كان صاحبي رجلا صالحا..ربما قرأ الرقية الشرعية احيانا على بعض المرضى.. قال لي: رن جرس هاتفي يوما .. فاذا ابن احد كبا التجار .. يقول: يا شيخ والدي مريض .. ونرغب في مجيئك لزيارته وقراءة الرقية الشرعية عليه .. ذهبت الى هناك ..فاذا قصر منيف.. تتفجر النعمة من جدرانه .. قابلني اولاده رحبوا بي .. الترف ظاهر في وجوههم .. سالتهم عن مرض ابيهم .. فقال لي احدهم : أبي كان مصابا بتليف في الكبد .. واكتشفنا قبل ايام انه بدأ معه سرطان في الدم.. وقد حدثنا الطبيب ان التقارير الطبية تشير الى انه لم يبق له في الدنيا الا ايام معدودات .. والعلم عند الله تعالى.. مضيت امشي معهم الى ابيهم فلما كدنا ان ندلف اليه .. جذبني احدهم و قال: ياشيخ.. عفوا .. نسينا ان نخبرك.. ابونا لا يعلم بحقيقة مرضه ..فانه لما سألنا عن النتيجة التحاليل .. خشينا ان يشتد حزنه .. او يزداد مرضه ادخلوني على ابيهم.. فاذا غرفته فارهة.. فيها سرير عليه رجل قد جاوز الخمسين بقليل .. تبدو عليه اثار النعمة .. مريض لكن جسمه لا يزال متمسكا .. صافحته برفق.. ثم جايت عند راسه .. جلس اولاده حوله ..فالتفت اليهم وامرهم بالخروج .. خرجوا واغلقوا باب الغرفة وبقيت انا وهو .. فخفض راسه وظل ساكتا قليلا .. ثم استعبر وبكى .. التفت الى دموعه تجري على خديه .. وقال :آآآآه ياشيخ قلت : مابلك ؟! قال : هذه الدنيا التي اجمعها منذ ثلاثين سنة .. حتى تشاغلت عن صلاتي .. وقراءة القرآن .. ومجالس الذكر.. وكلما نصحني احد وقال : يا فلان التفت لآ خرتك .. صلاة الجماعة .. صيام النوافل .. تربية اولادك ..ختم القرآن .. قلت له : أنان ساجمع المال حتى يصل عمري الستين .. فاذا بلغت الستين.. اعطيت لنفسي تقاعدا من الاعمال .. وأوكلتها لغيري .. واشتغلت بقية عمري في انفاق ما جمعت .. والعبادة .. والآن كما هجم علي ما ترى من المرض الذي يزداد الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم ثم اشتد بكاؤه .. فقلت :ابشر بالخير ستشفى باذن الله .. وتتعبد كما تريد ..وحتى لو قضى الله عليك موتا .. فكلنا سنموت .. ومالك سينفعك بعد موتك .. واولادك لن ينسوك .. سيبنون لك المساجد ويكفلون الايتام .. ويتصدقون عنك.. و.. فصرخ بي قال : خلاص .. يكفي .. واخذ يبكي كالصغير .. ويردد .. اولادك يتصدقون عنك !! يبنون مسحدا .. ! .. أنت لا تعرف هؤلاء النجاس قلت : لم .. قال : اولادي هؤلاء الذين يظهرون المحبة لي والشفقة علي .. كانوا البارحة مجتمعين عندي .. فطال جلوسهم وارتهم ان يخرجوا .. فاظهرت لهم اني نائم .. واغمضت عيني وبدأت بالشخير .. فظنوا أنني نائم فعلا .. فلا تمض دقائق .. حتى بدأوا يتكلمون عن اموالي وكم سينال كل منهم من الميراث !! .. وكلهم جهال في قسمة المواريث .. فاختلفوا .. واشتد نقاشهم .. حتى اختصموا علي عمارة لي في موقع متميز .. كل منهم يريدها من نصيبه .. ثم بكى الرجل حتى رحمته .. خرجت من عنده وانا اردد " ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه " .. فعلا .. أحب الناس اليه بعد موته سيجتمعون في داره ليقتسموا أمواله لا ليقتسموا أعماله .. يموت ويتبعه ثلاثة .. اهله وماله وعماه.. يرجع الاهل والمال ليتمتع بها غيره .. وهو الذي جمعها .. ويبقى عمله .. نعم يبقى عمله .. فما العمل الذي سيبفى معه..؟ ويدخل معه قبره ..؟ قيام ليل ! صدقات ! بناء مساجد! ام تساهل بالدين .. ومتابعة القنوات .. ومجالسة فجار ... ولا يظلم ربك احدا ..
"من اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها و لاتزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "
"من اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها و لاتزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "
تعليق