الـــــــــــــوفـــــــــــاء
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ([1]) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد : فياأيها الأحبة في الله تحدثت في الخطبة الماضية عن أعلى درجات الوفاء وهي الوفاء مع الله ومع دين الله ، واليوم أود الحديث عن الوفاء في حياة الناس الوفاء بين الناس ، وأول ما تذكر هذه القضية يتبادر إلى الذهن الوفاء بالعقود ، عقود البيع والشراء عقود الشركات ، عقود النكاح ونحوها تلك العقود وغيرها من العقود المباحة يقول فيها الرب سبحانه آمراً : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..}(2).فما هو حال الناس اليوم مع الوفاء بالعقود؟ إذا أردنا أن نعرف ذلك فلننظر إلى القضايا في المحاكم والجهات التنفيذية كالحقوق المدنية ونحوها فنجد أن أغلب القضايا نشأت بسبب عدم الوفاء بالعقود إما من طرف واحد وإما من الطرفين ، وهناك فئة من الناس تبيت النية على نقض العقد وعدم الوفاء به وهم في لحظات توقيع العقد ! فهناك المستأجر الذي يبيت النية بعدم الوفاء بالعقد للمؤجر ، وهناك الزوج الذي يبيت النية بعدم الوفاء لزوجته بشروط العقد وهكذا ….ويحذرنا من مثل هذه السلوكيات خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه بقوله : ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ))(3).فهل يعي أولئك الذين لا يوفون بعقودهم أن ذلك خصلة من خصال النفاق ؟ ولكن أيها الأحبة ليس كل من لم يف بالعقود يدخل في ذلك.لا.فإن هناك من لم يف بالعقد لظرف قاهر عجز معه عن الوفاء بالعقد كفقر أو إفلاس فهذا يختلف عمن يتعمد عدم الوفاء بالعقد بل حبب الله في إعذاره ومساعدته في مثل تلك الظروف ومثال ذلك قوله تعالى في آية الدين:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(4).
ومن صور الوفاء التي بدأ يلمس الفرد ضعف الوفاء بها الوفاء للوالدين الأب والأم اللذان أنفقا حياتهما ومالهما وجهدهما في سبيل إسعاد أولادهم فما النتيجة ؟ يكونان محبوبان ماداما بصحة وعافية يذهبان ويأتيان وينفقان أما إذا كبرا أو افتقرا واحتاجا أو مرضا فيصبحان عبئاً ثقيلاً يحرص والعياذ بالله كل ولد أن يتنصل من خدمتهم ويدفعهم إلى الآخر،أو قد يكون مصيرهم في النهاية إلى دور الرعاية الاجتماعية!وما علم أولئك الأولاد بأن هذا دين سيسددونه في حياتهم فما فعلوه بآبائهم سيفعله غداً بهم أبناؤهم.وليس ذلك نهاية المطاف فما ينتظرهم في الآخرة اكبر أما سمعوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ))(5).
ومن صور الوفاء الوفاء بين الزوجين وهناك مع الأسف من الزوجات من جعلت وفاءها لزوجها مرتبط بقضايا دنيوية بحتة فما دام زوجها قوياً غنياً جميلاً صحيحاً كانت وفية له،أما إذا وجدت والعياذ بالله أو زين لها الشيطان بأن غيره عنده ما هو أفضل تنكرت لزوجها بل وقد تتنكر لبيتها وأولادها؛وقدوتها في ذلك بطلات المسلسلات وأفلام القنوات،وينقلب الوفاء غدراً وتطالب بالطلاق بحثاً عما تريد هذا إن سلمت والعياذ بالله من الحرام،ومنهن من تكون و فية لزوجها في حال صحته وشبابه وكثرة ماله فإذا شاب شعره وكبر سنه ورق عظمه قلبت له ظهر المجن وتطاولت عليه بلسانها وآذته بأفعالها بل قد يصل الحال ببعضهن إلى أن تسلط عليه أبناءه وتحرضهم على عدم الوفاء له والبر به فيعود ذلك الأسد الذي كان يملؤ البيت زئيراً قطة مهملة في ركن من أركان البيت،فأسأل هذا الصنف من النساء أين الوفاء للرابطة الزوجية المقدسة أين كن من قول الهادي البشير: ((..لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ))(6). وفي المقابل هناك من الرجال من قل وفاؤهم لنسائهم فهو وفي لزوجته ما دامت تقوم على خدمته وخدمة بيته وأولاده محتفظة بجمالها فإذا ما كبرت وذهب شيء من جمالها أو ابتليت بداء أو مرض،أو حتى أغضبته في أمر بسيط من أمور الحياة الزوجية ، تنكر لها ولما قدمته له وعاقبها بطلاقها وقد يستخدم أولادها أداة لزيادة تعذيبها أو قد يتركها في البيت كشيء مهمل ليس له قيمة ويبحث عن زوجة صغيرة رشيقة جميلة يقضي معها حياته ولا يعطي هذه المسكينة حقوقها التي شرعها الله لها بل قد ينساها هي وأولادها،فتتحول تلك الزهرة التي كانت تملأ البيت أريجاً وعطراً والتي طالما تغنى بجمالها إلى زهرة ذابلة الأوراق ليس لها في حياته معنى.فأقول لمثل هؤلاء الرجال أينكم من وصية رسولكم لكم بالنساء يوم أن قال: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ))(7).أقول لهم أين أنتم من وفاء قدوتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهاهو يذكر حسنات خديجة بعد وفاتها بسنوات على الرغم من النساء التي كن عنده.ومن أقذر صور عدم الوفاء بين الزوجين أنه في حالة حدوث مشكلات بينهما أو طلاق لا قدر الله فيقوم كل طرف بذم الآخر ويضع فيه من ا لعيوب ما فيه وما ليس فيه وينسى أو يتناسى كل طرف منهما ما قضاه من ساعات سعادة وما نهل من أفضال الآخر . وقائمة صور الإخلال بالوفاء أيها الأخوة تطول لكني أحب أن أختم بالوفاء بين الإخوان والأخوات الذين رضعوا من ثدي واحد وأكلوا من صحن واحد وشربوا من كأس واحد وتربوا في بيت واحد تجدهم حينما كبروا فرقت بينهم الحياة ونسوا الوفاء ، فكم من أخت تشكو فتقول قدر الله علي الطلاق وقد مات والديَّ وألجأتني الحاجة إلى إخوتي فإذا بهم يشترطون على شروطاً قاسية يطلبون مني أن أتخلى عن أولادي لرجل غير مؤهل أن يعتني بهم،بل قد يقول الواحد منهم بالحرف الواحد نحن نقوم بأمرك ولكن لا نقوم بأمر أولاد الناس،فعجباً لهم هل يستطيعون هم أن يتخلوا عن أبنائهم،فكيف يطالبون الأم ذات القلب الرقيق أن ترمي بأولادها للشارع،وفي المقابل هناك أخوات أحسن إليهن إخوانهن لكنهن لم يقدرن ذلك والعياذ بالله بل منهن من أدخلت الرجل في مشكلات مع زوجته بسبب حقدها لماذا تعيش هذه المرأة سعيدة مع أخي وأنا مطلقة أو أرملة أو لا أجد زوجاً أعيش معه ، وإذا بها تحتقر كلما يقدمه لها أخوها فإذا اشترى لها سلعة قالت أنت تشتري لي أسوء السلع وتشتري لزوجتك أغلاها،وإذا اشترى لها طعاماً قالت أنت تشتري لي أسوأ الطعام وتشتري لزوجتك أفضله وهكذا فأقول لها احمدي الله الذي يسر لكي من يقوم على أمرك وكوني قنوعة شاكرة وفية لهذا الأخ الذي أحسن إليك،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}(8).
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وربوا أنفسكم وأولادكم ونساءكم على الوفاء تسعدوا وتسعد أمتكم ، معاشر الأوفياء إن الوفاء إذا فقد في حياة الناس تحولت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، وتتعرقل حركة الحياة فالرجل لا يتزوج مخافة عدم وفاة زوجته والمرأة لا تتزوج مخافة عدم وفاء زوجها لها ، والزوجان يقللان من الإنجاب مخافة عدم وفاء الأبناء والتجار كل يخاف من الآخر ألا يفي له بعقده ، وهكذا تعيش الأمة في حالة من الشك والاضطراب ، أيها الأحبة في الله في مجتمعنا بفضل الله لا زال للوفاء مكانه ولا زال الوفاء يعد من خصال الخير ، ولا زال هناك الكثير من الأوفياء لكن لا بد من الاعتراف بأن هناك مظاهر من قلة الوفاء بدأت تظهر كبثور على وجه مجتمعنا الإسلامي الجميل فأحببت التنبيه عليها حتى يسعى كل منا في مجاله لعلاجها وعدم تحولها إلى مرض خبيث يجتاح المجتمع ، واعلموا رحمني الله وإياكم أن هناك علاقة تلازم بين انتشار الوفاء في المجتمع وبين تمسك الناس بدينهم ؛ فكلما كان الناس أكثر حرصاً على التمسك بدينهم كلما انتشر الوفاء بين الناس وعم وكلما والعياذ بالله حرص الناس على الدنيا وابتعدوا عن دينهم كلما ظهرت وتكاثرت مظاهر عدم الوفاء في المجتمع .
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ([1]) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد : فياأيها الأحبة في الله تحدثت في الخطبة الماضية عن أعلى درجات الوفاء وهي الوفاء مع الله ومع دين الله ، واليوم أود الحديث عن الوفاء في حياة الناس الوفاء بين الناس ، وأول ما تذكر هذه القضية يتبادر إلى الذهن الوفاء بالعقود ، عقود البيع والشراء عقود الشركات ، عقود النكاح ونحوها تلك العقود وغيرها من العقود المباحة يقول فيها الرب سبحانه آمراً : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..}(2).فما هو حال الناس اليوم مع الوفاء بالعقود؟ إذا أردنا أن نعرف ذلك فلننظر إلى القضايا في المحاكم والجهات التنفيذية كالحقوق المدنية ونحوها فنجد أن أغلب القضايا نشأت بسبب عدم الوفاء بالعقود إما من طرف واحد وإما من الطرفين ، وهناك فئة من الناس تبيت النية على نقض العقد وعدم الوفاء به وهم في لحظات توقيع العقد ! فهناك المستأجر الذي يبيت النية بعدم الوفاء بالعقد للمؤجر ، وهناك الزوج الذي يبيت النية بعدم الوفاء لزوجته بشروط العقد وهكذا ….ويحذرنا من مثل هذه السلوكيات خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه بقوله : ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ))(3).فهل يعي أولئك الذين لا يوفون بعقودهم أن ذلك خصلة من خصال النفاق ؟ ولكن أيها الأحبة ليس كل من لم يف بالعقود يدخل في ذلك.لا.فإن هناك من لم يف بالعقد لظرف قاهر عجز معه عن الوفاء بالعقد كفقر أو إفلاس فهذا يختلف عمن يتعمد عدم الوفاء بالعقد بل حبب الله في إعذاره ومساعدته في مثل تلك الظروف ومثال ذلك قوله تعالى في آية الدين:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(4).
ومن صور الوفاء التي بدأ يلمس الفرد ضعف الوفاء بها الوفاء للوالدين الأب والأم اللذان أنفقا حياتهما ومالهما وجهدهما في سبيل إسعاد أولادهم فما النتيجة ؟ يكونان محبوبان ماداما بصحة وعافية يذهبان ويأتيان وينفقان أما إذا كبرا أو افتقرا واحتاجا أو مرضا فيصبحان عبئاً ثقيلاً يحرص والعياذ بالله كل ولد أن يتنصل من خدمتهم ويدفعهم إلى الآخر،أو قد يكون مصيرهم في النهاية إلى دور الرعاية الاجتماعية!وما علم أولئك الأولاد بأن هذا دين سيسددونه في حياتهم فما فعلوه بآبائهم سيفعله غداً بهم أبناؤهم.وليس ذلك نهاية المطاف فما ينتظرهم في الآخرة اكبر أما سمعوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ))(5).
ومن صور الوفاء الوفاء بين الزوجين وهناك مع الأسف من الزوجات من جعلت وفاءها لزوجها مرتبط بقضايا دنيوية بحتة فما دام زوجها قوياً غنياً جميلاً صحيحاً كانت وفية له،أما إذا وجدت والعياذ بالله أو زين لها الشيطان بأن غيره عنده ما هو أفضل تنكرت لزوجها بل وقد تتنكر لبيتها وأولادها؛وقدوتها في ذلك بطلات المسلسلات وأفلام القنوات،وينقلب الوفاء غدراً وتطالب بالطلاق بحثاً عما تريد هذا إن سلمت والعياذ بالله من الحرام،ومنهن من تكون و فية لزوجها في حال صحته وشبابه وكثرة ماله فإذا شاب شعره وكبر سنه ورق عظمه قلبت له ظهر المجن وتطاولت عليه بلسانها وآذته بأفعالها بل قد يصل الحال ببعضهن إلى أن تسلط عليه أبناءه وتحرضهم على عدم الوفاء له والبر به فيعود ذلك الأسد الذي كان يملؤ البيت زئيراً قطة مهملة في ركن من أركان البيت،فأسأل هذا الصنف من النساء أين الوفاء للرابطة الزوجية المقدسة أين كن من قول الهادي البشير: ((..لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ))(6). وفي المقابل هناك من الرجال من قل وفاؤهم لنسائهم فهو وفي لزوجته ما دامت تقوم على خدمته وخدمة بيته وأولاده محتفظة بجمالها فإذا ما كبرت وذهب شيء من جمالها أو ابتليت بداء أو مرض،أو حتى أغضبته في أمر بسيط من أمور الحياة الزوجية ، تنكر لها ولما قدمته له وعاقبها بطلاقها وقد يستخدم أولادها أداة لزيادة تعذيبها أو قد يتركها في البيت كشيء مهمل ليس له قيمة ويبحث عن زوجة صغيرة رشيقة جميلة يقضي معها حياته ولا يعطي هذه المسكينة حقوقها التي شرعها الله لها بل قد ينساها هي وأولادها،فتتحول تلك الزهرة التي كانت تملأ البيت أريجاً وعطراً والتي طالما تغنى بجمالها إلى زهرة ذابلة الأوراق ليس لها في حياته معنى.فأقول لمثل هؤلاء الرجال أينكم من وصية رسولكم لكم بالنساء يوم أن قال: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ))(7).أقول لهم أين أنتم من وفاء قدوتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهاهو يذكر حسنات خديجة بعد وفاتها بسنوات على الرغم من النساء التي كن عنده.ومن أقذر صور عدم الوفاء بين الزوجين أنه في حالة حدوث مشكلات بينهما أو طلاق لا قدر الله فيقوم كل طرف بذم الآخر ويضع فيه من ا لعيوب ما فيه وما ليس فيه وينسى أو يتناسى كل طرف منهما ما قضاه من ساعات سعادة وما نهل من أفضال الآخر . وقائمة صور الإخلال بالوفاء أيها الأخوة تطول لكني أحب أن أختم بالوفاء بين الإخوان والأخوات الذين رضعوا من ثدي واحد وأكلوا من صحن واحد وشربوا من كأس واحد وتربوا في بيت واحد تجدهم حينما كبروا فرقت بينهم الحياة ونسوا الوفاء ، فكم من أخت تشكو فتقول قدر الله علي الطلاق وقد مات والديَّ وألجأتني الحاجة إلى إخوتي فإذا بهم يشترطون على شروطاً قاسية يطلبون مني أن أتخلى عن أولادي لرجل غير مؤهل أن يعتني بهم،بل قد يقول الواحد منهم بالحرف الواحد نحن نقوم بأمرك ولكن لا نقوم بأمر أولاد الناس،فعجباً لهم هل يستطيعون هم أن يتخلوا عن أبنائهم،فكيف يطالبون الأم ذات القلب الرقيق أن ترمي بأولادها للشارع،وفي المقابل هناك أخوات أحسن إليهن إخوانهن لكنهن لم يقدرن ذلك والعياذ بالله بل منهن من أدخلت الرجل في مشكلات مع زوجته بسبب حقدها لماذا تعيش هذه المرأة سعيدة مع أخي وأنا مطلقة أو أرملة أو لا أجد زوجاً أعيش معه ، وإذا بها تحتقر كلما يقدمه لها أخوها فإذا اشترى لها سلعة قالت أنت تشتري لي أسوء السلع وتشتري لزوجتك أغلاها،وإذا اشترى لها طعاماً قالت أنت تشتري لي أسوأ الطعام وتشتري لزوجتك أفضله وهكذا فأقول لها احمدي الله الذي يسر لكي من يقوم على أمرك وكوني قنوعة شاكرة وفية لهذا الأخ الذي أحسن إليك،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}(8).
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وربوا أنفسكم وأولادكم ونساءكم على الوفاء تسعدوا وتسعد أمتكم ، معاشر الأوفياء إن الوفاء إذا فقد في حياة الناس تحولت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، وتتعرقل حركة الحياة فالرجل لا يتزوج مخافة عدم وفاة زوجته والمرأة لا تتزوج مخافة عدم وفاء زوجها لها ، والزوجان يقللان من الإنجاب مخافة عدم وفاء الأبناء والتجار كل يخاف من الآخر ألا يفي له بعقده ، وهكذا تعيش الأمة في حالة من الشك والاضطراب ، أيها الأحبة في الله في مجتمعنا بفضل الله لا زال للوفاء مكانه ولا زال الوفاء يعد من خصال الخير ، ولا زال هناك الكثير من الأوفياء لكن لا بد من الاعتراف بأن هناك مظاهر من قلة الوفاء بدأت تظهر كبثور على وجه مجتمعنا الإسلامي الجميل فأحببت التنبيه عليها حتى يسعى كل منا في مجاله لعلاجها وعدم تحولها إلى مرض خبيث يجتاح المجتمع ، واعلموا رحمني الله وإياكم أن هناك علاقة تلازم بين انتشار الوفاء في المجتمع وبين تمسك الناس بدينهم ؛ فكلما كان الناس أكثر حرصاً على التمسك بدينهم كلما انتشر الوفاء بين الناس وعم وكلما والعياذ بالله حرص الناس على الدنيا وابتعدوا عن دينهم كلما ظهرت وتكاثرت مظاهر عدم الوفاء في المجتمع .
تعليق