[size=2][align=right]
إعداد
محمد بن أحمد السالم
1424هـ
مقدمة :
الحمد لله الذي فرض على عبادة الجهاد ، ووعدهم بالتمكين في الأرض والرفعة على أهل الإلحاد ,والصلاة والسلام على خير العباد, من جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة الطيبين الطاهرين .
وبعد..
إخوتي الكرام : إن زماننا اليوم زمان محنة وغربة للإسلام لم يشهدها التاريخ من قبل حيث استحكمت الغربة وعم البلاء , وأصبحت الأرض كلها مجالاً للصراع ومطاردة الثابتين على دينهم والمتمسكين به والمنافحين عنه بالبيان وبالسنان..إذ أعلن العالم عن بكرة أبيه عن حربه للإرهاب " أي الجهاد" ورفضهم له ولكل أشكاله التي تمارس من قبل المسلمين فحسب..
فرمي الإسلام عن قوس واحدة وتداعت أمم الكفر وأعوانهم من كل صوب وحدب على الطائفة المنصورة التي أخذت على عاتقها حرب الكفر والكافرين حرباً ظاهرةً ضروساً لا تواني فيها ولا هوادة ، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك لا يضرهم من خذلهم من المسلمين المخذلين أو المنهزمين أو من غرقوا في وحل الدنيا الدنيئة , ولا يضرهم من خالفهم من ملل الكفر وشراذم المرتدين والمبطلين أو من المبتدعة الضالين.
ولاشك أن الجهاد اليوم هو من أفضل القربات , بل إنه فريضة افترضها الله علينا ولا أوجب اليوم على المسلمين بعد الإيمان بالله من الجهاد ودفع الصائل الذي احتل ديار المسلمين.
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
الجهاد اليوم هو خيار الأمة الوحيد فالعدو اليوم أصبح يحتل بلاد المسلمين بلداً بلداً كما قال الله تعالى من قبل : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..)
فلم يعد للمسلمين اليوم خيار إلا الجهاد ولغة السلاح ..
قلي بربك : عدوٌ غازٍ, أحتل والديار ، وهتك الأعراض ، ويتم الأطفال ، ورمل النساء ، وبدأ في ضرب الإسلام في كل وادٍ, أو بعد هذا نشك في أن الحل الوحيد للتفاهم معه هو لغة القوة والرد بالمثل؟
فالحديد لا يفله إلا الحديد , والقوة لا يقابلها إلا القوة..
وقد ثبت لدينا في الكتاب والسنّة والواقع يشهد بذلك ويُصدِّقُه أن المفاوضات والسلام لا تعود على أصحابها إلا بالخسران المبين والفشل الذريع , وزيادة من العبودية لغير الله والذلة للمعتدين ، ناهيك عن من يقوم بها باسم المسلمين من الحكام الخونة الذين ليسوا منّا ولسنا منهم ، بل هم عدوٌ لدودٌ لنا ، بهم تربص الكفار بنا ، وبمكرهم وخداعهم سُلبت حقوقنا وأُضيعت.
كيف لا..والله قد قال في كتابه وأخبر أنهم بدأوا في الحرب معنا لهدف واحد محدد وهو: ( حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..)
لا حلَّ إلاَّ بالجهادِ الأَعَظمِ مَا عَادَ يُرضِينَا السَّلامُ العَالمي
لا سِلْمَ للأَعداءِ هذي شرعةٌ وعقيدةٌ في كلِّ قَلْبٍ مُسْلمِ
من هذا المنطلق وحيث أن الجهاد هو خيار الأمة والفرض الواجب المتحتم قررت بعد مشورة أحد الأخوة أن أكتب خطوات عملية يستطيع الكل أن يعمل بها أو ببعضها خدمة للجهاد وأهله ودفعاً لعجلة الجهاد التي تسير وإن رغمت أنوف المعتدين ..
نصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية للمسلمين أيام غزو التتار:
وأختم هذه المقدمة بما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى للمسلمين حين غزو التتار :
َكَتَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - لَمَّا قَدِمَ الْعَدُوُّ مِنْ التَّتَارِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ إلَى حَلَبَ وَانْصَرَفَ عَسْكَرُ مِصْرَ وَبَقِيَ عَسْكَرُ الشَّامِ . بسم الله الرحمن الرحيم إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ - أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ بَاطِنَةً وَظَاهِرَةً وَنَصَرَهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا وَفَتَحَ عَلَيْهِمْ فَتْحًا كَبِيرًا وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْ لَدُنْه سُلْطَانًا نَصِيرًا وَجَعَلَهُمْ مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ مُهْتَدِينَ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ - سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى صَفْوَتِهِ مِنْ خَلِيقَتِهِ وَخَيْرَتِهِ مِنْ بَرِّيَّتِهِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مِنْ النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَجَعَلَ كِتَابَهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمُصَدِّقًا لَهَا وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ; فَهُمْ يُوفُونَ سَبْعِينَ فِرْقَةً هُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ وَقَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ وَرَضِيَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا . فَلَيْسَ دِينٌ أَفْضَلَ مِنْ دِينِهِمْ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُمْ وَلَا كِتَابٌ أَفْضَلَ مِنْ كِتَابِهِمْ وَلَا أُمَّةٌ خَيْرًا مِنْ أُمَّتِهِمْ . بَلْ كِتَابُنَا وَنَبِيُّنَا وَدِينُنَا وَأُمَّتُنَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ وَدِينٍ وَنَبِيٍّ وَأُمَّةٍ . فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ . { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } وَاحْفَظُوا هَذِهِ الَّتِي بِهَا تَنَالُونَ نَعِيمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا فَتُعْرِضُونَ عَنْ حِفْظِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَرِعَايَتِهَا فَيَحِيقُ بِكُمْ مَا حَاقَ بِمَنْ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاشْتَغَلَ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ . فَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا نَعَتَ اللَّهُ بِهِ الشَّاكِرِينَ وَالْمُنْقَلِبِينَ حَيْثُ يَقُولُ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } . أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ لَمَّا انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ خِيَارِ الْأُمَّةِ " وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ حَتَّى خَلَصَ إلَيْهِ الْعَدُوُّ فَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَشَجُّوا وَجْهَهُ وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَقُتِلَ وَجُرِحَ دُونَهُ طَائِفَةٌ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِهِ لِذَبِّهِمْ عَنْهُ وَنَعَقَ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ : أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ . فَزَلْزَلَ ذَلِكَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ حَتَّى انْهَزَمَ طَائِفَةٌ وَثَبَّتَ اللَّهُ آخَرِينَ حَتَّى ثَبَتُوا . وَكَذَلِكَ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَزَلْزَلَتْ الْقُلُوبُ وَاضْطَرَبَ حَبَلُ الدِّينِ وَغَشِيَتْ الذِّلَّةُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ الصِّدِّيقُ رضي الله عنها فَقَالَ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَرَأَ قَوْلَهُ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوهَا حَتَّى تَلَاهَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فَلَا يُوجَدُ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَتْلُوهَا . وَارْتَدَّ بِسَبَبِ مَوْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَلَمَّا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الضَّعْفِ جَمَاعَاتٌ مِنْ النَّاسِ : قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ . وَقَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ بَعْضِهِ فَقَالُوا : نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي . وَقَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ إخْلَاصِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم . فَآمَنُوا مَعَ مُحَمَّدٍ بِقَوْمٍ مِنْ النَّبِيِّينَ الْكَذَّابِينَ كمسيلمة الْكَذَّابِ وطليحة الأسدي وَغَيْرِهِمَا فَقَامَ إلَى جِهَادِهِمْ الشَّاكِرُونَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى الدِّينِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالطُّلَقَاءِ وَالْأَعْرَابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ الَّذِينَ لَمْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا . وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَةٍ إلَّا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَسَيَعْمَلُ بِهَا آخَرُونَ . فَمَنْ كَانَ مِنْ الشَّاكِرِينَ الثَّابِتِينَ عَلَى الدِّينِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ ; فَإِنَّهُ يُجَاهِدُ الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ الدِّينِ وَيَأْخُذُونَ بَعْضَهُ وَيَدَعُونَ بَعْضَهُ كَحَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ الْمُفْسِدِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَتَسَمَّى بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ شَرِيعَتِهِ ; فَإِنَّ عَسْكَرَهُمْ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعِ طَوَائِفَ : كَافِرَةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى كُفْرِهَا : مِنْ الكرج وَالْأَرْمَنِ وَالْمَغُولِ . وَطَائِفَةٍ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَارْتَدَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَانْقَلَبَتْ عَلَى عَقِبَيْهَا : مِنْ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمْ . وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ جُرْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ قَتْلُهُمْ حَتْمًا مَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَى مَا خَرَجُوا عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَلَا هُدْنَةٌ وَلَا أَمَانٌ وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُفَادَى بِمَالِ وَلَا رِجَالٍ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا يسترقون ; مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى الرِّدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ . وَيُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ; كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَا نِسَاؤُهُمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدُ لَهُ أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ وَيَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَالْمُفَادَاةُ بِهِ إذَا كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا أَنْ يُعْقَدُ لَهُ ذِمَّةٌ وَيُؤْكَلُ طَعَامُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا تُقْتَلُ نِسَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلْنَ بِقَوْلِ أَوْ عَمَلٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ . فَالْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالًا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ الْكَافِرِ الْمُسْتَمِرِّ عَلَى كُفْرِهِ . وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِيهِمْ مِنْ الْمُرْتَدَّةِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ . فَهَذَانِ صِنْفَانِ . وَفِيهِمْ أَيْضًا مَنْ كَانَ كَافِرًا فَانْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَرَائِعَهُ ; مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالْكَفِّ عَنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَالْتِزَامِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَضَرْب الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْر ذَلِكَ . وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ ; بَلْ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ وَكَمَا قَاتَلَ الصَّحَابَةُ أَيْضًا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلِيٍّ رضي الله عنه - الْخَوَارِجَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي وَصْفِهِمْ : { تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ : { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَاذَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ لَنَكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ } وَقَالَ : { هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ } . فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ صِيَامِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ . أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقِتَالِهِمْ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي قِتَالِهِمْ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالشَّامِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ ; فَإِنَّ مَعَهُمْ مَنْ يُوَافِقُ رَأْيُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ رَأْيَ الْخَوَارِجِ . فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ . وَفِيهِمْ صِنْفٌ رَابِعٌ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ . وَهُمْ قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَبَقُوا مُسْتَمْسِكِينَ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ . فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْمُرْتَدُّونَ وَالدَّاخِلُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لِشَرَائِعِهِ وَالْمُرْتَدُّونَ عَنْ شَرَائِعِهِ لَا عَنْ سَمْتِهِ : كُلُّهُمْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَحَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحَتَّى تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ - الَّتِي هِيَ كِتَابُهُ وَمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ - هِيَ الْعُلْيَا . هَذَا إذَا كَانُوا قَاطِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ فَكَيْفَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَرَاضِي الْإِسْلَامِ : مِنْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْجَزِيرَةِ وَالرُّومِ فَكَيْفَ إذَا قَصَدُوكُمْ وَصَالُوا عَلَيْكُمْ بَغْيًا وَعُدْوَانًا { أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ } وَثَبَتَ أَنَّهُمْ بِالشَّامِ . فَهَذِهِ الْفِتْنَةُ قَدْ تُفَرِّقُ النَّاسُ فِيهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ : الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ وَهُمْ الْمُجَاهِدُونَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ . وَالطَّائِفَةُ الْمُخَالِفَةُ وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَمَنْ تَحَيَّزَ إلَيْهِمْ مِنْ خبالة الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ . وَالطَّائِفَةُ الْمُخَذِّلَةُ وَهُمْ الْقَاعِدُونَ عَنْ جِهَادِهِمْ ; وَإِنْ كَانُوا صَحِيحِي الْإِسْلَامِ . فَلْيَنْظُرْ الرَّجُلُ أَيَكُونُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ أَمْ مِنْ الْخَاذِلَةِ أَمْ مِنْ الْمُخَالِفَةِ ؟ فَمَا بَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ . وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِي تَرْكِهِ خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } يَعْنِي : إمَّا النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ فَمَنْ عَاشَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ كَانَ كَرِيمًا لَهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَحُسْنُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ . وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ فَإِلَى الْجَنَّةِ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيُرَى مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُكْسَى حُلَّةً مِنْ الْإِيمَانِ وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُوقَى فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَيُؤْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمِائَةَ دَرَجَةٍ . مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَعَدَّهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ } فَهَذَا ارْتِفَاعُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِ الْجِهَادِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ } { وَقَالَ رَجُلٌ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُهُ . قَالَ : أَخْبِرْنِي بِهِ ؟ قَالَ : هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ لَا تُفْطِرُ وَتَقُومَ لَا تَفْتُرُ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَذَلِكَ الَّذِي يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّطَوُّعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ . فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَأَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعِ . وَالْمُرَابَطَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : لَأَنْ أُرَابِطُ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُوَافِقَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . فَقَدْ اخْتَارَ الرِّبَاطَ لَيْلَةً عَلَى الْعِبَادَةِ فِي أَفْضَلِ اللَّيَالِي عِنْدَ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ ; وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يُقِيمُونَ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَكَّةَ ; لَمَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُرَابِطِينَ بِالْمَدِينَةِ . فَإِنَّ الرِّبَاطَ هُوَ الْمَقَامُ بِمَكَانِ يُخِيفُهُ الْعَدُوُّ وَيُخِيفُ الْعَدُوَّ فَمَنْ أَقَامَ فِيهِ بِنِيَّةِ دَفْعِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُرَابِطٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحُوهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { : رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ } يَعْنِي مُنْكَرًا وَنَكِيرًا . فَهَذَا فِي الرِّبَاطِ فَكَيْفَ الْجِهَادُ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانٌ جَهَنَّمَ فِي وَجْهِ عَبْدٍ أَبَدًا } وَقَالَ { مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ } فَهَذَا فِي الْغُبَارِ الَّذِي يُصِيبُ الْوَجْهَ وَالرِّجْلَ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَشَقُّ مِنْهُ ; كَالثَّلْجِ وَالْبَرْدِ وَالْوَحْلِ . وَلِهَذَا عَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَعَلَّلُونَ بِالْعَوَائِقِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } وَهَكَذَا الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَا تَنْفِرُوا فِي الْبَرْدِ فَيُقَالُ : نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ بَرْدًا . كَمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : رَبِّي أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأْذَنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشُدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ } فَالْمُؤْمِنُ يَدْفَعُ بِصَبْرِهِ عَلَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّ جَهَنَّمَ وَبَرْدَهَا وَالْمُنَافِقُ يَفِرُّ مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا وَبَرْدِهَا حَتَّى يَقَعَ فِي حَرِّ جَهَنَّمَ وَزَمْهَرِيرِهَا . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ النُّصْرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ . وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَقْهُورُونَ مَقْمُوعُونَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَاصِرُنَا عَلَيْهِمْ وَمُنْتَقِمٌ لَنَا مِنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . فَأَبْشِرُوا بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَيَقَّنَّاهُ وَتَحَقَّقْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } { تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَى مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَنْ أَحْيَاهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي يُجَدِّدُ اللَّهُ فِيهِ الدِّينَ وَيُحْيِي فِيهِ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ حَتَّى يَكُونَ شَبِيهًا بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَمَنْ قَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِذَلِكَ كَانَ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي حَقِيقَتُهَا مِنْحَةٌ كَرِيمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَهَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي فِي بَاطِنِهَا نِعْمَةٌ جَسِيمَةٌ حَتَّى وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ - حَاضِرِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِمْ جِهَادُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ . وَلَا يَفُوتُ مِثْلُ هَذِهِ الْغُزَاةِ إلَّا مَنْ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُ وَسَفَّهَ نَفْسَهُ وَحُرِمَ حَظًّا عَظِيمًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى كَالْمَرِيضِ وَالْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ عَاجِزٌ بِبَدَنِهِ فَلْيَغْزُ بِمَالِهِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَقَدْ غَزَا } وَمَنْ كَانَ قَادِرًا بِبَدَنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ زَكَاةً أَوْ صِلَةً أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ; حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ لِجَهْلِهِ بِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ أَوْ عَوَارٍ قَدْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا فَلْيُنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَصْرِفُهَا . وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ فَأَعْظَمُ دَوَائِهِ الْجِهَادُ ; فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } . وَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ الْحَرَامِ وَالتَّوْبَةَ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ فَلْيُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ إلَى خَلَاصِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ الْجِهَادِ . وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ فِي دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَحَمِيَّتِهَا فَعَلَيْهِ بِالْجِهَادِ ; فَإِنَّ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ لِلْقَبَائِلِ وَغَيْرِ الْقَبَائِلِ - مِثْلَ قَيْسٍ وَيُمَنِّ وَهِلَالٍ وَأَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ - كُلُّ هَؤُلَاءِ إذَا قُتِلُوا فَإِنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ فِي النَّارِ كَذَلِكَ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمية : يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةِ وَيَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ فَهُوَ فِي النَّارِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بهن أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا فَسَمِعَ أَبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَجُلًا يَقُولُ : يَا لِفُلَانِ فَقَالَ : اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيك فَقَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ; مَا كُنْت فَاحِشًا . فَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم } . رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ } يَعْنِي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ وَهِيَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ فِي الدَّعْوَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ : يَا لِقَيْسِ يَا ليمن وَيَا لِهِلَالِ وَيَا لِأَسَدِ فَمَنْ تَعَصَّبَ لِأَهْلِ بَلْدَتِهِ أَوْ مَذْهَبِهِ أَوْ طَرِيقَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَصْدِقَائِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ . فَإِنَّ كِتَابَهُمْ وَاحِدٌ وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَرَبُّهُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالْبِدْعَةِ . فَاَللَّهَ ; اللَّهَ . عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ ; يَجْمَعْ اللَّهُ قُلُوبَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَحْصُلْ لَكُمْ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَصَرَفَ عَنَّا وَعَنْكُمْ سَبِيلَ مَعْصِيَتِهِ وَآتَانَا وَإِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَوَقَانَا عَذَابَ النَّارِ وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ."
وأسميت هذه الرسالة :
(39) وسيلة لخدمة الجهاد والمشاركة فيه
سائلاً الله التوفيق والإعانة والسداد . والهدى والرشاد, وأن يكتب لها القبول والنفع بين الناس.
وأطلب من القارئ لهذه الصفحات أن يرسل لي أي ملحوظة أو رأي حول الموضوع على البريد الإلكتروني
وكتبه
محمد بن أحمد السالم
19/5/1424هـ
وسائل خدمة الجهاد والمشاركة فيه
1) تحديث النفس بالجهاد :
تحديث النفس بالغزو التحديث الحقيقي الذي يعني العزم على تلبية نداء الجهاد متى ما نادى المنادي : " يا خيل الله إركبي " وأن يوطن الإنسان نفسه ويعاهدها أن يهب للغزو والنفير إذا استنفره واستنصره إخوانه إتباعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : " وإذا استنفرتم فانفروا "
وإذا ما حدث الإنسان نفسه بالغزو ثم فاته الغزو أو لم يقدر عليه فإنه يتحسر لذلك كما قال الله عن الأشعريين - الصحابة الذين لم يستطيعوا تجهيز أنفسهم - : " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون "
فهكذا من تمام التحديث بالغزو تحسر الإنسان وندمه على مافاته من غزو في سبيل الله ويكون حاله كما قيل :
ذكرى المعارك والشهادة هيجت
وزئير أسد الله في الساحات كم
يا لهف نفسي بالجهاد فكم بها
شوقي إلى دار الخلود الباقية
يذكي حنيني للجهاد علانية
من حسرة فيما مضى من حالية
أما من يقول حين يغلق الطريق أو لا يستطيع الغزو : " الحمد لله الذي كفانا المؤونة " فهذا كاره للغزو غير عازم عليه فيه شبه بالمنافقين الذين يكرهون الغزو ولا يخرجون إ لا وهم كارهون وإذا خرجوا أوهنوا الجيش وفروا عند اللقاء .. وشتان والله بين من يبكي حسرة على فوات الغزو والجهاد وبين من يخفي في نفسه السرور والفرح أن وجد لنفسه عذراً أو سبباً لترك الغزو ..والله عالم بالسرائر وما تخفي الصدور .
وتحديث النفس بالغزو ينفي عن الإنسان صفة النفاق ..
كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات ولم يعز ، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق "
قال النووي في المنهاج: " المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى :
"وَأَمَّا النِّفَاقُ الْأَصْغَرُ : فَهُوَ النِّفَاقُ فِي الْأَعْمَالِ وَنَحْوِهَا : مِثْلَ أَنْ يَكْذِبَ إذَا حَدَّثَ وَيُخْلِفَ إذَا وَعَدَ وَيَخُونَ إذَا اُؤْتُمِنَ أَوْ يَفْجُرَ إذَا خَاصَمَ ... وَمِنْ هَذَا الْبَابِ : الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجِهَادِ . فَإِنَّهُ مِنْ خِصَالِ الْمُنَافِقِينَ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ " سُورَةَ بَرَاءَةَ " الَّتِي تُسَمَّى الْفَاضِحَةَ ; لِأَنَّهَا فَضَحَتْ الْمُنَافِقِينَ . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ ( وَمِنْهُمْ ( وَمِنْهُمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إلَّا ذُكِرَ فِيهَا . وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ : هِيَ " سُورَةُ الْبُحُوثِ " لِأَنَّهَا بَحَثَتْ عَنْ سَرَائِرِ الْمُنَافِقِينَ . وَعَنْ قتادة قَالَ : هِيَ الْمُثِيرَةُ ; لِأَنَّهَا أَثَارَتْ مَخَازِي الْمُنَافِقِينَ . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هِيَ الْمُبَعْثِرَةُ . وَالْبَعْثَرَةُ وَالْإِثَارَةُ مُتَقَارِبَانِ . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهَا المقشقشة . لِأَنَّهَا تُبْرِئُ مِنْ مَرَضِ النِّفَاقِ . يُقَالُ : تَقَشْقَشَ الْمَرِيضُ إذَا بَرَأَ : قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : وَكَانَ يُقَالُ لِسُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ : المقشقشتان ; لِأَنَّهُمَا يُبَرِّئَانِ مِنْ النِّفَاقِ . وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَغَازِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : غَزْوَةِ تَبُوكَ عَامَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ عَزَّ الْإِسْلَامُ وَظَهَرَ . فَكَشَفَ اللَّهُ فِيهَا أَحْوَالَ الْمُنَافِقِينَ وَوَصَفَهُمْ فِيهَا بِالْجُبْنِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ . وَوَصَفَهُمْ بِالْبُخْلِ عَنْ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالشُّحِّ عَلَى الْمَالِ . وَهَذَانِ دَاءَانِ عَظِيمَانِ : الْجُبْنُ وَالْبُخْلُ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ ; ...وَقَالَ تَعَالَى . { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } فَحَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ . وَقَالَ تَعَالَى : { لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } { إنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } . فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَأْذِنُ الرَّسُولَ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ ; وَإِنَّمَا يَسْتَأْذِنُهُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ فَكَيْفَ بِالتَّارِكِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ"
فحذار حذار أخي المسلم من أن تتشبه بالمنافقين أو تموت وفيك شعبة من نفاق ، وأما من يلوم المجاهدين أو من يخرج للجهاد بشتى أنواع اللوم بالتعجل تارة وبعدم الاستشارة تارة أخرى فنقول له :
يا من عذلتم بالجهاد شبابنا
أيلام من عشق الجنان ورَوحها
أيلام من هجر الحياة ولهوها
أيلام من لله أرخص نفسه
فدعوا الجهاد وأهله من لومكم
من لم يحدّث نفسه بالغزو أو
إن الجهاد هو الطريق لعزّنا
كفّوا عن التشهير والإنكار
وعلى خطى الأصحاب دوماً ساري
وبعزم حر هبّ لاستنفار
يبغي بها الفردوس خير قرار
وحذارِ من وصف النفاق حذارَ
يغزو فمات فميتة الأشرار
وبتركه ذلٌّ وعيش صغار
وقد جاء في الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لقي الله تعالى بغير أثر من جهاد لقي الله وفي إيمانه ثلمة " والحديث فيه كلام .
ويتبع لهذه الوسيلة ويتعلق بها الوسيلة التي بعدها وهي :
2) سؤال الله الشهادة بصدق:
سؤال الله الشهادة بصدق وإخلاص وإلحاح، فمن سأل الله الشهادة بصدق بلَّغَةُ اللهُ منازل الشهداء ولو مات على فراشه كما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولم لم تصبه) ، وفي رواية (بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) .
وفي مسلم أيضاً وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) .
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله: " ومعنى الحديثين : أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه ، وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير" أ.هـ
وفي الحديث : (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) .
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله : "ولكن الصدق في طلب الشهادة هو إعداد العدة :
ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة .
أما أن تمر عشر سنوات على الجهاد في أفغانستان ، والطريق آمنة ، والحدود مفتوحة ، ولا يصل بيشاور ، فهذا نرجوا الله أن يغفر له ، إن كان يظن أنه صادق في طلب الشهادة ، ألم تر إلى ذلك الأعرابي الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اتبعتك على أن أضرب هاهنا - حلقه - فأدخل الجنة فأصيب الأعرابي حيث أشار فقال صلى الله عليه وسلم : (صدق الله فصدقه) . " أ.هـ
وسؤال الشهادة الحقيقي هو الذي يجعل صاحبه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها، لا من يتأخر ويتباطأ عن نصرة الدين والنفير إذا دعى الداعي ...بل لسان حاله
رباه بعناك النفوس بجنة
فلقد أحاطتني الذنوب وما لها
رباه رباه الشهادة أبتغي
فاسكب إلهي في الجهاد دمائيه
إلا الشهادة كي تكفر ما بيه
فأجب بفضلك ياكريم دعائيه
فالله الله في الصدق مع الله والإلحاح عليه بأن يرزقك الشهادة في سبيلة مقبلاً غير مدبر، واعقد العزم على الجهاد ، ولتعلم أن من سأل الله الشهادة بصدق فإنه يطلب مظانها ويبحث عنها ،ويسعى لها سعياً حثيثاً ولا ينم حتى تأتيه هي :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
3) الذهاب للجهاد بالنفس :
الذهاب للجهاد في سبيل الله بالنفس ..
وعدم التقاعس عن ذلك بأي حجة ...فالرضى بالقعود هو رضى بالحياة الدنيا من الآخرة .
والجهاد في سبيل الله بالنفس أعظم الوسائل وأفضل القرب إلى الله تعالى ، ولا يخفى فضلها على أحد ..
وقد جاءت الفضيلة في الكتاب والسنة بفضيلة المجاهد بالنفس وفضيلة الشهيد والشهادة مما يطول بذكرها المقام وفي القرآن أكثر من سبعين آية في الجهاد وفي السنة أفرد أهل الحديث في مصنفاتهم أبواباً للجهاد وأحكامه وفضائله و كلمة الجهاد إذا أطلقت يراد بها القتال ..كما يقول ابن رشد :(وكلمة الجهاد إذا أطلقت إنما تعني قتال الكفار بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) .
فلا يحق لأحد أن يعممها على جهاد النفس أو الكلمة والقلم أو الدعوة إلى الله صحيح أنها أعمال بر وطاعة إلا أنها ليست المرادة بالجهاد في النصوص الشرعية إلا ما خص بذلك .
والجهاد من أفضل الأعمال الصالحة :
اعلم بأنَّ أفضلَ الأعمالِ
وهو أحبُّها لربِّي الباري
وقدْ أعدَّ اللهَ في الجناتِ
ما بينهنَّ في العُلوِ مثلَمَا
وأنَّ مَنْ علا الغُبَارُ قَدَمَهْ
وأنَّ مَنْ قَاتَل فُوْقَ نَاقةْ
قَدْ أوجبَ الأجرَ وفوزَ الجَنَّةْ
وخيرُ عيشِ النَّاسِ في القِفَارِ
وبالجهادِ يُرْهَبُ الأعداءُ
وفي الجهادِ أنفسُ الفَضَائلْ
لا يستوي القَاعدُ مِنْ دُونِ ضَرَرْ
أو عابدٍ طولَ النَّهارِ صَائِمْ
بهذهِ الرِّفعَةِ والتَّفضِيلِ
وما لعبدٍ مِنْ خِيَارٍ بعدها
ورايةُ الجِهَادِ تمضِي دونما
وسِرْ بركبِ الغزوِ والكفاحِ
ولا يُثَبِّطكَ كلامَ مُبْطِلْ
وأذكرْ عِتَابَ العـَـالمِِِِِِِ المبُـَـارَكْ
جِهادُ أهلِ الكُفْرِ والضَّلالِ
كما رواه صَاحِبُ البخاري
لأهلِهِ مَنازِلَ المِئَاتِ
بين الأراضينَ وما بينَ السَّما
يقيهِ ربِّي مِنْ عَذَابِ الحُطَمَهْ
في الغزوِ في حِرَاسَةٍ أو سَاقَةْ
وَمَا لِغَيرِ اللهِ فِيهِ مِنَّةْ
أو تحتَ ظِلِّ السَيفِ والأخطارِ
وَبِالسِّنَانِ يُرفعُ اللِّواءُ
وما يُضِيعُهَا أريبٌ عَاقِلْ
أو نَافِرٍ مع النِّداءِ للخطرْ
في الليل دوماً بالصَّلاةِ قائمْ
جاءتْ نصوصُ الذِّكرِ والتَّنزِيلِ
سوى التَّسلِيمِ دُونَ تشكيكٍ بها
توقفٍ فكنْ لها مُلازِما
تفزْ بنيلِ الأَجرِ والفَلاَحِ
أو عابدٍ أو عالمٍ مُخَذِّلْ
إلى الفُضَـيْلِ تَعْلَمُ المَــــدَارِكْ
4) الجهاد بالمال:
من الجهاد بالمال الإنفاق في سبيل الله على الجهاد والمجاهدين في كل مجال يحتاجونه يقول الشيخ يوسف العييري رحمه الله تعالى : " فالجهاد بالمال كثيراً ما يقرن في آيات الجهاد في القرآن ، ويأتي مقدماً على النفس لكنه ليس أعلى مرتبة من الجهاد بالنفس كلا ، ولكن لأن الجهاد بالمال هو النوع الذي تخاطب بها الأمة أجمع ، إذ أن الكفاية بالرجال تحصل عند نفور عدد من رجال الأمة ، ولكن المال لا تحصل كفاية المجاهدين به إلا إذا تكاتفت الأمة جميعها وضخت المال للمجاهدين الذي يعد عصب الجهاد ، فالشريحة المخاطبة بوجوب الجهاد بالمال هي أكبر من الشريحة المخاطبة بوجوب الجهاد بالنفس ، لذا قُدم الجهاد بالمال في آيات الجهاد لاعتبار سعة شريحة المخاطبين من رجال ونساء شباباً وشيوخاً صغاراً وكباراً والله أعلم .
والجهاد بالمال ليس بالضرورة أن يكون قدراً كبيراً من المال يدفعه المؤمن ، بل يدفع ما يبرئ به ذمته أمام الله تعالى ، لأن المقصد من الجهاد بالمال إذا تعين أن تسقط الواجب الذي في عنقك وتدفع القدر الذي تعتقد أن ذمتك ستبرأ عند الله تعالى بدفعه ولو كان يسيراً ، وكما قال الرسول صلى الله عليه و سلم عند أحمد النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (سبق درهم مائة ألف ) قالوا يا رسول الله وكيف ؟ قال ( رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها) فالله لا يقبل الصدقة بناءً على كميتها ولكن يقبلها على حسب كيفيتها ، كما روى أحمد وأبو داود عندما سئل الرسول صلى الله عليه و سلم أي الصدقة أفضل ؟ قال ( جهد المقل ) أي صدقة الرجل المحتاج لماله الذي لا يملك إلا القليل ، فاتق الله وقدم ما تجود به نفسك ، ليس لمرة واحدة فقط بل اجعل للجهاد من دخلك نصيبا بما أن الحرب قائمة والمجاهدون بحاجة للمال ."
5) تجهيز الغازي:
ومن وسائل الجهاد في سبيل الله وخدمة المجاهدين تجهيز الغزاة للجهاد وقد جاء في فضل ذلك عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها قوله:(من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (من جهز غازيا في سبيل الله كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر الغازي شيئا) .
وتجهيز الغزاة فيه فرصة كبيرة للرجل : بأن يجهز غيره ..سواء كان هو معذور في عدم الخروج كالأعمى والعاجز ونحوهما فبإمكانه تجهيز غازٍ في سبيل الله ليأخذ أجر غزوه ولاشك أن هذا باب عظيم من أبواب الخير والبر وأفضل ما بذلت فيه الصدقات والزكاة ومثل هذا المجال ( أي تجهيز الغزاة ) يعد مصرفاً من مصارف الزكاة وداخلاً في قول الله تعالى : ( وفي سبيل الله ) .
وتجهيز الغزاة فرصة للمرأة : التي لا تستطيع الخروج في سبيل الله فبإمكانها تجهيز الغزاة من مالها ومن حليها وما تملكه لتحصل على هذا الأجر العظيم وقد قامت النساء بدور كبير في صدر الإسلام وفي متفرق العصور كمن قصت ضفائرها ومن أهدت حليها ، ولنتذكر هنا ما فعلته أخت القائد البطل الفذ الشهيد أبوجعفر اليمني رحمه الله الذي قتل في الشيشان فقد جاء في ترجمته بموقع صوت القوقاز :[ باعت أخته ذهبها وجهزته بمالها فأين النساء؟ بل أين الرجال؟ ]http://www.qoqaz.com
وكذلك العاجز عن دفعه المال : فإنه يستطيع أن يجهز غازياً بطريق جمع المال لتجهيز الغزاة في سبيل الله وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الدال على الخير كفاعله ....
6) خلافة الغازي في أهله بخير :
وهي مثل سابقتها إلا أنها تتعلق بمسألة خلافة الغازي في أهله بخير ، والقيام بكفالتهم وشؤونهم فتتمة الحديث ما قاله صلى الله عليه وسلم : " ومن خلفه في أهله بخير فقد غزى "
ومما ورد في فضل هذا العمل النبيل الجليل قوله صلى الله عليه وسلم (أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج)
الخارج : الغازي أو المجاهد في سبيل الله.
وخلافة الغازي في أهله والحرص عليهم ورعايتهم وتفقد حاجاتهم هو من حقوق الغازي على القاعدين في ديار أهله كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فقيل له : قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت ، فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم) .
فما ظنكم : أي هل تظنونه يبقى لصاحبه شيئا من الحسنات في ذلك الموقف .. كما قال النووي .
وقد جاء الوعيد على من لم يعز أو يجهز غازياً أو يخلفه في أهله بخير فإذا لم يقم المسلم بأحد هذه الأمور الثلاثة زمن الغزو فإنه يكون مستحق لعقاب الله كما جاء عند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه اللَّه بقارعة قبل يوم القيامة "
وروى عبد الرزاق عن سعيد بن عبد العزيز قال : سمعت مكحولا يقول : قال رسول اللّه : "ما من أهل بيت لا يخرج منهم غاز أو يجهزوا غازيا أو يخلفونه في أهله إلا أصابهم اللّه بقارعة قبل الموت ". وهذا مرسل
قال الشيخ أبوبصير حفظه الله : " فالمؤمن لا يجوز له إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون غازياً في سبيل الله، وإما أن يخلف غازياً في أهله بالخير، وإما أن يجهز غازياً في سبيل الله .. فإن لم يكن واحداً من هؤلاء فلينتظر قارعة تنزل بساحته ـ لا يعلم ماهيتها وحجمها إلا الله ـ قبل يوم القيامة ..! " أ.هـ
قال ابن الأثير : " أصابه الله بقارعة أي بداهية تهلكه ، يقال : قرعه أمر إذا أتاه فجأة ، وجمعها : قوارع " أ.هـ
ومن الوسائل أيضاً :
7) كفالة أسر الشهداء:
كفالة أشر الشهداء والقيام على أراملهم ورعاية أولادهم وأهليهم فيامن تريد خدمة الجهاد والمجاهدين دونك أسر الشهداء فاكفلهم واسع جهدك في كفالتهم
فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت جعفر بن أبي طالب ( جعفر الطيار ) لما بلغه استشهاده في غزوة مؤته وقال لأهله : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم
وقد ذكر ابن كثير قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبناء جعفر حيث ذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت عميس قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين مناء وعجنت عجينتي وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إئتيني ببني جعفر " فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه فقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : نعم أصيبوا هذا اليوم قالت فقمت أصيح واجتمع إليّ النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأهله : " لاتغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم " فليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ...
لنقم على أسر الشهداء وأراملهم بالكفالة والرعاية ..
أبناؤه يرعون ويحافظ عليهم من كل سوء وشر ، وزوجته تزوج من الكفء إن شاءت الزواج فإن زوجة جعفر اسماء بنت عميس سالفة الذكر قد تزوجها بعد انتهاء عدتها أبوبكر الصديق رضي الله عنه .
فهذا كله من حق الشهيد علينا ... وهو عمل يسير وأجره عند الله كبير ..
فهذا الشهيد قد ضحى بالنفس والنفيس من أجل خدمة الدين وإعلاء كلمة الله فلا أقل من أن نقوم برعاية أهله وزوجه وبنيه من بعده علّ الله أن يغفر الزلل ويلحقنا بركب الشهداء وقافلتهم ..
8) كفالة أسر الجرحى والأسرى:
ومن الوسائل التي نساهم بها في خدمة الجهاد والمجاهدين كفالة أسر الأسرى والجرحى لأنهم في حكم الغائب وأهاليهم قد يحتاجون للمساعدة فلا ينبغي أن يتركوا بل لابد من كفالتهم والقيام بشأنهم حالهم حال أسرة الغازي والشهيد ..
وبخاصة أسر الأسرى وأهاليهم فلوعتهم بابنهم وعائلهم الأسير أكبر وأكثر ، وحزنهم متجدد بذكره والشوق لمعرفة مصيرة فلا بد من تذكيرهم الصبر والمصابرة وإشعارهم بأننا معهم في مصابهم ، ومن الملاحظ أن بعض زوجات الأسرى قد يعانين من ضغوط المجتمع وقد يغري بها بعض السفهاء ويستهزأ بزوجها ويسخر من حالها ولا شك أن هذا فعل من لا خلاق له ولا أخلاق ، ولكن لا بد من الوقوف مع زوجات الأسرى كفالة ورعاية ومتابعة وعضداً وتصبيراً ومناصرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .
9) جمع التبرعات للمجاهدين :
لاشك أن المال عصب الجهاد ، ومن أعظم النفع للمجاهدين والجهاد أن تنتدب فئة من الأمة أو الأمة كلها لجمع التبرعات وإرسالها لأهل الثغور وفي ذلك من الأثر البالغ مالا يخفى على أحد ، وهذا الأمر هو الذي جعل الكفر العالمي في حيرة من أمره ، حيث جمدوا أرصدة المجاهدين وضيقوا على من يتعاون معهم ولكن المجاهدين مازالوا في طريقهم سائرين : " لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم "
والحركة المجاهدة حين تدعو إلى الإنفاق وتحرض عليه لا يعني ذلك أنها " جمعية خيرية " تقدم صناديق مختومة وتطوف بها على الناس لجمع التبرعات لأنها حركة تعتمد على ذاتها وتنطلق من خلال جهادها ، وهي عندما تقبل صدقات المحسنين إنما هي تقبل منهم قبل ذلك أحاسيسهم وضمائرهم التي تحمل همّ الدعوة وتلبي نداء الجهاد فلا تخضع بذلك لمساومات أو إغراءات تمس عقيدتها وتخدش جهادها ، كما انها تقتدي في ذلك برسول الله صلوات الله وسلامه عليه في تحريضه أصحابه وامته على الإنفاق وتجهيز الغزاة بتلك النفقات المباركات .
ويتجسد لنا هذا النموذج الرائع من التكافل الاجتماعي والتعاون الإيماني في تسابق المؤمنين إلى التجهيز للغزو في الغزوات النبوية لاسيما غزوة تبوك التي بذل فيها المسلمون الأموال والصدقات وشارك في هذا الدعم أشراف الرجال وكرائم النساء .
وما أجمل أن يربي المجاهدون أبناء الإسلام على إحياء روح الوحدة الإسلامية في الشعور بقضايا المسلمين والتعايش مع واقعهم بالبذل والدعم والعطاء كما يربونهم على بذل النفس والتسابق بها في ميادين القتال لإعلاء كلمة الله .
إنها حقاً تربية على أخلاق الخير وخصال البر ، ولن يبخل بعدها مسلم نال من تلك التربية الجهادية الشاملة نصيباً وافراً ، ولن يتردد في إجابة أخيه المجاهد وهو يدعوه عند الحاجة إليه وإلى تأييده ودعمه :
أخا الإسـلام إن البر شئ يسرك في القيامة أن تراهُ
فجُد بالخير واستبق العطايا فيوم الدين يجزيك الإلهُ
قال الشيخ يوسف العييري رحمه الله : " ويتفرع عن الجهاد بالمال لمن لم يكن له دخل ولا مال ينفقه ، أن يجمع التبرعات من أهل اليسار ومن النساء والأطفال والخاصة والعامة ، ومن لم يستطع أن يجمع المال بإمكانه أن يحرض على الجهاد بالمال ويطلب من المسلمين ألا يشحوا بأموالهم إذا ما طلبت منهم .
وهناك سبل أخرى كثيرة تتفرع عن الجهاد بالمال وقد اتضح المقصود من تلك الأمثلة " .
وبإمكانك أن تجمع المال للمجاهدين من خلال عدة وسائل منها على سبيل المثال لا الحصر :
1. الجمع في المساجد وفي تجمعات الناس العامة .
2. الجمع عبر " صندوق المناسبات " وهذا يكون الجمع فيه أثناء المناسبات العائلية الخاصة .
3. الجمع عبر عدة مشاريع تطرحها على من تعرف من الناس عامة وخاصة كالمشاريع الموسمية للمجاهدين مثل : ( إفطار الصائم ، تجهيز الغازي ، كسوة الشتاء ، صدقة الصيف ، الأضاحي ..)
4. الاستقطاع الشهري من مالك أو مال من تعرف بحيث تحاول جمع أكبر عدد تستطيع الاستقطاع منهم شهرياً وتبعث بها للمجاهدين .
5. حصالة المنزل وهذه توضع في المنزل وتفرغ بين الفترة والأخرى وتعطى للمجاهدين .
6. حث الأثرياء من الأقارب والمعارف بدفع الزكاة والنفقة العامة للمجاهدين وإن أمكن أن تكون وسيطاً بينه وبين المجاهدين.
المهم أن يكون لديك الحرص التام على جمع التبرعات وإذا كانت هي همك وهاجسك فلسوف تبتكر من الطرق ما حد له ولا نهاية ، ولسوف تجتاز كل العوائق والعقبات التي يضعها أنصار الصليب وأعداء المجاهدين من بني جلدتنا أو من الصليبيين أنفسهم .
لا أبالي ولو أقيمت بدربي وطريقي حواجز وسدود
ثم لنعلم العلم اليقين أن هذا الأمر واجب وحق لإخوانك عليك ولا فضل لك بذلك بل الفضل والمنة من الله تعالى الذي هداك وسخرك لخدمة أهل الثغور فكم حرم منها أناس كثير وخص بها أناس قليل فاللهم اجعلنا من الأقلين ..
ولنتذكر قول الله تعالى : " هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء إلى الله وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "
ولنجعل نصب أعيننا قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : " الدال على الخير كفاعله "
وحديث : " اللهم أعط منفقاً خلفاً ، اللهم أعط ممسكاً تلفاً "
10) دفع الزكاة لهم :
الزكاة حق من حقوق الله في المال ومن أحوج الناس لها اليوم هم المجاهدون لأنهم أولى الناس بها حيث يصدق فيهم أنهم : في سبيل الله ، وفقراء ، وابن سبيل ونحو ذلك
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله تعالى :" ولذا يحرم على الناس الإدخار في حالة الحاجة للمال، بل لقد سئل ابن تيمية سؤالا: (ولو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي تضرر بتركه فقال: قدمنا الجهاد وإن مات الجياع، كما في مسألة التترس وأولى، فإن هناك ( التترس) نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله)
قال القرطبي: (إتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها) وقال مالك: (يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم. وهذا إجماع أيضا ).
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله : " والحفاظ على الدين مقدم على الحفاظ على النفوس، والحفاظ على النفوس أولى من الحفاظ على المال، فأموال الأغنياء ليست أغلى ولا أثمن من دماء المجاهدين. فلينتبه الأغنياء إلى حكم الله في أموالهم، حيث الجهاد في أشد الحاجة، ودين المسلمين وديارهم معرضة للزوال، والأغنياء غارقون في شهواتهم ولو صام الأغنياء يوما واحدا عن شهواتهم، وأمسكوا أيديهم عن إتلاف الأموال في كمالياتهم وحولوها إلى المجاهدين -الـذين يموتون بردا وتتقطع أقدامهم من الثلج ولا يجدون قوت يومهم ولا ذخيرة يدفعون بها عن أنفسهم ويحقنون بها دماءهم ـ، أقول: لو دفع الأغنياء مصروف يوم واحد للمجاهدين الأفغان لأحدثت أموالهم بإذن الله تغييرا كبيرا في الجهاد نحو النصر."
فيجب دفع الزكاة للمجاهدين فهي حق الله تعالى في المال ، وقد أفتى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله والشيخ عبدالله الجبرين حفظه الله : "بجواز تعجيل الزكاة لحول أو حولين إذا كان في ذلك منفعة وحاجة لدى المجاهدين أو المنكوبين من المسلمين في أراضي الجهاد "
ولا أشك في أن الزكاة لو دفع ربعها على الجهاد والمجاهدين لرأينا الأثر العظيم البالغ ولسوف تكفي المجاهدين في كل أصقاع الأرض ، والبعض من الناس إذا تحدثت معه عن الرافضة وعن جهودهم وبذلهم أموالهم لمذهبهم رد عليك بردين :
الأول : أن ورائهم دولة تدعمهم . الثاني : أن لديهم الخمس الذي يصرف لأئمتهم .
وأنا أقول لك حنانيك فإننا لا ننتظر دولة لأهل السنة تتبنى جهادها ، ولا خمساً يجتزأ من مال الناس بل إننا لا نطالب إلا بربع الزكاة فقط ، ولسوف يحصل بها من النكاية والخير مالا يخطر على بال .
وسل نفسك : كم من الأموال صرفت من الزكوات لأجل بناء مراكز إسلامية في بلاد متعددة من العالم في حين كانت دولة الإسلام الفتية ( طالبان ) بحاجةٍ للمسلمين ولكن لا مجيب ، حتى أن أمير المؤمنين الملا عمر لما حصل الإنحياز للأخوة المجاهدين في قروزني سأل أمير المؤمنين خازن بيت المال كم لديه ؟ فقال ثلاثمائة ألف دولار فقال له أعط ثلثها للمجاهدين في الشيشان !!
انظر دولة كاملة مسلمة ميزانيتها 300 ألف دولار فقط وزكوات المسلمين مبعثرة ومهدرة في غير وجهها .
بل لما بدأت الحرب الصليبية الأخيرة على أفغانستان كان في خزانة الدولة الإسلامية 70 ألف دولار فقط !!
فيالله العجب من أهل السنة حتى زكواتهم التي سيخرجونها من أموالهم فإنهم لايضعونها الموضع الصحيح والله المستعان وعليه التكلان .
11) المساهمة في علاج الجرحى:
وذلك يكون بالمساهمة في شراء الأدوية والعلاجات لهم أو دفع تكاليف علاجهم أو القيام بأجرة الطبيب ولا شك أن الجرحى يشكلون عبئاً كبيراً على المجاهدين فمتى ما كفوا مؤونة علاجهم فإن هذا خدمة لهم أي خدمة وهذا متأكد على أصناف من الناس منهم :
• الأطباء والصيدليين الذين لهم خبرة ودراية بعلاج الجرحى .
• الذين يسكنون في مناطق مجاورة للبلاد التي فيها الغزو فهؤلاء يستطيعون مالا يستطيع غيرهم حيث بإمكانهم علاجه لديهم وفي ديارهم .
• الذين يأتي إليهم الجريح كأن يرحل إلى بلاده فلابد من أهل بلدته القيام بأمره ودفع تكاليف علاجه .
وكذلك هو عام لمن يستطيع النفقة على المجاهدين حيث يصرف منها على الجرحى والمصابين .
12) الثناء على المجاهدين وذكر مآثرهم ودعوة الناس لتقفي آثارهم :
ومن الوسائل أيضاً الثناء على المجاهدين ورفع الرأس بهم والفخر بأعمالهم وذكر مآثرهم وما حصل لهم من كرامات وانتصارات على أعداء الملة والدين فبذلك تحيا القلوب وتتوق للعزة والمجد الماضي ، فما سطره المجاهدون اليوم وقبل اليوم بدمائهم الزكية وبأشلائهم الطاهرة ونفوسهم الطيبة النقية يكل القلم عن كتابته :
في كل يوم للجنان قوافل
ماذا أقول بوصف ما قاموا به
شهداء راضٍ عنهم العلام
عجز البيان وجفت الأقلام
وفي ذكر مآثرهم دعوة للناس بأن يقتفوا آثارهم التي ساروا فيها على نهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما أجمل أن تجعل الأمة قدواتها من المجاهدين الذين بذلوا النفوس لأجل رفعة راية الدين بدلاً ممن في غيه سادر أو في لذات الدنيا غافل وسائر ..
ولتعلم الأمة أن تأريخ الجهاد والمجاهدين والشهداء ليس مبتوراً بل هو سلسة من تأريخ هذه الأمة العريق سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا ...
والذي يركب في قافلة المجاهدين ليس غريباً عن الإسلام الحق الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم بل هو سائر على نهجه ومن يقول اليوم لماذا العلماء في هذا الزمان لم يخرجوا للجهاد ولم يغزو في سبيل الله فإننا نقول أن القدوة هو محمد صلى الله عليه وسلم لا من رغب بالحياة الدنيا وانشغل بها بأي اسم ودعوى ..
قالوا : فهل لك قدوة تمشي علــى آثارها من عالم أو قـــــاري
قلت : النبي محمد وصحابــــه بجهادهم سادوا على الأمصـــار
أنا قدوتي ابن الوليد ومصعـــب وابن الزبير وسائر الأنصــــار
قالوا : فدربك بالمكاره موحــشٌ فعلام تبغي العيش في الأخطــار
قلت : المكاره وصف درب جنانـنا أما النعيم فوصف درب النـــار
فلا بد من دعوة الناس وتربية الأمة على أن تتخذ من المجاهدين قدوات في الحياة ، حتى تعاد للأمة الأمجاد فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بماصلح به أولها ..
13) تشجيع المجاهدين وحثهم على الإستمرار:
لاشك أن كثرة المخذلين والمبطلين يؤثرون على معنويات المجاهدين إلا أنهم بإذن الله لا يتوقفون عن المسير حيث هم كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم : " لايضرهم من خالفهم ولا من خذلهم " إلا أنه ينبغي تشجيع المجاهدين وشد أزرهم والوقوف معهم ومساندهم وأن نظهر لهم أننا معهم وضد عدوهم أياً كان ..
وكذلك حثهم على مواصلة الجهاد وتصبيرهم عليه وتسليتهم فيما يصيبهم من عناء وكدر ، فهذا من أعظم الدعم المعنوي الذي نقدمه للمجاهدين ونبذله لهم علّ الله أن يرحمنا بذلك .
وفي هذه الأيام تشتد حاجة المجاهدين إلى من يشد أزرهم ويقوي عزائمهم حيث كثر المرجفون والملبسون الحق بالباطل ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال : " سيأتي من بعدكم أيام صبر للعامل فيهن أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا وَلَا يَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا "
فلنكن عوناً للمجاهدين ومؤازين لهم :
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعف النطق إن لم يسعف الحال
14) الذب عن المجاهدين والدفاع عنهم :
رواه الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من ذبّ عن عرض أخيه ردًّ الله النار عن وجهه يوم القيامة " وهذا من حقوق المجاهدين على سائر الأمة :
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
ولنحذر أشد الحذر من الطعن في أعراض المجاهدين .. وتناول ونشر ما يسوؤهم .. والبحث والتفتيش عن أخطائهم وعثراتهم .. وتتبع عوراتهم .. والتهكم والسخرية عليهم .. بل إن الواجب في هذه المرحلة وهذا الوقت .. الوقوف معهم .. والذب عن أعراضهم .. وإقالة عثراتهم .. ومعاداة من يريد بهم سوء أو ينشر عنهم ما يسوؤهم .. وهنا أهيب بإخواني أن يقاطعوا جريدة الشرق الأوسط وكل توابعها .. ومن كان على شاكلتها .. فهي تجتهد وفق مخطط التحالف الصليبي اليهودي .. في بث الفرقة بين الأمة والمجاهدين .. والإرجاف في صفوفهم .. ونشر الأكاذيب عنهم .. والترويج لعثرات المجاهدين .. وتعمل على إحباط وقتل الروح المعنوية للأمة .. فهي جريدة خبيثة المولد والمنهج .. وأعتقد أنه لا يجوز العمل فيها .. أو بأي دار نشر تحارب الله ورسوله وعباده المؤمنين .. ولنعلم أن دورنا مع إخواننا المجاهدين هو قول الله تعالى [وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10} ] الحشر ..
قال الشيخ يوسف العييري رحمه الله ك " ويتفرع عن الجهاد باللسان تجلية حقيقة هذه الحرب الصليبية والهجمة التي تشن على الإسلام وفضحها ، والذب عن المجاهدين والدفع عن أعراضهم ، وذلك يكون بين خاصة الرجل وأهله ، وبين عامة الناس في منتدياتهم وفي مساجدهم و أعمالهم و مدارسهم ، فكل مسلم واجب عليه أن يجاهد بلسانه على قدر طاقته ، والجهاد باللسان لا يشترط له شرط بل كل كلمة علمها المكلف ويرى أن فيها فضحاً للصليبيين أو ذباً عن المجاهدين وجب عليه القول بها وبيانها للناس والله أعلم " .
وقال رحمه الله : "وأما من رضي بالسكوت فقط فإن الله تعالى يقول له ولأمثاله:}وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم{وقد توعد الله سبحانه وتعالى الساكت في مثل هذه الأيام بما جاء عند أبي داود وأحمد واللفظ له عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاريين رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( ما من امرئ يخذل امرءاً مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) "
ونحن اليوم في زمن كثر فيه من ينال من المجاهدين وينتقصهم ويعيبهم إما من المنافقين أو من المرتدين أو ممن ينسبون للعلم الشرعي والعلم منهم براء يقول الشيخ على الخضير فك الله أسره :
"نادت مجموعة أو فئة من نشاز الناس .. بمفهوم غريب ومصطلح مريب اسمه "تقزيم الجهاد".. و تهميشه وتهوينه .. أو تأخيره وتأجيله .. وأخيرا تعطيله !! مخفين ذلك من وراء .. لافتات براقة وعناوين أخّاذة ..
كعند الأمة ما يكفيها من الجراح .. أو الأمة غير مهيئة للجهاد .. أو القوة غير متكافئة .. أو الأمة لم تتربى بعد .. أو من ذهب إلى الجهاد ترك أيتام وأرامل ..ناهيك عن الإرجاف والتثبيط .. بل السخرية والاستهزاء ..
فأهل الجهاد عندهم .. أصحاب غلو وتطرف وقلة علم .. أو أهل انتقائية ومزاجية.. سائرين في ذلك على طريقة .. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء ..ولا عجب في ذلك ولا غرو فهم ورثة } فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ { .. وخليفة {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا
مَا قُتِلُوا } .. وأصحاب } فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا{ ..
وهذه الفئة توسم وتوصم ببعد النظر وسعة الأفق وفهم الواقع ومرونة الرأي ، والعمليات الاستشهادية عندهم انتحارية ومحرمة في شريعة الإسلام السمحة .. أو تسبب تصفية البؤر الجهادية في العالم .. وقد تمتد التصفية إلى كثير من الأعمال الإسلامية والدعوية والإغاثية .. وأقل أحوالها عندهم أنها مجازفة وتهور !!
تعرفهم بلحن القول , وبإيحاء بعضهم إلى بعض بزخرف قولهم غرورا ..أماكنهم ومنتدياتهم .. أحادياتهم وأثنينياتهم .. أو الفضائيات والإذاعات .. والصحف والمجلات .. أماكن الكفر والإلحاد .. والإباحية والتهتك
أما جهادهم فمفهومه : جهاد الكلمة ... والمجلة .. والشبكة العالمية ... وحوار الطغاة ! واحتواء أهل البدع ..
وتمييع الفقه من أجل كسب الناس !ومن أصولهم تمييع الولاء والبراء .. وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه .. والترخص في الفتاوى .. مقدمين في ذلك كله المتشابه على المحكم .. والشك على اليقين .. والعام على الخاص .. والمطلق على المقيد .. والموهوم على المعلوم .. والمصلحة على الدليل .. باختصار هم أولئك الذين سمى الله فاحذروهم .." أ.هـ
ومما ينبغي أن يعلم هنا أن الجهاد والمجاهدين اليوم حرمتهم أعظم من حرمة بعض العلماء الذين لا يألون جهداً في صرف الناس عن الجهاد بل وربما النيل من المجاهدين وينبغي أن يعلم هنا أمرين :
الأول : أن الجهاد والدفاع عنه وعن المجاهدين مصلحة عظمى تقدم على مصلحة العالم الذي نال من المجاهدين بأي شكل وبأي دعوى كانت وأن الرد عليه ولو كان ينقص من قدره واجب ولازم فهو الذي بلسانه استوجب الذم .
الثاني : أنه وردت الأحاديث أنه سيأتي زمان يعيب العلماء والقراء الجهاد كما جاء ذلك عند النسائي في سننه عن سلمة بن نفيل الكندي قال كنت جالسا عند رسول الله فقال رجل يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله بوجهه وقال ( كذبوا الآن الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث وأنتم تتبعوني أفنادا يضرب بعضكم رقاب بعض وعقر دار المؤمنين الشام ) وروى ابن عساكر أيضاً عن زيد بن أسلم عن أبيه أن الرسول قال ( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر من السماء وسيأتي على الناس زمان يقول فيه قراء منهم : ليس هذا بزمان جهاد فمن أدرك ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد ، قالوا يارسول الله أو أحد يقول ذلك ؟ قال : نعم من لعنه الله والملائكة والناس أجمعون )يتبع..............
محمد بن أحمد السالم
1424هـ
مقدمة :
الحمد لله الذي فرض على عبادة الجهاد ، ووعدهم بالتمكين في الأرض والرفعة على أهل الإلحاد ,والصلاة والسلام على خير العباد, من جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة الطيبين الطاهرين .
وبعد..
إخوتي الكرام : إن زماننا اليوم زمان محنة وغربة للإسلام لم يشهدها التاريخ من قبل حيث استحكمت الغربة وعم البلاء , وأصبحت الأرض كلها مجالاً للصراع ومطاردة الثابتين على دينهم والمتمسكين به والمنافحين عنه بالبيان وبالسنان..إذ أعلن العالم عن بكرة أبيه عن حربه للإرهاب " أي الجهاد" ورفضهم له ولكل أشكاله التي تمارس من قبل المسلمين فحسب..
فرمي الإسلام عن قوس واحدة وتداعت أمم الكفر وأعوانهم من كل صوب وحدب على الطائفة المنصورة التي أخذت على عاتقها حرب الكفر والكافرين حرباً ظاهرةً ضروساً لا تواني فيها ولا هوادة ، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك لا يضرهم من خذلهم من المسلمين المخذلين أو المنهزمين أو من غرقوا في وحل الدنيا الدنيئة , ولا يضرهم من خالفهم من ملل الكفر وشراذم المرتدين والمبطلين أو من المبتدعة الضالين.
ولاشك أن الجهاد اليوم هو من أفضل القربات , بل إنه فريضة افترضها الله علينا ولا أوجب اليوم على المسلمين بعد الإيمان بالله من الجهاد ودفع الصائل الذي احتل ديار المسلمين.
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
الجهاد اليوم هو خيار الأمة الوحيد فالعدو اليوم أصبح يحتل بلاد المسلمين بلداً بلداً كما قال الله تعالى من قبل : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..)
فلم يعد للمسلمين اليوم خيار إلا الجهاد ولغة السلاح ..
قلي بربك : عدوٌ غازٍ, أحتل والديار ، وهتك الأعراض ، ويتم الأطفال ، ورمل النساء ، وبدأ في ضرب الإسلام في كل وادٍ, أو بعد هذا نشك في أن الحل الوحيد للتفاهم معه هو لغة القوة والرد بالمثل؟
فالحديد لا يفله إلا الحديد , والقوة لا يقابلها إلا القوة..
وقد ثبت لدينا في الكتاب والسنّة والواقع يشهد بذلك ويُصدِّقُه أن المفاوضات والسلام لا تعود على أصحابها إلا بالخسران المبين والفشل الذريع , وزيادة من العبودية لغير الله والذلة للمعتدين ، ناهيك عن من يقوم بها باسم المسلمين من الحكام الخونة الذين ليسوا منّا ولسنا منهم ، بل هم عدوٌ لدودٌ لنا ، بهم تربص الكفار بنا ، وبمكرهم وخداعهم سُلبت حقوقنا وأُضيعت.
كيف لا..والله قد قال في كتابه وأخبر أنهم بدأوا في الحرب معنا لهدف واحد محدد وهو: ( حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..)
لا حلَّ إلاَّ بالجهادِ الأَعَظمِ مَا عَادَ يُرضِينَا السَّلامُ العَالمي
لا سِلْمَ للأَعداءِ هذي شرعةٌ وعقيدةٌ في كلِّ قَلْبٍ مُسْلمِ
من هذا المنطلق وحيث أن الجهاد هو خيار الأمة والفرض الواجب المتحتم قررت بعد مشورة أحد الأخوة أن أكتب خطوات عملية يستطيع الكل أن يعمل بها أو ببعضها خدمة للجهاد وأهله ودفعاً لعجلة الجهاد التي تسير وإن رغمت أنوف المعتدين ..
نصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية للمسلمين أيام غزو التتار:
وأختم هذه المقدمة بما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى للمسلمين حين غزو التتار :
َكَتَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - لَمَّا قَدِمَ الْعَدُوُّ مِنْ التَّتَارِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ إلَى حَلَبَ وَانْصَرَفَ عَسْكَرُ مِصْرَ وَبَقِيَ عَسْكَرُ الشَّامِ . بسم الله الرحمن الرحيم إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ - أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ بَاطِنَةً وَظَاهِرَةً وَنَصَرَهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا وَفَتَحَ عَلَيْهِمْ فَتْحًا كَبِيرًا وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْ لَدُنْه سُلْطَانًا نَصِيرًا وَجَعَلَهُمْ مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ مُهْتَدِينَ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ - سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى صَفْوَتِهِ مِنْ خَلِيقَتِهِ وَخَيْرَتِهِ مِنْ بَرِّيَّتِهِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مِنْ النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَجَعَلَ كِتَابَهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمُصَدِّقًا لَهَا وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ; فَهُمْ يُوفُونَ سَبْعِينَ فِرْقَةً هُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ وَقَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ وَرَضِيَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا . فَلَيْسَ دِينٌ أَفْضَلَ مِنْ دِينِهِمْ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُمْ وَلَا كِتَابٌ أَفْضَلَ مِنْ كِتَابِهِمْ وَلَا أُمَّةٌ خَيْرًا مِنْ أُمَّتِهِمْ . بَلْ كِتَابُنَا وَنَبِيُّنَا وَدِينُنَا وَأُمَّتُنَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ وَدِينٍ وَنَبِيٍّ وَأُمَّةٍ . فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ . { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } وَاحْفَظُوا هَذِهِ الَّتِي بِهَا تَنَالُونَ نَعِيمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا فَتُعْرِضُونَ عَنْ حِفْظِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَرِعَايَتِهَا فَيَحِيقُ بِكُمْ مَا حَاقَ بِمَنْ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاشْتَغَلَ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ . فَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا نَعَتَ اللَّهُ بِهِ الشَّاكِرِينَ وَالْمُنْقَلِبِينَ حَيْثُ يَقُولُ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } . أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ لَمَّا انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ خِيَارِ الْأُمَّةِ " وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ حَتَّى خَلَصَ إلَيْهِ الْعَدُوُّ فَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَشَجُّوا وَجْهَهُ وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَقُتِلَ وَجُرِحَ دُونَهُ طَائِفَةٌ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِهِ لِذَبِّهِمْ عَنْهُ وَنَعَقَ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ : أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ . فَزَلْزَلَ ذَلِكَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ حَتَّى انْهَزَمَ طَائِفَةٌ وَثَبَّتَ اللَّهُ آخَرِينَ حَتَّى ثَبَتُوا . وَكَذَلِكَ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَزَلْزَلَتْ الْقُلُوبُ وَاضْطَرَبَ حَبَلُ الدِّينِ وَغَشِيَتْ الذِّلَّةُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ الصِّدِّيقُ رضي الله عنها فَقَالَ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَرَأَ قَوْلَهُ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوهَا حَتَّى تَلَاهَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فَلَا يُوجَدُ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَتْلُوهَا . وَارْتَدَّ بِسَبَبِ مَوْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَلَمَّا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الضَّعْفِ جَمَاعَاتٌ مِنْ النَّاسِ : قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ . وَقَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ بَعْضِهِ فَقَالُوا : نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي . وَقَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ إخْلَاصِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم . فَآمَنُوا مَعَ مُحَمَّدٍ بِقَوْمٍ مِنْ النَّبِيِّينَ الْكَذَّابِينَ كمسيلمة الْكَذَّابِ وطليحة الأسدي وَغَيْرِهِمَا فَقَامَ إلَى جِهَادِهِمْ الشَّاكِرُونَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى الدِّينِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالطُّلَقَاءِ وَالْأَعْرَابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ الَّذِينَ لَمْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا . وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَةٍ إلَّا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَسَيَعْمَلُ بِهَا آخَرُونَ . فَمَنْ كَانَ مِنْ الشَّاكِرِينَ الثَّابِتِينَ عَلَى الدِّينِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ ; فَإِنَّهُ يُجَاهِدُ الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ الدِّينِ وَيَأْخُذُونَ بَعْضَهُ وَيَدَعُونَ بَعْضَهُ كَحَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ الْمُفْسِدِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَتَسَمَّى بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ شَرِيعَتِهِ ; فَإِنَّ عَسْكَرَهُمْ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعِ طَوَائِفَ : كَافِرَةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى كُفْرِهَا : مِنْ الكرج وَالْأَرْمَنِ وَالْمَغُولِ . وَطَائِفَةٍ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَارْتَدَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَانْقَلَبَتْ عَلَى عَقِبَيْهَا : مِنْ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمْ . وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ جُرْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ قَتْلُهُمْ حَتْمًا مَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَى مَا خَرَجُوا عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَلَا هُدْنَةٌ وَلَا أَمَانٌ وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُفَادَى بِمَالِ وَلَا رِجَالٍ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا يسترقون ; مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى الرِّدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ . وَيُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ; كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَا نِسَاؤُهُمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدُ لَهُ أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ وَيَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَالْمُفَادَاةُ بِهِ إذَا كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا أَنْ يُعْقَدُ لَهُ ذِمَّةٌ وَيُؤْكَلُ طَعَامُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا تُقْتَلُ نِسَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلْنَ بِقَوْلِ أَوْ عَمَلٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ . فَالْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالًا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ الْكَافِرِ الْمُسْتَمِرِّ عَلَى كُفْرِهِ . وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِيهِمْ مِنْ الْمُرْتَدَّةِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ . فَهَذَانِ صِنْفَانِ . وَفِيهِمْ أَيْضًا مَنْ كَانَ كَافِرًا فَانْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَرَائِعَهُ ; مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالْكَفِّ عَنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَالْتِزَامِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَضَرْب الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْر ذَلِكَ . وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ ; بَلْ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ وَكَمَا قَاتَلَ الصَّحَابَةُ أَيْضًا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلِيٍّ رضي الله عنه - الْخَوَارِجَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي وَصْفِهِمْ : { تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ : { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَاذَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ لَنَكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ } وَقَالَ : { هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ } . فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ صِيَامِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ . أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقِتَالِهِمْ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي قِتَالِهِمْ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالشَّامِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ ; فَإِنَّ مَعَهُمْ مَنْ يُوَافِقُ رَأْيُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ رَأْيَ الْخَوَارِجِ . فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ . وَفِيهِمْ صِنْفٌ رَابِعٌ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ . وَهُمْ قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَبَقُوا مُسْتَمْسِكِينَ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ . فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْمُرْتَدُّونَ وَالدَّاخِلُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لِشَرَائِعِهِ وَالْمُرْتَدُّونَ عَنْ شَرَائِعِهِ لَا عَنْ سَمْتِهِ : كُلُّهُمْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَحَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحَتَّى تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ - الَّتِي هِيَ كِتَابُهُ وَمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ - هِيَ الْعُلْيَا . هَذَا إذَا كَانُوا قَاطِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ فَكَيْفَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَرَاضِي الْإِسْلَامِ : مِنْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْجَزِيرَةِ وَالرُّومِ فَكَيْفَ إذَا قَصَدُوكُمْ وَصَالُوا عَلَيْكُمْ بَغْيًا وَعُدْوَانًا { أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ } وَثَبَتَ أَنَّهُمْ بِالشَّامِ . فَهَذِهِ الْفِتْنَةُ قَدْ تُفَرِّقُ النَّاسُ فِيهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ : الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ وَهُمْ الْمُجَاهِدُونَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ . وَالطَّائِفَةُ الْمُخَالِفَةُ وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَمَنْ تَحَيَّزَ إلَيْهِمْ مِنْ خبالة الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ . وَالطَّائِفَةُ الْمُخَذِّلَةُ وَهُمْ الْقَاعِدُونَ عَنْ جِهَادِهِمْ ; وَإِنْ كَانُوا صَحِيحِي الْإِسْلَامِ . فَلْيَنْظُرْ الرَّجُلُ أَيَكُونُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ أَمْ مِنْ الْخَاذِلَةِ أَمْ مِنْ الْمُخَالِفَةِ ؟ فَمَا بَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ . وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِي تَرْكِهِ خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } يَعْنِي : إمَّا النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ فَمَنْ عَاشَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ كَانَ كَرِيمًا لَهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَحُسْنُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ . وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ فَإِلَى الْجَنَّةِ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيُرَى مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُكْسَى حُلَّةً مِنْ الْإِيمَانِ وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُوقَى فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَيُؤْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمِائَةَ دَرَجَةٍ . مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَعَدَّهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ } فَهَذَا ارْتِفَاعُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِ الْجِهَادِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ } { وَقَالَ رَجُلٌ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُهُ . قَالَ : أَخْبِرْنِي بِهِ ؟ قَالَ : هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ لَا تُفْطِرُ وَتَقُومَ لَا تَفْتُرُ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَذَلِكَ الَّذِي يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّطَوُّعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ . فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَأَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعِ . وَالْمُرَابَطَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : لَأَنْ أُرَابِطُ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُوَافِقَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . فَقَدْ اخْتَارَ الرِّبَاطَ لَيْلَةً عَلَى الْعِبَادَةِ فِي أَفْضَلِ اللَّيَالِي عِنْدَ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ ; وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يُقِيمُونَ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَكَّةَ ; لَمَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُرَابِطِينَ بِالْمَدِينَةِ . فَإِنَّ الرِّبَاطَ هُوَ الْمَقَامُ بِمَكَانِ يُخِيفُهُ الْعَدُوُّ وَيُخِيفُ الْعَدُوَّ فَمَنْ أَقَامَ فِيهِ بِنِيَّةِ دَفْعِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُرَابِطٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحُوهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { : رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ } يَعْنِي مُنْكَرًا وَنَكِيرًا . فَهَذَا فِي الرِّبَاطِ فَكَيْفَ الْجِهَادُ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانٌ جَهَنَّمَ فِي وَجْهِ عَبْدٍ أَبَدًا } وَقَالَ { مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ } فَهَذَا فِي الْغُبَارِ الَّذِي يُصِيبُ الْوَجْهَ وَالرِّجْلَ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَشَقُّ مِنْهُ ; كَالثَّلْجِ وَالْبَرْدِ وَالْوَحْلِ . وَلِهَذَا عَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَعَلَّلُونَ بِالْعَوَائِقِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } وَهَكَذَا الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَا تَنْفِرُوا فِي الْبَرْدِ فَيُقَالُ : نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ بَرْدًا . كَمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : رَبِّي أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأْذَنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشُدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ } فَالْمُؤْمِنُ يَدْفَعُ بِصَبْرِهِ عَلَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّ جَهَنَّمَ وَبَرْدَهَا وَالْمُنَافِقُ يَفِرُّ مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا وَبَرْدِهَا حَتَّى يَقَعَ فِي حَرِّ جَهَنَّمَ وَزَمْهَرِيرِهَا . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ النُّصْرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ . وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَقْهُورُونَ مَقْمُوعُونَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَاصِرُنَا عَلَيْهِمْ وَمُنْتَقِمٌ لَنَا مِنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . فَأَبْشِرُوا بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَيَقَّنَّاهُ وَتَحَقَّقْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } { تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَى مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَنْ أَحْيَاهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي يُجَدِّدُ اللَّهُ فِيهِ الدِّينَ وَيُحْيِي فِيهِ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ حَتَّى يَكُونَ شَبِيهًا بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَمَنْ قَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِذَلِكَ كَانَ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي حَقِيقَتُهَا مِنْحَةٌ كَرِيمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَهَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي فِي بَاطِنِهَا نِعْمَةٌ جَسِيمَةٌ حَتَّى وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ - حَاضِرِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِمْ جِهَادُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ . وَلَا يَفُوتُ مِثْلُ هَذِهِ الْغُزَاةِ إلَّا مَنْ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُ وَسَفَّهَ نَفْسَهُ وَحُرِمَ حَظًّا عَظِيمًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى كَالْمَرِيضِ وَالْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ عَاجِزٌ بِبَدَنِهِ فَلْيَغْزُ بِمَالِهِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَقَدْ غَزَا } وَمَنْ كَانَ قَادِرًا بِبَدَنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ زَكَاةً أَوْ صِلَةً أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ; حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ لِجَهْلِهِ بِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ أَوْ عَوَارٍ قَدْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا فَلْيُنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَصْرِفُهَا . وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ فَأَعْظَمُ دَوَائِهِ الْجِهَادُ ; فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } . وَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ الْحَرَامِ وَالتَّوْبَةَ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ فَلْيُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ إلَى خَلَاصِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ الْجِهَادِ . وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ فِي دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَحَمِيَّتِهَا فَعَلَيْهِ بِالْجِهَادِ ; فَإِنَّ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ لِلْقَبَائِلِ وَغَيْرِ الْقَبَائِلِ - مِثْلَ قَيْسٍ وَيُمَنِّ وَهِلَالٍ وَأَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ - كُلُّ هَؤُلَاءِ إذَا قُتِلُوا فَإِنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ فِي النَّارِ كَذَلِكَ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمية : يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةِ وَيَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ فَهُوَ فِي النَّارِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بهن أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا فَسَمِعَ أَبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَجُلًا يَقُولُ : يَا لِفُلَانِ فَقَالَ : اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيك فَقَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ; مَا كُنْت فَاحِشًا . فَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم } . رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ } يَعْنِي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ وَهِيَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ فِي الدَّعْوَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ : يَا لِقَيْسِ يَا ليمن وَيَا لِهِلَالِ وَيَا لِأَسَدِ فَمَنْ تَعَصَّبَ لِأَهْلِ بَلْدَتِهِ أَوْ مَذْهَبِهِ أَوْ طَرِيقَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَصْدِقَائِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ . فَإِنَّ كِتَابَهُمْ وَاحِدٌ وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَرَبُّهُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالْبِدْعَةِ . فَاَللَّهَ ; اللَّهَ . عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ ; يَجْمَعْ اللَّهُ قُلُوبَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَحْصُلْ لَكُمْ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَصَرَفَ عَنَّا وَعَنْكُمْ سَبِيلَ مَعْصِيَتِهِ وَآتَانَا وَإِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَوَقَانَا عَذَابَ النَّارِ وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ."
وأسميت هذه الرسالة :
(39) وسيلة لخدمة الجهاد والمشاركة فيه
سائلاً الله التوفيق والإعانة والسداد . والهدى والرشاد, وأن يكتب لها القبول والنفع بين الناس.
وأطلب من القارئ لهذه الصفحات أن يرسل لي أي ملحوظة أو رأي حول الموضوع على البريد الإلكتروني
وكتبه
محمد بن أحمد السالم
19/5/1424هـ
وسائل خدمة الجهاد والمشاركة فيه
1) تحديث النفس بالجهاد :
تحديث النفس بالغزو التحديث الحقيقي الذي يعني العزم على تلبية نداء الجهاد متى ما نادى المنادي : " يا خيل الله إركبي " وأن يوطن الإنسان نفسه ويعاهدها أن يهب للغزو والنفير إذا استنفره واستنصره إخوانه إتباعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : " وإذا استنفرتم فانفروا "
وإذا ما حدث الإنسان نفسه بالغزو ثم فاته الغزو أو لم يقدر عليه فإنه يتحسر لذلك كما قال الله عن الأشعريين - الصحابة الذين لم يستطيعوا تجهيز أنفسهم - : " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون "
فهكذا من تمام التحديث بالغزو تحسر الإنسان وندمه على مافاته من غزو في سبيل الله ويكون حاله كما قيل :
ذكرى المعارك والشهادة هيجت
وزئير أسد الله في الساحات كم
يا لهف نفسي بالجهاد فكم بها
شوقي إلى دار الخلود الباقية
يذكي حنيني للجهاد علانية
من حسرة فيما مضى من حالية
أما من يقول حين يغلق الطريق أو لا يستطيع الغزو : " الحمد لله الذي كفانا المؤونة " فهذا كاره للغزو غير عازم عليه فيه شبه بالمنافقين الذين يكرهون الغزو ولا يخرجون إ لا وهم كارهون وإذا خرجوا أوهنوا الجيش وفروا عند اللقاء .. وشتان والله بين من يبكي حسرة على فوات الغزو والجهاد وبين من يخفي في نفسه السرور والفرح أن وجد لنفسه عذراً أو سبباً لترك الغزو ..والله عالم بالسرائر وما تخفي الصدور .
وتحديث النفس بالغزو ينفي عن الإنسان صفة النفاق ..
كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات ولم يعز ، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق "
قال النووي في المنهاج: " المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى :
"وَأَمَّا النِّفَاقُ الْأَصْغَرُ : فَهُوَ النِّفَاقُ فِي الْأَعْمَالِ وَنَحْوِهَا : مِثْلَ أَنْ يَكْذِبَ إذَا حَدَّثَ وَيُخْلِفَ إذَا وَعَدَ وَيَخُونَ إذَا اُؤْتُمِنَ أَوْ يَفْجُرَ إذَا خَاصَمَ ... وَمِنْ هَذَا الْبَابِ : الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجِهَادِ . فَإِنَّهُ مِنْ خِصَالِ الْمُنَافِقِينَ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ " سُورَةَ بَرَاءَةَ " الَّتِي تُسَمَّى الْفَاضِحَةَ ; لِأَنَّهَا فَضَحَتْ الْمُنَافِقِينَ . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ ( وَمِنْهُمْ ( وَمِنْهُمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إلَّا ذُكِرَ فِيهَا . وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ : هِيَ " سُورَةُ الْبُحُوثِ " لِأَنَّهَا بَحَثَتْ عَنْ سَرَائِرِ الْمُنَافِقِينَ . وَعَنْ قتادة قَالَ : هِيَ الْمُثِيرَةُ ; لِأَنَّهَا أَثَارَتْ مَخَازِي الْمُنَافِقِينَ . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هِيَ الْمُبَعْثِرَةُ . وَالْبَعْثَرَةُ وَالْإِثَارَةُ مُتَقَارِبَانِ . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهَا المقشقشة . لِأَنَّهَا تُبْرِئُ مِنْ مَرَضِ النِّفَاقِ . يُقَالُ : تَقَشْقَشَ الْمَرِيضُ إذَا بَرَأَ : قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : وَكَانَ يُقَالُ لِسُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ : المقشقشتان ; لِأَنَّهُمَا يُبَرِّئَانِ مِنْ النِّفَاقِ . وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَغَازِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : غَزْوَةِ تَبُوكَ عَامَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ عَزَّ الْإِسْلَامُ وَظَهَرَ . فَكَشَفَ اللَّهُ فِيهَا أَحْوَالَ الْمُنَافِقِينَ وَوَصَفَهُمْ فِيهَا بِالْجُبْنِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ . وَوَصَفَهُمْ بِالْبُخْلِ عَنْ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالشُّحِّ عَلَى الْمَالِ . وَهَذَانِ دَاءَانِ عَظِيمَانِ : الْجُبْنُ وَالْبُخْلُ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ ; ...وَقَالَ تَعَالَى . { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } فَحَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ . وَقَالَ تَعَالَى : { لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } { إنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } . فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَأْذِنُ الرَّسُولَ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ ; وَإِنَّمَا يَسْتَأْذِنُهُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ فَكَيْفَ بِالتَّارِكِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ"
فحذار حذار أخي المسلم من أن تتشبه بالمنافقين أو تموت وفيك شعبة من نفاق ، وأما من يلوم المجاهدين أو من يخرج للجهاد بشتى أنواع اللوم بالتعجل تارة وبعدم الاستشارة تارة أخرى فنقول له :
يا من عذلتم بالجهاد شبابنا
أيلام من عشق الجنان ورَوحها
أيلام من هجر الحياة ولهوها
أيلام من لله أرخص نفسه
فدعوا الجهاد وأهله من لومكم
من لم يحدّث نفسه بالغزو أو
إن الجهاد هو الطريق لعزّنا
كفّوا عن التشهير والإنكار
وعلى خطى الأصحاب دوماً ساري
وبعزم حر هبّ لاستنفار
يبغي بها الفردوس خير قرار
وحذارِ من وصف النفاق حذارَ
يغزو فمات فميتة الأشرار
وبتركه ذلٌّ وعيش صغار
وقد جاء في الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لقي الله تعالى بغير أثر من جهاد لقي الله وفي إيمانه ثلمة " والحديث فيه كلام .
ويتبع لهذه الوسيلة ويتعلق بها الوسيلة التي بعدها وهي :
2) سؤال الله الشهادة بصدق:
سؤال الله الشهادة بصدق وإخلاص وإلحاح، فمن سأل الله الشهادة بصدق بلَّغَةُ اللهُ منازل الشهداء ولو مات على فراشه كما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولم لم تصبه) ، وفي رواية (بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) .
وفي مسلم أيضاً وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) .
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله: " ومعنى الحديثين : أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه ، وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير" أ.هـ
وفي الحديث : (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) .
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله : "ولكن الصدق في طلب الشهادة هو إعداد العدة :
ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة .
أما أن تمر عشر سنوات على الجهاد في أفغانستان ، والطريق آمنة ، والحدود مفتوحة ، ولا يصل بيشاور ، فهذا نرجوا الله أن يغفر له ، إن كان يظن أنه صادق في طلب الشهادة ، ألم تر إلى ذلك الأعرابي الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اتبعتك على أن أضرب هاهنا - حلقه - فأدخل الجنة فأصيب الأعرابي حيث أشار فقال صلى الله عليه وسلم : (صدق الله فصدقه) . " أ.هـ
وسؤال الشهادة الحقيقي هو الذي يجعل صاحبه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها، لا من يتأخر ويتباطأ عن نصرة الدين والنفير إذا دعى الداعي ...بل لسان حاله
رباه بعناك النفوس بجنة
فلقد أحاطتني الذنوب وما لها
رباه رباه الشهادة أبتغي
فاسكب إلهي في الجهاد دمائيه
إلا الشهادة كي تكفر ما بيه
فأجب بفضلك ياكريم دعائيه
فالله الله في الصدق مع الله والإلحاح عليه بأن يرزقك الشهادة في سبيلة مقبلاً غير مدبر، واعقد العزم على الجهاد ، ولتعلم أن من سأل الله الشهادة بصدق فإنه يطلب مظانها ويبحث عنها ،ويسعى لها سعياً حثيثاً ولا ينم حتى تأتيه هي :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
3) الذهاب للجهاد بالنفس :
الذهاب للجهاد في سبيل الله بالنفس ..
وعدم التقاعس عن ذلك بأي حجة ...فالرضى بالقعود هو رضى بالحياة الدنيا من الآخرة .
والجهاد في سبيل الله بالنفس أعظم الوسائل وأفضل القرب إلى الله تعالى ، ولا يخفى فضلها على أحد ..
وقد جاءت الفضيلة في الكتاب والسنة بفضيلة المجاهد بالنفس وفضيلة الشهيد والشهادة مما يطول بذكرها المقام وفي القرآن أكثر من سبعين آية في الجهاد وفي السنة أفرد أهل الحديث في مصنفاتهم أبواباً للجهاد وأحكامه وفضائله و كلمة الجهاد إذا أطلقت يراد بها القتال ..كما يقول ابن رشد :(وكلمة الجهاد إذا أطلقت إنما تعني قتال الكفار بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) .
فلا يحق لأحد أن يعممها على جهاد النفس أو الكلمة والقلم أو الدعوة إلى الله صحيح أنها أعمال بر وطاعة إلا أنها ليست المرادة بالجهاد في النصوص الشرعية إلا ما خص بذلك .
والجهاد من أفضل الأعمال الصالحة :
اعلم بأنَّ أفضلَ الأعمالِ
وهو أحبُّها لربِّي الباري
وقدْ أعدَّ اللهَ في الجناتِ
ما بينهنَّ في العُلوِ مثلَمَا
وأنَّ مَنْ علا الغُبَارُ قَدَمَهْ
وأنَّ مَنْ قَاتَل فُوْقَ نَاقةْ
قَدْ أوجبَ الأجرَ وفوزَ الجَنَّةْ
وخيرُ عيشِ النَّاسِ في القِفَارِ
وبالجهادِ يُرْهَبُ الأعداءُ
وفي الجهادِ أنفسُ الفَضَائلْ
لا يستوي القَاعدُ مِنْ دُونِ ضَرَرْ
أو عابدٍ طولَ النَّهارِ صَائِمْ
بهذهِ الرِّفعَةِ والتَّفضِيلِ
وما لعبدٍ مِنْ خِيَارٍ بعدها
ورايةُ الجِهَادِ تمضِي دونما
وسِرْ بركبِ الغزوِ والكفاحِ
ولا يُثَبِّطكَ كلامَ مُبْطِلْ
وأذكرْ عِتَابَ العـَـالمِِِِِِِ المبُـَـارَكْ
جِهادُ أهلِ الكُفْرِ والضَّلالِ
كما رواه صَاحِبُ البخاري
لأهلِهِ مَنازِلَ المِئَاتِ
بين الأراضينَ وما بينَ السَّما
يقيهِ ربِّي مِنْ عَذَابِ الحُطَمَهْ
في الغزوِ في حِرَاسَةٍ أو سَاقَةْ
وَمَا لِغَيرِ اللهِ فِيهِ مِنَّةْ
أو تحتَ ظِلِّ السَيفِ والأخطارِ
وَبِالسِّنَانِ يُرفعُ اللِّواءُ
وما يُضِيعُهَا أريبٌ عَاقِلْ
أو نَافِرٍ مع النِّداءِ للخطرْ
في الليل دوماً بالصَّلاةِ قائمْ
جاءتْ نصوصُ الذِّكرِ والتَّنزِيلِ
سوى التَّسلِيمِ دُونَ تشكيكٍ بها
توقفٍ فكنْ لها مُلازِما
تفزْ بنيلِ الأَجرِ والفَلاَحِ
أو عابدٍ أو عالمٍ مُخَذِّلْ
إلى الفُضَـيْلِ تَعْلَمُ المَــــدَارِكْ
4) الجهاد بالمال:
من الجهاد بالمال الإنفاق في سبيل الله على الجهاد والمجاهدين في كل مجال يحتاجونه يقول الشيخ يوسف العييري رحمه الله تعالى : " فالجهاد بالمال كثيراً ما يقرن في آيات الجهاد في القرآن ، ويأتي مقدماً على النفس لكنه ليس أعلى مرتبة من الجهاد بالنفس كلا ، ولكن لأن الجهاد بالمال هو النوع الذي تخاطب بها الأمة أجمع ، إذ أن الكفاية بالرجال تحصل عند نفور عدد من رجال الأمة ، ولكن المال لا تحصل كفاية المجاهدين به إلا إذا تكاتفت الأمة جميعها وضخت المال للمجاهدين الذي يعد عصب الجهاد ، فالشريحة المخاطبة بوجوب الجهاد بالمال هي أكبر من الشريحة المخاطبة بوجوب الجهاد بالنفس ، لذا قُدم الجهاد بالمال في آيات الجهاد لاعتبار سعة شريحة المخاطبين من رجال ونساء شباباً وشيوخاً صغاراً وكباراً والله أعلم .
والجهاد بالمال ليس بالضرورة أن يكون قدراً كبيراً من المال يدفعه المؤمن ، بل يدفع ما يبرئ به ذمته أمام الله تعالى ، لأن المقصد من الجهاد بالمال إذا تعين أن تسقط الواجب الذي في عنقك وتدفع القدر الذي تعتقد أن ذمتك ستبرأ عند الله تعالى بدفعه ولو كان يسيراً ، وكما قال الرسول صلى الله عليه و سلم عند أحمد النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (سبق درهم مائة ألف ) قالوا يا رسول الله وكيف ؟ قال ( رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها) فالله لا يقبل الصدقة بناءً على كميتها ولكن يقبلها على حسب كيفيتها ، كما روى أحمد وأبو داود عندما سئل الرسول صلى الله عليه و سلم أي الصدقة أفضل ؟ قال ( جهد المقل ) أي صدقة الرجل المحتاج لماله الذي لا يملك إلا القليل ، فاتق الله وقدم ما تجود به نفسك ، ليس لمرة واحدة فقط بل اجعل للجهاد من دخلك نصيبا بما أن الحرب قائمة والمجاهدون بحاجة للمال ."
5) تجهيز الغازي:
ومن وسائل الجهاد في سبيل الله وخدمة المجاهدين تجهيز الغزاة للجهاد وقد جاء في فضل ذلك عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها قوله:(من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (من جهز غازيا في سبيل الله كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر الغازي شيئا) .
وتجهيز الغزاة فيه فرصة كبيرة للرجل : بأن يجهز غيره ..سواء كان هو معذور في عدم الخروج كالأعمى والعاجز ونحوهما فبإمكانه تجهيز غازٍ في سبيل الله ليأخذ أجر غزوه ولاشك أن هذا باب عظيم من أبواب الخير والبر وأفضل ما بذلت فيه الصدقات والزكاة ومثل هذا المجال ( أي تجهيز الغزاة ) يعد مصرفاً من مصارف الزكاة وداخلاً في قول الله تعالى : ( وفي سبيل الله ) .
وتجهيز الغزاة فرصة للمرأة : التي لا تستطيع الخروج في سبيل الله فبإمكانها تجهيز الغزاة من مالها ومن حليها وما تملكه لتحصل على هذا الأجر العظيم وقد قامت النساء بدور كبير في صدر الإسلام وفي متفرق العصور كمن قصت ضفائرها ومن أهدت حليها ، ولنتذكر هنا ما فعلته أخت القائد البطل الفذ الشهيد أبوجعفر اليمني رحمه الله الذي قتل في الشيشان فقد جاء في ترجمته بموقع صوت القوقاز :[ باعت أخته ذهبها وجهزته بمالها فأين النساء؟ بل أين الرجال؟ ]http://www.qoqaz.com
وكذلك العاجز عن دفعه المال : فإنه يستطيع أن يجهز غازياً بطريق جمع المال لتجهيز الغزاة في سبيل الله وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الدال على الخير كفاعله ....
6) خلافة الغازي في أهله بخير :
وهي مثل سابقتها إلا أنها تتعلق بمسألة خلافة الغازي في أهله بخير ، والقيام بكفالتهم وشؤونهم فتتمة الحديث ما قاله صلى الله عليه وسلم : " ومن خلفه في أهله بخير فقد غزى "
ومما ورد في فضل هذا العمل النبيل الجليل قوله صلى الله عليه وسلم (أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج)
الخارج : الغازي أو المجاهد في سبيل الله.
وخلافة الغازي في أهله والحرص عليهم ورعايتهم وتفقد حاجاتهم هو من حقوق الغازي على القاعدين في ديار أهله كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فقيل له : قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت ، فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم) .
فما ظنكم : أي هل تظنونه يبقى لصاحبه شيئا من الحسنات في ذلك الموقف .. كما قال النووي .
وقد جاء الوعيد على من لم يعز أو يجهز غازياً أو يخلفه في أهله بخير فإذا لم يقم المسلم بأحد هذه الأمور الثلاثة زمن الغزو فإنه يكون مستحق لعقاب الله كما جاء عند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه اللَّه بقارعة قبل يوم القيامة "
وروى عبد الرزاق عن سعيد بن عبد العزيز قال : سمعت مكحولا يقول : قال رسول اللّه : "ما من أهل بيت لا يخرج منهم غاز أو يجهزوا غازيا أو يخلفونه في أهله إلا أصابهم اللّه بقارعة قبل الموت ". وهذا مرسل
قال الشيخ أبوبصير حفظه الله : " فالمؤمن لا يجوز له إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون غازياً في سبيل الله، وإما أن يخلف غازياً في أهله بالخير، وإما أن يجهز غازياً في سبيل الله .. فإن لم يكن واحداً من هؤلاء فلينتظر قارعة تنزل بساحته ـ لا يعلم ماهيتها وحجمها إلا الله ـ قبل يوم القيامة ..! " أ.هـ
قال ابن الأثير : " أصابه الله بقارعة أي بداهية تهلكه ، يقال : قرعه أمر إذا أتاه فجأة ، وجمعها : قوارع " أ.هـ
ومن الوسائل أيضاً :
7) كفالة أسر الشهداء:
كفالة أشر الشهداء والقيام على أراملهم ورعاية أولادهم وأهليهم فيامن تريد خدمة الجهاد والمجاهدين دونك أسر الشهداء فاكفلهم واسع جهدك في كفالتهم
فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت جعفر بن أبي طالب ( جعفر الطيار ) لما بلغه استشهاده في غزوة مؤته وقال لأهله : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم
وقد ذكر ابن كثير قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبناء جعفر حيث ذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت عميس قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين مناء وعجنت عجينتي وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إئتيني ببني جعفر " فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه فقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : نعم أصيبوا هذا اليوم قالت فقمت أصيح واجتمع إليّ النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأهله : " لاتغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم " فليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ...
لنقم على أسر الشهداء وأراملهم بالكفالة والرعاية ..
أبناؤه يرعون ويحافظ عليهم من كل سوء وشر ، وزوجته تزوج من الكفء إن شاءت الزواج فإن زوجة جعفر اسماء بنت عميس سالفة الذكر قد تزوجها بعد انتهاء عدتها أبوبكر الصديق رضي الله عنه .
فهذا كله من حق الشهيد علينا ... وهو عمل يسير وأجره عند الله كبير ..
فهذا الشهيد قد ضحى بالنفس والنفيس من أجل خدمة الدين وإعلاء كلمة الله فلا أقل من أن نقوم برعاية أهله وزوجه وبنيه من بعده علّ الله أن يغفر الزلل ويلحقنا بركب الشهداء وقافلتهم ..
8) كفالة أسر الجرحى والأسرى:
ومن الوسائل التي نساهم بها في خدمة الجهاد والمجاهدين كفالة أسر الأسرى والجرحى لأنهم في حكم الغائب وأهاليهم قد يحتاجون للمساعدة فلا ينبغي أن يتركوا بل لابد من كفالتهم والقيام بشأنهم حالهم حال أسرة الغازي والشهيد ..
وبخاصة أسر الأسرى وأهاليهم فلوعتهم بابنهم وعائلهم الأسير أكبر وأكثر ، وحزنهم متجدد بذكره والشوق لمعرفة مصيرة فلا بد من تذكيرهم الصبر والمصابرة وإشعارهم بأننا معهم في مصابهم ، ومن الملاحظ أن بعض زوجات الأسرى قد يعانين من ضغوط المجتمع وقد يغري بها بعض السفهاء ويستهزأ بزوجها ويسخر من حالها ولا شك أن هذا فعل من لا خلاق له ولا أخلاق ، ولكن لا بد من الوقوف مع زوجات الأسرى كفالة ورعاية ومتابعة وعضداً وتصبيراً ومناصرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .
9) جمع التبرعات للمجاهدين :
لاشك أن المال عصب الجهاد ، ومن أعظم النفع للمجاهدين والجهاد أن تنتدب فئة من الأمة أو الأمة كلها لجمع التبرعات وإرسالها لأهل الثغور وفي ذلك من الأثر البالغ مالا يخفى على أحد ، وهذا الأمر هو الذي جعل الكفر العالمي في حيرة من أمره ، حيث جمدوا أرصدة المجاهدين وضيقوا على من يتعاون معهم ولكن المجاهدين مازالوا في طريقهم سائرين : " لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم "
والحركة المجاهدة حين تدعو إلى الإنفاق وتحرض عليه لا يعني ذلك أنها " جمعية خيرية " تقدم صناديق مختومة وتطوف بها على الناس لجمع التبرعات لأنها حركة تعتمد على ذاتها وتنطلق من خلال جهادها ، وهي عندما تقبل صدقات المحسنين إنما هي تقبل منهم قبل ذلك أحاسيسهم وضمائرهم التي تحمل همّ الدعوة وتلبي نداء الجهاد فلا تخضع بذلك لمساومات أو إغراءات تمس عقيدتها وتخدش جهادها ، كما انها تقتدي في ذلك برسول الله صلوات الله وسلامه عليه في تحريضه أصحابه وامته على الإنفاق وتجهيز الغزاة بتلك النفقات المباركات .
ويتجسد لنا هذا النموذج الرائع من التكافل الاجتماعي والتعاون الإيماني في تسابق المؤمنين إلى التجهيز للغزو في الغزوات النبوية لاسيما غزوة تبوك التي بذل فيها المسلمون الأموال والصدقات وشارك في هذا الدعم أشراف الرجال وكرائم النساء .
وما أجمل أن يربي المجاهدون أبناء الإسلام على إحياء روح الوحدة الإسلامية في الشعور بقضايا المسلمين والتعايش مع واقعهم بالبذل والدعم والعطاء كما يربونهم على بذل النفس والتسابق بها في ميادين القتال لإعلاء كلمة الله .
إنها حقاً تربية على أخلاق الخير وخصال البر ، ولن يبخل بعدها مسلم نال من تلك التربية الجهادية الشاملة نصيباً وافراً ، ولن يتردد في إجابة أخيه المجاهد وهو يدعوه عند الحاجة إليه وإلى تأييده ودعمه :
أخا الإسـلام إن البر شئ يسرك في القيامة أن تراهُ
فجُد بالخير واستبق العطايا فيوم الدين يجزيك الإلهُ
قال الشيخ يوسف العييري رحمه الله : " ويتفرع عن الجهاد بالمال لمن لم يكن له دخل ولا مال ينفقه ، أن يجمع التبرعات من أهل اليسار ومن النساء والأطفال والخاصة والعامة ، ومن لم يستطع أن يجمع المال بإمكانه أن يحرض على الجهاد بالمال ويطلب من المسلمين ألا يشحوا بأموالهم إذا ما طلبت منهم .
وهناك سبل أخرى كثيرة تتفرع عن الجهاد بالمال وقد اتضح المقصود من تلك الأمثلة " .
وبإمكانك أن تجمع المال للمجاهدين من خلال عدة وسائل منها على سبيل المثال لا الحصر :
1. الجمع في المساجد وفي تجمعات الناس العامة .
2. الجمع عبر " صندوق المناسبات " وهذا يكون الجمع فيه أثناء المناسبات العائلية الخاصة .
3. الجمع عبر عدة مشاريع تطرحها على من تعرف من الناس عامة وخاصة كالمشاريع الموسمية للمجاهدين مثل : ( إفطار الصائم ، تجهيز الغازي ، كسوة الشتاء ، صدقة الصيف ، الأضاحي ..)
4. الاستقطاع الشهري من مالك أو مال من تعرف بحيث تحاول جمع أكبر عدد تستطيع الاستقطاع منهم شهرياً وتبعث بها للمجاهدين .
5. حصالة المنزل وهذه توضع في المنزل وتفرغ بين الفترة والأخرى وتعطى للمجاهدين .
6. حث الأثرياء من الأقارب والمعارف بدفع الزكاة والنفقة العامة للمجاهدين وإن أمكن أن تكون وسيطاً بينه وبين المجاهدين.
المهم أن يكون لديك الحرص التام على جمع التبرعات وإذا كانت هي همك وهاجسك فلسوف تبتكر من الطرق ما حد له ولا نهاية ، ولسوف تجتاز كل العوائق والعقبات التي يضعها أنصار الصليب وأعداء المجاهدين من بني جلدتنا أو من الصليبيين أنفسهم .
لا أبالي ولو أقيمت بدربي وطريقي حواجز وسدود
ثم لنعلم العلم اليقين أن هذا الأمر واجب وحق لإخوانك عليك ولا فضل لك بذلك بل الفضل والمنة من الله تعالى الذي هداك وسخرك لخدمة أهل الثغور فكم حرم منها أناس كثير وخص بها أناس قليل فاللهم اجعلنا من الأقلين ..
ولنتذكر قول الله تعالى : " هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء إلى الله وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "
ولنجعل نصب أعيننا قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : " الدال على الخير كفاعله "
وحديث : " اللهم أعط منفقاً خلفاً ، اللهم أعط ممسكاً تلفاً "
10) دفع الزكاة لهم :
الزكاة حق من حقوق الله في المال ومن أحوج الناس لها اليوم هم المجاهدون لأنهم أولى الناس بها حيث يصدق فيهم أنهم : في سبيل الله ، وفقراء ، وابن سبيل ونحو ذلك
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله تعالى :" ولذا يحرم على الناس الإدخار في حالة الحاجة للمال، بل لقد سئل ابن تيمية سؤالا: (ولو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي تضرر بتركه فقال: قدمنا الجهاد وإن مات الجياع، كما في مسألة التترس وأولى، فإن هناك ( التترس) نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله)
قال القرطبي: (إتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها) وقال مالك: (يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم. وهذا إجماع أيضا ).
قال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله : " والحفاظ على الدين مقدم على الحفاظ على النفوس، والحفاظ على النفوس أولى من الحفاظ على المال، فأموال الأغنياء ليست أغلى ولا أثمن من دماء المجاهدين. فلينتبه الأغنياء إلى حكم الله في أموالهم، حيث الجهاد في أشد الحاجة، ودين المسلمين وديارهم معرضة للزوال، والأغنياء غارقون في شهواتهم ولو صام الأغنياء يوما واحدا عن شهواتهم، وأمسكوا أيديهم عن إتلاف الأموال في كمالياتهم وحولوها إلى المجاهدين -الـذين يموتون بردا وتتقطع أقدامهم من الثلج ولا يجدون قوت يومهم ولا ذخيرة يدفعون بها عن أنفسهم ويحقنون بها دماءهم ـ، أقول: لو دفع الأغنياء مصروف يوم واحد للمجاهدين الأفغان لأحدثت أموالهم بإذن الله تغييرا كبيرا في الجهاد نحو النصر."
فيجب دفع الزكاة للمجاهدين فهي حق الله تعالى في المال ، وقد أفتى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله والشيخ عبدالله الجبرين حفظه الله : "بجواز تعجيل الزكاة لحول أو حولين إذا كان في ذلك منفعة وحاجة لدى المجاهدين أو المنكوبين من المسلمين في أراضي الجهاد "
ولا أشك في أن الزكاة لو دفع ربعها على الجهاد والمجاهدين لرأينا الأثر العظيم البالغ ولسوف تكفي المجاهدين في كل أصقاع الأرض ، والبعض من الناس إذا تحدثت معه عن الرافضة وعن جهودهم وبذلهم أموالهم لمذهبهم رد عليك بردين :
الأول : أن ورائهم دولة تدعمهم . الثاني : أن لديهم الخمس الذي يصرف لأئمتهم .
وأنا أقول لك حنانيك فإننا لا ننتظر دولة لأهل السنة تتبنى جهادها ، ولا خمساً يجتزأ من مال الناس بل إننا لا نطالب إلا بربع الزكاة فقط ، ولسوف يحصل بها من النكاية والخير مالا يخطر على بال .
وسل نفسك : كم من الأموال صرفت من الزكوات لأجل بناء مراكز إسلامية في بلاد متعددة من العالم في حين كانت دولة الإسلام الفتية ( طالبان ) بحاجةٍ للمسلمين ولكن لا مجيب ، حتى أن أمير المؤمنين الملا عمر لما حصل الإنحياز للأخوة المجاهدين في قروزني سأل أمير المؤمنين خازن بيت المال كم لديه ؟ فقال ثلاثمائة ألف دولار فقال له أعط ثلثها للمجاهدين في الشيشان !!
انظر دولة كاملة مسلمة ميزانيتها 300 ألف دولار فقط وزكوات المسلمين مبعثرة ومهدرة في غير وجهها .
بل لما بدأت الحرب الصليبية الأخيرة على أفغانستان كان في خزانة الدولة الإسلامية 70 ألف دولار فقط !!
فيالله العجب من أهل السنة حتى زكواتهم التي سيخرجونها من أموالهم فإنهم لايضعونها الموضع الصحيح والله المستعان وعليه التكلان .
11) المساهمة في علاج الجرحى:
وذلك يكون بالمساهمة في شراء الأدوية والعلاجات لهم أو دفع تكاليف علاجهم أو القيام بأجرة الطبيب ولا شك أن الجرحى يشكلون عبئاً كبيراً على المجاهدين فمتى ما كفوا مؤونة علاجهم فإن هذا خدمة لهم أي خدمة وهذا متأكد على أصناف من الناس منهم :
• الأطباء والصيدليين الذين لهم خبرة ودراية بعلاج الجرحى .
• الذين يسكنون في مناطق مجاورة للبلاد التي فيها الغزو فهؤلاء يستطيعون مالا يستطيع غيرهم حيث بإمكانهم علاجه لديهم وفي ديارهم .
• الذين يأتي إليهم الجريح كأن يرحل إلى بلاده فلابد من أهل بلدته القيام بأمره ودفع تكاليف علاجه .
وكذلك هو عام لمن يستطيع النفقة على المجاهدين حيث يصرف منها على الجرحى والمصابين .
12) الثناء على المجاهدين وذكر مآثرهم ودعوة الناس لتقفي آثارهم :
ومن الوسائل أيضاً الثناء على المجاهدين ورفع الرأس بهم والفخر بأعمالهم وذكر مآثرهم وما حصل لهم من كرامات وانتصارات على أعداء الملة والدين فبذلك تحيا القلوب وتتوق للعزة والمجد الماضي ، فما سطره المجاهدون اليوم وقبل اليوم بدمائهم الزكية وبأشلائهم الطاهرة ونفوسهم الطيبة النقية يكل القلم عن كتابته :
في كل يوم للجنان قوافل
ماذا أقول بوصف ما قاموا به
شهداء راضٍ عنهم العلام
عجز البيان وجفت الأقلام
وفي ذكر مآثرهم دعوة للناس بأن يقتفوا آثارهم التي ساروا فيها على نهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما أجمل أن تجعل الأمة قدواتها من المجاهدين الذين بذلوا النفوس لأجل رفعة راية الدين بدلاً ممن في غيه سادر أو في لذات الدنيا غافل وسائر ..
ولتعلم الأمة أن تأريخ الجهاد والمجاهدين والشهداء ليس مبتوراً بل هو سلسة من تأريخ هذه الأمة العريق سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا ...
والذي يركب في قافلة المجاهدين ليس غريباً عن الإسلام الحق الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم بل هو سائر على نهجه ومن يقول اليوم لماذا العلماء في هذا الزمان لم يخرجوا للجهاد ولم يغزو في سبيل الله فإننا نقول أن القدوة هو محمد صلى الله عليه وسلم لا من رغب بالحياة الدنيا وانشغل بها بأي اسم ودعوى ..
قالوا : فهل لك قدوة تمشي علــى آثارها من عالم أو قـــــاري
قلت : النبي محمد وصحابــــه بجهادهم سادوا على الأمصـــار
أنا قدوتي ابن الوليد ومصعـــب وابن الزبير وسائر الأنصــــار
قالوا : فدربك بالمكاره موحــشٌ فعلام تبغي العيش في الأخطــار
قلت : المكاره وصف درب جنانـنا أما النعيم فوصف درب النـــار
فلا بد من دعوة الناس وتربية الأمة على أن تتخذ من المجاهدين قدوات في الحياة ، حتى تعاد للأمة الأمجاد فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بماصلح به أولها ..
13) تشجيع المجاهدين وحثهم على الإستمرار:
لاشك أن كثرة المخذلين والمبطلين يؤثرون على معنويات المجاهدين إلا أنهم بإذن الله لا يتوقفون عن المسير حيث هم كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم : " لايضرهم من خالفهم ولا من خذلهم " إلا أنه ينبغي تشجيع المجاهدين وشد أزرهم والوقوف معهم ومساندهم وأن نظهر لهم أننا معهم وضد عدوهم أياً كان ..
وكذلك حثهم على مواصلة الجهاد وتصبيرهم عليه وتسليتهم فيما يصيبهم من عناء وكدر ، فهذا من أعظم الدعم المعنوي الذي نقدمه للمجاهدين ونبذله لهم علّ الله أن يرحمنا بذلك .
وفي هذه الأيام تشتد حاجة المجاهدين إلى من يشد أزرهم ويقوي عزائمهم حيث كثر المرجفون والملبسون الحق بالباطل ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال : " سيأتي من بعدكم أيام صبر للعامل فيهن أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ لِأَنَّكُمْ تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا وَلَا يَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا "
فلنكن عوناً للمجاهدين ومؤازين لهم :
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعف النطق إن لم يسعف الحال
14) الذب عن المجاهدين والدفاع عنهم :
رواه الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من ذبّ عن عرض أخيه ردًّ الله النار عن وجهه يوم القيامة " وهذا من حقوق المجاهدين على سائر الأمة :
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
ولنحذر أشد الحذر من الطعن في أعراض المجاهدين .. وتناول ونشر ما يسوؤهم .. والبحث والتفتيش عن أخطائهم وعثراتهم .. وتتبع عوراتهم .. والتهكم والسخرية عليهم .. بل إن الواجب في هذه المرحلة وهذا الوقت .. الوقوف معهم .. والذب عن أعراضهم .. وإقالة عثراتهم .. ومعاداة من يريد بهم سوء أو ينشر عنهم ما يسوؤهم .. وهنا أهيب بإخواني أن يقاطعوا جريدة الشرق الأوسط وكل توابعها .. ومن كان على شاكلتها .. فهي تجتهد وفق مخطط التحالف الصليبي اليهودي .. في بث الفرقة بين الأمة والمجاهدين .. والإرجاف في صفوفهم .. ونشر الأكاذيب عنهم .. والترويج لعثرات المجاهدين .. وتعمل على إحباط وقتل الروح المعنوية للأمة .. فهي جريدة خبيثة المولد والمنهج .. وأعتقد أنه لا يجوز العمل فيها .. أو بأي دار نشر تحارب الله ورسوله وعباده المؤمنين .. ولنعلم أن دورنا مع إخواننا المجاهدين هو قول الله تعالى [وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10} ] الحشر ..
قال الشيخ يوسف العييري رحمه الله ك " ويتفرع عن الجهاد باللسان تجلية حقيقة هذه الحرب الصليبية والهجمة التي تشن على الإسلام وفضحها ، والذب عن المجاهدين والدفع عن أعراضهم ، وذلك يكون بين خاصة الرجل وأهله ، وبين عامة الناس في منتدياتهم وفي مساجدهم و أعمالهم و مدارسهم ، فكل مسلم واجب عليه أن يجاهد بلسانه على قدر طاقته ، والجهاد باللسان لا يشترط له شرط بل كل كلمة علمها المكلف ويرى أن فيها فضحاً للصليبيين أو ذباً عن المجاهدين وجب عليه القول بها وبيانها للناس والله أعلم " .
وقال رحمه الله : "وأما من رضي بالسكوت فقط فإن الله تعالى يقول له ولأمثاله:}وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم{وقد توعد الله سبحانه وتعالى الساكت في مثل هذه الأيام بما جاء عند أبي داود وأحمد واللفظ له عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاريين رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( ما من امرئ يخذل امرءاً مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) "
ونحن اليوم في زمن كثر فيه من ينال من المجاهدين وينتقصهم ويعيبهم إما من المنافقين أو من المرتدين أو ممن ينسبون للعلم الشرعي والعلم منهم براء يقول الشيخ على الخضير فك الله أسره :
"نادت مجموعة أو فئة من نشاز الناس .. بمفهوم غريب ومصطلح مريب اسمه "تقزيم الجهاد".. و تهميشه وتهوينه .. أو تأخيره وتأجيله .. وأخيرا تعطيله !! مخفين ذلك من وراء .. لافتات براقة وعناوين أخّاذة ..
كعند الأمة ما يكفيها من الجراح .. أو الأمة غير مهيئة للجهاد .. أو القوة غير متكافئة .. أو الأمة لم تتربى بعد .. أو من ذهب إلى الجهاد ترك أيتام وأرامل ..ناهيك عن الإرجاف والتثبيط .. بل السخرية والاستهزاء ..
فأهل الجهاد عندهم .. أصحاب غلو وتطرف وقلة علم .. أو أهل انتقائية ومزاجية.. سائرين في ذلك على طريقة .. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء ..ولا عجب في ذلك ولا غرو فهم ورثة } فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ { .. وخليفة {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا
مَا قُتِلُوا } .. وأصحاب } فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا{ ..
وهذه الفئة توسم وتوصم ببعد النظر وسعة الأفق وفهم الواقع ومرونة الرأي ، والعمليات الاستشهادية عندهم انتحارية ومحرمة في شريعة الإسلام السمحة .. أو تسبب تصفية البؤر الجهادية في العالم .. وقد تمتد التصفية إلى كثير من الأعمال الإسلامية والدعوية والإغاثية .. وأقل أحوالها عندهم أنها مجازفة وتهور !!
تعرفهم بلحن القول , وبإيحاء بعضهم إلى بعض بزخرف قولهم غرورا ..أماكنهم ومنتدياتهم .. أحادياتهم وأثنينياتهم .. أو الفضائيات والإذاعات .. والصحف والمجلات .. أماكن الكفر والإلحاد .. والإباحية والتهتك
أما جهادهم فمفهومه : جهاد الكلمة ... والمجلة .. والشبكة العالمية ... وحوار الطغاة ! واحتواء أهل البدع ..
وتمييع الفقه من أجل كسب الناس !ومن أصولهم تمييع الولاء والبراء .. وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه .. والترخص في الفتاوى .. مقدمين في ذلك كله المتشابه على المحكم .. والشك على اليقين .. والعام على الخاص .. والمطلق على المقيد .. والموهوم على المعلوم .. والمصلحة على الدليل .. باختصار هم أولئك الذين سمى الله فاحذروهم .." أ.هـ
ومما ينبغي أن يعلم هنا أن الجهاد والمجاهدين اليوم حرمتهم أعظم من حرمة بعض العلماء الذين لا يألون جهداً في صرف الناس عن الجهاد بل وربما النيل من المجاهدين وينبغي أن يعلم هنا أمرين :
الأول : أن الجهاد والدفاع عنه وعن المجاهدين مصلحة عظمى تقدم على مصلحة العالم الذي نال من المجاهدين بأي شكل وبأي دعوى كانت وأن الرد عليه ولو كان ينقص من قدره واجب ولازم فهو الذي بلسانه استوجب الذم .
الثاني : أنه وردت الأحاديث أنه سيأتي زمان يعيب العلماء والقراء الجهاد كما جاء ذلك عند النسائي في سننه عن سلمة بن نفيل الكندي قال كنت جالسا عند رسول الله فقال رجل يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله بوجهه وقال ( كذبوا الآن الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث وأنتم تتبعوني أفنادا يضرب بعضكم رقاب بعض وعقر دار المؤمنين الشام ) وروى ابن عساكر أيضاً عن زيد بن أسلم عن أبيه أن الرسول قال ( لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر من السماء وسيأتي على الناس زمان يقول فيه قراء منهم : ليس هذا بزمان جهاد فمن أدرك ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد ، قالوا يارسول الله أو أحد يقول ذلك ؟ قال : نعم من لعنه الله والملائكة والناس أجمعون )يتبع..............
تعليق