بسم الله الرحمن الرحيم
شبهة الإستدلال بصلح الحديبية على إسلام المجاهدين لعدوهم ؟!
الشيخ حامد بن عبد الله العلي
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله فإن كثيرا من مرجئة العصر المدافعين عن الطواغيت يستدلون على المعاهدات الظالمة التى يوقعها الطواغيت الحاكمة مع غيرها من الشعوب الكافرة والتى تشترط عليهم محاربةالمجاهدين والتبرؤ منهم وتسليمهم للعدو وفتح البلاد لهم والإعتراف بشرعية الكيان السرطانى الصهيوني ... يستدلون على ذلك كله بدعوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد وقـــّع مع المشركين من قريش قبل الفتح صلح الحديبية مع ما كان فيه من التنازلات التى فرضت على المسلمين حتى وصل الأمر إلى رد المسلم الذى يفر من أذى المشركين من مكة إليهم، فما ردكم .
*********************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
أولا هذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم من قبوله شرط الكفار أن يرد إليهم من جاءه مسلما يختلف اختلاف كبيرا ، بل يتناقض ، مع ما يفعله هؤلاء الخونة في هذا العصر ، الذين لايرفعون رأسا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أصلا ، وإنما يحتكمون إلى أهواء أعداء الأمة ، ثم يأتي هؤلاء المرجئة العصرية يبحثون لهم عن ترقيعات مخزية ، يزيدون بها خزيهم وخزي طواغيتهم ، والرد عليهم من وجوه : ـ
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أبرم صلح الحديبية وقبل بهذا الشرط ، كان يقود دولة إسلامية تجاهد وتحتكم إلى الشرع ، فيفعل ما فيه مصلحة الأمة وقوتها ، في سياق معركة يخوضها مع عدوه ، يخطّط فيها لنصر الأمة ، وعلوّ كلمتها على غيرها ، لم يداهن ، ولم يخضـــع لمشروع الجاهليــّـة ، بل أظهر الكفر به وجهاده ، وجلاده وعناده ، وقاد المعركة ضده على أساس حتمية المواجهة ، واليقين بالنصر .
ولم يعط الدنيّة في دينه ، بل أجبــــر أعداءه على أن يأتي من قابل مكة فيعتمر ، وأن يكفوا عن قتاله عشر سنين ، وأن من شاء أن يدخل في عهد محمد وعقده دخل ، وكان في ذلك عز للإسلام ، وفتح عظيم ، ولهذا فالفتح المذكور في قوله تعالى ( لا يستوي منكم من أسلم من قبل الفتح وقاتل .. الآية ) هو الحديبية ، فصلح الحديبية ، ومافيه من الشروط ، كان وسيلة للظهور على الأعداء ، كما يقال في المصطلح السياسي : يتأخر خطوة ليكسب خطوتين ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتأخــر ، وإنمــا تقدم إلى النصـــر بصلح الحديبية .
فأين هذا مما يفعله الخونة من الإنهزام ، والإرتماء في أحضان الكفار ، وهم يصرّحون أنهم ما جاء بهم إلا مشروع صهيوني صليبي يريد أن يفرض دينه وثقافته على أمتنا ، ويزيدها تفكيكا وضعفا وهوانا ، ويسخر ثرواتها لأعداءها ، كما قال تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، ثم هؤلاء الطواغيت يملي عليهم الكفرة أوامرهم التي بها يحققون أهدافهم ، فلا يزيد هؤلاء الطواغيت إلا استسلاما ، وخنوعا ، وانهزاما ، وقد وضعوا كل مكتسبات أمتنا تحت تصرف أعداءها ، متحاكمين إلى عهود باطلة لأولئك الأعداء ، وهيئات كافرة ، قد جعلت للكافرين عليهم سبيلا وأي سبيل .
ولا يخفى على ذي بصيرة أن الاستدلال بصلح الحديبية الذي هو الفتح المبين ، على هذا الخزي المستبين الذي هو الخضوع للمشروع الصهيوصليبي ، وتنفيذ مطالب سادته الصهاينة والصليبين ، أفسد أنواع الإستدلال ، وأقبحه ، وأشده بطلانا وضلالا .
الثاني : هؤلاء الطواغيت يُسلمــون المسلم على أساس دين الوطنيـّة التي هي وثنية العصر ، وقد اتخذوها دينا ، بها يفرقون بين المؤمنين متحاكمين إلى غير ما أنزل الله تعالى ، فمن كان منهم تابعا لوطنيتهم ( وثنهم ) لم يسلموه وإن كان كافرا من أفجر الخلق وأعداهم لدين الإسلام ، وإن كان مسلما لاينتمي إلى وطنيتهم أسلموه وإن كان أتقى الناس واعظم جهادا ، ثم صاروا بعد ذلك يسلمون حتى المسلم المنتمي إلى وطنيّتهــم للكفار ، وإذا تعارضت مصلحة الإسلام والمسلمين مع أهداف دينهم هذا ، قدموهــا على أهداف الإسلام ومصلحة المسلمين ، حتى جعلوا الموت في سبيل دينهم هذا ، شهادة ، والموت في سبيل الله "إرهابا".
الثالث: أن هؤلاء يسلمون المسلم لكافر بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة ، بينما قد اتفق العلماء على أنه لا يجوز رد المرأة إن جاءت مسلمة ، لأنهم يبنون هذا التصرف على أساس عقيدة وعهد المواطنة العلمانية ، كما في الوجه الرابع .
الرابـــع : أنهم يسلمون المسلم إلى الكفار على أساس عهد طاغوتي ، يرجعون فيه إلى ما يدعى ميثاق جنيف الذي يحدد العلاقات بين الدول ، وقد بيـّنا سابقا في فتوى مطولة حكم هذه الوطنية بمفهومها العقدي العصري وما ينبني عليها من أحكام طاغوتية يتضمن بعضها نقض الإسلام .
الخامس : أن العلماء الذين قالوا بجواز قبول الإمام بهذا الشرط ، قالوا لا يجبر الإمام المسلم على المضيّ مع الكفار ، وله أن يأمره سراً بالهرب منهم ومقاتلتهم ، قال في المغني : (ولا يجبره الإمام على المضي معهم وله أن يأمره سرا بالهرب منهم ومقاتلتهم ) .
كما دل على ذلك حديث صلح الحدييبة ، وهؤلاء الطواغيــت ، يسعون بأنفسهم في إلقاء القبض على المسلم وإسلامه إلى الكفار قاتلهم الله .
السادس : أن العلماء الذين قالوا بجواز قبول الإمام بهذا الشرط قالوا : " فيجوز حينئذ لمن اسلم من الكفار أن يتحيزوا ناحية ويقتلون من قدروا عليه من الكفار, ويأخذون أموالهم ولا يدخلون في الصلح" كما في المغني لإبن قدامة .
ذلك أن قتال الكفار هو الأصل ، وإنما جاء صلح الحديبية في سياق المقاتلة ، ليقويّهـا ويعزّزها ، فإذا قاتل مسلمون ـ لم يدخلوا في عهد غيرهم ـ الكفار ، فقد حقّقـــوا هدف الجهـــاد ، ويجب أن يُقروا على ذلك ، ويفرح المؤمنون به ، هــــذا إن منع عهد مؤقت ـ فيه مصلحة للمسلمين ـ من نصرتهم وإعانتهم .
وهؤلاء الطواغيت يعينون الكفار على المسلمين الذين يقاتلون الكفار ، وفي ذلك من الردة ما فيه ، ممـّـا لا يخفــــى.
ذلك أنّهـــــم جعلوا هدفهــم هو إسلام الأمة إلى عدوّهــا ، لأنهم دخلوا مع الكفار في هيئة الأمم التي يحتكمون إليها ، فتحكم بغير ما أنزل الله على أخطر قضايا الأمـّـة ، وأسقطوا الجهــاد أصــلا .
السابـــــع : أن العلماء الذين أجازوا قبول الإمام لرد من جاء مسلما من الكفار إليهم ، اشترطوا أن يكون بالمسلمين حاجة شديدة إلى التغاضي عن هذا الشــــرط ، فإن لم يكن ثمة حاجة شديـــــدة ، فهو باطل ، قال في المغني " لكن لا يجوز هذا الشرط إلا عند شدة الحاجة إليه وتعين المصلحة فيه" والمسلمون اليوم بأمس الحاجة إلى من يؤويهم ، وينصرهم على عدوهم ، لا أن يسلمهم إلى عدوهــــم .
وننقل فيما يلي كلام ابن قدامة في المغني ، قال رحمه الله :
والشروط في عقد الهدنة تنقسم قسمين :
صحيح مثل ان يشترط عليهم مالا او معونة المسلمين عند حاجتهم اليهم, او يشترط لهم ان يرد من جاءه من الرجال مسلما او بامان فهذا يصح وقال اصحاب الشافعي: لا يصح شرط رد المسلم الا ان يكون له عشيرة تحميه وتمنعه ولنا ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرط ذلك في صلح الحديبية ووفى لهم به, فرد ابا جندل وابا بصيـــــــر، ولم يخص بالشرط ذا العشيرة ولان ذا العشيرة اذا كانت عشيرته هي التي تفتنه وتؤذيه فهو كمن لا عشيرة له, لكن لا يجوز هذا الشرط الا عند شدة الحاجة اليه وتعين المصلحة فيه ومتى شرط لهم ذلك, لزم الوفاء به بمعنى انهم اذا جاءوا في طلبه لم يمنعهم اخذه, ولا يجبره الامام على المضي معهم وله ان يامره سرا بالهرب منهم ومقاتلتهم .
فان ابا بصير لما جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاء الكفار في طلبه قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: انا لا يصلح في ديننا الغدر, وقد علمت ما عاهدناهم عليه ولعل الله ان يجعل لك فرجا ومخرجا فلما رجع مع الرجلين قتل احدهما في طريقه
, ثم رجع الى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله قد اوفى الله ذمتك قد رددتني اليهم, فانجاني الله منهم فلم ينكر عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يلمه بل قال: ويل امه مسعر حرب لو كان معه رجال فلما سمع ذلك ابو بصير لحق بساحل البحر وانحاز اليه ابو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة, فجعلوا لا تمر عليهم عير لقريش الا عرضوا لها فاخذوها وقتلوا من معها,فارسلت قريش الى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تناشده الله والرحم ان يضمهم اليه, ولا يرد اليهم احدا جاءه ففعل فيجوز حينئذ لمن اسلم من الكفار ان يتحيزوا ناحية ويقتلون من قدروا عليه من الكفار, وياخذون اموالهم ولا يدخلون في الصلح وان ضمهم الامام اليه باذن الكفار دخلوا في الصلح, وحرم عليهم قتل الكفار واموالهم وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه لما جاء ابو جندل الى النبي هاربا من الكفار يرسف في قيوده, قام اليه ابوه فلطمه وجعل يرده قال عمر: فقمت الى جانب ابي جندل, فقلت: انهم الكفار وانما دم احدهم دم كلب وجعلت ادنى منه قائم السيف لعله ان ياخذه فيضرب به اباه , قال: فضن الرجل بابيه
الثاني شرط فاسد مثل ان يشترط رد النساء, او مهورهن او رد سلاحهم او اعطاءهم شيئا من سلاحنا, او من الات الحرب او يشترط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله او يشترط نقضها متى شاءوا, او ان لكل طائفة منهم نقضا او يشترط رد الصبيان او رد الرجال, مع عدم الحاجة اليه
فهذه كلها شروط فاسدة لا يجوز الوفاء بها وهل يفسد العقد بها؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع, الا فيما اذا شرط ان لكل واحد منهم نقضها متى شاء فينبغي ان لا تصح وجها واحدا لان طائفة الكفار يبنون على هذا الشرط, فلا يحصل الامن منهم ولا امنهم منا فيفوت معنى الهدنة وانما لم يصح شرط رد النساء لقول الله تعالى: {اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10]. الى قوله: {فلا ترجعوهن الى الكفار}[الممتحنة: 10]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ان الله منع الصلح في النساء) وتفارق المراة الرجل من ثلاثة اوجه احدها انها لا تامن من ان تزوج كافرا يستحلها, او يكرهها من ينالها واليه اشار الله تعالى بقوله: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10]. الثاني انها ربما فتنت عن دينها لانها اضعف قلبا, واقل معرفة من الرجل الثالث ان المراة لا يمكنها في العادة الهرب والتخلص بخلاف الرجل ولا يجوز رد الصبيان العقلاء اذا جاءوا مسلمين لانهم بمنزلة المراة في الضعف في العقل والمعرفة, والعجز عن التخلص والهرب فاما الطفل الذي لا يصح اسلامه فيجوز رده لانه ليس بمسلم.
شبهة الإستدلال بصلح الحديبية على إسلام المجاهدين لعدوهم ؟!
الشيخ حامد بن عبد الله العلي
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله فإن كثيرا من مرجئة العصر المدافعين عن الطواغيت يستدلون على المعاهدات الظالمة التى يوقعها الطواغيت الحاكمة مع غيرها من الشعوب الكافرة والتى تشترط عليهم محاربةالمجاهدين والتبرؤ منهم وتسليمهم للعدو وفتح البلاد لهم والإعتراف بشرعية الكيان السرطانى الصهيوني ... يستدلون على ذلك كله بدعوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد وقـــّع مع المشركين من قريش قبل الفتح صلح الحديبية مع ما كان فيه من التنازلات التى فرضت على المسلمين حتى وصل الأمر إلى رد المسلم الذى يفر من أذى المشركين من مكة إليهم، فما ردكم .
*********************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
أولا هذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم من قبوله شرط الكفار أن يرد إليهم من جاءه مسلما يختلف اختلاف كبيرا ، بل يتناقض ، مع ما يفعله هؤلاء الخونة في هذا العصر ، الذين لايرفعون رأسا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أصلا ، وإنما يحتكمون إلى أهواء أعداء الأمة ، ثم يأتي هؤلاء المرجئة العصرية يبحثون لهم عن ترقيعات مخزية ، يزيدون بها خزيهم وخزي طواغيتهم ، والرد عليهم من وجوه : ـ
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أبرم صلح الحديبية وقبل بهذا الشرط ، كان يقود دولة إسلامية تجاهد وتحتكم إلى الشرع ، فيفعل ما فيه مصلحة الأمة وقوتها ، في سياق معركة يخوضها مع عدوه ، يخطّط فيها لنصر الأمة ، وعلوّ كلمتها على غيرها ، لم يداهن ، ولم يخضـــع لمشروع الجاهليــّـة ، بل أظهر الكفر به وجهاده ، وجلاده وعناده ، وقاد المعركة ضده على أساس حتمية المواجهة ، واليقين بالنصر .
ولم يعط الدنيّة في دينه ، بل أجبــــر أعداءه على أن يأتي من قابل مكة فيعتمر ، وأن يكفوا عن قتاله عشر سنين ، وأن من شاء أن يدخل في عهد محمد وعقده دخل ، وكان في ذلك عز للإسلام ، وفتح عظيم ، ولهذا فالفتح المذكور في قوله تعالى ( لا يستوي منكم من أسلم من قبل الفتح وقاتل .. الآية ) هو الحديبية ، فصلح الحديبية ، ومافيه من الشروط ، كان وسيلة للظهور على الأعداء ، كما يقال في المصطلح السياسي : يتأخر خطوة ليكسب خطوتين ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتأخــر ، وإنمــا تقدم إلى النصـــر بصلح الحديبية .
فأين هذا مما يفعله الخونة من الإنهزام ، والإرتماء في أحضان الكفار ، وهم يصرّحون أنهم ما جاء بهم إلا مشروع صهيوني صليبي يريد أن يفرض دينه وثقافته على أمتنا ، ويزيدها تفكيكا وضعفا وهوانا ، ويسخر ثرواتها لأعداءها ، كما قال تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، ثم هؤلاء الطواغيت يملي عليهم الكفرة أوامرهم التي بها يحققون أهدافهم ، فلا يزيد هؤلاء الطواغيت إلا استسلاما ، وخنوعا ، وانهزاما ، وقد وضعوا كل مكتسبات أمتنا تحت تصرف أعداءها ، متحاكمين إلى عهود باطلة لأولئك الأعداء ، وهيئات كافرة ، قد جعلت للكافرين عليهم سبيلا وأي سبيل .
ولا يخفى على ذي بصيرة أن الاستدلال بصلح الحديبية الذي هو الفتح المبين ، على هذا الخزي المستبين الذي هو الخضوع للمشروع الصهيوصليبي ، وتنفيذ مطالب سادته الصهاينة والصليبين ، أفسد أنواع الإستدلال ، وأقبحه ، وأشده بطلانا وضلالا .
الثاني : هؤلاء الطواغيت يُسلمــون المسلم على أساس دين الوطنيـّة التي هي وثنية العصر ، وقد اتخذوها دينا ، بها يفرقون بين المؤمنين متحاكمين إلى غير ما أنزل الله تعالى ، فمن كان منهم تابعا لوطنيتهم ( وثنهم ) لم يسلموه وإن كان كافرا من أفجر الخلق وأعداهم لدين الإسلام ، وإن كان مسلما لاينتمي إلى وطنيتهم أسلموه وإن كان أتقى الناس واعظم جهادا ، ثم صاروا بعد ذلك يسلمون حتى المسلم المنتمي إلى وطنيّتهــم للكفار ، وإذا تعارضت مصلحة الإسلام والمسلمين مع أهداف دينهم هذا ، قدموهــا على أهداف الإسلام ومصلحة المسلمين ، حتى جعلوا الموت في سبيل دينهم هذا ، شهادة ، والموت في سبيل الله "إرهابا".
الثالث: أن هؤلاء يسلمون المسلم لكافر بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة ، بينما قد اتفق العلماء على أنه لا يجوز رد المرأة إن جاءت مسلمة ، لأنهم يبنون هذا التصرف على أساس عقيدة وعهد المواطنة العلمانية ، كما في الوجه الرابع .
الرابـــع : أنهم يسلمون المسلم إلى الكفار على أساس عهد طاغوتي ، يرجعون فيه إلى ما يدعى ميثاق جنيف الذي يحدد العلاقات بين الدول ، وقد بيـّنا سابقا في فتوى مطولة حكم هذه الوطنية بمفهومها العقدي العصري وما ينبني عليها من أحكام طاغوتية يتضمن بعضها نقض الإسلام .
الخامس : أن العلماء الذين قالوا بجواز قبول الإمام بهذا الشرط ، قالوا لا يجبر الإمام المسلم على المضيّ مع الكفار ، وله أن يأمره سراً بالهرب منهم ومقاتلتهم ، قال في المغني : (ولا يجبره الإمام على المضي معهم وله أن يأمره سرا بالهرب منهم ومقاتلتهم ) .
كما دل على ذلك حديث صلح الحدييبة ، وهؤلاء الطواغيــت ، يسعون بأنفسهم في إلقاء القبض على المسلم وإسلامه إلى الكفار قاتلهم الله .
السادس : أن العلماء الذين قالوا بجواز قبول الإمام بهذا الشرط قالوا : " فيجوز حينئذ لمن اسلم من الكفار أن يتحيزوا ناحية ويقتلون من قدروا عليه من الكفار, ويأخذون أموالهم ولا يدخلون في الصلح" كما في المغني لإبن قدامة .
ذلك أن قتال الكفار هو الأصل ، وإنما جاء صلح الحديبية في سياق المقاتلة ، ليقويّهـا ويعزّزها ، فإذا قاتل مسلمون ـ لم يدخلوا في عهد غيرهم ـ الكفار ، فقد حقّقـــوا هدف الجهـــاد ، ويجب أن يُقروا على ذلك ، ويفرح المؤمنون به ، هــــذا إن منع عهد مؤقت ـ فيه مصلحة للمسلمين ـ من نصرتهم وإعانتهم .
وهؤلاء الطواغيت يعينون الكفار على المسلمين الذين يقاتلون الكفار ، وفي ذلك من الردة ما فيه ، ممـّـا لا يخفــــى.
ذلك أنّهـــــم جعلوا هدفهــم هو إسلام الأمة إلى عدوّهــا ، لأنهم دخلوا مع الكفار في هيئة الأمم التي يحتكمون إليها ، فتحكم بغير ما أنزل الله على أخطر قضايا الأمـّـة ، وأسقطوا الجهــاد أصــلا .
السابـــــع : أن العلماء الذين أجازوا قبول الإمام لرد من جاء مسلما من الكفار إليهم ، اشترطوا أن يكون بالمسلمين حاجة شديدة إلى التغاضي عن هذا الشــــرط ، فإن لم يكن ثمة حاجة شديـــــدة ، فهو باطل ، قال في المغني " لكن لا يجوز هذا الشرط إلا عند شدة الحاجة إليه وتعين المصلحة فيه" والمسلمون اليوم بأمس الحاجة إلى من يؤويهم ، وينصرهم على عدوهم ، لا أن يسلمهم إلى عدوهــــم .
وننقل فيما يلي كلام ابن قدامة في المغني ، قال رحمه الله :
والشروط في عقد الهدنة تنقسم قسمين :
صحيح مثل ان يشترط عليهم مالا او معونة المسلمين عند حاجتهم اليهم, او يشترط لهم ان يرد من جاءه من الرجال مسلما او بامان فهذا يصح وقال اصحاب الشافعي: لا يصح شرط رد المسلم الا ان يكون له عشيرة تحميه وتمنعه ولنا ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرط ذلك في صلح الحديبية ووفى لهم به, فرد ابا جندل وابا بصيـــــــر، ولم يخص بالشرط ذا العشيرة ولان ذا العشيرة اذا كانت عشيرته هي التي تفتنه وتؤذيه فهو كمن لا عشيرة له, لكن لا يجوز هذا الشرط الا عند شدة الحاجة اليه وتعين المصلحة فيه ومتى شرط لهم ذلك, لزم الوفاء به بمعنى انهم اذا جاءوا في طلبه لم يمنعهم اخذه, ولا يجبره الامام على المضي معهم وله ان يامره سرا بالهرب منهم ومقاتلتهم .
فان ابا بصير لما جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاء الكفار في طلبه قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: انا لا يصلح في ديننا الغدر, وقد علمت ما عاهدناهم عليه ولعل الله ان يجعل لك فرجا ومخرجا فلما رجع مع الرجلين قتل احدهما في طريقه
, ثم رجع الى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله قد اوفى الله ذمتك قد رددتني اليهم, فانجاني الله منهم فلم ينكر عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يلمه بل قال: ويل امه مسعر حرب لو كان معه رجال فلما سمع ذلك ابو بصير لحق بساحل البحر وانحاز اليه ابو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة, فجعلوا لا تمر عليهم عير لقريش الا عرضوا لها فاخذوها وقتلوا من معها,فارسلت قريش الى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تناشده الله والرحم ان يضمهم اليه, ولا يرد اليهم احدا جاءه ففعل فيجوز حينئذ لمن اسلم من الكفار ان يتحيزوا ناحية ويقتلون من قدروا عليه من الكفار, وياخذون اموالهم ولا يدخلون في الصلح وان ضمهم الامام اليه باذن الكفار دخلوا في الصلح, وحرم عليهم قتل الكفار واموالهم وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه لما جاء ابو جندل الى النبي هاربا من الكفار يرسف في قيوده, قام اليه ابوه فلطمه وجعل يرده قال عمر: فقمت الى جانب ابي جندل, فقلت: انهم الكفار وانما دم احدهم دم كلب وجعلت ادنى منه قائم السيف لعله ان ياخذه فيضرب به اباه , قال: فضن الرجل بابيه
الثاني شرط فاسد مثل ان يشترط رد النساء, او مهورهن او رد سلاحهم او اعطاءهم شيئا من سلاحنا, او من الات الحرب او يشترط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله او يشترط نقضها متى شاءوا, او ان لكل طائفة منهم نقضا او يشترط رد الصبيان او رد الرجال, مع عدم الحاجة اليه
فهذه كلها شروط فاسدة لا يجوز الوفاء بها وهل يفسد العقد بها؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع, الا فيما اذا شرط ان لكل واحد منهم نقضها متى شاء فينبغي ان لا تصح وجها واحدا لان طائفة الكفار يبنون على هذا الشرط, فلا يحصل الامن منهم ولا امنهم منا فيفوت معنى الهدنة وانما لم يصح شرط رد النساء لقول الله تعالى: {اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [الممتحنة: 10]. الى قوله: {فلا ترجعوهن الى الكفار}[الممتحنة: 10]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ان الله منع الصلح في النساء) وتفارق المراة الرجل من ثلاثة اوجه احدها انها لا تامن من ان تزوج كافرا يستحلها, او يكرهها من ينالها واليه اشار الله تعالى بقوله: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10]. الثاني انها ربما فتنت عن دينها لانها اضعف قلبا, واقل معرفة من الرجل الثالث ان المراة لا يمكنها في العادة الهرب والتخلص بخلاف الرجل ولا يجوز رد الصبيان العقلاء اذا جاءوا مسلمين لانهم بمنزلة المراة في الضعف في العقل والمعرفة, والعجز عن التخلص والهرب فاما الطفل الذي لا يصح اسلامه فيجوز رده لانه ليس بمسلم.
تعليق