محمد عبد الرحمن عبد الرءوف القدوة الحسيني
كتبت الكثير من المقالات والدراسات التي تتسع لمجلدات ضخمة، عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقيل فيه الكثير. ولكن تبقى حقيقته البسيطة واضحة لأبناء شعبه وللعالم أجمع: فلقد ظل عرفات وفياً للثوابت التي أمن بها، كقضايا القدس واللاجئين والدولة، وكان مرناً الى أقصى درجات المرونة في كل شيء إلا في تلك الثوابت.
محمد عبد الرحمن عبد الرءوف القدوة الحسيني، هو الاسم الحقيقي لياسر عرفات، الذي اتخذ اسم "ياسر" وكنية "أبو عمار"، أثناء دراسته في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، إحياءً لذكرى مناضل فلسطيني قتل وهو يكافح الانتداب البريطاني.
مكان ولادة عرفات ما زال محل خلاف، فهو يقول انه من مواليد القدس في أغسطس/ آب 1929، أما جميع من تتبعوا سيرة حياته، فيعتقدون انه من مواليد مدينة القاهرة يوم 24 أغسطس/ آب 1929.
وباستثناء الخلاف حول مكان ولادته، لا يختلف احد من المؤرخين على التاريخ النضالي المشرف لهذا الفلسطيني الذي حمل الهم الفلسطيني في قلبه وعلى كاهله، طوال اكثر من اربعة عقود.
بدأ عرفات حياته السياسية في مطلع حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حينما شارك في عام 1952 عندما كان طالبا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة في تأسيس اتحاد طلبة فلسطين في مصر. وقد تولى رئاسة رابطة الخريجين الفلسطينيين بعد نجاح ثورة يوليو/ تموز بقيادة جمال عبد الناصر في الاستيلاء على السلطة.
ظهرت مواهبه منذ سنوات شبابه المبكر كناشط وزعيم سياسي. وقد انجذب في البداية لجماعة الأخوان المسلمين، لكنه سرعان ما اعتنق فكر الكفاح المسلح ضد إسرائيل عقب "نكبة" عام 1948 وقيام دولة إسرائيل فوق ما يزيد عن 70 بالمئة من مساحة فلسطين التي كانت خاضعة للحكم البريطاني.
بعد انتصار ثورة الضباط الاحرار في مصر في 23 يوليو/ تموز 1952، بعث عرفات، عام 1953، خطاباً الى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، حمل ثلاث كلمات فقط هي: "لا تنس فلسطين". وقيل إن عرفات سطر الكلمات الثلاث بدمائه.
تأسيس "فتح"
التحق بالخدمة العسكرية في الجيش المصري وشارك في التصدي للعدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني على مصر في حرب السويس. وفي عام 1956 مُنح عرفات رتبة ملازم في الجيش المصري.
وفي 1958 شكل عرفات الذي كان وقتها يعمل مهندسا في الكويت مع مجموعة صغيرة من المغتربين الفلسطينيين الخلية الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تبنت الكفاح المسلح وسيلة لتحرير فلسطين. ومن ابرز الذين شاركوه تأسيس فتح: صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد) .
وكشف عرفات في ما بعد عن قيامه في ذلك الوقت بجمع بنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية من الصحارى المصرية لتسليح حركته.
وفي 31 كانون الأول 1964 نفذت حركة فتح أول عملية مسلحة في الاراضي الاسرائيلية عبر محاولة نسف محطة مائية وقام عرفات شخصيا بتسليم بيان تبني العملية إلى صحيفة "النهار" اللبنانية.
وفي 28 أيار 1964 تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية تحت رعاية مصر، وترأسها احمد الشقيري. واعتمدت المنظمة ميثاقا وطنيا يطالب بحق تقرير المصير للفلسطينيين ويرفض قيام دولة اسرائيل.
وفي حزيران 1967: انتقل عرفات الى العمل السري، تحت اسمه الحركي "أبو عمار". وفي تموز توجه سراً إلى الضفة الغربية المحتلة حيث أمضى أربعة أشهر قام خلالها بتنظيم خلايا حركة فتح.
وفي 4 شباط 1969 انتخب عرفات رئيسا للمنظمة التي أصبحت ممثلا للشعب الفلسطيني. 1959: أسس عرفات في الكويت مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
اكتسب عرفات أثناء خدمته بالجيش المصري خبرة في العمليات العسكرية واستخدام المتفجرات أهلته لقيادة الجناح العسكري لحركة فتح الذي عرف باسم "العاصفة"، وبدأ عملياته عام 1965
معركة الكرامة ورئاسة منظمة التحرير
وفي تلك المرحلة، بدأ نجم عرفات في البزوغ كزعيم سياسي فلسطيني ثائر، غير أن نجمه لمع أكثر في الأردن حيث كانت توجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 و1967، فتوفر المناخ لعرفات كي يقوم بتدريب أفراد من قوات فتح التي عرفت باسم "العاصفة"؛ وهو ما شجعه في الأمد القريب على تنفيذ عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية من خلال التسلل عبر الحدود الأردنية إلى الأراضي المحتلة، أو من خلال استهداف الدوريات الإسرائيلية العاملة على الشريط الحدودي.
وقامت عناصر العاصفة بشن هجمات على إسرائيل من الأردن ولبنان وقطاع غزة الذي كان يخضع للحكم المصري.
وبعد حرب عام 1967 التي ألحقت فيها إسرائيل الهزيمة بالجيوش العربية، واستولت على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان، قامت جماعات المقاومة الفلسطينية بتكثيف أنشطتها ضد الاحتلال الاسرائيلي. ولم يبق في ساحة القتال ضد إسرائيل سوى حركة فتح.
وقد اكتسب عرفات المزيد من الشهرة كقائد عسكري ميداني في عام 1968 عندما قاد قواته في القتال دفاعاً عن بلدة "الكرامة" الأردنية أمام قوات إسرائيلية أكثر عدداً وأقوى تسلحاً.
وزرعت معركة الكرامة الإحساس بالتفاؤل بين الفلسطينيين، كما أدت لارتفاع راية قوى التحرر الوطني الفلسطينية بعد فشل الأنظمة العربية في التصدي لإسرائيل.
وبعد مضي عام على معركة الكرامة اختير عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أسستها جامعة الدول العربية عام 1965
حطام احدى الطائرات التي اختطفت الى الاردن قبل ايلول الاسود
ايلول الأسود والانتقال الى لبنان
في العام 1970 هاجم الجيش الأردني القوات الفلسطينية في الأردن بعد أن خطف رجال المقاومة أربع طائرات ركاب إلى مطار في صحراء المملكة، ووقعت اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن سقوط ضحايا من كلا الجانبين وعرفت بأحداث "أيلول الأسود"، وبعد وساطات عربية قررت المقاومة الفلسطينية في العام التالي الخروج من الأردن والانتقال إلى لبنان بعد أن نجحت مصر في إنقاذ عرفات من الموت المحقق في عمان وتهريبه سرا إلى القاهرة حيث حضر القمة العربية في سبتمبر 1970، فكانت أول قمة عربية تسلط فيها بقوة أضواء وفلاشات الكاميرات عليه.
ومع انتقال المنظمة إلى لبنان، واصل "الثائر" أبو عمار رحلة الكفاح المسلح، فشرع في ترتيب صفوف المقاومة معتمدا على مخيمات اللاجئين. وفي السنوات التي أعقبت انتقال عرفات إلى بيروت نفذ مسلحون فلسطينيون ينتمون لفصائل مختلفة عمليات تفجير وخطف طائرات واغتيالات، من أشهرها عملية خطف وقتل 11 رياضياً إسرائيلياً أثناء دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في ميونخ عام 1972.
في 13 نيسان 1973 حاولت اسرائيل اغتيال ياسر عرفات، في بيروت، حيث قامت مجموعة اسرائيلية ضمت بين افرادها من اصبح لاحقا رئيسا لوزراء اسرائيل ايهود باراك. وقد تمكنت المجموعة من اغتيال ثلاثة من مساعدي عرفات ولكنها لم تعثر عليه. واكد مقربون منه ان "معجزة سمحت له بالبقاء بعيدا". وفي الواقع لم يكن عرفات يمضي اكثر من بضع ساعات تحت سقف واحد وقد لف تحركاته بتكتم مطلق.
غصن زيتون وبندقية ثائر
وفي 29تشرين الأول 1974 اعلنت القمة العربية في الرباط منظمة التحرير "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني.
وفي 13 تشرين الثاني 1974، تحدث عرفات للمرة الاولى امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك قائلا "أتيت إلى هنا حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من اجل الحرية في الاخرى. فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي". ومُنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في المنظمة الدولية.
وفي نيسان 1975، مع اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، وقف عرفات في صف القوى التقدمية اللبنانية.
وفي حزيران 1980: أصدرت السوق الاوروبية المشتركة "اعلان البندقية" الذي يطالب بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في اي مفاوضات لاحلال السلام.
وخاضت المقاومة الفلسطينية الكفاح من لبنان ضد الكيان الاسرائيلي، ونتيجة لنجاح المقاومة الفلسطينية في حقبة السبعينيات في تسديد ضربات موجعة للاحتلال، قررت إسرائيل شن هجوم على قواعد المقاومة والقضاء عليها وهو ما توج بغزو بيروت عام 1982
ابو عمار في بيروت ايام الحصار
من لبنان إلى تونس
بعد اجتياح بيروت وفرض إسرائيل حصارا لمدة 10 أسابيع على المقاومة الفلسطينية، اكتسب خلالها عرفات احترام شعبه بصموده وشجاعته، وافق في 30 آب 1982على الخروج من لبنان تحت الحماية الدولية ومن ثم الانتقال إلى تونس التي شكلت المعقل الأخير لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1994.
وحاولت اسرائيل اغتيال عرفات ثانية بعد انتقاله الى تونس. وقد تعرض مقره هناك، في الأول من تشرين الأول 1985 لقصف الطيران الاسرائيلي، ودمر بشكل شبه كامل في غارة ادت الى مقتل 17 شخصا. وكان عرفات في طريقه الى مكتبه وولكنه عاد ادراجه مع بداية الغارة.
وتعرض عرفات طوال مسيرة قيادته لحركة فتح والمنظمة للكثير من حركات التمرد ضده وكان أبرزها خلال فترة تواجد المنظمة في لبنان، حيث انشق عنه عدد من قادة الحركة ومن أبرزهم أبو موسى وأبو نضال، إلا أن دهاءه السياسي مكنه من تجاوز كل هذه الانشقاقات فظل متماسكا ومسيطرا على المنظمة وعلى فتح.
وفي تونس، واصل ياسر عرفات تكوين شخصية الزعيم السياسي الذي يتبنى الحل السلمي. وكانت ارهاصات هذا التوجه قد تجلت، عمليا، في الخطاب الذي القاه عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13 نوفمبر 1974، والذي قال فيه: "إنني جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين".
الجزائر.. نقطة تحول
وكان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين فيها للقمع والقتل، أثره في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي، استثمره عرفات بحنكته السياسية لتحريك عملية السلام حيث دفع المجلس الوطني الفلسطيني بدورته المنعقدة في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 الى تبني قرار مجلس الامن الدولي 242 معترفا بذلك ضمناً باسرائيل وفي الوقت ذاته، اعلن المجلس قرار اقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وغزة. وتلا عرفات اعلان استقلال الدولة الفلسطينية.
وفي إبريل 1989 كلف المجلس المركزي الفلسطيني عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية. وفي 2 أيار 1989، خلال زيارة رسمية الى باريس كانت اول تكريس لعلاقات دبلوماسية مع دولة غربية، اعلن عرفات ان الميثاق الوطني الفلسطيني اصبح "لاغيا".
في عام 1990 وبعد اجتياح القوات العراقية للكويت اتخذ عرفات موقفا فُسِّر بأنه مؤيد لخطوة الرئيس العراقي، آنذاك، صدام حسين ، مما انعكس سلبياً على القضية الفلسطينية، وتوقف دعم دول الخليج للقضية الفلسطينية.
وفي 1991 في أوج أزمة الخليج، انقلبت سيارة عرفات عدة مرات على الطريق بين عمان وبغداد. وبعدها، في كانون الثاني 1992، تزوج عرفات من مساعدته سهى الطويل (28 عاماً). وبعد شهرين، في نيسان 1992، تحطمت طائرته في الصحراء الليبية. وقيل حينذاك انه قتل في الحادث ولكنه ظهر من جديد بعد ساعات من الحادث.
أوسلو.. غزة واريحا
وبعد انتهاء حرب الخليج كان هناك إجماع دولي على ضرورة العمل من أجل تسوية القضية الفلسطينية دعماً للاستقرار في الشرق الأوسط.
ولدفع عملية السلام أعلن عرفات أوائل عام 1990 أنه يجري اتصالات سرية مع القادة الإسرائيليين بهذا الخصوص. وفي عام 1991عقد مؤتمر السلام في مدريد تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
وفي 13 أيلول 1993 بعد ستة أشهر من المفاوضات السرية في اوسلو، وقّع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين، في واشنطن، اتفاق أوسلو الذي جعل أضواء الإعلام الغربي تسلط عليه بكثافة، كما كان نقطة تحول بارزة في القضية الفلسطينية. وقد وقع الطرفان على "إعلان مبادئ"، هو عبارة عن اتفاق سمح للفلسطينيين بممارسة الحكم الذاتي في قطاع غزة ومدينة أريحا بالضفة الغربية مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.
لكن لم تحسم عدة قضايا شائكة وأبرزها مستقبل المستوطنات المقامة على أراض محتلة، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك مدنهم وقراهم بعد حرب عام 1948، والوضع النهائي لمدينة القدس.
وفي 1 تموز 1994 خرجت غزة عن بكرة ابيها لاستقبال عرفات والعائدين معه من "ثوار فتح" بحفاوة كبرى، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى. واتخذ عرفات من غزة مقراً لقيادته.
وقد بدأ عرفات فور عودته الى غزة، مسيرة سلام مرت بصعوبات بالغة. وفي نفس السنة فاز بجائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين وشمعون بيريز.
وفي عام 1995 وقع عرفات ورابين بواشنطن على اتفاقية الوضع المؤقت التي مهدت الطريق لإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد اغتيل رابين اثر ذلك، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1995، بايدي متطرف اسرائيلي، وهو ما شكّل انتكاسة لعملية السلام. وواجه عرفات تحدياً ضخماً تمثل في السعي للحفاظ على التزام الفلسطينيين والإسرائيليين بما أطلق عليه "سلام الشجعان".
شرع عرفات لدى وصوله الى غزة، في تأسيس السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المختلفة، وعمل على إعادة تأهيل بعض المؤسسات وتدريب أفراد من الشرطة والجيش للحفاظ على الأمن، مبشرا شعبه بقرب تحقيق حلم التحرير والصلاة في المسجد الأقصى
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
وفي 20 يناير 1996 انتخب عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية في انتخابات ظل يفتخر دوما بأنها كانت حرة وشفافة في منطقة نادرا ما تشهد مثلها.
في عام 1997 وقع الفلسطينيون برئاسة عرفات اتفاقية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتسلم معظم مدينة الخليل والذي تعطل كثيرا، بعد ذلك أصيبت عملية السلام بالجمود.
وفي عام 1998 وقع عرفات ونتانياهو على اتفاقية واي ريفر لانسحاب إسرائيلي تدريجي من الضفة الغربية، والتي جمدها نتانياهو بعد شهرين زاعما ان عرفات لم ينفذ شروطا أمنية.
في 5 أيلول 1999 وقع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في شرم الشيخ في مصر اتفاقا يفتح الطريق امام مفاوضات حول تسوية سلمية نهائية بين اسرائيل والفلسطينيين. ويحدد الاتفاق شهر سبتمبر/ أيلول عام 2000 موعدا لتوقيع معاهدة سلام دائمة.
فشل كامب ديفيد.. الانتفاضة
وشهد منتجع كامب ديفيد في 25 تموز / يوليو 2000 حيث شارك عرفات في قمة ثلاثية جمعته ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وصول عملية السلام إلى طريقها المسدود، إلا أن رفض أبو عمار تقديم تنازلات لإسرائيل في قضايا تتعلق بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية ومن بينها القدس، أعاد إليه مرة أخرى قدرا من شعبيته بين الفلسطينيين.
غير أن اصطدام السلطة بالمواقف الإسرائيلية المتعنتة أدى إلى انحسار التأييد الشعبي لمشروع السلطة الفلسطينية وقيادتها الممثلة في شخص عرفات. وساهم في ذلك الانحسار قيام السلطة الفلسطينية بملاحقة نشطاء فصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها تنفيذا لاستحقاقات الاتفاقيات التي وقعتها مع إسرائيل، فتوالت على عرفات الاتهامات بأنه أصبح أداة في يد الاحتلال لقمع المقاومة الفلسطينية كما تزامن مع ذلك بداية الحديث المتصاعد عن فساد السلطة وتراخي رئيسها في مواجهته.
وبحلول عام ألفين توقفت تماماً عملية السلام، واشتعلت انتفاضة الأقصى في 29 أيلول، بعد الزيارة الاستفزازية التي قام بها زعيم المعارضة في ذلك الحين أرييل شارون الحرم القدسي.
اثر ذلك استقالت حكومة براك في اسرائيل، وتولى السلطة اريئيل شارون، زعيم اليمين المتطرف الذي عمل منذ توليه لمنصبه على تنفيذ مخططه الهادف الى تدمير السلطة الفلسطينية.
وراء شباك مقره المحاصر في رام الله
حرب شارون
وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 2001، قامت الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون، خصم عرفات القديم واللدود، بفرض حصار عسكري عليه داخل مقره بمدينة رام الله بالضفة الغربية. بمساندة أمريكية، فكان أن حظي عرفات مرة أخرى بتعاطف كبير من جانب الشارع الفلسطيني في مواجهة الأصوات الإسرائيلية المتعالية والمطالبة بطرده أو تصفيته، فعاد الرمز الفلسطيني مرة أخرى للواجهة بقوة.
وفي 29 آذار 2002: غداة عملية استشهادية نفذتها المقاومة الفلسطينية، وختام القمة العربية في بيروت التي حُرم عرفات من حضورها، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أوسع هجوم له في الضفة الغربية منذ حزيران 1967 ودمر الجزء الاكبر من مقر عرفات الذي بقي في المبنى الذي يضم مكاتبه تطوقه الدبابات الاسرائيلية.
وقد بقي على هذا الحال حتى ليلة الثاني من أيار حين رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي الحصار.