فوائد الصوم النفسية "الجزء الأول"
1- الإرادة
إنّ المجتمع ـ اليوم ـ يعالج صراعاً دائباً ـ في مجزرة الأعراض، والكرامات، نتيجة لضياع المبادئ والمثل، وتبعاً لاندفاعه اللاإرادي مع المطامع والأهواء، سيراً في ركاب التقاليد المفترضة، والعادات المختلفة السخيفة. لذلك اندلعت العواطف والشهوات، لتقضي على أصداء العقل والضمير. وهذه الجرائم، التي أربكت الحياة، وشغبت على التاريخ والاجتماع، ناتجة من ضعف (الإرادة) التي لا تجرأ على مقاومة عوامل الشر والإغراء، ولا تستطيع أن تكفكف العواطف والشهوات. لأنَّ (الإرادة) هي القوة، التي تمكن الإنسان من أن يقول: (نعم) أو يقول: (لا)، عندما تدعوه شهوة أو عاطفة، أو يسخره ظالم مستهتر، لخدمة أغراضه ومطامعه. فبـ (الإرادة) يكون الإنسان حراً في حياته، بحيث لا تستعبده شهوة، ولا تقهره عاطفة، ولا يملك عليه مصيره إنسان أياً كان ذلك الإنسان، وهكذا يكون سيد نفسه، ويملك أنْ يريد وأنْ لا يريد... فالأدب الذي يرشد الابن إلى ما ينبغي أنْ يفعل وما لا ينبغي، والابن الذي يتبع إرشادات أبيه، المعقولة، يسير في طريق قويم، إلى أنْ يصل إلى أهدافه في الحياة، بقدم ثابتة، ونجاح مطرد، فإذا كان عامل العاطفة مسيطراً عليهما في أدوار تنشئته مال، الابن إلى (الدلال) ففسد وأفسد. وإذا كان عنصر (الإرادة) متحكماً في التربية نشأ الابن عضواً نافعاً في الهيئة البشرية. فوظيفة (الإرادة) في حياة الإنسان، هي وظيفة (الضابط) في المعسكر، وإنْ (الإرادة) تكبح جُماح الغريزة، وتخفّف غلواء (الحيوان) الذي يعيش في عروق (الإنسان) فيثير شهواته وعواطفه، كما أنّ (الضابط) يقبض المعسكر، فيمنع توتره وفضوله. ولما كانت (الإرادة) تملك أنْ تقبض وتبسط حياة الإنسان، وتحدد شهوته وعواطفه، كان على الإسلام أنْ يهتم بتكوين (الإرادة) للإنسان حتى يستطيع أنْ يطيع الإسلام، ففرض عليه الصوم، الذي هو (مدرسة الإرادة) ليحفظه من السقطة والضياع، ويأخذ بيد المسلم، من أنْ يستسلم للأحداث، أو يستخف ويستهين بالتبعات، فلا يركب رأسه ولا يخلع عذاره، ولا يجري في أعقاب كل غيٍ وغاوٍ. والصوم يؤدي إلى تكوين (الإرادة) من ناحيتين: الأولى: إنَّ الصوم من طغيان الجسم على الروح، والمادة على الإنسانية، والعبودية على الحرية، وترويض للإنسان، على أنْ يقول: (لا) عندما تدعمه شهوته إلى الأكل أو الشرب، أو الاستمتاع، أو تدعوه عادته إلى أحدها. ولتلاحظ نوعية الأمور التي حرمها الله على الصائم، وشدة علاقتها بحياته اليومية، ومدى هيمنة العادة عليها، لنعرف قوة عملية الصوم، وأثرها في تربية (الإرادة) فإنّ رياضة النفس فيما هو من ضروريات الحياة، يجعل الإنسان أقوى على ترويض نفسه، للكف عمّا دونها. وهنا ندرك: كيف ينتهي الصوم بالكفاح لأجل الحق والخير، فإنَّ الكفاح إرادة الخير، وانطلاق لتحقيق تلك (الإرادة) مهما كلَّف الأمر. وقد يؤدي البحث إلى سؤال، هو: (إنَّ الصوم إلى جانب كونه ترويضاً للنفس لتربية (الإرادة)، عبادة لله، كبقية العبادات، التي يلتقي فيها الإنسان بربه، فتتضاءل إرادته وتذوب إزاء إرادته الله تعالى، وهل يمكن تقوية (الإرادة) بعرضها على التضاؤل والذوبان)؟. والجواب: (إنّ إرادة الإنسان، عندما تخشع أمام إرادة الله سبحانه، ولا تذوب لتموت، وإنّما لتحيا وتدوم، فالإرادة الإنسانية، إذا استقلت في الوجود، تكون متهافتة قابلة للانهيار أمام الزعازع والأهوال، ولكن إذا انصهرت الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية، تعود إلى الحياة أقوى ما تكون على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، حيث تتخذ من الانضمام إلى إرادة الله، مصدر قوة وثقة، لا يمكن أنْ يأتي عليهما شيء، ما دام إيمانه بالله مطلقاً، يعرف الله فوق كل إنسان وسلطان. الثانية: إنَّ الصوم حيث يطول أمده شهراً كاملاً، يغير ـ هو والمستحبات التابعة له ـ برامج حياة الفرد، لأنّه قد أعتاد في أيام السنة، أنْ يتناول وجبات الطعام، في مواعيدها المعهودة، حتى يشهر بالضجر والملل، ولكنه حين يصوم، يقع مع عاداته في صراع عنيف، فالعادة التي ملكت عليه حواسه، وفتحت مجراها في سلوكه، تجذبه إليها في أوقاتها، ومسلحة بقوة الشهوة إلى الأكل أو الشرب أو الجنس، ولكنه يمضي في إرادته، دون أنْ يلتفت إليها، فيمنعه عن الطيبات في أوقاتها، ويوفر عليه الطيبات في غير أوقاتها، وتبعاً لذلك، تتطور حياته كلها، فينام في غير وقته، ويعمل في غير دوامه، ويعبد الله أكثر من سائر الشهور، ويجتمع بالمسلمين أكثر من بقية المناسبات، ويحاول إتيان القربات أكثر من الأوقات الأخر، وكل هذه التطوّرات، تأتي فجأة، مع بزوغ هلال شهر رمضان، فيجتمع للمسلم ـ الذي عاش حياة رتيبة ـ جهادٌ بالنهار على الصوم، لكبح نفسه ونوازعها وأُمنياتها، وجلاد بالليل، للسهر على القربات، أحياءاً لضميره، وتنشيطاً لإيمانه. ومن تدرب على أنْ يمتنع ـ باختياره ـ عن شهواته ولذائذه، ثم يبقى مُصرّاً على الامتناع عنها في أوقات معينة، لا لشيء، إلاّ استجابة لأمر واحد من أوامر دينه، لا بد أنْ تخر على أقدامه الأهواء والعادات، صرعى مغلولة، ويشعر بالنصر، الذي يحس به القائد المظفّر، فتخضع هواجسه وشهواته لفكره، منقادة للوازع النفسي، مذعنة بالحس الديني، المسيطر على النفس ومشاعرها. وما الحياة في مظاهرها الجادة، إلاّ عزم يؤثر الإقدام على الإحجام، وأهم فوق بين الذين ينجحون في أعمالهم وبين الذي يفشلون، إنّ أولئك يتحكمون إلى إرادتهم، يواجهون الحياة بعزم حديدي لا يعرف العجز والهزيمة، وهؤلاء تخور إرادتهم، أمام عادة أو شهوة، فيسقطون خانعين. عبادة التحرر وممارسة الصوم ـ في شهر رمضان ـ لإبراز استقلال (الإرادة). تمرّن الصائم على اعتياد التحرر والانعتاق، من أحابيل الغريزة ومكايدها، وترهف عزيمته وتشحذ مواهبه، وتستخرج ركائزه الدفينة، ليودعها مصرف روحانيته، ليجدد عنها ـ عند الشدائد ـ مدد الثبات والعزم والخشونة والجلد، حتى ينقلب الصائم بطلاً تتفجر أعصابه إيماناً ومضاءً، فلا يذلّ ولا يخشع، ولا يستكين، وإنّما يبقى كالجندي المُعبأ، يتحفز ـ أبداً ـ للدفاع والوثوب. لأنَّ الإخلاص لله في العبادة، يعني ـ في جوهره وحقيقته ـ التحرر من الخضوع، لكل قوة ـ من دون الله ـ مهما بلغت، وبذلك كان الصوم، وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، ومن عبودية العادات، والشهوات.
1- الإرادة
إنّ المجتمع ـ اليوم ـ يعالج صراعاً دائباً ـ في مجزرة الأعراض، والكرامات، نتيجة لضياع المبادئ والمثل، وتبعاً لاندفاعه اللاإرادي مع المطامع والأهواء، سيراً في ركاب التقاليد المفترضة، والعادات المختلفة السخيفة. لذلك اندلعت العواطف والشهوات، لتقضي على أصداء العقل والضمير. وهذه الجرائم، التي أربكت الحياة، وشغبت على التاريخ والاجتماع، ناتجة من ضعف (الإرادة) التي لا تجرأ على مقاومة عوامل الشر والإغراء، ولا تستطيع أن تكفكف العواطف والشهوات. لأنَّ (الإرادة) هي القوة، التي تمكن الإنسان من أن يقول: (نعم) أو يقول: (لا)، عندما تدعوه شهوة أو عاطفة، أو يسخره ظالم مستهتر، لخدمة أغراضه ومطامعه. فبـ (الإرادة) يكون الإنسان حراً في حياته، بحيث لا تستعبده شهوة، ولا تقهره عاطفة، ولا يملك عليه مصيره إنسان أياً كان ذلك الإنسان، وهكذا يكون سيد نفسه، ويملك أنْ يريد وأنْ لا يريد... فالأدب الذي يرشد الابن إلى ما ينبغي أنْ يفعل وما لا ينبغي، والابن الذي يتبع إرشادات أبيه، المعقولة، يسير في طريق قويم، إلى أنْ يصل إلى أهدافه في الحياة، بقدم ثابتة، ونجاح مطرد، فإذا كان عامل العاطفة مسيطراً عليهما في أدوار تنشئته مال، الابن إلى (الدلال) ففسد وأفسد. وإذا كان عنصر (الإرادة) متحكماً في التربية نشأ الابن عضواً نافعاً في الهيئة البشرية. فوظيفة (الإرادة) في حياة الإنسان، هي وظيفة (الضابط) في المعسكر، وإنْ (الإرادة) تكبح جُماح الغريزة، وتخفّف غلواء (الحيوان) الذي يعيش في عروق (الإنسان) فيثير شهواته وعواطفه، كما أنّ (الضابط) يقبض المعسكر، فيمنع توتره وفضوله. ولما كانت (الإرادة) تملك أنْ تقبض وتبسط حياة الإنسان، وتحدد شهوته وعواطفه، كان على الإسلام أنْ يهتم بتكوين (الإرادة) للإنسان حتى يستطيع أنْ يطيع الإسلام، ففرض عليه الصوم، الذي هو (مدرسة الإرادة) ليحفظه من السقطة والضياع، ويأخذ بيد المسلم، من أنْ يستسلم للأحداث، أو يستخف ويستهين بالتبعات، فلا يركب رأسه ولا يخلع عذاره، ولا يجري في أعقاب كل غيٍ وغاوٍ. والصوم يؤدي إلى تكوين (الإرادة) من ناحيتين: الأولى: إنَّ الصوم من طغيان الجسم على الروح، والمادة على الإنسانية، والعبودية على الحرية، وترويض للإنسان، على أنْ يقول: (لا) عندما تدعمه شهوته إلى الأكل أو الشرب، أو الاستمتاع، أو تدعوه عادته إلى أحدها. ولتلاحظ نوعية الأمور التي حرمها الله على الصائم، وشدة علاقتها بحياته اليومية، ومدى هيمنة العادة عليها، لنعرف قوة عملية الصوم، وأثرها في تربية (الإرادة) فإنّ رياضة النفس فيما هو من ضروريات الحياة، يجعل الإنسان أقوى على ترويض نفسه، للكف عمّا دونها. وهنا ندرك: كيف ينتهي الصوم بالكفاح لأجل الحق والخير، فإنَّ الكفاح إرادة الخير، وانطلاق لتحقيق تلك (الإرادة) مهما كلَّف الأمر. وقد يؤدي البحث إلى سؤال، هو: (إنَّ الصوم إلى جانب كونه ترويضاً للنفس لتربية (الإرادة)، عبادة لله، كبقية العبادات، التي يلتقي فيها الإنسان بربه، فتتضاءل إرادته وتذوب إزاء إرادته الله تعالى، وهل يمكن تقوية (الإرادة) بعرضها على التضاؤل والذوبان)؟. والجواب: (إنّ إرادة الإنسان، عندما تخشع أمام إرادة الله سبحانه، ولا تذوب لتموت، وإنّما لتحيا وتدوم، فالإرادة الإنسانية، إذا استقلت في الوجود، تكون متهافتة قابلة للانهيار أمام الزعازع والأهوال، ولكن إذا انصهرت الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية، تعود إلى الحياة أقوى ما تكون على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، حيث تتخذ من الانضمام إلى إرادة الله، مصدر قوة وثقة، لا يمكن أنْ يأتي عليهما شيء، ما دام إيمانه بالله مطلقاً، يعرف الله فوق كل إنسان وسلطان. الثانية: إنَّ الصوم حيث يطول أمده شهراً كاملاً، يغير ـ هو والمستحبات التابعة له ـ برامج حياة الفرد، لأنّه قد أعتاد في أيام السنة، أنْ يتناول وجبات الطعام، في مواعيدها المعهودة، حتى يشهر بالضجر والملل، ولكنه حين يصوم، يقع مع عاداته في صراع عنيف، فالعادة التي ملكت عليه حواسه، وفتحت مجراها في سلوكه، تجذبه إليها في أوقاتها، ومسلحة بقوة الشهوة إلى الأكل أو الشرب أو الجنس، ولكنه يمضي في إرادته، دون أنْ يلتفت إليها، فيمنعه عن الطيبات في أوقاتها، ويوفر عليه الطيبات في غير أوقاتها، وتبعاً لذلك، تتطور حياته كلها، فينام في غير وقته، ويعمل في غير دوامه، ويعبد الله أكثر من سائر الشهور، ويجتمع بالمسلمين أكثر من بقية المناسبات، ويحاول إتيان القربات أكثر من الأوقات الأخر، وكل هذه التطوّرات، تأتي فجأة، مع بزوغ هلال شهر رمضان، فيجتمع للمسلم ـ الذي عاش حياة رتيبة ـ جهادٌ بالنهار على الصوم، لكبح نفسه ونوازعها وأُمنياتها، وجلاد بالليل، للسهر على القربات، أحياءاً لضميره، وتنشيطاً لإيمانه. ومن تدرب على أنْ يمتنع ـ باختياره ـ عن شهواته ولذائذه، ثم يبقى مُصرّاً على الامتناع عنها في أوقات معينة، لا لشيء، إلاّ استجابة لأمر واحد من أوامر دينه، لا بد أنْ تخر على أقدامه الأهواء والعادات، صرعى مغلولة، ويشعر بالنصر، الذي يحس به القائد المظفّر، فتخضع هواجسه وشهواته لفكره، منقادة للوازع النفسي، مذعنة بالحس الديني، المسيطر على النفس ومشاعرها. وما الحياة في مظاهرها الجادة، إلاّ عزم يؤثر الإقدام على الإحجام، وأهم فوق بين الذين ينجحون في أعمالهم وبين الذي يفشلون، إنّ أولئك يتحكمون إلى إرادتهم، يواجهون الحياة بعزم حديدي لا يعرف العجز والهزيمة، وهؤلاء تخور إرادتهم، أمام عادة أو شهوة، فيسقطون خانعين. عبادة التحرر وممارسة الصوم ـ في شهر رمضان ـ لإبراز استقلال (الإرادة). تمرّن الصائم على اعتياد التحرر والانعتاق، من أحابيل الغريزة ومكايدها، وترهف عزيمته وتشحذ مواهبه، وتستخرج ركائزه الدفينة، ليودعها مصرف روحانيته، ليجدد عنها ـ عند الشدائد ـ مدد الثبات والعزم والخشونة والجلد، حتى ينقلب الصائم بطلاً تتفجر أعصابه إيماناً ومضاءً، فلا يذلّ ولا يخشع، ولا يستكين، وإنّما يبقى كالجندي المُعبأ، يتحفز ـ أبداً ـ للدفاع والوثوب. لأنَّ الإخلاص لله في العبادة، يعني ـ في جوهره وحقيقته ـ التحرر من الخضوع، لكل قوة ـ من دون الله ـ مهما بلغت، وبذلك كان الصوم، وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، ومن عبودية العادات، والشهوات.
تعليق