قد يظن بعض المنتسبين للعلم الشرعي أو العاملين في وزارات الأوقاف والشئون الدينية
أن كل خطيب جمعة داعية وكل إمام مسجد داعية وجميع الوعاظ الموظفين دعاة إلى دين
الله. والحق أن هذا هو الأصل, ولكن لكل أصل استثناءات ولكل قاعدة شواذ.
كيف يكون الخطيب والإمام داعية ؟
بقلم الدكتور الشيخ / محمد إبراهيم ماضي
الحمد لله والصلاة والسلام على مُعلم الناس الخير محمد بن عبد الله ومن اهتدى بهداه.
قد يظن بعض المنتسبين للعلم الشرعي أو العاملين في وزارات الأوقاف والشئون الدينية أن كل خطيب جمعة داعية وكل إمام مسجد داعية وجميع الوعاظ الموظفين دعاة إلى دين الله. والحق أن هذا هو الأصل, ولكن لكل أصل استثناءات ولكل قاعدة شواذ.
أساتذتي الخطباء وشيوخي أئمة المساجد والوعاظ
أنتم تيجان رؤؤسنا ومهجة قلوبنا ومُقلة عيوننا إذا قمتم بواجبكم نحو دينكم ووطنكم. أنتم حملة العَلم الشرعي, أنتم ورثة الأنبياء, أنتم أهل الله وخاصته , أنتم الذين تتلون كتاب الله وتعملون بتعاليمه, أنتم الذين تتعلمون القرآن وتُعلمونه، وبهذا نلتم الخيرية, أمثالكم مصابيح النور الإيماني في دجى هذا الليل البهيم. ولكن أيها الأحباب في الله هل نحن كذلك ؟
بعضنا تفوح منه رائحة الدخان النتنة من فمه الذي يتطهر بتلاوة آيات الذكر الحكيم فهل هذا قدوة حسنة للمصلين؟ وهل ترفع صلاته فوق رأسه وقد كرهه هؤلاء الكرام في الله؟ ومنا من يُخطئ في التلاوة بلحن جلي ظاهر مرة ومرة بل مرات، فهل هذا طالب علم أم طالب شهادة؟ والبعض همه إثارة الفتنة بين المصلين فهذا شمالي والآخر جنوبي وهؤلاء من فئة "ألف" إلى الجنة والباقون من فئة "باء" إلى النار وبئس المصير.
فهل بهذا الأسلوب نحبب الخلق للخالق ونحبب الخالق للخلق؟
هل نتذكر قول الشاعر:
يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الناس إذا الملح فسد
وعلمنا الشرعي حدث عنه ولا حرج فلو أراد كل منا أن يحاسب نفسه.
هل أتمَّ قراءة تفسير مناسب للقرآن الكريم من سورة الفاتحة وحتى سورة الناس على مستوى تفسير ابن كثير أو أحد مختصراته؟ وهل اطَّلع وفهم كتاباً للأحاديث النبوية الصحيحة؟ كصحيح البخاري وصحيح مسلم, أو ما اتفق عليه هذان الشيخان الجليلان مع شرح لبعض هذه الأحاديث على مستوى جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي. وصدق من قال إن شرف العلوم من شرف المعلوم.
ولما كان الله هو أشرف معلوم، كان علم التوحيد هو أشرف العلوم فهل قرأت يا شيخي كتاباً في التوحيد والعقيدة؟ مثل كتاب لمعة الاعتقاد لابن قُدامه المقدسي. ولما كان الناس يسألون غالباً في القضايا العملية الحياتية فما هو رصيدك في الأحكام الفقهية بالأدلة الشرعية؟ أما سيرة سيد المرسلين فهي التطبيق العملي للكتاب والسنة فكم هي الكتب التي عشت معها بفؤادك الطاهر وعقلك ووجدانك التي تشرح السيرة العطرة؟ وهل اكتفيت بهذه العلوم الخمسة (القرآن والسنة والتوحيد والفقه والسيرة)؟ أم قرأت وعشت في واقعنا المر وطفت مع المؤرخين في سجلات الماضي؟ وهل لك نصيب في علوم اللغة العربية خاصة القواعد والبلاغة والأدب؟ وعلوم الكون وإشراقاتها أين أنت فيها؟ ولعلك تتذكر علوم القرآن ومصطلح الحديث وأصول الفقه وتعلم حاجة الداعية إليها.
أرجوا أن تسمحوا لي أن أعود إلى سؤالنا كيف يكون الخطيب وإمام المسجد داعية ؟
لعلك تتفق معي أنك قرأت بين السطور السابقة أن نقطة البدء أن تكون قدوةً طيبةً لإخوانك وأن تكون من طلاب العلم. ثم ماذا بعد ؟
إن الداعية الحق هو المسلم الذي لا يأمن مكر الله ويقف دائماً بين الخوف والرجاء. ربما وقف خطيب أمن مكر الله وتيقن أنه من أهل الفردوس الأعلى من الجنة وخطب ساعة كاملة يوم الجمعة في فصل الصيف ومرضى السكر يتألمون وكبار السن يتأوهون لكنه لا ينظر إلا إلي هندامه، فمن هؤلاء الفاسقون حتى يعيرهم انتباهه؟! فهل هذا الحبيب الغالي داعية إلى الله أم داعية إلى نفسه؟
وهذا الواعظ الذي يُذكر الناس - بارك الله فيه - بموعظة بليغة لا يكاد يذكر فيها إلا حديثاً ضعيفاً أو لا أصل له فهل يعد هذا الواعظ من الدعاة المجتهدين؟
إن الدعوة إلى الله ليست مهمة رسمية فقط، فقد اختار الله لها صفوة خلقه من الرسل والأنبياء فهل ننهض نحن طلاب العلم الشرعي لهذه المسؤولية. هل ننزل إلى الميادين والأسواق وشواطئ البحار لنذكر الناس بخالقهم بسمتنا ورائحتنا الزكية.
فخير العباد من إذا حضر ذكر الله فهذا من مهمات الدعاة. المرضى في المستشفيات فوق الأسِرة البيضاء من يزورهم ويعلمهم كيفية الطهارة والصلاة وهم على هذا الحال؟ أين علماؤنا؟ أين فقهاؤنا؟ السجناء والمعتقلون يتساءلون من يرغبنا في التوبة إلى الرحمن الرحيم ويأخذ بأيدينا إلى طريق الهداية والرشاد. فهل زرت أخي الواعظ سجناً قبل ذلك؟ وأبرأت ذمتك بين يدي الله -جل جلاله- أم أنك تنظر إلى هذه الشريحة من مجتمعنا باحتقار وازدراء؟ هل فكرت يوماً أن تكتب مقالاً جاداً في صحيفةٍ أو مجلةٍ أو تساهم في أحد المواقع الشبابية على شبكة الإنترنت بكلمة معبرة؟
من منا فكر أن يكفل يتيماً ليقوم بحاجات جسده ويرعاه رعايةً إيمانيةً وتربيةً إسلاميةً حتى لا يقع المسكين فريسة على موائد اللئام. والصيف وما أدراك ما الصيف فهل ساهمت بجهدك الدعوي في أحد المخيمات الصيفية مخلصاً لله نيتك؟
ولننصح المواطن الصالح بل الإنسان الصالح، وهل تتفاعل أخي إمام المسجد مع قضايا الوطن لتكون ممن يجمع ولا يفرق؟ مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، إن ميادين الدعوة عديدة وأبوابها كثيرة فأي هذه الميادين سلكنا وأي الأبواب ولجنا؟
هل أنا وأنت من الدعاة؟ أم أننا مجرد وعاظ وخطباء نقوم بواجب رسمي أو لا قدر الله نعمل من أجل دنيا؟
أن كل خطيب جمعة داعية وكل إمام مسجد داعية وجميع الوعاظ الموظفين دعاة إلى دين
الله. والحق أن هذا هو الأصل, ولكن لكل أصل استثناءات ولكل قاعدة شواذ.
كيف يكون الخطيب والإمام داعية ؟
بقلم الدكتور الشيخ / محمد إبراهيم ماضي
الحمد لله والصلاة والسلام على مُعلم الناس الخير محمد بن عبد الله ومن اهتدى بهداه.
قد يظن بعض المنتسبين للعلم الشرعي أو العاملين في وزارات الأوقاف والشئون الدينية أن كل خطيب جمعة داعية وكل إمام مسجد داعية وجميع الوعاظ الموظفين دعاة إلى دين الله. والحق أن هذا هو الأصل, ولكن لكل أصل استثناءات ولكل قاعدة شواذ.
أساتذتي الخطباء وشيوخي أئمة المساجد والوعاظ
أنتم تيجان رؤؤسنا ومهجة قلوبنا ومُقلة عيوننا إذا قمتم بواجبكم نحو دينكم ووطنكم. أنتم حملة العَلم الشرعي, أنتم ورثة الأنبياء, أنتم أهل الله وخاصته , أنتم الذين تتلون كتاب الله وتعملون بتعاليمه, أنتم الذين تتعلمون القرآن وتُعلمونه، وبهذا نلتم الخيرية, أمثالكم مصابيح النور الإيماني في دجى هذا الليل البهيم. ولكن أيها الأحباب في الله هل نحن كذلك ؟
بعضنا تفوح منه رائحة الدخان النتنة من فمه الذي يتطهر بتلاوة آيات الذكر الحكيم فهل هذا قدوة حسنة للمصلين؟ وهل ترفع صلاته فوق رأسه وقد كرهه هؤلاء الكرام في الله؟ ومنا من يُخطئ في التلاوة بلحن جلي ظاهر مرة ومرة بل مرات، فهل هذا طالب علم أم طالب شهادة؟ والبعض همه إثارة الفتنة بين المصلين فهذا شمالي والآخر جنوبي وهؤلاء من فئة "ألف" إلى الجنة والباقون من فئة "باء" إلى النار وبئس المصير.
فهل بهذا الأسلوب نحبب الخلق للخالق ونحبب الخالق للخلق؟
هل نتذكر قول الشاعر:
يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الناس إذا الملح فسد
وعلمنا الشرعي حدث عنه ولا حرج فلو أراد كل منا أن يحاسب نفسه.
هل أتمَّ قراءة تفسير مناسب للقرآن الكريم من سورة الفاتحة وحتى سورة الناس على مستوى تفسير ابن كثير أو أحد مختصراته؟ وهل اطَّلع وفهم كتاباً للأحاديث النبوية الصحيحة؟ كصحيح البخاري وصحيح مسلم, أو ما اتفق عليه هذان الشيخان الجليلان مع شرح لبعض هذه الأحاديث على مستوى جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي. وصدق من قال إن شرف العلوم من شرف المعلوم.
ولما كان الله هو أشرف معلوم، كان علم التوحيد هو أشرف العلوم فهل قرأت يا شيخي كتاباً في التوحيد والعقيدة؟ مثل كتاب لمعة الاعتقاد لابن قُدامه المقدسي. ولما كان الناس يسألون غالباً في القضايا العملية الحياتية فما هو رصيدك في الأحكام الفقهية بالأدلة الشرعية؟ أما سيرة سيد المرسلين فهي التطبيق العملي للكتاب والسنة فكم هي الكتب التي عشت معها بفؤادك الطاهر وعقلك ووجدانك التي تشرح السيرة العطرة؟ وهل اكتفيت بهذه العلوم الخمسة (القرآن والسنة والتوحيد والفقه والسيرة)؟ أم قرأت وعشت في واقعنا المر وطفت مع المؤرخين في سجلات الماضي؟ وهل لك نصيب في علوم اللغة العربية خاصة القواعد والبلاغة والأدب؟ وعلوم الكون وإشراقاتها أين أنت فيها؟ ولعلك تتذكر علوم القرآن ومصطلح الحديث وأصول الفقه وتعلم حاجة الداعية إليها.
أرجوا أن تسمحوا لي أن أعود إلى سؤالنا كيف يكون الخطيب وإمام المسجد داعية ؟
لعلك تتفق معي أنك قرأت بين السطور السابقة أن نقطة البدء أن تكون قدوةً طيبةً لإخوانك وأن تكون من طلاب العلم. ثم ماذا بعد ؟
إن الداعية الحق هو المسلم الذي لا يأمن مكر الله ويقف دائماً بين الخوف والرجاء. ربما وقف خطيب أمن مكر الله وتيقن أنه من أهل الفردوس الأعلى من الجنة وخطب ساعة كاملة يوم الجمعة في فصل الصيف ومرضى السكر يتألمون وكبار السن يتأوهون لكنه لا ينظر إلا إلي هندامه، فمن هؤلاء الفاسقون حتى يعيرهم انتباهه؟! فهل هذا الحبيب الغالي داعية إلى الله أم داعية إلى نفسه؟
وهذا الواعظ الذي يُذكر الناس - بارك الله فيه - بموعظة بليغة لا يكاد يذكر فيها إلا حديثاً ضعيفاً أو لا أصل له فهل يعد هذا الواعظ من الدعاة المجتهدين؟
إن الدعوة إلى الله ليست مهمة رسمية فقط، فقد اختار الله لها صفوة خلقه من الرسل والأنبياء فهل ننهض نحن طلاب العلم الشرعي لهذه المسؤولية. هل ننزل إلى الميادين والأسواق وشواطئ البحار لنذكر الناس بخالقهم بسمتنا ورائحتنا الزكية.
فخير العباد من إذا حضر ذكر الله فهذا من مهمات الدعاة. المرضى في المستشفيات فوق الأسِرة البيضاء من يزورهم ويعلمهم كيفية الطهارة والصلاة وهم على هذا الحال؟ أين علماؤنا؟ أين فقهاؤنا؟ السجناء والمعتقلون يتساءلون من يرغبنا في التوبة إلى الرحمن الرحيم ويأخذ بأيدينا إلى طريق الهداية والرشاد. فهل زرت أخي الواعظ سجناً قبل ذلك؟ وأبرأت ذمتك بين يدي الله -جل جلاله- أم أنك تنظر إلى هذه الشريحة من مجتمعنا باحتقار وازدراء؟ هل فكرت يوماً أن تكتب مقالاً جاداً في صحيفةٍ أو مجلةٍ أو تساهم في أحد المواقع الشبابية على شبكة الإنترنت بكلمة معبرة؟
من منا فكر أن يكفل يتيماً ليقوم بحاجات جسده ويرعاه رعايةً إيمانيةً وتربيةً إسلاميةً حتى لا يقع المسكين فريسة على موائد اللئام. والصيف وما أدراك ما الصيف فهل ساهمت بجهدك الدعوي في أحد المخيمات الصيفية مخلصاً لله نيتك؟
ولننصح المواطن الصالح بل الإنسان الصالح، وهل تتفاعل أخي إمام المسجد مع قضايا الوطن لتكون ممن يجمع ولا يفرق؟ مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، إن ميادين الدعوة عديدة وأبوابها كثيرة فأي هذه الميادين سلكنا وأي الأبواب ولجنا؟
هل أنا وأنت من الدعاة؟ أم أننا مجرد وعاظ وخطباء نقوم بواجب رسمي أو لا قدر الله نعمل من أجل دنيا؟
تعليق