الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد خلق الله تعالى النار وجعلها مقراً لأعدائه المخالفين لأمره وملأها من غضبه وسخطه وأودعها أنواعاً من العذاب الذي لا يطاق، وحذر عبداه وبين لهم السبل المنجية منها لئلا يكون لهم حجة بعد ذلك، وعلى الرغم من كل هذا التحذير من النار إلا أن البعض من الناس ممن قل علمهم وقصر نظرهم عن هذه أبو إلا المخالفة والعناد والتمرد على مولاهم ومعصيته جهلا منهم بحق ربهم عليهم وجهلا منهم بحقيقة النار التي توعدهم بها، فما هي هذه النار؟ وما صفتها؟!
أول من تسعر النار بهم جهنم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم
بعث النار
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد فاشتد ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل قال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده اني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار ) متفق عليه
النار تتكلم وتبصر
قال تعالى (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) الفرقان12
قال صلى الله عليه وسلم :(يخرج يوم القيامة عنق من النار لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق تقول : إني وكلت بثلاثة : بكل جبار عنيد وبكل دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين) رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم:(اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير) رواه البخاري
قال صلى الله عليه وسلم (أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري
سعة النار وبعد قعرها
الأول : الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى قال تعالى ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) ق30
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط بعزتك وكرمك ) متفق عليه
الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال صلى الله عليه وسلم ( تدرون ما هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهوى يهوي في النار إلى الآن) رواه مسلم
الثالث: كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مجيئ النار يوم القيامة الذي يقول الله فيه (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) فقال : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك) رواه مسلم
ولك أن تتخيل عظم هذا المخلوق الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة الاشداء الأقوياء الذين لا يعلم مدى قوتهم إلا الله تبارك وتعالى
الرابع : ما ورد في " مشكل الآثار " للطحاوي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(الشمس القمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ) فتأمل رعاك الله حال مخلوقين عظيمين كالشمس والقمر كيف يكونان كثورين مكورين في النار
النساء أكثر أهل النار
أكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء كما قــــال صلى الله عليه وسلم (رأيـــت النــــار ورأيـــت أكـــثـــر أهــلــها النساء) رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير) رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم (إن أقل ساكني الجنة النساء) رواه مسلم
دركات جهنم
جهنم ولظى من بعدها حطمة
ثم السعير وكل الهول في سقر
وبعد ذلك جحيم ثم هاوية
تهوي بهم أبداً في حر مستعر
جهنم:
هي للكافرين: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ) الكهف: 102
لظى:
هم للذين لا يشكرون الله عند الرخاء ولا يصبرون عند البلاء ويمنعون حق المال ويعرض بعضهم عن الحق فقال عز وجل (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) المعارج
الحطمة:
مسكن أهل الغيبة والنميمة وأهل تجميع الأموال من غير حقها قال عز وجل وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ) الهمزة
السعير:
مسكن المكذب بيوم القيامة.. قال تعالى ( وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ) الفرقان11
سقر:
ذكر الله عدة أعمال توجب دخول سقر وهي أربعة: الذي لا يصلي، والذي لا يتصدق، والذي ليس له اتجاه معين، والذي يكذب بيوم القيامة.. قال تعالى ( إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) المدثر39-47
الجحيم:
وهذه للمتكبرين.. يقول تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) الدخان: 47-49
الهاوية:
هي أسفل طباق النار وهي للمنافقين.. يقول تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) النساء145
واختار الله لهم هذه الطبقة مع شدة عذابها لأنهم كانوا يخدعون الله وأهل الإيمان.
أدني أهل النار عذابا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه) رواه البخاري
طعام اهل النار
طعام أهل النار الضريع والزقوم .. قال تعالى (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ) الغاشية7 ، والضريع شوك بأرض الحجاز يقال الشبرق.
وقال تعالى (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) الدخان 44
وإذا أكل أهل النار من هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غصوا به لقبحه وخبثه (إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ) المزمل12
ومن طعام أهل النار الغسلين : قال تعالى (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) الحاقة35 ، قال القرطبي : هو عصارة أهل النار .
شراب أهل النار
الأول : الحميم وهو الماء الحار الذي تناهى حره قال تعالى ( وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ) محمد 13
الثاني : الغساق (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) ص57
الثالث: الصديد وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده (مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ابراهيم 16
الرابع : المهل ( وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً ) الكهف 29
لباس أهل النار
أخبر الحق سبحانه وتعالى أنه يفصل لأهل النار حلل من النار كما قال تعالى ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) الحج19 ، كان ابراهيم التميمي إذا تلا هذه الآية يقول : سبحان من خلق من النار ثيابا
وقال سبحانه (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ) والقطران : هم النحاس المذاب
قال صلى الله عليه وسلم ( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) رواه مسلم
شدة حرها
قال صلى الله عليه وسلم: ( نارنا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ) قيل يا رسول الله إن كانت لكافية ، قال : (فضلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرها) رواه البخاري ومسلم
وتسعر النار يوم القيامة عندما تستقبل أهلها (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) أي: أوقدت وأحميت
وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ) رواه البخاري ومسلم
قال صلى الله عليه وسلم (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا والله يارب ) رواه مسلم
صور من عذابهم
هناك العديد والكثير من الهول والعذب في نار جهنم .. فمن ذلك :
إنضاج الجلود
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً ) النساء56
الصهر
( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) الحج19
اللفح
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ) الانبياء39 ، وقال (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) المؤمنون 104 ، وقال (سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ) ابراهيم50
السحب
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) القمر 48
تسويد الوجوه
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) آل عمران 106
إحاطة النار بالكفار
قال تعالى (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت 55 ، وقال في موضع آخر (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) الزمر 16 ، وقد صرح بالإحاطة في موضع آخر (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) العنكبوت 54
اطلاع النار علي الأفئدة
( كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ)
قال محمد بن كعب القرظي : تأكله النار على فؤاده فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه، وعن ثابت البناني أنه قرأ هذه الاية ثم قال : تحرقهم النار إلى الأفئدة وهم أحياء لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي
عظم خلق أهل النار
يدخل أهل الجحيم النار على صورة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقهم ففي الحديث قال (ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع ) رواه مسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث ) رواه مسلم
قال زيد بن أرقم (إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد) رواه أحمد وهو مرفوع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا وإن ضرسه مثل أحد وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة) رواه الترمذي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة) أخرجه الحاكم وأحمد
وهذا التعظيم لجسد الكافر ليزداد عذابه وآلامه ، يقول النووي في شرحه لأحاديث مسلم في هذا الباب (هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به) .
وقال بن كثير معلقا على ما أورده من هذه الأحاديث (ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم كما شديد العقاب (ليذوقوا العذاب)
تبرؤ الشيطان من أتباعه في النار
قال تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) إبراهيم 22
آخر من يخرج من النار
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة : رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يارب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول: أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة) أخرجه البخاري ومسلم
يميته الخوف من النار
قال ابن المبارك: أخبرنا محمد بن مطرف: عن الثقة ، أن فتى من الأنصار داخلته من النار خشية ، فكان يبكي عند ذكر النار ، حتى حبسه ذلك في البيت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت ، فلما دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم اعتنقه الفتى وخر ميتا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (جهزوا صاحبكم ، فإن الخوف من النار فلذ كبده )
ذبح الموت
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ، ثم يناد مناد: يا أهل الجنة لا موت ، ويا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم ) رواه البخاري
كيف يتقي الانسان النار
لما كان الكفر هو السبب في الخلود في النار فإن النجاة من النار تكون بالإيمان والعمل والصالح، ولذا فإن المسلمين يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم كي يخلصهم من النار (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران 16، وقال تعالى ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) آل عمران 194
وقد بينت النصوص الأعمال التي تقي من النار فمن ذلك
محبة الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله لا يلقي الله حبيبه في النار ) رواه الحاكم وأحمد
الصيام جنة من النار : قال صلى الله عليه وسلم ( قال الله تعالى : الصيام جنة يستجن بها من النار ) رواه أحمد والبيهقي ، وقال صلى الله عليه وسلم (الصوم جنة من عذاب الله ) رواه أحمد.
أما إذا كان الصوم في حال جهاد الأعداء فذاك الفوز العظيم ، قال صلى الله عليه وسلم: ( من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ) رواه البخاري ومسلم
ومما ينجي من النار مخافة الله والجهاد في سبيل الله قال تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن 46 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم ) رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم (ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ) رواه البخاري
قال صلى الله عليه وسلم (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا ) رواه مسلم
استجارة العبد بالله من النار (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ) الفرقان 65
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما سأل أحد الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا إلا قالت النار : اللهم أجره مني ) رواه أحمد
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر وفيه : أن الله عز وجل يسألهم وهو أعلم بهم، فيقول: (فمم يتعوذون؟ فيقولون : من النار ، فيقول : وهل رأوها ؟ فيقولون : لا والله يا رب ما رأوها، فيقول : كيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد مخافة ، فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم )
لقد خلق الله تعالى النار وجعلها مقراً لأعدائه المخالفين لأمره وملأها من غضبه وسخطه وأودعها أنواعاً من العذاب الذي لا يطاق، وحذر عبداه وبين لهم السبل المنجية منها لئلا يكون لهم حجة بعد ذلك، وعلى الرغم من كل هذا التحذير من النار إلا أن البعض من الناس ممن قل علمهم وقصر نظرهم عن هذه أبو إلا المخالفة والعناد والتمرد على مولاهم ومعصيته جهلا منهم بحق ربهم عليهم وجهلا منهم بحقيقة النار التي توعدهم بها، فما هي هذه النار؟ وما صفتها؟!
أول من تسعر النار بهم جهنم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم
بعث النار
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد فاشتد ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل قال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده اني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار ) متفق عليه
النار تتكلم وتبصر
قال تعالى (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) الفرقان12
قال صلى الله عليه وسلم :(يخرج يوم القيامة عنق من النار لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق تقول : إني وكلت بثلاثة : بكل جبار عنيد وبكل دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين) رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم:(اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير) رواه البخاري
قال صلى الله عليه وسلم (أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري
سعة النار وبعد قعرها
الأول : الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى قال تعالى ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) ق30
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط بعزتك وكرمك ) متفق عليه
الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال صلى الله عليه وسلم ( تدرون ما هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهوى يهوي في النار إلى الآن) رواه مسلم
الثالث: كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مجيئ النار يوم القيامة الذي يقول الله فيه (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) فقال : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك) رواه مسلم
ولك أن تتخيل عظم هذا المخلوق الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة الاشداء الأقوياء الذين لا يعلم مدى قوتهم إلا الله تبارك وتعالى
الرابع : ما ورد في " مشكل الآثار " للطحاوي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(الشمس القمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ) فتأمل رعاك الله حال مخلوقين عظيمين كالشمس والقمر كيف يكونان كثورين مكورين في النار
النساء أكثر أهل النار
أكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء كما قــــال صلى الله عليه وسلم (رأيـــت النــــار ورأيـــت أكـــثـــر أهــلــها النساء) رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير) رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم (إن أقل ساكني الجنة النساء) رواه مسلم
دركات جهنم
جهنم ولظى من بعدها حطمة
ثم السعير وكل الهول في سقر
وبعد ذلك جحيم ثم هاوية
تهوي بهم أبداً في حر مستعر
جهنم:
هي للكافرين: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ) الكهف: 102
لظى:
هم للذين لا يشكرون الله عند الرخاء ولا يصبرون عند البلاء ويمنعون حق المال ويعرض بعضهم عن الحق فقال عز وجل (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى ) المعارج
الحطمة:
مسكن أهل الغيبة والنميمة وأهل تجميع الأموال من غير حقها قال عز وجل وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ) الهمزة
السعير:
مسكن المكذب بيوم القيامة.. قال تعالى ( وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ) الفرقان11
سقر:
ذكر الله عدة أعمال توجب دخول سقر وهي أربعة: الذي لا يصلي، والذي لا يتصدق، والذي ليس له اتجاه معين، والذي يكذب بيوم القيامة.. قال تعالى ( إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) المدثر39-47
الجحيم:
وهذه للمتكبرين.. يقول تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) الدخان: 47-49
الهاوية:
هي أسفل طباق النار وهي للمنافقين.. يقول تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) النساء145
واختار الله لهم هذه الطبقة مع شدة عذابها لأنهم كانوا يخدعون الله وأهل الإيمان.
أدني أهل النار عذابا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه) رواه البخاري
طعام اهل النار
طعام أهل النار الضريع والزقوم .. قال تعالى (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ) الغاشية7 ، والضريع شوك بأرض الحجاز يقال الشبرق.
وقال تعالى (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) الدخان 44
وإذا أكل أهل النار من هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غصوا به لقبحه وخبثه (إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ) المزمل12
ومن طعام أهل النار الغسلين : قال تعالى (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) الحاقة35 ، قال القرطبي : هو عصارة أهل النار .
شراب أهل النار
الأول : الحميم وهو الماء الحار الذي تناهى حره قال تعالى ( وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ) محمد 13
الثاني : الغساق (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) ص57
الثالث: الصديد وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده (مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ابراهيم 16
الرابع : المهل ( وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً ) الكهف 29
لباس أهل النار
أخبر الحق سبحانه وتعالى أنه يفصل لأهل النار حلل من النار كما قال تعالى ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) الحج19 ، كان ابراهيم التميمي إذا تلا هذه الآية يقول : سبحان من خلق من النار ثيابا
وقال سبحانه (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ) والقطران : هم النحاس المذاب
قال صلى الله عليه وسلم ( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) رواه مسلم
شدة حرها
قال صلى الله عليه وسلم: ( نارنا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ) قيل يا رسول الله إن كانت لكافية ، قال : (فضلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرها) رواه البخاري ومسلم
وتسعر النار يوم القيامة عندما تستقبل أهلها (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) أي: أوقدت وأحميت
وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ) رواه البخاري ومسلم
قال صلى الله عليه وسلم (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا والله يارب ) رواه مسلم
صور من عذابهم
هناك العديد والكثير من الهول والعذب في نار جهنم .. فمن ذلك :
إنضاج الجلود
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً ) النساء56
الصهر
( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) الحج19
اللفح
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ) الانبياء39 ، وقال (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) المؤمنون 104 ، وقال (سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ) ابراهيم50
السحب
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) القمر 48
تسويد الوجوه
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) آل عمران 106
إحاطة النار بالكفار
قال تعالى (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت 55 ، وقال في موضع آخر (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) الزمر 16 ، وقد صرح بالإحاطة في موضع آخر (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) العنكبوت 54
اطلاع النار علي الأفئدة
( كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ)
قال محمد بن كعب القرظي : تأكله النار على فؤاده فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه، وعن ثابت البناني أنه قرأ هذه الاية ثم قال : تحرقهم النار إلى الأفئدة وهم أحياء لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي
عظم خلق أهل النار
يدخل أهل الجحيم النار على صورة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقهم ففي الحديث قال (ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع ) رواه مسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث ) رواه مسلم
قال زيد بن أرقم (إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد) رواه أحمد وهو مرفوع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا وإن ضرسه مثل أحد وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة) رواه الترمذي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة) أخرجه الحاكم وأحمد
وهذا التعظيم لجسد الكافر ليزداد عذابه وآلامه ، يقول النووي في شرحه لأحاديث مسلم في هذا الباب (هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به) .
وقال بن كثير معلقا على ما أورده من هذه الأحاديث (ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم كما شديد العقاب (ليذوقوا العذاب)
تبرؤ الشيطان من أتباعه في النار
قال تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) إبراهيم 22
آخر من يخرج من النار
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة : رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يارب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول: أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة) أخرجه البخاري ومسلم
يميته الخوف من النار
قال ابن المبارك: أخبرنا محمد بن مطرف: عن الثقة ، أن فتى من الأنصار داخلته من النار خشية ، فكان يبكي عند ذكر النار ، حتى حبسه ذلك في البيت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت ، فلما دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم اعتنقه الفتى وخر ميتا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (جهزوا صاحبكم ، فإن الخوف من النار فلذ كبده )
ذبح الموت
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ، ثم يناد مناد: يا أهل الجنة لا موت ، ويا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم ) رواه البخاري
كيف يتقي الانسان النار
لما كان الكفر هو السبب في الخلود في النار فإن النجاة من النار تكون بالإيمان والعمل والصالح، ولذا فإن المسلمين يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم كي يخلصهم من النار (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران 16، وقال تعالى ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) آل عمران 194
وقد بينت النصوص الأعمال التي تقي من النار فمن ذلك
محبة الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله لا يلقي الله حبيبه في النار ) رواه الحاكم وأحمد
الصيام جنة من النار : قال صلى الله عليه وسلم ( قال الله تعالى : الصيام جنة يستجن بها من النار ) رواه أحمد والبيهقي ، وقال صلى الله عليه وسلم (الصوم جنة من عذاب الله ) رواه أحمد.
أما إذا كان الصوم في حال جهاد الأعداء فذاك الفوز العظيم ، قال صلى الله عليه وسلم: ( من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ) رواه البخاري ومسلم
ومما ينجي من النار مخافة الله والجهاد في سبيل الله قال تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن 46 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم ) رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم (ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ) رواه البخاري
قال صلى الله عليه وسلم (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا ) رواه مسلم
استجارة العبد بالله من النار (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ) الفرقان 65
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما سأل أحد الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا إلا قالت النار : اللهم أجره مني ) رواه أحمد
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر وفيه : أن الله عز وجل يسألهم وهو أعلم بهم، فيقول: (فمم يتعوذون؟ فيقولون : من النار ، فيقول : وهل رأوها ؟ فيقولون : لا والله يا رب ما رأوها، فيقول : كيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد مخافة ، فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم )
تعليق