السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معجزة القرآن
في عصر المعلوماتية
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الثانية
1427 هـ - 2006 م
تم إصدار هذه الطبعة بإشراف:
موقع موسوعـة الإعجـاز العلمي في الـقرآن والسـنَّة
www.55a.net
مدير التوزيع: محمد لجين الزين ـ ص.ب:105 ـ حرستا ـ دمشق ـ سورية
البريد الإلكتروني: lujainzin@hotmail.co.uk
هاتف: +963 11 5311791 جوال: +963 93 503039
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[فصلت: 33]
المـهندس
عـبد الدائم الكحيـل
معجـزة الـقرآن
في عصـر المعلـوماتية
رؤية جديدة للإعجاز الرقمي في القرآن الكريم
ملخص البحث
من خلال البحث والدراسة توصّلتُ والحمد لله إلى آلاف الحقائق الرقمية اليقينيَّة والمذهلة! والتي تشمل جميع آيات القرآن الكريم وجميع سورِه. لذلك فقد نشأت فكرة عرض هذه الحقائق من خلال سلسلة من الأبحاث، في كل بحث جاء الحديث عن جانب من جوانب هذه المعجزة القرآنية الرائعة.
وهذا يثبت بأن عجائب القرآن لا تنقضي كما حدّثنا عنها حبيبنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلّم. وأن التناسقات الرقمية الغزيرة لا يمكن أن تأتي عن طريق المصادفة. فنحن نعلم جميعاً بأن المصادفة قد تتكرر في كتب البشر مرة أو مرتين أو عشر مرات على أكبر تقدير، ولكن لا يمكن لهذه المصادفة أن تتكرر مع جميع كلمات الكتاب فتأتي جميعها متناسقة مع الرقم سبعة!
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلّ على أن الذي رتّب حروف القرآن وأحكمها هو ربّ السماوات السبع سبحانه وتعالى. وذلك ليكون في هذه التناسقات الرقمية الدليل المادي لكلِّ ملحد نثبت له من خلالها صدق القرآن العظيم وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وأن هذا النبي الرحيم لم يأت بشيء من عنده، بل كل حرف في هذا القرآن هو من عند الله تبارك وتعالى.
أما المؤمن فهو معنيٌّ أيضاً بهذه المعجزة ليزداد إيماناً ويقيناً بعَظَمَة هذا القرآن، ولتكون هذه البراهين العددية سلاحاً بيده يستطيع من خلالها مناقشة الملحدين، وإثبات صدق دعوته إلى الله تعالى. فإذا كان الله تبارك وتعالى قد أعطى أنبياءه عليهم السلام معجزات تثبِّتهم على الحقِّ في مواجهة الملحدين بالحُجَّة والبرهان، كذلك أودع في كتابه المجيد معجزات يمكن لكلِّ مؤمن أن يستخدمها في مواجهة غير المسلمين، والإعجاز الرقمي هو أحد هذه البراهين المادية في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه اليوم.
مـقدمـة
الحمد لله الذي أتقن كل شيء صنعاً وأحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، وصلى الله على محمَّد النبيِّ الأميِّ وعلى آله وصحبه وسلّم، أتى ليبلغنا كتاباً من عند الله هو أصدق كتاب على وجه الأرض، ووَصَفه بأنه كتابٌ: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].
بعد سنوات من الجهد المتواصل تمَّ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وكنتُ أهدف من خلاله رصد آراء السادة العلماء والأخوة القرَّاء والمهتمّين بهذا المنهج الجديد في دراسة آيات القرآن الكريم. وقد تلقّيتُ العديد من التساؤلات والانتقادات والملاحظات، وجميعها كانت نافعة والحمد لله في تطوير هذا البحث وإغنائه.
في الفقرات القادمة سنتعرف على أهم أنواع الإعجاز القرآني، وأن المعجزة القرآنية تتطور بتطور العلوم. ففي كل عصر نرى معجزة قرآنية تناسب ذلك العصر والعلوم السائدة فيه. ثم نجيب عن جميع التساؤلات والانتقادات التي يتعرض لها الإعجاز العددي اليوم، وكذلك نقوم بوضع ضوابط وأسس لهذا العلم الناشئ.
كذلك سوف نرى من خلال الأمثلة الرائعة التي اخترتها في هذا الكتاب أن الإعجاز الرقمي للقرآن الكريم أكبر مما نتصور، ففي مقطع من آية نرى إعجازاً عددياً مذهلاً، وذلك في قوله تعالى عن نفسه: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾ [النساء: 122].
بل سوف نرى في ثلاثة أحرف من كتاب الله عزّ وجلّ وهي ﴿الـم﴾ معجزة مبهرة وتناسقات غزيرة مع الرقم سبعة، وذلك في الحروف التي تسمّى بالحروف المقطعة أو التي أفضّل تسميتها بالحروف «الممَيَّزة» والتي وضعها الله تعالى في أوائل بعض سور القرآن العظيم.
وأخيراً نتأمل مثالاً مذهلاً من سورة ﴿يس﴾ نتعرف من خلاله على دقّة وروعة التناسق الرقمي لحروف القرآن العظيم، وكيف تأتي لغة الأرقام متناسبة مع المعنى اللغوي للآية.
اللهمَّ ربَّنا تقبَّل منا هذا العمل واجعله خالصاً لوجهك الكريم، واجعل فيه النفع والخير والهداية لكل من يطلع عليه.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ...
المهندس عبد الدائم الكحيل
باحث في إعجاز القرآن والسنَّة
kaheel7@yahoo.com
الفصل الأول
تطوّر الإعجـاز في القـرآن الكـريم
لقد تعهَّد الله عزَّ وجلَّ أنه سيُرينا آياته باستمرار فقال: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 93]. ونعلم من قواعد اللغة أن حرف السين في قوله تعالى: ﴿سَيُرِيكُمْ﴾ يشير إلى المستقبل. وهذا يعني أن آيات الله ومعجزاته مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ولذلك نرى في كل عصر من العصور إعجازاً جديداً لكتاب الله سبحانه وتعالى.
وسوف نعدِّد بعض جوانب الإعجاز القرآني وبشكل خاص الإعجاز في ميادين العلم الحديث لأنه الأكثر انتشاراً في عصرنا هذا، لنَخلُص إلى نتيجة مهمَّة وهي أن الإعجاز في علم الرياضيات هو أحد جوانب المعجزة القرآنية المتجدِّدة، والذي جاء مناسباً لعصرنا هذا ونحن نعيش بداية القرن الحادي والعشرين.
فقد بدأتْ رحلة الإعجاز القرآني بما سمّاه العلماء الإعجاز البياني أو اللغوي، وبما يتناسب مع عصر البلاغة الذي كان مسيطراً زمن نزول القرآن. ثم ظهرت بعد ذلك أنواع متعددة لإعجاز القرآن مثل الإعجاز الغيبي والتشريعي. أما في العصر الحديث فظهر الإعجاز العلمي بمختلف أنواعه الطبي والفلكي والنباتي وغير ذلك. وقد يكون آخر أنواع الإعجاز هو ما نشهده اليوم وهو ما سمّاه العلماء بالإعجاز الرقمي.
الإعجاز البياني واللغوي
وهذا النوع من أنواع الإعجاز هو أول نوع ظهر في القرآن الكريم. فقد نزل القرآن في قوم برعوا بالبلاغة والشعر والفصاحة، وتحدَّاهم بما برعوا فيه.
وقد درس علماؤنا بلاغة القرآن قديماً وحديثاً وأثبتوا بأنه لو تغيّر موضع كلمة أو آية أو سورة من كتاب الله عزّ وجلّ لاختلّ البناء البياني المحكم لهذا الكتاب العظيم.
كما أثبتوا أنه لا يمكن لبشر أن يأتي بمثل القرآن مهما بلغ من الفصاحة والبيان. ويكفي أن نعلم بأن القرآن متناسق من الناحية اللغوية من أول كلمة وحتى آخر كلمة فيه.
ولكي نأخذ فكرة عن دقّة كلمات القرآن نقرأ قوله تعالى عن النار: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 71]. ثم يقول عن الجنة: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 73].
وعندما بحث العلماء عن سرّ وجود واو العطف في الآية الثانية وعدم وجودها في الأولى وجدوا أن النار تكون مغلقة الأبواب، وكلما جاء فوج من أهل النار تفتح النار أبوابها ثم تغلقها، وهذا يناسبه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، أي كانت مغلقة ثم فتحت.
ويقول أيضاً عن عذاب أهل النار: ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ [البلد: 20]. أي ذات أبواب مغلقة عليهم.
بينما نجد أن الجنة مفتوحة الأبواب دائماً، وهذا يناسبه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، فالواو هنا تدلّ على أن الأبواب كانت مفتوحة لهم من قبل أن يدخلوها. يقول تعالى عن أهل الجنة ونعيمهم فيها: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: 50].
وتأمل معي لو أن أحداً أضاف على هذه الآية حرف الواو أو حذفه من تلك الآية، فهل يبقى من هذا الإعجاز شيء؟ إذن الإعجاز اللغوي للقرآن هو دليل على أنه صادر من الله وأن الله حفظه من التحريف. وهنالك الكثير من الأمثلة الرائعة في كتاب الله تعالى حول هذا الوجه من وجوه الإعجاز.
الإعجاز النفسي والتربوي
لقد نزل القرآن بأسلوب رائع يلامس القلب والعقل معاً. ومهما كرَّر المؤمن تلاوة القرآن فلا يملُّه أبداً، بل يجد لذَّة ومتعة في تلاوته وتكرار آياته وسوره.
هذه الظاهرة النفسية لا توجد في أي كتاب من كتب البشر، فالإنسان بطبيعة تكوينه يملّ التكرار، وتجده إذا قرأ قصيدة من الشعر أو قصة عدَّة مرات اختفت لذة قراءة هذه القصة أو القصيدة، وبدأ يبحث عن غيرها. أما في كتاب الله تعالى فتجد المؤمن يقرأ مثلاً سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ مئات المرات بل آلاف المرات ولا يملّ منها أبداً، بل في كل مرة يزداد حباً للقرآن ويزداد شوقاً وتلهُّفاً لتلاوة المزيد من آياته.
ولو تأملنا قصص الأنبياء في القرآن ومواقفهم وردود أفعال قومهم، لرأينا الكثير من الحقائق النفسية والفلسفية تتجلى في هذا الكتاب العظيم، قبل أن يكتشفها العلماء بقرون طويلة.
الإعجاز التشريعي
القرآن هو دستور ينظّم علاقات البشر مع بعضهم ومع خالقهم. وكلما تقدم العلم ثبُت صدق هذا التشريع الإلهي وأنه هو الحق. فالقرآن لم يأمرنا بشيء إلا وفيه الخير والنفع، ولم ينهنا عن شيء إلا وأثبت العلم ضرره.
فعندما حرّم القرآن الخمر اعترض بعض المنافقين على ذلك بحجَّة أنه دواء يشفي من الأمراض، فأكد لهم الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام بأن الخمر داء وليست بدواء.
وعندما جاء العصر الحديث أثبت العلماء بالدليل القاطع الأضرار الكبيرة لتعاطي الخمور بأنواعها، وليس في الخمر أي دواء أو شفاء، بل على العكس، فهي تسبب مئات الأمراض تبدأ من الكبد وتنتهي بالسرطان.
الإعجاز في علم الفلك
لقد تناول القرآن في عدّة مئات من آياته حقائق كونية وفلكية لم يكشف عنها العلم إلا مؤخراً في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
ومن الأمثلة الرائعة التي قدّمها القرآن ما يسمّيه العلماء اليوم بالنسيج الكوني. فقد قام أحد العلماء حديثاً باستخدام السوبر كمبيوتر في رسم صورة للكون إذا أردنا أن ننظر إليه من خارج الكون!
لقد أدخل في أضخم أجهزة الكمبيوتر بيانات حول ملايين المجرات في الكون، حجم كل مجرة وبعدها وموقعها وشدة إضاءتها وسرعة حركتها، وأعطى أمراً للكمبيوتر بوضع كل مجرة في مكانها على الشاشة.
وقد عمل الكمبيوتر لمدة أسبوعين متواصلين لإنجاز هذه المهمة، وكانت النتيجة أنه رسم صورة تشبه النسيج المحبوك! فالمجرات تصطفّ على شكل خيوط شديدة الإحكام وترتبط فيما بينها بشكل يشبه تماماً النسيج الذي يحبكه العنكبوت.
وعلى الفور سارع العلماء لإطلاق اسم «النسيج الكوني» على ما شاهدوه بأعينهم، ولكنهم وللأسف نسوا بأن القرآن العظيم قد سبقهم لهذا الاكتشاف بأربعة عشر قرناً!
يقول تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ [الذاريات: 7]. وكلمة ﴿الْحُبُكِ﴾ هنا تشير بوضوح كامل إلى النسيج المحبوك، أي المتقن الصنع. فسبحان الله!!
ولو ذهبنا نتتبَّع آيات الله تعالى في السماء والكون والنجوم والثقوب السوداء وتوسع الكون والانفجار الكبير وغير ذلك من إعجاز القرآن الفلكي والكوني، سوف نحتاج لمجلدات ضخمة.
ويمكن لمن أحب الاستزادة من بحر إعجاز القرآن الكوني أن يدخل إلى موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة على شبكة الإنترنت، ليطلع على مزيد من عجائب القرآن التي لا تنقضي.
الإعجاز في علم الأرض
لقد تحدث القرآن عن كثير من الحقائق العلمية في علم الأرض والجبال وعلم طبقات الأرض. ومن الأشياء المذهلة التي تحدث عنها القرآن بوضوح عدد طبقات الأرض وشكل هذه الطبقات.
يقول تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: 12]. فهذه الآية تشير بوضوح إلى عدد طبقات الأرض وهو سبعة.
أما شكل هذه الطبقات فقد تحدث عنه القرآن في قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا﴾ [الملك: 3]. أي أن السماوات عبارة عن طبقات يغلف بعضها بعضاً، وبما أن الله تعالى قال: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ فهذا يعني أن الأراضين السبع أيضاً هي طبقات يغلف بعضها بعضاً.
والشيء العجيب أن علماء الأرض عندما قاموا بدراسة تركيب الأرض وجدوا أن هنالك سبع طبقات يغلف بعضها بعضاً، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم بشكل واضح!
كذلك تحدث القرآن عن شبكة الصدوع التي اكتشفها العلماء والتي تقسم القشرة الأرضية إلى مجموعة من الألواح. والقرآن لم يقل: «ذات الصدوع»، بل قال: ﴿ذَاتِ الصَّدْعِ﴾، لأن العلم أثبت أن شبكة الصدوع متصلة ببعضها، وهي حقاً صدع واحد! يقول تعالى: ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: 12].
الإعجاز في علم البحار
لقد تناول القرآن الكريم البحار وتحدث عن أعمق نقطة فيها. فقد العلماء أمواجاً عميقة في قاع المحيطات، وأثبتوا أن قاع البحر فيه ظلمات شديدة.
لم يكن هذا الاكتشاف جديداً بالنسبة لكتاب الله تعالى، فقد تحدث القرآن عن هذه الأمواج وهذه الظلمات بكل وضوح في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: 40].
كما تحدث القرآن عن الحمم المنصهرة التي تشعل الماء في قاع البحار فقال: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: 6]. كما تحدّث القرآن عن برزخ بين البحر المالح والنهر العذب في المنطقة التي يصبّ عندها النهر في البحر. فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 53]. وقد أثبت العلم وجود هذا الفاصل والجدار المائي بين النهر والبحر.
وتحدث أيضاً عن برزخ بين البحرين المالحين فقال: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19-20]. وقد ثبُت أيضاً أن كل بحر من بحار الدنيا له خصائص تختلف عن الآخر، وعلى الرغم من امتزاج واختلاط هذه البحار عبر المضيقات، إلا أنه يبقى كل بحر محافظاً على خصائصه آلاف السنين، فلا يطغى بحر على آخر!
الإعجاز في علم النبات
هنالك الكثير من الحقائق النباتية التي تحدث عنها القرآن الكريم. ومن أجمل ما رأيتُ في هذا المجال قول الله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: 5]. ففي ثلاث كلمات هنالك معجزة عظيمة! فقد وجد العلماء أن الأرض عندما ينزل عليها ماء المطر، تبدأ ذرات التراب بالاهتزاز بحركة سريعة، ثم يبدأ حجم التراب بالازدياد، وبعد ذلك تأتي عملية الإنبات.
إذن: ذرات التراب تهتزّ، حجم التراب يتمدّد بسبب خاصية أودعها الله في التراب، ومن ثم تصبح الظروف مهيّأة لنموّ النبات وخروجه من الأرض، أي أننا أمام ثلاثة مراحل.
وهذا ما حدثنا عنه القرآن بثلاث كلمات فقط في قوله تعالى عن الأرض الهامدة بعد أن نزل عليها الماء: ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ﴾!! فهل هذه مصادفات أم معجزات؟
الإعجاز الطبّي
لم يترك القرآن علماً إلا وتحدث عنه، يقول تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[النحل: 89].
فقد تحدث القرآن عن مراحل تطور الجنين بدقة بالغة، وقد كانت هذه المعجزة سبباً في إسلام الكثيرين. ومن هؤلاء أشهر علماء الغرب في علم الأجنة وهو الطبيب الكندي «كيث مور» الذي ألَّف مرجعاً عالمياً في مراحل تطور الجنين، ودُرِّس في كبرى جامعات العالم.
يتبع
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معجزة القرآن
في عصر المعلوماتية
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الثانية
1427 هـ - 2006 م
تم إصدار هذه الطبعة بإشراف:
موقع موسوعـة الإعجـاز العلمي في الـقرآن والسـنَّة
www.55a.net
مدير التوزيع: محمد لجين الزين ـ ص.ب:105 ـ حرستا ـ دمشق ـ سورية
البريد الإلكتروني: lujainzin@hotmail.co.uk
هاتف: +963 11 5311791 جوال: +963 93 503039
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[فصلت: 33]
المـهندس
عـبد الدائم الكحيـل
معجـزة الـقرآن
في عصـر المعلـوماتية
رؤية جديدة للإعجاز الرقمي في القرآن الكريم
ملخص البحث
من خلال البحث والدراسة توصّلتُ والحمد لله إلى آلاف الحقائق الرقمية اليقينيَّة والمذهلة! والتي تشمل جميع آيات القرآن الكريم وجميع سورِه. لذلك فقد نشأت فكرة عرض هذه الحقائق من خلال سلسلة من الأبحاث، في كل بحث جاء الحديث عن جانب من جوانب هذه المعجزة القرآنية الرائعة.
وهذا يثبت بأن عجائب القرآن لا تنقضي كما حدّثنا عنها حبيبنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلّم. وأن التناسقات الرقمية الغزيرة لا يمكن أن تأتي عن طريق المصادفة. فنحن نعلم جميعاً بأن المصادفة قد تتكرر في كتب البشر مرة أو مرتين أو عشر مرات على أكبر تقدير، ولكن لا يمكن لهذه المصادفة أن تتكرر مع جميع كلمات الكتاب فتأتي جميعها متناسقة مع الرقم سبعة!
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلّ على أن الذي رتّب حروف القرآن وأحكمها هو ربّ السماوات السبع سبحانه وتعالى. وذلك ليكون في هذه التناسقات الرقمية الدليل المادي لكلِّ ملحد نثبت له من خلالها صدق القرآن العظيم وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وأن هذا النبي الرحيم لم يأت بشيء من عنده، بل كل حرف في هذا القرآن هو من عند الله تبارك وتعالى.
أما المؤمن فهو معنيٌّ أيضاً بهذه المعجزة ليزداد إيماناً ويقيناً بعَظَمَة هذا القرآن، ولتكون هذه البراهين العددية سلاحاً بيده يستطيع من خلالها مناقشة الملحدين، وإثبات صدق دعوته إلى الله تعالى. فإذا كان الله تبارك وتعالى قد أعطى أنبياءه عليهم السلام معجزات تثبِّتهم على الحقِّ في مواجهة الملحدين بالحُجَّة والبرهان، كذلك أودع في كتابه المجيد معجزات يمكن لكلِّ مؤمن أن يستخدمها في مواجهة غير المسلمين، والإعجاز الرقمي هو أحد هذه البراهين المادية في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه اليوم.
مـقدمـة
الحمد لله الذي أتقن كل شيء صنعاً وأحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، وصلى الله على محمَّد النبيِّ الأميِّ وعلى آله وصحبه وسلّم، أتى ليبلغنا كتاباً من عند الله هو أصدق كتاب على وجه الأرض، ووَصَفه بأنه كتابٌ: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].
بعد سنوات من الجهد المتواصل تمَّ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وكنتُ أهدف من خلاله رصد آراء السادة العلماء والأخوة القرَّاء والمهتمّين بهذا المنهج الجديد في دراسة آيات القرآن الكريم. وقد تلقّيتُ العديد من التساؤلات والانتقادات والملاحظات، وجميعها كانت نافعة والحمد لله في تطوير هذا البحث وإغنائه.
في الفقرات القادمة سنتعرف على أهم أنواع الإعجاز القرآني، وأن المعجزة القرآنية تتطور بتطور العلوم. ففي كل عصر نرى معجزة قرآنية تناسب ذلك العصر والعلوم السائدة فيه. ثم نجيب عن جميع التساؤلات والانتقادات التي يتعرض لها الإعجاز العددي اليوم، وكذلك نقوم بوضع ضوابط وأسس لهذا العلم الناشئ.
كذلك سوف نرى من خلال الأمثلة الرائعة التي اخترتها في هذا الكتاب أن الإعجاز الرقمي للقرآن الكريم أكبر مما نتصور، ففي مقطع من آية نرى إعجازاً عددياً مذهلاً، وذلك في قوله تعالى عن نفسه: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾ [النساء: 122].
بل سوف نرى في ثلاثة أحرف من كتاب الله عزّ وجلّ وهي ﴿الـم﴾ معجزة مبهرة وتناسقات غزيرة مع الرقم سبعة، وذلك في الحروف التي تسمّى بالحروف المقطعة أو التي أفضّل تسميتها بالحروف «الممَيَّزة» والتي وضعها الله تعالى في أوائل بعض سور القرآن العظيم.
وأخيراً نتأمل مثالاً مذهلاً من سورة ﴿يس﴾ نتعرف من خلاله على دقّة وروعة التناسق الرقمي لحروف القرآن العظيم، وكيف تأتي لغة الأرقام متناسبة مع المعنى اللغوي للآية.
اللهمَّ ربَّنا تقبَّل منا هذا العمل واجعله خالصاً لوجهك الكريم، واجعل فيه النفع والخير والهداية لكل من يطلع عليه.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ...
المهندس عبد الدائم الكحيل
باحث في إعجاز القرآن والسنَّة
kaheel7@yahoo.com
الفصل الأول
تطوّر الإعجـاز في القـرآن الكـريم
لقد تعهَّد الله عزَّ وجلَّ أنه سيُرينا آياته باستمرار فقال: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 93]. ونعلم من قواعد اللغة أن حرف السين في قوله تعالى: ﴿سَيُرِيكُمْ﴾ يشير إلى المستقبل. وهذا يعني أن آيات الله ومعجزاته مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ولذلك نرى في كل عصر من العصور إعجازاً جديداً لكتاب الله سبحانه وتعالى.
وسوف نعدِّد بعض جوانب الإعجاز القرآني وبشكل خاص الإعجاز في ميادين العلم الحديث لأنه الأكثر انتشاراً في عصرنا هذا، لنَخلُص إلى نتيجة مهمَّة وهي أن الإعجاز في علم الرياضيات هو أحد جوانب المعجزة القرآنية المتجدِّدة، والذي جاء مناسباً لعصرنا هذا ونحن نعيش بداية القرن الحادي والعشرين.
فقد بدأتْ رحلة الإعجاز القرآني بما سمّاه العلماء الإعجاز البياني أو اللغوي، وبما يتناسب مع عصر البلاغة الذي كان مسيطراً زمن نزول القرآن. ثم ظهرت بعد ذلك أنواع متعددة لإعجاز القرآن مثل الإعجاز الغيبي والتشريعي. أما في العصر الحديث فظهر الإعجاز العلمي بمختلف أنواعه الطبي والفلكي والنباتي وغير ذلك. وقد يكون آخر أنواع الإعجاز هو ما نشهده اليوم وهو ما سمّاه العلماء بالإعجاز الرقمي.
الإعجاز البياني واللغوي
وهذا النوع من أنواع الإعجاز هو أول نوع ظهر في القرآن الكريم. فقد نزل القرآن في قوم برعوا بالبلاغة والشعر والفصاحة، وتحدَّاهم بما برعوا فيه.
وقد درس علماؤنا بلاغة القرآن قديماً وحديثاً وأثبتوا بأنه لو تغيّر موضع كلمة أو آية أو سورة من كتاب الله عزّ وجلّ لاختلّ البناء البياني المحكم لهذا الكتاب العظيم.
كما أثبتوا أنه لا يمكن لبشر أن يأتي بمثل القرآن مهما بلغ من الفصاحة والبيان. ويكفي أن نعلم بأن القرآن متناسق من الناحية اللغوية من أول كلمة وحتى آخر كلمة فيه.
ولكي نأخذ فكرة عن دقّة كلمات القرآن نقرأ قوله تعالى عن النار: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 71]. ثم يقول عن الجنة: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 73].
وعندما بحث العلماء عن سرّ وجود واو العطف في الآية الثانية وعدم وجودها في الأولى وجدوا أن النار تكون مغلقة الأبواب، وكلما جاء فوج من أهل النار تفتح النار أبوابها ثم تغلقها، وهذا يناسبه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، أي كانت مغلقة ثم فتحت.
ويقول أيضاً عن عذاب أهل النار: ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ [البلد: 20]. أي ذات أبواب مغلقة عليهم.
بينما نجد أن الجنة مفتوحة الأبواب دائماً، وهذا يناسبه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، فالواو هنا تدلّ على أن الأبواب كانت مفتوحة لهم من قبل أن يدخلوها. يقول تعالى عن أهل الجنة ونعيمهم فيها: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: 50].
وتأمل معي لو أن أحداً أضاف على هذه الآية حرف الواو أو حذفه من تلك الآية، فهل يبقى من هذا الإعجاز شيء؟ إذن الإعجاز اللغوي للقرآن هو دليل على أنه صادر من الله وأن الله حفظه من التحريف. وهنالك الكثير من الأمثلة الرائعة في كتاب الله تعالى حول هذا الوجه من وجوه الإعجاز.
الإعجاز النفسي والتربوي
لقد نزل القرآن بأسلوب رائع يلامس القلب والعقل معاً. ومهما كرَّر المؤمن تلاوة القرآن فلا يملُّه أبداً، بل يجد لذَّة ومتعة في تلاوته وتكرار آياته وسوره.
هذه الظاهرة النفسية لا توجد في أي كتاب من كتب البشر، فالإنسان بطبيعة تكوينه يملّ التكرار، وتجده إذا قرأ قصيدة من الشعر أو قصة عدَّة مرات اختفت لذة قراءة هذه القصة أو القصيدة، وبدأ يبحث عن غيرها. أما في كتاب الله تعالى فتجد المؤمن يقرأ مثلاً سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ مئات المرات بل آلاف المرات ولا يملّ منها أبداً، بل في كل مرة يزداد حباً للقرآن ويزداد شوقاً وتلهُّفاً لتلاوة المزيد من آياته.
ولو تأملنا قصص الأنبياء في القرآن ومواقفهم وردود أفعال قومهم، لرأينا الكثير من الحقائق النفسية والفلسفية تتجلى في هذا الكتاب العظيم، قبل أن يكتشفها العلماء بقرون طويلة.
الإعجاز التشريعي
القرآن هو دستور ينظّم علاقات البشر مع بعضهم ومع خالقهم. وكلما تقدم العلم ثبُت صدق هذا التشريع الإلهي وأنه هو الحق. فالقرآن لم يأمرنا بشيء إلا وفيه الخير والنفع، ولم ينهنا عن شيء إلا وأثبت العلم ضرره.
فعندما حرّم القرآن الخمر اعترض بعض المنافقين على ذلك بحجَّة أنه دواء يشفي من الأمراض، فأكد لهم الحبيب الأعظم عليه الصلاة والسلام بأن الخمر داء وليست بدواء.
وعندما جاء العصر الحديث أثبت العلماء بالدليل القاطع الأضرار الكبيرة لتعاطي الخمور بأنواعها، وليس في الخمر أي دواء أو شفاء، بل على العكس، فهي تسبب مئات الأمراض تبدأ من الكبد وتنتهي بالسرطان.
الإعجاز في علم الفلك
لقد تناول القرآن في عدّة مئات من آياته حقائق كونية وفلكية لم يكشف عنها العلم إلا مؤخراً في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
ومن الأمثلة الرائعة التي قدّمها القرآن ما يسمّيه العلماء اليوم بالنسيج الكوني. فقد قام أحد العلماء حديثاً باستخدام السوبر كمبيوتر في رسم صورة للكون إذا أردنا أن ننظر إليه من خارج الكون!
لقد أدخل في أضخم أجهزة الكمبيوتر بيانات حول ملايين المجرات في الكون، حجم كل مجرة وبعدها وموقعها وشدة إضاءتها وسرعة حركتها، وأعطى أمراً للكمبيوتر بوضع كل مجرة في مكانها على الشاشة.
وقد عمل الكمبيوتر لمدة أسبوعين متواصلين لإنجاز هذه المهمة، وكانت النتيجة أنه رسم صورة تشبه النسيج المحبوك! فالمجرات تصطفّ على شكل خيوط شديدة الإحكام وترتبط فيما بينها بشكل يشبه تماماً النسيج الذي يحبكه العنكبوت.
وعلى الفور سارع العلماء لإطلاق اسم «النسيج الكوني» على ما شاهدوه بأعينهم، ولكنهم وللأسف نسوا بأن القرآن العظيم قد سبقهم لهذا الاكتشاف بأربعة عشر قرناً!
يقول تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ [الذاريات: 7]. وكلمة ﴿الْحُبُكِ﴾ هنا تشير بوضوح كامل إلى النسيج المحبوك، أي المتقن الصنع. فسبحان الله!!
ولو ذهبنا نتتبَّع آيات الله تعالى في السماء والكون والنجوم والثقوب السوداء وتوسع الكون والانفجار الكبير وغير ذلك من إعجاز القرآن الفلكي والكوني، سوف نحتاج لمجلدات ضخمة.
ويمكن لمن أحب الاستزادة من بحر إعجاز القرآن الكوني أن يدخل إلى موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة على شبكة الإنترنت، ليطلع على مزيد من عجائب القرآن التي لا تنقضي.
الإعجاز في علم الأرض
لقد تحدث القرآن عن كثير من الحقائق العلمية في علم الأرض والجبال وعلم طبقات الأرض. ومن الأشياء المذهلة التي تحدث عنها القرآن بوضوح عدد طبقات الأرض وشكل هذه الطبقات.
يقول تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: 12]. فهذه الآية تشير بوضوح إلى عدد طبقات الأرض وهو سبعة.
أما شكل هذه الطبقات فقد تحدث عنه القرآن في قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا﴾ [الملك: 3]. أي أن السماوات عبارة عن طبقات يغلف بعضها بعضاً، وبما أن الله تعالى قال: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ فهذا يعني أن الأراضين السبع أيضاً هي طبقات يغلف بعضها بعضاً.
والشيء العجيب أن علماء الأرض عندما قاموا بدراسة تركيب الأرض وجدوا أن هنالك سبع طبقات يغلف بعضها بعضاً، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم بشكل واضح!
كذلك تحدث القرآن عن شبكة الصدوع التي اكتشفها العلماء والتي تقسم القشرة الأرضية إلى مجموعة من الألواح. والقرآن لم يقل: «ذات الصدوع»، بل قال: ﴿ذَاتِ الصَّدْعِ﴾، لأن العلم أثبت أن شبكة الصدوع متصلة ببعضها، وهي حقاً صدع واحد! يقول تعالى: ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: 12].
الإعجاز في علم البحار
لقد تناول القرآن الكريم البحار وتحدث عن أعمق نقطة فيها. فقد العلماء أمواجاً عميقة في قاع المحيطات، وأثبتوا أن قاع البحر فيه ظلمات شديدة.
لم يكن هذا الاكتشاف جديداً بالنسبة لكتاب الله تعالى، فقد تحدث القرآن عن هذه الأمواج وهذه الظلمات بكل وضوح في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: 40].
كما تحدث القرآن عن الحمم المنصهرة التي تشعل الماء في قاع البحار فقال: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: 6]. كما تحدّث القرآن عن برزخ بين البحر المالح والنهر العذب في المنطقة التي يصبّ عندها النهر في البحر. فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 53]. وقد أثبت العلم وجود هذا الفاصل والجدار المائي بين النهر والبحر.
وتحدث أيضاً عن برزخ بين البحرين المالحين فقال: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19-20]. وقد ثبُت أيضاً أن كل بحر من بحار الدنيا له خصائص تختلف عن الآخر، وعلى الرغم من امتزاج واختلاط هذه البحار عبر المضيقات، إلا أنه يبقى كل بحر محافظاً على خصائصه آلاف السنين، فلا يطغى بحر على آخر!
الإعجاز في علم النبات
هنالك الكثير من الحقائق النباتية التي تحدث عنها القرآن الكريم. ومن أجمل ما رأيتُ في هذا المجال قول الله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: 5]. ففي ثلاث كلمات هنالك معجزة عظيمة! فقد وجد العلماء أن الأرض عندما ينزل عليها ماء المطر، تبدأ ذرات التراب بالاهتزاز بحركة سريعة، ثم يبدأ حجم التراب بالازدياد، وبعد ذلك تأتي عملية الإنبات.
إذن: ذرات التراب تهتزّ، حجم التراب يتمدّد بسبب خاصية أودعها الله في التراب، ومن ثم تصبح الظروف مهيّأة لنموّ النبات وخروجه من الأرض، أي أننا أمام ثلاثة مراحل.
وهذا ما حدثنا عنه القرآن بثلاث كلمات فقط في قوله تعالى عن الأرض الهامدة بعد أن نزل عليها الماء: ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ﴾!! فهل هذه مصادفات أم معجزات؟
الإعجاز الطبّي
لم يترك القرآن علماً إلا وتحدث عنه، يقول تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[النحل: 89].
فقد تحدث القرآن عن مراحل تطور الجنين بدقة بالغة، وقد كانت هذه المعجزة سبباً في إسلام الكثيرين. ومن هؤلاء أشهر علماء الغرب في علم الأجنة وهو الطبيب الكندي «كيث مور» الذي ألَّف مرجعاً عالمياً في مراحل تطور الجنين، ودُرِّس في كبرى جامعات العالم.
يتبع
تعليق