إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

    بسم الله الرحمن الرحيم


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    قصة : هذا زوج المرضية

    قصة ٌمن أروع القصص

    أورد ابنُ الجوزي في "صفة الصفوة" وابنُ النحاس في "مشارع الأشواق" عن

    رجل من الصالحين اسمه أبو قدامة الشامي..

    وكان رجلاً قد حُبب إليه الجهاد والغزو في سبيل الله ، فلا يسمع بغزوة في سبيل

    الله ولا بقتال بين المسلمين والكفار إلا وسارع وقاتل مع المسلمين فيه ، فجلس

    مرة في الحرم المدني فسأله سائل فقال : يا أبا قدامة أنت رجل قد حُبب إليك

    الجهاد والغزو في سبيل الله فحدثنا بأعجب ما رأيت من أمر الجهاد والغزوفقال

    أبو قدامة : إني محدثكم عن ذلك :

    القصــه

    خرجت مرة مع أصحاب لي لقتال الصليبيين على بعض الثغور ( والثغور هي

    مراكز عسكرية تجعل على حدود البلاد الإسلامية لصد الكفار عنها ) فمررت في

    طريقي بمدينة الرقة ( مدينةٍ في العراق على نهر الفرات ) واشتريت منها جملاً

    أحمل عليه سلاحي، ووعظت الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد والإنفاق

    في سبيل الله، فلما جن علي الليل اكتريت منزلاً أبيت فيه ، فلما ذهب بعض الليل

    فإذا بالباب يُطرق عليّ ، فلما فتحت الباب فإذا بامرأة متحصنة قد تلفعت بجلبابها

    فقلت : ما تريدين ؟

    قالت : أنت أبو قدامة ؟ قلت : نعم قالت : أنت الذي جمعت المال اليوم للثغور ؟

    قلت : نعم ، فدفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية، فنظرت إلى

    الرقعة فإذا فيها: "إنك دعوتنا إلى الجهاد ولا قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن

    ما فيَّ وهما ضفيرتاي وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري

    قيد فرسك في سبيله فيغفر لي".

    قال أبو قدامة : فعجبت والله من حرصها وبذلها ، وشدة شوقها إلى المغفرة

    والجنة.

    فلما أصبحنا خرجت أنا وأصحابي من الرقة ، فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد

    الملك فإذا بفارس يصيح وراءنا وينادي يقول : يا أبا قدامة يا أبا قدامة ، قف

    عليَّ يرحمك الله ، قال أبو قدامة : فقلت لأصحابي : تقدموا عني وأنا أنظر خبر

    هذا الفارس ، فلما رجعت إليه ، بدأني بالكلام وقال : الحمد لله الذي لم يحرمني

    صحبتك ولم يردني خائباً. فقلت له ما تريد : قال أريد الخروج معكم للقتال .

    فقلت له : أسفر عن وجهك أنظر إليك فإن كنت كبيراً يلزمك القتال قبلتك ، وإن

    كنت صغيراً لا يلزمك الجهاد رددتك.

    فقال : فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه مثل القمر وإذا هو غلام عمره سبع

    عشرة سنة.

    فقلت له : يا بني ؟ عندك والد ؟

    قال : أبي قد قتله الصليبيون وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي. قلت : أعندك

    والدة ؟

    قال : نعم قلت : ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإن الجنة تحت قدميها

    فقال : أما تعرف أمي ؟

    قلت : لا.. قال : أمي هي صاحبة الوديعة، قلت : أي وديعة ؟

    قال : هي صاحبة الشكال، قلت : أي شكال ؟

    قال : سبحان الله ما أسرع ما نسيت !! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة

    وأعطتك الكيس والشكال ؟؟ قلت : بلى

    قال : هي أمي ، أمرتني أن أخرج إلى الجهاد ، وأقسمت عليَّ أن لا أرجع وإنها

    قالت لي : يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدُبُر ، وهَب نفسك لله واطلب

    مجاورة الله، ومساكنة أبيك وأخوالك في الجنة ، فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع

    فيَّ.. ثم ضمتني إلى صدرها ، ورفعت بصرها إلى السماء ، وقالت : إلهي

    وسيدي ومولاي، هذا ولدي ، وريحانةُ قلبي، وثمرةُ فؤادي ، سلمته إليك فقربه

    من أبيه وأخواله..

    ثم قال: سألتك بالله ألا تحرمني الغزو معك في سبيل الله ، أنا إن شاء الله الشهيد

    ابن الشهيد ، فإني حافظ لكتاب الله ، عارف بالفروسية والرمي ، فلا تحقرَنِّي

    لصغر سني..

    قال أبو قدامة : فلما سمعت ذلك منه أخذته معنا ، فوالله ما رأينا أنشط منه، إن

    ركبنا فهو أسرعنا ، وإن نزلنا فهو أنشطنا ، وهو في كل أحواله لا يفتـُرُ لسانه

    عن ذكر الله تعالى أبداً.

    فنزلنا منزلاً..وكنا صائمين وأردنا أن نصنع فطورنا..فأقسم الغلام أن لا يصنع

    الفطور إلا هو..فأبينا وأبى..فذهب يصنع الفطور..وأبطأ علينا..فإذا أحد أصحابي

    يقول لي يا أبا قدامة اذهب وانظر ما أمر صاحبك..فلما ذهبت فإذا الغلام قد أشعل

    النار بالحطب ووضع من فوقها القدر..ثم غلبه التعب والنوم ووضع رأسه على

    حجر ثم نام..

    فكرهت أن أوقظه من منامه..وكرهت أن أرجع الى أصحابي خالي اليدين..فقمت

    بصنع الفطور بنفسي وكان الغلام على مرأى مني..فبينما هو نائم لاحظته بدأ

    يتبسم .. ثم اشتد تبسمه فتعجبت ثم بدأ يضحك ثم اشتد ضحكه ثم استيقظ.. فلما

    رآني فزع الغلام وقال: ياعمي أبطأت عليكم دعني أصنع الطعام عنك..أنا خادمكم

    في الجهاد.

    فقال أبو قدامة: لا والله لست بصانع لنا شيء حتى تخبرني ما رأيت في منامك

    وجعلك تضحك وتتبسم . فقال : يا عمي هذه رؤيا رأيتها.. فقلت: أقسمت عليك

    أن تخبرني بها .

    فقال: دعها.. بيني وبين الله تعالى فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها

    قال: رأيت ياعمي في منامي أني دخلت إلى الجنة فهي بحسنها وجمالها كما

    أخبر الله في كتابه..فبينما أنا أمشي فيها وأنا بعجب شديد من حسنها وجمالها..إذ

    رأيت قصراً يتلألأ أنواراً , لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وإذا شُرفاته من الدرّ

    والياقوت والجوهر ، وأبوابه من ذهب ، وإذا ستور مرخية على شرفاته ، وإذا

    بجَواري يرفعن الستور ، وجوههن كالأقمار ..فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر

    إليهن وأتعجب من حسنهن فإذا بجارية كأحسن ما أنت رائي من الجواري وإذ

    بها تشير إلي وتحدث صاحبتها وتقول هذا زوج المرضية هذا زوج

    المرضية..فقلت: لها أنتي المرضية؟؟؟

    فقالت: أنا خادمة من خدم المرضية..تريد المرضية؟؟ ادخل إلى القصر..تقدم

    يرحمك الله فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من

    الزبرجد الأخضر ، قوائمه من الفضة البيضاء ، عليه جارية وجهها كأنه

    الشمس، لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة

    وبهاء الجارية ..

    فلما رأتني الجارية قالت : مرحباً بولي الله وحبيبه .. أنا لك وأنت لي .. فلما

    سمعت كلامها اقتربت منها وكدت ان أضع يدي عليها قالت : يا خليلي يا حبيبي

    أبعد الله عنك الخناء قد بقي لك في الحياة شيء وموعدنا معك غدًا بعد صلاة

    الظهر.. فتبسمت من ذلك وفرحت منه يا عم.فقلت له: رأيت خيرًا إن شاء الله.

    ثم إننا أكلنا فطورنا ومضينا الى أصحابنا المرابطين في الثغور ثم حضر

    عدونا..وصف الجيوشَ قائدنا.. وبينما أنا أتأمل في الناس..فإذ كل منهم يجمع

    حوله أقاربه وإخوانه..إلا الغلام.. فبحثت عنه ووجدته في مقدمة الصفوف..

    فذهبت إليه وقلت: يا بني هل أنت خبير بأمور الجهاد؟؟ قال: لا يا عم هذه والله

    أول معركة لي مع الكفار.

    فقلت يا بني إن الأمر خلاف على ما في بالك ، إن الأمر قتال ودماء..فيا بني كن

    في آخر الجيش فان انتصرنا فأنت معنا من المنتصرين وإن هُزمنا لم تكن أول

    القتلى..

    فقال متعجبا: أنت تقول لي ذلك؟؟ قلت: نعم أنا أقول ذلك .

    قال: يا عم أتود أن أكون من أهل النار؟

    قلت أعوذ بالله.. لا والله .. والله ما جئنا إلى الجهاد إلا خوفًا منها..

    فقال الغلام: فان الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً

    فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى

    فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}الأنفال

    هل تريدني أوليهم الأدبار فأكون من أهل النار؟

    فعجبت والله من حرصه وتمسكه بالآيات فقلت له يا بني إن الآية مخرجها على

    غيركلامك..فأبى يرجع فأخذت بيده أُرجعه إلى آخر الصفوف وأخذ يسحب يده

    عني فبدأت الحرب وحالت بيني وبينه.. فجالت الأبطال ، ورُميت النبال ، وجُرِّدت

    السيوف ، وتكسرت الجماجم ، وتطايرت الأيدي والأرجل .. واشتد علينا القتال

    حتى اشتغل كلٌ بنفسه ، وقال كل خليل كنت آمله ..لا ألهينك إني عنك مشغول..

    حتى دخل وقت صلاة الظهر فهزم الله جل وعلا الصليبين...فلما انتصرنا جمعت

    أصحابي وصلينا الظهر وبعد ذلك ذهب كل منا يبحث عن أهله وأصحابه..إلا

    الغلام فليس هنالك من يسأل عنه فذهبت أبحث عنه..فبينما أنا اتفقده وإذا بصوت

    يقول: أيها الناس ابعثوا إلي عمي أبا قُدامة ابعثوا إلي عمي أبا قدامة..

    فالتفت إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام ..وإذا الرماح قد تسابقت إليه

    ، والخيلُ قد وطئت عليه فمزقت اللحمان ، وأدمت اللسان وفرقت الأعضاء ،

    وكسرت العظام .. وإذا هو يتيم مُلقى في الصحراء .

    قال أبو قدامة : فأقبلت إليه ، وانطرحت بين يديه ، وصرخت : ها أنا أبو قدامة

    .. ها أنا أبو قدامة ..فقال : الحمد لله الذي أحياني إلى أن أوصي إليك ، فاسمع

    وصيتي.

    قال أبو قدامة : فبكيت والله على محاسنه وجماله ، ورحمةً بأمه التي فجعت عام

    أول بأبيه وأخواله وتفجع الآن به، أخذت طرف ثوبي أمسح الدم عن وجهه.

    فقال : تمسح الدم عن وجهي بثوبك !! بل امسح الدم بثوبي لا بثوبك ، فثوبي

    أحق بالوسخ من ثوبك .. قال أبو قدامة : فبكيت والله ولم أحر جواباً ..

    فقال : يا عم ، أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة ، ثم تبشر أمي بأن

    الله قد تقبل هديتها إليه ، وأن ولدها قد قُتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر ، وأن

    الله إن كتبني في الشهداء فإني سأوصل سلامها إلى أبي وأخوالي في الجنة ، ..

    ثم قال : يا عم إني أخاف ألا تصدق أمي كلامك فخذ معك بعض ثيابي التي فيها

    الدم، فإن أمي إذا رأتها صدقت أني مقتول ، وقل لها إن الموعد الجنة إن شاء

    الله ..

    يا عم : إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختاً لي صغيرة عمرها تسع سنوات .. ما

    دخلتُ المنزل إلا استبشرتْ وفرحتْ ، ولا خرجتُ إلا بكتْ وحزنتْ ، وقد فجعت

    بمقتل أبي عام أول وتفجع بمقتلي اليوم ، وإنها قالت لي عندما رأت علي ثياب

    السفر : يا أخي لا تبطئ علينا وعجل الرجوع إلينا ، فإذا رأيتها فطيب صدرها

    بكلمات ..وقل لها يقول لك أخوكِ الله خليفتي عليكي..

    ثم تحامل الغلام على نفسه وقال : يا عمّ صدقت الرؤيا ورب الكعبة ، والله إني

    لأرى المرضية الآن عند رأسي وأشم ريحها ..ثم انتفض وتصبب العرق وشهق

    شهقات ، ثم مات.

    قال أبو قدامة : فأخذت بعض ثيابه فلما دفناه لم يكن عندي هم أعظم من أن

    أرجعَ إلى الرقة وأبلغَ رسالته لأمه .. فرجعت إلى الرقة وأنا لا أدري ما اسم أمه

    وأين تسكن..فبينما أنا أمشي وقفت عند منزل تقف على بابه فتاة صغيرة ما يمر

    أحد من عند بابهم وعليه أثر السفر إلا سألته يا عمي من أين أتيت فيقول من

    الجهاد فتقول له معكم أخي؟.. فيقول ما أدري مَن أخوك ويمضي..وتكرر ذلك

    مرارًا مع المارة ويتكرر معها نفس الرد..فبكت أخيرًا وقالت: مالي أرى الناس

    يرجعون وأخي لا يرجع.. فلما رأيت حالها أقبلت عليها..فرأت علي أثر السفر

    فقالت يا عم من أين أتيت قلت من الجهاد فقالت معكم أخي فقلت أين هي أمك؟؟

    قالت: في الداخل ودخلت تناديها..فلما أتت الأم وسمعت صوتي عرفتني وقالت:

    يا أبا قدامة أقبلت معزيًا أم مبشرًا؟؟ فقلت: كيف أكون معزيًا ومبشرًا؟

    فقالت: إن كنت أقبلت تخبرني أن ولدي قُتل في سبيل الله مقبل غير مدبر فأنت

    تبشرني بأن الله قد قبل هديتي التي أعدتها من سبعة عشر عامًا. وإن كنت قد

    أقبلت كي تخبرني أن ابني رجع سالمًا معه الغنيمة فإنك تعزيني لأن الله لم يقبل

    هديتي إليه..

    فقلت لها: بل أنا والله مبشر إن ولدك قد قتل مقبل غير مدبر..فقالت ما أظنك

    صادقًا وهي تنظر إلى الكيس ثم فتحت الكيس وإذ بالدماء تغطي الملابس فقلت

    لها أليست هذه ثيابه التي ألبستيه إياها بيدك؟

    فقالت: الله أكبر وفرحت.. أما الصغيرة شهقت ثم وقعت على الأرض ففزعت

    أمها ودخلت تحضر لها ماء تسكبها على وجهها.. أما أنا فجلست أقرأ القرآن

    عند رأسها..و والله مازالت تشهق وتنادي باسم أبيها وأخيها..وما غادرتها إلا

    ميتة..

    فأخذتها أمها وأدخلتها وأغلقت الباب وسمعتُها تقول: اللهم إني قد قدمت زوجي

    وإخواني وولدي في سبيلك أن ترضى عني وتجمعني وإياهم في جنتك.


    تعقيب


    اننا والله في هذا الزمان لأحوج لمثل هذه الأم ومثل هذا الولد واننا كذلك بحاجةٍ

    الى ألف أبي قدامه نسأل الله ان يكتب لنا شهادة صادقة خالصة لوجهه الكريم..

    آميــــــن

    أخي الكريم إن كنت تشعر لحاجتنا اليوم لمثل هؤلاء الرجال فانشرها ولك عظيم

    الأجر

    إلى كل إنسان مسلم يفكر بالخير لأخيه الإنسان ............ يدا بيد نعمل

    ونرقي.......... لنعيد مجد حضارتنا وثقافتنا وكرامتنا..... لا تكن مجرد رقم في

    أرقام ساكني هذا العالم ......لم نخلق للطعام والشراب والمتعة .... فلنتذكر الله

    .....وأخينا الإنسان

    وأخيرا نسألكم الدعاء الصالح لي ولجميع المسلمين
    الاعلام الحربي لواء رفح

  • #2
    رد: الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

    من هي المرضية ؟



    "في زمن التابعين خرج مع جموع المجاهدين شابان من شباب الإسلام اجتمعا على حب الله فتآخيا فيه، وانعقدت بين قلبيهما أواصر الحب والإخاء .. فكانا يذهبان ويجيئان، ويجاهدان ويبيتان معاً.
    ومرت الأيام بهما سريعة وهما على هذه الحال .. حتى كانت ليلة باتا وقد هيآ نفسيهما ليوم حافل بالقتال.
    وينام أحدهما .. أما الآخر فكانت نوبته من الحراسة، وفي لحظة من لحظات الهزيع الأخير من الليل أثار انتباهه صاحبه يتكلم وهو يضحك في نومه! ثم رآه يمد يده اليمنى كأنه يأخذ شيئاً ثم يردها بلطف وهو يضحك


    ثم تغيرت حاله فصار يصيح وهو يقول: لا أخرج .. لا أخرج .. لا أخرج!
    فما كان منه إلا أن قفز إليه يوقظه بيده ويقول:
    - مالك؟! ما بك؟!! ماذا دهاك؟!!!
    وما إن استيقظ .. وصحا إلى ما حوله حتى وضع وجهه بين يديه وانخرط في بكاء مر طويل!
    ولَكَم حاول صاحبه أن يسكته فما أفلح، حتى نهنه من نفسه.. فلما أفاق.. نظر في وجه صاحبه وقال:
    - سامحك الله يا أخي، ماذا فعلت بي؟ لو تدري من أي مكان أخرجتني؟ وأي سعادة ولذة حرمتني؟!


    قال صاحبه:
    - عن أي مكان وأي سعادة ولذة تتحدث؟!
    فأنشأ يقول وما زال صوته يتهدج بآثار البكاء:
    - رأيـت كأن القيامة قد قامت .. ورأيت أمواج البشر قد حشرت والموازين قد نصبت، وقد نشرت الصحف وتهيأ الجميع للحساب، وإذا بقائل يقول لي:
    -اذهب وادخل ذلك القصر! فأنت من أهل الجنة!! وفيه ستلقى زوجتك من الحور العين .. واسمها (العيناء المرضية).


    فكاد يقضى عليَّ من الفرح، فهرولت كأني أطير .. أريد الوصول إلى القصر وأرى من فيه، و.. ما فيه!
    فإذا بثلاث من الجواري لم أر مثلهن، ولا أقدر على وصفهن.. يخرجن من ذلك القصر، وما إن وصلنني أو وصلتهن حتى خررت مغشياً عليّ من شدة الانبهار بجمالهن وزينتهن!! فلما أفقت قلت:
    - بالله عليكن أيتكن العيناء المرضية؟!


    فإذا بهن يقلن لي:
    - سامحك الله يا سيدي! إنما نحن الماشطات!
    قلتُ:
    - فأين أجد العيناء المرضية؟
    قلن:
    - هي في القصر هناك .. تنتظرك.


    فتركتهن ورائي، وهرولت ثانية مسرعاً .. فإذا بثلاث جوار أخريات .. أجملَ من الأوليات يخرجن من القصر، وما إن وقفت بإزائهن، ورأيت من حسنهن وبهائهن، وشممت من عطرهن حتى غشي علي.
    فلما أفقت صحت أقول:
    - بالله عليكن أيتكن العيناء المرضية؟
    فإذا بهن يقلن:
    - سامحك الله يا سيدي! انما نحن المكحلات!


    قلت:
    - فأين هي العيناء المرضية؟ ومن تكون إذن؟ وكيف تكون؟
    فقلن لي وهن يتضاحكن:
    - هي في القصر هناك .. تنتظرك.
    وما إن سمعت جوابهن حتى تركتهن أهرول مسرعاً أغذ الخطى باتجاه القصر وأسراب الجواري تواصل الخروج .. كل سرب أجمل وأروع من سابقه!!
    حتى إذا دخلت القصر .. رفعت لي غرفة من غرفه لا أدري ما أقول عنه؟! فيها سرير عليه حجال تطل منه حورية بيضاء عيناء .. أهدابها كجناح النسر .. ووجهها أشد بياضا وأجمل من القمر ليلة البدر .. وأحلى من الشمس ساعة الضحى.. أو عند الأصيل!
    كيف لي أصفها ورصيد الكلام يتعثر عند أول درجة من سلم جمالها المتلاشي صعدا في السماء!!
    كيف أعبر عما لم أر مثله من قبل.. ولم تسمع به أُذن.. ولم يخطر على قلب بشر!!!
    يكفيك أن تعلم أني صعقت عند الباب صعقة طال أوانها .. فلما عاد إليَّ وعيي .. ورُدّت إليَّ روحي .. قمت لأدخل .. فإذا بيد تمسك بي من خلفي، وسمعتها تقول:
    -
    أنا زوجتك الخالدة، أنا العيناء المرضية.
    فمددت يدي إليها فردتني بلطف وقالت:
    - أما اليوم فلا، وأنا لك .. وأنت لي .. ولكن .. حتى تخرج إلينا من الدنيا فأنت ما زلت فيها!
    وجذبتني اليد التي كانت تشدني من خلفي... فصرت أقاومها أحاول الإفلات منها، وأنا أصيح:
    - لا أخرج! لا أخرج! لا أخرج!

    وهنا انتبهت على يدك تنخسني، وصوتك يوقظني، فلما تبينت أنه حُلم وليس حقيقة دارت بي الأرض دورتها .. وتحققت من الخسارة فأين أنا مما كنت فيه؟!!
    ثم أطرق طويلاً .. ينشج بصمت، ثم قال وهو يحدث نفسه حديثاً كأنه حشرجة مودع ساعة الاحتضار:
    - ترى! هل سألقى العيناء المرضية مرة أخرى؟ وهل ما كنت فيه رؤيا صدق؟ أم حديث نفس .. وتهويمة خيال؟
    يقول صاحبه: وما إن طلع الصباح.. والتقى الجمعان حتى حمل سيفه وركب فرسه وقاتل قتالاً-والله-ما رأيته يقاتل مثله من قبل قط! لقد كان يرمي بنفسه على الموت رمياً .. وينحدر إليه تحدرا كأنه السيل تقذف به الأعالي إلى بطون الوديان السحيقة القرار!


    قتال من انكشف له الحجاب .. فصار يتطلع إلى ما في عوالم الغيب كأنه ينظر إلى عالم الشهادة، لقد هام صاحبي بحب العيناء المرضية فهو يريد الوصول إليها بأي ثمن .. وبأسرع زمن!
    ويسقط العاشق المستهام .. فابتدره الناس وبه رمق، وجاؤوا به يحملونه فلما رأيته قلت له:
    - هنيئاً لك عيناؤك المرضية، يا ليتني كنت معك!
    فعض شفته السفلى، وأومأ إليّ ببصره وهو يضحك يعني: اكتم أمري حتى أموت! ثم قال:
    - الحمد لله الذي صدقنا وعده.
    فما تكلم بشيء بعدها حتى قضى وعلى وجهه ابتسامة ما رأيتها من قبل
    من كتاب في رحاب الحور
    الاعلام الحربي لواء رفح

    تعليق


    • #3
      رد: الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

      مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

      تعليق


      • #4
        رد: الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

        قصة أكثر من رااائعة تثير في النفوس حب الجهاد وعشق الشهادة

        جزيت خيرا على روعة ما قدمت
        تقبل الله منك
        أيها العضو الصديق لا بأس أن تؤيد رأيك بالحجة و البرهان .....

        كما لا بأس أن تنقض أدلتي ، وتزييف مما تعتقد أنك مبطل له
        .....

        لكن هناك أمر لا أرضاه لك أبدا ما حييت ، ولا أعتقد أنه ينفعك
        ؟

        الشتم و السباب

        تعليق


        • #5
          رد: الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

          بوركت اخي موضوع رااائع جدا

          جزاك ربي الفردوس
          الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه


          " عندما سلكنا هذا الطريق كنا نعرف ان تكاليفه صعبة جدا لكن هذا هو واجبنا وخيارنا المقدس"

          تعليق


          • #6
            رد: الشهيد بن الشهيد : قصة زوج المرضية

            يعطيك العافية اخى .. فى ميزان حسناتك ان شالله .

            تعليق

            يعمل...
            X