إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية

    بعيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية

    --------------------------------------------------------------------------------





    بسم الله الرحمن الرحيم



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    بعيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية


    الحمد لله ربّ العالمين الذي خلق الخلق وقدّر المقادير وأشهد أنّ الله سبحانه هو الملك القدير ، المعطي المانع ، الضار النافع ، الخافض الرافع ،المعز المذل ؛ المحي المميت , الحي القيوم , مالك الملك, يؤتي ملكه من يشاء وينزع الملك ممن يشاء, إله يستحق العبادة سبحانه ما أعظمه ما أحكمه أشهد بوحدانيته وربوببيته وأشهد أن لا إله إلا الله له الحكم وله الأمر لا نذِل إلا له ولا نعبدُ إلا إيّاه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, وأشهد أن سيدي وقرة عيني وقائدي وأميري محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي مزق الكفر تمزيقاً وهدّم الأصنام الحجرية والبشرية أشهد انّه بأبي وأمي أدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وبلّغ الرسالة وجاهد في سبيل الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين, اللهم اجزيه عنا خير الجزاء واحشرنا معه يوم الحشر يا ربّ العالمين وبعد:


    بداية أتوجه بالشكر الجزيل للإخوة في شبكة شموخ الإسلام عموماً وأخص من دعا لي بظهر الغيب وسأل مطمئناً عني لأنّ شكر الناس من شكر الله, فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال :(لا يشكر الله من لا يشكر الناس) حديث صحيح رواه الإمام أحمد و أبو داود وابن حبان .


    إعلموا يا إخوة التوحيد بأنّ أمة الإسلام كانت أعز أمة على وجه هذه البسيطة حكمت العالم من شرقه لغربه بشرع الله ودانت لها الأمم والمماليك ودخل الناس في دين الله أفواجاً وزُرافات, يومها كان القادة من المسلمين يخاطبون السحاب ويمشون بخيولهم على الماء, يومها كان الكفار يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون, يومها كانت خيول المسلمين لم تمت والسلاح لم يُعرض في المزاد فكان الجهاد ماض على قدم وساق, في ذلك الزمان كان أهل التوحيد يعرفون بأنّ الموت بيد الله وحده وأنّ الجهاد لا يُقدم أجلاً ولا يمنع رزقاً فخاضوا غمار الموت غير وجلين فوُهبت لهم الحياة , بل إنهم طاردوا الموت ففر منهم لأنهم عشقوا الشهادة والجهاد ,كانوا أهل همم عالية فقد وضعوا على كواهلهم دين الله فقرروا أن يسودَ هذا الدين كل الأرض أو تمزّق أجسادهم دون ذلك, كانوا رجالاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى , إلى أن جاء اليوم الذي دُكت فيه معالم دولة الإسلام وسيطر حكم الكفر على بلاد المسلمين وغدا المسلمات أسيرات معذبات سبايا عند عبّاد الصليب, وصار الكثير من المسلمين غُثاء كغثاء السيل بلا قيمة ولا هدف ولا قضية مصيرية يعيشون من أجلها, عندها تحول النصر إلى هزيمة والعز إلى ذل والقوة إلى ضعف والسبب هو حب الدنيا وكراهية الجهاد والموت في سبيل الله , فإذا أردنا ان نكون رجالاً ربانيين لا نخشى في الله لومة لائم يجب علينا أن نجدد فهم بعض المسائل التي تعيدنا لسالف مجدنا فما أحوجنا في زمن الرويبضات الذي نعيشه منذ حين إلى طرح الأفكار السقيمة التي أثقلت كاهلنا وبددت طاقاتنا وكبلت انطلاقتنا وأعاقت مسيرتنا وكرست تخلفنا وذلنا وتبعيتنا ردحا طويلا من الزمن,ما أحوجنا إلى جعل الجاهلية الجديدة تحت أقدامنا وحمل الإسلام منهاج حياة كي نعود للقيادة والريادة من جديد, وأنا لا أريد الغوص بكل المسائل ولكني سأكتفي بثلاثة مسائل هامة جداً وهي : أن الضُر والنفع بيد الله.... وأنّ الرزق بيد الله.... وأنّ الموت بيد الله.


    أولاً : الضُر والنفع بيد الله وحده


    يقول الحق سبحانه وتعالى {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }الأنعام17
    والمعنى وإن يصبك الله تعالى -أيها الإنسان- بشيء يضرك كالفقر والمرض فلا كاشف له إلا هو, وإن يصبك بخير كالغنى والصحة فلا راد لفضله ولا مانع لقضائه, فهو -جل وعلا- القادر على كل شيء, وهذه الآية تؤكد على ترك المخلوقين والتزلف لهم وتحثنا على أن تكون علاقتنا بالله لأنّه وحده الذي يجلب لنا الخير ويرفع عنا الضر.


    قال عامربن عبد قيس رحمه الله ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل اكتفيتُ بهنّ عن جميع الخلائق :


    الآية الأولى{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }يونس107


    والآية الثانية {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }فاطر2


    والآية الثالثة {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }هود6 المرجع \ الجامع لشعب الإيمان.


    القرآن الكريم يؤكد لنا بآيات كثيرة هذه المفاهيم ليجعلها عقيدة حية تعيش في قلوب الأحياء ومن هذه المفاهيم الربانية قول الله جل جلاله:


    {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }الزمر38


    يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية من سورة الزمرما نصه:


    (لقد كانوا يقررون - حين يسألون - أن الله هو خالق السماوات والأرض وما تملك فطرة أن تقول غير هذا , وما يستطيع عقل أن يعلل نشأة السماوات والأرض إلا بوجود إرادة عليا فهو يأخذهم ويأخذ العقلاء جميعاً بهذه الحقيقة الفطرية الواضحة إذا كان الله هو خالق السماوات والأرض فهل يملك أحد أو شيء في هذه السماوات والأرض أن يكشف ضراً أراد الله أن يصيب به عبداً من عباده ? أم يملك أحد أو شيء في هذه السماوات والأرض أن يحبس رحمة أراد الله أن تنال عبداً من عباده ?
    والجواب القاطع أن لا, فإذا تقرر هذا فما الذي يخشاه داعية إلى الله ? ما الذي يخشاه وما الذي يرجوه ? وليس أحد بكاشف الضر عنه ? وليس أحد بمانع الرحمة عنه ? وما الذي يقلقه أو يخيفه أو يصده عن طريقه ?
    إنه متى استقرت هذه الحقيقة في قلب مؤمن فقد انتهى الأمر بالنسبة إليه , وقد انقطع الجدل , وانقطع الخوف وانقطع الأمل إلا في جناب الله سبحانه فهو كاف عبده وعليه يتوكل وحده:
    (قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون)
    ثم إنها الطمأنينة بعد هذا والثقة واليقين, الطمأنينة التي لا تَخاف والثقة التي لا تَقلق واليقين الذي لا يَتزعزع). انتهى كلام سيد قطب رحمه الله.


    وعن عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْاسٍ رَضي اللهُ عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يًوْماً، فقال: " يا غُلامُ إنّي أعلمك كلِماتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَك، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجاهَك، إذا سأَلْتَ فاسْأَلِ اللهَ، وإذا اسْتَعنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ، واعْلَمْ أنَّ الأُمَّة لَو اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُـوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وإن اجْتَمَعُوا على أن يَضُرَّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضُروكَ إلا بِشَيء قد كَتَبهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ". رواه الترمذي وقال:حديث حسن صحيحٌ وفي رواية - غير الترمذي: (اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً).


    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله ولا يضر غيره وكذا جميع ما ذكرنا في مقتضى الربوبية . فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم وأراح الناس من لومه وذمه إياهم وتجرد التوحيد في قلبه فقوي إيمانه وانشرح صدره وتنور قلبه ومن توكل على الله فهو حسبه ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله من عرف الناس استراح . يريد - والله أعلم - أنهم لا ينفعون ولا يضرون...).(مجموع الفتاوى)


    فلو أنّ الأمة كلها من أولها إلى آخرها إنسها وجنها اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك فالأمة لن تستطيع أن تنفع أحداً إلا إذا كان الله قد كتبه له ولن تستطيع أن تضر أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه ,ومن هذا الحديث نتعلم أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عز وجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإنّ المخلوقين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً فالمخلوق عاجز وناقص ومحتاج أما الخالق فهو على كل شيئ قدير سبحانه جل في عُلاه.
    وعلى هذا فإنّ نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة , لأنّه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم أنّ المخلوقين لن يجلبوا لنا خيراً إلا بإذن الخالق جلّ جلاله وإنّهم لن يجلبوا لنا ضراً إلا بإذن الله جل جلاله.
    .
    وما أجمل ما قال الطحاوي رحمه الله: (فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه غير كائن، ليجعلوه كائناً، لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة).


    فإذا تجسدت هذه العقيدة في قلوب الأمة الإسلامية فمن ذا الذي سيقف في وجهها ؟ ومن ذا الذي سيخيفها ؟ إنّ هذه المفاهيم تأتي بالأعاجيب من الأفعال والأقوال وهذه المفاهيم تؤسس رجالاً, الرجل فيهم بأمة لأنّ قلبه قد تعلق بالخالق وحده فهو الذي ينفع ويضر ويحي ويميت ويرزق بغير حساب لا إله إلا أنت ما أعظمك من إله .


    ثانياً : الرزّاق هو الله وحده


    ذكر الإمام مسلم في صحيحه باب كيفية الخلق الاَدمي، في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته

    حَدّثَ الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قال: حَدّثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، وَهُوَ الصّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً ثُمّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ حَتّىَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتّىَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ فَيَدْخُلُهَا". رواه مسلم في صحيحه

    الله أكبر ما أروعه من حديث يهز القلوب الحية لتنتفض متوكلة على خالقها الذي قدّر الرزق والموت قبل أن نشم رائحة الدنيا, فالإنسان في بطن أمه لا زال في شهره الرابع يُكتب رزقه وأجله لماذا يا ترى؟ كي يعلم المسلم بأنّ الرزق قد قدره الله فلا يعيش حياته مهموماً بطلب الرزق تاركاً كتاب ربّه وراء ظهره غاضاً الطرف عن العلمانيين والمرتدين والكفرة بحجة لقمة العيش وطلب الرزق , فيا من تفكر بهذا التفكير أنت لم تفهم التوحيد الصحيح عملياً قد تكون حفظته نظرياً أما واقعاً ملموساً محسوساً فأنت بعيد كل البعد عن فقه هذا الحديث الجليل , فالله جل جلاله قد تكفل برزقك وأجلك ولا زلت إلى الآن تخاف قول الحق وتهرب من حمل السلاح والجهاد والإعداد , ولا زلت تذل نفسك لأحقر الناس وتسكت عن أكبر منكر عرفته البشرية وهو الشرك بالله عن طريق الحاكمية التي جعلت زُبالة الأفكار تحكم البشر .
    فيا أخي الموحد المؤمن إذا افتقرت فاطلب رزقك من مسبب الأرزاق وعوّل عليه في الطلب والدعاء ولا تدعو معهأحداً ، يقول الله جل جلاله {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }الذاريات58
    فما أروع ما قاله العالم الزاهد ابراهيم بن أدهم عندما شكا إليه رجل كثرة عِياله فقال له إبراهيم يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوله الى منزلي..


    ولله در الزاهد المطارد الحسن البصرى رحمه الله عندما سُئل عن سر زهده فى الدنيا فقال أربعة أشياء:
    علمت أنّ رزقى لا يأخذه غيرى فاطمأن قلبى.
    وعلمت أنّ عملى لا يقوم به غيرى فاشتغلت به وحدى.
    وعلمت أنّ الله مطّلع عليّ فاستحييت أن يرانى عاصيا.
    وعلمت أنّ الموت ينتظرنى فأعددت الزاد للقاء ربى.
    نعم هكذا كان السلف الصالح يعتقد في الرزق فلم يُتعبوا أنفسهم في الليل والنهار لطلبه ولم يؤرقهم طلب الرزق لأنهم على عقيدة سليمة عملية وليس كلامية.
    يا إخوة العقيدة هل يخاف الرزق من يقرأ كتاب الله ويدخل شغاف قلبه فاسمعوا قول الله جل جلاله كي تطمئن قلوبكم{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }هود6
    عَنْ ‏ ‏أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ ‏‏قَالَ سَمِعْتُ ‏‏عُمَرَ ‏يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ‏تَغْدُو ‏‏خِمَاصًا ‏وَتَرُوحُ ‏‏بِطَانًا" رواه ابن ماجة
    فإذا كانت البهائم والطيور يرزقها الله فكيف بعباده الموحدين؟ فلا تخشى الرزق يا أخي ما دمت تعتقد اعتقاداً عملياً أنّ الله هو الرزاق, وهذه المفاهيم من المسائل الجلية التي تحقق الإيمان وليس من المسائل الخفية التي يُعذر بها أحد فقد قال الله جل جلاله {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}{23} تكفي هذه الآية كي تؤسس جيلاً ربانياً فريداً من نوعه لأنّ هذه الآية تخاطب كل من كان في قلبه أثارة من إيمان أو حتى بقايا إسلام.. تخاطب العقلاء.. تخاطب كل الناس وتُعلمهم كما أنهم ينطقون من غير إرادتهم فالله يرزقهم من غير إرادتهم, فلا تفنوا أعماركم بطلب الرزق وتتركوا دينكم يتحكم به شرار الناس.
    وانظروا معي إلى ذلك الأعرابي الذي لم يتفقه في الدين ولم يحفظ المطولات والمتون كان يطوف حول الكعبة فسمع قول الله جل جلاله : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ{23}
    فعجب وقَالَ: من أغضب الجبار؟ من أغضب الجبار؟، الأعرابي تعجب من قسم الله لأنّ الناس لا زال عندهم شك في رزق الله فلسان حاله يقول من ذا الذي أغضب الجبار حتى أقسم فقال { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}فمجرد أن سمع ذلك أيقن أنه حق ولامجادلة فيه فهذا الفهم والإعتقاد الذي يجب أن يكون لدى اهل الجهاد والتوحيد ولدى كل من أعلن الإيمان المطلق لله رب الكون.


    قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أيها الناس ! إنه ليس من شيء يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ، وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته).


    فلا يدفعنّكم ضيق العيش وصعوبة الحال إلى معصية الله في طلب الرزق ونغتنمها فرصة كي ننصح العلماء وطلاب العلم ونقول لهم إيّاكم مِن طرق أبواب الطواغيت لكسب المال فلا تبيعوا دينكم العظيم بدنياكم التي لا تساوي عند الله جناح بعوضه بحجج لا قيمة لها كي تُقنعوا النّاس أنكم على خير وأنكم تسيرون على جادّة الطريق فلقد صدّقكم بعض الجهلة من الناس فظنوا أنّ دينهم محفوظ ، وإسلامهم مصون ، وإيمانهم لا غُبار عليه,فالحذر الحذر من تزوير الدين لكسب متاع الدنيا فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ،ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)
    وما أجمل ما قاله الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله
    عليك بتقوى الله إن كنت غافلاً *** يأتيك بالارزاق من حيث لاتدري
    فكيف تخاف الفقر والله رازقاً *** فقد رزق الطير والحوت في البحر
    ومن ظنّ أنّ الرزق يأتي بقوة *** ما أكل العصفور شيئاً مع النَسر



    ثالثاً : الموت بيد الله وحده


    الموت هو مفارقة الروح للجسدوهو أمر لازم لامهرب منه لكل حي من المخلوقات قال الله جل جلاله {... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }القصص88

    فما دام الموت لا مهرب منه وما دام الموت له أجل محدد قد كتبه الله عليك يا أخي وأنت في بطن أمك في كتاب رُفعت فيه الأقلام وجَفت فيه الصُحف فلماذا الخوف الشديد من مجرد ذكر الموت؟
    فما أتعس أولئك الذين أبلوا أجسادهم في غير طاعة الله ، وما أتعس تلك الوجوه العاملة الناصبة التي سجدت وسبحت للطواغيت خوفاً من الموت والإبتلاء، بل ما أتعس الذين كبّلوا أنفسهم بذل المعاصي فأثقلتهم في الدنيا قبل الآخرة, وإنّي أتسائل لماذا عند ذكر الجهاد والشهادة تصبح وجوه الناس عبوساً قمطريرا؟ فهل انتشر الدين إلا بتضحيات الملايين من خيرة الناس ولو أنّ الجيل الأول فقهوا الموت كما فقهه الكثير من النّاس اليوم لكنا اليوم عبّاد أصنام وأحجار وأشجار وأبقار, ولكن من رحمة الله بنا أن جعل في هذه الأمة رجالاً يحبون الموت في سبيل الله كما يحب الطواغيت الحياة . فإذا كان الموت سيُدركنا ويُلاقينا فلنستعدّ له فنحن أمةُ الشهادة أمةُ الجهاد أمة تدرك بأنّ الموت بيد الله فقط قال الله تعالى : {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ } النساء/78
    ويقول جل وعلا : {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ } الجمعة/8
    فالخوف من الموت سببه حب الدنيا والتزين بزينتها والتمسك بزخرفها فإيّاكم ثم إيّاكم أن تجعلوا الدنيا أكبر همكم ومبلغ علمكم ولا تجعلوها في قلوبكم فتُهلككم وتُبكيكم يوم لا ينفع البُكاء فقد قال المجاهد العالم الزاهد محمد بن واسع رحمه الله ( لو رأيتم رجلاً في الجنة يبكي، أما كنتم تعجبون? قالوا بلى، قال: فأعجب منه في الدنيا رجل يضحك ولا يدري إلى ما يصير).
    لذلك الذي كُتب عليه القتل سيموت قتلاً ولو اجتمع الثقلين لحمايته , والذي لم يكتُب الله له القتل ستتعطل خاصيات القتل ولن يستطيع الثقلين قتله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا, سوف تتعطل خاصيات الرصاص والقنابل والصواريخ فالمقدر سوف يقع ولن يرده مخلوق, فكن يا أخي حامل حق لا تهاب الآخرين ، فحامل الحق لا يخشى إلا الله ، وكن ربانياً في أفكارك وتوجيهاتك ، واعمل بما تقول ، ولا تكن عبداً إلا لخالقك وتقرب الى الله بطلب الموت في سبيله.


    يا إخوة المنهج كما أننا لا نجلس ونَعُد دقات قلوبنا خوفاً أن يتوقف القلب عن دقاته ونقول بأنّ الله هو الذي يأمر القلب بالنبض ونرتاح بهذا الفهم ولا نعيش القلق بشأن دقات القلب ,إذاً علينا أن نعتقد اعتقاداً عملياً بأنّ حياتنا تنتهي بقدر الله وأنّ الموت بأمر الله فلا يستطيع أي مخلوق أن يُنهي حياتك إلا عندما ينتهي أجلك, كما انّك يا أخي سلّمت بأنّ دقات قلبك بقدر قدّره الله عليك, فعليك أن تُسلّم بأنّ الأجل مقدر كي تعيش مطمئنا مستسلماً لأوامر الله,
    بهذه العقيدة الإيمانية ترتاح نفوسنا وتطمئن قلوبنا عندها نستطيع زحزحة الجبال بهذه العقيدة الربانية, عندها يُسخّر الله لنا الجمادات والمحسوسات والغيبيات لنصرتنا .


    ويجب أن نعلم بأنّ السبب الوحيد للموت هو إنتهاء الأجل فإذا حان الأجل فلن يقف أمامه شئ مهما كان, وكما قال الفاضل :
    إنَّ الطبيبَ لهُ في الطبِّ معرفـة ٌ *** ما دامَ في أجل ِالإنسان ِتأخيرُ
    حــتى إذا انقضــتْ أيامُ مُـــدتِهِ *** حارَ الطـبيبُ وخانتـهُ العقاقـيرُ
    إنّ مفهوم الموت على حقيقته يؤدي بهذه الأمة أن لا تهاب الطواغيت وأن تُقدِم على حمل السلاح وتقاتل حتى الشهادة فالخوف والرهبة يجب أن تكون لله فقط قال تعالى: { فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } المائدة:44
    { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }البقرة:40
    فنحن أمة لا نموت على الفرش بل نموت وسلاحنا لا يفارقنا, إنّ نيل الشهادة درجة يرفع الله إليها من يختار من عباده، فهي منحة إلهية وليست محنة دنيوية كما يظنها السواد الأعظم من الناس، لأنّ معنى إختيار الله سبحانه لإنسان ما ليكون شهيداً هو أنّ الله راض عنه لذلك يتخذه ويختاره شهيداً وأي درجة أسمى من هذه الدرجة : " ويتخذ منكم شهداء " آل عمران / 140 .
    ورحم الله محمد بن الحنفية حيث قال : (إنّ الله جعل الجَنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوا بغيرها).
    لله درك يا ابن الحنفية ما افقهك نعم بيعوا أنفسكم لله كي تكسبوا الجنة فطريق الشهادة هو أقصرالطرق لبلوغ جنة الله وإيّاكم والتسويف لأنّ المرء لا يعرف متى يأتيه أجله


    يا راقدَ الليل مسرورا بأوله***إنّ الحوادث قد يطرقنّ أسحارا


    وأخيراً : أذكركم ونفسي بأننا أصحاب منهج لا يزيغ عنه إلا هالك ضال فتمسكوا بهذا الغرس ولا تحيدوا عنه قيد أنملة وجددوا إيمانكم وتيقنوا بأنّ الله وحده الناصر والمعين والمحي والمميت والرزاق ذو القوة المتين وأنه وحده الذي يرفع الضر ووحده الذي يأتي بالخير, وأسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .


    اللهم فرّج عن أسرى المسلمين وعن الأسيرات المسلمات وأخص أختنا أم أيوب اليمنية زوجة رجل الحرب أبي أيوب المصري رحمه الله .


    ما دعوة أنفع يا صاحبي *** من دعوةالغائب للغائب
    ناشدتك الرحمن ياقارئاً *** أن تسأل الغفران للكاتب


    أخوكم أبو الزهراء الزبيدي
    غفر الله له
    24 جمادي الأول 1432 الموافق 28 \4\2011

  • #2
    رد: عيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية

    بارك الله فيك و جزاك الله خيرا على ما قدمت
    قَصْدي المُؤَمَّلُ في جَهْري و إِسْرَاري...
    ومَطْلَبي مِن إلـهي الواحدِ الباري.شَهادةً في سبيلهِ خالِصَةً ، تَمْحُو ذُنُوبي وتُنْجِيني منَ النّارِ.إنَّ المعاصيَ رِجْسٌ لا يُطَهِّرُها إلّا الصَّوارِمُ في أَيْمانِ كُفّاري..وأَرْجُو بِذلكَ ثَوابَ الله ، وما عِنْدَهُ منَ النَّعيمِ المُقِيمِ في جنّاتِ عَدْنٍ في الفِرْدَوسِ الأعلى..فجنّتهم همُ الدُّنيا.وجنّتُنا نحنُ في الآخِرة..ولَنا منَ النّعيمِ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ،ولا خَطَــرَ على قَلْــبِ بَشَــرْ.

    تعليق


    • #3
      رد: عيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية

      بارك الله فيك و جزاك الله خيرا
      الاعلام الحربي لواء رفح

      تعليق


      • #4
        رد: عيداً عن السياسة.... وقفات إيمانية

        بارك الله فيك
        أيها العضو الصديق لا بأس أن تؤيد رأيك بالحجة و البرهان .....

        كما لا بأس أن تنقض أدلتي ، وتزييف مما تعتقد أنك مبطل له
        .....

        لكن هناك أمر لا أرضاه لك أبدا ما حييت ، ولا أعتقد أنه ينفعك
        ؟

        الشتم و السباب

        تعليق

        يعمل...
        X