الشيشان
تقع جمهورية الشيشان على أرض مساحتها 300،11 كم مربع بين بحر قزوين والبحر الأسود، وتحدها من الشمال روسيا الاتحادية، ومن الشرق جمهورية داغستان ذات الحكم المحلي ضمن روسيا، ومن الغرب أنغوشيا )حكم ذاتي ضمن روسيا(، ومن الجنوب جمهورية جورجيا التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. التسمية الأصلية للشيشان هي »نوختشي« ويتحدثون لغة »الناخ« من فروع المجموعة اللغوية المعروفة ب»الايبروقوقازية«وتضم هذه المجموعة اللغوية »الأنغوش« و »الباتسوي«. وينتمي للشعوب الإبروقوقازية كل من : )الشيشان( و)الأنغوش( و)الداغستان( و)شركيسيا(. منطقة )شركيسيا( هي )قبردينا بلقان( و)قرشة شركيسيا( و)الأديقة( سبع جمهوريات بين بحر قزوين والبحر الأسود، يسهل التنقل بينها من جمهورية إلى جمهورية أخرى بسبب وحدة اللغة والعرق والتاريخ والدين. وكانت الملكة الروسية كاترين تقول عن منطقة شمال القوقاز أنها الرئة التي تتنفس منها. بدأ انتشار الإسلام في الشيشان في القرن الثامن الميلادي وأرتبط الإسلام بالكفاح الشيشاني في القرن الثامن عشر الميلادي, كما جاء في كتاب الحركة الإسلامية في الشيشان والصراع الشيشاني الروسي لمؤلفه مراد بطل الشيشاني. وقدر عدد الشيشان عام 1989 بحوالي مليون نسمة.
الشيشان جرح عميق سيبقى ينزف حتى ترحل جنازير دبابات الروس, ولن يلتئم هذا الجرح الشيشاني النازف الا باقتلاع الأشواك التي غرزت وزرعت فيه. الشعب الشيشاني معروف عنه قوته وجلادة صبره وصلابته وروحه الوطنية والقومية العالية, والتي لا تعرف الانهزام والانكسار والاستسلام, انه شعب التحديات من قبل عهد ستالين و حتى أيام الرئيس الروسي الحالي بوتين. وقد سبق للشيشان أن خاضوا صراعا مريرا مع روسيا القيصرية ومن ثم مع الشيوعيين السوفيات الذين أحكموا في النهاية سيطرتهم على الشيشان حتى انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1991 وتسلم روسيا رسميا لورثة الاتحاد السوفيتي سابقا. ويقال أن من أسباب الصراع وجود النفط واستخراجه من بحر قزوين وكذلك تنامي النزعة الانفصالية والقومية والدينية عند الشيشان. ومنذ القدم حدثت صدامات عدة بين الطرفين كان أولها سنة 1722 وسلسلة معارك بدءا من العام 1785 بقيادة الامام منصور مؤسس الحركة المريدية واستمرت المعارك والمقاومة حتى منتصف القرن التاسع عشر واستطاع هذا الأمام الذي كان أميا لا يقرأ ولا يكتب أن ينتصر على الروس في عدة معارك وأن يوحد شمال القوقاز تحت راية الجهاد إلى أن تم أسره سنة 1791وبقي في السجن الروسي حتى وفاته. وقعت في الشيشان ثورات عدة ضد الحكم الروسي, في السنوات التالية 1818،1824،1826،1831 بقيادة الامام شامل واستمرت من 1831 حتى .1865كذلك ثورة الحركة القادرية عام 1877 بالإضافة للمقاومة الشيشانية التي استمرت حتى 1917. وفي السنوات التالية اللاحقة تجددت المقاومة الشيشانية بوسائل مختلفة ومنوعة, فكانت ثورة 1928 بقيادة الشيخ شيتا استاميلوف واستمرت حتى سنة 1935 و انتهت بإعدام مجموعة كبيرة من القادة الدينيين والشيوعيين الشيشان.
بعدها بدأت مقاومة مدنية وسياسية عام 1940 بقيادة الكاتب الشيوعي حسن اسرائيلوف ومحام شيوعي يدعى مايربيك شريبوف واستمرت حتى 1942 وتم قمعها بقصف جوي ومدفعي لمناطق الشيشان. في الحرب العالمية الثانية تم نفي وتهجير مئات الآلاف من الشيشان عن أراضيهم وبلادهم وتوفي منهم مائة ألف بسنتين نتيجة التهجير والظروف السيئة وألغيت جمهورية الشيشان- أنغوش, لتعود تلك الشعوب المنفية إلى بلادها بعد وفاة ستالين وتسلم خروتشوف لمقاليد الحكم السوفيتي عام 1957. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 أعلن القائد الشيشاني المحبوب جوهر دوداييف استقلال الشيشان, مما أشعل الحرب الضارية بين الروس والشيشان من 1994 حتى 1997 و انتهت بهزيمة نكراء للجيش الروسي.
ثم عادت الحرب وتجددت سنة 1999 ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا ويدفع ثمنها غاليا الشعب الشيشاني الذي دمرت دياره وشرد وأصبح عرضة للاستبداد وتجاوزات الجيش الروسي وعملائه من الشرطة المحلية.
ابان الحرب الشيشانية الروسية بين الأعوام 94 و97 حدثت عدة عمليات احتجاز رهائن نفذتها مجموعات شيشانية في مناطق روسية مختلفة. وكانت أبرز تلك العمليات, ما قام به القائد الشيشاني الميداني شامل باسييف ومجموعته التي احتلت مستشفى وحجزت كل من كان فيه من البشر, وانتهت العملية بقبول شروط باسييف.
كذلك قام القائد الشيشاني الميداني سلمان دوداييف مع مجموعة من رجاله باحتجاز ثلاثة آلاف من الرهائن في مدينة كزليار بجمهورية داغستان جنوب القوقاز. وقتل في العملية بعد تدخل القوات الروسية المسلحة 200 شخص بينهم 78 جنديا روسيا. تمكن بعدها دوداييف ورجاله من الانسحاب بعد أن أصيب بجراح خطيرة. وكان دوداييف من أبرز قادة المقاومة الشيشانية في الحرب الأولى بين عامي 94-96 وقد تم اعتقاله في مارس سنة 2000.
وتعتبر العملية في أحد المسارح الروسية في العاصمة موسكو, التي قادها موفسار براييف ابن شقيق زعيم الحرب الشيشاني الراحل عربي براييف, أقوى لطمة توجه للمجهود الأمني الروسي الذي ما برح يتباهى بتصفيته لمعظم قادة الحرب الشيشانيين وبأنه على وشك الانتهاء من تلك المهمة. لقد جاءت هذه العملية لتعصف بكل المجهودات الروسية ولتؤكد المقدرة الفائقة والمحكمة للمقاتلين الشيشان في خرق كافة الإجراءات الأمنية الروسية التي اتخذت في روسيا وخاصة في العاصمة موسكو التي تبعد عن الشيشان 1500 كلم.
ملاحظة
كتبت هذه المقالة بينما كانت المحادثات لا تزال دائرة بين الخاطفين والقيادة الروسية. لكنها ترى النور بعد أن هاجمت الوحدات الخاصة الروسية مبنى المسرح الذي كانت تتحصن فيه المجموعة الشيشانية مع رهائنها من الروس والأجانب. واستعملت القوات الروسية نوعا غير معروف من الغازات الشديدة المفعول والتأثير. المهم أن نتيجة العملية كانت مأساوية وأودت بحياة مئات الرهائن بالإضافة إلى معظم عناصر المجموعة الخاطفة وزعيمها موفسار براييف, وتمكنت من أسر بعضهم بعد أصابتهم بجراح. والأهم في هذا كله أن هناك 350 جريحا معظمهم أصيبوا بجراح خطيرة اما نتيجة إطلاق النار أو بسبب الغازات التي تبين أنها ذات مفعول شديد وتأثيرات ضارة ومميتة. بعد كل هذه الخسائر في صفوف الرهائن هل من الممكن اعتبار العملية ناجحة كما تروج لها السلطات الروسية؟
الخسارة جماعية, للروس لأنهم يرفضون الاعتراف بالحق الشيشاني في الحرية والاستقلال والدولة, وهذا الرفض سيظل عاملا يجلب لهم القلق والعمليات الشبيهة بتلك التي دارت رحاها في المسرح المذكور. وللشيشانيين الذين يخسرون شبابهم وبناتهم وهم في ريعان العمر من أجل إيصال رسالة شعبهم المظلوم إلى العالم الذي نسيهم ولم يعد يلتفت إلى معاناتهم اليومية بفعل الاحتلال الروسي
تعليق