الليل والنهار ومكافأة العلماء !
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر " فصل المقارنة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة " :
تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حب الدنيا ، فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون ، كما قال عز وجل -: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) .
وقد كان أبو الدرداء يدعوا كل ليلة لجماعة من إخوانه . وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي : أبوك من الستة الذين أدعوا لهم كل ليلة وقت السحر .
والأمر الفارق بين الفئتين : أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها ويحبون كثرة الجمع والثناء ، وعلماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك ، وقد كانوا يتخوفونه ، يرحمون من بلي به . انتهى كلامه رحمه الله رحمة واسعة .
من يتأمل حالة علماء آل سعود وفئة علماء الدنيا التي ذكرها الإمام ابن الجوزي رحمه الله رحمة واسعة يرى بوضوح بصيرته وشدة إصابته وتشخيصه لأحوالهم ..
عداوة وبغضاء وحرب وتربص بينهم في السر والإعلان ، لهث وراء الرياسة وكراسي الوزارات والإدارات وحب المدح والثناء بما لم يفعلوه ويفعلون .
وليتهم رضوا بكل هذا ولم يزوروا دين الله ويحرفوه بل الأشد والأدهى والأمر في مافعلوه وقالوه وأطلقته ألسنتهم من على أسطح منابرهم وكراسي رياساتهم وأوراق محابرهم ، فلله الأمر من قبل وبعد .
وإني لأتساءل أي ليل هم فيه بعد نهارٍ ملؤه الخيانة والنفاق والكذب على الله ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه ؟!
واستشهد هنا بقول الإمام رحمه الله في هذا الشأن - وتمعنوا في ذلك - " فصل إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" :
من أحب تصفية الأحوال ، فليجتهد في تصفية الأعمال ، قال الله عز وجل :- ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء ً غدقا ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه عز وجل :- ( لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولم أسمعهم صوت الرعد ) . وقال عليه أفضل الصلاة وأتمها :- ( البر لا يبلى ، والإثم لا يُـنسى ، والديان لا ينام ، وكما تدين تدان ) . وقال أبو سليمان الداراني - وهو عبدالرحمن بن أحمد الداراني ، ولد سنة مائة وأربعين للهجرة وكان زاهد عصره - ( من صفـى صـُفي له ، ومن كـّدر كـُـدر عليه ، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره ، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله ) . انتهى كلام الإمام رحمه الله .
ثم أعود لحال علماء الدنيا هؤلاء محاولا ربط الخيوط ببعضها وأقول ماهي المكافأة التي سينالونها في ليلهم بعد مافعلوه في نهارهم ؟! مستدركا نفسي عن دخول الغيبيات فعلمهم عند ربي في كتاب ، بل منطلقا وقافزا لما وراء ذلك حيث الماء الغدق والمطر بالليل والشمس بالنهار وجمال الحال والأحوال .. نعم فهم يبلغون ما أوتوا وسننال ما أخذناه عنهم بقبولنا له .
كيف هو حال وطننا وشعبنا في واقع الأمر وحقيقة الحال ؟!
أو لانعيش في أسوء الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟
بلدان وحكام تتربص بنا الدوائر وشعب ضعيف مستهان به تلوكه الألسن في كل ديرة ٍ ومكان .
جوع وفقر يحاصر أهل القرى والمدن والبراري وهم يرون بأعينهم خيرات البلد تخرج منطلقةً عابرةً الحدود والآفاق مستقرة في آخر الأوطان !.
نهب وسلب لأقوات المساكين في عجز منهم وخضوع وذل وهوان آثرين البكاء والعطف والإستجداء أو الجنون أو أي شي قد يتصور الا ان يقفوا في عزة وكرامة ليسترجعوا حقهم الذي كان .
جرائم تتكاثر وتنتشر انتشار النار في الهشيم حتى أصبح الجار لايأمن بوائق جاره والمرأة لا تأمن على نفسها إن مشت بمفردها والطفل لا تدري مايفعل به في مدرسته أو مارس هوايته في أحد الملاعب والأندية .
ضياع وانحلال في شتى تصرفات الكثير تراها في المتنزهات والاسواق ويوم أتى لنا اختراع الهاتف الجوال والشبكة العنكبوتية تجسد ذلك بكل عمق ووضوح في سوء الاستغلال وفضح التربية الهشة المتدنية من خلال ماتشاهده في المنتديات وعلى مقاهي المحادثات الفورية والمقاطع السمعية والمرئية .
قنوات وصحف تحارب (( الله ورسوله )) ليل نهار ............... ناشرة العهر والرذيله في كل مكان ، وكتاب منحرفون وأفاكون ومظللون يتخاصمون فيما بينهم همهم تقدم فريقهم على الآخر ليحضوا بما كانوا به طامحين وآخر شي قد يطري على هممهم دين الله وأرضه وعباده .
وأكبر من ذلك حكام وأمراء ساسوا كل ذلك وأنشأوه ونصروه وجاهدوا فيه بالمال والنفوذ ليصبح على ماهوا الآن .
بعد كل هذا الذي هو غيض من فيض أتسائل :
بم كوفئتم أيها العلماء في ليلكم وارتوى منه بلدنا وشعبنا في نهارهم ؟!
أجيبوني وبيني وبينكم رب الليل والنهار .
ابو مريم الاسمري
تعليق