إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اضاءات على طريق الجهاد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اضاءات على طريق الجهاد


    الشيخ المجاهد الحافظ/
    يوسف بن صالح العييري ( البتـــــار )

    محتويات الكتاب

    * إضاءة على طريق الجهاد ..
    * أيها الأبوان لا استئذان في فروض الأعيان ..
    * أين الطريق إلى أرض المعركة؟
    * ثوابت على درب الجهاد «1» الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ..
    * ثوابت على درب الجهاد «2» الجهاد ليس معلقاً بأشخاص ..
    * ثوابت على درب الجهاد «3» الجهاد ليس معلقاً بأرض أو معركة ..
    * ثوابت على درب الجهاد «4» النصر ليس بالغلبة العسكرية فحسب ..

    إضاءة على طريق الجهاد
    الحمد لله قاهر الجبابرة ومعز المؤمنين وناصرهم، والصلاة والسلام على خير المجاهدين وقائدة الغر المحجلين المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    يسأل كثير من المسلمين هذه الأيام لا سيما بعد بدأ الحرب الصليبية الجديدة الشاملة على الإسلام والمسلمين ويقولون: ما هو دورنا وماذا نفعل لنصرة الإسلام والمسلمين؟.
    وكنت أعتقد أن مثل تلك الأسئلة أصبح الجواب عنها لدى المسلمين بديهياً لكثرة تكرارها، إلا أن هذا السؤال تردد كثيراً هذه الأيام، ويتردد مع كل قضية وجرح جديد للأمة، ولا أعرف ما هو سبب جهل الناس بدورهم في معركة الإسلام اليوم؟!.
    رغم أن كل قارئ لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتضح له دوره في هذه المعركة بمجرد قراءته لآيات الجهاد ونصوص السنة، ولن أستعرض النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي توضح دور كل مسلم، ولكني سأقف فقط مع نص واحد من نصوص المصطفى صلى الله عليه وسلم وضّح فيه الرسول صلى الله عليه وسلم دور كل مسلم بصيغة الأمر الواجبة التي لا تسقط بحال عن ذمة المكلف.
    روى الإمام أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه والدارمي وغيرهم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) وفي رواية النسائي (وأيديكم) بدل أنفسكم، قال الحاكم هذه حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
    قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار 8/29 ”قوله (جاهدوا المشركين.. إلخ) فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بالأموال والأيدي والألسن، وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع، وظاهر الأمر الوجوب “.
    ولست بصدد تفصيل حكم الجهاد ومتى يتعين ومتى لا يتعين، ولكنني أريد أن أبين هنا مهمة كل مسلم ووظيفته في مجاهدة الأعداء، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث المتقدم أصول سبل الجهاد ضد العدو الكافر، فذكر ثلاثة أصول من أربعة:
    الأصل الأول: الجهاد بالنفس أو اليد وهذا أعلى مراتب الجهاد وأكملها، وقال ابن حجر رحمه الله ”إن نصوص الكتاب والسنة إذا جاءت بذكر الجهاد مطلقاً ولم تقيده ولم تضفه إلى المال أو اللسان فإنها تنصرف إلى الجهاد بالسيف باتفاق السلف“ والجهاد بالنفس هو أعلى مراتب الجهاد لذا فقد رتب الله عليه أكمل الأجر وعقد الصفقة ببيع الجنة للمؤمن مقابل نفسه أولاً كما جاء في سورة التوبة ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة:111) فهي الآية الوحيدة من آيات الجهاد التي يقدم الله فيها النفس على المال وذلك لما كانت السلعة غالية اقتضى أن يكون الثمن غالياً مثلها أيضاً.
    ويتفرع عن الجهاد بالنفس، الواجب على المؤمنين الرباط وتدريب المجاهدين وإعدادهم والاستطلاع لهم في ميادين المعركة وغير ذلك من المجهودات البدنية التي تجب على المسلم القادر في هذه الأيام وجوباً عينياً كما أجمع العلماء على ذلك، بأن أرض المسلمين إذا دهمها العدو فقد تعين الجهاد على كل مسلم قادر.
    الأصل الثاني: من أصول السبل التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم أيضاً قوله (وأموالكم) فالجهاد بالمال كثيراً ما يقرن في آيات الجهاد في القرآن، ويأتي مقدماً على النفس لكنه ليس أعلى مرتبة من الجهاد بالنفس كلا، ولكن لأن الجهاد بالمال هو النوع الذي تخاطب بها الأمة أجمع، إذ أن الكفاية بالرجال تحصل عند نفور عدد من رجال الأمة، ولكن المال لا تحصل كفاية المجاهدين به إلا إذا تكاتفت الأمة جميعها وضخت المال للمجاهدين الذي يعد عصب الجهاد، فالشريحة المخاطبة بوجوب الجهاد بالمال هي أكبر من الشريحة المخاطبة بوجوب الجهاد بالنفس، لذا قُدم الجهاد بالمال في آيات الجهاد لاعتبار سعة شريحة المخاطبين من رجال ونساء شباباً وشيوخاً صغاراً وكباراً والله أعلم.
    والجهاد بالمال ليس بالضرورة أن يكون قدراً كبيراً من المال يدفعه المؤمن، بل يدفع ما يبرئ به ذمته أمام الله تعالى، لأن المقصد من الجهاد بالمال إذا تعين أن تسقط الواجب الذي في عنقك وتدفع القدر الذي تعتقد أن ذمتك ستبرأ عند الله تعالى بدفعه ولو كان يسيراً، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عند أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبق درهم مائة ألف) قالوا يا رسول الله وكيف؟ قال (رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها) فالله لا يقبل الصدقة بناءً على كميتها ولكن يقبلها على حسب كيفيتها، كما روى أحمد وأبو داود عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال (جهد المقل) أي صدقة الرجل المحتاج لماله الذي لا يملك إلا القليل، فاتق الله وقدم ما تجود به نفسك، ليس لمرة واحدة فقط بل اجعل للجهاد من دخلك نصيبا بما أن الحرب قائمة والمجاهدون بحاجة للمال.
    ويتفرع عن الجهاد بالمال لمن لم يكن له دخل ولا مال ينفقه، أن يجمع التبرعات من أهل اليسار ومن النساء والأطفال والخاصة والعامة، ومن لم يستطع أن يجمع المال بإمكانه أن يحرض على الجهاد بالمال ويطلب من المسلمين ألا يشحوا بأموالهم إذا ما طلبت منهم.
    ويتفرع عن الجهاد بالمال أيضاً أن يسعى كل قادر على إدارة الأموال بجمع رأس مال ويبني به مشروعاً يعود ريعه على المجاهدين بشكل دوري.
    وهناك سبل أخرى كثيرة تتفرع عن الجهاد بالمال وقد اتضح المقصود من تلك الأمثلة.
    الأصل الثالث: من أصول السبل الرئيسية التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه المتقدم الجهاد باللسان والجهاد باللسان شأنه عظيم وفي بعض الأحيان يكون أعظم من الجهاد بالأبدان أقول في بعض الأحيان وليس دائماً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين (أهجوا قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل) فالجهاد باللسان أمره عظيم وهو المرحلة الأولى التي تتقدم مرحلة جهاد الأبدان والأموال، فلا يحرّض الناس للجهاد بأبدانهم إلا باللسان، ولا يحرّض الناس للجهاد بأموالهم إلا باللسان، فاللسان أمره عظيم وهو النوع الوحيد المتيسر لجميع المكلفين فكل مكلف بإمكانه أن يجاهد بلسانه وبأي طريقة كانت.
    ويتفرع عن الجهاد باللسان تجلية حقيقة هذه الحرب الصليبية والهجمة التي تشن على الإسلام وفضحها، والذب عن المجاهدين والدفع عن أعراضهم، وذلك يكون بين خاصة الرجل وأهله، وبين عامة الناس في منتدياتهم وفي مساجدهم وأعمالهم ومدارسهم، فكل مسلم واجب عليه أن يجاهد بلسانه على قدر طاقته، والجهاد باللسان لا يشترط له شرط بل كل كلمة علمها المكلف ويرى أن فيها فضحاً للصليبيين أو ذباً عن المجاهدين وجب عليه القول بها وبيانها للناس والله أعلم.
    ويتفرع عن الجهاد باللسان، التأليف والنشر للمواد المحرضة على الجهاد بأنواعه، من كتاب وشريط ونشرة وغيرها، ومن عجز عن التأليف فعليه توزيعها باليد أو بالفاكس أو بالبريد، ومن الجهاد باللسان أيضاً كتابة المقالات في الصحف والنشرات والدوريات، والكتابة عبر شبكة الإنترنت والمراسلة عبر البريد الإلكتروني لآلاف الناس، للمنافحة عن الإسلام في كل ميدان، وطرق الجهاد باللسان كثيرة وقد مثلت لها بما يوضحها والله أعلم.
    الأصل الرابع: من أصول جهاد العدو جهاد العدو بالقلب، وهذا الأصل هو أول الأصول ترتيباً وأهمها، ولكني أتيت به رابعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره في النص الذي تناولنا الحديث عنه، إلا أن هذا الأصل هو ركن من أركان الإسلام ولا يقبل الله الإسلام من دونه، والنصوص كثيرة جداً التي توضح معنى جهاد القلب للأعداء، فأول معاني جهاد القلب بغض الكفار وما هم عليه ومن والاهم وعدم محبتهم والكفر بهم والكفر وبمعبوداتهم، فمتى انتفى عن العبد جهاد القلب تجاه عدوه فإنه كافر بالله العظيم قال الله تعالى ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ (المجادلة:22) وقال كما هي ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ﴾ (الممتحنة:4) وقال ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:256) والآيات الدالة على أن جهاد القلب للأعداء ركن من أركان الدين كثيرة لا يسع المقام لحصرها.
    هذا توضيح بسيط للمهام المناطة في عنق كل مسلم مكلف في هذه الأيام في مقابلة الحرب الصليبية التي بدأت منذ قرون واشتدت وكشرت عن أنيابهما في يوم الأحد 19/7/1422هـ وذلك بقصفها للإمارة الإسلامية في أفغانستان نسأل الله أن يرد كيد المعتدين وينصر دينه وأولياءه ويعلي كلمته.
    وأختم بتنبيه بسيط وهو ألا ينظر العبد إلى الحديث السابق وإلى ترتيب رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد بالمال والنفس واللسان فيظن أن هذا الترتيب يدل على الأولوية، فإن الواو التي جاءت بين هذه الأنواع لا تدل على الترتيب أو التعقيب إنما تدل على مجرد العطف، فالتقديم والتأخير هنا لا يدل على الأولوية، فترتيبها أن جهاد القلب هو الأعظم من ثم يليه جهاد النفس وبعدهما جهاد المال ثم اللسان، وقد يأتي في حالات خاصة ولأشخاص محددين جهاد اللسان مقدماً على النفس أو المال على النفس وهكذا، ولكن كحكم عام فإن الترتيب الذي ذكرته هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة والله أعلم.
    فليتق الله كل عبد وليعلم أن الله سبحانه وتعالى سائله عن جهاده، فإن قصّر وعمل بالأدنى وهو اللسان وترك الأعلى وهو الجهاد بالبدن، فإن هذا لا يبرئ ذمته، واعلم أن الأدنى لا يسقط الأعلى بحال والله تعالى أعلم.
    والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الأبوان لا استئذان في فروض الأعيان
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وأهل بيته أجمعين وبعد:
    قال ابن قدامه في الكافي 4/ 256 ”وأفضل التطوع الجهاد في سبيل الله نص عليه أحمد، وذُكر له أمر الغزو فجعل يبكي ويقول ما من أعمال البر أفضل منه وأي عمل أفضل منه، والذين يقاتلون في سبيل الله هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم وقد بذلوا مهج أنفسهم، الناس آمنون وهم خائفون، وقد روى أبو سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال (مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله) متفق عليه“ أهـ. هذا قوله رحمه الله في الجهاد إذا كان فرض كفاية، فماذا سيقول إذا تعين الجهاد؟.
    وإن من معوقات الجهاد في هذا الزمان والتي يسأل عنها عدد كبير من الشباب اليوم الذين تتوق أنفسهم إلى جبهات الجهاد معوق إذن الوالدين، وفيما يلي سنأتي على تفصيل حكم إذن الوالدين في الجهاد، إلا أن الحكم مجملاً قبل التفصيل أن الجهاد إذا تعين كما هو الحال في زماننا الحاضر لمداهمة العدو لأرض المسلمين، ففي هذه الحالة فقد سقط شرط إذن الأبوين للجهاد، فيخرج الولد بغير إذنهما ولا يأثم إن شاء الله.
    وفي هذه الورقات فإنني سأخاطب الوالدين وأبين لهما حكم طاعتهما في ترك الجهاد، وأبين لهما حكم الجهاد في زماننا، فكل أبوين عزما على منع ولدهما أو أولادهما من الجهاد في زماننا، فليعلما أنهما عاصيين لله وذلك بالصد عن سبيله والله يقول ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ (ابراهيم:3)، وليعلم الأبوان أنه لا طاعة لهما في معصية الله وسنورد تفصيل ذلك الإجمال وأدلته من كلام أهل العلم والله ولي التوفيق.
    أيها الأبوان إن الإسلام يعاني اليوم من هجمة صليبية يهودية شملت أقطار العالم كلها، وهذه الهجمة اسُتهدف بها الإسلام وأهله من قتل وتشريد وهتك للأعراض، ولا يمكن للأمة أن تخرج من هذا الحال المزري وتخرج من هذا الذل والهوان إلا بأيدي شبابها ورجالها إذا ما أعلوا راية الجهاد ويذلوا أنفسهم وكل ما يملكون لنصرة هذا الدين، وإذا حصل هذا فإننا سنملك الدنيا بأسرها كما ملكها الأولون، لذا فليعلم كل والد ووالدة أن مسئوليتهم في نصرة هذا الدين مسئولية عظيمة، فيجب عليهم أن يجاهدوا بأبنائهم وأموالهم وألسنتهم لينتصر الإسلام وتعز الأمة، لكن للأسف كنا ننتظر منكما أيها الأبوان المسلمان أن تكونا أول من يقدم أبناءه لهذا الدين، فإذا بكما أول من يصد أبناءه عن الجهاد لهذا الدين، واعلما أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لأمركما وزناً إذا خالف أمركما أمره، فطاعتكما واجبة في المعروف وطاعتكما واجبة في طاعة الله، أما في معصية الله فلا، وطاعتكما تقدم إذا لم تعارض طاعة الله فإذا عارضت طاعة الله فإنها تهدر ولا يعتد بها، وسأذكر لكما تفصيل حكم طاعتكما لتعلما أنكما بين أمرين أولهما: أن تطيب نفسيكما بجهاد أبنائكما وتحرضاهم وتحثاهم على الجهاد ولكما مثل أجرهم، الثاني: تصداهم عن الجهاد في سبيل الله فلكما الإثم وأيضاً لا طاعة لكما، وخير لكما أن تكونا من أصحاب الأمر الأول فتدفعا أبناءكما إلى الجهاد بطيب نفس وطاعة لله، فإنكما ستقدمان على يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
    ولعلكما تستنكران قولي وتغضبان من عبارتي ولكني متأكد أني أعني ما أقول، ومتأكد أني أريد ما فهمتما، وإن عارضتماني وستقولان حتماً ما يلي:
    إن طاعة الوالدين واجبة وهي فرض عين، بل إن الرسول قال كما في البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال (أحي والداك؟) قال نعم قال (ففيهما فجاهد)، وجاء عند أبي داود ما هو أوضح منه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ (ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما)، فستقولان هذان الحديثان وغيرهما نص في موطن النزاع ورد لزعمك أنه لا طاعة للوالدين في الجهاد !!
    وأنا لن أجيبكما ولكن يجيبكما أهل العلم قرناً من بعد قرن، ليبينوا لكما أن تعميم حكمكما على كل زمان أنه خطأ يعارض الأدلة الأخرى.
    ومن الأدلة المعارضة لرأيكما ما روى ابن حبان 5/8 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ”أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال فقال رسول الله الصلاة، قال ثم مه؟ قال ثم الصلاة قال ثم مه؟ قال ثم الصلاة ثلاث مرات قال ثم مه؟ قال ثم الجهاد في سبيل الله، قال فإن لي والدين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمرك بوالديك خيراً فقال والذي بعثك نبياً لأجاهدن ولأتركنهما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت أعلم“.
    وبناءً على هذا الحديث قال ابن حجر في الفتح6/140 ”قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن ويشهد له ما أخرجه بن حبان.. ثم ذكر الحديث المتقدم وقال.. وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين، وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في ذلك؟ الأصح عند الشافعية نعم “.
    قال محمد الزرقاني في شرحه على موطأ مالك في شرح الزرقاني 3 /20 ”قوله (فبرهما) قال الجمهور يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن، ففي ابن حبان.. ثم ذكر الحديث المتقدم.. “
    قال الشوكاني في الدراري المضية 1/481 ”وأما اعتبار إذن الأبوين فلحديث عبد الله بن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال (أحي والداك؟) قال نعم قال (ففيهما فجاهد) وفي روايه لأحمد وأبي داود وابن ماجة قال يا رسول الله إني جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وإن والدي يبكيان؟ قال (فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) وقد أخرج هدا الحديث مسلم رحمة الله تعالى من وجة آخر وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال (هل لك أحد باليمن؟) فقال أبواي فقال (أذنا لك؟) قال لا، فقال (ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما) وصححه ابن حبان وأخرج أحمد والنسائي والبيهقي من حديث معاوية ابن جاهمة السلمى أن جاهمة أتى النبي صلى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك؟ فقيل (هل لك من أم؟) قال نعم قال (ألزمها فإن الجنة عند رجليها) وقد اختلف في اسناده اختلافا مثيرا، وقد ذهب الجمهور إلى أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد ويحرم إذا لم يأذنا أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، قالوا وإذا تعين الجهاد فلا إذن ويدل على ذلك ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال؟ فقال (الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فإن لي والدين قال آمرك بوالديك خيرا قال والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت اعلم) قالوا وهو محمول على الجهاد فرض العين أي حيث يتعين على من له أبوان أو أحدهما توفيقا بين الحديثين “.
    قال ابن قدامة في المغني 9/171 ”إذا وجب عليه الجهاد لم يعتبر إذن والديه لأنه صار فرض عين وتركه معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كل ما وجب مثل الحج والصلاة في الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب، قال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال لأنها عبادة تعينت عليه فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة ولأن الله تعالى قال ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران:97) ولم يشترط إذن الوالدين“.
    قال الخرقي في مختصره 1/ 128 قال أحمد ”وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لأبويه وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركها “.
    قال على بن حسن المرداوي الحنبلي في الإنصاف 2/109 ”وظاهر كلام الأصحاب في الجهاد – أي إذا تعين - حيث قالوا لا طاعة لهما في ترك فريضة وكذا حكم الصوم لو دعواه أو أحدهما إلى الفطر “.
    قال ابن قدامه في الكافي 4/253 ”ويتعين الجهاد في موضعين أحدهما: إذا التقى الزحفان تعين الجهاد على من حضر لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا﴾ (الأنفال:45) وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴾ (الأنفال:15).
    الثاني: إذا نزل الكفار ببلد المسلمين تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم ولم يجز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل والمكان والمال ومن يمنعه الأمير الخروج لقوله تعالى ﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ (التوبة:41) ولأنهم في معنى حاضر الصف فتعين عليهم كما تعين عليه، ومن كان أحد أبويه مسلما لم يجز له الجهاد إلا بإذنه لما روى ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أجاهد؟ قال (لك أبوان؟ قال نعم قال ففيهما فجاهد) قال الترمذي هذا حديث صحيح، ولأن الجهاد فرض كفاية وبرهما فرض عين فوجب تقديمه فإن كانا كافرين فلا إذن لهما لأن أبا بكر الصديق وأبا حذيفة بن عتبة وغيرهما كانوا يجاهدون بغير إذن آبائهم ولأنهما متهمان في الدين..ثم قال.. ومتى تعين الجهاد فلا إذن لأبويه لأنه صار فرض عين فلم يعتبر إذنهما فيه كالحج الواجب وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركه لان تركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله كالسفر لطلب العلم الواجب الذي لا يقدر على تحصيله في بلده ونحو ذلك “.
    قال ابن مفلح في المبدع 3/316 بعد أن ذكر أن قول أكثر العلماء منع الولد من الخروج إلى الجهاد إلا بإذنهما إذا كان فرض كفاية ثم قال ”إلا أن يتعين عليه الجهاد فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة “.
    قال الشوكاني في فتح القدير 4/193 ”﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ (العنكبوت:8) أي طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها فلا تطعهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعبر بنفى العلم عن نفي الإله لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه، فكيف بما علم بطلانه؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له، فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصى الله سبحانه فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.“
    وقال الشوكاني في نيل الأوطار 8/40 ”قوله (فإن أذنا لك فجاهد) فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذ منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن“.
    بل إن الشافعي ذهب إلى أنه لا طاعة للوالدين في الجهاد إذا كان فرض كفاية، وذلك حينما يعرف من الوالدين أو أحدهما نفاقاً أو كفراً أو بغضاً لشعيرة الجهاد وكرهاً لأهلها، قال الشافعي في الأم 4/163 ”وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن.. ثم قال.. فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما وإذا كانا على غير دينه، فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد – إذا كان فرض كفاية - وله الجهاد وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين، فإن قال قائل فهل من دليل على ما وصفت قيل جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبدالله بن عبدالله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له أو مخذلين، قال الشافعي رحمه الله تعالى وأي الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو“.
    ولا نقصد بعدم طاعة الوالدين من أجل الخروج للجهاد إهدار حقهما تماماً، ولكن نقول إن كان خروج الولد الوحيد العائل لهما للجهاد، يسبب هلاكاً لهما أو يسبب خروجه ردة لهما عن الدين، فإنه يصبح من أهل الأعذار ويجوزله ترك الجهاد بالبدن كما يجوز لغيره من أهل الأعذار، مع الحرص على الجهاد بالمال واللسان، والنصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين كما أمر الله تعالى أهل الأعذار بذلك بقوله ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة:91)، علماً أنه يجب تقدير المفسدة بقدرها إذا تعارضت مع مفسدة أعظم يقدرها أهل العلم لكل شخص بعينه، وعن ذلك الحكم يقول ابن حزم في المحلى 7/292 روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا)، بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده فلا يحل له ترك من يضيع منهما“.
    هذه أيها الأبوان أحكام طاعتكما إذا عارضت طاعة الله وأحكام طاعتكما في طاعة الله، فلا طاعة لكما ولا مشورة في فروض الأعيان، وموافقتكما ورفضكما بالنسبة للفعل لا تقدم شيئاً ولا تأخر، إنما موافقتكما خير لكما ورفعة عند الله، ورفضكما سخط من الله وعذاب والعياذ بالله.
    ولعلكما تشكان اليوم في حكم الجهاد وهل هو فرض عين أم فرض كفاية، وقطعاً للشك باليقين فإني سأختصر عليكما عناء سؤال أهل العلم وسأنقل لكما إجماع الأمة واتفاق المذاهب الأربعة لأهل السنة على تعين الجهاد في مثل حالنا اليوم، وقبل أن أنقل ذلك أريد أن أوضح لكما ما هي البلاد التي داهمها العدو من بلاد الإسلام، فأقول: إن أي بلد رُفعت فيها راية الإسلام ودخلها جند الإسلام فاتحين وحكّموا فيها الشريعة ليوم أو لعام أو لقرن فإنها تعد دار إسلام، فإذا اجتاحها العدو وغيّر أحكامها وحكمها بالكفر فتحولت بذلك من دار إسلام إلى دار كفر، ففي هذه الحالة نعدها بلاد إسلام اجتاحها العدو والواجب على المسلمين جهاد العدو حتى تستنقذ من يده تلك البلاد، وأذكر لكما بعض البلدان التي ينطبق عليها ذلك وأولها الأندلس، وفلسطين وبلاد البلقان وبلاد القوقاز وبلاد ما وراء النهر (الجمهوريات السوفيتية سابقاً) وعدد من دول شرق آسيا، وأرتريا، والصومال، وإيران ولبنان وسوريا، وجزء من غرب الصين، وغيرها كثير وعدد يطول حصره من البلدان التي انطبق عليها القول بأن العدو داهمها وأحالها بعدما كانت إسلامية إلى دول كفرية، ولعلي أنقل لكما حكم الجهاد اليوم بناءً على ذلك الواقع.
    لقد أجمع العلماء على أن أحد الحالات التي يتعين فيها الجهاد هي إذا ما دخل العدو بلاد الإسلام فإن الجهاد يصبح في هذه الحالة فرض عين لا يجوز التخلف عنه بعد أن كان فرض كفاية، وقد نقل ذلك الإجماع كل الفقهاء من جميع المذاهب، وقد دخل العدو بلاد الإسلام منذ قرون فأصبح الجهاد فرض عين، ولا إذن للوالدين فيه.
    فمن الأحناف: قال الكاساني في بدائع الصنائع 7/97 ”فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يُفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى ﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ (التوبة:41)، قيل: نزلت في النفير، وقوله سبحانه وتعالى ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾ (التوبة:120)، ولأن الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت، لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به، فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل، فبقي فرضاً على الكل عيناً بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير إذن مولاه، والمرأة بغير إذن زوجها، لأن منافع العبد والمرأة في حق العبادات المفروضة عيناً مستثناه عن ملك المولى والزوج شرعاً، كما في الصوم والصلاة، وكذا يباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه، لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة والله سبحانه وتعالى أعلم“.
    ومن المالكية: قال ابن عبد البر في كتابه الكافي 1/205 ”فرض عام متعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار، وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محارباً لهم، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً شباباً وشيوخاً، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج مقل أو مكثر، وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم وكان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا – قلوا أو كثروا – على حسب مالزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم، لزمه أيضاً الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم أيضاً الخروج“.
    ومن الشافعية: قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 8/63 ”قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يلهيم تتميم الكفاية“.
    ومن الحنابلة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (الاختيارات) 4/520 ”وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم“ وقال ”وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا“.
    ونخلص في نهاية المطاف أيها الأبوان الكرام إلى أن الجهاد تعين ووجب النفير ولا إذن لكما لأن طاعتكما محرمة في معصية الله، وأيها الأبوان هلا أجبتما عن سؤالي:
    هذه فلسطين حل العدو بها ولم يستطع أحد على دفعه لا من قريب ولا من بعيد فهل يكون الجهاد حتى اليوم فرض كفاية؟ وهذه الأندلس حل العدو بها منذ قرون وكذلك الشيشان وكشمير والفلبين وبورما وأرتيريا وغيرها من أقطار المسلمين كثير، كلها احتلها العدو فأزال معالم الدين منها وأذل المسلمين واستضعفهم وسامهم سوء العذاب، حتى انتهى بنا الحال لنرى الحملة الصليبية تشن من جديد على أفغانستان، فهل بعد ذلك نقول إن الجهاد فرض كفاية وطاعتكما بالقعود أوجب منه؟ لقد قلنا كفاية حتى ذقنا من الذل ما فيه الكفاية.
    والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أين الطريق إلى أرض المعركة؟
    الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ﴾ (العنكبوت:69) والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبد الله سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    إن كثيراً من المسلمين اليوم على قناعة تامة بأن الجهاد فرض عين على الأمة لمداهمة العدو أرض المسلمين، وعلى قناعة أيضاً بحاجة المجاهدين والأمة الإسلامية إلى الرجال الذين يذودون عن هذا الدين وعن دماء المسلمين وأعراضهم.
    إلا أن هذه القناعة لم يكتب لها أن تترجم من قبل أكثر المسلمين لتكون عملاً يثمر التحاقهم بأرض المعركة، بل تتبدد تلك القناعة وتضمحل عندما يعرض لها أول سؤال مفاده: أين الطريق إلى أرض الجهاد؟ كيف نصل إلى أرض المعركة؟، والإجابة العملية على هذا السؤال لدى الكثير من أبناء المسلمين، ليس الإصرار والبحث عن الطريق، إنما القعود وترك البحث وخداع النفس بأن هذا هو العذر أمام الله.
    وسأتكلم هنا عن طريق الجهاد وكيف تصل الأمة إليه، وما مفهوم الطريق.
    إن الجهاد اليوم يعد هو الوحش المرعب الذي يقض مضاجع اليهود والصليبيين، وهو الغول الذي يهدد العالم وحضارته وأمنه كما يحلوا للصليبيين تسميته، وبما أن هذه هي الصورة التي يصور بها العالم الجهاد، فلا يظن المسلم أنه سيصل إلى أرض الجهاد بكل يسر وسهولة كلا، بل إنه معرض لمخاطر ينبغي عليه أن يقتحمها ليصل إلى أرض الجهاد، ولا يتوقع أحد من المسلمين اليوم أن عدوه سيفرش له طريق الجهاد بالورود والرياحين ليقول له أقبل أقبل لرضى الله والجنة، إن من يظن بعدوه هذا فهو مغفل لا يعرف طبيعة عدوه ولا يعرف حقيقة عدوه من كتاب الله سبحانه وتعالى حيث قال ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة:217) فهم يعملون ليل نهار ليصدوا الذين آمنوا عن دينهم وعن الجهاد.
    وليس ما سبق هو تثبيط لهمم الرجال التي تتوق إلى الجهاد أبداً، ولكنه تقريب للصورة التي ينبغي أن يضعها المسلم في ذهنه قبل الانطلاق إلى طريق الجهاد، وليعلم كل من حدث نفسه بالذهاب إلى الجهاد، بأن حديث النفس وحده لا يكفي ليكون لك عذراً أمام الله، نعم حديث النفس ينفي عنك النفاق، ولكن العذر بترك الجهاد يحتاج إلى ما بعد تحديث النفس، وليعلم شباب الأمة أيضاً أن الصادقين قبلهم قد حاولوا وبذلوا الاستطاعة ودخلوا إلى أرض الجهاد ولكن بعد ماذا؟ بعدما تعبوا وخافوا وطوردوا، صدقوا الله فوصلوا.
    ومن أجل ذلك فقد عد الله سبحانه وتعالى طريق الجهاد وحده جهاداً منفرداً، لذا رتب الله عليه أعظم الأجر والثواب، وعد من خرج إلى الجهاد بأنه مجاهد ولو مات مات شهيداً، كل ذلك الفضل والثواب يأتي تحفيزاً لرجال الأمة على الجهاد، فالمجاهد ماذا يريد من جهاده؟ إنه يريد من جهاده إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة، فإذا نال إحداهما فقد انتصر، لذا بين الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أن من خرج للجهاد فإنه سينال إحدى الحسنيين، قال الله تعالى ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (النساء:100) فبين الله في هذه الآية أن من يخرج للجهاد فإنه سيجد مراغماً مكاناً يأوي إليه وسعة في الرزق، وإن أدركه الموت فقد وقع أجره على الكريم الذي لن يجازيه بما دون جنة الخلد، وقال الله أيضاً ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (الحج:58) ويبين الله تعالى في هذه الآية لمن خرج للجهاد أنه إما أن يقتل أو يموت وفي كلا الحالين فقد وعده الله رزقاً حسناً، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (النحل:41) وفي هذه الآية يبين الله تعالى أيضاً أنه سيرزق المجاهد ويعطيه رزقاً حسناً وليس هذا هو الأجر وحده، لأن أجر الآخرة هو أكبر حتى لو فات الرزق الحسن في الدنيا لحكمة يعلمها الله تعالى.
    وفي السنة يوضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بأوضح عبارة وأجمل بيان، ويقرب للعبد الصورة بعرض احتمالات المصاب ليهيج النفوس على الخروج إلى الجهاد، فيقول كما جاء عند أبي داود وغيره عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من فصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه أو بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة) قال ابن مفلح في الفروع فيه بقية مختلف فيه إلا أنه حديث حسن إن شاء الله، وقال ابن أبي عاصم إسناده حسن لغيره، وقال الحاكم على شرط مسلم، وهذا الإسناد فيه بقية وعبد الرحمن بن ثوبان وهما ضعيفان، إلا أنه يعتضد بما جاء عند البيهقي في سننه قال عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله عز وجل قال من انتدب خارجا في سبيل الله ابتغاء وجهه وتصديق وعده وإيمانا برسالاته على الله ضامن فإما يتوفاه الله في الجيش بأي حتف شاء فيدخله الجنة، وإما يسيح في ضمان الله وإن طالت غيبته ثم يرده إلى أهله سالما مع ما نال من أجر وغنيمة قال ومن فصل في سبيل الله فمات أو قتل يعني فهو شهيد أو وقصة فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وله الجنة) ويعتضد أيضاً بما رواه أحمد عن عبد الله بن عتيك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله عز وجل ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث الوسطى والسبابة والإبهام فجمعهن وقال وأين المجاهدون فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله تعالى أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله عز وجل) وهذا أيضاً فيه محمد بن إسحاق، إلا أن الآيات المتقدمة تعضد الأحاديث ولا تعارضها، وقد فهم البخاري ذلك وبوب عليه في صحيحه وقال: ﴿باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم وقوله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ (النساء:100) (وقع :وجب) قال ابن حجر (فهو منهم)“ أي من المجاهدين, قوله (ثم يدركه الموت) أعم من أن يكون بقتل أو وقوع من دابته وغير ذلك فتناسب الآية الترجمة، وقد روى الطبري من طريق سعيد بن جبير والسدي وغيرهما أن الآية نزلت في رجل كان مسلما مقيما بمكة، فلما سمع قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ (النساء:97) قال لأهله وهو مريض أخرجوني إلى جهة المدينة فأخرجوه فمات في الطريق، فنزلت، واسمه ضمرة على الصحيح، وقد أوضحت ذلك في كتابي في الصحابة. قوله: (وقع: وجب) قال: قوله فقد وقع أجره على الله أي وجب ثوابه“ أهـ كلام ابن جحر رحمه الله مختصراً.
    فهذا ثواب الطريق إلى الجهاد فكيف يكون ثواب الجهاد نفسه، ولم يجعل الله ثواب الطريق إلى الجهاد بهذه الدرجة من الضمان إلا لأنه يعلم أن الطريق إلى الجهاد شاق لأمرين، أولاً: لأنه أول الصعوبات التي يواجهها المجاهد حينما يفارق الأهل والمال ولم تعتد نفسه المشقة، وثانياً: لأن قطع العدو لطريق الجهاد على المسلمين أسهل عليه من قتل المجاهدين بعدما يأخذوا حذرهم وأسلحتهم.
    وشحذا للهمم، وشحناً للنفوس رتب الله على طريق الجهاد هذا الأجر العظيم وضمن أيضاً للمجاهد الأجر ضماناً لا يتطرق إليه الشك كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة.. الحديث) فهذا الضمان الأكيد من الله سبحانه وتعالى لمن خرج في سبيله، يدل دلالة واضحة على أن الخروج إلى الجهاد شاق على الأنفس ومحفوف بالمخاطر لذا سهل الله هذه الصعاب وخففها بذلك الأجر العظيم.
    وبناءً على ذلك يا عبد الله إن كنت ممن يحدث نفسه حقاً بالجهاد فإياك أن تقف عند التحديث وحده فقط فهذا لا يعذرك أمام الله بترك الخروج للجهاد بما أنك قادر على الخروج أو قادر حتى على المحاولة المحتملة للنجاح، فحاول واسلك طريق الجهاد، والذين وصلوا إلى الجهاد لم يكونوا أصحاب خوارق إنما حاولوا ويسر الله لهم وأخذ عنهم العيون والأسماع وعبروا إلى ساحات الجهاد.
    وما أكثر الطرق إلى الجهاد فهذه أفغانستان تحدها باكستان وإيران وأوزبكستان وطاجكستان وتركمانستان والصين، وكذلك الشيشان تحدها جورجيا وداغستان وأنغوشيا وروسيا، وفلسطين تحدها مصر والأردن ولبنان وسوريا، وكشمير تحدها باكستان والهند، وأندونيسيا تحدها البحار من كل اتجاه، وأرتريا تحدها السودان وأثيوبيا والبحر الأحمر، وانظر إلى الفلبين ومقدونيا وغيرها من ساحات الجهاد لها طرق كثيرة يستحيل أن يعدم العبد الحريص على الجهاد من تلك الطرق كلها، ففكر وستصل بإذن الله تعالى.
    وبما أن أمتنا أمة المليار فلو حاول مليون من المسلمين الوصول إلى ساحات الجهاد لوصل منهم بالتأكيد مائة ألف مجاهد، وهؤلاء تقوم الكفاية بهم بإذن الله تعالى في ساحات الجهاد.
    ولكن الأمة كلها أعرضت عن الجهاد وتذرعت بأن الطريق مغلق، والله سبحانه وتعالى قد قطع أعذارنا وجعل أجر من مات في الطريق أو قتل فهو شهيد، إلا أننا لا زلنا نبحث عن أعذار أخرى للتسويف والتخلف نسأل الله ألا يجعلنا ممن قال الله فيهم ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ (التوبة:46) ونسأله ألا يجعلنا أيضاً ممن قال فيهم ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (التوبة:42) ولكن ثق أخي بالله أنك لو صدقت الله في بحثك عن طريق الجهاد فإن الله سيصدقك وقد ضمن لك الوصول وهو القائل ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69).
    والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ثوابت على درب الجهاد «1»
    الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة
    الحمد لله الذي شرع لنا ديناً قويماً وهدانا سراطاً مستقيماً، والصلاة والسلام على معلم الخلق خير البرية سيد ولد آدم فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    إن مما لا شك فيه أن لكل منهج ثوابت ومتغيرات، ثوابت لا تتغير ولا تتزعزع بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص، القناعة فيها واليقين بها مستند إلى نصوص ثابتة وعلم لا يرقى إليه الشك، فلا يمكن أن تتبدل أو تتغير فأصبحت تلك الثوابت كالجبال الراسيات، معالم واضحات يهتدي بها كل سائر على الطريق.
    والمتغيرات هي عكس الثوابت وهي أمور ثانوية في المنهج والمبدأ هي من الفروع وليست من الأصول، تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص لها ضوابط شرعية عامة، تفصيلاتها تخضع إلى مداخلات يقدرها المجتهدون بالأدلة، قابلة للحوار والنقاش.
    وما يهمنا هنا وفي هذه الأيام خاصة هو أن نذكر الثوابت التي رسمتها النصوص الشرعية على طريق الجهاد، وهذه الثوابت نحن اليوم بأمس الحاجة إلى إعادة تذكرها ونشرها وفقهها، نحن اليوم وفي هذا الوضع البائس للأمة الجريحة نحتاج حقيقة إلى الرجوع إلى ثوابتنا التي بدأ بعض المتخاذلين يعيد الكلام فيها ويزيد، ليحيلها إلى متغيرات من الأفضل لنا في هذا الوقت ألا نتمسك بها، وسوف نضع بين يديك أخي في الله بعض الثوابت لا كلها التي ترسم لنا طريق الجهاد، فخذها منا على حلقات.
    أول الثوابت: الجهاد ماض إلى يوم القيامة:
    إن العالم اليوم إلا من رحم الله يقف بكل قواه العقدية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والشعبية، يقف وقفة واحدة بكل ما أوتي من قوة، أمام شعيرة من شعائر ديننا الحنيف ألا وهي شعيرة الجهاد في سبيل الله تعالى، تلك الشعيرة التي فرضها الله علينا بقوله ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:216) وبقوله ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (التوبة:73) وقوله ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة:29).
    وقال في آخر ما نزل في حكم الجـهاد مـؤكداً علـيه ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة:5) هذه الشعيرة التي حاول الكفار طمسها وتسميتها بالإرهاب والإجرام، ووسم أصحابها بالإرهابيين والمتطرفين والثوار والمليشيات، وساعدهم المنافقون أيضاً على تشويهها والتحجير عليها بسبل شيطانية شتى فتارة يقولون بأن الجهاد جهاد دفع لا طلب، أو قالوا بأن الجهاد يشرع لتحرير الأرض المحتلة فقط، أو أن الجهاد يجب أن يكون بأمر الحاكم العميل لليهود والصليبيين، وحيناً آخر قالوا بأن الجهاد انتهى بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أن الجهاد لا يناسب عصرنا الحاضر عصر السلام والنظام العالمي الجديد نعوذ بالله من هذه الضلالات.
    وأياً تكن مبررات طمس معالم الجهاد ودواعيه ومصطلحاته النفاقية والكفرية، فإن الحقيقة الماثلة للعيان هي أن الأمة منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اتضح لها طريق الجهاد وحُددت معالمه واتضح لها مفهومه وفقهه، فلسنا بحاجة إلى من يضيف مفاهيم جديدة للجهاد يمليها علينا من الشرق أو الغرب، ففي تراثنا غنية عن غيره فمنه نستقي أركان وشروط وواجبات وسنن الجهاد، كما نأخذ منه أسباب تشريع الجهاد ومقوماته أيضاً.
    وفوق كل ذلك فقد أخبر الله ورسول صلى الله عليه وسلم بأن الجهاد ماض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا الخبر هومن الثوابت التي لا نشك فيها ولا نسأل فيها أحداً بعد تأكيد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهذه الحقيقة، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة مثل قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة:54) وقوله تعالى ﴿يُجَاهِدُونَ﴾ هي دليل على الاستمرار، وسياق الآية دليل على أن من ترك هذه الصفة فسوف يأتي الله بقوم غيره يحبهم ويحبونه فيهم هذه الصفة.
    وقال أيضاً ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال:39) والفتنة هي الكفر، والقتال مستمر حتى لا يكون كفرا، وقال العلماء لا ينتفي الكفر عن الأرض إلا في آخر زمن عيسى عليه الصلاة والسلام حيث يضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام، ثم يتوفاه الله تعالى ويتوفى معه كل مؤمن ولا يبقى على الأرض من يقول الله الله وتقوم الساعة على شرار الخلق يومئذ.
    وقال تعالى مؤكداً الأمر باستمرار الجهاد في آخر آية نزلت في شأن الجهاد وهي آية السيف ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة:5) والأدلة على استمرار الجهاد من الكتاب كثيرة.
    أما النصوص الدالة على استمرارية الجهاد من السنة فهي أكثر من ذلك ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه الجماعة وغيرهم عن عروة البارقي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم) قال ابن حجر في الفتح عندما استدل البخاري بهذا الحديث على مضي الجهاد مع البر والفاجر قال ”سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، المغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، وفي الحديث الترغيب في الغزو على الخيل، وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون، وهو مثل الحديث الآخر »لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق« الحديث“ أهـ كلامه مختصراً وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم تعليقاً على هذا الحديث ”قوله صلى الله عليه وسلم (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) جاء تفسيره في الحديث الآخر في الصحيح (الأجر والمغنم) وفيه دليل على بقاء الإسلام والجهاد إلى يوم القيامة، والمراد قبيل القيامة بيسير، أي حتى تأتي الريح الطيبة من قبل اليمن تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة. كما ثبت في الصحيح“ أهـ كلامه.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وغيره عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ».. والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.. «قال صاحب العون في شرح هذا الحديث ”(والجهاد ماض منذ بعثني الله): أي من ابتداء زمان بعثني الله (إلى أن يقاتل آخر أمتي): يعني عيسى أو المهدي (الدجال): مفعول. وبعد قتل الدجال لا يكون الجهاد باقيا. أما على يأجوج ومأجوج فلعدم القدرة عليهم، وعند ذلك لا وجوب عليهم بنص آية الأنفال، وأما بعد إهلاك الله إياهم لا يبقى على وجه الأرض كافر ما دام عيسى عليه الصلاة والسلام حيا في الأرض، وأما على من كفر من المسلمين بعد عيسى عليه الصلاة والسلام فلموت المسلمين كلهم عن قريب بريح طيبة وبقاء الكفار إلى قيام الساعة، قاله القاري، والحديث سكت عنه المنذري“ أهـ كلامه رحمه الله.
    ودليلاً على استمرار الجهاد قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً كما جاء في الصحيحين وغيرهما وللفظ لمسلم عن جابر رضي الله عنه (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) وفي لفظ للبخاري (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم) وفي لفظ لأحمد (لا يبالون من خالفهم أو خذلهم) وقوله (لا تزال) دليل على الاستمرارية، وإن كان سياق الحديث كاف في إثبات استمرارية الجهاد، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عن هذا الحديث ”قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة; فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزال حتى يأتى أمر الله المذكور في الحديث“ أهـ كلامه.
    ومن الأدلة أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)، فجعلت غاية القتال في هذا الحديث هي الإسلام فإذا أسلم الناس فلا قتال، والأدلة كثيرة التي تدل على عدم إسلام الناس جميعاً وبقاء الكفر إلى يوم القيامة فإذا كان كذلك فالقتال باق معه أيضاً حتى يأتي أمر الله تعالى، والمقصود بأمر الله في الحديث: قيل هو إسلام الناس في زمن المسيح وقيل يوم القيامة وقيل هبوب الريح التي تقبض أرواح المؤمنين، ولكن دلالة الحديث واضحة في بقاء القتال ما بقي الكفر.
    والنصوص التي تفيد استمرار الجهاد كثيرة لا مجال لحصرها، والأئمة متفقون وبلا خلاف على استمرار الجهاد وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن استمراره خبراً لا يتغير ولا يتبدل، وهذه النصوص تبين أنه لا يمكن أبداً أن يخلوا زمان من الأزمنة منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة من راية جهاد حق مرفوعة في سبيل الله تعالى، وهذا خبر منكره كافر بالله تعالى إذا تقينا هذه الحقيقة ووضعناها نصب أعيننا وجعلناها أحد الثوابت التي نرتكز عليها، فإننا لا يمكن أبداً مهما اشتدت الظروف وساءت الأحوال أن نتخلى عن دعم راية الجهاد والوقوف تحتها، لأن راية الجهاد في كل زمان مرتبطة بالطائفة المنصورة المرضي عنها، والطائفة المنصورة كما قال النووي لا يلزم أن تكون في مكان واحد، فيمكن أن تتعدد في زمان واحد في عدة أمكنة، والطائفة المنصورة تقاتل على الحق ظاهرة، والزمان لا يخلوا من الطائفة المنصورة التي تقاتل وترفع راية الجهاد.
    إذا اعتقدنا تلك العقيدة لا بد معها أن نجزم بأن قوى الكفر العالمي ومعها النفاق الدولي لا يمكن أبداً أن تفلح في إخماد راية الجهاد ولا قمع المجاهدين ولا تعطيل هذه الشعيرة أبداً، ربما تستطيع محاصرتها في مكان واحد أو اثنين، ولكن أن تسقط راية الجهاد في هذا الزمان فلا يمكن لها أبداً ولو اجتمع الجن والأنس لذلك جميعاً، فإن راية الجهاد رفعت بأمر الله تعالى وبإذنه ولا يمكن أن توضع والله هو الذي قضى على نفسه أن ترفع حتى يقاتل آخر أمة محمد صلى الله عليه وسلم الدجال مع عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
    هذه الحقيقة التي لا بد أن ننطلق منها، وهذا المعتقد الذي ينبغي أن نقاتل به عدونا، عقيدة اليقين والتصديق بوعد الله سبحانه وتعالى بمضي الجهاد إلى يوم القيامة.
    وإن ما أصاب المسلمين اليوم من يأس بعد الأحداث التي حصلت في أفغانستان وانسحاب المجاهدين من المدن، لا يدل يأسهم وإحباطهم أبداً على أن أكثر المسلمين على قناعة بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، ولا تدل أحوال أكثر المسلمين أيضاً على أنهم على قناعة بأن العالم أجمع لا يمكن له أن يسقط راية الجهاد في العالم، بل إن كثيراً منهم لا يدرك معنى الصراع بين الحق والباطل، ولا يقرأ تاريخ الأمة وتاريخ الأنبياء من القرآن خاصة.
    العالم يحارب وعد الله بمضي الجهاد، ونحن نصدق الله ونقسم بهزيمة العالم الذي حارب الله سبحانه وتعالى، النظام العالمي الجديد يقوم على مفهوم محدد وواضح المعالم وهذا المفهوم هو: أن الجهاد هو الإرهاب، وكل مجاهد إرهابي، ولا بد من ملاحقة الإرهابيين وقمع الإرهاب، بمعنى لا بد من ملاحقة أولياء الله وقمع شريعة الله سبحانه وتعالى، فحرب بهذه الصورة نتيجتها معروفة لنا سلفاً قصها الله علينا في كتابه وبينها لنا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فقال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري وأحمد وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته بالهلاك، وحرب الله تعالى هي على من يعادي أولياءه لولايتهم لله ويتخذهم أعداءً بسبب دينهم، وفي لفظ (آذنته بحرب) نكره تشمل كل أنواع العقوبات، وفي رواية لأحمد (من آذى لي وليا) بمجرد الإيذاء وفي رواية أخرى له (فقد استحل محاربتي)، وقد لا تكون هذه العقوبة ظاهرة للعيان كما لحق بالأمم الأخرى وقد تكون العقوبة عاجلة كما قد تكون آجلة والله يمهل ولا يهمل،
    أما نتيجة هذه الحرب في القرآن فقد قصها الله تعالى في عدة آيات نأخذ منها قوله تعالى ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر:51) وقال مؤكداً على هزيمة أعداء المؤمنين ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنفال:36) ودعا الله إلى الاعتبار بما حصل في معركة بدر يوم الفرقان إذ قال ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (آل عمران:13) ولكن السؤال الذي يشوش على هذه العقيدة ويدور في أنفس الضعفاء هو: لماذا لم ينصر الله الإمارة الإسلامية في معركتها حتى الآن وهي التي رفعت شعار تطبيق الشريعة والتمسك بالكتاب والسنة وواجهة العالم بذلك حتى اضطرت إلى ترك جميع المدن التي كانت تسيطر عليها؟.
    نقول إن لله تعالى في ذلك حكمة وأول الحكم يبينها قول الله تعالى ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد:4) فإن الله قادر على أن ينتصر وحده من الكفار ويقتلهم بطرفة عين ويدمر قواهم كلها، ولكن الله ترك أولئك الكفار يتسلطون على المسلمين وذلك للبلاء، أي ليمتحن المسلمين ويختبر صدقهم بتسلط الكافرين عليهم، فإن صبروا وزادوا تمسكاً بدينهم وفروا إلى الله تعالى وشكوا حالهم له، فإنه سينصرهم بعدما يرى أنهم أهل للنصر، فيمكن لهم دينه الذي ارتضى لهم بعد أن يحققوا شروط التمكين قال تعالى ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:55) وقال ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف:128) وقال ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الانبياء:105) وقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت:30) فشروط التمكين لا بد أن تتوافر في المؤمنين قبل ذلك، وقد ذكر الله لنا طرفاً منها في هذه الآيات فمنها شرط الإيمان والعمل الصالح واتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الذين مكنوا من قبل، واعتناق الدين الصحيح، وعدم الشرك بالله، والاستعانة بالله وحده، والصبر على الجهاد وحرب الأعداء، وتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، والصلاح العام، وأن يكون سلوك المجاهد أن يقول ربي الله ويعمل بمقتضى هذا ويستقيم على دينه، فهذه الشروط إذا بذل العبد جهده في تحقيقها فإنه سيصبح مؤهلاً لأن ينصره الله ويستخلفه في الأرض.
    ولو تتبعنا حكمة الله تعالى في تأخير النصر أو لحوق الهزيمة (الحسية) في أرض المعركة بالمسلمين لاحتجنا معها إلى مصنف مستقل، إلا أننا سنفرد لها كلاماً مستقلاً لاحقاً بإذن الله، ونكتفي هنا بالإشارة لها لأن هذا المفهوم لا ينبغي أن يغيب عن ذهن المسلم اليوم الذي يتابع وبكل مشاعره وكيانه مجريات الحرب في أفغانستان بين قوى الكفر العالمية جميعها وبين المجاهدين الأفغان.
    ونسأل الله أن يعز المجاهدين وينصرهم ويمكن لهم، وأن يكسر الكافرين ويمزقهم ويذلهم ويجعلهم غنيمة للمسلمين.
    وإلى اللقاء في الحلقة الثانية بإذن الله تعالى من حلقات ثوابت على طريق الجهاد.
    وصل اللهم وسلم على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يتبع...........

  • #2
    تكملة.......
    ثوابت على درب الجهاد «2»
    الجهاد ليس معلقاً بأشخاص
    الحمد لله الذي شرع لنا ديناً قويماً وهدانا سراطاً مستقيماً، والصلاة والسلام على معلم الخلق خير البرية سيد ولد آدم فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    نكمل معكم أيها الأخوة الكرام ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية من ذكر الثوابت على درب الجهاد، ولقد تكلمنا في الحلقة الماضية عن الثابت الأول وهو: أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وبينا في تلك الحلقة النصوص الواردة في الكتاب والسنة والتي تبشر الأمة بمضي الجهاد إلى يوم القيامة، وقربنا تلك النصوص إلى واقعنا اليوم وخرجنا بنتيجة مفادها أن من يحارب راية الجهاد فإنه سيهزم مهما كثرت عدته وعدده، والعالم الذي يحارب الجهاد باسم حرب الإرهاب هو أول المهزومين إن عاجلاً أو آجلاً.
    وحلقة اليوم سنبحث فيها ثابتاً آخر من ثوابت منهج الجهاد، نؤكد فيه أن شعيرة الجهاد نزلت لتدوم ولن تنقطع وستبقى ما بقي الدين الذي يحتاج إلى سيف يحميه، وهذا الثابت هو:
    الثابت الثاني: الجهاد ليس معلقاً بأشخاص:
    إن المشاهد اليوم أن الأمة الإسلامية إن لم يكن بلسان مقالها تعلق الجهاد بأشخاص فبلسان حالها، وربما كثير من المسلمين يقول لك: الدين دين الله وإذا مات خدمه فسوف يخلق الله له خدماً يذودون عنه، ولكن حينما نأتي إلى تطبيق ذلك القول على الواقع نجد أننا لم نصل بعد إلى خطوات تطبيق هذا المنهج على حياتنا، وإن الناظر اليوم إلى حال الأمة الإسلامية من خلال أدبياتها وخطبها يجد أن شريحة لا يستهان بها من الناس يربطون الأحداث بأشخاص ليس على مستوى الجهاد فحسب بل إنه يتعدى إلى مجال الدعوة والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.
    وما يهمنا في هذه الحلقة هو أن نثبت أن الجهاد غير معلق لا بقيادات ولا بأفراد، وتعليق الجهاد بأشخاص سواء كانوا قيادات أو مجاهدين يعد آفة عظيمة تعصف برسوخ عقيدة شعيرة الجهاد لدى المسلمين، كما أن تعليق الجهاد بأشخاص أيضاً يضعف من قناعة ديمومة الجهاد وصلاحه لكل زمان، بل إنه سيكون أهم عائق نفسي ومنهجي أمام كل من أراد أن يسلك درب الجهاد ويتفرغ لتلك الشعيرة العظيمة.
    لقد ربا الله سبحانه وتعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على التعلق به وحده والتعلق بدينه، وبين لهم أن التعلق بأشخاص منهج باطل يفضي إلى ربط العمل به وقد ينتهي العمل بانتهاء حياة الشخص، ونهي الله سبحانه وتعالى للصحابة رضي الله عنه بالتعلق بأشخاص لم يأت نهياً عن التعلق بشخص مثلهم كلا، بل إنه جاء نهياً لهم بأن يعلقوا الشعائر بأشرف خلق خلقه الله تعالى سبحانه وتعالى وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، نهاهم الله تعالى عن التعلق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم فقال ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران:144) وهذه الآية نزلت لتربي الصحابة رضوان الله عليهم وتنهاهم عن المنهج الفاسد الذي يفسد العبادات وهي تعليق العمل بأشخاص، وليس المقصود من تعليق العمل بأشخاص أي إشراكهم مع الله، فهذا شرك أصغر أو أكبر أحياناً، ولكن مقصودنا من تعليق العمل بأشخاص هو أن يرى المسلم بأن هذه العبادة لا سيما الجهاد لم تنجح أو تتقدم أو تحقق شيئاً إلا لأن الله تعالى جعل هذا الرجل أو ذاك على طليعة العاملين لها، وهذه هي أقل الصور التي تدخل في نهي الله سبحانه وتعالى عن ذلك المنهج، فقد نهى الله أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأقوال المفسرين في هذه الآية توضح المقصود من كلامنا السابق، وتبين أيضاً خطر ذلك المنهج الذي يؤدي حتماً إلى ترك الدين أو ضعف العمل له.
    قال ابن كثير في تفسير الآية المتقدمة 1/410 ”لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم نادى الشيطان ألا إن محمدا قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم قتلت محمدا وإنما كان قد ضرب رسول الله فشجه في رأسه فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، وجوزوا عليه ذلك كما قد قص الله عن كثير من الأنبياء عليهم السلام، فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال، ففي ذلك أنزل الله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ (آل عمران:144) أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه.
    قال ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له يا فلان أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل فقال الأنصاري إن كان محمد قد قتل فقد بلّغ فقاتلوا عن دينكم فنزل ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة. ثم قال تعالى منكرا على من حصل له ضعف ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ أي رجعتم القهقري (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه واتبعوا رسوله حياً وميتاً. وكذلك ثبت في الصحاح والمساند والسنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعددة تفيد القطع وقد ذكرت ذلك في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن الصديق رضي الله عنه تلا هذه الآية لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغطى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى ثم قال بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها.
    وقال الزهري وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس وقال أجلس يا عمر قال أبو بكر أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ إلى قوله ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ قال فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرقت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض.
    وقال أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لاقاتلن عليه حتى أموت والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه فمن أحق به مني.
    وقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾ (آل عمران:145) أي لا يموت أحد إلا بقدر الله وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له ولهذا قال ﴿كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾ كقوله ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ (فاطر:11) وكقوله ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ﴾ (الأنعام:2) وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه كما قال ابن أبي حاتم حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال سمعت أبا معاوية عن الأعمش عن حبيب بن صهبان قال قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النقطة يعني دجلة ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾ (آل عمران:145) ثم أقحم فرسه دجلة فلما أقحم أقحم الناس فلما رآهم العدو قالوا ديوان – أي جن بالفارسية - فهربوا“ أهـ كلامه رحمه الله.
    قال صاحب زاد المسير في تفسيره عن هذه الآية ”قوله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ قال ابن عباس صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد فقال قوم لئن كان قتل لنعطينهم بأيدينا إنهم لعشائرنا وإخواننا ولو كان محمد حيا لم نهزم فترخصوا في الفرار فنزلت هذه الآية، وقال الضحاك قال قوم من المنافقين قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول فنزلت هذه الآية، وقال قتادة قال أناس لو كان نبياً ما قتل“.
    وقال صاحب فتح القدير 1/385 في تفسيره لهذه الآية وقوله ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ سبب نزول هذه ما سيأتي من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصيب في يوم أحد صاح الشيطان قائلا قد قتل محمد ففشل بعض المسلمين حتى قال قائل قد أصيب محمد فأعطوا بأيديكم فإنما هم إخوانكم، وقال آخر لو كان رسولا ما قتل، فرد الله عليهم ذلك واخبرهم بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل وسيخلو كما خلوا، فجملة قوله ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ صفة لرسول والقصر قصر إفراد كأنهم استبعدوا هلاكه فأثبتوا له صفتين الرسالة وكونه لا يهلك فرد الله عليهم ذلك بأنه رسول لا يتجاوز ذلك إلى صفة عدم الهلاك، وقيل هو قصر قلب وقرأ ابن عباس (قد خلت من قبل رسل)، ثم أنكر الله عليهم بقوله ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ أي كيف ترتدون وتتركون دينه إذا مات أو قتل مع علمكم أن الرسل تخلو ويتمسك أتباعهم بدينهم وإن فقدوا بموت أو قتل، قوله ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً﴾ أي بإدباره عن القتال أو بارتداده عن الإسلام فلن يضر الله شيئا من الضرر وإنما يضر نفسه ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ أي الذين صبروا وقاتلوا واستشهدوا لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ومن امتثل ما أمر به فقد شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه“ أهـ كلامه رحمه الله.
    قال صاحب العجاب في بيان الأسباب ”قوله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة ومن طريق الربيع بن أنس قالا لما فقدوا النبي يوم أحد وتناعوه قال ناس لو كان نبيا ما قتل، وقال ناس قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم أو تلحقوا به فنزلت، زاد الربيع ذكر أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال أشعرت أن محمدا قتل فقال الأنصاري إن كان محمد قتل فقد بلّغ فقاتلوا عن دينكم فنزلت.
    ومن طرق أسباط عن السدي لما كان يوم أحد فذكر القصة وفيه وفشا في الناس أن محمدا قد قتل فقال بعضهم ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم ارجعوا إلى قومكم قبل أن تقتلوا، فقال أنس بن النضر يا قوم إن كان محمد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على دينكم، وانطلق رسول الله حتى أتى الصخرة فاجتمع عليه ناس فنزل في الذين قالوا إن محمدا قد قتل ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾.
    ومن طريق ابن إسحاق حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري من بني عدي بن النجار أن أنس بن النضر مال إلى نفر من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله فما تصنعون بالحياة بعده موتوا على ما مات عليه ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل “أهـ كلامه رحمه الله.
    وكلام أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية وفي تفسيرها كلام يطول نقله، ولكننا نستخلص من كلامهم السابق، أن الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد وسمعوا بخبر قتله كانوا بين منهجين، أصحاب منهج مذموم، وأصحاب منهج ممدوح، فأصحاب المنهج المذموم هم الذين حذرهم الله في الآية وحذر من منهجهم المذموم، وهو تعليق العمل بأشخاص حتى لو كان الشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصحاب ذلك المنهج المذموم كانوا طائفتين طائفة فتروا عن العمل وأصابهم الضعف والخور بسبب الصدمة التي جاءتهم حتى فكروا بالسلامة من القتل وأخذ الأمان من الكافرين، وطائفة أخرى من أصحاب المنهج المذموم كان ضلالهم أشد فقد اعتقدت تلك الطائفة الكفر وصرحت به وهم الذين قالوا لو كان نبياً ما قتل، أو قالوا ارجعوا إلى دينكم الأول قبل أن تقتلوا.
    وقول هاتين الطائفتين من أصحاب المنهج المذموم هو قول كثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم، الذين ينعقون في الصحف والمجلات والقنوات، حيث قالوا لو كان جهاد الطالبان والعرب معهم حقاً ما أخرجوا من المدن وما هزموا، وطائفة أخرى تقول خير (للأفغان العرب) أن يضعوا أيديهم في أيدي حكوماتهم ليخرجوا من هذا المأزق، فما أشبه الليلة بالبارحة، فقوم استدلوا بالهزيمة العسكرية على بطلان دين محمد صلى الله عليه وسلم وأنكروا رسالته لما وصلهم خبر مقتله وكانوا يقاتلون معه في الميدان، واليوم يتأكد ذلك المنهج واضحاً من أصحاب الضلال الذي استدلوا ببطلان منهج الطالبان والمجاهدين بالهزيمة العسكرية، فالتاريخ يعيد نفسه، وأهل الضلال لهم سلف سبقوهم في كل شر.
    ولكن أهل الهدى والدين الحق وهم أصحاب المنهج الثاني المنهج الممدوح الذي نقله لنا أهل التفسير أثناء المعركة، هم الذين أجابوا عن خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم بقول أنس بن النضر رضي الله عنه حينما مر على نفر من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله، فقال لهم: فما تصنعون بالحياة بعده موتوا على ما مات عليه ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل، ويمثل هذا المنهج أيضاً أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ويمثل منهجهم أيضاً علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قال بعدما قرأ الآية ﴿.. وَمَا مُحَمَّدٌ ..﴾ الله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لاقاتلن عليه حتى أموت، وهذا هو منهج الصحابة جميعاً رضي الله عنه فهم الذين كانوا يعبدون الله حقاً وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واصلوا الطريق ولم يفتروا لا عن الجهاد ولا عن الدعوة والعبادة بل ساروا على ما رباهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هزموا تمثلوا قول الله تعالى ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139) وقوله تعالى ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران:165).
    وإن انتصروا تمثلوا قول الله تعالى ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الأنفال:26) هذا هو المنهج الحق الذي يرتضيه الله لنا، أن يكون العمل معلقاً بالأدلة الشرعية، والحكم على الأمور هل هي حق أم باطل لا يكون بناءً على ما حققته من نتائج، بل إن الحكم على أي قضية يكون بناءً على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ومن أراد أن يحكم على المعارك بنتائجها فيلزمه على هذا المقياس أن يقول والعياذ بالله معركة أحد معركة باطلة أخطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخوضها، لأنه هزم والهزيمة دليل على بطلان المنهج عند أهل الإرجاف والجهل.
    فأصحاب المنهج الباطل الذين أنكروا نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنكروا صحة هذا الدين هم الذين علقوا الدين بأشخاص وعلقوا الجهاد برموز، ومنهجهم أدى بهم إلى فساد عظيم حيث أنكروا المقدمات بسبب بطلان النتائج أو فشلها، ومتى ما وصل المرء إلى هذا المنهج فسيقع حتما في الكفر أو اليأس والقنوط، وهذا هو منهج كثير من الرويبضات اليوم، الذين لا يستحيون من الله ولا من عباده، ففي كل حدث لهم قول يناقض ما قبله بأيام، فإذا رأوا نصراً أشادوا وزادوا وأعادوا في المدح والتمجيد، وإذا رأوا هزيمة وابتلاءً من الله لعباده ضللوا وبدعوا ونقدوا وسبوا وشتموا، ولعل أعظم حكمة لله سبحانه وتعالى في لحوق الهزيمة بالمجاهدين هو تصفية صفوفهم وتمحيصهم أولاً ثم تمحيص من تسمحوا بهم ونسبوا أنفسهم إليهم، وقد كشف الله أساليبهم ووصفهم وصفاً دقيقاً حيث قال ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً، وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ (النساء:72-73) وقال الله عنهم فاضحاً لأساليبهم العفنة ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء:141)، نعم شعيرة الجهاد لا يقوم بها إلا من كان أهلاً لذلك فدونه ودون النصر والتمكين مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل، وهذا الشعيرة أيضاً لا يناصرها اليوم إلا من أعد العدة للبلاء والفتنة، أما من كان منهجه منهجاً مائعاً هلامياً لا يُعرف هل هو مناصر للجاهد أو معارض له، فيكفيهم كشف الله لحيلهم في هذه الآيات وفي سورة التوبة فضح لحيلهم الشيطانية وتعرية لمناهجهم والباطلة.
    إن تعليق الجهاد أو المعركة بأشخاص لا يفضي إلا إلى هزيمة محققة، فإن لم تكن هزيمة حسية في الميدان فإنها هزيمة معنوية تتمثل في الفتور عن الجهاد عند فقدان القيادة التي ظن المسلمون أنهم لا ينصرون إلا بها، لذا فإنه من الخطأ أن يتعلق الناس بأشخاص أو بقيادات، فيجب تحرير شعيرة الجهاد من ربطها بالرموز، نعم نحتاج للقيادة لربط المجاهدين بها ونحتاج للقيادة للتخطيط والتدبير ولكن فقدان القيادة لا يعني تكسر الروابط التي بين المسلمين وشعيرة الجهاد، وكما أخرجت ساحات الجهاد قيادات بهذا الحجم فإنها ستستمر بإخراج القيادات، والتاريخ شاهد على أنه ما خلا عصر من العصور بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا وفيه أسود يذودون عن هذا الدين حتى يخيل لمن سمع عنهم أنه لم يسبق للأمة مثلهم، ولم تعقم نساء المسلمين أن يلدن مثل عمر وعلي وخالد والمقداد وعكرمة وصلاح الدين وقطز فالأمة كالغيث لا يعرف الخير فيها هل هو في أولها أم في آخرها.
    وإن قتل القيادة لدى المسلمين الذين تربوا على عدم تعليق الجهاد بالرموز لا يزيدهم على مبدئهم وطريقهم إلا إصراراً، لأنهم يعبدون رب الجهاد لا قيادة الجهاد، فالقيادات موجودة في أرض المعركة وهي معرضة للقتل كما يعرض للقتل أي جندي في المعركة، بل إن القادة يبحثون عن الشهادة وينتظرون اليوم الذي يزفون فيه إلى الحور العين ويتشرفون برؤية رب العالمين، وكلهم يحرص على ذلك اليوم ويسعى له ويتمناه.
    فإذا حصل للقادة ما تمنوه كأن يقتل الملا عمر أو الشيخ أسامه أو القائد شامل باسييف أو القائد خطاب أو غيرهم من قادة الجهاد في كل مكان حفظهم الله جميعاً، فإن حصولهم على ما تمنوه ودعوا الله به لا يعد إلا نصراً لهم بأشخاصهم، أما الجهاد فإنه لن يضيع فهو شعيرة تكفل الله بدوامها إلى يوم القيامة، ووعد الله عباده بالنصر إذا حققوا شروط النصر سواءً كانت معهم تلك القيادات أو قتلت في سبيل الله تعالى، فحري بنا ألا نعلق الجهاد بأشخاص ولا نربط الحرب برموز، وكما يقول الشيخ سليمان أبو غيث في كلمة له قبل أيام ”إذا قتل أسامه فألف أسامة سيحملون الراية من بعده“ وقال الشيخ أسامه بنفسه في إحدى اللقاءات المصورة له عندما سئل عن إمكانية تفكك القاعدة والأفغان العرب إذا ما حصل اغتياله فقال: ”إن اغتيالي أعده شهادة في سبيل الله تعالى وهذا ما كنت أتمناه وأسأل الله أن يرزقني الشهادة، وأسامه ما هو إلا فرد من أبناء هذه الأمة، وفي الأمة رجال كثر مستعدون لفداء هذا الدين بأنفسهم وبما يملكون، فأسامه ليس فرداً بل إنه يمثل منهجاً يؤمن به كل أبناء الأمة“.
    وختاماً فإننا نحذر أبناء المسلمين جميعاً أن يعلقوا الجهاد برموز أو يعلقوا المعركة بأشخاص، فهذا منهج باطل وشر عظيم يفسد الدين والدنيا، فالجهاد شعيرة من شعائر الله تعالى، ومن ثوابتنا أنه ماض إلى يوم القيامة، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتغير منهج الصحابة في الجهاد وزادت فتوحاتهم، ومات أبو بكر رضي الله عنه وتوسعت دولة الإسلام ولم تتأثر شعيرة الجهاد، وقتل عمر رضي الله عنه وما زاد المسلمين في الأرض إلا انتشاراً، وهكذا كان أمر المسلمين جيلاً من بعد جيل، من ثوابتنا أيضاً أن الجهاد مبدأ وشعيرة عظيمة لا تتغير ولا تتزعزع بفقد أشخاص ولا قيادات، نسأل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم ويعلي شأن أمتنا ويعزها على أمم الكفر قاطبة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة لنواصل ذكر الثوابت التي رسمت درب الجهاد.
    وصل اللهم على رسول الله وعلى أصحابه وآله وسلم.

    ثوابت على درب الجهاد «3»
    الجهاد ليس معلقاً بأرض أو معركة
    الحمد لله الذي شرع لنا ديناً قويماً وهدانا سراطاً مستقيماً، والصلاة والسلام على معلم الخلق خير البرية سيد ولد آدم فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    لقد عرضنا في الحلقتين الماضيتين ثابتين من ثوابت درب الجهاد، ونواصل في هذه الحلقة ذكر تلك الثوابت، وقبل أن نبدأ نمر مروراً سريعاً على ما قررناه في الحلقتين الماضيتين، لقد أثبتنا في الحلقة الأولى بالأدلة الشرعية أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وذكرنا أقوال الفقهاء في تقرير ذلك، وفي الحلقة الثانية بينا أن الجهاد ليس معلقاً بأشخاص حتى ولو كانت تلك الشخصية هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ووضحنا في تلك الحلقة المنهجين الذين ظهرا من الصحابة في معركة أحد على إثر إشاعة الشيطان لخبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم.
    وحلقة اليوم سنبحث فيها ثابتين من ثوابت منهج الجهاد، نؤكد فيهما أن شعيرة الجهاد نزلت لتدوم ولن تنقطع، وستبقى ما بقي الدين الذي يحتاج إلى سيف يحميه، وشعيرة جهاد تنشره.
    وقبل أن ندخل في طرح موضوعنا، يطيب لنا أن نعود لنؤكد أننا نهدف من وراء نشر تلك الثوابت تحرير منهج الجهاد من القيود والأغلال التي ألبست له ظلماً وزوراً، ومنهج الجهاد اليوم يعاني من عدة تداعيات تعمل على طمسه أو تحديده وتقييده بغير دليل شرعي، ومن تلك التداعيات ربما يكون سوء فهم مع سوء تطبيق من بعض من نادى بتلك الشعيرة، ومن تلك المعوقات تحذلق عدد ممن ينتسبون للفقه بإصدار شروطاً للعمل بتلك الشعيرة لم يسبقهم إليها أحد من الأئمة في هذا الباب، ومن تلك المعوقات خروج عدد من المخذلين المنتسبين للإسلام ليصدحوا في كل منتدى بأن الجهاد لا يصلح لزماننا، ومن تلك المعوقات وأهمها الحلف الصليبي الذي يشن حربه على هذه الشعيرة لأنها تعارض مصالح المستعمر الأمريكي لبلدان العالم.
    ونشر ثوابت درب الجهاد كفيل بإذن الله تعالى لتصحيح مفهوم الجهاد والعمل على كسح بقية المعوقات الظالمة الجائرة التي وقفت في طريقه، وبعد تصحيح المفهوم يمكن أن نرتبط بهذه الشعيرة من الناحية الروحية ثم من الناحية الفكرية ثم من الناحية المنهجية وأخيراً من الناحية التطبيقية العملية، فإحياء هذه الشعيرة يحتاج إلى مجهودات للتوضيح والبيان، وليس التوضيح والبيان يقتصر على المعرفة الفقهية البحتة المنفصلة عن الواقع، فهذا وإن كان مطلوباً كفقه، إلا أنه يحتاج إلى أن يربط بمنهج يؤدي إلى تطبيق ذلك الفقه والتعبد بتلك الشعيرة على أرض الواقع كتعبد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بها.
    ونمثل لتحرير العبادة من القيود بهذا المثال ليتضح المقال: لقد شرع الله الصلاة لمن كان قبلنا، ولكن ربط الله سبحانه وتعالى أداء تلك العبادة بأماكن مخصوصة كالبيع والصوامع وغيرها، وعندما شرع الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم الصلاة حرر الله تلك العبادة من القيد المكاني فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم مالم يعط أحدا من الأنبياء قبله وكان مما أعطي كما في الصحيحين حيث قال صلى الله عليه وسلم عن جابر رضي الله عنه (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) فأصبحت الأرض كلها صالحة لأداء تلك العبادة إلا سبعة مواضع استثنيت من الأرض بنصوص أخرى في حال الاختيار لا الاضطرار أيضاً، فتحرير هذه العبادة من هذا القيد سهل ويسر أداءها لكل عبد، علماً أن وضع ذلك القيد ورفعه كان تشريعاً من الله سبحانه وتعالى لحكمة هو يعلمها.
    ونحن اليوم في ذكرنا لثوابت شعيرة الجهاد نحاول أن نرفع القيود الظالمة الآثمة الفاجرة التي وضعها حثالة البشر وعارضوا بها نصوصاً شرعية قطعية الثبوت والدلالة، فسمعنا ممن ينتسب للإسلام من يزعم بأن تصادم الحضارات هو دمار وخراب، والإسلام بريء من ذلك التصادم ونحن بحاجة إلى تعايش الحضارات وبحاجة إلى السلام ونبذ العنف والنزاع المسلح (الجهاد)، ورأينا أيضاً عددا لا حصر لهم يدخلون في المؤتمرات الرامية إلى حرب تلك الشعيرة أو إلغائها باسم التسامح أو الوسطية أو حوار الأديان، فبعيداً عن مباركة بعض المنتسبين للإسلام لهذا التحالف الصليبي الواضح الذي يشن هجمته المسعورة على الجهاد والمجاهدين، نجد أننا أمام عدد كبير أيضاً ممن ينتسبون للإسلام وهم يباركون المؤتمرات واللقاءات القائمة على حرب الجهاد سواءً باسم العنف أو الإرهاب.
    ولمواصلة إيضاح المعالم الثابتة على درب الجهاد، وللرد على الدعاوى المنددة بالجهاد من هنا وهناك، نقف في هذه الحلقة مع ثابتين من تلك الثوابت يزول بفهمهما بعضاً مما ألحق بالجهاد ظلماً.
    الثابت الثالث: الجهاد ليس معلقاً بأرض:
    بعد أن سقنا الأدلة في الحلقتين السابقتين التي تؤكد أن شعيرة الجهاد صالحة لكل زمان وأنه لا يوجد زمن من الأزمنة منذ أن شرع الله الجهاد لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة من راية للجهاد في سبيل الله، من المناسب أن نسوق في هذه الحلقة الأدلة التي تثبت أن الجهاد ليس معلقاً بأرض دون أخرى إذا وجدت الأسباب وانتفت الموانع.
    إن من المفاهيم الخاطئة والتي تسببت بتحريف مفهوم تلك الشعيرة هو أن تعلق عبادة الجهاد بأرض بعينها، وحينما تفقد تلك الأرض أو يحل الدمار بها فإن ذلك الفهم حتماً سيؤدي إلى إلغاء هذه العبادة أو العزوف عنها أو الزعم بأن وقتها لم يحن بعد.
    ولا بد قبل الشروع في عبادة الجهاد أن نرسخ مفهوماً عظيماً لممارسة هذه الشعيرة وهو أن الجهاد عالمي لا تحجبه الحدود ولا الحواجز، وأن المسلم بحاجة إلى هذه العبادة إذا كان مصراً على تبليغ دين الله تعالى وتعبيد الناس لربهم، كما كان فعل الصحابة رضي الله عنهم حينما كانوا يجوبون مشارق الأرض ومغاربها برسالة عبر عنها ربعي بن عامر رضي الله عنه عندما سأله رستم ما جاء بكم فقال (الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله، قال: وما موعود الله؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي) فالصحابة جاءوا بالسيف والقرآن ليفتحوا بقاع الأرض، وبما أن المسلم لا زال يحمل الرسالة المحمدية فلا بد له أن يحمل مفهوم أن الجهاد صالح لكل زمان ولكل مكان.
    وقولنا صالح لكل مكان لا يعني ذلك أن المسلم ليس له هم إلا أن يشعل الحروب في كل بقاع الأرض كلا، ولكن الجهاد صالح لكل مكان توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع، ولهذه الشروط والموانع ضوابط شرعية التفصيل فيها يخرجنا عما نحن فيه ولعلنا نفرد لها حلقة للحديث عنها.
    المهم من القول أن القناعة بأن الجهاد ماض إلى قيام الساعة وأنه موجود في كل زمان – وهذا موضوع الحلقة الأولى – تجرنا هذه القناعة حتماً إلى التأكد بأن الجهاد موجود في أرض أو أكثر من بلاد العالم اليوم، ومعنى ذلك هو أن الجهاد لا يعلق بأرض بل هو معلق بشروط سواءً كانت تلك الشروط هي أسباب تشريع أو كانت مقومات عمل، وهو أيضاً معلق بموانع ومتى تحققت تلك الشروط وانتفت الموانع فإن الجهاد سيؤدي إلى نتيجة أو أكثر من نتائج الجهاد الإيجابية، ولا يمكن أبداً أن نعدم الأرض التي تتوفر فيها أسباب تشريع الجهاد ومقوماته.
    والانطلاق من هذا المفهوم لممارسة شعيرة الجهاد يجعل العبد حراً في تطبيقه لهذه العبادة، فهو غير محصور بأرض، ولم يعلق الجهاد ببلد، بل علقه بشروط وموانع ومتى توفرت الشروط وانتفت الموانع، فالمكان مناسب لممارسة هذه الشعيرة.
    ويتضح ما تقدم من مطالعة السيرة، فالمسلمون خسروا في بداية الإسلام ديارهم وأرضهم وأموالهم، ولكنهم لم يعتقدوا أن الإسلام لن ينتشر إلا من تلك الأرض المقدسة – مكة – بسبب ما فيها من مقومات حيث إنها كانت قبلة العرب آنذاك وهي ثقلهم وهي البلد التي يعرفونها ويعرفوا أهلها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله تعالى خرج من تلك الأرض لينشر الإسلام انطلاقاً من غيرها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخيل إليه بأنه مهاجر وكان يذهب ظنه إلى اليمامة أو هجر، وعرض نفسه على أهل الطائف لينشر الدعوة من هناك، فأوحى الله إليه أن الهجرة إلى طيبة، فهاجر إليها وانطلق وصنع مقومات الانطلاق والجهاد والبقاء، وبدأ يعمل لأرض مهجره وكأنها الأرض التي ولد فيها، وانتشر الإسلام من أرض ليست هي أحب البقاع لا إلى الله ولا إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم وهو خارج منها كمار روى القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال اللهم أنت أحب البلاد إلى الله وأنت أحب البلاد إلي وقال اللهم أنت أحب البلاد إلى الله وأنت أحب البلاد إلي ولولا المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت منك فنزلت الآية ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً ..﴾ الآية). ذكره الثعلبي وهو حديث صحيح.
    وروى أيضاً الترمذي والحاكم وابن حبان وغيرهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لمكة (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك) وفي رواية (والله إني لأعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت). وهكذا لم يقيد نفسه صلى الله عليه وسلم بأرض بل قيدها بشعائر يسعى لتهيئة الأوضاع والأماكن لأدائها، وهكذا كان دأبه صلى الله عليه وسلم لا في الدعوة ولا الجهاد ولا أي في شعيرة أخرى.
    وحمل الراية من بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم ففعلوا كما فعل سيدهم صلى الله عليه وسلم فجابوا الأرض طولاً وعرضاً، ولم يكن سبب مفارقتهم للمدينة النبوية فرارهم بدينهم كما فارقوا مكة، بل إنهم فارقوا أقدس البقاع بعد مكة من أجل نشر الدين وإقامة شعيرة الجهاد في مشارق الأرض ومغاربها.
    يوضح ذلك ما رواه الإمام مالك في موطئه فقال: أن أبا الدرداء رضي الله عنه كتب إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه أن هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله.
    فلم يعلقوا الجهاد بمكة أو المدينة ولم يعلقوه أيضاً ببيت المقدس، بل إنهم جعلوا تلك الشعيرة عبادة يعبدون الله بها في كل مكان تحققت أسباب التعبد بها.
    ولو أن المسلمين علقوا الجهاد بالأرض لاندثرت تلك الشعيرة لأن المسلمين فقدوا السيطرة على بقاع عدة في تاريخهم القديم والمعاصر، فتعليق مفهوم الجهاد من أجل بيت المقدس يؤدي إلى زوال شعيرة الجهاد إذا عجز المسلمون عن تحريرها أو حرروها، ففي كلا الأمرين زال مناط الجهاد الوحيد فزال الجهاد، وهذا يدل دلالة واضحة على ضلال من قال إن نزاعنا مع اليهود هو نزاع من أجل الأرض، فقد كذب ذلك القائل بل إن نزاعنا مع اليهود هو نزاع عقدي ولو أن المسلمين استنقذوا جميع بلاد المسلمين من أيديهم لكان واجباً عليهم أيضاً أن يلاحقوهم في أرضهم ويغزوهم في عقر دارهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضي الله عنهم.
    ومفهوم تعليق الجهاد بأرض هو مفهوم باطل سيؤدي إلى التخلي عن تلك الشعيرة إذا فقدت تلك الأرض، وهذا نفسه قد يؤدي إلى إلغاء شعائر أخرى إذا ما أنيطت بأسباب لم يأذن الله بها.
    هذا ما ينبغي فهمه بخصوص أن راية الجهاد لا يمكن أبداً أن يخلوا زمان منها، ومن علق الجهاد بأرض فإنه حتما سيقول لا جهاد إذا فقدت تلك الأرض.
    الثابت الرابع: الجهاد ليس معلقاً بمعركة:
    ومن الآفات التي تنخر في عقيدة كثير من الناس تجاه الجهاد هو تعليق شعيرة الجهاد بمعركة، فإن انتصرنا في تلك المعركة فهذا يدل على صحة ذلك المبدأ والمقدمة، وإن هزمنا فهذا يدل على بطلان المقدمة والمبدأ، وهذا الاعتقاد باطل شرعاً وعقلاً، وهو ناتج عن الانهزامية، وقلة الإيمان وعدم الصبر والمصابرة.
    أما بطلانه عقلاً: فلا ترابط من الناحية المنطقية والعقلية بين المقدمة والنتيجة، ففشل النتائج لا يدل أبداً على بطلان المقدمة أو خطأها.
    أما شرعاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين قال (عرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط والنبي ليس معه أحد) فالنبي الذي جاء وليس معه أحد، جاء بغير نتيجة لدعوته، فلا يدل عدم إسلام أحد معه على بطلان دعوته أو الخطأ – تعالى الله عن ذلك – في إرساله في الوقت والمكان المناسب، هذا لا يعتقده إلا زنديق.
    ولنا في التاريخ معارك كانت الهزيمة فيها يتصور معها المسلم أنها لن تقوم للإسلام بعدها قائمة، ومن أشد تلك المعارك التي هزم الإسلام والمسلمون فيها معارك التتار في بداية عام 656هـ عندما اجتاحوا بلاد العراق والشام، فقتلوا في العراق في أربعين يوماً أكثر من مليون نسمة، أي بمعدل 25 ألف نسمة يومياً، وزاد فسادهم واجتاحوا بلاد الإسلام وانتصروا في كل معركة خاضوها ضد المسلمين، ولما محص الله المسلمين وتضرعوا إليه التقى التتار مع المسلمين في معركة عين جالوت وهزموا شر هزيمة، رغم أنهم انتصروا في معارك سابقة وأصبحوا أقوى مما سبق والمسلمون أضعف بكثير مما كانوا عليه في بغداد قبل دخول التتار عليهم، والحال نفسه عندما اجتاح القرامطة بلاد العراق والحجاز في بداية القرن الثالث الهجري، وقبل ذلك كان الحال في أحد فإن المسلمين هزموا في أحد أمام الكفار، ثم أصابهم البأساء والضراء وزلزلوا في معركة الأحزاب التي بعدها، إلا أنهم انتصروا بعد حين في المعارك التي تلت الأحزاب وأعظمها فتح مكة.
    فتعليق شعيرة الجهاد بمعركة هو من أكبر عوامل الهزيمة النفسية ومن أكبر عوامل ضعف المسلمين اليوم، لأننا لا في القديم ولا في الحديث لم نقاتل عدونا بكثرة عدد ولا عدة، ولا يمكن أبداً أن نعول في معاركنا على موازين مادية فإذا بذلنا وسعنا في الإعداد فقد برئت الذمة حتى لو حصلت الهزيمة، وتعليق ارتفاع شأن الإسلام بمعركة بعينها أو بحرب خاصة قد يؤدي إلى الإحباط وترك الجهاد بسبب تلك الهزيمة علماً أننا لا نقاتل بعدد ولا عدة، فقد نكون في معركة أكثر من عدونا وأفضل مكاناً منه، إلا أننا لم نستكمل شروط النصر الإيمانية فيمحصنا الله بالهزيمة لتصفى النفوس وتتمحص الصفوف، وحينما نتحاكم إلى المقياس المادي في معركة ما ونعلق آمالنا بها فالهزيمة فيها ستحبط النفوس وتفت في الهمم وتعطل الجهاد، ولكن الصحيح أن نجاهد لأن الجهاد عبادة مفروضة سواءً هزمنا أو انتصرنا.
    وختام هذه الفقرة لا بد أن أشير إلى أمر مهم، وهو أني أخشى أن يفهم من كلامي المتقدم أنني أقلل من أهمية معركة الإسلام مع الكفر العالمي في أفغانستان كلا، فمعركة أفغانستان لها ما بعدها، فإن انتصرنا فقد تحررت رقاب المسلمين من العبودية لأمريكا وللغرب، وإن قدر الله الهزيمة فإن المسلم الصادق في كل مكان في العالم سوف تكون أعز أمانيه أنه مات قبل هذا وكان نسياً منسياً لما يتوقع أن يلاقيه المسلمون من طغيان أمريكي في بلاد الإسلام، لذا فإن معركتنا مع الكفر في أفغانستان هي معركة مهمة وحاسمة، فوجب علينا أن نضع ثقلنا فيها بكل الوسائل والإماكنيات لننتصر بإذن الله تعالى، ولا تلازم بين هذا الكلام وبين وجوب عدم تعليق الجهاد أو النصر بمعركة لأن الهزيمة فيها لمن دخلها بهذا المفهوم ستعني له اندثار أو ضعف شعيرة الجهاد، سواء ترجم ذلك الشعور بقوله أو بعمله أو كتمه في نفسه.
    والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

    ثوابت على درب الجهاد «4»
    النصر ليس بالغلبة العسكرية فحسب
    الحمد لله الذي شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، والصلاة والسلام على خير البرية سيد ولد آدم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    تناولنا في الحلقة الماضية أمرين من ثوابت درب الجهاد، وهما أن الجهاد ليس معلقاً بأرض وأنه غير معلق بمعركة أيضاً، ونواصل في هذه الحلقة ذكر ثوابت درب الجهاد، وحلقة اليوم سنبحث فيها عنصراً مهماً من ثوابت درب الجهاد نصحح المفهوم تجاهه بسبب ما حل به من تشويه وغياب عن واقع الأمة الإسلامية.
    خامس الثوابت: النصر ليس بالغلبة العسكرية فحسب:
    إن كثيرا من المسلمين يظن أن كل متعبد بفريضة الجهاد لا بد له وأن ينتصر نصراً ميدانياً حسياً وأن الله شرع الجهاد ورتب عليه النصر الحسي فقط، لأن مفهوم النصر منحصر عند الكثيرين بالغلبة العسكرية والنصر الميداني فحسب، والله سبحانه وتعالى شرع لنا هذه الشعيرة ولم يضمن لمن ركب أهوالها أن ينتصر، بل قال مثبتاً لهزيمة المسلمين العسكرية في بعض الأحيان ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران:140) نزلت هذه الآية لتؤكد أن هذه السنة ماضية، وكان نزول تأكيد هذه السنة الكونية بعد الهزيمة العسكرية التي لحقت بأهل أحد، ولو اتسعت مدارك الناس وفهموا معنى النصر لتأكدوا أن كل من ركب ذروة سنام الإسلام لا يمكن أبداً أن يخسر بل هو منتصر على كل الأحوال حتى لو أسر أو قتل، ولو أعطينا مفهوم النصر حقه وقدره الحقيقي وذلك من خلال التأمل في أدلة الكتاب والسنة لوجدنا أن الأمة الإسلامية جمعاء لا يمكن أن تخسر بالجهاد، بل الجهاد ربح على كل أحواله وإن بدا أحياناً في الميدان غير ذلك.
    ونقف بعبارات يسيرة على بعض معاني النصر التي وردت في الكتاب والسنة، رغم أن العبارات لا تكفيها فهي تحتاج إلى بسط مطول في مصنف مستقل، ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله ونقول:
    أول معاني النصر: إن أعظم أنواع النصر وهو الذي يتحقق لكل مجاهد سواءً على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة، هو انتصار المجاهد على نفسه وشيطانه والمحبوبات الثمانية وما يتفرع عنها من محبوبات عندما يسلك طريق الجهاد، وتلك الجواذب الأرضية التي فشل كثير من المسلمين بل فشلت الأمة بمجموعها في الانتصار عليها عدها الله تعالى بقوله ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة:24) والعبد حينما يترك هذه المحبوبات الثمانية ويخرج للجهاد يكون قد انتصر على نفسه وعلى شهوته وعلى هذه الجواذب المثبطة.
    ومن خلال هذا النصر يكون قد حقق نصراً آخر هو أعظم من الأول حينما ثبت له أنه ليس من أهل الفسق وأنه غير مخاطب بتهديد الله ووعيده في آخر الآية، كل هذا النصر قد حصل له عندما أثبت عملياً أنه يحب الله ورسوله والجهاد في سبيله فما أعظم ذلك النصر.
    الثاني: وإذا خرج العبد للجهاد يكون قد حقق انتصاراً آخر ولكن هذه المرة انتصاره على شيطانه الذي يتربص به ويحاول إعاقته عن الجهاد بكل السبل كما جاء ذلك في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه فآمن، ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك؟ فخالفه فهاجر، ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فخالفه فجاهد فقتل، فحق على الله أن يدخله الجنة) فبالجهاد يتحقق النصر على الشيطان وينال العبد جنة الرحمن.
    الثالث: إن المجاهد إذا خرج للجهاد فإنه قد حقق نصراً لأنه أصبح من أهل قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69) فما أعظم ذلك النصر عندما يتعرض المجاهد لهداية الله سبحانه وتعالى، فأعظم نصر على الشيطان هو الهداية وأعظم فضل من الله سبحانه وتعالى هو التوفيق لها، فمن جاهد فقد حقق النصر بالهداية وأصبح من المحسنين الذين لهم من الله معية خاصة معية النصرة والتوفيق والهداية والصلاح، ولو جاهدت الأمة بمجموعها وشاركت في الجهاد حقاً لأصبحت أمة مهدية لها معية خاصة كما كانت في عهد الصحابة والتابعين أمة موفقة غالبة منصورة.
    الرابع: وبخروج العبد للجهاد يكون قد انتصر على المثبطين من بني جلدته الذين يتحدثون بلسانه، بل بعضهم يتفيهق بلي أعناق النصوص لتخدم تثبيطه للأمة عن الجهاد وقد فضحهم الله تعالى بقوله ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (التوبة:47) يخاطب الله بهذه الآية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم ﴿سَمَّاعُونَ﴾ للمثبطين، ليس لضعف إيمانهم ولكن لأن المثبطين أصحاب منزلة في أقوامهم أخفت بواطنهم، ولعظم فتنة المثبطين ولبسهم الحق بالباطل وبإتقان شبههم يمكن لأهل الإيمان أن ينخدعوا بقولهم لذا حذر الله خير الناس بعد الأنبياء منهم، ومن المثبطين من فضحه الله تعالى بقوله ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ (التوبة:81) فالمثبطون عن الجهاد يجلبون بخيلهم ورجلهم وبكل ما أوتوا من قدرة كل ذلك ليمنعوا العبد من الجهاد وبالتالي يمنعون الأمة من السير على طريق العزة، والمجاهد حينما يخرج للجهاد يكون قد حقق انتصاراً على الخوالف المثبطين، فبعد انتصاره على نفسه وشهوته ودنياه انتصر على شيطانه ومن ثم انتصر على المخذلين من بني جلدته الذين يتحدثون بلسانه.
    الخامس: إن المجاهد حينما يثبت على طريق الجهاد وعلى مبادئ هذه الشعيرة رغم ما يصيبه من نصب وشدة وما يعرض له من تثبيط إن هذا وحده يعد انتصاراً بمفرده والله تعالى يقول ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ (ابراهيم:27) فمن ثبت على طريق الجهاد واستمر بأداء هذه الشعيرة وأصبح من أهل هذه الآية ألا يعد ذلك نصراً له؟ بلى والله، فكم رأينا من جاهد وانتصر في الميدان ولكن مبادئه هزمت وقنعاته تغيرت وخدم شهوته ودنياه بما تحصل له من طريق الجهاد، وكم رأينا آخرين لم يصبهم من الشدة والشقاء ما أصاب غيرهم ممن لا يزال ثابتاً يجاهد، وهم لم يهزموا في الميدان ولكن الدنيا هزمت مبادئهم وهزمت قنعاتهم، لفتهم تيارات فاسدة فأصبحوا لها خدماً يخذلون ويعذرون لهزيمة قنعاتهم بآلاف الأعذار، أليست هذه هي الهزيمة والثبات على المبدأ هو النصر الحقيقي؟.
    السادس: وبخروج العبد للجهاد يكون قد حقق انتصاراً آخراً وذلك حينما يبذل نفسه ووقته وماله في سبيل مبادئه ونصرة لمعتقده ودينه، فإن الفداء لهذا الدين هو انتصار بنفسه سواء كانت له الغلبة أم لعدوه، فبما أنه علا بمبدئه وقاتل من أجله وبذل نفسه رخيصة له، فإن ذلك علو حقيقي حتى لو هزم في الميدان فقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه عندما هزموا في أحد ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139) قتل منهم سبعون ومثل بهم وجرح رسول الله صلى الله عليهم وسلم وفر آخرون ثم تاب الله عليهم، إلا أن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً بل رغم ذلك فإنهم في علو، فعلو المجاهد حصل عندما دخل ميدان النزال وخاض معركة الإسلام فهذا هو علوه، فانتصر على عدوه بعلوه، فعندما يجابه قوم عزل لا يملكون من السلاح إلا القليل وهم فقراء قلة ليس معهم إلا الإيمان، فمن أجل ماذا تجاهد الأمة عدوها وهي أقل منه عدداً وعدة؟ من أجل ماذا تجاهد الأمة عدوها وهزيمتها بالمقياس المادي البحت مؤكدة واقعة؟ أليست أمة لا تملك المقومات المادية نسبة لعدوها وتواجهه بعدما أعدت ما استطاعت أليست أمة منتصرة من مجرد بدء الصراع، إن الأمة التي تواجه بإيمانها عدوها المدجج بأحدث الأسلحة والعتاد إنها أمة منتصرة بشموخها ومبادئها.
    عندما يواجه من كان هذا حاله دول العالم بعدتها وعتادها وما تملكه من تكنلوجيا ألا يعد هذا علوا ونصراً أرخص العبد فيه نفسه من أجل ما يعتقده؟ بلى والله إن التاريخ يكتب بمداده حياة الأبطال ولو كانت نهايتهم الشهادة، ومن خلد أكثر منهم وعاش في ذل فإن التاريخ لا يذكره بل يمقته، وما أكبر البون وأعظم الفرق بينهم عند رب العالمين.
    وفي ثبات المجاهد على طريق الجهاد وعلى معتقده ومبادئه التي قاتل من أجلها، يكون قد حقق نصر المبدأ وعلو العقيدة والدين على طائفتين:
    الطائفة الأولى: انتصر بمبادئه على مبادئ الضلال الملية من أهل البدع والخرافة والفلسفة التي أبعدت النجعة وكدرت صفو النصوص وأولتها وحرفتها عن أصلها من أجل إرجاع المجاهد عن مبادئه فإذا أصر وقاتل من أجلها ولم يستمع لما يطرح من أهل الضلال والتخذيل من شبه فإنه حقق نصراً عليهم.
    الطائفة الثانية: انتصر بمبادئه على مبادئ أهل الكفر والزندقة والردة والإلحاد، فحينما يعلنها صريحة أنه يتمنى الموت في سبيل ما يعتقد وأن الموت لا يقدم في قناعاته ولا يؤخر شيئاً فإن ذلك يعد من أعظم النصر.
    ويتجلى ذلك النصر العظيم بموقف من كانوا سحرة لفرعون حينما هددهم بالقتل والصلب بعدما أعلنوا إيمانهم فقال ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ (طـه:71) فأجابوا بعزة المؤمن وبعلو منقطع النظير ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (طـه:72) وفي جواب آخر لهم قالوا ﴿وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ (الأعراف:126) الله أكبر نعم والله إن هذا لهو النصر العظيم الثبات على المبدأ حتى الممات.
    ويتجلى النصر أيضاً بقصة خبيب رضي الله عنه عندما كان مصلوباً بين أيدي كفار قريش وليس بينه وبين الموت إلا لحظات كما في رواية أبي الأسود عن عروة حيث قال (فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه) الله أكبر ما أعظمه من نصر وعلو.
    وكم من أمة قتلت وأبيدت وانتدثرت لم يخلد الله ذكرها ويثني عليها كما أثنى على أولئك الذين وصفهم بأنهم فازوا فوزاً كبيرا، لقد ساوم أهل الكفر أصحاب الأخدود على أمرين إما الرجوع عما هم عليه أو الموت حرقاً بالنار والثبات على المبادئ، فلم تكن نار الدنيا لترجعهم عما هم عليه، فآثروا النجاة من نار الآخرة بدخول نار الدنيا، فتهافتوا في النار كأنهم جراد بإقدام وفداء لم يرعهم منظر النيران العظيمة، بل دخلوا فيها لينتصروا، وعندما تقاعست امرأة واحدة وفكرت وغاب عنها مفهوم النصر أنطق الله رضيعها ليشرح لها مفوهم النصر الحقيقي والفوز الكبير، فقال لها كما جاء عند مسلم: (يا أمه أصبري فإنك على الحق)، فقفزت في النار فانتصرت ورضيعها.
    فخلد الله ذكرهم مادحاً لهم بما لم يمدح به أحداً قبلهم ولا بعدهم فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ (البروج:11) فكل مؤمن غاب عنه معنى النصر الحقيقي كتلك المرأة منهم فإن هذه الآية وهذا المدح وهذه الشهادة تبين معنى النصر وتوضح ما غاب عن الأفهام.
    السابع: ومن معاني النصر أن ينصر الله عباده نصر حجة وبيان وهو قريب من المعنى الذي سبق إلا أنه يفترق أن المبدأ المنتصر هنا لا يكون لازماً على المنتصر بل يتعدى إلى غيره سواء مات صاحبه أم لم يمت، المهم أن حجته تبلغ ويقتنع بها أقوام ولو كان مستضعفاً لم ينتصر نصراً ميدانياً، كما قال تعالى عن نصر حجة إبراهيم عليه السلام على قومه بعد مناظرتهم حيث قال ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام:83) والرفع هو الانتصار، وكذلك نصر الله إبراهيم على النمرود عندما حاجة فقال الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258) وفي قصة انتصار مبدأ غلام أصحاب الأخدود دليلاً واضحاً على معنى نصر المبدأ، فقد قتل الغلام ولكن حجته ومبدأه انتصر وغلب كفر الملك وأسلم الناس جميعاً، فنصر الحجة بسبب مقتل الغلام وثباته قبل مماته كان نصراً ظاهراً هزم الكفر في عصره رغم ما يملكه الكفر من قوة وسطوة إلا أنه اندحر أمام ذلك الثبات والمبدأ والمعتقد العظيم.
    والطائفة المنصورة أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بظهورها ونصرها فقال كما في الصحيحين (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). فهذا الظهور أدناه أنه ظهور حجة وبيان، وقد يكون معه ظهور دولة وسلطان، ولكن رغم خذلان الأمة لهم واجتماع أعدائهم عليهم فإنهم ظاهرون.
    الثامن: ومن أنواع نصر الله للمجاهدين أن يهلك عدوهم بقارعة من عنده ويكون سبب تلك القارعة هو جهاد المجاهدين، فقد يعجز المجاهدون عن هزيمة عدوهم في الميدان وهذا غالباً لعدم المكافأة في المعركة، ولكن الله قوي عزيز، وبما أن المجاهدين قد بذلوا السبب وعملوا بما أوتوا من قوة ووسع للإعداد لجهاد الأعداء، فإن الله سيجعل من مجهودهم البسيط ومواجهتهم الضعيفة سبباً لهلاك عدوهم بقارعة من عنده وأكد الله لنا ذلك بقوله ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة:249) والقارعة التي حلت بفرعون من أجل جهاد موسى عليه السلام ومن معه توضح هذا الأمر، فإن الله تعالى قادر على أن يهلك فرعون قبل مجيء موسى عليه السلام أو بعد مجيء موسى ولكن في أول إعراض فرعون وتكبره، ولكن الله أمهله حتى طغى وتجبر وخرج بخيله ورجله لإطفاء نور الله تعالى، وفي الميدان حلت القارعة بفرعون وجنوده وكان السبب موسى عليه السلام فقال الله تعالى ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ (الشعراء:63) وقال ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (الأعراف:137) ولما ظهر جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأعرضت قريش عن الانصياع للحق سلط الله عليهم عذابه ليذعنوا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن قريشاً لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم ورأى منهم إدباراً دعا عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حست كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا محمد إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم قال تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ..) إلى قوله (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) كل ما أصابهم كان بسبب جهاد النبي صلى الله عليه وسلم لهم وكان ذلك بعد الهجرة وتشريع الجهاد، ولم يصبهم ما أصابهم بسبب جيش النبي صلى الله عليه وسلم في ميدان المعركة، فالرسول قتل من قريش ما لا يزيد عن 200 رجل في معاركه معهم، وهم قتلوا من المسلمين قريباً من نصف هذا العدد، ولكن الله أصاب قريشاً بقارعة من عنده أذعنت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهدى منهم أقواماً وأهلك آخرين على كفرهم.
    وفي عصرنا الحاضر أكد زوال الاتحاد السوفيتي هذه الحقيقة فلم يكن المجاهدون في ميدان المعركة أقوى ولا أقدر ولا أكثر من السوفييت، ولكن بحربهم لدين الله تعالى وقتلهم لأوليائه، تتابعت عليهم المحن والبلايا والفقر والفساد حتى سقط الاتحاد السوفيتي، فمن قال إنه سقط بسبب النظام الشيوعي الاشتراكي فهاهي دول لا زالت على ذلك النظام ولم تسقط، ومن قال بسبب ديونهم فأمريكا وقت سقوط الاتحاد السوفيتي كانت أكثر ديوناً منها لا سيما الديون الداخلية، ومن قال بسبب الحكم العسكري الدكتاتوري لها، فلا تزال دولاً أشد منها حكماً عسرياً باقية، والناظر لأسباب سقوط الاتحاد السوفيتي لا يمكن أن يبدي أسباباً أعظم من حربهم للدين وجهاد المجاهدين لهم والشواهد من التاريخ ومن قصص الأنبياء أكثر من أن تحصر وكلها تدل على أن جهاد المجاهدين هو السبب الرئيسي لإحلال العذاب والدمار على من حاربهم، فالجهاد سبب لهلاك الكافرين والنصر للمؤمنين من عند الله تعالى، ولو لم نر النصر عاجلاً فإنه يوشك أن يكون، ولا يوجد في التاريخ قوم هلكوا بدون سبب وكل القوارع التي حلت بالكافرين كان بسبب جهاد رسلهم لهم أو بسبب جهاد المؤمنين من عباد الله الصالحين.
    التاسع: ومن صور النصر أيضاً أن يكون الجهاد سبباً في فقر الكافرين وموتهم على كفرهم وعدم هدايتهم، وهذا من أعظم أنواع النصر، فحربهم للدين ومجابهتهم للمجاهدين تصبح سبباً لضلالهم وإيغالهم في الكفر حتى الموت، وهذا ما دعا به موسى وهارون عليهما السلام على فرعون وقومه فقال موسى عليه السلام ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ (يونس:88) فدعاء موسى عليه السلام بهذه الأمور يدل على أن تحققها يعد نصراً حقيقياً، وأي هزيمة أعظم من أن يشدد الله على قلوب الكافرين حتى يلاقوا العذاب الأليم وحينها يفرح المؤمنون بذلك الموقف الذي يقال فيه لأئمة الكفر (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) فبطرهم وأشرهم وطغيانهم وزعمهم الدفاع عن الحرية والحضارة وحرب الإرهاب كل تلك الأمور سوف تنتهي بانتهاء حياتهم التي لم يبق منها إلا أقل مما فات، وبعدها ينتقل إلى موقف يشفي الله به صدور المؤمنين عندما يقال لهم ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ (الصافات:54-55) وإن تحقق فقر الكافرين في الدنيا فقد منح الله أكتافهم لعباده المؤمنين.
    وقد كان جهاد النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً سبباً في بغي اليهود وطغيانهم، فشد الله على قلوبهم حتى ماتوا وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فماتوا على الكفر والموعد يوم الحساب.
    العاشر: ومن صور النصر أن يتخذ الله من عباده شهداء، فكل عبد يعمل ويكدح لله تعالى إنما ذلك من أجل أن يدخل الجنة لذا فإن الله تعالى قال ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران:140) فالشهادة اصطفاء من الله تعالى لعباده ومن يصطفيه الله لهذه المنزلة فقد فاز وانتصر، والشهادة هي غاية مطلوبة لذاتها لأنها اصطفاء من الله، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تمناها ثلاثاً بقوله كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولوددت أن أقتل في سبيل الله ثم ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) وقال الله مؤكداً ذلك النصر ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران:169) وقال ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ (البقرة:154) ودليل على أن الشهادة نصر بذاتها ما جاء في الصحيحين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال (لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة، قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه وقال فزت ورب الكعبة) فكيف لمن قتل وعاين الموت أن يقسم بالفوز، إلا أنه قد وجد ريح الجنة، والأدلة على انتصار المجاهد بنيل الشهادة وحدها كثيرة جداً بسطها العلماء في أبواب مستقلة في فضائل الشهادة في سبيل الله، فمن رزق الشهادة فقد انتصر النصر المحقق.
    الحادي عشر: ومن صور النصر أيضاً النصر الميداني نصر المعركة وهذا هو الذي يعرف معناه كل الناس وكثير منهم يحصر النصر به فقط وهذا خلل في المفهوم، فما النصر الميداني إلا أحد أنواع النصر وقد فرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وأراه الله ذلك النصر قبل مماته ثم قال له ممتناً عليه ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ (النصر:1-3).
    هذه بعض صور النصر وهي كثيرة لا مجال لحصرها ولكن مثلنا بهذه الصور التي تدخل كلها تحت وعد الله سبحانه وتعالى عندما قال ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر:51) وقوله ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم:47) فمن ضعف إدراكه عن معاني النصر فإنه يقول كيف يحق الله على نفسه نصر الرسل والمؤمنين، ومن الرسل من قتل ومنهم من لم يملك سلطة ولم يسلم معه أحد، ومن فهم معاني النصر فإن الإشكال عنه يزول.
    علماً أن نصر التمكين والغلبة والسلطان هو الذي سيؤول إليه الحال في نهاية الأمر للأمة الإسلامية، فإن لم يحصل هذا في زماننا فإنه قطعاً سيحصل دون أدنى شك فيمن بعدنا، فبشائر الرسول صلى الله عليه وسلم ووعوده بالتمكين في الأرض لا تنصرف إلا إلى معنى النصر الميداني والغلبة العسكرية والسلطان في الأرض، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عند أحمد وغيره عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر) وقوله كما عند مسلم عن ثوابان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) وقوله كما جاء عند مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أوالشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وكما جاء عند أحمد عن عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل أي المدينتين تفتح القسطنطينية أو رومية فقال (رومية مدينة هرقل) وسوف تفتح روما كما وعد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال كما عند مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم (هل سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق .. الحديث، وقد تواترت أخبار المهدي الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجه في آخر الزمان وهو الذي سوف (يحكم الأرض سبعاً يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا).
    والنصوص المبشرة بالنصر العسكري للأمة والتمكين في الأرض والغلبة والسلطان كثيرة، ولا يسوغ أبداً أن يتكل العبد على تلك النصوص ويترك العمل بحجة أن النصر آت لا محالة، ولكن يجب عليه إذا فهم معاني النصر أن يكون سباقاً لها، فإن الأمة إذا انتصرت وليس له مجهود في ذلك النصر فإنه من الخاسرين، ولكن لا بد أن يحاول جاهداً أن يحقق لنفسه شيئاً من معاني النصر الأخرى حتى يأتي وعد الله بالنصر الميداني ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم:4-5).
    والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.



    تأليف الشيخ المجاهد الحافظ / يوسف بن صالح العييري

    تعليق

    يعمل...
    X