الأمة الإسلامية في عصورها المتأخرة تفتن في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا تعتبر ولا تتعظ، وكأن طوفان النسيان قد أحاط بها من كل جهة، وكأنها كتب عليها أن تنسى عدوها، وأن تصافح بيدها اليمنى من قطع يدها اليسرى، وكل هذه التنازلات التاريخية والعقدية والسياسية من أجل خطب وعظيَّة، أو عنتريات وهميَّة!
لقد أصاب كبد الحقيقة من وصف بعضَ الأمة العربية بأمهم (ظاهرة صوتية) تستجيب لنداء القلب والعاطفة في خضم الأحداث السياسية والعسكرية الحرجة، وتؤمن بالأحلام والرؤى كوحي منزل أو كواقع محتوم، وتنجرف وراء كل ناعق يلبس مسوح الأبطال.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنّ أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان).
ما أسرع نسيان الأمة؟
فقبل قرن واحد فقط، انجرف الناس وراء (الرجل الصنم) كمال أتاتورك، وخُدع به فضلاء من العلماء والأدباء، حتى قال عنده شاعرهم: يا خالد الترك جدد خالد العرب!
ثم تبيّن لهؤلاء الفضلاء أن بطلهم ومجددهم إنما هو سراب. لكن الأمة لم تُعدم النسيان السريع، فقد ظهر بطل جديد، وهو (جمال عبدالناصر) الذي سوف يحرق نصف إسرائيل، فصفق له الفضلاء والأدباء، وخرج الشارع العربي يصيح بفداء الزعيم العربي العظيم!
ثم تبيّن لهؤلاء الفضلاء أن بطلهم إنما هو سراب. وجر المنطقة كلها للدمار وللاحتلال، لكن الأمة زودت نفسها بحقنة كبيرة من النسيان، فظهر لها بطل جديد من أرض فارس، إنها (روح الله الخميني) فخرج الإخوان المسلمون مرحبين ببطلهم الإسلامي الذي سيقيم دولة الخلافة الراشدة، وخرج الشارع العربي يهتف باسم الخميني!
ثم تبيّن لهؤلاء الفضلاء أن بطلهم ليس سراباً بل الموت الأحمر، حيث إن هدفه الأول هو مكة والمدينة، وعدوه الأول ليس الشيطان الأكبر بل النواصب!
لكن الأمة وبفضل مخزونها العظيم من النسيان اكتشفت بطلاً جديداً، آتٍ من أرض العظماء أرض العراق، ألا وهو (صدام المجيد) فصفقوا له، ووصفه شاعر العرب بأنه: (سيف العروبة)، ثم خرج الشارع العربي –وخصوصاً الفلسطيني- يفدي بطله العربي بدمه وروحه، وفعلاً لم يخيب البطل ظن الجماهير، حيث أرسل صواريخه إلى إسرائيل ودكت بعض مدنها، وإسرائيل صامتة صابرة متظاهرة بالضعف، لعلمها أن أمها أمريكا سوف تنظف المنطقة وفق سياسة الشرق الجديد.
ثم أعدم سيف العروبه ولم يحرك المسلمون والعرب ساكنا
التاريخ العربي مليء بالدماء، لكن الذاكرة العربية أعظم نسياناً من كل حدث، ففي العام 1970م سيطر العلويون الشيعة على سوريا بقيادة حافظ الأسد، وفي 1984م أصبحت بيروت الغربية السنية منطقة شيعية، وفي 2003م أصبحت الدولة السنية في العراق دولة شيعية، وأصبح أهل السنة هناك حمى مستباحاً للميليشيات الإيرانية، يُقتل منه بالمئات يومياً وبصورة غير متناهية في الوحشية، ومع كل ذلك لا تفيق الذاكرة العربية إلا على صوت البطل (حسن نصر الله الإيراني) !
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية واصفاً حال الناس أيام الفتن، ويتحدث فيها عن أحداث شبيهة بأحداثنا الحالية:
قَالَ: (وَنَزَلَتْ فِتْنَةٌ تَرَكَتْ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَأَنْزَلَتْ الرَّجُلَ الصَّاحِيَ مَنْزِلَةَ السَّكْرَانِ وَتَرَكَتْ الرَّجُلَ اللَّبِيبَ لِكَثْرَةِ الْوَسْوَاسِ لَيْسَ بِالنَّائِمِ وَلَا الْيَقِظَانِ وَتَنَاكَرَتْ فِيهَا قُلُوبُ الْمَعَارِفِ وَالْإِخْوَانِ، وَمَيَّزَ اللَّهُ فِيهَا أَهْلَ الْبَصَائِرِ وَالْإِيقَانَ مِنْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَوْ نِفَاقٌ وَضَعْفُ إيمَانٍ وَرَفَعَ بِهَا أَقْوَامًا إلَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ كَمَا خَفَضَ بِهَا أَقْوَامًا إلَى الْمَنَازِلِ الْهَاوِيَةِ.
وَبُلِيَتْ فِيهَا السَّرَائِرُ. وَظَهَرَتْ الْخَبَايَا الَّتِي كَانَتْ تُكِنُّهَا الضَّمَائِرُ. وَتُبَيِّنُ أَنَّ الْبَهْرَجَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَخُونُ صَاحِبَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ.
وَكَانَتْ هَزِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبِ ظَاهِرَةٍ وَخَطَايَا وَاضِحَةٍ : مِنْ فَسَادِ النِّيَّاتِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَالْبَغْيِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.فَلِذَلِكَ اسْتَوْلَتْ الْحِيرَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مُتَّسِمًا بِالِاهْتِدَاءِ وَتَرَاجَمَتْ بِهِ الْآرَاءُ تَرَاجِمَ الصِّبْيَانِ بِالْحَصْبَاءِ).
لقد أصاب كبد الحقيقة من وصف بعضَ الأمة العربية بأمهم (ظاهرة صوتية) تستجيب لنداء القلب والعاطفة في خضم الأحداث السياسية والعسكرية الحرجة، وتؤمن بالأحلام والرؤى كوحي منزل أو كواقع محتوم، وتنجرف وراء كل ناعق يلبس مسوح الأبطال.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنّ أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان).
ما أسرع نسيان الأمة؟
فقبل قرن واحد فقط، انجرف الناس وراء (الرجل الصنم) كمال أتاتورك، وخُدع به فضلاء من العلماء والأدباء، حتى قال عنده شاعرهم: يا خالد الترك جدد خالد العرب!
ثم تبيّن لهؤلاء الفضلاء أن بطلهم ومجددهم إنما هو سراب. لكن الأمة لم تُعدم النسيان السريع، فقد ظهر بطل جديد، وهو (جمال عبدالناصر) الذي سوف يحرق نصف إسرائيل، فصفق له الفضلاء والأدباء، وخرج الشارع العربي يصيح بفداء الزعيم العربي العظيم!
ثم تبيّن لهؤلاء الفضلاء أن بطلهم إنما هو سراب. وجر المنطقة كلها للدمار وللاحتلال، لكن الأمة زودت نفسها بحقنة كبيرة من النسيان، فظهر لها بطل جديد من أرض فارس، إنها (روح الله الخميني) فخرج الإخوان المسلمون مرحبين ببطلهم الإسلامي الذي سيقيم دولة الخلافة الراشدة، وخرج الشارع العربي يهتف باسم الخميني!
ثم تبيّن لهؤلاء الفضلاء أن بطلهم ليس سراباً بل الموت الأحمر، حيث إن هدفه الأول هو مكة والمدينة، وعدوه الأول ليس الشيطان الأكبر بل النواصب!
لكن الأمة وبفضل مخزونها العظيم من النسيان اكتشفت بطلاً جديداً، آتٍ من أرض العظماء أرض العراق، ألا وهو (صدام المجيد) فصفقوا له، ووصفه شاعر العرب بأنه: (سيف العروبة)، ثم خرج الشارع العربي –وخصوصاً الفلسطيني- يفدي بطله العربي بدمه وروحه، وفعلاً لم يخيب البطل ظن الجماهير، حيث أرسل صواريخه إلى إسرائيل ودكت بعض مدنها، وإسرائيل صامتة صابرة متظاهرة بالضعف، لعلمها أن أمها أمريكا سوف تنظف المنطقة وفق سياسة الشرق الجديد.
ثم أعدم سيف العروبه ولم يحرك المسلمون والعرب ساكنا
التاريخ العربي مليء بالدماء، لكن الذاكرة العربية أعظم نسياناً من كل حدث، ففي العام 1970م سيطر العلويون الشيعة على سوريا بقيادة حافظ الأسد، وفي 1984م أصبحت بيروت الغربية السنية منطقة شيعية، وفي 2003م أصبحت الدولة السنية في العراق دولة شيعية، وأصبح أهل السنة هناك حمى مستباحاً للميليشيات الإيرانية، يُقتل منه بالمئات يومياً وبصورة غير متناهية في الوحشية، ومع كل ذلك لا تفيق الذاكرة العربية إلا على صوت البطل (حسن نصر الله الإيراني) !
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية واصفاً حال الناس أيام الفتن، ويتحدث فيها عن أحداث شبيهة بأحداثنا الحالية:
قَالَ: (وَنَزَلَتْ فِتْنَةٌ تَرَكَتْ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَأَنْزَلَتْ الرَّجُلَ الصَّاحِيَ مَنْزِلَةَ السَّكْرَانِ وَتَرَكَتْ الرَّجُلَ اللَّبِيبَ لِكَثْرَةِ الْوَسْوَاسِ لَيْسَ بِالنَّائِمِ وَلَا الْيَقِظَانِ وَتَنَاكَرَتْ فِيهَا قُلُوبُ الْمَعَارِفِ وَالْإِخْوَانِ، وَمَيَّزَ اللَّهُ فِيهَا أَهْلَ الْبَصَائِرِ وَالْإِيقَانَ مِنْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَوْ نِفَاقٌ وَضَعْفُ إيمَانٍ وَرَفَعَ بِهَا أَقْوَامًا إلَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ كَمَا خَفَضَ بِهَا أَقْوَامًا إلَى الْمَنَازِلِ الْهَاوِيَةِ.
وَبُلِيَتْ فِيهَا السَّرَائِرُ. وَظَهَرَتْ الْخَبَايَا الَّتِي كَانَتْ تُكِنُّهَا الضَّمَائِرُ. وَتُبَيِّنُ أَنَّ الْبَهْرَجَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَخُونُ صَاحِبَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ.
وَكَانَتْ هَزِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبِ ظَاهِرَةٍ وَخَطَايَا وَاضِحَةٍ : مِنْ فَسَادِ النِّيَّاتِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَالْبَغْيِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.فَلِذَلِكَ اسْتَوْلَتْ الْحِيرَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مُتَّسِمًا بِالِاهْتِدَاءِ وَتَرَاجَمَتْ بِهِ الْآرَاءُ تَرَاجِمَ الصِّبْيَانِ بِالْحَصْبَاءِ).
تعليق