اعرف عدوك
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ..
لا يخفى على الإنسان ما تحمله العداوة الشيطانية القديمة من الأخطار والمصائب والشرور في الحياة الدنيا والآخرة، فهي عداوة معلنة من عدو خفي مستتر لا يراه الإنسان ولا يدرك طبيعة عداوته له، وشدة شراسة حربه معه، مع أنها عداوة دائمة ما دام الإنسان في هذه الحياة ومستمرة باستمرار وجود عدو الله الشيطان في الدنيا، فهي عداوة لا يرجى زوالها ولا يؤمل انقطاعها بصدق وعد الله لإبليس في قوله { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ <79> قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ <80> إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } [ص 79-81] .
فهو يستخدم في تلك الحروب الطويلة كل الوسائل والأساليب الماكرة والخفية، ويجتهد كل الاجتهاد كي يوقع الإنسان في فخ كيده وطاعته، ويقوده بحبائله الماكرة إلى مهاوي الردى وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
حــــــرب الـشــيـــطــــــان
والعجيب أنه استأذن الله في إعلان هذه الحرب، فأذن له الله تعالى لحكمة أرادها جل وعلا ثم نبه عباده إلى أمور ثلاثة لمواجهة هذه الحرب:
1- التحذير المباشر من الشيطان: { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ } [الأعراف:27].
2- كشف لنا خطط وأهداف وأساليب الشيطان في إغواء بني آدم، وحذرنا منها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } [النور:21]، { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [البقرة:168].
3- بين لنا الأسلحة والعدة التي يتحصن بها المؤمن في هذه الحرب لينجو من هذا العدو المبين، فإذا عرفها الإنسان وتحصن بها كانت الغلبة له ورد الله عنه هذا العدو ذليلا مدحورا، وإن فرط في ذلك قهره هذا العدو واصبح لعبة بين يديه يحركه كيف يشاء، فأصبح من الواجب التحذير من هذا العدو ومعرفة خططه.
حـقــــائـــق مـهـمــــــة
1- قال صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » [رواه أبو داود]، هكذا اخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وهذا ان دل فإنما يدل على شدة فتنته وعداوته للإنسان وتمكنه من ذلك دون أن يشعر فيه.
2- إن هذا العدو يرانا ونحن لا نراه وهذا أشد ما يكون في الخطورة لو كان العدو ظاهرا أمامك استطعت أن تحتمي منه ، ولكن الطامة أن يكون العدو ذكيا ماكرا خفيا { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27].
3- إن إبليس له جنود وأعوان من الإنس والجن على السواء ويقومون بتنفيذ مخططاته الافساديه سمعا وطاعة له، وهم رهن إشارته. { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام:112].
قوله تعالى { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام:121].
4- أن لكل إنسان قرينا أو شيطانا يلازمه ولا يفارقه فيحاول أن يضله أو يصده عن ذكر الله تعالى أو يفسد عليه الطاعة أو غير ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا وإياك يا رسول الله ؟ قال وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير » [رواه مسلم].
5- كل مخالفة للشيطان فهي طاعة للرحمن وذلك لأن كل عبادة محبوبة لله فهي بغيضة إلى الشيطان، فلذلك تجده يحاول أن يصدك عنها أو يصرفك عنها أو يلبسها عليك، فإن خالفته وعصيت أمره وتعوذت بالله منه وأطعت الله تعالى كنت من الفائزين وإن كان العكس كنت من الخاسرين
وكذلك فان كل معصية مكروهة للرحمن فهي محبوبة للشيطان فتراه يزينها لك ويحببها إليك ويسهل الطرق الموصلة إليها لك، فان استسهلت معه ووقعت في حبائله خبت وخسرت، وإن عصيته واعتصمت بالله منه كنت من الناجين عند الله تعالى.
أهـــــداف الـشـيـطــــان
1-هدفه الرئيسي هــو: إدخال الإنسان النار { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر:6].
2- إيقاع العباد في الشرك والكفر: قال تعالى { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } [النساء:117] وقال { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [الحشر:16] ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وبين أن من صرف العبادة لغير الله تعالى أيا كان نوعها فقد أشرك « من حلف بغير الله فقد أشرك ومن صلى لغير الله فقد أشرك ومن ذبح لغير الله فقد أشرك »
3- الذنوب والمعاصي: قال صلى الله عليه وسلم: « ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها » [رواه الترمذي]، وإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس يرتكبون المعاصي والآثام { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [المائدة:91].
4- صد العباد عن طاعة الله: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف:16]، أي على طريقك الزمه وارصده، فاضل الناس عنه ولا ادع سبيلا من سبل الخير إلا صددتهم عنه.
5- إفساد الطاعات على العبد: عن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني » [رواه مسلم].
الحكمة من خلق الشيطان
1- إظهار قدرة الله على خلق المتضادات والمتقابلات حيث خلق الله إبليس وذاته من أخبث الذوات وخلق جبريل عليه السلام وذاته من أفضل الذوات وأشرفها وأطهرها فجعل الله الخبيث منحازا إلى روح إبليس الخبيثة وجعل الطيب منحازا إلى المادة الطيبة.
2- إكمال مراتب العبودية لأنبياء الله وعباده الصالحين، وإظهار العبودية المتنوعة التي تحصل في مجاهدة إبليس وحزبه ومراغمته في الله وإغاظته والاستعاذة بالله منه.
3- حصول العبرة لجميع العباد بما حصل لعدو الله إبليس من الإهانة والذل وسوء العاقبة بسبب عصيانه أمر الله تعالى واستكباره على ربه وبهذه العبرة يقوى الإيمان ويزداد لدى الملائكة والإنس والجن ويعظم خوفهم من الله تعالى.
4- من خلق إبليس تظهر آثار أسماء الله المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره على عباده وما ارتكبوه من ذنوب ومعاصي نتيجة إضلال الشيطان لهم وتغريره بهم.
يقول ابن القيم ( فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر ؟ وعلى من يتوب ؟ وعمن يعفو ويسقط حقه ؟ ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه وهو واسع المغفرة، فكيف يعطل هذه الصفة ؟ أم كيف يتحقق بدون ما يغفر ومن يغفر له ؟ ومن يتوب وما يتاب عليه ؟ فلو لم يكن في تقدير الذنوب والمعاصي والمخالفات إلا هذا وحده لكفى به حكمة وغاية محمودة ). أهـ
الوقاية من الشـيــطـــان
1- مداومة ذكر الله والتعوذ من الشيطان: قال مجاهد: الشيطان يكون على قلب الإنسان فإذا ذكر الله خنس (أي انقبض وتأخر) ولأهمية الذكر البالغة في حياة المسلم كسلاح في التصدي للشيطان ودرء شره مع ما يحصل للذاكر من عظيم الأجر والثواب وانشراح الصدر واطمئنان القلب، فقد حث الله تعالى عباده على مداومة ذكره في آيات كثيرة فقال{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [البقرة:152].
2- الحذر والحيطة واليقظة الدائمة: لأنه بمقدار علمك بهذا العدو وبمقدار علمك بأهدافه ووسائله التي يضل بها بني أدم بمقدار ما تكون نجاتك منها، وهذا لا يكون إلا بكمال الحذر والحيطة واليقظة الدائمة وعدم الغفلة، فان غفل الإنسان أسره الشيطان ووجهه الوجهة التي يريد، سئل الحسن البصري: أينام إبليس؟ قال: لو نام لوجدنا راحة.
3- الالتجاء إلى الله والاحتماء به: من أعظم الحصون وهو الاستعاذة بالله من هذا الشيطان الرجيم { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف:200].
4- عدم موالاة الشيطان: قال تعالى { وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } [النساء:119].
يقول الفخر الرازي: اعلم أن أحداً لا يختار أن يتخذ الشيطان من دون الله، ولكن المعنى أنه إذا فعل ما أمره الشيطان به وترك ما أمره الرحمن به، صار كأنه اتخذ الشيطان وليا لنفسه وترك ولاية الله تعالى وتكون مخالفة الشيطان في أمور كثيرة منها:
أ- الأكل والشرب والعطاء باليمين: قال صلى الله عليه وسلم « ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله » [أخرجه ابن ماجه].
ب- التأني وعدم العجلة: قال صلى الله عليه وسلم « التأني من الله والعجلة من الشيطان » [رواه البهيقي].
ج- عدم الجلوس بين الظل والشمس: نهى صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل بين الضح والظل وقال « مجلس الشيطان » [رواه أحمد وصححه الألباني] الضح : ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض.
د- الحذر من التبذير : قال تعالى { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [الإسراء:27].
أساليب الشيطان في إضلال الإنسان
1- تزيين الباطل: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف:103،104].
ومن الوسائل الشيطانية في تزيين الباطل تسمية الأمور المحرمة بأسماء محببة إلى النفوس، و الخمر مشروبات روحية، والربا فوائد، وسفور المرأة وتبرجها خارج بيت الزوجية واختلاطها بالرجال الأجانب حضارة وغيرها كثيرة.
2- تثبيط العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل: قال صلى الله عليه وسلم: « يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقده مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقده، فإن توضأ انحلت عقده، فإن صلى انحلت عقده كلها فاصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان » [رواه البخاري].
3- إظهار النصح للإنسان: { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } [الأعراف21].
4- تخويف المؤمنين أولياءه: وهذا من أعظم مكائده قال تعالى : { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران:175].
5- دخوله إلى النفس من الباب الذي تحبه وتهواه: ومن أعظم حبائل إبليس في هذا الباب النساء، قال صلى الله عليه وسلم: « ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ».
6- إنساؤه ذكر الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [المنافقون:9].
7- وعده ووعيده: قال تعالى { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [النساء:120].
الله اكبر... إنه والله حال اكثر المسلمين اليوم إلا من رحم الله تراه واقفا بين يدي الله عز وجل ولكن قلبه مع غيره، فلا يدري كم صلى وماذا قرأ، فلا يعرف من الصلاة إلا (الله اكبر) و (آمين) و (السلام عليكم ورحمة الله) ويخرج من صلاته ولا يدري كم يكتب له منها، ويذهب عنه الشيطان فرحا مسرورا بهذا الغنم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ..
لا يخفى على الإنسان ما تحمله العداوة الشيطانية القديمة من الأخطار والمصائب والشرور في الحياة الدنيا والآخرة، فهي عداوة معلنة من عدو خفي مستتر لا يراه الإنسان ولا يدرك طبيعة عداوته له، وشدة شراسة حربه معه، مع أنها عداوة دائمة ما دام الإنسان في هذه الحياة ومستمرة باستمرار وجود عدو الله الشيطان في الدنيا، فهي عداوة لا يرجى زوالها ولا يؤمل انقطاعها بصدق وعد الله لإبليس في قوله { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ <79> قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ <80> إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } [ص 79-81] .
فهو يستخدم في تلك الحروب الطويلة كل الوسائل والأساليب الماكرة والخفية، ويجتهد كل الاجتهاد كي يوقع الإنسان في فخ كيده وطاعته، ويقوده بحبائله الماكرة إلى مهاوي الردى وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
حــــــرب الـشــيـــطــــــان
والعجيب أنه استأذن الله في إعلان هذه الحرب، فأذن له الله تعالى لحكمة أرادها جل وعلا ثم نبه عباده إلى أمور ثلاثة لمواجهة هذه الحرب:
1- التحذير المباشر من الشيطان: { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ } [الأعراف:27].
2- كشف لنا خطط وأهداف وأساليب الشيطان في إغواء بني آدم، وحذرنا منها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } [النور:21]، { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [البقرة:168].
3- بين لنا الأسلحة والعدة التي يتحصن بها المؤمن في هذه الحرب لينجو من هذا العدو المبين، فإذا عرفها الإنسان وتحصن بها كانت الغلبة له ورد الله عنه هذا العدو ذليلا مدحورا، وإن فرط في ذلك قهره هذا العدو واصبح لعبة بين يديه يحركه كيف يشاء، فأصبح من الواجب التحذير من هذا العدو ومعرفة خططه.
حـقــــائـــق مـهـمــــــة
1- قال صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » [رواه أبو داود]، هكذا اخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وهذا ان دل فإنما يدل على شدة فتنته وعداوته للإنسان وتمكنه من ذلك دون أن يشعر فيه.
2- إن هذا العدو يرانا ونحن لا نراه وهذا أشد ما يكون في الخطورة لو كان العدو ظاهرا أمامك استطعت أن تحتمي منه ، ولكن الطامة أن يكون العدو ذكيا ماكرا خفيا { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27].
3- إن إبليس له جنود وأعوان من الإنس والجن على السواء ويقومون بتنفيذ مخططاته الافساديه سمعا وطاعة له، وهم رهن إشارته. { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام:112].
قوله تعالى { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام:121].
4- أن لكل إنسان قرينا أو شيطانا يلازمه ولا يفارقه فيحاول أن يضله أو يصده عن ذكر الله تعالى أو يفسد عليه الطاعة أو غير ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا وإياك يا رسول الله ؟ قال وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير » [رواه مسلم].
5- كل مخالفة للشيطان فهي طاعة للرحمن وذلك لأن كل عبادة محبوبة لله فهي بغيضة إلى الشيطان، فلذلك تجده يحاول أن يصدك عنها أو يصرفك عنها أو يلبسها عليك، فإن خالفته وعصيت أمره وتعوذت بالله منه وأطعت الله تعالى كنت من الفائزين وإن كان العكس كنت من الخاسرين
وكذلك فان كل معصية مكروهة للرحمن فهي محبوبة للشيطان فتراه يزينها لك ويحببها إليك ويسهل الطرق الموصلة إليها لك، فان استسهلت معه ووقعت في حبائله خبت وخسرت، وإن عصيته واعتصمت بالله منه كنت من الناجين عند الله تعالى.
أهـــــداف الـشـيـطــــان
1-هدفه الرئيسي هــو: إدخال الإنسان النار { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر:6].
2- إيقاع العباد في الشرك والكفر: قال تعالى { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } [النساء:117] وقال { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [الحشر:16] ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وبين أن من صرف العبادة لغير الله تعالى أيا كان نوعها فقد أشرك « من حلف بغير الله فقد أشرك ومن صلى لغير الله فقد أشرك ومن ذبح لغير الله فقد أشرك »
3- الذنوب والمعاصي: قال صلى الله عليه وسلم: « ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها » [رواه الترمذي]، وإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس يرتكبون المعاصي والآثام { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [المائدة:91].
4- صد العباد عن طاعة الله: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف:16]، أي على طريقك الزمه وارصده، فاضل الناس عنه ولا ادع سبيلا من سبل الخير إلا صددتهم عنه.
5- إفساد الطاعات على العبد: عن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني » [رواه مسلم].
الحكمة من خلق الشيطان
1- إظهار قدرة الله على خلق المتضادات والمتقابلات حيث خلق الله إبليس وذاته من أخبث الذوات وخلق جبريل عليه السلام وذاته من أفضل الذوات وأشرفها وأطهرها فجعل الله الخبيث منحازا إلى روح إبليس الخبيثة وجعل الطيب منحازا إلى المادة الطيبة.
2- إكمال مراتب العبودية لأنبياء الله وعباده الصالحين، وإظهار العبودية المتنوعة التي تحصل في مجاهدة إبليس وحزبه ومراغمته في الله وإغاظته والاستعاذة بالله منه.
3- حصول العبرة لجميع العباد بما حصل لعدو الله إبليس من الإهانة والذل وسوء العاقبة بسبب عصيانه أمر الله تعالى واستكباره على ربه وبهذه العبرة يقوى الإيمان ويزداد لدى الملائكة والإنس والجن ويعظم خوفهم من الله تعالى.
4- من خلق إبليس تظهر آثار أسماء الله المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره على عباده وما ارتكبوه من ذنوب ومعاصي نتيجة إضلال الشيطان لهم وتغريره بهم.
يقول ابن القيم ( فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر ؟ وعلى من يتوب ؟ وعمن يعفو ويسقط حقه ؟ ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه وهو واسع المغفرة، فكيف يعطل هذه الصفة ؟ أم كيف يتحقق بدون ما يغفر ومن يغفر له ؟ ومن يتوب وما يتاب عليه ؟ فلو لم يكن في تقدير الذنوب والمعاصي والمخالفات إلا هذا وحده لكفى به حكمة وغاية محمودة ). أهـ
الوقاية من الشـيــطـــان
1- مداومة ذكر الله والتعوذ من الشيطان: قال مجاهد: الشيطان يكون على قلب الإنسان فإذا ذكر الله خنس (أي انقبض وتأخر) ولأهمية الذكر البالغة في حياة المسلم كسلاح في التصدي للشيطان ودرء شره مع ما يحصل للذاكر من عظيم الأجر والثواب وانشراح الصدر واطمئنان القلب، فقد حث الله تعالى عباده على مداومة ذكره في آيات كثيرة فقال{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [البقرة:152].
2- الحذر والحيطة واليقظة الدائمة: لأنه بمقدار علمك بهذا العدو وبمقدار علمك بأهدافه ووسائله التي يضل بها بني أدم بمقدار ما تكون نجاتك منها، وهذا لا يكون إلا بكمال الحذر والحيطة واليقظة الدائمة وعدم الغفلة، فان غفل الإنسان أسره الشيطان ووجهه الوجهة التي يريد، سئل الحسن البصري: أينام إبليس؟ قال: لو نام لوجدنا راحة.
3- الالتجاء إلى الله والاحتماء به: من أعظم الحصون وهو الاستعاذة بالله من هذا الشيطان الرجيم { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف:200].
4- عدم موالاة الشيطان: قال تعالى { وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } [النساء:119].
يقول الفخر الرازي: اعلم أن أحداً لا يختار أن يتخذ الشيطان من دون الله، ولكن المعنى أنه إذا فعل ما أمره الشيطان به وترك ما أمره الرحمن به، صار كأنه اتخذ الشيطان وليا لنفسه وترك ولاية الله تعالى وتكون مخالفة الشيطان في أمور كثيرة منها:
أ- الأكل والشرب والعطاء باليمين: قال صلى الله عليه وسلم « ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله » [أخرجه ابن ماجه].
ب- التأني وعدم العجلة: قال صلى الله عليه وسلم « التأني من الله والعجلة من الشيطان » [رواه البهيقي].
ج- عدم الجلوس بين الظل والشمس: نهى صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل بين الضح والظل وقال « مجلس الشيطان » [رواه أحمد وصححه الألباني] الضح : ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض.
د- الحذر من التبذير : قال تعالى { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [الإسراء:27].
أساليب الشيطان في إضلال الإنسان
1- تزيين الباطل: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف:103،104].
ومن الوسائل الشيطانية في تزيين الباطل تسمية الأمور المحرمة بأسماء محببة إلى النفوس، و الخمر مشروبات روحية، والربا فوائد، وسفور المرأة وتبرجها خارج بيت الزوجية واختلاطها بالرجال الأجانب حضارة وغيرها كثيرة.
2- تثبيط العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل: قال صلى الله عليه وسلم: « يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقده مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقده، فإن توضأ انحلت عقده، فإن صلى انحلت عقده كلها فاصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان » [رواه البخاري].
3- إظهار النصح للإنسان: { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } [الأعراف21].
4- تخويف المؤمنين أولياءه: وهذا من أعظم مكائده قال تعالى : { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران:175].
5- دخوله إلى النفس من الباب الذي تحبه وتهواه: ومن أعظم حبائل إبليس في هذا الباب النساء، قال صلى الله عليه وسلم: « ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ».
6- إنساؤه ذكر الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [المنافقون:9].
7- وعده ووعيده: قال تعالى { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [النساء:120].
الله اكبر... إنه والله حال اكثر المسلمين اليوم إلا من رحم الله تراه واقفا بين يدي الله عز وجل ولكن قلبه مع غيره، فلا يدري كم صلى وماذا قرأ، فلا يعرف من الصلاة إلا (الله اكبر) و (آمين) و (السلام عليكم ورحمة الله) ويخرج من صلاته ولا يدري كم يكتب له منها، ويذهب عنه الشيطان فرحا مسرورا بهذا الغنم.
تعليق