إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكم القاتل ، وهل له توبة ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكم القاتل ، وهل له توبة ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قوله: { ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه } [النساء: 93].
    * { ومن } : شرطية. و(من) الشرطية تفيد العموم.
    * { مؤمناً } : هو من آمن بالله ورسوله، فخرج به الكافر والمنافق.
    لكن من قتل كافراً له عهد أو ذمة أو أمان، فهو آثم، لكن لا يستحق الوعيد المذكور في الآية.
    وأما المنافق، فهو معصوم الدم ظاهراً، ما لم يعلن بنفاقه.
    * وقوله { متعمدا } : يدل على إخراج الصغير وغير العاقل، لأن هؤلاء ليس لهم قصد معتبر ولا عمد، وعلى إخراجا لمخطئ، وقد سبق بيانه في الآية التي قبلها.
    فالذي يقتل مؤمناً متعمداً جزاؤه هذا الجزاء العظيم.
    * { جهنم } : اسم من أسماء النار.
    * { خالداً فيها } ، أي: ماكثاً فيها.
    * { وغضب الله عليه } : الغضب صفة ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق به، وهي من صفاته الفعلية.
    * { ولعنه } : اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
    * فهذه أربعة أنواع من العقوبة، والخامس: قوله: { وأعد له عذاباً عظيماً } .
    خمس عقوبات، واحدة منها كافية في الردع والزجر لمن كان له قلب.
    ولكن يشكل على منهج أهل السنة ذكر الخلود في النار، حيث رتب على القتل، والقتل ليس بكفر، ولا خلود في النار عند أهل السنة إلا بالكفر.
    وأجيب عن ذلك بعدة أوجه:
    الوجه الأول: أن هذه في الكافر إذا قتل المؤمن.
    لكن هذا القول ليس بشيء، لأن الكافر جزاؤه جهنم خالداً فيها وإن لم يقتل المؤمن: { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً (64) خالدين فيها أبدا لا يجدون ولياً ولا نصيرا } [الأحزاب، 64-65].
    الوجه الثاني: أن هذا فيمن استحل القتل، لأن الذي يستحل قتل المؤمن كافر.
    وعجب الإمام أحمد من هذا الجواب، قال: كيف هذا؟! إذا استحل قتله، فهو كافر وإن لم يقتله، وهو مخلد في النار وإن لم يقتله.
    ولا يستقيم هذا الجواب أيضاً.
    الوجه الثالث: أن هذه الجملة على تقدير شرط، أي: فجزاؤه جهنم خالداً فيها إن جازاه.
    وفي هذا نظر، أي فائدة في قوله: { فجزاؤه جهنم } ، ما دام المعنى إن جازاه؟! فنحن الآن نسأل: إذا جازاه، فهل هذا جزاؤه؟ فإذا قيل: نعم، فمعناه أنه صار خالداً في النار، فتعود المشكلة مرة أخرى، ولا نتخلص.
    فهذه ثلاثة أجوبة لا تسلم من الاعتراض.
    الوجه الرابع: أن هذا سبب، ولكن إذا وجد مانع، لم ينفذ السبب، كما نقول: القرابة سبب للإرث، فإذا كان القريب رقيقاً، لم يرث، لوجود المانع وهو الرق.
    ولكن يرد علينا الإشكال من وجه آخر، وهو: ما الفائدة من هذا الوعيد؟
    فنقول: الفائدة أن الإنسان الذي يقتل مؤمناً متعمداً قد فعل السبب الذي يخلد به في النار، وحينئذ يكون وجود المانع محتملاً، قد يوجد، وقد لا يوجد، فهو على خطر جداً، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"(1). فإذا أصاب دماً حراماً والعياذ بالله، فإنه قد يضيق بدينه حتى يخرج منه.
    وعلى هذا، فيكون الوعيد هنا باعتبار المال، لأنه يخشى أن يكون هذا القتل سبباً لكفره، وحينئذ يموت على الكفر، فيخلد.
    فيكون في هذه الآية على هذا التقدير ذكر سبب السبب، فالقتل عمداً سبب لأن يموت الإنسان على الكفر، والكفر سبب للتخليد في النار.
    وأظن هذا إذا تأمله الإنسان، يجد أنه ليس فيه إشكال.
    الوجه الخامس: أن المراد بالخلود المكث الطويل، وليس المراد به المكث الدائم، لأن اللغة العربية يطلق فيها الخلود على المكث الطويل كما يقال: فلان خالد ف الحبس، والحبس ليس بدائم. ويقولون: فلا خالد خلود الجبار، ومعلوم أن الجبال ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً.
    وهذا أيضاً جواب سهل لا يحتاج إلى تعب، فنقول: إن الله عز وجل لم يذكر التأبيد، لم يقل: خالداً فيها أبداً بل قال: { خالداً فيها } ، والمعنى: أنه ماكث مكثاً طويلاً.
    الوجه السادس: أن يقال إن هذا من باب الوعيد، والوعيد يجوز إخلافه، لأنه انتقال من العدل إلى الكرم، والانتقال من العدل إلى الكرم كرم وثناء وأنشدوا عليه قول الشاعر:
    وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إبعادي ومنجز موعدي
    أوعدته بالعقوبة، ووعدته بالثواب، لمخلف إبعادي ومنجز موعدي.
    وأنت إذا قلت لابنك: والله، إن ذهبت إلى السوق، لأضربنك بهذا العصا. ثم ذهب إلى السوق، فلما رجع، ضربته بيدك، فهذا العقاب أهون على ابنك، فإذا توعد الله عز وجل القاتل بهذا الوعيد، ثم عفا عنه، فهذا كرم.
    ولكن هذا في الحقيقة فيه شيء من النظر، لأننا نقول: إن نفذ الوعيد، فالإشكال باق، وإن لم ينفذ، فلا فائدة منه.
    هذه ستة أوجه في الجواب عن الآية، وأقربها الخامس، ثم الرابع.
    مسألة: إذا تاب القاتل، هل يستحق الوعيد؟
    الجواب: لا يستحق الوعيد بنص القرآن، لقوله تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [الفرقان: 68-70]، وهذا واضح، أن من تاب ـ حتى من القتل ـ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات.
    والحديث الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل، الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، فألقى الله في نفسه التوبة، فجاء إلى عابد، فقال له: إن قتل تسعاً وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟! فالعابد استعظم الأمر، وقال: ليس لك توبة! فقتله، فأتم به المائة. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟! ولكن هذه القرية ظالم أهلها، فاذهب إلى القرية الفلانية، فيها أهل خير وصلاة، فسافر الرجل، وهاجر من بلده إلى بلد الخير والصلاة، فوافته المنية في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة الرحمة وملائكة العذاب، حتى أنزل الله بينهم حكماً، وقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب، فهو من أهلها، فكان أقرب إلى أهل القرية الصالحة فقبضته ملائكة الرحمة(1).
    فأنظر كيف كان من بني إسرائيل فقبلت توبته، مع أن الله جعل عليهم آصاراً وأغلالاً، وهذه الأمة رفع عنها الآصار والأغلال، فالتوبة في حقها أسهل، فإذا كان هذا في بني إسرائيل، فكيف بهذه الأمة؟‍‍
    فإن قلت: ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن القاتل ليس له توبة(2)؟‍
    فالجواب: من أحد الوجهين:
    1- إما أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن يكون للقاتل عمداً توبة، ورأى أنه لا يوفق للتوبة، وإذا لم يوفق للتوبة، فإنه لا يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به.
    2- وإما أن يقال: إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما: أن لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول، لأن القاتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله، وحق المقتول، والثالث لأولياء المقتول.
    أ- أما حق الله، فلا شك أن التوبة ترفع، لقوله تعالى: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } [الزمر: 53]، وهذه في التائبين.
    ب- وأما حق أولياء المقتول، فيسقط إذا سلم الإنسان نفسه لهم، أتى إليهم وقال: أنا قتلت صاحبكم، واصنعوا ما شئتم فهم غما أن يقتصوا، أو يأخذوا الدية، أو يعفوا، والحق لهم.
    جـ- وأما حج المقتول، فلا سبيل إلى التخلص منه في الدنيا.
    وعلى هذا يحمل قول ابن عباس أنه لا توبة له، أي: بالنسبة لحق المقتول.
    على أن الذي يظهر لي أنه إذا تاب توبة نصوحاً، فإنه حتى حق المقتول يسقط، لا إهداراً لحقه، ولكن الله عز وجل بفضله يتحمل عن القاتل ويعطي المقتول رفعة درجات في الجنة أو عفواً عن السيئات، لأن التوبة الخالصة لا تبقي شيئاً، ويؤيد هذا عموم آية الفرقان: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق..... } إلى قوله: { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [الفرقان: 70].

  • #2
    بارك الله فيك اخى ابو فؤاد

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك اخوي ابو فؤاد وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك

      دمت بحفظ الرحمن
      إن لله عباداً فطنا .. طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
      نظروا فيها فلما علموا .. أنها ليست لحييٍ وطنا
      جعلوها لجةً واتخذوا .. صالح الأعمال فيها سفنا

      تعليق

      يعمل...
      X