إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خروف.. وتخاريف..!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خروف.. وتخاريف..!!


    بقلم: توفيق الحاج
    \" الحمدلله الذي لم يخلقني خروفا \"
    عبارة قلتها حين شاهدت سوق بيع خراف العيد في طريقي الى غزة..ضحك من معي في السيارة ثم سادت لحظة صمت ..تأملت ماقلت..وجدتني أعيد النظر فيه وأبدأ بالسؤال..ولم لا أكون خروفا....؟ !!
    أليس هذا أشرف وأكرم من أن نكون ذئابا تنهش بعضها البعض حتى الموت ..!!
    وكلها على اختلاف انيابهافرائس سهلة للعنقاء العبرية..؟ !!
    أن أكون خروفا في هذا الزمن المر .. فان هذا يضمن لي صفحة سوابق بيضاء ناصعة وغير مصنفة على فصيل أو لون معين ويضمن لي قبل الذبح طبعا تبنا وشعيرا كثيرا ممزوجا بالملح من التاجر الجشع لضمان زيادة وزني وبيعي بأكبر مبلغ ممكن من الدنانير أو الدولارات أو الشيكلات ..هذا عدا الجولات السياحية في المراعي للتحلية بالحشائش الطرية المنتوعة بعيدا عن الهم البشري من طحين وغاز وفواتير التليفون والكهرباء والسولار وتزايد ضنك من يعيشون الحصار ويعانون من اغلاق المعابر ولا يجدون حتى الكوبونات ورغم ذلك فان الفريقين المتناحرين يستثمرون معاناه الأبرياء ويوظفونها لخدمة أغراضهم الضيقة ويتسابقون في صراع كروي محموم ..لايهمهما سوى حصد أكبر عدد ممكن من النقاط في دوري المهرجانات ..!!
    صحيح ان لي عقل خروف ولكني أعي بقدرة الله مايدور حولي أكثر من أولئك المتأستذين وفطاحل الفتاوى السياسية الذين يعملون بالريموت كونترول ..!!
    ولهذا .. فاني أرحب بمصيري على يد سكين جزار تنفيذا لقيمة التضحية الالهية .. ففي رأيي كخروف عيد ان نهايتي بهذه الطريقة هي أعظم من نهايات كثيرة للبشر من حولي حيث يذبح الاخ أخيه والابن ابيه من أجل مخترة أوشيخة ..!!
    استغرقت في الصورة.. فرأيت ان التاجر يقرر بيعي ويذهب بي السوق راكبا لانه يخشى على من التعب والارهاق..ياسلام على الإنسانية ،وهناك يبدأ المساومات وحلف الايمان والصلاة على النبي وهو الذي لم أره يصلي منذ فتحت عيني على الدنيا وحرمني من الرضاع من امي التي باعها بعد ميلادي بعشرة أيام ..!!
    بعد ربع ساعة ..باعني التاجر فاقد الذمة الى رجل موسر من أهل الحكم وقبض المبلغ بالدولار فدسه في جيب البالطو الوسخ..وقال مبروك
    أخذني المالك الجديد راكبا ومعززا مكرما الى بيته..وهناك استقبلني الاطفال من رأس الشارع..زفوني وداعبوني و حاولوا اضحاكي وصوروني عدة صور للذكرى.. ولكنى لم ابتسم فكيف أفعل ذلك وأنا سأغادر الدنيا بعد يومين..؟ !!
    كان المكان أكثر دفئا وأنسا فقد سمعت لاول مرة أخبار الجزيرة وأناشيد الاقصى وبكيت لما سمعت أغنية حزينة عن الغربة والأسر ولكني فوجئت عندما سمعت أغنية خاصة للخراف أمثالي ..!!
    سمعت أيضا شيئا عجبا عن أمام فتنة من أئمة هذا الزمن رفض أن يصلي على شهيدين.. أي والله شهيدين..!! بدعوى انهمامن فئة غير الفئة ومن لون غير اللون ..!!
    تصوروا..الى هذه الدرجة من التوحش والتبلد وضياع الدنيا والدين وصل البشر ..

    كنت أحس بطعم كل لحظة تمر ..في هذا العز وقبل أن أساق إلى مصيري
    وفي ليلة العيد ..سهرت حتى الصباح وفكرت في حكمة ان نكون نحن معشر الأنعام الضحية عن بشر يضحون في الحقيقة ببعضهم البعض ويجيدون فقط لعبة النعي والتأبين ..!!
    إنها حكمة الخالق وأنا مؤمن بالله..وما يعزيني أنني كخروف ذاهب مباشرة إلى الجنة دون واسطة لأني لم أسيء لأحد ولم أكذب على أحد ولم أسرق مال أحد..صفحتي بيضاء ..
    كحمام مكة بينما سيصلى معظم الذابحين والمذبوحين بنار جهنم لأنهم اقتتلوا على الباطل بالباطل ..!!

    قبل لحظات من موعد الذبح جاء \" أبو الحسن\" من صلاة العيد والسبحة في يده وبرفقته جزار محترف ..
    أيقنت لحظتها إن ساعتي قد دنت.. قرأت الفاتحة..ودعوت الله ان يخفف عنى سكرة الموت..سمعت كما الحلم زوجة صاحب البيت.. توصي زوجها بلهجة أمرة ان لايفرط بالكبد والكلاوي والفشة والمعلاق وحتى الكرشة وثلثي الضحية لانها ستخبئها في الثلاجة الكبيرة..فاللحمة طار سعرها الى 50شيكل للكيلو ..وأولادها أبدى ..!!
    كانت ضحكتي الأخيرة قبل أن أرفض بصمت الشرب من الجردل الأسود شربتي الأخيرة ..
    وهنا أمسك بي الجزار وداعبني بيده الجافة قليلا..وعيني على سكينه الفضي الحاد ..
    بكى الطفل الصغير من جلال المنظر..فأخذوه بعيدا..هتف الجزار العبوس :الله أكبر ..!!
    تجلدت..وتقلصت فرائصي وأخذتني العزة فلم أصرخ ب..ماء..ماء فقال أبو الحسن ..ان هذا يذكرني بموقف صعب جرى في صبيحة عيد الأضحى الماضي ..!!
    كانت قرصة عميقة سرعان ماتحولت الى احتراق كبير واختناق في الرقبة فظيع..سائل لزج يتدفق..برودة سريعة تسرى ..ترتعش اطرافي..أصعد في غيبوبة بيضاء..أرى أمي في أبهة صورة..وهي تمد يديها الي سعيدة..مرحبة ..
    أحسستني في صعودي الى السماء المسيح ويوسف وإسماعيل معا..سعادة ما بعدها سعادة أني أغادر ذلك العالم الضيق المتهالك الى فضاء الديمومة والصفاء ..!!
    هنا ايقطنى ركاب السيارة من سرحاني البعيد.. فضحكت بصوت مكتوم..ونزلت بينما المذيع المنتصر..يعلن سقوط 12 ضحية فلسطينية في 24 ساعة فقط .

    14:14 11:11 88:8 55:5 22:2
يعمل...
X