عبد الباري عطوان
03/01/2007
جاءت فتوي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء فيها حول تحريم ذهاب الشباب السعودي للجهاد في الخارج غريبة في مضمونها، ومريبة في توقيتها.
مصدر الغرابة يكمن في العبارات غير المسبوقة التي استخدمها المفتي مثل ان الشباب السعودي بات اداة في ايدي اجهزة خارجية تعبث باسم الجهاد يحققون بهم اهدافهم المشينة ، وينفذون بها مآربهم، في عمليات قذرة هي ابعد ما تكون عن الدين حتي بات شبابنا سلعة تباع وتشتري .
اما مصدر الريبة فيأتي من كونها تأتي في وقت تتكثف فيه الجهود العربية الرسمية من اجل افشال المقاومة في العراق، وانجاح مشروع الاحتلال الامريكي، بعد ان تلقي ضربات موجعة افشلت معظم مخططاته واهدافه السياسية والعسكرية.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ لم يتطرق الي العراق ولا الي اي دولة عربية او اسلامية في فتواه هذه، ولجأ الي التعميم في احكامه، علي عادة معظم العلماء الرسميين، ولكن من الواضح، حسب قراءتنا للفتوي، انه يشير بالدرجة الاولي الي الشباب السعودي الذي يتطوع في صفوف المقاومة العراقية علي وجه الخصوص.
لا غبار علي لجوء الشيخ الي خبرته وعلمه الغزير لتبرير فتواه هذه، فمن حقه ان يدلي بدلوه في الامور الحياتية، بل والسياسية المتعلقة بالشأن العام والخاص لأبناء بلده، ولكن من حقه علينا ان نناقشه، ومن ارضية سياسية، وليس شرعية دينية، فهذا من واجب العلماء، وعلماء الصحوة علي وجه الخصوص، في بعض جوانب هذه الفتوي.
ربما يفيد تذكير سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، انه والكثير من اعضاء لجنة كبار العلماء، اصدروا الفتاوي المؤيدة للجهاد في افغانستان لتحريرها من القوات الشيوعية الملحدة، واوعزوا الي ائمة المساجد علي طول المملكة وعرضها لتحريض الشباب السعودي علي التطوع في صفوف المجاهدين، ونيل الشهادة دفاعا عن العقيدة، ونصرة لاشقاء مسلمين مظلومين.
والاكثر من هذا تحولت المساجد الي مراكز جباية لجمع التبرعات من المصلين، وجرت عملية تأسيس واسعة لجمعيات خيرية لمساعدة المجاهدين، ومدهم بالاموال والخدمات، بعضها كان مقره داخل مدن المملكة، والبعض الآخر اتخذ من بيشاور (باكستان) النقطة الاقرب الي الحدود الافغانية مقرا له.
وربما يفيد التذكير ايضا بان فتاوي التحريض علي الجهاد في البوسنة والهرسك، والشيشان وجنوب الفلبين وتايلند لم تتوقف مطلقا، ولم نسمع ان احدا من كبار العلماء في السعودية قد افتي بعكس ذلك، او قال ان الجهاد في مثل هذه الدول من الاعمال المشينة او القذرة، وفتاوي الشيخين بن باز وبن العثيمين مثبتة في هذا الصدد، فهل تحريم الجهاد الذي نسمعه هو نقض لفتاوي هؤلاء؟
اذا كان هناك من يتاجر بالشباب السعودي ويحوله الي اداة في ايدي اجهزة خارجية تعبث بهم باسم الجهاد، فإنهم بعض كبار رجال الدين الذين يوظفون فتاواهم في خدمة الأنظمة الحاكمة، ولخدمة اهداف غير عربية وغير اسلامية في معظم الاحيان.
فعندما يكون الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان والشيشان، والصرب في البوسنة وكوسوفو، فهو عمل شرعي مشرف وفرض عين يذهب شهداؤه الي الجنة، اما عندما يكون هذا الجهاد ضد الولايات المتحدة وقواتها في العراق فهو عمل قذر ومشبوه ولصالح اجهزة خارجية تعبث باسم الجهاد ومراميه النبيلة!!
نحن طلاب سلام، وندين الارهاب باشكاله كافة، ولكن من حقنا ان نسأل عن هوية اولئك الذين وظفوا الدين في خدمة المخططات الامريكية في المنطقة، دون ان يجنوا جراء ذلك غير الاهانات والإذلال للأمة الاسلامية واحتلالات في العراق وافغانستان، ودعم للمشروع الاسرائيلي في فلسطين.
فاذا لم يكن من حق الشباب السعودي ان يذهب الي العراق لنصرة اشقائه الذين يقاومون احتلالا ادي الي تمزيق وطنهم، وقتل اكثر من مليون وربع المليون من اهلهم، وتشريد خمسة ملايين آخرين، فهل من حق الجندي الامريكي ان يقطع مسافة عشرة آلاف كيلومتر لكي يقتل ويدمر ويمزق ويفرق في هذا البلد العربي المسلم المنكوب؟
ولماذا يوصف هذا الشاب السعودي بالجهل، وعدم الادراك، اذا ما ذهب الي العراق، وانضم الي فصائل المقاومة، وبالحفاظ علي دينه وعقيدته واطاعة ربه اذا ما ذهب الي افغانستان والشيشان مجاهدا، اليست قضايا الامة واحدة، ومظالمها واحدة، ونصرتها فرضا علي كل مسلم؟
اما القول بان اعلان الجهاد هو من حق اولي الامر، الذين يقع عليهم واجب اعداد العدة وتجهيز الجيوش، ولهم الحق في تسييرها والنداء للجهاد، وتحديد الجهة التي يقصدها، والزمان الذي يصلح للقتال ، فهو قول يدفعنا للسؤال مرة اخري عن اولي الامر فينا، وما اذا كان هذا الكلام ينطبق عليهم، او تتوافر فيهم الاهلية والصفات للقيام بهذه المهمة النبيلة في تحرير المقدسات والدفاع عن كرامة هذه الامة وقيمها.
طاعة اولي الامر واجبة فعلا عندما كان هؤلاء من الخلفاء الراشدين وصحابة الرسول صلي الله عليه وسلم، الذين نذروا انفسهم للجهاد ونشر الدعوة، واعلاء راية الاسلام. لكن طاعة هؤلاء الذين يحكموننا، ويضطهدوننا، ويسخرون بلادنا وثرواتها في خدمة الاستعمار الامريكي ومخططاته فهي طاعة اقرب الي الكفر ان لم تكن الكفر بعينه.
حكامنا جيشوا الجيوش فعلا، وجهزوها بأحدث الاسلحة والعتاد، ولكن ليس لمحاربة المحتلين، وانما للحرب معهم وفي صفوفهم، ومن اجل العمولات الضخمة التي ذهبت الي جيوب اولي الامر ونسلهم، ويأتي بعد ذلك من يحرم عصيان هؤلاء والافتئات عليهم لان هذه كبيرة من كبائر الذنوب.
علماء المسلمين الأجلاء دخلوا التاريخ لانهم انحازوا الي الرعية، وضحوا بحياتهم من اجل رفع المظالم عنها. هكذا فعل الائمة الافاضل من امثال ابن حنبل وأبو مالك وابو حنيفة والشافعي وغيرهم عندما افتوا بما يحتاجه الناس وليس لتبرير فساد الحاكم وظلمه. ومن المؤسف ان معظم علماء اليوم يفتون بما ينفع الحكومات ويعملون دون كلل لتطويع الشعوب لظلم الحكام.
الم يصدر بعض كبار العلماء في المملكة فتاوي تبرر الاستعانة بالقوات الاجنبية الكافرة في عرفهم، الم يتصدوا لمذكرة النصيحة تسفيها وتشكيكا؟ الم يباركوا فصل وتجميد الآلاف من الخطباء والعلماء لانهم لم يصمتوا علي الظلم والقمع والفساد؟
كنا نتمني لو ان الشيخ عبد العزيز آل الشيخ انتصر للاشقاء في العراق وأدان الاحتلال الظالم لأرضهم، او انه اصدر فتوي بتجريم الحصار وعمليات القتل التي يتعرض لها الفلسطينيون في ارض الرباط علي ايدي الاسرائيليين، واعلن الجهاد لتحرير المقدسات، ولكنه لم يفعل للأسف الشديد.
03/01/2007
جاءت فتوي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء فيها حول تحريم ذهاب الشباب السعودي للجهاد في الخارج غريبة في مضمونها، ومريبة في توقيتها.
مصدر الغرابة يكمن في العبارات غير المسبوقة التي استخدمها المفتي مثل ان الشباب السعودي بات اداة في ايدي اجهزة خارجية تعبث باسم الجهاد يحققون بهم اهدافهم المشينة ، وينفذون بها مآربهم، في عمليات قذرة هي ابعد ما تكون عن الدين حتي بات شبابنا سلعة تباع وتشتري .
اما مصدر الريبة فيأتي من كونها تأتي في وقت تتكثف فيه الجهود العربية الرسمية من اجل افشال المقاومة في العراق، وانجاح مشروع الاحتلال الامريكي، بعد ان تلقي ضربات موجعة افشلت معظم مخططاته واهدافه السياسية والعسكرية.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ لم يتطرق الي العراق ولا الي اي دولة عربية او اسلامية في فتواه هذه، ولجأ الي التعميم في احكامه، علي عادة معظم العلماء الرسميين، ولكن من الواضح، حسب قراءتنا للفتوي، انه يشير بالدرجة الاولي الي الشباب السعودي الذي يتطوع في صفوف المقاومة العراقية علي وجه الخصوص.
لا غبار علي لجوء الشيخ الي خبرته وعلمه الغزير لتبرير فتواه هذه، فمن حقه ان يدلي بدلوه في الامور الحياتية، بل والسياسية المتعلقة بالشأن العام والخاص لأبناء بلده، ولكن من حقه علينا ان نناقشه، ومن ارضية سياسية، وليس شرعية دينية، فهذا من واجب العلماء، وعلماء الصحوة علي وجه الخصوص، في بعض جوانب هذه الفتوي.
ربما يفيد تذكير سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، انه والكثير من اعضاء لجنة كبار العلماء، اصدروا الفتاوي المؤيدة للجهاد في افغانستان لتحريرها من القوات الشيوعية الملحدة، واوعزوا الي ائمة المساجد علي طول المملكة وعرضها لتحريض الشباب السعودي علي التطوع في صفوف المجاهدين، ونيل الشهادة دفاعا عن العقيدة، ونصرة لاشقاء مسلمين مظلومين.
والاكثر من هذا تحولت المساجد الي مراكز جباية لجمع التبرعات من المصلين، وجرت عملية تأسيس واسعة لجمعيات خيرية لمساعدة المجاهدين، ومدهم بالاموال والخدمات، بعضها كان مقره داخل مدن المملكة، والبعض الآخر اتخذ من بيشاور (باكستان) النقطة الاقرب الي الحدود الافغانية مقرا له.
وربما يفيد التذكير ايضا بان فتاوي التحريض علي الجهاد في البوسنة والهرسك، والشيشان وجنوب الفلبين وتايلند لم تتوقف مطلقا، ولم نسمع ان احدا من كبار العلماء في السعودية قد افتي بعكس ذلك، او قال ان الجهاد في مثل هذه الدول من الاعمال المشينة او القذرة، وفتاوي الشيخين بن باز وبن العثيمين مثبتة في هذا الصدد، فهل تحريم الجهاد الذي نسمعه هو نقض لفتاوي هؤلاء؟
اذا كان هناك من يتاجر بالشباب السعودي ويحوله الي اداة في ايدي اجهزة خارجية تعبث بهم باسم الجهاد، فإنهم بعض كبار رجال الدين الذين يوظفون فتاواهم في خدمة الأنظمة الحاكمة، ولخدمة اهداف غير عربية وغير اسلامية في معظم الاحيان.
فعندما يكون الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان والشيشان، والصرب في البوسنة وكوسوفو، فهو عمل شرعي مشرف وفرض عين يذهب شهداؤه الي الجنة، اما عندما يكون هذا الجهاد ضد الولايات المتحدة وقواتها في العراق فهو عمل قذر ومشبوه ولصالح اجهزة خارجية تعبث باسم الجهاد ومراميه النبيلة!!
نحن طلاب سلام، وندين الارهاب باشكاله كافة، ولكن من حقنا ان نسأل عن هوية اولئك الذين وظفوا الدين في خدمة المخططات الامريكية في المنطقة، دون ان يجنوا جراء ذلك غير الاهانات والإذلال للأمة الاسلامية واحتلالات في العراق وافغانستان، ودعم للمشروع الاسرائيلي في فلسطين.
فاذا لم يكن من حق الشباب السعودي ان يذهب الي العراق لنصرة اشقائه الذين يقاومون احتلالا ادي الي تمزيق وطنهم، وقتل اكثر من مليون وربع المليون من اهلهم، وتشريد خمسة ملايين آخرين، فهل من حق الجندي الامريكي ان يقطع مسافة عشرة آلاف كيلومتر لكي يقتل ويدمر ويمزق ويفرق في هذا البلد العربي المسلم المنكوب؟
ولماذا يوصف هذا الشاب السعودي بالجهل، وعدم الادراك، اذا ما ذهب الي العراق، وانضم الي فصائل المقاومة، وبالحفاظ علي دينه وعقيدته واطاعة ربه اذا ما ذهب الي افغانستان والشيشان مجاهدا، اليست قضايا الامة واحدة، ومظالمها واحدة، ونصرتها فرضا علي كل مسلم؟
اما القول بان اعلان الجهاد هو من حق اولي الامر، الذين يقع عليهم واجب اعداد العدة وتجهيز الجيوش، ولهم الحق في تسييرها والنداء للجهاد، وتحديد الجهة التي يقصدها، والزمان الذي يصلح للقتال ، فهو قول يدفعنا للسؤال مرة اخري عن اولي الامر فينا، وما اذا كان هذا الكلام ينطبق عليهم، او تتوافر فيهم الاهلية والصفات للقيام بهذه المهمة النبيلة في تحرير المقدسات والدفاع عن كرامة هذه الامة وقيمها.
طاعة اولي الامر واجبة فعلا عندما كان هؤلاء من الخلفاء الراشدين وصحابة الرسول صلي الله عليه وسلم، الذين نذروا انفسهم للجهاد ونشر الدعوة، واعلاء راية الاسلام. لكن طاعة هؤلاء الذين يحكموننا، ويضطهدوننا، ويسخرون بلادنا وثرواتها في خدمة الاستعمار الامريكي ومخططاته فهي طاعة اقرب الي الكفر ان لم تكن الكفر بعينه.
حكامنا جيشوا الجيوش فعلا، وجهزوها بأحدث الاسلحة والعتاد، ولكن ليس لمحاربة المحتلين، وانما للحرب معهم وفي صفوفهم، ومن اجل العمولات الضخمة التي ذهبت الي جيوب اولي الامر ونسلهم، ويأتي بعد ذلك من يحرم عصيان هؤلاء والافتئات عليهم لان هذه كبيرة من كبائر الذنوب.
علماء المسلمين الأجلاء دخلوا التاريخ لانهم انحازوا الي الرعية، وضحوا بحياتهم من اجل رفع المظالم عنها. هكذا فعل الائمة الافاضل من امثال ابن حنبل وأبو مالك وابو حنيفة والشافعي وغيرهم عندما افتوا بما يحتاجه الناس وليس لتبرير فساد الحاكم وظلمه. ومن المؤسف ان معظم علماء اليوم يفتون بما ينفع الحكومات ويعملون دون كلل لتطويع الشعوب لظلم الحكام.
الم يصدر بعض كبار العلماء في المملكة فتاوي تبرر الاستعانة بالقوات الاجنبية الكافرة في عرفهم، الم يتصدوا لمذكرة النصيحة تسفيها وتشكيكا؟ الم يباركوا فصل وتجميد الآلاف من الخطباء والعلماء لانهم لم يصمتوا علي الظلم والقمع والفساد؟
كنا نتمني لو ان الشيخ عبد العزيز آل الشيخ انتصر للاشقاء في العراق وأدان الاحتلال الظالم لأرضهم، او انه اصدر فتوي بتجريم الحصار وعمليات القتل التي يتعرض لها الفلسطينيون في ارض الرباط علي ايدي الاسرائيليين، واعلن الجهاد لتحرير المقدسات، ولكنه لم يفعل للأسف الشديد.