مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرا ئيلية وفلسفتها
واسلوب عملها
الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
هذه سلسلة مقالات يقوم الباحث بنشرها تباعا حول اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية تتضمن الموضوعات الاتية:
1. مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية وفلسفتها واسلوب عملها ..
2.دور اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية في صنع القرار السياسي ( تصفية القيادات الفلسطينية نموذجا) ..
3. اساليب عمل الموساد ضد التنظيمات الفلسطينية ..
4. اساليب عمل جهاز الامن العام ( شاباخ) ضد العرب..
5. مهام الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ( امان) ..
وهذه المقالات هي جزء من كتاب اعده الباحث للنشر بصياغة علمية جديدة يتضمن , بالاضافة الى الموضوعات اعلاه ,مقدمة تاريخية عن نشوء وتطور اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية والهيكل التنظيمي لها وقائمة باسماء مدرائها ورؤسائها واهم العمليات التي نفذتها ضد الفلسطينيين والعرب وصراعها مع اجهزة الاستخبارات العربية ….الخ , ولكن الباحث ارتاى نشر الموضوعات المشار اليها سابقا –كاسبقية اولى - كونها تشكل من وجهة نظره اكثر فائدة وضرورة لاطلاع القارىء الكريم في هذه المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية , ومعلومات الكتاب مستقاة من مصادر عديدة سيتم الاشارة اليها بعد الانتهاء من نشر المقالات انشاء الله ..
المقدمة :
1. تحتل اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية مكانة واهمية بالغتين في البنية الاسرائيلية , وقد ادت ادوارا رئيسة وخطيرة ولاتزال في مجال تعزيز وجود الكيان الاسرائيلي وحمايته وتوسعه , لهذا تعتبر هذه الاجهزة من اهم ادوات الستراتيجية الاسرائيلية ونظريتها الامنية و( الدرع الحصين ) والذراع الطويلة في مواجهة تحديات الامن القومي الاسرائيلي بمختلف اشكالها..وتعتمد القيادة الاسرائيلية على هذه الاجهزة وما تقدمه من معلومات وتقديرات استخبارية استراتيجية وعملياتية في عملية صنع القرارات وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء ..
2. لتنفيذ هذه الستراتيجية تشكلت اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية الرئيسة ليضم كل منها دوائر واقسام متخصصة بجمع المعلومات وتحليلها وتقييمها خاصة ما يتعلق منها بالتنظيمات الفلسطينية وقياداتها وانشطتها وتنفيذ العمليات السرية ضدها وبالتنسيق مع اجهزة المخابرات المتحالفة معها..
ميدان البحث في مجال نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
3. ان الهالة التي تحيط بهذه الاجهزة وتنظيماتها وانشطتها نابعة في الاساس من محدودية المعرفة بجوهرها وان البحث في نظرية الاستخبارات اعتمد على المتوفر من المصادر العلنية بالدرجة الاساس ومن تلك التي تصدر عن مؤسسات ومسؤولين اسرائيليين في الغالب وخاصة الصادرة باللغة العبرية , وحتى هذه المعلومات , التي قد تكون مسربة عن قصد بوسائل متعددة اعلامية او تنظيمات مشبوهة , يجب ان تخضع للتحليل والتمحيص والتدقيق كلما كان ذلك ممكنا ,للتوصل الى الاستنتاجات الاكثر صوابا وقربا من الحقيقة والواقع .. من هنا تقتضي الضرورة اعطاء العدو حجمه الحقيقي فلا تقزيمه يفيد ولا تضخيمه يحقق الغاية المتوخاة..
4.في كتابه ( اليهودي اللايهودي) يصور ( اسحاق دويتشر) حالة المستوطنين الاسرائيليين والفلسطينيين بشخص سقط من طابق في فندق فوقع بالصدفة على شخص كان عابرا فوقع كلاهما كسيحا , ويرى ( دويتشر) ان عليهما ان يتعاونا للنهوض,والواقع ان اليهودي الذي سقط على الفلسطيني على ارض فلسطين لم يكن قد سقط بالصدفة بل كان عملا مخططا له وجزءا من مشروع مدروس ومحمي بايديولوجية معلنة وليس هناك من خيار امام الفلسطيني الا التعامل مع هذا المشروع انطلاقا من حسابات دقيقة وبما يخدم قضيته العادلة على كافة الاصعدة و المستويات , فهذا قدره لان الصراع ليس مجرد صدفة بل هو مصيري وتشكل معرفة العدو العنصر الاكثر اهمية وتاثيرا فيه , وبالطبع فان هذا لايتم بمعزل عن التعاون والتنسيق مع الدول العربية والاسلامية والصديقة ..
5.ان الباحث المتتبع لما ينشر من معلومات في المصادر العلنية يجد ان هناك تشابها كبيرا فيما تحتوي هذه المصادر وتطرحه عن الانشطة الاستخبارية وهذا يعني ان هناك مادة قليلة مكررة بصيغ واشكال مختلفة لكنها تتوزع على اكبر عدد من المصادر العلنية الاسرائيلية والعربية والاجنبية , وهذا الموضوع يشكل معضلة بالنسبة للباحثين المختصين في مجال الاستخبارات , خاصة المبتدئين منهم , غالبا ما ينتج عنها اخطاء كثيرة .. ولاجل تفادي هذه الاخطاء او التكرار او التضليل المتعمد للمعلومات والمادة المنشورة وتقديم مادة مقبولة ومفيدة للقارىء العربي وللمختصين في هذا المجال فقد عمد الباحث الى جعل منهج دراسته يرتكز على ما ياتي :
أ . الرجوع الى المصادر الاصلية , سواء المنشورة باللغة العبرية وترجمتها من قبل الباحث شخصيا او المترجمة عنها, وخاصة الصادرة عن مراكز الابحاث والمسؤولين الامنيين الاسرائيليين بعد اخضاعها للتحليل والاستنتاج..
ب.الاستعانة بالمصادر الفلسطينية والعربية المتخصصة والرصينة وكذلك بالمصادر الخاصة ..
ج.اجتزاء ( نصوص) وادراجها في الدراسة للتعزيز والتدليل , مع الاشارة الى ذلك في سياق الشرح او قائمة المصادر ..
د. اعتماد مبدا التحليل والترابط المنطقي لمواد وفقرات الدراسة واغنائها واثرائها بما يعتقده الباحث انها قريبة من الواقع مستعينا بخبرات اشخاص متخصصين في هذا المجال تم اللقاء بهم لهذا الغرض..
مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
6. تقوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية على اساس تعددية الاجهزة الامنية والاستخبارية والبحثية لغرض خلق حالة من التنافس فيما بينها من اجل خدمة الامن القومي الاسرائيلي وللتقليل من احتمالات المباغتة العربية , بالاضافة الى بناء اجهزة متعددة تقوم على اساس التخصص في المهام والعمل حسب الموقع الجغرافي ..
7.ان الخبرة الاستخبارية التي يتلقاها المسؤولون الاسرائيليون من الغرب بشكل خاص تنعكس هي الاخرى على وضع النظرية الاستخبارية موضع التطبيق في مجالات التنظيم والتخصص ولهذا نجدها في الغالب من حيث المهام والمسؤوليات والتنظيم تتشابه مع مثيلاتها من الاجهزة الاخرى في الدول الغربية ..
8. ثمة عامل اخر ساهم في هذه التعددية هو طبيعة ( العدو) المقابل وتهديدات الامن الاسرائيلي كالانتفاضة الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر ..
9. من مزايا هذه التعددية ايضا هي انها منحت الاجهزة نوعا من الاستقلالية ولكن هذه الحالة لن تخلو من عيوب وثغرات عانت منها هذه الاجهزة والقيادة الاسرائيلية على حد سواء منذ مرحلة التاسيس الرسمي والمنظم لها في بداية الخمسينات , ومن ذلك ان الاهداف والمهمات الملقاة على عاتقها كثيرة ومتعددة وبعضها صعبا , فهي تتطلب نطاق معلومات واسع وشامل وتفصيلي وفي ميادين كثيرة وانتشار على مساحة جغرافية واسعة في العالم ومواجهة اجهزة استخبارية وامنية ونظم سياسية متقدمة ونامية .. وقد انعكس هذا على وضع وامكانيات الاجهزة الاسرائيلية لانها تتطلب قدرات فنية وبشرية كبيرة وكلف مادية عالية وهياكل تنظيمية ادارية كبيرة ومتعددة ….الخ ومع ان قيادة العدو الاسرائيلي وضعت لها عددا من المعالجات , لامجال لذكرها هنا , الا انها كانت حلولا جزئية وليست جذرية مازالت تشكل معضلة تعاني منها الاجهزة الاسرائيلية حتى الوقت الحاضر .
10. مما جاء في اعلاه تتضح وجهة النظر الاسرائيلية حول التعددية الاستخبارية على النحو الاتي:
أ. ان التنسيق حالة ملحة وضرورية لاجهزة الاستخبارات وهي انعكاس طبيعي وتحصيل حاصل لتعددية الاجهزة..
ب . ان خطوط وقنوات التنسيق في البنى التحتية والفوقية للاجهزة الامنية غير كافية وتعاني من مشاكل وعيوب ..
ج . ان ايجاد التعددية لخلق حالة التنافس بقدر ماهي حالة مفيدة لكونها تعزز حالة الفردية في العمل وتسير بالاتجاه المعاكس للتنسيق خاصة عندما يتولى قيادة احد هذه الاجهزة او بعضها في الخط الاول والثاني قادة ذوي ميول ونزعات فردية في العمل .
فلسفة نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
11. ان فلسفة الاستخبارات الاسرائيلية تنبع اساسا من طبيعة المجتمع الاسرائيلي حيث السمة الغالبة لهذا المجتمع هي التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدد الجنسيات واختلاف البيئات التي جاء منها اليهود لاقامة الاستيطان الاحلالي في فلسطين , فقد نقلت جماعات المهاجرين عاداتها وتقاليدها وطرق معيشتها المتباينة الى الكيان الاسرائيلي الغاصب,ويتضح ذلك التنافر في التفرقة العنصرية السائدة داخل هذا الكيان بين طوائف الاشكنازيم والسفاراديم واليهود السود ( الفلاشا ) وتتاكد هذه الخلافات ايضا داخل المجتمع الاسرائيلي حيث ينقسم الى جناحين رئيسيين : الاول ديني والثاني علماني , الامر الذي ترك بصمات اجتماعية سلبية على مجمل الحياة داخل اسرائيل ..
12. في ضوء هذا الواقع تعمل القيادة الاسرائيلية على صهر المجتمع الاسرائيلي في بوتقة واحدة في محاولة منها لخلق مجتمع متجانس له طابعه وسماته المشتركة وذلك بتنفيذ سلسلة من الاجرات ابرزها:
أ . استخدام الجيش للتجنيد الاجباري كوسيلة من وسائل صهر المجتمع ..
ب. توحيد مناهج التعليم لخلق ثقافة مشتركة ..
ج. تامين حد ادنى لمستوى المعيشة وادخال العمال في الهستدروت ..
د. اقامة مستعمرات خاصة بالشباب ليكونوا نواة المجتمع في المستقبل ..
هـ. اقرار اللغة العبرية ونشرها لخلق قاسم مشترك جديد غير الديانة اليهودية يجتمع عليه الاسرائيليون و المتدينون ..
و. تلقين الصغار والكبار مبادىء الحركة الصهيونية القائمة على مثلث ( الهجرة والاستيطان – القوة – ألصفاء العرقي ) ..
13. استنادا الى ماتقدم فان الصهيونية العالمية نجحت , من جانب اخر , في ان تغرس في نفوس المستوطنين الصهاينة منذ بداية الاستيطان الصهيوني لفلسطين عقيدة سارت عليها الاستخبارات الاسرائيلية اهم مرتكزاتها هي :
أ. ان اسرائيل في حالة حرب دائمة مع الاقطار العربية حتى تحقق اهدافها بالكامل..
ب. ان اسرائيل تشكل نقطة ارتكاز ليهود العالم وهي تسعى الى تهويد الاراضي الفلسطينية بكافة الوسائل وتهجير سكاتها العرب لاستيطان اكبر عدد من اليهود ..
ج. ان قيام ( الدولة ) هو تحقيق لاسطورة توراتية صنعها اليهود منذ القدم وتمكنوا من اقناع الغربيين بها وهي أن الرب وعدهم بارض الميعاد ..
د. ان تاسيس هذه ( الدولة ) مسؤولية دينية واجبة على كل
يهودي في بقعة من العالم ..
هـ. ان ولاء اليهودي مهما كانت جنسيته يجب ان يكون للوطن
الام اسرائيل وتحقيق امن واستقرار ( الدولة ) وازدهارها هو الخطوة الاولى لعودة ملكوت اسرائيل طبقا للوعد الالهي ..
14. في ضوء العقيدة انفة الذكر خططت قيادة العدو الاسرائيلي وبالتشاور مع اجهزتها الاستخبارية والامنية من اجل استغلال الظروف التي مرت بها الجاليات اليهودية في مختلف انحاء العالم , مستغلة الكراهية التي كانت سائدة ضدهم ، في تلقين اطفالهم العقيدة الدينية والسياسية ولقد استخدمت الصهيونية العالمية اساليب مختلفة لابقاء جذوة هذه العقيدة مشتعلة, فقد حرصت , وما تزال , على ان تذكر اليهود في العالم والراي العام العالمي دائما وبكل الطرق بحق اليهود في العودة الى ارض الميعاد ..
15. لقد افرزت مرتكزات نظرية الاستخبارات الاسرائيلية وعقيدتها فلسفة خاصة بالعنف والارهاب يمكن ايجازها على النحو الاتي :
أ. اذا ضربت احد الكوادر ( المعادية ) فان ظهور بديل له سيستغرق وقتا طويلا وبالتالي سيفكك الشبكة ( المعادية ) وربما سيمزقها ..
ب. الاغتيال يعني القضاء على الكادر القيادي الاكثر خبرة وخطورة وهذا يعني انك حققت الردع ضد الاخرين ..
ج. ان اغتيال الخصوم يرفع معنويات الاسرائيليين ويكون تاثيره سلبيا على اتباع هؤلاء الخصوم خاصة اذا جرى التخطيط للعملية وتنفيذها بطريقة استعراضية ونظيفة ومن دون ان تترك أي اثر ..
واسلوب عملها
الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
هذه سلسلة مقالات يقوم الباحث بنشرها تباعا حول اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية تتضمن الموضوعات الاتية:
1. مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية وفلسفتها واسلوب عملها ..
2.دور اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية في صنع القرار السياسي ( تصفية القيادات الفلسطينية نموذجا) ..
3. اساليب عمل الموساد ضد التنظيمات الفلسطينية ..
4. اساليب عمل جهاز الامن العام ( شاباخ) ضد العرب..
5. مهام الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ( امان) ..
وهذه المقالات هي جزء من كتاب اعده الباحث للنشر بصياغة علمية جديدة يتضمن , بالاضافة الى الموضوعات اعلاه ,مقدمة تاريخية عن نشوء وتطور اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية والهيكل التنظيمي لها وقائمة باسماء مدرائها ورؤسائها واهم العمليات التي نفذتها ضد الفلسطينيين والعرب وصراعها مع اجهزة الاستخبارات العربية ….الخ , ولكن الباحث ارتاى نشر الموضوعات المشار اليها سابقا –كاسبقية اولى - كونها تشكل من وجهة نظره اكثر فائدة وضرورة لاطلاع القارىء الكريم في هذه المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية , ومعلومات الكتاب مستقاة من مصادر عديدة سيتم الاشارة اليها بعد الانتهاء من نشر المقالات انشاء الله ..
المقدمة :
1. تحتل اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية مكانة واهمية بالغتين في البنية الاسرائيلية , وقد ادت ادوارا رئيسة وخطيرة ولاتزال في مجال تعزيز وجود الكيان الاسرائيلي وحمايته وتوسعه , لهذا تعتبر هذه الاجهزة من اهم ادوات الستراتيجية الاسرائيلية ونظريتها الامنية و( الدرع الحصين ) والذراع الطويلة في مواجهة تحديات الامن القومي الاسرائيلي بمختلف اشكالها..وتعتمد القيادة الاسرائيلية على هذه الاجهزة وما تقدمه من معلومات وتقديرات استخبارية استراتيجية وعملياتية في عملية صنع القرارات وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء ..
2. لتنفيذ هذه الستراتيجية تشكلت اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية الرئيسة ليضم كل منها دوائر واقسام متخصصة بجمع المعلومات وتحليلها وتقييمها خاصة ما يتعلق منها بالتنظيمات الفلسطينية وقياداتها وانشطتها وتنفيذ العمليات السرية ضدها وبالتنسيق مع اجهزة المخابرات المتحالفة معها..
ميدان البحث في مجال نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
3. ان الهالة التي تحيط بهذه الاجهزة وتنظيماتها وانشطتها نابعة في الاساس من محدودية المعرفة بجوهرها وان البحث في نظرية الاستخبارات اعتمد على المتوفر من المصادر العلنية بالدرجة الاساس ومن تلك التي تصدر عن مؤسسات ومسؤولين اسرائيليين في الغالب وخاصة الصادرة باللغة العبرية , وحتى هذه المعلومات , التي قد تكون مسربة عن قصد بوسائل متعددة اعلامية او تنظيمات مشبوهة , يجب ان تخضع للتحليل والتمحيص والتدقيق كلما كان ذلك ممكنا ,للتوصل الى الاستنتاجات الاكثر صوابا وقربا من الحقيقة والواقع .. من هنا تقتضي الضرورة اعطاء العدو حجمه الحقيقي فلا تقزيمه يفيد ولا تضخيمه يحقق الغاية المتوخاة..
4.في كتابه ( اليهودي اللايهودي) يصور ( اسحاق دويتشر) حالة المستوطنين الاسرائيليين والفلسطينيين بشخص سقط من طابق في فندق فوقع بالصدفة على شخص كان عابرا فوقع كلاهما كسيحا , ويرى ( دويتشر) ان عليهما ان يتعاونا للنهوض,والواقع ان اليهودي الذي سقط على الفلسطيني على ارض فلسطين لم يكن قد سقط بالصدفة بل كان عملا مخططا له وجزءا من مشروع مدروس ومحمي بايديولوجية معلنة وليس هناك من خيار امام الفلسطيني الا التعامل مع هذا المشروع انطلاقا من حسابات دقيقة وبما يخدم قضيته العادلة على كافة الاصعدة و المستويات , فهذا قدره لان الصراع ليس مجرد صدفة بل هو مصيري وتشكل معرفة العدو العنصر الاكثر اهمية وتاثيرا فيه , وبالطبع فان هذا لايتم بمعزل عن التعاون والتنسيق مع الدول العربية والاسلامية والصديقة ..
5.ان الباحث المتتبع لما ينشر من معلومات في المصادر العلنية يجد ان هناك تشابها كبيرا فيما تحتوي هذه المصادر وتطرحه عن الانشطة الاستخبارية وهذا يعني ان هناك مادة قليلة مكررة بصيغ واشكال مختلفة لكنها تتوزع على اكبر عدد من المصادر العلنية الاسرائيلية والعربية والاجنبية , وهذا الموضوع يشكل معضلة بالنسبة للباحثين المختصين في مجال الاستخبارات , خاصة المبتدئين منهم , غالبا ما ينتج عنها اخطاء كثيرة .. ولاجل تفادي هذه الاخطاء او التكرار او التضليل المتعمد للمعلومات والمادة المنشورة وتقديم مادة مقبولة ومفيدة للقارىء العربي وللمختصين في هذا المجال فقد عمد الباحث الى جعل منهج دراسته يرتكز على ما ياتي :
أ . الرجوع الى المصادر الاصلية , سواء المنشورة باللغة العبرية وترجمتها من قبل الباحث شخصيا او المترجمة عنها, وخاصة الصادرة عن مراكز الابحاث والمسؤولين الامنيين الاسرائيليين بعد اخضاعها للتحليل والاستنتاج..
ب.الاستعانة بالمصادر الفلسطينية والعربية المتخصصة والرصينة وكذلك بالمصادر الخاصة ..
ج.اجتزاء ( نصوص) وادراجها في الدراسة للتعزيز والتدليل , مع الاشارة الى ذلك في سياق الشرح او قائمة المصادر ..
د. اعتماد مبدا التحليل والترابط المنطقي لمواد وفقرات الدراسة واغنائها واثرائها بما يعتقده الباحث انها قريبة من الواقع مستعينا بخبرات اشخاص متخصصين في هذا المجال تم اللقاء بهم لهذا الغرض..
مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
6. تقوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية على اساس تعددية الاجهزة الامنية والاستخبارية والبحثية لغرض خلق حالة من التنافس فيما بينها من اجل خدمة الامن القومي الاسرائيلي وللتقليل من احتمالات المباغتة العربية , بالاضافة الى بناء اجهزة متعددة تقوم على اساس التخصص في المهام والعمل حسب الموقع الجغرافي ..
7.ان الخبرة الاستخبارية التي يتلقاها المسؤولون الاسرائيليون من الغرب بشكل خاص تنعكس هي الاخرى على وضع النظرية الاستخبارية موضع التطبيق في مجالات التنظيم والتخصص ولهذا نجدها في الغالب من حيث المهام والمسؤوليات والتنظيم تتشابه مع مثيلاتها من الاجهزة الاخرى في الدول الغربية ..
8. ثمة عامل اخر ساهم في هذه التعددية هو طبيعة ( العدو) المقابل وتهديدات الامن الاسرائيلي كالانتفاضة الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر ..
9. من مزايا هذه التعددية ايضا هي انها منحت الاجهزة نوعا من الاستقلالية ولكن هذه الحالة لن تخلو من عيوب وثغرات عانت منها هذه الاجهزة والقيادة الاسرائيلية على حد سواء منذ مرحلة التاسيس الرسمي والمنظم لها في بداية الخمسينات , ومن ذلك ان الاهداف والمهمات الملقاة على عاتقها كثيرة ومتعددة وبعضها صعبا , فهي تتطلب نطاق معلومات واسع وشامل وتفصيلي وفي ميادين كثيرة وانتشار على مساحة جغرافية واسعة في العالم ومواجهة اجهزة استخبارية وامنية ونظم سياسية متقدمة ونامية .. وقد انعكس هذا على وضع وامكانيات الاجهزة الاسرائيلية لانها تتطلب قدرات فنية وبشرية كبيرة وكلف مادية عالية وهياكل تنظيمية ادارية كبيرة ومتعددة ….الخ ومع ان قيادة العدو الاسرائيلي وضعت لها عددا من المعالجات , لامجال لذكرها هنا , الا انها كانت حلولا جزئية وليست جذرية مازالت تشكل معضلة تعاني منها الاجهزة الاسرائيلية حتى الوقت الحاضر .
10. مما جاء في اعلاه تتضح وجهة النظر الاسرائيلية حول التعددية الاستخبارية على النحو الاتي:
أ. ان التنسيق حالة ملحة وضرورية لاجهزة الاستخبارات وهي انعكاس طبيعي وتحصيل حاصل لتعددية الاجهزة..
ب . ان خطوط وقنوات التنسيق في البنى التحتية والفوقية للاجهزة الامنية غير كافية وتعاني من مشاكل وعيوب ..
ج . ان ايجاد التعددية لخلق حالة التنافس بقدر ماهي حالة مفيدة لكونها تعزز حالة الفردية في العمل وتسير بالاتجاه المعاكس للتنسيق خاصة عندما يتولى قيادة احد هذه الاجهزة او بعضها في الخط الاول والثاني قادة ذوي ميول ونزعات فردية في العمل .
فلسفة نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
11. ان فلسفة الاستخبارات الاسرائيلية تنبع اساسا من طبيعة المجتمع الاسرائيلي حيث السمة الغالبة لهذا المجتمع هي التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدد الجنسيات واختلاف البيئات التي جاء منها اليهود لاقامة الاستيطان الاحلالي في فلسطين , فقد نقلت جماعات المهاجرين عاداتها وتقاليدها وطرق معيشتها المتباينة الى الكيان الاسرائيلي الغاصب,ويتضح ذلك التنافر في التفرقة العنصرية السائدة داخل هذا الكيان بين طوائف الاشكنازيم والسفاراديم واليهود السود ( الفلاشا ) وتتاكد هذه الخلافات ايضا داخل المجتمع الاسرائيلي حيث ينقسم الى جناحين رئيسيين : الاول ديني والثاني علماني , الامر الذي ترك بصمات اجتماعية سلبية على مجمل الحياة داخل اسرائيل ..
12. في ضوء هذا الواقع تعمل القيادة الاسرائيلية على صهر المجتمع الاسرائيلي في بوتقة واحدة في محاولة منها لخلق مجتمع متجانس له طابعه وسماته المشتركة وذلك بتنفيذ سلسلة من الاجرات ابرزها:
أ . استخدام الجيش للتجنيد الاجباري كوسيلة من وسائل صهر المجتمع ..
ب. توحيد مناهج التعليم لخلق ثقافة مشتركة ..
ج. تامين حد ادنى لمستوى المعيشة وادخال العمال في الهستدروت ..
د. اقامة مستعمرات خاصة بالشباب ليكونوا نواة المجتمع في المستقبل ..
هـ. اقرار اللغة العبرية ونشرها لخلق قاسم مشترك جديد غير الديانة اليهودية يجتمع عليه الاسرائيليون و المتدينون ..
و. تلقين الصغار والكبار مبادىء الحركة الصهيونية القائمة على مثلث ( الهجرة والاستيطان – القوة – ألصفاء العرقي ) ..
13. استنادا الى ماتقدم فان الصهيونية العالمية نجحت , من جانب اخر , في ان تغرس في نفوس المستوطنين الصهاينة منذ بداية الاستيطان الصهيوني لفلسطين عقيدة سارت عليها الاستخبارات الاسرائيلية اهم مرتكزاتها هي :
أ. ان اسرائيل في حالة حرب دائمة مع الاقطار العربية حتى تحقق اهدافها بالكامل..
ب. ان اسرائيل تشكل نقطة ارتكاز ليهود العالم وهي تسعى الى تهويد الاراضي الفلسطينية بكافة الوسائل وتهجير سكاتها العرب لاستيطان اكبر عدد من اليهود ..
ج. ان قيام ( الدولة ) هو تحقيق لاسطورة توراتية صنعها اليهود منذ القدم وتمكنوا من اقناع الغربيين بها وهي أن الرب وعدهم بارض الميعاد ..
د. ان تاسيس هذه ( الدولة ) مسؤولية دينية واجبة على كل
يهودي في بقعة من العالم ..
هـ. ان ولاء اليهودي مهما كانت جنسيته يجب ان يكون للوطن
الام اسرائيل وتحقيق امن واستقرار ( الدولة ) وازدهارها هو الخطوة الاولى لعودة ملكوت اسرائيل طبقا للوعد الالهي ..
14. في ضوء العقيدة انفة الذكر خططت قيادة العدو الاسرائيلي وبالتشاور مع اجهزتها الاستخبارية والامنية من اجل استغلال الظروف التي مرت بها الجاليات اليهودية في مختلف انحاء العالم , مستغلة الكراهية التي كانت سائدة ضدهم ، في تلقين اطفالهم العقيدة الدينية والسياسية ولقد استخدمت الصهيونية العالمية اساليب مختلفة لابقاء جذوة هذه العقيدة مشتعلة, فقد حرصت , وما تزال , على ان تذكر اليهود في العالم والراي العام العالمي دائما وبكل الطرق بحق اليهود في العودة الى ارض الميعاد ..
15. لقد افرزت مرتكزات نظرية الاستخبارات الاسرائيلية وعقيدتها فلسفة خاصة بالعنف والارهاب يمكن ايجازها على النحو الاتي :
أ. اذا ضربت احد الكوادر ( المعادية ) فان ظهور بديل له سيستغرق وقتا طويلا وبالتالي سيفكك الشبكة ( المعادية ) وربما سيمزقها ..
ب. الاغتيال يعني القضاء على الكادر القيادي الاكثر خبرة وخطورة وهذا يعني انك حققت الردع ضد الاخرين ..
ج. ان اغتيال الخصوم يرفع معنويات الاسرائيليين ويكون تاثيره سلبيا على اتباع هؤلاء الخصوم خاصة اذا جرى التخطيط للعملية وتنفيذها بطريقة استعراضية ونظيفة ومن دون ان تترك أي اثر ..
تعليق