إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

( فلا تشمت بي الأعداء )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ( فلا تشمت بي الأعداء )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ( فلا تشمت بي الأعداء )

    الانصاف

    فيما وقع بين الزرقاوي والمقدسي من خلاف


    كتبه
    أبو الزهراء الأثري




    نص الرسالة


    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين
    أما بعد ..

    فإن من أعظم القربات وأجلها عند الله تبارك وتعالى جمع كلمة المسلمين والمحافظة على وحدة صفهم قال الله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جمبعا ولاتفرقوا ) وقال تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) وقال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )
    وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وإنه كاد أن يبطئ بها فقال عيسى : إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أنا آمرهم فقال: يحيى أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وتعدوا على الشرف فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن :
    أولهن : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي فكان يعمل ويؤدي سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك
    وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت
    وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها وإن ريح الصائم أطيب ثم الله من ريح المسك
    وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم
    وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في رجاء سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله
    قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا آمركم بخمس الله أمرني والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام قال وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله ) رواه الترمذي وقال :هذا حديث حسن صحيح
    وعن ابن عمر قال : خطبنا عمر بالجابية فقال : يا أيها الناس إني كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال : أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) رواه الترمذي : هذا حديث حسن صحيح
    وروى ابن أبي عاصم في السنة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال : ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب )
    وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يد الله مع الجماعة ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب
    فهذه النصوص تحث المسلمين جميعا على التآلف والمحبة ونبذ الخصومة وعدم تفريق جماعة المسلمين فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم
    والفرقة من أجل الأهداف والغايات التي يسعى أعداء الله لتحقيقها وإيقاعها في صف الجماعة المجاهدة وخاصة بين علماء الجهاد وقادته لما يعلمون من أن الخلاف بين هذين الصنفين من الجماعة المجاهدة يعمل على اضعافها وتشتتها وتفرقها فيسهل على أعداء الله وأذنابهم من القضاء على هذه الجماعة المجاهدة أو تلك
    وهذا الأمر هو آخر ما سعت إليه أمريكا وأذنابها في حربها على الإسلام بعد ما ظهر لهم ولكل مراقب للجهاد في بلاد الرافدين من اقتراب هزيمتها على أيادي المجاهدين في سبيل الله - بإذن الله - فأخذت تعمل على إيجاد الفرقة والخصومة بين علماء الجماعات المجاهدة وقادتهم بشتى الوسائل والسبل لاشغال المجاهدين بالخصومات الداخلية فيما بينهم
    فإذا عرفنا هذه المسألة حق المعرفة أدركنا أن ما أظهرته وسائل الإعلام الخبيثة في هذه الأيام من خلاف بين الشيخ الفاضل أبي محمد المقدسي والشيخ الفاضل أبي مصعب الزرقاوي – حفظهما الله – ما هو إلا من مخططات أعداء الله وأذنابهم لتفريق صف الجماعة المجاهدة وأنصارها في مشارق الأرض ومغاربها
    وإذا كان الأمر كما ذكرنا أحببت أن أكتب هذه الرسالة الموجزة سدا لباب الفرقة والخصومة وحفاظا على الألفة والجماعة بين صف الجماعة المجاهدة ومحبة مني ونصحا للشيخين الفاضلين _ حفظهما الله _ . وسيكون حديثي في هذا الموضوع من خلال المسائل الآتية :

    المسألة الأولى : المحافظة على وحدة صف الجماعة المجاهدة من أهم الواجبات :

    إن المحافظة على وحدة صف الجماعة المؤمنة في كل زمان ومكان من أهم الأصول والواجبات كما دلت على ذلك النصوص السابقة فإنه من الواجبات والأصول التي اتفقت عليه شرائع الأنبياء عليهم السلام قال الله تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )
    ويتأكد هذا الواجب في زمان الغربة والصراع كما دل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان : ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : نعم . فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن . قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر . فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . فقلت : يا رسول الله صفهم لنا قال : نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت : يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . فقلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل : تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) صحيح مسلم 3/1475


    المسألة الثانية : اختلاف الآراء في المسائل الفرعية وما يجوز فيه الاجتهاد ظاهرة طبعية :

    إن مما هو معلوم أن نصوص الوحي من حيث الدلالة على الأحكام تنقسم إلى قسمين :
    القسم الأول : قطعي الدلالة على الأحكام كقول الله تعالى في الدلالة على وجوب الحكم بالشريعة الربانية : ( ان الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه )
    وحديث النبي صلى عليه وسلم في الدلالة على وجوب خلع من وقع في الكفر الصريح البواح من الحكام عن عبادة بن الصامت قال : ( دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) متفق عليه
    فهذا القسم من الأحكام لا يجوز فيه الخلاف والخلاف فيه من سمات أهل الضلال
    القسم الثاني : ظني الدلالة على الأحكام كقول الله تعالى في الدلالة على حكم الأسير : ( فإما منا بعد وإما فداء ..) فقد دلت النصوص الأخرى على جواز قتل الأسير
    وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الدلالة على استتابة من ارتد عن دينه واستبدله بغيره من الأديان : ( من بدل دينه فاقتلوه ) رواه البخاري
    وهذا القسم من النصوص مما يجوز فيه الاجتهاد ويسوغ فيه اختلااف الآراء فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) متفق عليه
    وهذا القسم من الأحكام وقع الخلاف فيه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فأقر ذلك ولم ينكره روى الشيخان واللفظ للبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : ( لا يُصَلِّينَّ أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يُعنِّف واحداً منهم ) .
    فهذا النوع من الخلاف لا ضرر فيه بل المجتهد فيه مأجور إن أصاب أو أخطأ ما دام ملتزماً بأصول الاستنباط والاجتهاد بعيداً عن الهوى والشهوة ، وهذا هو الظنُّ بالعلماء الربانيين القادة المجاهدين على مرِّ العصور والدهور ، وقد صنَّف شيخ الإسلام في هذا الباب رسالة ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) وهي رسالة نفيسة فلتراجع .
    وأما الخلاف الذي ذمه الوحي ثم العلماء الربانيون فهو كل خلاف لم يكن معتمداً على أصول الاستنباط والاجتهاد ، وكل خلاف كان الدافع له الهوى والشهوة ، وكل خلاف أدَّى إلى الفرقة والخصومة بين المسلمين ، وكل خلاف لم يكن منضبطاً بضوابط الشريعة .

    المسألة الثالثة : موقف المسلم من الخلاف :

    بينت الشريعة المطهرة أنه يجب على المسلم في مسائل الخلاف أنْ يتحرى الأقرب للصواب من أقوال أهل العلم ويأخذ به مع التزامه بأدب الخلاف قال الله تعالى : ( فإنْ تنازعتم في شي فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) .
    وقال تعالى ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله ) .
    وعن العرباض بن سارية قال : ( وعَظَنَا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفتْ منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل : إنَّ هذه موعظة مودِّع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإنْ عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ". رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
    قال ابن القيم رحمه الله : ( لا يجوز للمفتي أن يعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح ولايُعْتَدُّ به، بل يكتفى في العمل بمجرد كون ذلك قولاً قاله إمام أو وجهاًَ ذهب إليه جماعة فيعمل بما يشاء من الوجوه والأقوال حيث رأى القول وَفْقَ إرادته وغرضه عمل به ، فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح ، وهذا حرام باتفاق الأمة ، وهذا مثل ماحكى القاضي أبو الوليد الباجي عن بعض أهل زمانه ممن نَصَبَ نفسه للفتوى أنه كان يقول: إن الذي لصديقي عليّ إذا وقعت له حكومة أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه، وقال: وأخبرني مَنْ أثق به أنه وقعت له واقعة فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره، وأنه كان غائبا فلما حضر سألهم بنفسه، فقالوا: لم نعلم أنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه ، قال : وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد بهم في الإجماع أنه لايجوز، وقد قال مالك رحمه الله في اختلاف الصحابة رضي الله عنهم مخطىء ومصيب فعليك بالاجتهاد.
    وبالجملــة فلا يجوز العمل والإفتـــاء في دين الله بالتّشَهِّي والتخير وموافقة الغرض فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرضَ مَنْ يٌحابيه فيعمل به ، ويفتي به ، ويحكم به ، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده ، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر، والله المستعان). (اعلام الموقعين) جـ 4 صـ211.
    والترجيح بين الأقوال المختلفة في المسائل الشرعية هو من هدي الخلفاء الراشدين ولا سيما في المسائل العظمى والقضايا الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( لمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ فقال : والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر رضي الله عنه : فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق ) متفق عليه .

    المسألة الرابعة : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث :

    إنَّ من الأصول المتفق عليها عند أهل السنة أن من عُرِفَ من العلماء بالعلم والتقوى والتزام الحق قولا وفعلا ومنهجا إذا وقع في الخطأ أو الزلل أقيلت عثرته ولم تسقط بذلك إمامته ومنزلته فقد قيل قديما : كفى بالمرء فخرا أن تعد معايبه .
    عن أبي الدرداء قال : ( كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا ، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل ، حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما صاحبكم هذا فقد غامر ). قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلَّم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر. قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركون لي صاحبي، هل أنتم تاركون لي صاحبي، إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت ) . رواه البخاري
    وعن علي رضي الله عنه قال : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : الكتاب ، فقالت : ما معنا كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ولا تقولوا له إلا خيرا فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم ) . متفق عليه
    قال الإمام أحمد بن حنبل : ( لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً ) سير أعلام النبلاء 11/371].
    ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: ( كان يرى القدر نسأل الله العفو .. ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه .. إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ) سير أعلام 7/271
    وقل شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وفي الصحيح قال: (قد فعلت)) الفتاوى 19/286
    قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل _ رحمه الله _ : ( وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه و هو أحد العلماء وقد رووا عنه وعدلوه .
    وقال : وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك عليه بأمر لا غير جرحه ) تهذيب التهذيب 7/241
    وقال الذهبي في ترجمة علي بن المديني _ رحمهما الله _ : ( ثم ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم فزن الأشياء بالعدل والورع وأما علي بن المديني فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي مع كمال المعرفة بنقد الرجال وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن بل لعله فرد زمانه ) ميزان الاعتدال.

    المسألة الخامسة : وقفة انصاف فيما وقع بين المقدسي والزرقاوي _ حفظهما الله _ من خلاف
    :
    تبين لنا مما سبق من المسائل أن الخلاف في المسائل الاجتهادية أمر أقرته الشريعة وهو مقتضى تفاوت العقول البشرية في فهم نصوص الوحي ظنية الدلالة وأن المجتهد في هذه المسائل مأجور في حالة موافقة الحق أو مجانبته وأن وقوع العالم الرباني في الخطأ لايسقطه كليا ولايقدح في مكانته ومنزلته .
    وبعد تقرير هذه المسائل نقول : إن ما وقع من خلاف بين الشيخين الفاضلين _حفظهما الله_ لايخرج عن دائرة المسائل الاجتهادية التي تتباين فيها الآراء ويسوغ فيها الخلاف نتيجة التفاوت بينهما في إدراك حقيقة الواقع لهذه المسائل وهذا ما أشار إليه الشيخ المقدسي نفسه في البيان الصادر في إبطال ما نشر عنه في الصحف الأردنية حول الجهاد في العراق فالشيخ المقدسي _فرج الله عنه_ يفتي حسب ما لديه من معلومات عن الجهاد في بلاد الرافدين بما يوافق الشريعة فيما يرى والشيخ أبو مصعب _نصره الله_ يتبنى ما يراه موافقا لأحكام الشريعة في مسائل الجهاد في العراق فهما لم يختلفا في أصول التوحيد أو أصول الجهاد ، فهما متفقان ولله الحمد في أصول التوحيد وكلاهما على عقيدة أهل السنة والجماعة كما أنهما متفقان على جاهلية الأنظمة القائمة في هذا الزمان وأن الواجب على المسلمين القيام بتغيرها ، وهما متفقان على وجوب جهاد الأمريكان في كل وقت ومكان ويكفي للدلالة على ذلك أن أبا محمد أرسل ابنه عمر لجهاد الأمريكان كما أنه لم يوافق على إصدار بيان يدين عمليات سبتمبر المباركة رغم ضغط أجهزة المخابرات الأردنية عليه في ذلك فهما متفقان على كثير من المسائل الكلية والجزئية مما يطول عدها .
    فمسائل الاتفاق بينهما أضعاف أضعاف مابينهما من مسائل اختلاف وهذا مايقر به الشيخان الفاضلان ولله الحمد وهذا مايدل عليه ثناء كل واحد منهما على الآخر وفيما يأتي ذكر طرف من هذا الثناء :
    قال لي الشيخ المقدسي _حفظه الله_ في لقاء معه: ( والله إني أدعو الله لأبي مصعب أن ينصره الله ويحفظه أكثر مما أدعو لنفسي ولابني )
    وقال في البيان الذي أصدره ردا على افتراءات الصحف الأردنية عليه : (وأنا أذكر هذا الكلام بياناً للحق وكشفاً لتلبيس هذه الصحف ، فقد رفضت العشرات من المقابلات الاعلامية منذ أن خرجت من السجن حرصاً مني على أن لا يستغل أعداء الله أي كلمة قد تُحَرّف أو يُساء فهمها في تجريح اخوة لنا أحبة حملوا أرواحهم على أكفهم في سبيل الدفاع عن حرمات هذا الدين ويسعون لنصرة أمتهم وعلى رأس هؤلاء أخونا وحبيبنا البطل المجاهد أبو مصعب الزرقاوي _ حفظه الله_ )
    كما انه أثنى على الشيخ أبي مصعب في مقدمة المقابلة التي أجرتها معه قناة الجزيرة ووصفه بأنه ظلم كثيرا من قبل وسائل الاعلام
    وأما بالنسبة لثناء الزرقاوي على المقدسي _نصرهما الله_ فقد قال أبو مصعب في البيان الذي اصدره ردا عما جاء على لسان أبي محمد في مقابلة قناة الجزيرة : ( وقبل الختام لا بد من القول: بأن الشيخ المقدسي _ حفظه الله _ ممن يحفظ لهم حقهم وبلاؤهم ، وهو ممن يحسن الظن به، وهو أولى الناس بالمعذرة وإقالة العثرة ،ولا أظن موحدا في هذا الزمان إلا وللشيخ عليه فضل ،فلا يعني إن جانب الصواب في مسألة ما أن يحط من قدره وعلمه وحفظ سابقته وبلائه ، ولولا خطورة ما تكلّم به الشيخ ،وما سيترتب عليه من آثار سيئة على الجهاد والمجاهدين لم يكن هذا الرد)

    وأحب هنا أن أبين أهم ثلاث مسائل دار حولها الخلاف بين الشيخين الفاضلين _حفظهما الله _ وهذه المسائل هي :

    أولا : حكم قتل الشيعة :
    سيكون حديثي في هذ المسألة من خلال النقطتين الآتيتين :

    النقطة الأولى : اختلاف العلماء في تكفير الشيعة :
    إن الناظر في كلام العلماء يجد أنهم اختلفوا في تكفير الشيعة كاختلافهم في تكفير الجهمية والقدرية ونحوها من الفرق الضالة وفيما يأتي ذكر طائفة من أقوال العلماء الدالة على ذلك :

    أولا : أقوال العلماء الدالة على تكفير الشيعة
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وهذه الأحاديث مستفيضه بل متواترة فى فضائل الصحابة والثناء عليهم وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون فالقدح فيهم قدح فى القرآن والسنة ولهذا تكلم الناس فى تكفير الرافضة بما قد بسطناه فى غير هذا الموضع والله سبحانه وتعالى أعلم )
    وقال ابن القيم : ( وأما الرافضة فقدحهم وطعنهم في الأصل الثاني وهو شهادة أن محمدا رسول الله وإن كانوا يظهرون موالاة أهل بيت الرسول ومحبتهم قال طائفة من أهل العلم منهم مالك بن أنس وغيره هؤلاء قوم أرادوا الطعن في رسول الله فلم يمكنهم ذلك فطعنوا في الصحابة ليقول القائل رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين والرافضة لمتقدمون لم يكونوا جهمية معطلة وأما المتأخرون منهم من حدود أواخر المائة الثالثة فضموا إلى بدعة الرفض التجهم والقدر فتغلظ أمرهم وظهر منهم حينئذ القرامطة والباطنية واشتهرت الزندقة الغليظة والنفاق الأعظم في أمرائهم وعلمائهم وعامتهم وأخذوا من دين المجوس والصابئة والمشركين ما خلطوه في الإسلام وهم أعظم الطوائف نفورا عن سنة النبي وحديثه وآثار أصحابه لمضادة ذلك لبدعتهم كنفور الجهمية عن آيات الصفات وأخبارها ) الصواعق المرسلة ج: 4 ص: 1405

    ثانيا : أقوال العلماء في عدم تكفير الشيعة مطلقا :
    قال ابن القيم –رحمه الله - : ( فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام :
    أحدها : الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا
    القسم الثاني : المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته
    القسم الثالث : أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويتركه تقليدا وتعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل ) الطرق الحكمية ص254
    يتبين لنا من هذه النقول وغيرها أن العلماء اختلفوا في تكفير الشيعة وأن هذه من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف وإن كان الأقرب للصواب في ذلك القول بتكفيرهم لما ثبت عن ابن عمر أنه كفر القدرية الذين نفوا القدر والشيعة يقولون بنفي القدر ويزيدون على ذلك القول بالبداءة التي هي أشد قبحا وكفرا من نفي القدر عن يحيى بن يعمر قال : ( كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي فقال أحدنا : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم ذكر حديث سؤال جبريل المشهور ..............) صحيح مسلم 1/36

    النقطة الثانية : اتفاق العلماء على وجوب قتال الطائفة الممتنعة ومن في حكمهم من فرق الضلالة :
    إذا قبلنا من الشيخ المقدسي _ حفظه الله _ القول بعدم تكفير عموم الشيعة ووجدنا له بذلك وجها ومخرجا من كلام العلماء السابقين فإننا لا نوافقه ولا نقبل منه القول بعدم مشروعية قتال الروافض الأنجاس فإن ذلك كبوة جواد وزلة عالم فاضل يحذر منها ولا يشنع عليه بسببها .
    فإن مما لايخفى على كل مراقب للساحة العراقية أن الشيعة أصبحوا في عداد الطوائف الممتنعة والفرق الضالة التي أجمع أهل العلم على وجوب قتالهم بل إن الأمر أشد من ذلك فإنهم ينصرون عباد الصليب على أهل التوحيد ويعتدون على شعائر وأعراض وحرمات أهل السنة .
    وقد سئل شيخ الإسلام _ رحمه الله _ عن قتال أمثال هؤلاء فأجاب بوجوب قتالهم وفيما يأتي نص السؤال والجواب :
    ( وسئل شيخ الإسلام تقى الدين :
    عمن يزعمون إنهم يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعتقدون أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم هوعلى بن أبى طالب وأن رسول الله صلىالله عليه وسلم نص على إمامته وإن الصحابة ظلموه ومنعوه حقه وإنهم كفروا بذلك فهل يجب قتالهم ويكفرون بهذا الإعتقاد أم لا ؟
    فأجاب :
    الحمد لله رب العالمين أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعه من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله فلو قالوا نصلى ولا نزكى أو نصلى الخمس ولا نصلى الجمعة ولا الجماعة أو نقوم بمبانى الإسلام الخمس ولا نحرم دماء المسلمين وأموالهم أو لا نترك الربا ولاالخمر ولا الميسر أو نتبع القرأن ولا نتبع رسول الله ولا نعمل بالأحاديث الثابتة عنه أو نعتقد أن اليهود والنصارى خير من جمهور المسلمين وأن أهل القبلة قد كفروا بالله ورسوله ولم يبق منهم مؤمن إلا طائفة قليلة أو قالو إنا لا نجاهد الكفار مع المسلمين أو غير ذلك من الأمور المخالفة لشريعة رسول الله وسنته وما عليه جماعة المسلمين فإنه يجب جهاد هذه الطوائف جميعها كما جاهد المسلمون مانعى الزكاة وجاهدوا الخوارج وأصنافهم وجاهدوا الحزمية والقرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام
    وذلك لأن الله تعالى يقول فى كتابه : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) فاذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله وقال تعالى : ( فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) فلم يأمر بتخلية سبيلهم الا بعد التوبة من جميع انواع الكفر وبعد اقام الصلاة وايتاء الزكاة وقال تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) فقد اخبر تعالى ان الطائفة الممتنعة اذا لم تنته عن الربا فقد حاربت الله ورسوله والربا آخر ما حرم الله فى القرآن فما حرمه قبله أوكد وقال تعالى : ( انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا اوتقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض ) فكل من امتنع من اهل الشوكة عن الدخول فى طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله ومن عمل فىالارض بغير كتاب الله وسنة رسوله فقد سعى فى الأرض فسادا ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار وعلى اهل القبلة حتى أدخل عامة الأئمة فيها قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح لمجرد اخذ الاموال وجعلوهم بأخذ اموال الناس بالقتال محاربين لله ورسوله ساعين فى الارض فسادا وان كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه ويقرون بالايمان بالله ورسوله فالذى يعتقد حل دماء المسلمين واموالهم ويستحل قتالهم اولى بأن يكون محاربا لله ورسوله ساعيا فىالارض فسادا من هؤلاء كما ان الكافر الحربي الذى يستحل دماء المسلمين واموالهم ويرى جواز قتالهم اولى بالمحاربة من الفاسق الذي يعتقد تحريم ذلك وكذلك المبتدع الذى خرج عن بعض شريعة رسول الله وسنته واستحل دماء المسلمين المتمسكين بسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته واموالهم هو اولى بالمحاربة من الفاسق وان اتخذ ذلك دينا يتقرب به الى الله كما ان اليهود والنصارى تتخذ محاربة المسلمين دينا تتقرب به الى الله .
    ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلظة شر من الذنوب التى يعتقد أصحابها أنها ذنوب وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتال الخوارج عن السنة وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم والصلاة خلفهم مع ذنوبهم وشهد لبعض المصرين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنته وأخبر عن ذى الخويصرة وأصحابه مع عبادتهم وورعمهم أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وقد قال تعالى فى كتابه : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لايؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله فى جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا وحتى لا يبقى فى قلوبهم حرج من حكمه ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة وبذلك جاءت سنة رسول الله وسنة خلفائه الراشدين ففى الصحيحين عن أبى هريرة قال : ( لما توفى رسول الله وإرتد من إرتد من العرب قال عمر بن الخطاب لأبى بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ن لا إله إلا لله وأن محمد رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصمو منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر ألم يقل إلا بحقها فإن الزكاة من حقها والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها فقال عمر فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعلمت أنه الحق ) فاتفق أصحاب رسول الله على قتال أقوام يصلون ويصومون إذا إمتنعوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم
    وهذا الاستنباط من صديق الأمة قد جاء مصرحا به ففى الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) فأخبر أنه أمر بقتالهم حتى يؤدوا هذه الواجبات وهذا مطابق لكتاب الله وقد تواتر عن النبى صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيره وأخرج منها أصحاب الصحيح عشرة أوجه ذكرها مسلم فى صحيحه وأخرج منها البخارى غير وجه وقال الإمام أحمد رحمه الله صح الحديث فى الخوارج من عشرة أوجه قال : يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقرائته مع قرائتهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل . وفى رواية : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وفى رواية شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه .
    وهؤلاء أول من قاتلهم أمير المؤمنين على بن أبى طالب ومن معه من أصحاب رسول الله قاتلهم بحرورى لما خرجوا عن السنة والجماعة وإستحلوا دماء المسلمين وأموالهم فإنهم قتلوا عبد الله بن خباب وأغاروا على ماشية المسلمين فقام أمير المؤمنين على بن أبى طالب وخطب الناس وذكر الحديث وذكر أنهم قتلوا وأخذوا الأموال فاستحل قتالهم وفرح بقتلهم فرحا عظيما ولم يفعل فى خلافته أمرا عاما كان أعظم عنده من قتال الخوارج وهم كانوا يكفرون جمهور المسلمين حتى كفروا عثمان وعليا وكانوا يعملون بالقرآن فى زعمهم ولا يتبعون سنة رسول الله التى يظنون أنها تخالف القرآن كما يفعله سائر أهل البدع مع كثرة عبادتهم وورعهم .
    وقد ثبت عن علي فى صحيح البخارى وغيره من نحوه ثمانين وجها أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . وثبت عنه أنه حرق غالية الرافضة الذين إعتقدوا فى الإلهية وروى عنه بأسانيد جيدة أنه قال لا : أوتى بأحد يفضلنى على ابى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى وعنه أنه طلب عبد الله بن سبأ لما بلغه أنه سب أبا بكر وعمر ليقتله فهرب منه . وعمر بن الخطاب رضى الله عنه أمر برجل فضله على أبى بكر أن يجلد لذلك وقال عمر رضى الله عنه لصبيغ بن عسل لما ظن أنه من الخوارج لو وجدتك محلوقا لضربت الذى فيه عيناك فهذه سنة أمير المؤمنين على وغيره قد أمر بعقوبة الشيعة الأصناف الثلاثة وأخفهم المفضلة فأمر هو وعمر بجلدهم والغالية يقتلون باتفاق المسلمين وهم الذين يعتقدون الإلهية والنبوة فى على وغيره مثل النصيرية والإسماعيلية الذين يقال لهم بيت صاد وبيت سين ومن دخل فيهم من المعطلة الذين ينكرون وجود الصانع أو ينكرون القيامة أو ينكرون ظواهر الشريعة مثل الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام ويتأولون ذلك على معرفة أسرارهم وكتمان أسرارهم وزيارة شيوخهم ويرون أن الخمر حلال لهم ونكاح ذوات المحارم حلال لهم فإن جميع هؤلاء الكفار اكفر من اليهود والنصارى فإن لم يظهر عن أحدهم ذلك كان من المنافقين الذين هم فى الدرك الأسفل من النار ومن أظهر ذلك كان أشد من الكافرين كفرا فلا يجوز أن يقر بين المسلمين لا بجزية ولا ذمة ولا يحل نكاح نسائهم ولا تؤكل ذبائحهم لأنهم مرتدون من شر المرتدين فإن كانوا طائفة ممتنعة وجب قتالهم كما يقاتل المرتدون كما قاتل الصديق والصحابة وأصحاب مسيلمة الكذاب وإذا كانوا فى قرى المسلمين فرقوا وأسكنوا بين المسلمين بعد التوبة وألزموا بشرائع الإسلام التى تجب على المسلمين وليس هذا مختصا بغالية الرافضة بل من غلا فى أحد من المشايخ وقال أنه يرزقه أو يسقط عنه الصلاة أو أن شيخة أفضل من النبى أو أنه مستغن عن شريعة النبى وأن له إلى الله طريقا غير شريعة النبى أو أن أحدا من المشايخ يكون مع النبى كما كان الخضر مع موسى وكل هؤلاء كفار يجب قتالهم بإجماع المسلمين وقتل الواحد المقدور عليه منهم
    وأما الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة فقد روى عنهما اعنى عمر وعلى قتلهما ايضا والفقهاء وان تنازعوا فى قتل الواحد المقدور عليه من هؤلاء فلم يتنازعوا فى وجوب قتالهم اذا كانوا ممتنعين فان القتال اوسع من القتل كما يقاتل الصائلون العداة والمعتدون البغاة وان كان احدهم اذا قدر عليه لم يعاقب الا بما امر الله ورسوله به
    وهذه النصوص المتواترة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الخوارج قد ادخل فيها العلماء لفظا او معنى من كان في معناهم من اهل الأهواء الخارجين عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين بل بعض هؤلاء شر من الخوارج الحرورية مثل الخرمية والقرامطة والنصيرية وكل من اعتقد فى بشر انه اله أو فى غير الانبياء انه نبى وقاتل على ذلك المسلمين فهو شر من الخوارج الحرورية
    والنبى انما ذكر الخوارج الحرورية لانهم اول صنف من اهل البدع خرجوا بعده بل اولهم خرج في حياته فذكرهم لقربهم من زمانه كما خص الله ورسوله اشياء بالذكر لوقوعها فى ذلك الزمان مثل قوله : ( ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق ) وقوله : ( من يريد منكم عن دينه فسوف ياتى الله بقوم يحبهم ويحبونه ) ونحو ذلك ومثل تعيين النبى قبائل من الانصار وتخصيصه اسلم وغفار وجهينة وتميم واسد وغطفان وغيرهم باحكام لمعان قامت بهم وكل من وجدت فيه تلك المعانى الحق بهم لان التخصيص بالذكر لم يكن لاختصاصهم بالحكم بل لحاجة المخاطبين اذ ذاك الى تعيينهم هذا اذا لم تكن الفاظه شاملة لهم
    وهؤلاء الرافضة ان لم يكونوا شرا من الخوارج المنصوصين فليسوا دونهم فان اولئك انما كفروا عثمان وعليا واتباع عثمان وعلي فقط دون من قعد عن القتال او مات قبل ذلك . والرافضة كفرت ابا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه وكفروا جماهير امة محمد من المتقدمين والمتاخرين فيكفرون كل من اعتقد فى ابى بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة او ترضى عنهم كما رضىالله عنهم او يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم ولهذا يكفرون اعلام الملة مثل سعيد بن المسيب وابى مسلم الخولانى وأوبس القرنى وعطاء بن ابى رباح وابراهيم النخعى ومثل مالك والأوزاعى وابى حنيفة وحماد بن زيد وحماد ابن سلمة والثورى والشافعى واحمد بن حنبل وفضيل بن عياض وأبى سليمان الدارانى ومعروف الكرخى والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التسترى وغير هؤلاء ويستحلون دماء من خرج عنهم ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور كما يسميه المتفلسفة ونحوهم بذلك وكما تسميه المعتزلة مذهب الحشو والعامة واهل الحديث ويرون فى اهل الشام ومصر والحجاز والمغرب واليمن والعراق والجزيرة وسائر بلاد الأسلام انه لا يحل نكاح هؤلاء ولا ذبائحهم وأن المائعات التى عندهم من المياة والأدهان وغيرها نجسة ويرون ان كفرهم اغلظ من كفر اليهود والنصارىلأن أولئك عندهم كفار أصليون وهؤلاء مرتدون وكفرالردة أغلظ بالاجماع من الكفر الأصلى
    ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين فيعاونون التتار على الجمهور وهم كانوا من أعظم الأسباب فى خروج جنكزخان ملك الكفار الى بلاد الأسلام وفى قدوم هولاكو الى بلاد العراق وفى اخذ حلب ونهب الصالحية وغير ذلك بخبثهم ومكرهم لما دخل فيه من توزر منهم للمسلمين وغير من توزر منهم وبهذا السبب نهبوا عسكر المسلمين لما مر عليهم وقت انصرافه الى مصر فى النوبة الأولى وبهذا السبب يقطعون الطرقات على المسلمين وبهذا السبب ظهر فيهم من معاونة التتار والافرنج على المسليمن والكآبة الشديدة بانتصار الاسلام ما ظهر وكذلك لما فتح المسلمون ساحل عكة وغيرها ظهر فيهم من الانتصار للنصارى وتقديمهم على المسلمين ما قد سمعه الناس منهم وكل هذا الذى وصفت بعض امورهم وإلا فالأمر أعظم من ذلك وقد اتفق أهل العلم بالأحوال ان اعظم السيوف التى سلت على أهل القبلة ممن ينتسب اليها وأعظم الفساد الذى جرى على المسلمين ممن ينتسب الى أهل القبلة انما هو من الطوائف المنتسبة اليهم فهم أشد ضررا على الدين وأهله وأبعد عن شرائع الاسلام من الخوارج الحروية ولهذا كانوا اكذب فرق الامة فليس فى الطوائف المنتسبة الى القبلة اكثر كذبا ولا اكثر تصديقا للكذب وتكذببا للصدق منهم وسيما النفاق فيهم اظهر منه فى سائر الناس وهى التى قال فيها النبى صلى الله عليه وسلم :( آية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان ) وفى رواية : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) وكل من جربهم يعرف اشتمالهم على هذه الخصال ولهذا يستعملون التقية التى هى سيما المنافقين واليهود ويستعملونها مع المسلمين يقولون بالسنتهم ما ليس فى قلوبهم ويحلفون ما قالوا وقد قالوا ويحلفون بالله ليرضوا المؤمنين والله ورسوله احق ان يرضوه
    وقد أشبهوا اليهود فى أمور كثيرة لا سيما السامرة من اليهود فإنهم أشبه بهم من سائر الأصناف يشبهونهم فى دعوى الإمامة فى شخص أو بطن بعينه والتكذيب لكل من جاء بحق غيره يدعونه وفى إتباع الأهواء أو تحريف الكلم عن مواضعه وتأخيرالفطر وصلاة المغرب وغير ذلك وتحريم ذبائح غيرهم
    ويشبهون النصارى فى الغلو فى البشر والعبادات المبتدعة وفى الشرك وغير ذلك
    وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين وهذه شيم المنافقين قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) وقال تعالى : ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما إتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) وليس لهم عقل ولا نقل ولا دين صحيح ولا دنيا منصورة وهم لا يصلون جمعة ولا جماعة والخوارج كانوا يصلون جمعة وجماعة وهم لا يرون جهاد الكفار مع أئمة المسلمين ولا الصلاة خلفهم ولا طاعتهم فى طاعة الله ولا تنفيذ شيء من أحكامهم لإعتقادهم أن ذلك لا يسوغ إلا خلف إمام معصوم ويرون أن المعصوم قد دخل فى السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة وهو إلى الآن لم يخرج ولا رآه أحد ولا علم أحدا دينا ولا حصل به فائدة بل مضرة ومع هذا فالإيمان عندهم لا يصح إلا به ولا يكون مؤمنا إلا من آمن به ولا يدخل الجنة إلا أتباعه مثل هؤلاء الجهال الضلال من سكان الجبال والبوادى أو من إستحوذ عليهم بالباطل مثل إبن العود ونحوه ممن قد كتب خطه مما ذكرناه من المخازى عنهم وصرح بما ذكرناه عنهم وبأكثر منه
    وهم مع هذا الأمر يكفرون كل من آمن بأسماء الله وصفاته التى فى الكتاب والسنة وكل من آمن بقدر الله وقضائه فآمن بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وأنه خالق كل شىء وأكثر محققيهم عندهم يرون أن أبا بكر وعمر وأكثر المهاجرين والأنصار وأزواج النبى مثل عائشة وحفصة وساتر أئمة المسلمين وعامتهم ما آمنوا بالله طرفة عين قط لأن الإيمان الذى يتعقبه الكفر عندهم يكون باطلا من أصله كما يقوله بعض علماء السنة ومنهم من يرى أن فرج النبى الذى جامع به عائشة وحفصة لابد أن تمسه النار ليطهر بذلك من وطىء الكوافر على زعمهم لأن وطء الكوافر حرام عندهم ومع هذا يردون أحاديث رسول الله الثابتة المتواترة عنه عند أهل العلم مثل أحاديث البخارى ومسلم ويرون أن شعر شعراء الرافضة مثل الحميرى وكوشيار الديلمى وعمارة اليمنى خيرا من أحاديث البخارى ومسلم وقد رأينا فى كتبهم من الكذب والإفتراء على النبى وصحابته وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب فى كتب أهل الكتاب من التوارة والإنجيل
    وهم مع هذا يعطلون المساجد التى أمر الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه فلا يقيمون فيها جمعة ولا جماعة ويبنون على القبور المكذوبة وغير المكذوبة مساجد يتخذونها مشاهد وقد لعن رسول الله من إتخذ المساجد على القبور ونهى أمته عن ذلك وقال قبل أن يموت بخمس : (ان من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فأنى أنهاكم عن ذلك ) ويرون أن حج هذه المشاهد المكذوبة وغير المكذوبة من أعظم العبادات حتى أن من مشائخهم من يفضلها على حج البيت الذى أمر الله به ورسوله ووصف حالهم يطول
    فبهذا يتبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء وأحق بالقتال من الخوارج وهذا هو السبب فيما شاع فى العرف العام أن أهل البدع هم الرافضة فالعامة شاع عندها أن ضد السنى هو الرافضى فقط لأنهم أظهر معاندة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرائع دينه من سائر أهل الأهواء وأيضا فالخوارج كانوا يتبعون القرآن بمقتضى فهمهم وهؤلاء إنما يتبعون الإمام المعصوم عندهم الذى لا وجود له فمستند الخوارج خير من مستندهم وأيضا فالخوارج لم يكن منهم زنديق ولا غال وهؤلاء فيهم من الزندقة والغالية من لا يحصية إلا الله وقد ذكر اهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ فإنه أظهر الإسلام وأبطن اليهودية وطلب أن يفسد الإسلام كما فعل بولص النصرانى الذى كان يهوديا فى إفساد دين النصارى
    وأيضا فغالب أئمتهم زنادقة إنما يظهرون الرفض لأنه طريق إلى هدم الإسلام كما فعلته أئمة الملاحدة الذين خرجوا بأرض أذربيجان فى زمن المعتصم مع بابك الخرمى وكانوا يسمون الخرمية و المحمرة والقرامطة الباطنية الذين خرجوا بأرض العراق وغيرها بعد ذلك وأخذوا الحجر الأسود وبقى معهم مدة كأبى سعيد الجنابى وأتباعه والذين خرجوا بأرض المغرب ثم جاوزوا الى مصر وبنوا القاهرة وادعوا أنهم فاطميون مع اتفاق أهل العلم بالأنسان أنهم بريئون من نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نسبهم متصل بالمجوس واليهود واتفاق أهل العلم بدين رسول الله أنهم أبعد عن دينه من اليهود والنصارى بل الغالية الذي يعتقدون إلهية علي والأئمة ومن اتباع هؤلاء الملاحدة أهل دور الدعوة الذين كانوا بخراسان والشام واليمن وغير ذلك
    وهؤلاء من أعظم من أعان التتار على المسلمين باليد واللسان بالمؤازرة والولاية وغير ذلك لمباينة قولهم لقول المسلمين واليهود والنصارى ولهذا كان ملك الكفار هولاكو يقرر أصنامهم وأيضا فالخوارج كانوا من أصدق الناس وأوفاهم بالعهد وهؤلاء من أكذب الناس وأنقضهم للعهد
    وأما ذكر المستفتى أنهم يؤمنون بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهذا عين الكذب بل كفروا مما جاء به بما لا يحصيه الا الله فتارة يكذبون بالنصوص الثابتة عنه وتارة يكذبون بمعانى التنزيل وما ذكرناه وما لم نذكره من مخاريهم يعلم كل احد أنه مخالف لما بعث الله به محمدا صلىالله عليه وسلم فان الله قد ذكر فى كتابه من الثناء على الصحابة والرضوان عليهم والاستغفار لهم ما هم كافرون بحقيقته وذكر فى كتابه من الامر بالجمعة والامر بالجهاد وبطاعة أولى الامر ما هم خارجون عنه وذكر فى كتابه من موالاة المؤمنين وموادته ومؤاخاتهم والاصلاح بينهم ما هم عنه خارجون وذكر فى كتابه من النهى عن موالاة الكفار وموادتهم ما هم خارجون عنه وذكر فى كتابه من تحريم دماء المسلمين واموالهم وأعراضهم وتحريم الغيبة والهمز واللمز ما هم أعظم الناس استحلالا له وذكر فى كتابه من الامر بالجماعة والائتلاف والنهى عن الفرقة والاختلاف ما هم أبعد الناس عنه وذكر فى كتابه من طاعة رسول الله ومحبته واتباع حكمه ما هم خارجون عنه وذكر في كتابه من حقوق أزواجه ما هم برآء منه وذكر فى كتابه من توحيده واخلاص الملك له وعبادته وحده لا شريك له ما هم خارجون عنه فانهم مشركون كما جاء فيهم الحديث لأنهم أشد الناس عظيما تعظيما للمقابر التى اتخذت أوثانا من دون الله وهذا باب يطول وصفه وقد ذكر فى كتابه من أسمائه وصفاته ما هم كافرون به وذكر فى كتابه من قصص الأنبياء والنهى عن الاستغفار للمشركين ما هم كافرون به وذكر فى كتابه من أنه على كل شىء قدير وأنه خالق كل شىء وأنه ما شاء الله ولا قوة الا بالله ما هم كافرون به ولا تحتمل الفتوى الا الاشاره المختصرة
    ومعلوم قطعا ان ايمان الخوارج بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ايمانهم فاذا كان أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه قد قتلهم ونهب عسكره ما فى عسكرهم من الكراع والسلاح والأموال فهؤلاء أولى أن يقاتلوا وتؤخذ أموالهم كما فعل أمير المؤمنين على بن أبي طالب ....... ) الفتاوى 28/468-4685

    ثانيا : حكم العمليات الاستشهادية :
    إن المتمعن في كلام الشيخ المقدسي _ حفظه الله _ في حكم العمليات الاستشهادية لايجده مخالفا لما قرره أهل العلم الذين يجيزون هذا النوع من القتال أمثال الشيخ يوسف العييري _ رحمه الله _ والشيخ الخضير والشيخ العلوان _حفظهم الله_ وغيرهم فهم يجيزون هذه العمليات إذا دعت لذلك الضرورة ومنهم من يسميها المصلحة فالخلاف بينهم ليس في مشروعية هذه العمليات ولكن الخلاف يدور حول تحديد الضرورة أوالمصلحة لهذه العملية أو تلك لا في أصل مشروعيتها .
    فالشيخ المقدسي قاس هذه العمليات بمسألة التترس بالمسلمين المشهورة وهي اتخاذ العدو طائفة من المسلمين كدروع بشرية يحمي بها نفسه من أسلحة المجاهدين .
    وهذه المسألة لها الصورتان الآتيتان :
    الصورة الأولى : صورة وجود ضرورة لضرب العدو :
    وهذه الصورة ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى مشروعيتها وإن أدى ذلك لقتل الدروع البشرية من المسلمين دون قصد لقتلهم
    الصورة الثانية : صورة عدم وجود ضرورة لضرب الأعداء :
    اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
    القول الأول : عدم جواز هذه الصورة وهو رأي الأكثرية
    القول الثاني : هو جواز هذه الصورة لئلا لا يؤدي لاغلاق باب الجهاد
    قلت : ومعلوم أن تحديد الضرورة أو المصلحة إنما يعود للقائد الميداني الذي يقود تلك المعارك ضد أعداء الله في كل زمان ومكان . قال الشيخ يوسف العييري _ رحمه الله _ : (والضرورة المقصودة التي تجيز استهداف الكافرين حتى لو تترسوا بالمسلمين : هي أن يهجم العدو على المسلمين فيقتل منهم أكثر ممن تترس بهم ، أو يستبيح أرض المسلمين ويدخل ديارهم أو أن يخشى على المسلمين أن يحاط بهم أو يستأصلوا أو يهزموا ، إذا امتنعوا وكفوا عن القتال لأجل المتترس بهم ، والضرورة يقدرها أمير المسلمين في وقته ومن له السلطان في بدء الحرب وإيقافها فهو يرى ويعرف مالا يعرفه آحاد الناس أو البعيدين وليس الخبر كالمعاينة . ) من رسالة هل انتحرت حواء وهي من أفضل الرسائل التي كتبت في هذ الباب

    وأختم هذه المسألة بفتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي _ رحمه الله _ وهو ممن يتفق على علمه وفضله
    سئل فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي _ رحمه الله _
    يقوم المجاهدون في فلسطين والشيشان وغيرهما من بلاد المسلمين بجهاد أعدائهم والإثخان بهم بطريقة تسمى العمليات الاستشهادية .. وهذه العمليات هي ما يفعله المجاهدون من إحاطة أحدهم بحزام من المتفجرات، أو ما يضع في جيبه أو أدواته أو سيارته بعض القنابل المتفجرة ثم يقتحم تجمعات العدو ومساكنهم ونحوها ، أو يظهر الاستسلام لهم ثم يقوم بتفجير نفسه بقصد الشهادة ومحاربة العدو والنكاية به .
    فما حكم مثل هذه العمليات ؟ وهل يعد هذا الفعل من الانتحار ؟ وما الفرق بين الانتحار والعمليات الاستشهادية ؟ جزاكم الله خيرا وغفر لكم ..
    الجواب ..
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
    قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن تعلم أن مثل هذه العمليات المذكورة من النوازل المعاصرة التي لم تكن معروفة في السابق بنفس طريقتها اليوم ، ولكل عصر نوازله التي تحدث فيه ، فيجتهد العلماء على تنـزيلها على النصوص والعمومات والحوادث والوقائع المشابهة لها والتي أفتى في مثلها السلف ، قال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقال عليه الصلاة والسلام عن القرآن : ( فيه فصل ما بينكم ) ، وان العمليات الاستشهادية المذكورة عمل مشروع وهو من الجهاد في سبيل الله إذا خلصت نية صاحبه وهو من انجح الوسائل الجهادية ومن الوسائل الفعّالة ضد أعداء هذا الدين لما لها من النكاية وإيقاع الإصابات بهم من قتل أو جرح ولما فيها من بث الرعب والقلق والهلع فيهم ،ولما فيها من تجرئة المسلمين عليهم وتقوية قلوبهم وكسر قلوب الأعداء والإثخان فيهم ولما فيها من التنكيل والإغاضة والتوهين لأعداء المسلمين وغير ذلك من المصالح الجهادية .
    ويدل على مشروعيتها أدلة من القرآن والسنة والإجماع ومن الوقائع والحوادث التي تنـزّل عليها وردت وأفتى فيها السلف كما سوف نذكره إن شاء الله .
    أولا : الأدلة من القرآن :
    _1منها قوله تعالى : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ) ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أنزلوها على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ،
    2- قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون .. ) الآية ، قال ابن كثير رحمه الله : حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله .
    3- قوله تعالى : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم .
    4- قال تعالى في الناقضين للعهود : ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون (

    ثانيا : الأدلة من السنة :
    1- حديث الغلام وقصته معروفة وهي في الصحيح ، حيث دلهم على طريقة قتله فقتلوه شهيدا في سبيل الله ، وهذا نوع من الجهاد ، وحصل نفع عظيم ومصلحة للمسلمين حيث دخلت تلك البلاد في دين الله ، إذ قالوا : آمنا برب الغلام ، ووجه الدلالة من القصة أن هذا الغلام المجاهد غرر بنفسه وتسبب في ذهابها من أجل مصلحة المسلمين ، فقد علّمهم كيف يقتلونه ، بل لم يستطيعوا قتله إلا بطريقة هو دلهم عليها فكان متسبباً في قتل نفسه ، لكن أُغتفر ذلك في باب الجهاد ، ومثله المجاهد في العمليات الاستشهادية ، فقد تسبب في ذهاب نفسه لمصلحة الجهاد ، وهذا له أصل في شرعنا ، إذ لو قام رجل واحتسب وأمر ونهى واهتدى الناس بأمره ونهيه حتى قتل في ذلك لكان مجاهدا شهيدا ، وهو مثل قوله عليه الصلاة والسلام :( افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر (
    2- فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة ، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوة على العدو فقاتل حتى فتح الباب ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل وفي تفسير القرطبي( 9 / 44 ) أسد الغابة (( 2 / 364 )
    3- حمل سلمة بن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( خير رجّالتنا سلمة ) متفق عليه.، قال ابن النحاس : وفي الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون اهـ مشارع الأشواق 1 / 540
    4- ما فعله هشام بن عامر الأنصاري لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، مصنف ابن أبي شيبة
    5- حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في المشارع( 1 /545 (
    6- فعل عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في المشارع ( 1 / 555) .
    7- نقل البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف . فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل .
    8- قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل . متفق عليه

    ثالثا : الإجماع :
    نقل ابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 / 588 ) عن المهلب قوله : قد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ، ونقل عن الغزالي في الإحياء قوله : ولا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل .
    ونقل النووي في شرح مسلم الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد ، ذكره في غزوة ذي قرد ( 12 / 187 (
    هذه الحوادث السبع السابقة مع ما نُقل من الإجماع هي المسألة التي يسميها الفقهاء في كتبهم مسألة حمل الواحد على العدو الكثير ، وأحيانا تسمى مسألة الانغماس في الصف ، أو مسألة التغرير بالنفس في الجهاد .
    قال النووي في شرح مسلم باب ثبوت الجنة للشهيد ( 13 / 46 ) قال : فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء . اهـ ، ونقل القرطبي في تفسيره جوازه عن بعض علماء المالكية ( أي الحمل على العدو ) حتى قال بعضهم : إن حمل على المائة أو جملة العسكر ونحوه وعلم وغلب على ظنه أنه يقتل ولكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا ، ونقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قال : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، تفسير القرطبي ( 2 / 364 (
    ووجه الاستشهاد في مسألة الحمل على العدو العظيم لوحده وكذا الانغماس في الصف وتغرير النفس وتعريضها للهلاك أنها منطبقة على مسألة المجاهد الذي غرر بنفسه وانغمس في تجمع الكفار لوحده فأحدث فيهم القتل والإصابة والنكاية .

    وقائع وحوادث تنـزل عليها العمليات الاستشهادية :

    أولا : مسألة التترس :
    فيما لو تترس جيش الكفار بمسلمين واضطر المسلمون المجاهدون حيث لم يستطيعوا القتال إلا بقتل التُرس من المسلمين جاز ذلك ، قال ابن تيمية في الفتاوى ( 20 / 52 ) ( 28 / 537، 546) قال : ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم .. اهـ ، وقال ابن قاسم في حاشية الروض ( 4/271 ) قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار وهذا بلا نزاع . اهـ
    ووجه الدلالة في مسألة التترس لما نحن فيه أنه يجوز للتوصل إلى قتل الكفار أن نفعل ذلك ولو كان فيه قتل مسلم بسلاح المسلمين وأيدي المسلمين ، وجامع العلة والمناط أن التوصل إلى قتل العدو والنكاية به إنما يكون عن طريق قتل التُرس من المسلمين فحصل التضحية ببعض المسلمين المتترس بهم من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، وهذا أبلغ من إذهاب المجاهد نفسه من العمليات الاستشهادية من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، بل إن قتل أهل التُرس من المسلمين أشد لأن قتل المسلم غيره أشد جرما من قتل المسلم لنفسه ، لأن قتل الغير فيه ظلم لهم وتعدٍ عليهم فضرره متعد وأما قتل المسلم نفسه فضرره خاص به ولكن اُغتفر ذلك في باب الجهاد وإذا جاز إذهاب أنفس مسلمة بأيدي المسلمين من أجل قتل العدو فإن إذهاب نفس المجاهد بيده من أجل النكاية في العدو مثله أو أسهل منه ، فإذا كان فعل ما هو أعظم جرما لا حرج في الإقدام عليه فبطريق الأولى ألا يكون حرجا على ما هو أقل جرما إذا كان في كليهما المقصد هو العدو والنكاية لحديث : إنما الأعمال بالنيات .
    وفي هذا رد على من قال في مسألة الانغماس والحمل على العدو أن المنغمس يُقتل بأيدي الكفار وسلاحهم ! فنقول ومسألة التترس يقتل بأيدي المسلمين وسلاحهم ومع ذلك لم يعتبروا قتل المسلمين المتترس بهم من باب القتل الذي جاء الوعيد فيه .

    ثانيا : مسألة البيات :
    ويقصد بها تبيت العدو ليلا وقتله والنكاية فيه وإن تضمن ذلك قتل من لا يجوز قتله من صبيان الكفار ونسائهم ، قال ابن قدامة : يجوز تبييت العدو ، وقال أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، وقال : لا نعلم أحداً كره البيات . المغني مع الشرح ( 10 / 503 ) .
    ووجه الدلالة أنه إذا جاز قتل من لا يجوز قتله من أجل النكاية في العدو وهزيمته فيقال : وكذلك ذهاب نفس المجاهد المسلم التي لا يجوز إذهابها لو ذهبت من أجل النكاية جائز أيضا ، ونساء الكفار وصبيانهم في البيات قتلوا بأيدي من لا يجوز له فعله لولا مقاصد الجهاد والنيات .
    الخلاصة ..
    دل ما سبق على أنه يجوز للمجاهد التغرير بنفسه في العملية الاستشهادية وإذهابها من أجل الجهاد والنكاية بهم ولو قتل بسلاح الكفار وأيديهم كما في الأدلة السابقة في مسألة التغرير والانغماس ، أو بسلاح المسلمين وأيديهم كما في مسألة التترس أو بدلالةٍ تسبب فيها إذهاب نفسه كما في قصة الغلام ، فكلها سواء في باب الجهاد لأن باب الجهاد لما له من مصالح عظيمة اُغتفر فيه مسائل كثيرة لم تغتفر في غيره مثل الكذب والخداع كما دلت السنة ، وجاز فيه قتل من لا يجوز قتله ، وهذا هو الأصل في مسائل الجهاد ولذا أُدخلت مسألة العمليات الاستشهادية من هذا الباب .
    أما مسألة قياس المستشهد في هذه العمليات الاستشهادية بالمنتحر فهذا قياس مع الفارق ، فهناك فروق بينهما تمنع من الجمع بينهما ، فهناك فرق بين المنتحر الذي يقتل نفسه جزعا وعدم صبر أو تسخطا على القدر أو اعتراضا على المقدور واستعجالا للموت أو تخلصا من الآلام والجروح والعذاب أو يأسا من الشفاء بنفس خائفة يائسة ساخطة في غير ما يرض الله وبين نفس المجاهد في العملية الاستشهادية بنفس فرحة مستبشرة متطلعة للشهادة والجنة وما عند الله ونصرة الدين والنكاية بالعدو والجهاد في سبيله لا يستوون، قال تعالى ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) وقال تعالى ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) وقال تعالى ) فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون (
    نسأل الله أن ينصر دينه ويعز جنده ويكبت عدوه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    مما سبق يتبين لنا أن الخلاف في هذه المسألة هو خلاف في الظاهر وأما في حقيقة الأمر فهم متفقون على جواز هذه العمليات إذا دعت الضرورة أو سمها المصلحة التي يراها القائد الميداني والله أعلم

    ثالثا : ما نسب للشيخ المقدسي _ حفظه الله _ من وصفه لبلاد الرافدين بالمحرقة :

    إن من القواعد المتفق عليها عند علماء النقد أن العبارات المجملة التي تحتمل أكثر من معنى وتحتمل الحق والباطل لايحكم عليها بالصواب أو الخطأ إلا بعد الوقوف على مراد صاحبها قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ : ( والأصل الذي يجب على المسلمين أن ما ثبت عن الرسول وجب الإيمان به فيصدق خبره ويطاع أمره وما لم يثبت عن الرسول فلا يجب الحكم فيه بنفى ولا إثبات حتى يعلم مراد المتكلم ويعلم صحة نفيه أو إثباته
    وأما الألفاظ المجملة فالكلام فيها بالنفى والإثبات دون الإستفصال يوقع في الجهل والضلال والفتن والخبال والقيل والقال وقد قيل أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء ) منهاج السنة النبوية 2/ 216-217
    وقال ابن تيمية أيضا : ( ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق ولا قصور أو تقصير في بيان الحق ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل ففي إثباتها إثبات حق وباطل وفي نفيها نفي حق وباطل فيمنع من كلا الإطلاقين بخلاف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب إتباعه فيثبتون ما أثبته الله ورسوله وينفون ما نفاه الله ورسوله ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها نفيا وإثباتا لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الإستفسار والتفصيل فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفى باطله بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه ) درء التعارض 1/ 76
    وانطلاقا من هذه القاعدة لا بد أن نقف على مراد أبي محمد المقدسي من هذه العبارة إذ أنها حمالة أوجه مختلفة قبل الحكم عليها بالحق أو الباطل .
    وقد منَّ الله علي مؤخرا باللقاء مع الشيخ المقدسي مرتين وتكلمت معه حول الجهاد في العراق بمحضر من بعض الإخوة ويمكنني أن ألخص ما دار فيها من كلام في النقاط الآتية والتي نستطيع في ضوءها أن نقف على مراد الشيخ من وصف أرض الرافدين بالمحرقة :
    إن الجهاد في العراق جهاد مشروع وهو من باب جهاد العدو الصائل وأن الذين يقومون بالجهاد هم من خيرة هذه الأمة
    1. إن الأخوة في العراق لهم اجتهادات يرونها مناسبة للواقع الذي يعيشونه كما نص على ذلك أيضا في البيان الذي أصدره في الرد عما نشر في الصحف الأردنية عنه
    2. إن للشيخ اجتهادات وآراء في بعض الصور والحالات قد يخالف فيها الأخوة في أرض المعركة وقد بينها في رسالة وقفات مع ثمرات الجهاد وهذه الاجتهادات تحتمل الخطأ والصواب ولا تنتقص من قدر الجهاد وأهله
    3. إن الشيخ يرى أن لا ندخل الكوادر العلمية النادرة والكوادر العسكرية الفذة الموجودة في بلاد الرافدين في كل معركة يمكن أن يقوم بها غيرهم وقد ضرب لذلك مثلا بالشيخ المجاهد أبي أنس الشامي _ تقبله الله في الشهداء_ وقال الأصل إنه لم يشارك في معركة السجن ولا سيما أن هناك من يقوم بذلك بدلا منه وما ذكره الشيخ المقدسي يشبه ما ذكره أبو أنس _ رحمه الله _ من منع المجاهدين للشيخ أبي مصعب من المشاركة بالنفس في معركة الفلوجة الأولى حفاظا عليه وضنا به من أن يصاب بأذى
    4. إن الشيخ يرى أن لا نفرغ الساحات الإسلامة من الكوادر والطاقات التي تحمل هم هذا الدين وتعمل على إعادة دولة الخلافة ما دام يوجد من يقوم مقامها في أرض المعركة فإن المعركة مع أعداء الله معركة طويلة الأمد وهذه الساحات هي الممول لساحات الجهاد بالرجال والمال

    قلت : في ضوء هذه النقاط يمكننا أن نقول : إن الشيخ المقدسي _ فرج الله عنه _ لم يرد من إطلاق وصف المحرقة ثني الشباب عن الجهاد في العراق فإنه يرى أن الجهاد في العراق من باب دفع العدو الصائل وقد أرسل ابنه عمر لجهاد أعداء الله ولم يرد بهذه الكلمة الطعن في المجاهدين بل هو يصفهم بأنهم من صفوة هذه الأمة في هذا الزمان وأنهم أبطال ونحو ذلك ولم يرد بذلك نصرة أعداء الله أو ادخال السرور على قلوبهم كما هو شأن علماء السوء وأذناب الطواغيت كما بين ذلك الشيخ أبو مصعب _ نصره الله _ بقوله : ( إنني قد أشك في نفسي ولكن لست ممن يشك لحظه في دينك ) .



    المسألة السادسة: ليس منا من لا يعرف قدر العلماء الربانيين :
    إن معرفة قدر العلماء الربانيين وانزالهم منازلهم التي أكرمهم الله بها من شعائر هذا الدين ومن صفات عباد الله الصادقين عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ) رواه أحمد وحسنه الهيثمي وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم ) ذكره مسلم في مقدمة الصحيح وصححه الحاكم في معرفة علوم الحديث
    فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم من شهداء الله على وحدانيته وخلقه وهم منارات العلم ومصابيح الدجى فلا ينقص من قدر أحدهم الخطأ والزلة ولا يوجب ذلك الوقوع في أعراضهم فإن ذلك هو الهلاك قال الحافظ ابن عسا كر _ رحمه الله _ في تبيين كذب المفتري ص: 29 ( اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم والتناول لأعراضهم بالزور والإفتراء مرتع وخيم والاختلاق على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم )
    وإن مما لا يختلف فيه أحد من أهل الانصاف أن الشيخ المقدسي _ فرج الله عنه _ من طلبة العلم الربانيين الذين بذلوا العلم والوقت والجهد لنشر التوحيد والكفر بالطاغوت في زمن الغربة الذي نعيشه ويكفيه شهادة الشيخ أبي مصعب _ نصره الله _ فيه حيث قال : (وقبل الختام لا بد من القول: بان الشيخ المقدسي حفظه الله ممن يحفظ لهم حقهم وبلاؤهم ، وهو ممن يحسن الظن به، وهو أولى الناس بالمعذرة وإقالة العثرة ،ولا أظن موحدا في هذا الزمان إلا وللشيخ عليه فضل ،فلا يعني إن جانب الصواب في مسألة ما أن يحط من قدره وعلمه وحفظ سابقته وبلائه ، ولولا خطورة ما تكلّم به الشيخ ،وما سيترتب عليه من آثار سيئة على الجهاد والمجاهدين لم يكن هذا الرد .
    أسال الله أن يعفو عنا وعنه, وأن يغفر لنا وله ,وأن يختم لنا وله بالحسنى , وألا يجعل لأعدائه علينا وعليه سبيلاً. )
    فإذا كان الشيخ المقدسي بهذه المنزلة فلننزله بها ولنعرف له قدره ولنكف ألسنتنا عن الوقوع في عرضه ولنفوت الفرصة على أعداء الله وأذنابهم من تفريق صف الجماعة المجاهدة ولنحافظ على وحدة صفها ولننصرها باليد والمال واللسان ولا نشمت بنا الأعداء .

    وفي ختام هذه الرسالة أنصح كل أخ مسلم له اتصال بالشيخين _ حفظهما الله _ أن يعمل على تأليف القلوب وتطيب النفوس وتوحيد الصف نصرة لدين الله وإغاظة لأعداء الله فإن يد الله ورحمته مع الجماعة وعذاب الله وغضبه مع الفرقة والتنازع .
    وأقول لكل من يعمل على شق الصف وإفساد ذات البين اتق الله في نفسك وإخوانك من المسلمين فقد روى الترمذي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال : صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) قال الترمذي : هذا حديث ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين .
    وروى البيهقي في شعب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أخبركم بخياركم وشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال خياركم الذين إذا رأوا ذكر الله عز وجل وشراركم المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت )

    وأخيرا نسأل الله تبارك وتعالىأن يجمع صف المسلمين وأن يوحد كلمتهم وأن ينصر أخواننا المجاهدين في سبيله في بلاد الرافدين وأفغانستان وغيرهما من أرض الجهاد والرباط ....


    آمين آمين آمين
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

    كتبه
    أبو الزهراء الأثري
    مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
    كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

  • #2
    جزاك الله وعافاك اخوي ابو مصعب المقدسي علي موضوعك القيم وتقبل الله منك صالح الاعمال وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك

    دمت بحفظ الرحمن
    إن لله عباداً فطنا .. طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
    نظروا فيها فلما علموا .. أنها ليست لحييٍ وطنا
    جعلوها لجةً واتخذوا .. صالح الأعمال فيها سفنا

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك اخي وجزاك الله كل خير على نقل هذة المواضيع ونساله ان يجعلها في ميزان حسناتك

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم

        بارك الله فيكم أخوتي في الله على هذا المرور والرد الطيب...
        مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
        كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

        تعليق


        • #5
          جزااااااااكم الله كل خير أخوتي
          القناعة كنز لا يفنى

          تعليق


          • #6
            قال لي الشيخ المقدسي _حفظه الله_ في لقاء معه: ( والله إني أدعو الله لأبي مصعب أن ينصره الله ويحفظه أكثر مما أدعو لنفسي ولابني )

            أكثر ما اعجبني في مقالك اخي الفاضل هذه الجملة
            ما شاء الله ما شاء الله على فقه الاختلاف بين المجاهدين
            نرجو من الله ان يعلمني ويعلم كل موحد فقه الاختلاف واحترام الاجتهادات والاراء

            رحمك الله يا شيخنا الزرقاوي وفك الله أسرك شيخنا المقدسي
            تحياتي لكم
            التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عماد; الساعة 01-04-2007, 10:28 AM.

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم

              بارك الله فيك أخي في الله أبو القعقاع على هذا المرور والكلام الطيب وجزاك الله خير الجزاء.....
              مما قال أسد الاسلام الشيخ أسامة بن لادن
              كما و أني أطمئن أهلي في فلسطين خاصة بأننا سنوسع جهادنا بإذن الله , ولن نعترف بحدود سايكس بيكو , ولا بالحكام الذين وضعهم الاستعمار , فنحن والله ما نسيناكم بعد أحداث الحادي عشر , وهل ينسى المرء أهله ؟

              تعليق


              • #8
                بارك الله فيك و جزاك الله خيرا

                تعليق


                • #9
                  بارك الله فيك و جزاك الله خيرا

                  تعليق

                  يعمل...
                  X