السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصفات الخلقية وما يتعلق بها
المطلب الثالث
أهم الصفات الخَلقية
أولاً : أجنحة الملائكة :
للملائكة أجنحة كما أخبرنا الله تعالى ، فمنهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، أو أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك : ( الحمد لله فاطر السَّماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنَّ الله على كل شيءٍ قدير ٌ ) [ فاطر : 1 ] .
والمعنى أن الله جعلهم أصحاب أجنحة ، بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة أو أربعة ، أو أكثر من ذلك .
وقد سبق ذكر الأحاديث التي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن لجبريل ستمائة جناح .
ثانياً : جمال الملائكة :
خلقهم الله على صور جميلة كريمة قال تعالى في جبريل : ( علَّمه شديد القوى – ذو مرةٍ فاستوى ) [ النجم : 5-6 ] . قال ابن عباس : ( ذو مرة ) : ذو منظر حسن ، وقال قتادة : ذو خَلْقٍ طويل حسن . وقيل : ذو مرة : ذو قوة . ولا منافاة بين القولين ، فهو قوي وحسن المنظر .
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال ، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح ، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك ، انظر إلى ما قالته النسوة في يوسف الصديق عندما رأينه : ( فلما رأينه أكبرنه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ ) [ يوسف : 31 ] .
ثالثاً : هل بين الملائكة والبشر شبه في الشكل والصورة :
روى مسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عُرض عليَّ الأنبياء ، فإذا موسى ضرب من الرجال (1) ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود ، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبُكم ، ( يعني نفسه ) .
ورأيت جبريل عليه السلام ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً ( دحية ) وفي رواية : ( دحية بن خليفة ) (2) .
فهل هذا الشبه كائن بين صورة جبريل الحقيقية وصورة دحية الكلبي ، أم هو بين الصورة التي يكون بها جبريل عندما يتمثل في صورة بشر ؟ ! الأرجح هذا الأخير ؛ لما سيأتي أن جبريل كان يتمثل في صورة دحية كثيراً .
رابعاً : تفاوتهم في الخلق والمقدار :
الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار ، فبعض الملائكة له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة ، وجبريل له ستمائة جناح ، ولهم عند ربهم مقامات متفاوتة معلومة : ( وما منَّا إلاَّ له مقامٌ معلومٌ ) [ الصافات : 164 ] .
وقال في جبريل : ( إنَّه لقول رسولٍ كريمٍ – ذي قوةٍ عند ذي العرش مكينٍ ) [ التكوير : 19-20 ] ؛ أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله .
وأفضل الملائكة هم الذين شهدوا معركة بدر ، ففي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع : أن جبريل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما تعدّون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين ، أو كلمة نحوها ، قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة ) (3) .
خامساً : لا يوصفون بالذكورة والأنوثة :
من أسباب ضلال بني آدم في حديثهم عن عوالم الغيب أن بعضهم يحاول إخضاع هذه العوالم لمقاييسه البشرية الدنيوية ، فنرى أحداً من هؤلاء يعجب في مقال له من أن جبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثوان من توجيه سؤال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى جواب من الله ، فكيف يأتي بهذه السرعة الخارقة ، والضوء يحتاج إلى ملايين السنوات الضوئية ؛ ليصل إلى بعض الكواكب القريبة من السماء .
وما درى هذا المسكين أن مثله كمثل بعوضة ، تحاول أن تقيس سرعة الطائرة بمقياسها الخاص ، لو تفكر في الأمر ، لعلم أن عالم الملائكة له مقاييس تختلف تماماً عن مقاييسنا نحن البشر .
ولقد ضلّ في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكة إناث ، واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر ؛ إذ زعموا أن هؤلاء الإناث بنات الله .
وناقشهم القرآن في هاتين القضيتين ، فبين أنهم – فيما ذهبوا إليه – لم يعتمدوا على دليل صحيح ، وأن هذا القول قول متهافت ، ومن عجب أنهم ينسبون لله البنات ، وهم يكرهون البنات ، وعندما يبشر أحدهم أنه رزق بنتاً يظل وجهه مسوداً وهو كظيم ، وقد يتوارى من الناس خجلاً من سوء ما بُشر به ، وقد يتعدى هذا المأفون طوره ، فيدس هذه المولودة في التراب ، ومع ذلك كله ينسبون لله الولد ، ويزعمون أنهم إناث ، وهكذا تنشأ الخرافة ، وتتفرع في عقول الذين لا يتصلون بالنور الإلهي .
استمع إلى الآيات التالية تحكي هذه الخرافة وتناقش أصحابها : ( فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون – أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون – ألا أنهم من إفكهم ليقولون – ولد الله وإنَّهم لكاذبون – أَصْطَفَى البنات على البنين – ما لكم كيف تحكمون – أفلا تذكرون – أم لكم سلطانٌ مبينٌ ) [ الصافات : 149-156 ] .
وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها ، فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرَّحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ) [ الزخرف : 19 ] (4) .
سادساً : لا يأكلون ولا يشربون :
أشرنا من قبل أنهم لا يوصفون بالذكورة والأنوثة ، وكذلك هم لا يحتاجون إلى طعام البشر وشرابهم ، فقد أخبرنا الله أن الملائكة جاؤوا إبراهيم في صورة بشر ، فقدّم لهم الطعام ، فلم تمتد أيديهم إليه ، فأوجس منهم خيفة ، فكشفوا له عن حقيقتهم ، فزال خوفه واستغرابه : ( هل أَتَاكَ حديث ضيف إبراهيم المكرمين – إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ منكرون – فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمينٍ – فقرَّبه إليهم قال ألا تأكلون – فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشَّروه بغلامٍ عليم ٍ ) [ الذاريات : 24-28 ] .
وفي آية أخرى قال : ( فلمَّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خِيفَةً قالوا لا تخف إنَّا أرسلنا على قوم لوطٍ ) [ هود : 70 ] .
ونقل السيوطي عن الفخر الرازي : أن العلماء اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون (5) .
سابعاً : لا يملّون ولا يتعبون :
والملائكة يقومون بعبادة الله وطاعته وتنفيذ أوامره ، بلا كلل ولا ملل ، ولا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك ، قال تعالى في وصف الملائكة : ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) [ الأنبياء : 20 ] .
ومعنى لا يفترون : لا يضعفون . وفي الآية الأخرى : ( فالَّذين عند ربك يسبحون له بالَّليل والنَّهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] تقول العرب : سئم الشيء ، أي : ملّه .
وقد استدل السيوطي بقوله : ( لا يفترون ) على أن الملائكة لا ينامون ، ونقله عن الفخر الرازي (6) .
ثامناً : منازل الملائكة :
منازل الملائكة ومساكنها السماء ، كما قال تعالى : ( تكاد السَّماوات يتفطَّرن من فوقهنَّ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ) [ الشورى : 5 ] .
وقد وصفهم الله تعالى بأنهم عنده : ( فإن استبكروا فالَّذين عن ربك يسبحون له بالَّليل والنَّهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] .
وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات نيطت بهم ، ووكلت إليهم : ( وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك ) [ مريم : 64 ] . ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر : ( ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ – تنزَّلُ الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) [ القدر : 3-4 ] .
تاسعاً : أعداد الملائكة :
الملائكة خلـق كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم : ( وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو ) [ المدثر : 31 ] .
وإذا أردت أن تعلم كثرتهم ، فاسمع ما قاله جبريل عن البيت المعمور ، عندما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه عندما بلغه في الإسراء : ( هذا البيت المعمور يصلي فيه في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم ) (7) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) (8) . فعلى ذلك فإن الذين يأتون بجهنم يوم القيامة أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك .
وإذا تأملت النصوص الواردة في الملائكة التي تقوم على الإنسان علمت مدى كثرتهم ، فهناك ملك موكل بالنطفة ، وملكان لكتابة أعمال كل إنسان ، وملائكة لحفظه ، وقرين ملكي لهدايته وإرشاده .
عاشراً : أسماء الملائكة :
للملائكة أسماء ، ونحن لا نعرف من أسماء الملائكة إلا القليل ، وإليك الآيات التي ورد فيها أسماء بعض الملائكة :
1 ، 2- جبريل وميكائيل :
قال تعالى : ( قل من كان عدوّاً لجبريل فإنَّه نزله على قلبك بإذن الله مصدّقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين – من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل و وَمِيكَالَ فإنَّ الله عدوٌّ للكافرين ) [ البقرة : 97-98 ] .
وجبريل هو الروح الأمين المذكور في قوله تعالى : ( نزل به الرُّوح الأمينُ – على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193-194 ] .
وهو الروح المعني في قوله : ( تنزَّل الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربهم ) [القدر:4] .
وهو الروح الذي أرسله إلى مريم : ( فأرسلنا إليها روحنا ) [ مريم : 17 ] .
3- إسرافيل :
ومن الملائكة إسرافيل الذي ينفخ في الصور .
وجبريل وميكائيل وإسرافيل هم الذين كان يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، في دعائه عندما يستفتح صلاته من الليل : ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه مـن الحقّ بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) (9) .
4- مالك :
ومنهم مالك خازن النار : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربُّك قال إنَّكم مَّاكثون ) [الزخرف : 77] .
5- رضوان :
قال ابن كثير : " وخازن الجنّة ملك يقال له رضوان ، جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث " (10) .
6 ، 7- منكر ونكير :
ومن الملائكة الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم منكر ونكير ، وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر .
8 ، 9- هاروت وماروت :
ومنهم ملكان سماهما الله باسم ( هاروت وماروت ) قال تعالى : ( وما كفر سليمان ولكنَّ الشَّياطين كفروا يعلمون النَّاس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحدٍ حتَّى يقولا إنَّما نحن فتنةٌ فلا تكفر ) [ البقرة : 102 ] .
ويبدو من سياق الآية أن الله بعثهما فتنة للناس في فترة من الفترات ، وقد نُسجت حولهما في كتب التفسير وكتب التاريخ أساطير كثيرة ، لم يثبت شيء منها في الكتاب والسنة ، فيكتفى في معرفة أمرهما بما دلت عليه الآية الكريمة .
عزرائيل :
وقد جاء في بعض الآثار تسمية ملك الموت باسم عزرائيل ، ولا وجود لهذا الاسم في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحيحة (11) .
رقيب وعتيد :
يذكر بعض العلماء أن من الملائكة من اسمه رقيب وعتيد ، استدلالاً بقوله تعالى : ( إذ يتلقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ – مَّا يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيدٌ ) [ ق : 17-18 ] .
وما ذكروه غير صحيح ، فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد ، ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي : ملكان حاضران شاهدان ، لا يغيبان عن العبد ، وليس المراد أنهما اسمان للملكين .
الحادي عشر : موت الملائكة :
الملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن ، وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى : ( ونفخ في الصُّور فصعق من في السَّماوات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون ) [ الزمر : 68 ] .
فالملائكة تشملهم الآية ؛ لأنهم في السماء ، يقول ابن كثير عند تفسيره هذه الآية : " هذه هي النفخة الثانية ، وهي نفخة الصعق ، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله كما جاء مصرحاً به مفسراً في حديث الصور المشهور ، ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت ، وينفرد الحي القيوم ، الذي كان أولاً ، وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء ، ويقول : لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول : ( لله الواحد القهَّار ) [ غافر : 16 ] " .
ومما يدّل على أنهم يموتون قوله تعالى : ( كلُّ شيءٍ هالك إلاَّ وجهه ) [ القصص : 88 ] .
وهل يموت أحد منهم قبل نفخة الصور ؟ هذا ما لا نعلمه ، ولا نستطيع الخوض فيه ؛ لعدم وجود النصوص المثبتة له أو النافية .
الصفات الخلقية وما يتعلق بها
المطلب الثالث
أهم الصفات الخَلقية
أولاً : أجنحة الملائكة :
للملائكة أجنحة كما أخبرنا الله تعالى ، فمنهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، أو أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك : ( الحمد لله فاطر السَّماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنَّ الله على كل شيءٍ قدير ٌ ) [ فاطر : 1 ] .
والمعنى أن الله جعلهم أصحاب أجنحة ، بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة أو أربعة ، أو أكثر من ذلك .
وقد سبق ذكر الأحاديث التي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن لجبريل ستمائة جناح .
ثانياً : جمال الملائكة :
خلقهم الله على صور جميلة كريمة قال تعالى في جبريل : ( علَّمه شديد القوى – ذو مرةٍ فاستوى ) [ النجم : 5-6 ] . قال ابن عباس : ( ذو مرة ) : ذو منظر حسن ، وقال قتادة : ذو خَلْقٍ طويل حسن . وقيل : ذو مرة : ذو قوة . ولا منافاة بين القولين ، فهو قوي وحسن المنظر .
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال ، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح ، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك ، انظر إلى ما قالته النسوة في يوسف الصديق عندما رأينه : ( فلما رأينه أكبرنه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ ) [ يوسف : 31 ] .
ثالثاً : هل بين الملائكة والبشر شبه في الشكل والصورة :
روى مسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عُرض عليَّ الأنبياء ، فإذا موسى ضرب من الرجال (1) ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود ، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبُكم ، ( يعني نفسه ) .
ورأيت جبريل عليه السلام ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً ( دحية ) وفي رواية : ( دحية بن خليفة ) (2) .
فهل هذا الشبه كائن بين صورة جبريل الحقيقية وصورة دحية الكلبي ، أم هو بين الصورة التي يكون بها جبريل عندما يتمثل في صورة بشر ؟ ! الأرجح هذا الأخير ؛ لما سيأتي أن جبريل كان يتمثل في صورة دحية كثيراً .
رابعاً : تفاوتهم في الخلق والمقدار :
الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار ، فبعض الملائكة له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة ، وجبريل له ستمائة جناح ، ولهم عند ربهم مقامات متفاوتة معلومة : ( وما منَّا إلاَّ له مقامٌ معلومٌ ) [ الصافات : 164 ] .
وقال في جبريل : ( إنَّه لقول رسولٍ كريمٍ – ذي قوةٍ عند ذي العرش مكينٍ ) [ التكوير : 19-20 ] ؛ أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله .
وأفضل الملائكة هم الذين شهدوا معركة بدر ، ففي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع : أن جبريل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما تعدّون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين ، أو كلمة نحوها ، قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة ) (3) .
خامساً : لا يوصفون بالذكورة والأنوثة :
من أسباب ضلال بني آدم في حديثهم عن عوالم الغيب أن بعضهم يحاول إخضاع هذه العوالم لمقاييسه البشرية الدنيوية ، فنرى أحداً من هؤلاء يعجب في مقال له من أن جبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثوان من توجيه سؤال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى جواب من الله ، فكيف يأتي بهذه السرعة الخارقة ، والضوء يحتاج إلى ملايين السنوات الضوئية ؛ ليصل إلى بعض الكواكب القريبة من السماء .
وما درى هذا المسكين أن مثله كمثل بعوضة ، تحاول أن تقيس سرعة الطائرة بمقياسها الخاص ، لو تفكر في الأمر ، لعلم أن عالم الملائكة له مقاييس تختلف تماماً عن مقاييسنا نحن البشر .
ولقد ضلّ في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكة إناث ، واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر ؛ إذ زعموا أن هؤلاء الإناث بنات الله .
وناقشهم القرآن في هاتين القضيتين ، فبين أنهم – فيما ذهبوا إليه – لم يعتمدوا على دليل صحيح ، وأن هذا القول قول متهافت ، ومن عجب أنهم ينسبون لله البنات ، وهم يكرهون البنات ، وعندما يبشر أحدهم أنه رزق بنتاً يظل وجهه مسوداً وهو كظيم ، وقد يتوارى من الناس خجلاً من سوء ما بُشر به ، وقد يتعدى هذا المأفون طوره ، فيدس هذه المولودة في التراب ، ومع ذلك كله ينسبون لله الولد ، ويزعمون أنهم إناث ، وهكذا تنشأ الخرافة ، وتتفرع في عقول الذين لا يتصلون بالنور الإلهي .
استمع إلى الآيات التالية تحكي هذه الخرافة وتناقش أصحابها : ( فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون – أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون – ألا أنهم من إفكهم ليقولون – ولد الله وإنَّهم لكاذبون – أَصْطَفَى البنات على البنين – ما لكم كيف تحكمون – أفلا تذكرون – أم لكم سلطانٌ مبينٌ ) [ الصافات : 149-156 ] .
وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها ، فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرَّحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ) [ الزخرف : 19 ] (4) .
سادساً : لا يأكلون ولا يشربون :
أشرنا من قبل أنهم لا يوصفون بالذكورة والأنوثة ، وكذلك هم لا يحتاجون إلى طعام البشر وشرابهم ، فقد أخبرنا الله أن الملائكة جاؤوا إبراهيم في صورة بشر ، فقدّم لهم الطعام ، فلم تمتد أيديهم إليه ، فأوجس منهم خيفة ، فكشفوا له عن حقيقتهم ، فزال خوفه واستغرابه : ( هل أَتَاكَ حديث ضيف إبراهيم المكرمين – إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ منكرون – فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمينٍ – فقرَّبه إليهم قال ألا تأكلون – فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشَّروه بغلامٍ عليم ٍ ) [ الذاريات : 24-28 ] .
وفي آية أخرى قال : ( فلمَّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خِيفَةً قالوا لا تخف إنَّا أرسلنا على قوم لوطٍ ) [ هود : 70 ] .
ونقل السيوطي عن الفخر الرازي : أن العلماء اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون (5) .
سابعاً : لا يملّون ولا يتعبون :
والملائكة يقومون بعبادة الله وطاعته وتنفيذ أوامره ، بلا كلل ولا ملل ، ولا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك ، قال تعالى في وصف الملائكة : ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) [ الأنبياء : 20 ] .
ومعنى لا يفترون : لا يضعفون . وفي الآية الأخرى : ( فالَّذين عند ربك يسبحون له بالَّليل والنَّهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] تقول العرب : سئم الشيء ، أي : ملّه .
وقد استدل السيوطي بقوله : ( لا يفترون ) على أن الملائكة لا ينامون ، ونقله عن الفخر الرازي (6) .
ثامناً : منازل الملائكة :
منازل الملائكة ومساكنها السماء ، كما قال تعالى : ( تكاد السَّماوات يتفطَّرن من فوقهنَّ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ) [ الشورى : 5 ] .
وقد وصفهم الله تعالى بأنهم عنده : ( فإن استبكروا فالَّذين عن ربك يسبحون له بالَّليل والنَّهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] .
وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات نيطت بهم ، ووكلت إليهم : ( وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك ) [ مريم : 64 ] . ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر : ( ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ – تنزَّلُ الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) [ القدر : 3-4 ] .
تاسعاً : أعداد الملائكة :
الملائكة خلـق كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم : ( وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو ) [ المدثر : 31 ] .
وإذا أردت أن تعلم كثرتهم ، فاسمع ما قاله جبريل عن البيت المعمور ، عندما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه عندما بلغه في الإسراء : ( هذا البيت المعمور يصلي فيه في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم ) (7) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) (8) . فعلى ذلك فإن الذين يأتون بجهنم يوم القيامة أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك .
وإذا تأملت النصوص الواردة في الملائكة التي تقوم على الإنسان علمت مدى كثرتهم ، فهناك ملك موكل بالنطفة ، وملكان لكتابة أعمال كل إنسان ، وملائكة لحفظه ، وقرين ملكي لهدايته وإرشاده .
عاشراً : أسماء الملائكة :
للملائكة أسماء ، ونحن لا نعرف من أسماء الملائكة إلا القليل ، وإليك الآيات التي ورد فيها أسماء بعض الملائكة :
1 ، 2- جبريل وميكائيل :
قال تعالى : ( قل من كان عدوّاً لجبريل فإنَّه نزله على قلبك بإذن الله مصدّقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين – من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل و وَمِيكَالَ فإنَّ الله عدوٌّ للكافرين ) [ البقرة : 97-98 ] .
وجبريل هو الروح الأمين المذكور في قوله تعالى : ( نزل به الرُّوح الأمينُ – على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193-194 ] .
وهو الروح المعني في قوله : ( تنزَّل الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربهم ) [القدر:4] .
وهو الروح الذي أرسله إلى مريم : ( فأرسلنا إليها روحنا ) [ مريم : 17 ] .
3- إسرافيل :
ومن الملائكة إسرافيل الذي ينفخ في الصور .
وجبريل وميكائيل وإسرافيل هم الذين كان يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، في دعائه عندما يستفتح صلاته من الليل : ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه مـن الحقّ بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) (9) .
4- مالك :
ومنهم مالك خازن النار : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربُّك قال إنَّكم مَّاكثون ) [الزخرف : 77] .
5- رضوان :
قال ابن كثير : " وخازن الجنّة ملك يقال له رضوان ، جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث " (10) .
6 ، 7- منكر ونكير :
ومن الملائكة الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم منكر ونكير ، وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر .
8 ، 9- هاروت وماروت :
ومنهم ملكان سماهما الله باسم ( هاروت وماروت ) قال تعالى : ( وما كفر سليمان ولكنَّ الشَّياطين كفروا يعلمون النَّاس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحدٍ حتَّى يقولا إنَّما نحن فتنةٌ فلا تكفر ) [ البقرة : 102 ] .
ويبدو من سياق الآية أن الله بعثهما فتنة للناس في فترة من الفترات ، وقد نُسجت حولهما في كتب التفسير وكتب التاريخ أساطير كثيرة ، لم يثبت شيء منها في الكتاب والسنة ، فيكتفى في معرفة أمرهما بما دلت عليه الآية الكريمة .
عزرائيل :
وقد جاء في بعض الآثار تسمية ملك الموت باسم عزرائيل ، ولا وجود لهذا الاسم في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحيحة (11) .
رقيب وعتيد :
يذكر بعض العلماء أن من الملائكة من اسمه رقيب وعتيد ، استدلالاً بقوله تعالى : ( إذ يتلقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ – مَّا يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيدٌ ) [ ق : 17-18 ] .
وما ذكروه غير صحيح ، فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد ، ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي : ملكان حاضران شاهدان ، لا يغيبان عن العبد ، وليس المراد أنهما اسمان للملكين .
الحادي عشر : موت الملائكة :
الملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن ، وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى : ( ونفخ في الصُّور فصعق من في السَّماوات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون ) [ الزمر : 68 ] .
فالملائكة تشملهم الآية ؛ لأنهم في السماء ، يقول ابن كثير عند تفسيره هذه الآية : " هذه هي النفخة الثانية ، وهي نفخة الصعق ، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله كما جاء مصرحاً به مفسراً في حديث الصور المشهور ، ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت ، وينفرد الحي القيوم ، الذي كان أولاً ، وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء ، ويقول : لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول : ( لله الواحد القهَّار ) [ غافر : 16 ] " .
ومما يدّل على أنهم يموتون قوله تعالى : ( كلُّ شيءٍ هالك إلاَّ وجهه ) [ القصص : 88 ] .
وهل يموت أحد منهم قبل نفخة الصور ؟ هذا ما لا نعلمه ، ولا نستطيع الخوض فيه ؛ لعدم وجود النصوص المثبتة له أو النافية .
تعليق