إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حينما نشتاق ان نعانق القلم بلا استئذان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حينما نشتاق ان نعانق القلم بلا استئذان

    السلآآم عليكم ورحمة الله وبركــآآته

    ***
    حينما نشتاق ان نعانق القلم بلا استئذان



    سؤال محير تتردَّد أصداؤه بين الفَيْنة والأخرى بين حنايا ضلوعنا،
    تساؤل يقاطع الصمتَ ويباغت الظلام، ويلاحقنا باحثًا عن إجابة مُقنعة.

    لماذا نكتب؟؟
    هل تعتبر الكتابة واجبًا إنسانيا أو مهمة اجتماعية؟؟
    هل يصح ادعاؤنا بأنَّ الكتابة بوح لآلام الرُّوح وإفصاح عن بعض معاناتها؟؟
    هل نكتب لنشعلَ بكلماتنا ومشاعرنا شموعَ الأمل في ليل أُمَّتنا الطويل؟؟

    هل نحاول ~ حين نحلِّق بعيدًا بصورنا وأخيلتها واستعاراتها ~ الإفلات من سجن الجسد؟؟
    هل نكتب رغبة في الخلود؟؟
    هل نتخيل كلماتنا سيفا يبارز في معركة أو رمحًا يسابق الرِّيح أو سهمًا يودع كبدَ القوس مشتاقا إلى هدفه؟؟

    نكتب ...
    أحيانًا تألما وشكوى مما يثور في أعماق وِجداننا، وفي أحيان أخرى نكتب نيـابة عمن لا قلمَ له
    ولا صوت، نكتب أحيانا للتنفيس وإراحة لضمائرنا المثقلة والمتعَبة، نكتب اعترافًا ببشريَّتنا وضَعفنا
    وزَلاتنا، وأملاً في الغفران والتوبة.

    نكتب....
    لنحادث غيرنا مُدَّعين القدرة على قراءة أفكارهم، ونحاول عبثًا التعاطُف معهم، والإحساس ببعض
    همومهم.

    نكتب ...
    لنؤثر ونتأثر، نكتب إعلانًا لعِصياننا وتمردنا على تلك القيود والسلاسل، نكتب تظلمًا؛ لنريَ العالم أثَر
    القيد الضيِّق على أرواحنا الكبيرة، نكتب لنرتـاح من الألم مرة واحدة، ولعلَّنا نكتب مرَّات كثيرة؛
    رغبة في المزيد من الألم المُلْهم، نكتب عزاءً لذَواتنـا، وتصبيرًا لكلِّ مَن يبحث عن برد العَزاء وراحة
    السلوى عن كل محبوب ومفقود.

    نكتب ...
    لأننا أنانيون نحب ذَواتنا المتضخِّمة كثيرًا، ونعلن هذا الحبَّ على الملأ بلا خوف ولا خجلٍ، نكتب
    إقرارًا بجهْلنـا، ولنبحثَ عن قبَس هداية ونارٍ دافئة تعيد للذكرى حبَّ الأم اللامتنـاهي، ودِفء

    حضنها وأمنه، مثلنا حين نكتب كطفل يقف على أصابع قَدَميه، ويشد قامته؛ لكي يقنع ابن الجيران
    بأنه أكبر وأفهمُ، وأحيانًا نحاول ببعض كلماتنا الهروبَ من ملاحقة الزمن ودولاب العُمر، فنخلع سرًّا
    ثيابَ الكبار، ونَمسح من صورنا وقارَهم المصطنَع، وسَمتهم المتكلف، ونَركض خلف فراشة الحقل،
    ونضحك بلا سببٍ ضحكات لَم يكدر صفوها التفكير بالغدِ وهموم عالَم الكبار الكئيب.

    نكتب....
    لنستعيد بعض إحساسنا وشعورنا، ونحرِّر دمعات حارة حبستْها بلادة الطبع، وغلاظة الرُّوح، نكتب
    لنغازل الفرح ونُراقص الأمل، نكتب توجُّعًا للأندلس المفقود، وحِدادًا على سقوط بغداد مرة بعد مرَّة،
    ونرفع بكلماتنا عَلَمَ الجهاد؛ لندفع به ذُلاًّ لا يليق بنا، ونطلب تحريرَ البلاد وفتْح القلوب.

    كتاباتنا رُؤًى سعيدة نهرب على أجنحتها من مرارة الحاضر إلى وعد الله الحقِّ، نكتب بحثًا عن الأمن
    والسلام، نكتب ولا بد أن نكتب، فكلماتنا صرخات مخنوقة تؤلِمنا وتُعَذِّبنا، ولا تهدأ ولا تستقر حتى
    تُسمَع، نكتب هربًا من الوحدة القاتلة إلى صُحبة القلم المؤنِس الذي يسـافر بنا إلى بلاد بعيدة، كلُّ
    شيء فيها جديدٌ ومثير، ولَم نَعهده من قبلُ، نهرب على صَهْوته من صمْت الذات إلى حفل صاخبٍ،
    وأحاديث مطولَّة مع صديق قديم، لَم نَرَه منذ زمنٍ بعيد.

    نكتب ...
    لأننا سَئِمنا الكلام الذي سَرعان ما يتبخَّر في الهواء، نكتب لأننا عقلاء ملّوا من عقولهم، واشتهوا
    بعض شطحـات الجنون، واختراق أسوار المستحيل، نكتب لأننا نعشق الزهور ونخاف عليها من
    الذبول، فنحاول عبثًا وصْفَ خدودها الخَجْلَى، وعيونها النَّعْسى، وأنفاسها العاشقة.

    نكتب ...
    لأننا نحب أن نكتب، وحينما نشتاق نُعانق القلم بلا استئذان، ونُراقصه بلا خجلٍ، وحينما يصمت
    القلم وتجدب سَماؤه، نحسُّ بالشقاء وتتلاعب بنا أوهـام الضياع، نحاول الكتابة رغم صدود القلم
    وجَفـوة الحبر وصَمم الورق، نتحدى المستحيل لنكتبَ؛ لأن خلف القلم صقرًا مضطربًـا في أسْرِه،
    وبركان يتململ من هدئه، ويَتوق لانفجار حِمَمه الحمراء والأرجوانية؛ لتحرقَ الغابة الشائخة الهزيلة،
    وتهدي رمادها قربانًا لغد أفضل وغابة أجمل.

    مما راق لي
يعمل...
X