بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد .
للهزائم صور وأشكال شتى .. أشدها فتكاً وأثراً على الشعوب والأمم الهزائم الفكرية الثقافية .. الهزائم التي تصيبها في عقيدتها وهويتها .. فإذا انهزمت أمة من الأمم فكرياً وثقافياً فقدت خاصية التمايز التي تميزها عن بقية الأمم والشعوب، بل فقدت عنصر المناعة الذي يصونها من جميع الأمراض وأشكال الغزو الخارجي، المادي منها والمعنوي ..!
فأي فكرة تعترضها أو تفد إليها تستسيغها، وتصفق لها، وترفع لها راياتها، وتشطحها أرضاً .. وتفقد القدرة على رفضها أو تحليلها وفحص النافع منها من الضار ..!
وكما أن للنصر والعزة والإباء أبطال وقادة ورواد .. كذلك للهزائم ومراحل الانحطاط وضياع الهوية، وفقدان الشخصية رواد وقادة وكتاب؛ لكنهم قادة وكتاب على مستوى الهزيمة التي أصابتهم وأصابت أمتهم بسببٍ من أنفسهم المهزومة المقهورة ..!
قادة وكتاب مشوهون لا يستطيعون أن يَرقوا بأنفسهم المهزومة المقهورة إلى درجة الحقيقة المطلقة .. لذا تجد نشاطهم كله يدور حول فقه التبريرات والرخص .. فقه الاستضعاف وسقوط التكاليف .. فقه الاعتراف والتعايش مع الباطل المنتصر .. فقه الرضى بالأمر الواقع وإن كان باطلاً .. الرضى بالفتات من الحقوق المغتصبة .. على اعتبار أن القليل أفضل من لا شيء .. فهم يرضون بهذا القليل لأن البديل عندهم هو شيء واحد؛ هو لا شيء ..!!
نفوسهم أضعف من أن ترقى بهم إلى القمم والمعالي من الأهداف والغايات .. فهم فقدوا الأدوات الضرورية التي يمكن أن ترقى بهم إلى ذاك المستوى الرفيع .. لذا فهم يتحركون في السهول والسهل والحفر، وفي الأماكن التي لا تليق بذوي المروءة والنفوس الأبية أن يتواجدوا فيها ..!!
وأمة الإسلام ـ في هذا الزمان ـ أصابها الكثير مما تقدم .. أصابها كثير من شر ثقافة المهزومين بل والمتآمرين .. فقد ابتليت برجالات ودعاة، وهيئات وتكتلات مشبوهة ـ سمت نفسها بالإسلامية! ـ لو سُلطت على أي دينٍ أو أمة من الأمم غير دين الإسلام وأمة الإسلام .. لكانت كفيلة بأن تقضي على هذا الدين وتلك الأمة بأشهر معدودات ..!!
لكن الله تعالى ـ بفضله ومنته ورحمته ـ قد تكفل بحفظ هذا الدين، وبأن يُظهر كلمته على أيدي طائفة من المؤمنين ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم إلى يوم القيامة .
من أعظم وأشد ما ابتليت به أمة الإسلام .. ابتلاؤها بذوي الأقلام والثقافات المهزومة المشوهة المشبوهة .. المهزومة نفسياً وداخلياً قبل أن تُهزم في ميادين العمل والنشاطات الظاهرة !
هؤلاء وظيفتهم ـ التي وضعت وحددت لهم من قبل الطواغيت الظالمين الجاثمين على صدور شعوبهم بالحديد والنار ـ أن يلعبوا دور سحرة فرعون وهم في مرحلة الكيد والانتصار لفرعون وباطله .. في إضلال الشعوب وترويج ألوهية وربوبية الطواغيت عليهم ..!!
أن يلعبوا دور المزينين المزخرفين للباطل وأفكاره لتروج على العباد والبلاد .. وكأنها من الثوابت التي لا تقبل النقاش أو التبديل ..!!
ما من باطل يروج في الخارج إلا وتجد من هؤلاء المثقفين المهزومين من ينبري كبوق وداعية لهذا الباطل الغريب عن جسد الأمة وعقيدتها ..!!
قالوا في الخارج عن الاشتراكية، والديمقراطية، والقومية، والوطنية .. وغيرها من الشعارات والوثنيات التي تعبد العبيد للعبيد .. فوجد من هؤلاء المهزومين من ينتصر لهذه الشعارات الدخيلة الوافدة، ويسخر لها قلمه ومقدرته على السحر والتلاعب بالألفاظ ليضلل بذلك عقول البسطاء من الناس ..!!
بل ما من باطل وشذوذ يُردد في بلاد الغرب ـ حتى عبادة وعبدة الشيطان ـ إلا ووجد في هذه الأمة ومن هؤلاء المهزومين من ينتصر لتلك الشذوذات والانحرافات ..!!
صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لاتبعتموهم " قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال:" فمن "؛ أي من يكون غيرهم ..؟!
وقال -صلى الله عليه وسلم- :" ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمَّه علانيةً كان في أمتي من يصنع ذلك .. !!".
وللمثقفين المهزومين دلالات وعلامات تدل عليهم، وتعرِّف بهم أهمها:
1- أنهم دعاة إلى التعايش .. ليس التعايش في ظل حكم الحق ثم يكون بعد ذلك لا إكراه في الدين .. لا؛ إنما تعايش الحق مع الباطل وتحت حكمه وسياسته وسلطانه إلى أن يصعب التمييز بين الحق وراياته، وبين الباطل وراياته ..!
ومن ذلك دعوتهم إلى تقارب الأديان .. وإلى تحاور الأديان .. لا لكي يظهر الحق مـن الباطل فيُتبع .. لا؛ وإنما ليتعايش الحق مع الباطل في ثوبٍ واحد، ولكي تختلط المبادئ والمفاهيم والقيم .. ومن دون أن يكون للحق تمايزه ووجوده المستقل .. ولتغييب الصراع ـ القديم منذ أن خلق الله تعالى آدم وإبليس والمستمر إلى يوم القيامة ـ بين الحق والباطل ..!
فهم يعملون لتغييب هذا الصراع من طرف واحدٍ فقط؛ طرف الحق وأهله وحسب .. أما طرف الباطل وأهله فهم لا سلطان لهم عليهم .. وهم يعملون ليل نهار على تزكية هذا الصراع وتقوية جانب الباطل الذي هم عليه، تحسباً لأي معركة تدور بينهم وبين الحق وأهله، ومن دون أن ينكر عليهم أحد .. !!
لذا نجد هؤلاء المثقفين المهزومين لا يجرئون على مناقشة الداعي والسبب في أن الباطل وجيوشه كان ولا يزال يتسلح بأطور الأسلحة النووية الفتاكة وغيرها .. بينما لو ملك مسلم سكيناً أو حجراً يرمي بها عن نفسه وحرماته .. انبروا ـ بأقلامهم المبرية وألسنتهم المسلولة السليطة ـ ليرموه بالإرهاب والتطرف، والإجرام .. وأسرعوا في عقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تطالب بضرورة التعايش والتفاهم، وإجراء الحوار ..!!
2- ومن علاماتهم كذلك أنهم إذا تكلموا عن الجهاد في الإسلام حصروه في الجهاد الدفاعي عن عقر داره وبيته، وضد العدوان الخارجي حصراً ..!!
أما أن يُعقد الجهاد من أجل تحرير الشعوب من عبودية العبيد ومن سلطان وهيمنة الطواغيت التي تُحيل بين شعوبهم وبين اختيارهم للدين الحق .. فهذا ـ عند المثقفين المهزومين ـ لا يجوز .. !!
كذلك أن يُشرع الجهاد ضد حركات الردة والزندقة التي تواجه الأمة من الداخل .. فهذا أيضاً لا يجوز .. لأنهم مواطنون رسميون .. وجهادهم يتغاير مع حقوق المواطنة المعطي لهم .. ومع العقيدة الوطنية التي تكرس عقيدة الولاء والبراء على أساس الانتماء إلى الوطن والتراب ..!
3- ومن علاماتهم .. أنهم دعاة إلى السلام .. وأن يكثروا الحديث عن السلام .. فيضعون السلام في غير موضعه الحقيقي والمشروع .. مهما ترتب على هذا السلام من تبعات ومضاعفات تؤدي إلى ضياع الحقوق المغتصبة .. واستعلاء الباطل بباطله على الحق وأهله !!
فهم لا يريدون السلام الذي دعا الله إليه وأمر به .. وإنما يريدون السلام الذي دعا إليه الطواغيت، وتداعت إليه أطراف الكفر والنفاق .. السلام الذي يعترف بشرعية المغتصب وحقه فيما اغتصب !!
4- ومن علاماتهم .. أنك تجدهم ـ إن فقدتهم ـ على العتبات .. على عتبات الطواغيت، يستجدون العطاء .. ولمسة حنان من أيدي الطواغيت الملوثة بدماء الشعوب المقهورة .. أو نظرة رضى يلقيها عليهم !!
فهم يتلقون كلمات الطواغيت وكأنها نصوص منزلة؛ فيتوسعون في شرحها وتأويلها وتحليلها وبيان المراد منها .. إلى حدّ التملق والتكلف .. وبصورة لا يريدها الطاغوت نفسه ولم يكن قد تفطن لها عندما ألقى كلماته الذهبية الوردية ..!!
لذا نجد الطواغيت يقربون هذه الشرائح من المثقفين، ويخصونهم بالعطاء والمنح والأسفار المجانية .. وكل التسهيلات التي يحتاجونها .. ما داموا يقومون بدور السحرة الذين يقنعون جماهير الناس الضالة بشرعية حكم الطواغيت .. وما داموا يعملون بإخلاص من أجل تثبيت دعائم حكم الطواغيت .. من خلال قلب الحقائق واعتماد أساليب الغش والكذب على الناس !!
لكل طاغوت عبر التاريخ وإلى يومنا هذا لا بد له من سحرة يتكئ عليهم في تمرير باطله وكفره .. وفي إضلال العباد وسحر عقولهم وأبصارهم لما فيه خدمته ومصلحته ومصلحة نظامه وعرشه .. وسحرة الطواغيت في هذا الزمان هم هؤلاء الدجالون المثقفون المهزومون ..!!
5- ومن علاماتهم .. أنهم يؤمنون ـ رهبة أو رغبةً ـ ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .. ومنهم من يقول: هذا لله وهذا لقيصر .. هذا لله وهذا للشعب والجماهير .. هذا لله وهذا للإنسان .. وما كان للشعب لا يصل إلى الله، وما كان لله يصل إلى الشعب .. ساء ما يحكمون !!
6- ومن علاماتهم .. أنهم يعبدون العقل من دون الله تعالى .. فيقدمون العقل الفاسد على النقل الصحيح، ويُعارضون النقل الصحيح بالعقل الفاسد المريض .. والسياسة الشرعية بالسياسة الوضعية ..!
غرهم علم الكلام والفلسفة والمنطق الذي تربوا عليه .. فقدموه على علم الكتاب والسنة .. فخاضوا فيما لا يجوز الخوض فيه .. وسموا تحريفاتهم وشذوذاتهم ـ الناتجة عن خوضهم الباطل ـ بالتأويل والعقليات .. لتروج على عوام الناس وبسطائهم !!
7- ومن علاماتهم .. أنهم يميلون إلى الإرجاء وإلى ترك العمل، وإلى تفسير الإيمان على أنه مجرد قول أو اسم .. فمن قال لا إله إلا الله ولو مرة في العمر، أو تسمى بأسماء المسلمين وانتسب لأبوين مسلمين .. فهو مؤمن ومسلم مهما كان منه من عمل .. وهو فوق أن يُطعن بإيمانه أو إسلامه !!
وهذا الذي يُفرح الطواغيت الظالمين ويثلج قلوبهم .. لأن هذا الكلام مفاده أنهم مؤمنون ومسلمون .. وأنهم مهما ظهر منهم من أعمال كفرية تنافي الإيمان والإسلام .. فهم مسلمون ـ لا يجوز أن يرقى إليهم الشك أو الطعن ـ تجب طاعتهم على الناس !!
لذا لا غرابة لو وجدت طواغيت الحكم يمدون يد العون والدعم وكل التسهيلات لدعاة الإرجاء هؤلاء .. لا لأنهم يحبونهم أو يُحبون الإسلام، لا .. بل لأنهم يُصبغون عليهـم وعـلى حكمهم ونظامهم الشرعية التي يجب أن تُطاع !!
فهم عصاته وأداته التي يُسكت بها الناس كلما دار حديث فيما بينهم حول جدية إيمان وإسلام طغاة الحكم الظالمين .. وكلما أثيرت حوله وحول نظامه الشبهات وكثرت التساؤلات وإشارات الاستفهام .. وخاض فيه الخائضون ؟!!
هذه هي أبرز علامات المثقفين المهزومين .. حيثما تجدها أو تجد بعضها فاعلم أنك وجدت المثقفين المهزومين .. وجدت هذا الركام الهالك الذي ضل وأضل .. والذي رضي أن يبيع دينه وآخرته بدنيا غيره ..!
والواجب عليك حينئذٍ يا عبد الله أن تحذرهم وتحذر كتاباتهم ومقالاتهم .. وأن تحذِّر الآخرين المغرورين بهم، الذين غرتهم الألقاب والرتب والأوسمة التي يغدقها الطاغوت على بطانته من المثقفين المهزومين ..!
فاحذرهم وحذِّر الآخرين منهم ومن أمراضهم، ومن خلطتهم أو مجالستهم، أو السماع إليهم .. أو القراءة لهم .. فإنهم الجذام .. والسرطان .. والإيدز القاتل .. لا يكاد يسلم من اقترب إليهم من شبهة أو عدوى أو مرض قد يكون سبباً في القضاء عليه وهلاكه .. فيخسر دينه ودنياه ..!
فاحذرهم .. إنهم الوباء الذي تنمو فيه بذور النفاق والفرقة والشقاق .. !
فاحذرهم .. إن أردت النجاة والسلامة لنفسك في دينك، ودنياك، وآخرتك .. فهم كنافخ الكير بالنسبة لجليسهم .. إن لم يصله من نارهم ما يحرقه ويحرق ثيابه، فإنه يصله ولا بد من رائحتهم النتنة ما يُفسد عليه حسه المرهف، وذوقه السليم .. !
{واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ..} .. {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ..} فهم العدو ..!
وعليك بالعكوف على دراسة وفهم الكتاب والسنة .. ذلك النبع الأصيل الصافي العذب .. ذلك المعين الذي لا ينضب عطاؤه وخيره .. ذلك الهادي إلى كل خير في الدنيا والآخرة .
عليك بالعكوف على كل من استمد علمه وفهمه ـ من سلفنا الصالح ـ من هدي الكتاب والسنة .. هذا إن أردت النجاة ورجوت أن تكون من الفرقة الناجية يوم القيامة .
قال -صلى الله عليه وسلم- :" تفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدةً " قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال:" ما أنا عليه وأصحابي " .
ثلاث وسبعون ملة كلهم في النار .. وهي ملل المثقفين المهزومين .. إلا ملة واحدة .. وهي الملة التي تلتزم بغرس النبي -صلى الله عليه وسلم- وغرس أصحابه من الدين والفهم والاستقامة .
وكلمة أخيرة إلى هؤلاء المثقفين المهزومين .. فنقول لهم: قد مر على الأمة أمثالكم الكثير الكثير من المهزومين .. فأين هم وأين أمة الإسلام .. أين باطلهم وكيدهم ومكرهم وثقافاتهم المهترئة .. وأين الحق المبين .. أين هم وأين دعاة الحق والتوحيد ..؟!
قد تكفل الله بحفظ دينه .. وأن لا تجتمع أمة الإسلام على باطلٍ أو ضلالةٍ أو خيانة .. فأنتم تحاولون عبثاً .. حملكم على المواجهة والمكر سوء الظن بالله تعالى !
مثلكم كأصلع الرأس يناطح جبلاً أشمَّ جذوره في الأراضين السبع، ونهايته في السماء ..!
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنُها ... فما أوهاها ولكن أوهى قرنَهُ الوعلُ مثلكم كمثل الكلاب التي تنبح .. وقافلة الحق تسير ..!
إن كلمة الله هي العليا .. وكلمتكم ـ مهما زوقت وزُخرفت ـ هي السفلى ..!
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} .. ولكم ولتجمعاتكم وتكتلاتكم كلها الذل والخنوع والهوان مهما انتفشتم بالباطل، واعتززتم بالطواغيت ..!
نقول الحق ونذود عنه .. وتقولون الباطل وتذودون عنه ..!
آمنا بالله واتبعنا الرسول .. وآمنتم بالطواغيت واتبعتم الشياطين ..!
نجاهد في سبيل الله .. وتجاهدون في سبيل الطواغيت ..!
نألم كما تألمون .. ولكن نرجو من الله مالا ترجون ..!
قتلانا في الجنة .. وقتلاكم حطب النار ..!
{ليميز اللهُ الخبيثَ من الطيبِ ويجعلَ الخبيثَ بعضَهُ على بعضٍ فيركُمَهُ جميعاً فيجعَلَهُ في جهنَّمَ أولئك هم الخاسرون} .
{فسيُنفقونها ثمَّ تكونُ عليهم حسرةً ثم يُغلَبون} .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد .
للهزائم صور وأشكال شتى .. أشدها فتكاً وأثراً على الشعوب والأمم الهزائم الفكرية الثقافية .. الهزائم التي تصيبها في عقيدتها وهويتها .. فإذا انهزمت أمة من الأمم فكرياً وثقافياً فقدت خاصية التمايز التي تميزها عن بقية الأمم والشعوب، بل فقدت عنصر المناعة الذي يصونها من جميع الأمراض وأشكال الغزو الخارجي، المادي منها والمعنوي ..!
فأي فكرة تعترضها أو تفد إليها تستسيغها، وتصفق لها، وترفع لها راياتها، وتشطحها أرضاً .. وتفقد القدرة على رفضها أو تحليلها وفحص النافع منها من الضار ..!
وكما أن للنصر والعزة والإباء أبطال وقادة ورواد .. كذلك للهزائم ومراحل الانحطاط وضياع الهوية، وفقدان الشخصية رواد وقادة وكتاب؛ لكنهم قادة وكتاب على مستوى الهزيمة التي أصابتهم وأصابت أمتهم بسببٍ من أنفسهم المهزومة المقهورة ..!
قادة وكتاب مشوهون لا يستطيعون أن يَرقوا بأنفسهم المهزومة المقهورة إلى درجة الحقيقة المطلقة .. لذا تجد نشاطهم كله يدور حول فقه التبريرات والرخص .. فقه الاستضعاف وسقوط التكاليف .. فقه الاعتراف والتعايش مع الباطل المنتصر .. فقه الرضى بالأمر الواقع وإن كان باطلاً .. الرضى بالفتات من الحقوق المغتصبة .. على اعتبار أن القليل أفضل من لا شيء .. فهم يرضون بهذا القليل لأن البديل عندهم هو شيء واحد؛ هو لا شيء ..!!
نفوسهم أضعف من أن ترقى بهم إلى القمم والمعالي من الأهداف والغايات .. فهم فقدوا الأدوات الضرورية التي يمكن أن ترقى بهم إلى ذاك المستوى الرفيع .. لذا فهم يتحركون في السهول والسهل والحفر، وفي الأماكن التي لا تليق بذوي المروءة والنفوس الأبية أن يتواجدوا فيها ..!!
وأمة الإسلام ـ في هذا الزمان ـ أصابها الكثير مما تقدم .. أصابها كثير من شر ثقافة المهزومين بل والمتآمرين .. فقد ابتليت برجالات ودعاة، وهيئات وتكتلات مشبوهة ـ سمت نفسها بالإسلامية! ـ لو سُلطت على أي دينٍ أو أمة من الأمم غير دين الإسلام وأمة الإسلام .. لكانت كفيلة بأن تقضي على هذا الدين وتلك الأمة بأشهر معدودات ..!!
لكن الله تعالى ـ بفضله ومنته ورحمته ـ قد تكفل بحفظ هذا الدين، وبأن يُظهر كلمته على أيدي طائفة من المؤمنين ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم إلى يوم القيامة .
من أعظم وأشد ما ابتليت به أمة الإسلام .. ابتلاؤها بذوي الأقلام والثقافات المهزومة المشوهة المشبوهة .. المهزومة نفسياً وداخلياً قبل أن تُهزم في ميادين العمل والنشاطات الظاهرة !
هؤلاء وظيفتهم ـ التي وضعت وحددت لهم من قبل الطواغيت الظالمين الجاثمين على صدور شعوبهم بالحديد والنار ـ أن يلعبوا دور سحرة فرعون وهم في مرحلة الكيد والانتصار لفرعون وباطله .. في إضلال الشعوب وترويج ألوهية وربوبية الطواغيت عليهم ..!!
أن يلعبوا دور المزينين المزخرفين للباطل وأفكاره لتروج على العباد والبلاد .. وكأنها من الثوابت التي لا تقبل النقاش أو التبديل ..!!
ما من باطل يروج في الخارج إلا وتجد من هؤلاء المثقفين المهزومين من ينبري كبوق وداعية لهذا الباطل الغريب عن جسد الأمة وعقيدتها ..!!
قالوا في الخارج عن الاشتراكية، والديمقراطية، والقومية، والوطنية .. وغيرها من الشعارات والوثنيات التي تعبد العبيد للعبيد .. فوجد من هؤلاء المهزومين من ينتصر لهذه الشعارات الدخيلة الوافدة، ويسخر لها قلمه ومقدرته على السحر والتلاعب بالألفاظ ليضلل بذلك عقول البسطاء من الناس ..!!
بل ما من باطل وشذوذ يُردد في بلاد الغرب ـ حتى عبادة وعبدة الشيطان ـ إلا ووجد في هذه الأمة ومن هؤلاء المهزومين من ينتصر لتلك الشذوذات والانحرافات ..!!
صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لاتبعتموهم " قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال:" فمن "؛ أي من يكون غيرهم ..؟!
وقال -صلى الله عليه وسلم- :" ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمَّه علانيةً كان في أمتي من يصنع ذلك .. !!".
وللمثقفين المهزومين دلالات وعلامات تدل عليهم، وتعرِّف بهم أهمها:
1- أنهم دعاة إلى التعايش .. ليس التعايش في ظل حكم الحق ثم يكون بعد ذلك لا إكراه في الدين .. لا؛ إنما تعايش الحق مع الباطل وتحت حكمه وسياسته وسلطانه إلى أن يصعب التمييز بين الحق وراياته، وبين الباطل وراياته ..!
ومن ذلك دعوتهم إلى تقارب الأديان .. وإلى تحاور الأديان .. لا لكي يظهر الحق مـن الباطل فيُتبع .. لا؛ وإنما ليتعايش الحق مع الباطل في ثوبٍ واحد، ولكي تختلط المبادئ والمفاهيم والقيم .. ومن دون أن يكون للحق تمايزه ووجوده المستقل .. ولتغييب الصراع ـ القديم منذ أن خلق الله تعالى آدم وإبليس والمستمر إلى يوم القيامة ـ بين الحق والباطل ..!
فهم يعملون لتغييب هذا الصراع من طرف واحدٍ فقط؛ طرف الحق وأهله وحسب .. أما طرف الباطل وأهله فهم لا سلطان لهم عليهم .. وهم يعملون ليل نهار على تزكية هذا الصراع وتقوية جانب الباطل الذي هم عليه، تحسباً لأي معركة تدور بينهم وبين الحق وأهله، ومن دون أن ينكر عليهم أحد .. !!
لذا نجد هؤلاء المثقفين المهزومين لا يجرئون على مناقشة الداعي والسبب في أن الباطل وجيوشه كان ولا يزال يتسلح بأطور الأسلحة النووية الفتاكة وغيرها .. بينما لو ملك مسلم سكيناً أو حجراً يرمي بها عن نفسه وحرماته .. انبروا ـ بأقلامهم المبرية وألسنتهم المسلولة السليطة ـ ليرموه بالإرهاب والتطرف، والإجرام .. وأسرعوا في عقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تطالب بضرورة التعايش والتفاهم، وإجراء الحوار ..!!
2- ومن علاماتهم كذلك أنهم إذا تكلموا عن الجهاد في الإسلام حصروه في الجهاد الدفاعي عن عقر داره وبيته، وضد العدوان الخارجي حصراً ..!!
أما أن يُعقد الجهاد من أجل تحرير الشعوب من عبودية العبيد ومن سلطان وهيمنة الطواغيت التي تُحيل بين شعوبهم وبين اختيارهم للدين الحق .. فهذا ـ عند المثقفين المهزومين ـ لا يجوز .. !!
كذلك أن يُشرع الجهاد ضد حركات الردة والزندقة التي تواجه الأمة من الداخل .. فهذا أيضاً لا يجوز .. لأنهم مواطنون رسميون .. وجهادهم يتغاير مع حقوق المواطنة المعطي لهم .. ومع العقيدة الوطنية التي تكرس عقيدة الولاء والبراء على أساس الانتماء إلى الوطن والتراب ..!
3- ومن علاماتهم .. أنهم دعاة إلى السلام .. وأن يكثروا الحديث عن السلام .. فيضعون السلام في غير موضعه الحقيقي والمشروع .. مهما ترتب على هذا السلام من تبعات ومضاعفات تؤدي إلى ضياع الحقوق المغتصبة .. واستعلاء الباطل بباطله على الحق وأهله !!
فهم لا يريدون السلام الذي دعا الله إليه وأمر به .. وإنما يريدون السلام الذي دعا إليه الطواغيت، وتداعت إليه أطراف الكفر والنفاق .. السلام الذي يعترف بشرعية المغتصب وحقه فيما اغتصب !!
4- ومن علاماتهم .. أنك تجدهم ـ إن فقدتهم ـ على العتبات .. على عتبات الطواغيت، يستجدون العطاء .. ولمسة حنان من أيدي الطواغيت الملوثة بدماء الشعوب المقهورة .. أو نظرة رضى يلقيها عليهم !!
فهم يتلقون كلمات الطواغيت وكأنها نصوص منزلة؛ فيتوسعون في شرحها وتأويلها وتحليلها وبيان المراد منها .. إلى حدّ التملق والتكلف .. وبصورة لا يريدها الطاغوت نفسه ولم يكن قد تفطن لها عندما ألقى كلماته الذهبية الوردية ..!!
لذا نجد الطواغيت يقربون هذه الشرائح من المثقفين، ويخصونهم بالعطاء والمنح والأسفار المجانية .. وكل التسهيلات التي يحتاجونها .. ما داموا يقومون بدور السحرة الذين يقنعون جماهير الناس الضالة بشرعية حكم الطواغيت .. وما داموا يعملون بإخلاص من أجل تثبيت دعائم حكم الطواغيت .. من خلال قلب الحقائق واعتماد أساليب الغش والكذب على الناس !!
لكل طاغوت عبر التاريخ وإلى يومنا هذا لا بد له من سحرة يتكئ عليهم في تمرير باطله وكفره .. وفي إضلال العباد وسحر عقولهم وأبصارهم لما فيه خدمته ومصلحته ومصلحة نظامه وعرشه .. وسحرة الطواغيت في هذا الزمان هم هؤلاء الدجالون المثقفون المهزومون ..!!
5- ومن علاماتهم .. أنهم يؤمنون ـ رهبة أو رغبةً ـ ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .. ومنهم من يقول: هذا لله وهذا لقيصر .. هذا لله وهذا للشعب والجماهير .. هذا لله وهذا للإنسان .. وما كان للشعب لا يصل إلى الله، وما كان لله يصل إلى الشعب .. ساء ما يحكمون !!
6- ومن علاماتهم .. أنهم يعبدون العقل من دون الله تعالى .. فيقدمون العقل الفاسد على النقل الصحيح، ويُعارضون النقل الصحيح بالعقل الفاسد المريض .. والسياسة الشرعية بالسياسة الوضعية ..!
غرهم علم الكلام والفلسفة والمنطق الذي تربوا عليه .. فقدموه على علم الكتاب والسنة .. فخاضوا فيما لا يجوز الخوض فيه .. وسموا تحريفاتهم وشذوذاتهم ـ الناتجة عن خوضهم الباطل ـ بالتأويل والعقليات .. لتروج على عوام الناس وبسطائهم !!
7- ومن علاماتهم .. أنهم يميلون إلى الإرجاء وإلى ترك العمل، وإلى تفسير الإيمان على أنه مجرد قول أو اسم .. فمن قال لا إله إلا الله ولو مرة في العمر، أو تسمى بأسماء المسلمين وانتسب لأبوين مسلمين .. فهو مؤمن ومسلم مهما كان منه من عمل .. وهو فوق أن يُطعن بإيمانه أو إسلامه !!
وهذا الذي يُفرح الطواغيت الظالمين ويثلج قلوبهم .. لأن هذا الكلام مفاده أنهم مؤمنون ومسلمون .. وأنهم مهما ظهر منهم من أعمال كفرية تنافي الإيمان والإسلام .. فهم مسلمون ـ لا يجوز أن يرقى إليهم الشك أو الطعن ـ تجب طاعتهم على الناس !!
لذا لا غرابة لو وجدت طواغيت الحكم يمدون يد العون والدعم وكل التسهيلات لدعاة الإرجاء هؤلاء .. لا لأنهم يحبونهم أو يُحبون الإسلام، لا .. بل لأنهم يُصبغون عليهـم وعـلى حكمهم ونظامهم الشرعية التي يجب أن تُطاع !!
فهم عصاته وأداته التي يُسكت بها الناس كلما دار حديث فيما بينهم حول جدية إيمان وإسلام طغاة الحكم الظالمين .. وكلما أثيرت حوله وحول نظامه الشبهات وكثرت التساؤلات وإشارات الاستفهام .. وخاض فيه الخائضون ؟!!
هذه هي أبرز علامات المثقفين المهزومين .. حيثما تجدها أو تجد بعضها فاعلم أنك وجدت المثقفين المهزومين .. وجدت هذا الركام الهالك الذي ضل وأضل .. والذي رضي أن يبيع دينه وآخرته بدنيا غيره ..!
والواجب عليك حينئذٍ يا عبد الله أن تحذرهم وتحذر كتاباتهم ومقالاتهم .. وأن تحذِّر الآخرين المغرورين بهم، الذين غرتهم الألقاب والرتب والأوسمة التي يغدقها الطاغوت على بطانته من المثقفين المهزومين ..!
فاحذرهم وحذِّر الآخرين منهم ومن أمراضهم، ومن خلطتهم أو مجالستهم، أو السماع إليهم .. أو القراءة لهم .. فإنهم الجذام .. والسرطان .. والإيدز القاتل .. لا يكاد يسلم من اقترب إليهم من شبهة أو عدوى أو مرض قد يكون سبباً في القضاء عليه وهلاكه .. فيخسر دينه ودنياه ..!
فاحذرهم .. إنهم الوباء الذي تنمو فيه بذور النفاق والفرقة والشقاق .. !
فاحذرهم .. إن أردت النجاة والسلامة لنفسك في دينك، ودنياك، وآخرتك .. فهم كنافخ الكير بالنسبة لجليسهم .. إن لم يصله من نارهم ما يحرقه ويحرق ثيابه، فإنه يصله ولا بد من رائحتهم النتنة ما يُفسد عليه حسه المرهف، وذوقه السليم .. !
{واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ..} .. {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ..} فهم العدو ..!
وعليك بالعكوف على دراسة وفهم الكتاب والسنة .. ذلك النبع الأصيل الصافي العذب .. ذلك المعين الذي لا ينضب عطاؤه وخيره .. ذلك الهادي إلى كل خير في الدنيا والآخرة .
عليك بالعكوف على كل من استمد علمه وفهمه ـ من سلفنا الصالح ـ من هدي الكتاب والسنة .. هذا إن أردت النجاة ورجوت أن تكون من الفرقة الناجية يوم القيامة .
قال -صلى الله عليه وسلم- :" تفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدةً " قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال:" ما أنا عليه وأصحابي " .
ثلاث وسبعون ملة كلهم في النار .. وهي ملل المثقفين المهزومين .. إلا ملة واحدة .. وهي الملة التي تلتزم بغرس النبي -صلى الله عليه وسلم- وغرس أصحابه من الدين والفهم والاستقامة .
وكلمة أخيرة إلى هؤلاء المثقفين المهزومين .. فنقول لهم: قد مر على الأمة أمثالكم الكثير الكثير من المهزومين .. فأين هم وأين أمة الإسلام .. أين باطلهم وكيدهم ومكرهم وثقافاتهم المهترئة .. وأين الحق المبين .. أين هم وأين دعاة الحق والتوحيد ..؟!
قد تكفل الله بحفظ دينه .. وأن لا تجتمع أمة الإسلام على باطلٍ أو ضلالةٍ أو خيانة .. فأنتم تحاولون عبثاً .. حملكم على المواجهة والمكر سوء الظن بالله تعالى !
مثلكم كأصلع الرأس يناطح جبلاً أشمَّ جذوره في الأراضين السبع، ونهايته في السماء ..!
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنُها ... فما أوهاها ولكن أوهى قرنَهُ الوعلُ مثلكم كمثل الكلاب التي تنبح .. وقافلة الحق تسير ..!
إن كلمة الله هي العليا .. وكلمتكم ـ مهما زوقت وزُخرفت ـ هي السفلى ..!
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} .. ولكم ولتجمعاتكم وتكتلاتكم كلها الذل والخنوع والهوان مهما انتفشتم بالباطل، واعتززتم بالطواغيت ..!
نقول الحق ونذود عنه .. وتقولون الباطل وتذودون عنه ..!
آمنا بالله واتبعنا الرسول .. وآمنتم بالطواغيت واتبعتم الشياطين ..!
نجاهد في سبيل الله .. وتجاهدون في سبيل الطواغيت ..!
نألم كما تألمون .. ولكن نرجو من الله مالا ترجون ..!
قتلانا في الجنة .. وقتلاكم حطب النار ..!
{ليميز اللهُ الخبيثَ من الطيبِ ويجعلَ الخبيثَ بعضَهُ على بعضٍ فيركُمَهُ جميعاً فيجعَلَهُ في جهنَّمَ أولئك هم الخاسرون} .
{فسيُنفقونها ثمَّ تكونُ عليهم حسرةً ثم يُغلَبون} .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
تعليق