من مات قامت قيامتــه ، ولاق من الأهوال مايشيب له الولدان ، إلاّ الشهداء فانّهم لا يموتون ولكنّهم يقتطعون تذاكر الخلود..
كلّ النّاس تضيق صدورهم بأخبار الموتى إلاّ الشهداء فانّ أخبار استشهدائهم يطرب لها القلب.
كلّ الجنائز جوّها موحش ، يضيق لها الفؤاد.. إلاّ جنائز الشهداء ، كأنّها عرس.
كلّ النّاس تنقطع ذكراهم عند موتهم إلاّ الشهداء فانّهم يبقون معالما يستضاء بهديها " كالعلماء " .
كلّ النّاس يفرّون من الموت.. إلاّ الشهداء فانّهم يطلبونه بشغف.
ليس كلّ المجاهدين يستشهدون ولكنّ هناك فئة معيّنة يختارها الله من بين المجاهدين ، ويتّخذهم ويستخلصهم لنفسه سبحانه ويخصّهم بقربه..
انه اختيار وانتقاء وتكريم واختصاص ...
لله درّ الشهداء .. وياشقاء من حرم هذا الفضل..
لهذا فلن تجد أمّة من الأمم يزخر تاريخها بأعداد الشهداء كأمّة الإسلام.
وكفاهم فضلا أن يقال عنهم " قتلوا في سبيل الله " .. وياله من فضل ..
لقد علموا أنّ الاستسلام لله والرضا بقضائه أروح للقلب وأهدأ للنفس وأريح للضمير فباعوا نفوسهم له سبحانه وتعالى.
لقد علموا أنّه ليس أشدّ إفسادا للفطرة من الذلّ الذي ينشئه الطغيان الطويل .. الذي يحطّم فضائل النفس البشرية ويحلّل مقوّماتها ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد.. فأبوا أن يكونوا عبيدا لغير الله.
لقد علموا إمّا أن يعيشوا أحرارا كما يريدهم الإسلام ، وإمّا أن يعيشوا قطعانا خلف السياج تتعبّدهم زمرة الطواغيت. فأبوا إلاّ التمرّد على هذه الأرباب الأصنام البشرية المتألّهة.
لله درّها من صفوة عرفت طريقها .. صفوة لا تاريخ لها خارج الدمّ..
صفوة لم تركع إلاّ لخالقها وجاهدت حقّ الجهاد لتقرير ألوهيته في الأرض ، وتحقّق منهجه في حياة النّاس ، فطاردت الشياطين ومناهج الشياطين لتحطّم سلطان البشر الذي يتعبّد النّاس.
فالإسلام عندها ليس مجرّد عقيدة ، إنّما هو منهج يزحف لتحرير كلّ النّاس ، لتعلن ربوبية الله للعالمين ، وتحرير الإنسان من كلّ عبودية لغير الله في النّاس أجمعين..
ثورة شاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتهاوأوضاعها وإزالة مملكة البشر ، وانتزاع السلطان من أيديهم وردّه إلى الله وحده ، وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانينالبشرية الباطلة.
صفوة لا تؤمن أبدا بإلغاء القوانين الأرضية وتحطيم هذه الأصنام البشرية بمجرّد التبليغ والبيان، لأنّها تعلم يقينا أنّ هؤلاء الطواغيت لا يسلمون في سلطانهم بمجرّد ذلك وإلاّ فما كان أيسر عمل رسل الله تعالى عليهم السلام في إقرار دين الله في الأرض وهذا عكس ماعرفه تاريخهم عليهم الصلاة والسلام وتاريخ هذا الدين على ممّر الأجيال.
صفوة لا تعرف للحياة متعة إلاّ في البذل والتضحية ، لأنّها تؤمن بحياة أبدية خلف هذه العاجلة ، فتدوس على هذه الأخيرة بقدمها وتندفع طالبة للشهادة ، أمّا غيرها ممّن لا يؤمنون إلاّ بالواقع المحسوس أو أولئك الذين لا يؤمنون بحياة خلف هذا الواقع فهيهات أن يندفعون خارج حدوده..
فما الذي دفع بعمير بن الحمام الأنصاري إلى اقتحام الصفوف والالتحام بالمشركين رغم هول الخطوب وبارقة السيوف وتقطّع الأوصال وهو يرى الموت يحدق به ؟
وما الذي دفع بعزّ الدين القسّام إلى ذلك والمغريات تهتف به فيأبى ويخاطب بإخوانه : موتوا شهداء..؟.
ومالذي دفع محمّد عطا لينطلق ومن معه بطائرته صوب البرجين؟
لقد كانوا يدركون أنّهم سوف لن يموتــوا..
أخي المسلم:
إذا أردت أن تعيش " فمت كما ماتوا " ..
منقول للفائدة
تعليق