غربة الدعاة..
هي أشد درجات الغربة وأضيق دوائرها..
أهلها أقل الناس عددا وأعلاهم منزلة وأعظمهم أثرا وأحبهم إلى الله تعالى وأكثرهم
إتّباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقلهم أتباعاً وأنصاراً،،
فأكثر الخلق لهم معادون،وإياهم متهمون،لأنهم يدعونهم لترك ما هم عليه من عاداتهم
الجاهلية، ويأمرونهم بإتباع هدى خير البرية صلى الله عليه وسلم،قال عمر بن عبد
العزيز وهو من الغرباء المجددين:-
((ألا وإني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله قد فني عليه الكبير وكبر عليه الصغير
وفصح عليه الأعجمي وهاجر عليه الأعرابي حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره )).
ونقل عن سيد العباد أويس القرني أنه قال (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع
للمؤمن صديقاً،فأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين
حتى - والله - لقد رموني بالعظائم وأيم لله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه ))..!!
فهي غربة الإصلاح وليس مجرد الصلاح..
غربة الذين يصلحون ما أفسد الناس..
غربة الداعين إلى الدين..الذابين عن السنة..الناشرين للحق
أولئك هم زينة الأرض، وأقطاب المعمورة ،ومصابيح الدجى
غربة الصابرين على ما يلاقون من أذى في سبيل تبليغ دين الله،والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر وتطبيق أمر الله والقيام بدينه الحق..
ولا يشعر بهذه الغربة، ولا يعرف حقيقتها إلا من عرف الدين الحق الذي جاء به محمد
صلى الله عليه وسلم، وفهم السنة وتبين له سبيل المجرمين،وعرف الجاهلية وأنواعها..
فالفرقة الناجية والطائفة المنصورة (أهل السنةوالجماعة) غريبة في هذه الدنيا
المائجة بالكفر البواح ،وغريبة بين المسلمين الذين طغت عليهم أهواءهم،وغريبة بين
العاجزين عن الدعوة من أهل الحق، كيف لا تكون غريبة وهي فرقة بين ثلاثة وسبعين فرقة
كل فرقة يتبعها فرقاً وأحزاباً تضم كلاً منها عددا هائلا ممن ينتسب إلى الإسلام
ولها رئاسات ومناصب وولايات لا يقوم بها إلا بمخالفة ما جاء به الرسول صلى الله
عليه وسلم ؟؟؟!
كيف لا تكون غريبة وهي تعاني من المضايقات والكيد والاتهامات الصادرة ممن ينتسب إلى
الإسلام أشد ما يأتيها من الكفار الصريح كفرهم ؟ فهم في غربة حقيقية بكافة المقاييس
وبكل الاعتبارات إلا أن هذه الغربة تعتبر غربة محمودة يتشرف المؤمن بكونه من أهلها
لأن هؤلاء الغرباء مع مايلاقونه من مشقة وبأساء ومع ما في غربتهم من شدة ولأواء ،
ومحنة وبلاء..
إلا أنهم لا وحشة عليهم لأنهم أهل الله حقا لم يأووا إلى غيره ولم ينتسبوا إلا
لرسوله صلى الله عليه وسلم زايلوا تلك الطوائف وفارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم
ليرضوا ربهم الذي أنعم عليهم بل أحدهم آنس ما يكون إذا استوحش الناس، لأن وليهم
الله ورسوله والذين آمنوا وإن عاداهم أكثر الناس.
لسان حالهم : فيا ليت الذي بيني وبينك عامر ***** وما بيني وبين العالمين خـــــراب
فهم على نهج الأنبياء سائرون،وبقافلة السابقين لاحقون،يتشرفون بأنهم القابضون على
الجمر
فالداعية الغريب : هو الذي تعلم السنن وعمل بها ودعى إليها وصبر على ما يلاقي في
سبيل ذلك ،واجتنب المعاصي والبدع وحذّر منها وصبر عنها ،واتبع آثار من سلف من أئمة
المسلمين ،وعرف زمانه وشدة فساده وفساد أهله ،فاشتغل بإصلاح شأن نفسه من حفظ جوارحه
وترك الخوض فيما لا يعنيه ، وكان طلبه في الدنيا بقدر كفايته وترك الفضل الذي يطغيه
ولا يبالي ما ذ هب من دنياه إذا سلم له دينه ،تجده في الخلوات يبكي بحرقة ويئن
بزفرة ودموعه تسيل بعبرة فلو رأيته وأنت لا تعرفه ظننت أنه ثكلى وما هو إلا الخوف
من ربه والتشبث بدينه الذي هو رأس ماله وعصمة أمره وأكبر مكاسبه ....
تعليق