آيَاتٌ مُخيفاتٌ مُرعباتٌ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي
فالناظر لحال المسلمين اليوم يجد أنه حال يندى له الجبين ويتفطر وينخلع له القلب ويفكر كل مسلم يحب دينه كيف السبيل للخروج من هذه الظلمات , وكل يوم نسمع عن فلان قد إنقلب وانتكس , بل نسمع عن فصائل كاملة كانت مجاهدة ثم بعد ذلك إرتدت على أعقابها ذليلة خاسرة, نسأل الله العفو والسلامة والعافية
فكان لا بد لنا من وقفة مع أنفسنا نراجع فيها حساباتنا وبيعنا إلى الله . قال الله سبحانه وتعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ) الروم
قال الإمام الطبرى : مفسرا للآية أن الله تعالى ذكره، أخبر أن الفساد قد ظهر في البرّ والبحر عند العرب في الأرض القفار، والبحر بحران : بحر ملح ، وبحر عذب، فهما جميعا عندهم بحر ، ولم يخصص جلّ ثناؤه الخبر عن ظهور ذلك في بحر دون بحر، فذلك على ما وقع عليه اسم بحر عذبا كان أو ملحا. إذا كان ذلك كذلك، دخل القرى التي على الأنهار والبحار.
فتأويل الكلام إذن إذ كان الأمر كما وصفت ، ظهرت معاصي الله في كل مكان من برّ وبحر ( بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ ) : أي بذنوب الناس ، وانتشر الظلم فيهما.
وقوله:(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) يقول جل ثناؤه : ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوا، ومعصيتهم التي عصوا(لَعَلَّهُمْ يَرجِعُونَ) يقول: كي ينيبوا إلى الحقّ، ويرجعوا إلى التوبة، ويتركوا معاصي الله.
فاليوم لا نرى أهون ولا أرخص من دماء المسلمين التى تسفك بغير حق ونرى شريعة الله مغيبة معطلة منذ قرون مضت ونرى الملسمين يضيق عليهم وتنهب ثرواتهم ولم أكتب هذا الموضوع حتى نندب حالنا وإنما أكتبه حتى نغير حالنا ولن يتغير حالنا إلا إذا غيرنا من أنفسنا كما قال الله تبارك وتعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) فيجب علينا أن نصلح حالنا مع الله وأن نَحذر كل الحذر من صفات المنافقين وأن نسعى كل السعى إلى أن نحظى بصفات عباد الله المجاهدين , فإن الله عندما ذكر المنافقين فى القرآن فى مواضع كثيرة لم يذكرهم لنا بأسمائهم وإنما ذكرهم لنا بصفاتهم حتى نعرفهم إلى يوم القيامة مفضوحين ظاهرين قال تعالى ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) محمد
وقال تعالى ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيم بِالظَّالِمِينَ (47) ) التوبة , يقول شيخ الإسلام بن تيمية فى مجموع الفتاوى والسياسة الشرعية : يجب الاستعداد للجهاد باعداد القوة ورباط الخيل فى وقت سقوطه للعجز فان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. اهـ.
ويقول الطبرى فى تفسيره : ولو أراد هؤلاء المستأذنوك، يا محمد ، في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك ، (لأعدوا له عدة) ، يقول لأعدوا للخروج عدة ، ولتأهّبوا للسفر والعدوِّ أهْبَتهما (ولكن كره الله انبعاثهم) ، يعني خروجهم لذلك (فثبطهم) ، يقول فثقَّل عليهم الخروجَ حتى استخفُّوا القعودَ في منازلهم خِلافك، واستثقلوا السفر والخروج معك ، فتركوا لذلك الخروج (وقيل اقعدوا مع القاعدين) ، يعني: اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ، ومع النساء والصبيان ، واتركوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين في سبيل الله. اهـ.
وقال تعالى ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) ) المائدة
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ) المائدة
وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) ) محمد
وقال تعالى ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ) البقرة
وقال تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) ) النساء
وقال تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) ) التوبة
وقال تعالى ( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ) الأحزاب
وقال تعالى ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) النساء
وقال تعالى ( وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) ) التوبة
وقال تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) ) التوبة
وقال تعالى ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) التوبة
إِمَّا الْجِهَاد بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِمَّا الِاسْتِبْدَال
قال تعالى( هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) )
وقال تعالى ( إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) ) التوبة
الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل
قال تعالى ( َمنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) ) الإسراء
وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) )
وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) ) الشورى
وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) ) النساء
وقال تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) محمد
وقال تعالى ( وَمَا لَكُمْ أَلاتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) الحديد
لابدّ من التوبة
فالله يغفر للتائبين الذين اتبعوا سبيله وهو صراطه الموصل إليه الذى هو معرفته ومحبته وطاعته فيما أمر وترك ما يكره واتبعوا السبيل الذي يحبها ثم سألوه أن يقيهم عذاب الجحيم وأن يدخلهم والمؤمنين من أصولهم وفروعهم وأزواجهم جنات عدن التي وعدهم بها وهو سبحانه وإن كان لا يخلف الميعاد فإنه وعدهم بها بأسباب من جملتها دعاء الملائكة لهم بأن يدخلهم إياها يدخلونها برحمته التي منها أن وفقهم لأعمالها وأقام ملائكته يدعون لهم بدخلولها ثم أخبر سبحانه عن ملائكته أنهم قالوا عقيب هذه الدعوة إنك أنت العزيز الحكيم أي مصدر ذلك وسببه وغايته صادر عن كمال قدرتك وكمال علمك فإن العزة كمال القدرة والحكمة كمال العلم وبهاتين الصفتين يقضي سبحانه وتعالى ما يشاء ويأمر وينهى ويثيب ويعاقب فهاتان الصفتان مصدر الخلق والأمر والمقصود أن عقوبات السيئات تتنوع إلى عقوبات شرعية وعقوبات قدرية وهي إما في القلب وإما في البدن وإما فيهما وعقوبات في دار البرزخ بعد الموت وعقوبات يوم عود الأجسام في الدار الآخرة فالذنب لا يخلو من عقوبة البتة ولكن لجهل العبد لا يشعر بما هو فيه من العقوبة لأنه بمنزلة السكران والمخدر والنائم الذي لا يشعو بالآلم فإذا استيقظ وصحي أحسن بالمؤلم فترتب العقوبات على الذنوب كترتب الإحراق علي النار والكسر على الانكسار والإغتراف على الماء وفساد البدن على السموم والأمراض للأسباب الجالبة لها وقد تقارن المضرة للذنب وقد تتأخر عنه إما يسير وإما مدة كما يتأخر المرض عن سببه أن يقارنه وكثيرا ما يقع الغلط للعبد في هذا المقام ويذنب الذنب فلا يري أثره عقيبه ولا يدري أنه يعمل وعمله على التدريج شيئا فشيئا كما تعمل السموم والأشياءالضارة حذو القذة بالقذة فإن تدارك العبد نفسه بالأدوية والاستفراغ والحمية وإلا فهو صائر إلى الهلاك هذا إذا كان ذنبا واحدا لم يتداركه بما يزيل أثره فكيف بالذنب على الذنب كل يوم وكل ساعة والله المستعان
فاستحضر بعض العقوبات التى رتبها الله سبحانه وتعالى على الذنوب وجوز وصولها إليك واجعل ذلك داعيا للنفس إلى هجرانها وأنا أسوق إليك منها طرفا يكفي العاقل مع التصديق ببعضه فمنها الختم على القلوب والإسماع والغشاوة على الإبصار والإقفال على القلوبوجعل الأكنة عليها والرين عليها والطبع عليها وتقليب الأفئدة والإبصار والحيلولة بين المرأ وقلبه واغفال القلب عن ذكر الرب وإنساء العبد نفسه وترك إرادة الله تطهير القلب وجعل الصدر ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وصرف القلوب عن الحق وزيادتها مرضا على مرضها وإركاسها وإنكاسها بحيث تقى ! سوسة كما ذكر الإمام أحمد عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه أنه قال القلوب أربعة فقلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب أغلف فذلك قلب الكافر وقلب منكوس فذلك قلب المنافق وقلب تمده مادتان مادة إيمان ومادة نفاق وهو لما غلب عليه منهما ومنها التثبط عن الطاعة والابتعاد عنها ومنها جعل القلب أصم لا يسمع الحق أبكم لا ينطق به أعمى لا يراه فيصير النسبة بين القلب وبين الحق الذى لا ينفعه غيره كالنسبة بين أذن الأصم والأصوات وعين الأعمى والألوان ولسان الأخرس والكلام وبهذا يعلم أن الصم والبكم والعمى للقلب بالذات والحقيقة والجوارح بالفرض والتبعية فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور وليس المراد نفى العمى الحسي عن البصر كيف وقد قال ( تعالى ليس على الأعمى حرج ) وقال ( عبس وتولى أن جاءه الاعمى ) وإنما المراد أن العمى التام على الحقيقة عمي القلب حتى أن عمي البصر بالنسبة إليه كالأعمى حتى يصح نفيه بالنسبة الى كماله وقوته كما قال النبي ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب وقوله ليس المسكين بالطواف الذى ترده اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذى لا يسئل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه ونظائره كثيرة والمقصود أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم ومنها الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوالا حول السفليات والقاذورات والراذائل كما أن القلب الذى رفعه الله وقربه إليه لا يزال جوالا حول البر والخير ومعالي الأمور والأعمال والأقوال والأخلاق قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فمنها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما بتطوس الطاووس فى ريشه ومنهم من يكون بليد كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود كالجمل ومنهم الذى هو خير كله كالغنم ومنهم أشباه الذئاب ومنهم أشباه الثعالب التى يروغ كروغانها وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغى بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالانعام تارة وتقوي هذه المشابهة باطنا حتي تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر فى الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوي حتي تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام فيقلب الله سبحانه وتعالى الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخم قردة وخنازير فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج بنعم الله عليه وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة ومنها مكر الله بالماكر ومخادعته للمخادع واستهزاؤه بالمستهزىء وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق ومنها نكس القلب حتى يرى الباطل حقا والحق باطلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا ويفسد ويرى أنه يصلح ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعى إليها ويشتري الضلالة بالهدى وهو يرى أنه على الهدى ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية علي القلوب ومنها حجاب القلب عن الرب فى الدنيا والحجاب الأكبر يوم القيامة كما قال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فمنعتهم الذنوب أن يقطعوا المسافة بينهم وبين قلوبهم فيصلوا اليها فيروا ما يصلحها ويزكيها وما يفسدها ويشقيها وإن يقطعوا المسافة بين قلوبهم وبين ربهم فتصل القلوب إليه فتفوز بقربه وكرامته وتقربه عينا وتطيب به نفسا بل كانت الذنوب حجابا بينهم وبين قلوبهم وحجابا بينهم وبين ربهم وخالقهم ومنها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب فى الآخرة قال تعالي ( ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك والآية تتناول ما هو أعم منه وإن كانت نكرة فى سياق الإثبات فإن عمومها من حيث المعنى فإنه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه وإن تنعم فى الدنيا بأصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي يقطع القلوب والأماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه وإنما تواريه عند سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة إن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر فسكرها هذه الأمور أعظم من سكر الخمر فإنه يفيق صاحبه ويصحوا وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحوا صاحبه إلا إذا سكر في عسكر الأموات فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله فى دنياه وفي البرزخ ويوم معاده ولا تقر العين ولا يهدى القلب ولا تطمئن النفس إلا بألهها ومعبودها الذى هو حق وكل معبود سواه باطل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه علي الدنيا حسرات والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحا كما قال ( تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء فى الدنيا بالحياة الطيبة والحسني يوم القيامة فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء فى الدارين ونظير هذا قوله تعالى ( وللذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ونظيرها قوله تعالى وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ) ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا علي الحياة الطيبة فى الدارين فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم علي الحقيقة ولا نسبة لنعيم البدن إليه فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة لو علم الملوك وأبناء ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر إنه يمر بالقلب أوقات أقول فيها إن أهل الجنة فى مثل هذا إنهم لفى عيش طيب وقال الآخر إن فى الدنيا جنة هى في الدنيا كالجنة في الآخرة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة وقد أشار النبي الى هذه الجنة بقوله ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر ) وقال (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) ولاتظن أن قوله تعالى ( ان الابرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) يختص بيوم المعاد فقط بل هؤلاء فى نعيم فى دورهم الثلاثة وهؤلاء فى جحيم فى دورهم الثلاثة وأي لذة ونعيم فى الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته والعمل على موافقته وهل عيش في الحقيقة الا عيش القلب السليم وقد أثنى الله تعالى على خليله عليه السلام بسلامة القلب فقال وإن من شيعته لإبراهيم إذا جاء ربه بقلب سليم وقال حاكيا عنه أنه قال يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والقلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة فسلم من كل آفة تبعده من الله وسلم من كل شبهة تعارض خبره ومن كل شهوة تعارض أمره وسلم من كل إرادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله فهذا القلب السليم فى جنة معجلة فى الدنيا وفى جنة فى البرزخ وفى جنة يوم المعاد ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء من شرك يناقض التوحيد وبدعة تخالف السنة وشهوة تخالف الأمر وغفلة تناقض الذكر وهو يناقض التجريد والاخلاص يعم وهذه الخمسة حجب عن الله وتحت كل واحد منها أنواع كثيرة تتضمن أفراد الأشخاص لا تحصر ولذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم اهـ. (1)
إِلَيْكَ صِفَاتِ الْمُجَاهِدِين
فلنعلم جميعا أن الله ما ييسر لأحد من عباده القيام بشعيرة الجهاد إلا إذا إتصف بصفات عددها الله سبحانه وتعالى بعد ذكره للبيع الذى بينه عز وجل وبين عباده المجاهدين
قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
ما هى صفات هؤلاء ؟
الإجابة فى الآية تاليها
( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) )
فلنكن من التائبين حتى يستخدمنا الله فى الجهاد ولا يستبدلنا .
ولنكن من العابدين حتى يرزقنا الله الجهاد .
ولنكن من الحامدين حتى يمن الله علينا ويرفع عنا الحرمان فنحن محرومون ولا شك .
ولنكن من الصائمين حتى يرزقنا الذب والدفاع عن نبينا محمد .
ولنكن من الراكعين حتى يستخدمنا الله فى نصرة المسلمات اللواتى يقتلن بأيدى الصليبيين .
ولنكن من الساجدين حتى يستعملنا الله فى تحكيم شرعه فى أرضه .
ولنكن من الآمرين بالمعروف حتى لا يكون لنا نصيب من هذه الآية ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ )
ولنكن من الناهين عن المنكر حتى يدخلنا الله جنته .
ولنكن من الحافظين لحدود الله حتى نفوز بأفضل شئ وهو رضوان الله الذى لايسخط بعده علينا أبدا .
---------------
(1) الجواب الكافى لإبن قيم الجوزية
كتبه / أبو عبد الرزاق
فالناظر لحال المسلمين اليوم يجد أنه حال يندى له الجبين ويتفطر وينخلع له القلب ويفكر كل مسلم يحب دينه كيف السبيل للخروج من هذه الظلمات , وكل يوم نسمع عن فلان قد إنقلب وانتكس , بل نسمع عن فصائل كاملة كانت مجاهدة ثم بعد ذلك إرتدت على أعقابها ذليلة خاسرة, نسأل الله العفو والسلامة والعافية
فكان لا بد لنا من وقفة مع أنفسنا نراجع فيها حساباتنا وبيعنا إلى الله . قال الله سبحانه وتعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ) الروم
قال الإمام الطبرى : مفسرا للآية أن الله تعالى ذكره، أخبر أن الفساد قد ظهر في البرّ والبحر عند العرب في الأرض القفار، والبحر بحران : بحر ملح ، وبحر عذب، فهما جميعا عندهم بحر ، ولم يخصص جلّ ثناؤه الخبر عن ظهور ذلك في بحر دون بحر، فذلك على ما وقع عليه اسم بحر عذبا كان أو ملحا. إذا كان ذلك كذلك، دخل القرى التي على الأنهار والبحار.
فتأويل الكلام إذن إذ كان الأمر كما وصفت ، ظهرت معاصي الله في كل مكان من برّ وبحر ( بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ ) : أي بذنوب الناس ، وانتشر الظلم فيهما.
وقوله:(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) يقول جل ثناؤه : ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوا، ومعصيتهم التي عصوا(لَعَلَّهُمْ يَرجِعُونَ) يقول: كي ينيبوا إلى الحقّ، ويرجعوا إلى التوبة، ويتركوا معاصي الله.
فاليوم لا نرى أهون ولا أرخص من دماء المسلمين التى تسفك بغير حق ونرى شريعة الله مغيبة معطلة منذ قرون مضت ونرى الملسمين يضيق عليهم وتنهب ثرواتهم ولم أكتب هذا الموضوع حتى نندب حالنا وإنما أكتبه حتى نغير حالنا ولن يتغير حالنا إلا إذا غيرنا من أنفسنا كما قال الله تبارك وتعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) فيجب علينا أن نصلح حالنا مع الله وأن نَحذر كل الحذر من صفات المنافقين وأن نسعى كل السعى إلى أن نحظى بصفات عباد الله المجاهدين , فإن الله عندما ذكر المنافقين فى القرآن فى مواضع كثيرة لم يذكرهم لنا بأسمائهم وإنما ذكرهم لنا بصفاتهم حتى نعرفهم إلى يوم القيامة مفضوحين ظاهرين قال تعالى ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) محمد
وقال تعالى ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيم بِالظَّالِمِينَ (47) ) التوبة , يقول شيخ الإسلام بن تيمية فى مجموع الفتاوى والسياسة الشرعية : يجب الاستعداد للجهاد باعداد القوة ورباط الخيل فى وقت سقوطه للعجز فان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. اهـ.
ويقول الطبرى فى تفسيره : ولو أراد هؤلاء المستأذنوك، يا محمد ، في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك ، (لأعدوا له عدة) ، يقول لأعدوا للخروج عدة ، ولتأهّبوا للسفر والعدوِّ أهْبَتهما (ولكن كره الله انبعاثهم) ، يعني خروجهم لذلك (فثبطهم) ، يقول فثقَّل عليهم الخروجَ حتى استخفُّوا القعودَ في منازلهم خِلافك، واستثقلوا السفر والخروج معك ، فتركوا لذلك الخروج (وقيل اقعدوا مع القاعدين) ، يعني: اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ، ومع النساء والصبيان ، واتركوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين في سبيل الله. اهـ.
وقال تعالى ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) ) المائدة
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ) المائدة
وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) ) محمد
وقال تعالى ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ) البقرة
وقال تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) ) النساء
وقال تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) ) التوبة
وقال تعالى ( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ) الأحزاب
وقال تعالى ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) النساء
وقال تعالى ( وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) ) التوبة
وقال تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) ) التوبة
وقال تعالى ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) التوبة
إِمَّا الْجِهَاد بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِمَّا الِاسْتِبْدَال
قال تعالى( هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) )
وقال تعالى ( إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) ) التوبة
الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل
قال تعالى ( َمنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) ) الإسراء
وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) )
وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) ) الشورى
وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) ) النساء
وقال تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) محمد
وقال تعالى ( وَمَا لَكُمْ أَلاتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) الحديد
لابدّ من التوبة
فالله يغفر للتائبين الذين اتبعوا سبيله وهو صراطه الموصل إليه الذى هو معرفته ومحبته وطاعته فيما أمر وترك ما يكره واتبعوا السبيل الذي يحبها ثم سألوه أن يقيهم عذاب الجحيم وأن يدخلهم والمؤمنين من أصولهم وفروعهم وأزواجهم جنات عدن التي وعدهم بها وهو سبحانه وإن كان لا يخلف الميعاد فإنه وعدهم بها بأسباب من جملتها دعاء الملائكة لهم بأن يدخلهم إياها يدخلونها برحمته التي منها أن وفقهم لأعمالها وأقام ملائكته يدعون لهم بدخلولها ثم أخبر سبحانه عن ملائكته أنهم قالوا عقيب هذه الدعوة إنك أنت العزيز الحكيم أي مصدر ذلك وسببه وغايته صادر عن كمال قدرتك وكمال علمك فإن العزة كمال القدرة والحكمة كمال العلم وبهاتين الصفتين يقضي سبحانه وتعالى ما يشاء ويأمر وينهى ويثيب ويعاقب فهاتان الصفتان مصدر الخلق والأمر والمقصود أن عقوبات السيئات تتنوع إلى عقوبات شرعية وعقوبات قدرية وهي إما في القلب وإما في البدن وإما فيهما وعقوبات في دار البرزخ بعد الموت وعقوبات يوم عود الأجسام في الدار الآخرة فالذنب لا يخلو من عقوبة البتة ولكن لجهل العبد لا يشعر بما هو فيه من العقوبة لأنه بمنزلة السكران والمخدر والنائم الذي لا يشعو بالآلم فإذا استيقظ وصحي أحسن بالمؤلم فترتب العقوبات على الذنوب كترتب الإحراق علي النار والكسر على الانكسار والإغتراف على الماء وفساد البدن على السموم والأمراض للأسباب الجالبة لها وقد تقارن المضرة للذنب وقد تتأخر عنه إما يسير وإما مدة كما يتأخر المرض عن سببه أن يقارنه وكثيرا ما يقع الغلط للعبد في هذا المقام ويذنب الذنب فلا يري أثره عقيبه ولا يدري أنه يعمل وعمله على التدريج شيئا فشيئا كما تعمل السموم والأشياءالضارة حذو القذة بالقذة فإن تدارك العبد نفسه بالأدوية والاستفراغ والحمية وإلا فهو صائر إلى الهلاك هذا إذا كان ذنبا واحدا لم يتداركه بما يزيل أثره فكيف بالذنب على الذنب كل يوم وكل ساعة والله المستعان
فاستحضر بعض العقوبات التى رتبها الله سبحانه وتعالى على الذنوب وجوز وصولها إليك واجعل ذلك داعيا للنفس إلى هجرانها وأنا أسوق إليك منها طرفا يكفي العاقل مع التصديق ببعضه فمنها الختم على القلوب والإسماع والغشاوة على الإبصار والإقفال على القلوبوجعل الأكنة عليها والرين عليها والطبع عليها وتقليب الأفئدة والإبصار والحيلولة بين المرأ وقلبه واغفال القلب عن ذكر الرب وإنساء العبد نفسه وترك إرادة الله تطهير القلب وجعل الصدر ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وصرف القلوب عن الحق وزيادتها مرضا على مرضها وإركاسها وإنكاسها بحيث تقى ! سوسة كما ذكر الإمام أحمد عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه أنه قال القلوب أربعة فقلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب أغلف فذلك قلب الكافر وقلب منكوس فذلك قلب المنافق وقلب تمده مادتان مادة إيمان ومادة نفاق وهو لما غلب عليه منهما ومنها التثبط عن الطاعة والابتعاد عنها ومنها جعل القلب أصم لا يسمع الحق أبكم لا ينطق به أعمى لا يراه فيصير النسبة بين القلب وبين الحق الذى لا ينفعه غيره كالنسبة بين أذن الأصم والأصوات وعين الأعمى والألوان ولسان الأخرس والكلام وبهذا يعلم أن الصم والبكم والعمى للقلب بالذات والحقيقة والجوارح بالفرض والتبعية فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور وليس المراد نفى العمى الحسي عن البصر كيف وقد قال ( تعالى ليس على الأعمى حرج ) وقال ( عبس وتولى أن جاءه الاعمى ) وإنما المراد أن العمى التام على الحقيقة عمي القلب حتى أن عمي البصر بالنسبة إليه كالأعمى حتى يصح نفيه بالنسبة الى كماله وقوته كما قال النبي ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب وقوله ليس المسكين بالطواف الذى ترده اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذى لا يسئل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه ونظائره كثيرة والمقصود أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم ومنها الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوالا حول السفليات والقاذورات والراذائل كما أن القلب الذى رفعه الله وقربه إليه لا يزال جوالا حول البر والخير ومعالي الأمور والأعمال والأقوال والأخلاق قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فمنها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما بتطوس الطاووس فى ريشه ومنهم من يكون بليد كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود كالجمل ومنهم الذى هو خير كله كالغنم ومنهم أشباه الذئاب ومنهم أشباه الثعالب التى يروغ كروغانها وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغى بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالانعام تارة وتقوي هذه المشابهة باطنا حتي تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر فى الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوي حتي تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام فيقلب الله سبحانه وتعالى الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخم قردة وخنازير فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج بنعم الله عليه وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة ومنها مكر الله بالماكر ومخادعته للمخادع واستهزاؤه بالمستهزىء وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق ومنها نكس القلب حتى يرى الباطل حقا والحق باطلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا ويفسد ويرى أنه يصلح ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعى إليها ويشتري الضلالة بالهدى وهو يرى أنه على الهدى ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية علي القلوب ومنها حجاب القلب عن الرب فى الدنيا والحجاب الأكبر يوم القيامة كما قال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فمنعتهم الذنوب أن يقطعوا المسافة بينهم وبين قلوبهم فيصلوا اليها فيروا ما يصلحها ويزكيها وما يفسدها ويشقيها وإن يقطعوا المسافة بين قلوبهم وبين ربهم فتصل القلوب إليه فتفوز بقربه وكرامته وتقربه عينا وتطيب به نفسا بل كانت الذنوب حجابا بينهم وبين قلوبهم وحجابا بينهم وبين ربهم وخالقهم ومنها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب فى الآخرة قال تعالي ( ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك والآية تتناول ما هو أعم منه وإن كانت نكرة فى سياق الإثبات فإن عمومها من حيث المعنى فإنه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه وإن تنعم فى الدنيا بأصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي يقطع القلوب والأماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه وإنما تواريه عند سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة إن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر فسكرها هذه الأمور أعظم من سكر الخمر فإنه يفيق صاحبه ويصحوا وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحوا صاحبه إلا إذا سكر في عسكر الأموات فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله فى دنياه وفي البرزخ ويوم معاده ولا تقر العين ولا يهدى القلب ولا تطمئن النفس إلا بألهها ومعبودها الذى هو حق وكل معبود سواه باطل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه علي الدنيا حسرات والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحا كما قال ( تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء فى الدنيا بالحياة الطيبة والحسني يوم القيامة فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء فى الدارين ونظير هذا قوله تعالى ( وللذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ونظيرها قوله تعالى وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ) ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا علي الحياة الطيبة فى الدارين فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم علي الحقيقة ولا نسبة لنعيم البدن إليه فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة لو علم الملوك وأبناء ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر إنه يمر بالقلب أوقات أقول فيها إن أهل الجنة فى مثل هذا إنهم لفى عيش طيب وقال الآخر إن فى الدنيا جنة هى في الدنيا كالجنة في الآخرة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة وقد أشار النبي الى هذه الجنة بقوله ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر ) وقال (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) ولاتظن أن قوله تعالى ( ان الابرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) يختص بيوم المعاد فقط بل هؤلاء فى نعيم فى دورهم الثلاثة وهؤلاء فى جحيم فى دورهم الثلاثة وأي لذة ونعيم فى الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته والعمل على موافقته وهل عيش في الحقيقة الا عيش القلب السليم وقد أثنى الله تعالى على خليله عليه السلام بسلامة القلب فقال وإن من شيعته لإبراهيم إذا جاء ربه بقلب سليم وقال حاكيا عنه أنه قال يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والقلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة فسلم من كل آفة تبعده من الله وسلم من كل شبهة تعارض خبره ومن كل شهوة تعارض أمره وسلم من كل إرادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله فهذا القلب السليم فى جنة معجلة فى الدنيا وفى جنة فى البرزخ وفى جنة يوم المعاد ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء من شرك يناقض التوحيد وبدعة تخالف السنة وشهوة تخالف الأمر وغفلة تناقض الذكر وهو يناقض التجريد والاخلاص يعم وهذه الخمسة حجب عن الله وتحت كل واحد منها أنواع كثيرة تتضمن أفراد الأشخاص لا تحصر ولذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم اهـ. (1)
إِلَيْكَ صِفَاتِ الْمُجَاهِدِين
فلنعلم جميعا أن الله ما ييسر لأحد من عباده القيام بشعيرة الجهاد إلا إذا إتصف بصفات عددها الله سبحانه وتعالى بعد ذكره للبيع الذى بينه عز وجل وبين عباده المجاهدين
قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
ما هى صفات هؤلاء ؟
الإجابة فى الآية تاليها
( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) )
فلنكن من التائبين حتى يستخدمنا الله فى الجهاد ولا يستبدلنا .
ولنكن من العابدين حتى يرزقنا الله الجهاد .
ولنكن من الحامدين حتى يمن الله علينا ويرفع عنا الحرمان فنحن محرومون ولا شك .
ولنكن من الصائمين حتى يرزقنا الذب والدفاع عن نبينا محمد .
ولنكن من الراكعين حتى يستخدمنا الله فى نصرة المسلمات اللواتى يقتلن بأيدى الصليبيين .
ولنكن من الساجدين حتى يستعملنا الله فى تحكيم شرعه فى أرضه .
ولنكن من الآمرين بالمعروف حتى لا يكون لنا نصيب من هذه الآية ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ )
ولنكن من الناهين عن المنكر حتى يدخلنا الله جنته .
ولنكن من الحافظين لحدود الله حتى نفوز بأفضل شئ وهو رضوان الله الذى لايسخط بعده علينا أبدا .
---------------
(1) الجواب الكافى لإبن قيم الجوزية
كتبه / أبو عبد الرزاق
تعليق