهدين وسيَرهم هي خير وسيلة
للدعوة إلى الجهاد.
وإني لأذكر حينما كنا نحدث بعض الشباب عن الجهاد تحريضاً لهم كان أوقع شيء في
نفوسهم وأشده أثراً عليهم هو سيَر قادة الجهاد وأقوالهم وأعمالهم وعملياتهم،
بل وطرائفهم أيضاً.
فليكتب الإخوة في بلاد خراسان نُبَذاً من حياته، ومراحل عمره المؤثرة في
شخصيته، وقصصه التي كان يرويها عن نفسه، أو يعرفها إخوانه عنه، وليحرصوا
أشدَّ الحرص -في جمعهم- على التثبت والتوثيق، ونقل صحيح الأخبار دون ما لم
يثبت، ومن ثم فليصوغوا ما جمعوا بأسلوب لطيف حسن، تستخلص منه الدروس التي
تفيد شباب الأمة وعامتها.
أسأل الله عز وجل أن يتقبل عبده الصالحَ – أحسبه ولا أزكيه على الله- أبا
الليث في الشهداء.
وأن يهوِّن على أمة الإسلام فقدَه، فإن فقده –والله- شديد، وأن يخلفه بخير
منه.
وأن يعظم أجر إخوانه أهل الجهاد في أفغانستان، وأن يعينهم على الانتقام لدمه
من قاتليه، وأن تعظُم نكايتُهم في الجيش الباكستاني والأمريكان المجرمين، وفي
كل من ساهم في مقتله بإعانة أو دلالة وإرشاد.
ولا يكن للشيطان إلى نفوس إخواننا مدخل بسبب مقتل الشيخ أبي الليث، بأن يوسوس
لهم أن مقتله هو محِل توقف الجهاد وانكساره، لا والله لا ينكسر الجهاد ما
دامت عين فينا تطرف، وسيستمر بحول الله حتى ينصر الله أمة الإسلام.
فهذا الشيخ عبد الله عزام قُتِلَ ولم يتوقف الجهاد.
وذاك خطاب قُتِلَ أيضاً ولم يتوقف الجهاد.
فهذا هو حال قادة الجهاد منذ الزمن الأول، زمنِ النبي صلى الله عليه وسلم،
ماتوا أو قتلوا، ولم يصب الأمة ضعفٌ ولا خوَر، بل أصيبت الأمة بأعظم مصائبها
بموت قائدها ونبيها صلى الله عليه وسلم، فثبت الرجال من بعده، ولم يلبثوا حتى
جابوا آفاق الدنيا كلها فاتحين، فأين مصاب الأمة في أبي الليث من مصابها في
نبيها صلى الله عليه وسلم؟!
وكلنا يعلم أن الأمة لن تُكسَر بموت أحد مهما علا قدره، وإنما الكسر والقهر
يصيباننا من ضعف الإيمان، فلم تضعف الأمة إلا لما ضعف إيمانها، واشتدت
الخصومات بين أبنائها، فتنازعوا، ففشلوا، وذهبت ريحهم.
فاعلموا يا إخوة الجهاد في بلاد خراسان أننا ننظر إليكم وكلنا فخر بقوتكم
ووحدتكم وسيركم على قلب رجل واحد، فالله الله في جهادكم، لا يَجدنَّ الشيطانُ
ثغرةً يدخل منها إلى قلوبكم، فيفسد عليكم نفوسكم، فإن سَعْيَ الشيطان بين أهل
التوحيد هو بالتحريش بينهم.
فقد فُجِعْنا بمقتل أحد أسود بلاد خراسان، أعني الشيخَ أبا الليث الليبي –
رحمه الله - أحد كبار قادة الجهاد الصابرين، الذين ضربوا لأمتنا- بصبرهم-
أروع الأمثلة، وأضحتْ سِيَرُهم زاداً لشباب الإسلام، يتزودون منه صبراً عند
المحن، وثباتاً عند الابتلاءات.
أيها الإخوة، لم يكن شيخُنا أبا ليثٍ واحد، بل كان ليثاً أباً لليوثٍ كثيرة،
تَمْلِكُ اليومَ أرض وجبال أفغانستان المجاهدة.
* أيها الإخوة، إن مقتل قادتنا علماء ومجاهدين، لهو من كبار مصائبنا لو كنا
نعلم، فالدين قوامه – كما يقول شيخ الإسلام- كتابٌ هادٍ، والعلماء هم حملته
العاملون به، وسيف حامٍ، والمجاهدون هم حملته الناصرون بحدِّه، فهم من ينصر
الدين ويدافع عنه بالبيان والسنان، وبهما- البيان والسنان- تستقيم المسيرة،
وتقمع الفتن، وتُحمى الدعوة، وتُنشر في ربوع الأرض، فإنها لمصيبة -ولا شك- أن
يقتل أحد أولئك الهداة، ولخسارةٌ على شباب الأمة أن يفقدوا أهل الإرشاد
والهدى والتفقيه بالعلم والعمل.
ومقتل قادة الجهاد في زمن الفتن وتداعي الأعداء أشد وطأة على أهل الإسلام،
فهم الآن الحامون لثغور الإسلام، المنتقمون لأهله ومستضعفيه، في حين تخلى
عنهم كثير من الناس بل ومن المنتسبين إلى العلم إلا من رحم الله منهم.
* فاعلموا أيها الإخوة، أن هذا هو موعود الله لمن سلك طريق الجهاد، أن ينال
إحدى الحسنيين: نصراً لهذا الدين، أو شهادةً ترضي ربَّ العالمين، وما نال أبو
الليث إلا ما قد طلب، فهو قد أذهب سنيَّ عمره طلباً لإحداهما، وأظنه قد نال
أحبهما إليه، فنسأل الله أن يتقبله عنده من الشهداء.
* أيها الإخوة، إن حياة أمثال هؤلاء الرجال هي مراتع خصبة لمن طلب الدروس
والعبر، ولو لم يكن لنا درسٌ من حياة هذا الرجل إلا سعيه الحثيث إلى التوحد
مع إخوانه، والتنازل عن مكاسبه التي حققها بجهاده في أرض خراسان لصالح إخوانه
في قاعدة الجهاد، لكفانا بسعيه هذا درساً ومحلا للنظر والاعتبار، ليتنا
وإخواننا في الجماعات الجهادية نعتبر به ونعمل، فنجتمع تحت راية واحدة، كما
قد توحدنا على دين التوحيد.
فكلنا نعرف من كان أبو الليث، كان قائداً من قادة الجماعة المقاتلة الليبية،
وكان له مشروعه الخاص، الذي كان يعمل عليه على أرض أفغانستان وفق برنامج
اختاره لنفسه، وأنعم الله عليه بمجموعة طيبة من الإخوة أعانوه في سعيه لتحقيق
مقاصده وأهدافه، وقام سوق الجهاد في أفغانستان به وبغيره من القادة
والجماعات، وبينما كان ماضياً في مشروعه، وإذا بداعي الشريعة يدعوه وغيره
للتوحد والاجتماع، وإذا بأبي الليث يضرب أروع أمثلة التفاني وهضم حظ النفس
وشهوتها في الإمارة والسلطة، إذا به رحمه الله يجيب مسرعاً مبادراً بنفس
طيبة، مستجيبةً للداعي، محرضة على الاجتماع ورص الصفوف وتوحيد الجهود.
وهذا الموقف من ليثنا هو والله من أهم الدروس، وفيه أعظم عبرة، فإن الوحدة
والاجتماع يجب أن يكونا على رأس الأهداف، وأَولى السبل لتحقيق المقاصد،
فبالاجتماع تعظم النكاية، وتتوافق الجهود، ويبارَك في العمل، وتحفظ ثمرة
الجهاد من أن يقطفها غير أهلها.
* ومن الدروس المأخوذة من سيرة هذا البطل أيضاً سمو الهمة وعدم الاستسلام
للمصاعب أو السقوط بالابتلاء، فإن أبا الليث كان قد سُجِنَ في بلاد الحرمين،
في سجن هو من أشد سجون طواغيت تلك النواحي حرباً على الإسلام وأهله، أعني سجن
"الرويس" في الحجاز، فلم ينثن أبو الليث ولم تؤسر روحه وهمته إذ أسَروا
جسدَه، فسعت به نفسه الحرة الأبية ليخرج جسده من سجنهم، فكان أن حاول الهرب
والفكاك، فوفقه الله إلى ذلك.
كما أن سيرته في أفغانستان آية أخرى على سمو همته، وثباته، وصبره النادر
الوجود، فبعد أن تساقطت مدن أفغانستان تباعاً على أيدي عباد الصليب، خرج
الكثير من المجاهدين من أرض أفغانستان، ولم يبق إلا قلة قليلة من الإخوة كان
على رأسهم هذا الليث الهصور، فتعاون مع إخوانه من العرب والأفغان لإقامة
الجهاد وشدِّ عوده، وكان أن سطروا أروع القصص ووقفوا أعظم المواقف في معارك
"شاهي كوت" المباركة، والتي ذكر هو بنفسه أن تَعداده هو نفسه لجيف الأمريكان
فاق مئة وخمسين جيفة، هذا سوى ما عدَّه إخوانه.
واعلموا أيها الإخوة، أن المرء قد تُلِم به أمور تُصعب عليه الاستمرار في درب
الجهاد، فيستسلم لها ويقعد عن بذل وسعه للقيام بما أوجبه الله عليه، كمن يصعب
عليه النفير لسجن أو منع سفر ونحو ذلك مما يعانيه إخواننا في بعض البلدان،
ومن ألمَّ به شيء من ذلك، فعليه أن يستحضر توفيق الله لعبده أبي الليث،
وليعلم أن الله مع عبده ما صدق العبدُ معه، فلا رخصة في المحاولة قدر
المستطاع لتذليل الصعوبات وإزالة العقبات عن طريق الهجرة والجهاد، ولعل هذا
يدخل في قوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً)، فلتراجَع التفاسير في هذه
الآية.
وإنني لأعرف من الإخوة من وصل إلينا بلا جواز سفر، بل إن منهم من عبر عدة دول
بدونه!
* ومن أهم الدروس -التي يجب على أبناء التيار "السلفي الجهادي" خصوصاً أن
يقفوا عندنا طويلاً- موقفه من أهل العلم، فقد كان رحمه الله يحفظ لأهل العلم
قدرهم، ويحترمهم كما يجب لمثلهم، حتى ولو خالفوه في مسائل هي عند البعض من
المسائل التي لا يعفى عن المخالف فيها.
فقد كان – كغيره من قادة الجهاد - يعرف أن لأهل العلم حقهم في الاجتهاد
ومخالفة أهل الثغور في آرائهم، ولم تمنعه المخالفة من حفظ الود لمخالفيه،
ومنع الولوغ في أعراضهم بغير حق.
وكان رحمه الله كثير التواصل مع العلماء في باكستان وأفغانستان، بل وفي بلاد
العرب، ولولا خشية الشيخ رحمه الله على إخوانه العلماء من بطش الطواغيت لصرح
بأسمائهم، ليعرف الناس أن أهل الجهاد هم من أحرص الناس على التواصل مع
العلماء والاستنارة بنور علمهم.
فعلى إخواننا من شباب الجهاد وأنصاره أن يحتذوا بمثل هذا الخلق الكريم الواجب
شرعاً، وأن يحفظوا لأهل العلم الود والاحترام الواجبين شرعاً، وأن يُعلوا من
شأنهم، وألاَّ يجعلوا من آحاد المسائل التي خالفوا فيها –مما تحتمل الاجتهاد
ويتردد فيها النظر- معقداً للولاء والبراء، أو حجة للحط والتخوين، وخاصة
أولئك الذين يظهر منهم حب الخير ونصرة الجهاد وحمل الحق والصدع به ما
استطاعوا، فهؤلاء أولى بالاحترام والتقدير من غيرهم ولو أخطؤوا، ولا يعني هذا
أن نسكت عن أخطائهم، أو أن نتابعهم فيما نظنهم قد أخطؤوا فيه (لا) ، بل
الواجب أن يُرَد عليهم خطؤهم، مع إعذارهم بالقدر الواجب لهم، وحفظ أقدارهم،
ولا تنافي بين الأمرين أبداً.
* ومن الدروس أيضاً، إيلاؤه -رحمه الله- للإعلام اهتماماً كبيراً، وحرصه على
إشهار عمليات إخوانه في بلاد خراسان عبر مؤسسة (لبيك) التي كان قائماً بأمرها
هو وثلة من إخوانه من الكوادر الإعلامية، حتى يسر الله له أن توحد مع قاعدة
الجهاد، فوضع كافة إمكانات مؤسسته الإعلامية (لبيك) في تصرف الإخوة في مؤسسة
السحاب.
وفي هذا عبرة لإخواننا الأنصار من الإعلاميين وغيرهم، فعليهم أن يهتموا
بالإعلام ولا يَحقروا شيئاً مما يمكن فعله في سبيل نصرة المجاهدين إعلامياً
ولو قلَّ، فإن الشيخ أبا الليث الليبي كان قد أوجد مؤسسته الإعلامية هذه من
(لا شيء) ، نصره فيها بعض إخوانه المتخصصين، فقام بجهدهم نشاطٌ إعلاميٌّ مهم،
عرفت الأمة من خلاله أحوال أبنائها في بلاد خراسان.
* ومن الدروس أيضاً، حرصه العظيم على إخوانه وأهاليهم ومن يعولون، بالسؤال
عنهم، وسؤالهم عن أحوالهم، ورفع معنوياتهم لمواجهة مصاعب الحياة.
وهذا مما ينبغي أن يعيَه أهلُ الجهاد ويعملوا به، فكم من عائلةِ مجاهدٍ فقدت
عائلها، بقتل أو أسر، أو بأن ابتعد عنها لظرف الجهاد، فعليهم أن يسألوا عن
هؤلاء وعن أحوالهم، وأن يوفروا لهم احتياجاتهم بقدر استطاعتهم.
كما ينبغي أن يهتم الإخوة بعضُهم بأحوال بعض، بأن يسلي بعضُهم بعضاً ويروِّح
عنه إن رأى منه ضيقاً أو كدراً، وأن يسأله عن حاله وما يضيق صدره، ويشعره
بعمق الأخوّة والولاء، فهذا كله من واجبات الأخوّة الإسلامية.
* وليت إخواننا في بلاد خراسان يعملون على إصدار شيء فيه قبسات من حياة الشيخ
أبي الليث الليبي، وذِكرِ شيء من سيرته ودراسته الشرعية وقيادته العسكرية،
ويستخلصوا منها الفوائد والعبر، فإن سير هؤلاء الأبطال هي من خير الزاد لشباب
الجهاد، ومن خير الوسائل للدعوة إلى الجهاد وإزالة ما علَّقه الإعلام المعادي
في أذهان المسلمين من كَدَر في صورة أهل الجهاد، فإزالة السُّتُر التي تحول
دون نظر المسلمين إلى إشراق صفحات وجوه المجاهدين وسيَرهم هي خير وسيلة
للدعوة إلى الجهاد.
وإني لأذكر حينما كنا نحدث بعض الشباب عن الجهاد تحريضاً لهم كان أوقع شيء في
نفوسهم وأشده أثراً عليهم هو سيَر قادة الجهاد وأقوالهم وأعمالهم وعملياتهم،
بل وطرائفهم أيضاً.
فليكتب الإخوة في بلاد خراسان نُبَذاً من حياته، ومراحل عمره المؤثرة في
شخصيته، وقصصه التي كان يرويها عن نفسه، أو يعرفها إخوانه عنه، وليحرصوا
أشدَّ الحرص -في جمعهم- على التثبت والتوثيق، ونقل صحيح الأخبار دون ما لم
يثبت، ومن ثم فليصوغوا ما جمعوا بأسلوب لطيف حسن، تستخلص منه الدروس التي
تفيد شباب الأمة وعامتها.
أسأل الله عز وجل أن يتقبل عبده الصالحَ – أحسبه ولا أزكيه على الله- أبا
الليث في الشهداء.
وأن يهوِّن على أمة الإسلام فقدَه، فإن فقده –والله- شديد، وأن يخلفه بخير
منه.
وأن يعظم أجر إخوانه أهل الجهاد في أفغانستان، وأن يعينهم على الانتقام لدمه
من قاتليه، وأن تعظُم نكايتُهم في الجيش الباكستاني والأمريكان المجرمين، وفي
كل من ساهم في مقتله بإعانة أو دلالة وإرشاد.
ولا يكن للشيطان إلى نفوس إخواننا مدخل بسبب مقتل الشيخ أبي الليث، بأن يوسوس
لهم أن مقتله هو محِل توقف الجهاد وانكساره، لا والله لا ينكسر الجهاد ما
دامت عين فينا تطرف، وسيستمر بحول الله حتى ينصر الله أمة الإسلام.
فهذا الشيخ عبد الله عزام قُتِلَ ولم يتوقف الجهاد.
وذاك خطاب قُتِلَ أيضاً ولم يتوقف الجهاد.
فهذا هو حال قادة الجهاد منذ الزمن الأول، زمنِ النبي صلى الله عليه وسلم،
ماتوا أو قتلوا، ولم يصب الأمة ضعفٌ ولا خوَر، بل أصيبت الأمة بأعظم مصائبها
بموت قائدها ونبيها صلى الله عليه وسلم، فثبت الرجال من بعده، ولم يلبثوا حتى
جابوا آفاق الدنيا كلها فاتحين، فأين مصاب الأمة في أبي الليث من مصابها في
نبيها صلى الله عليه وسلم؟!
وكلنا يعلم أن الأمة لن تُكسَر بموت أحد مهما علا قدره، وإنما الكسر والقهر
يصيباننا من ضعف الإيمان، فلم تضعف الأمة إلا لما ضعف إيمانها، واشتدت
الخصومات بين أبنائها، فتنازعوا، ففشلوا، وذهبت ريحهم.
فاعلموا يا إخوة الجهاد في بلاد خراسان أننا ننظر إليكم وكلنا فخر بقوتكم
ووحدتكم وسيركم على قلب رجل واحد، فالله الله في جهادكم، لا يَجدنَّ الشيطانُ
ثغرةً يدخل منها إلى قلوبكم، فيفسد عليكم نفوسكم، فإن سَعْيَ الشيطان بين أهل
التوحيد هو بالتحريش بينهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم عليهم تسليماً.
عطا نجد الراوي
1 صفر 1429هـ
العراق
عطا نجد الراوي
1 صفر 1429هـ
العراق
تعليق