بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ,وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم أما بعد:
الحديث العاشر
عَنْ نُعَيْمِ الْمُجْمِرِ عَنْ أبيِ هريرة رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَهُ قَالَ: "إنَّ أمتي يُدْعَون يومَ القيَامةِ غُرُّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الْوُضُوءِ، فَمن استطَاَعَ مِنْكُمْ أن يُطِيلَ غرَّتَهُ[1] فَلْيَفْعَلْ.
وفي لفظ آخر: رَأيْتُ أبَا هُريرةَ يتوضأ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيهِ حَتى كَادَ يَبْلُغُ المَنْكِبَينِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْن، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إن أمتي يُدْعَوْنَ يَوْم القِيَامَةِ غرا مُحَجلِين من آثار الوُضُوءِ، فمَنِ اسْتَطَاَعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيل غرته وَتَحْجيلَهُ فَلْيَفْعَل ".
وفي لفظ لمسلم: سَمِعْتُ خليلي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " تبلغ الحِلْيَةُ من الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ ".
1- "يدعون" : مبنى للمجهول، ينادَوْن نداء تشريف وتكريم.
2- "غرّاً" : بضم الغين وتشديد الراء، جمع " أغر " أصلها لمعة بيضاء في جبهة الفرس، فأطلقت على نور وجوههم.
3- "محجلين " : من " التحجيل " وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا: النور الكائن في هذه الأعضاء يوم القيامة، تشبيها بتحجيل الفرس.
4- "الوضوء" : بضم الواو هو الفعل .
5- "من آثار الوضوء" : علهّ للغرة، والتحجيل.في هذا الحديث شرف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عن باقي الأمم ,حيث يدعون يوم القيامة تتلألأ وجوههم وأيديهم وأرجلهم نورا كريما. لعظم عبادة الوضوء التي قاموا بها ولفضلها .
وذكر المصنف رحمه الله لنعيم لأنه انفرد بذكر الإدراج في الحديث ,حيث قال بعد روايته للحديث : لا أدرى قوله : " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة ؟. ثم إن نعيم المجمر يروي ما شاهده من أبي هريرة رضي الله عنه .فروى أن رآه يتوضأ ، وفي رواية أنه رآه توضأ على ظهر المسجد .
الخلاف في إطالة الغرة:اختلف العلماء في مجاوزة حد الفرض للوجه واليدين والرجلين للوضوء , وذهبوا إلى عدة أقوال ,كما يلي:
1- قال الجمهور باستحباب ذلك عملا بهذا الحديث. على اختلاف في قدر الحد المستحب.
2- وذهب مالك ورواية عن أحمد، إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض، واختاره شيخ الإسلام " ابن تيمية "، و" ابن القيم ", وعللوا قولهم بما يلي:
1. أن مجاوزة حد الفرض عبادة تحتاج إلى دليل, والحديث لا يدل على ذلك, وعمل أبي هريرة رضي الله عنه ليس عليه دليل وإنما هو ما فهمه من الحديث .
2. أن الراجح في قول : " فمن استطاع... الخ " بأنها مدرجة من كلام أبي هريرة رضي الله عنه.
3. لو سلمنا بهذا لاقتضى أن نتجاوز الوجه إلى شعر الرأس، وهو لا يسمى غرة، فيكون متناقضاً. والحلية: هي الزينة التي يحلى بها أهل الجنة، فقد ذكر الله أنهم: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [فاطر:33]، فمعناه أن أهل الجنة يحلون -يلبسون- حلياً للزينة وللكرامة، وتلك الحلي تكون في اليد وفي العضد ونحو ذلك، فالحلية تكون إلى منتهى الوضوء، فاستحب بعض العلماء أنه إذا توضأ يغسل بعض العضد ويغسل بعض الساق حتى يكون البياض أكثر.
4. لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فهم هذا الفهم وتجاوز بوضوئه محل الفرض، بل نقل عن أبي هريرة أنه كان يستتر خشية من استغراب الناس لفعله.
5. إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، وما كان ليترك الفاضل في كل مرة من وضوئه. وقال في الفتح: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روي هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه.
6. الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين والكعبين، وهى من أواخر القرآن نزولا وإليك نص كلام "ابن القيم" في كتابه حادي الأرواح، قال: "أخرجا في الصحيحين والسياق لـ "مسلم" عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال يا بني فروخ [2] أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضـد وإطالته.
وتطويل التحجيل، وممن استحبه بعض الحنفية والشافعية والحنابلة وقد اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الوجه والمرفقين والكعبين، ثم قال : " فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم فهذا يرد قولهم ".
ولذا فإن الصحيح أنه لا يستحب وهو قول أهل المدينة، وورد فيه عن أحمد روايتان.والحديث لا يدل على الإطالة، فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم، لا في العضد والكتف.
وأما قوله: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بَين ذلك غير واحد من الحفاظ.وفي مـسند الإمام أحمد في هذا الحديث، قال نعيم: فلا أدرى قوله : " من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو شيء قاله أبو هريرة من عنده.
ونقل الإمام النووي عن القاضى عياض أنه قال ك وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدي به إذا ترخص في أمر لضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهبا شذّ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم . هذا كلام القاضى ، والله أعلم .المراد "بأمتي":
الأمة في العموم تنقسم إلى قسمين :
1-أمة الإجابة: وهم من استجابوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم.2- أمة دعوة : وهي كل ما عدا أمة الإجابة من مشركين ووثنين ويهود وحتى نصارى , كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم .والمقصود بـ " الأمة " في هذا الحديث هي أمة الإجابة .
بدليل أنه صلى الله عليه وسلم أتى على أهل المقبرة فقال : (سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . ثم قال : وددت أنا قد رأينا إخواننا . فقالوا : يا رسول الله ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض . فقالوا : يا رسول الله ، كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك ؟ قال : أرأيت لو أن رجلا كان له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل بهم دهم ، ألم يكن يعرفها ؟ قالوا : بلى . قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غُـرّاً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ) رواه مسلم .فضل الوضوء
جاء في فضل الوضوء أحديث كثيرة نذكر منها:1-قال عليه الصلاة والسلام : (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره) . رواه مسلم .
2-وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقيا من الذنوب) . رواه مسلم .
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن) . رواه أحمد وغيره .
لا يترك الوضوء إلا من ترك الصلاة.
إن من يترك الوضوء القادر عليه من المكلفين لا يكون من المصلين , لأن الصلاة لا تكون إلا بوضوء عدا أهل الأعذار .
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، وهذه صفة المصلين . فَبِمَ يُعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان ؟فأجاب – رحمه الله – :
الحمد لله رب العالمين هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغرّ محجّـلا ، وهم الذين يتوضؤون للصلاة ، وأما الأطفال فهم تبع للرجال ، وأما من لم يتوضأ قط ، ولم يُصِلّ ، فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة . انتهى .هذا وقد وصلنا إلى نهاية الباب بفضله تعالى ونعمته. والحمدلله.
تنبيه:
سيكون بعد أسبوعين بإذن الله من تاريخ اليوم أول اختبار نهائي للباب السابق .
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
--------------------------------------------------------------------------------------------
[1] هذه رواية أحمد، وفى الصحيحين أيضاً وتحجيله.
[2] قال الليث: بلغنا أن فروخ كان من ولد إبراهيم عليه السلام، بعد إسحاق و إسماعيل، فكثر نسله ونما عدده، فولد العجم الذين في وسط البلاد . هكذا حكاه الأزهري عنه .
.
لتحميل الدرس اتبع الروابط التالية
صيغة Word
http://www.sawtaljihad.org/omda/as-lesson10.doc
صيغة Pdf
http://www.sawtaljihad.org/omda/as-lesson10.pdf
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ,وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم أما بعد:
الحديث العاشر
عَنْ نُعَيْمِ الْمُجْمِرِ عَنْ أبيِ هريرة رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَهُ قَالَ: "إنَّ أمتي يُدْعَون يومَ القيَامةِ غُرُّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الْوُضُوءِ، فَمن استطَاَعَ مِنْكُمْ أن يُطِيلَ غرَّتَهُ[1] فَلْيَفْعَلْ.
وفي لفظ آخر: رَأيْتُ أبَا هُريرةَ يتوضأ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيهِ حَتى كَادَ يَبْلُغُ المَنْكِبَينِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْن، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إن أمتي يُدْعَوْنَ يَوْم القِيَامَةِ غرا مُحَجلِين من آثار الوُضُوءِ، فمَنِ اسْتَطَاَعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيل غرته وَتَحْجيلَهُ فَلْيَفْعَل ".
وفي لفظ لمسلم: سَمِعْتُ خليلي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " تبلغ الحِلْيَةُ من الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ ".
1- "يدعون" : مبنى للمجهول، ينادَوْن نداء تشريف وتكريم.
2- "غرّاً" : بضم الغين وتشديد الراء، جمع " أغر " أصلها لمعة بيضاء في جبهة الفرس، فأطلقت على نور وجوههم.
3- "محجلين " : من " التحجيل " وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا: النور الكائن في هذه الأعضاء يوم القيامة، تشبيها بتحجيل الفرس.
4- "الوضوء" : بضم الواو هو الفعل .
5- "من آثار الوضوء" : علهّ للغرة، والتحجيل.في هذا الحديث شرف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عن باقي الأمم ,حيث يدعون يوم القيامة تتلألأ وجوههم وأيديهم وأرجلهم نورا كريما. لعظم عبادة الوضوء التي قاموا بها ولفضلها .
وذكر المصنف رحمه الله لنعيم لأنه انفرد بذكر الإدراج في الحديث ,حيث قال بعد روايته للحديث : لا أدرى قوله : " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة ؟. ثم إن نعيم المجمر يروي ما شاهده من أبي هريرة رضي الله عنه .فروى أن رآه يتوضأ ، وفي رواية أنه رآه توضأ على ظهر المسجد .
الخلاف في إطالة الغرة:اختلف العلماء في مجاوزة حد الفرض للوجه واليدين والرجلين للوضوء , وذهبوا إلى عدة أقوال ,كما يلي:
1- قال الجمهور باستحباب ذلك عملا بهذا الحديث. على اختلاف في قدر الحد المستحب.
2- وذهب مالك ورواية عن أحمد، إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض، واختاره شيخ الإسلام " ابن تيمية "، و" ابن القيم ", وعللوا قولهم بما يلي:
1. أن مجاوزة حد الفرض عبادة تحتاج إلى دليل, والحديث لا يدل على ذلك, وعمل أبي هريرة رضي الله عنه ليس عليه دليل وإنما هو ما فهمه من الحديث .
2. أن الراجح في قول : " فمن استطاع... الخ " بأنها مدرجة من كلام أبي هريرة رضي الله عنه.
3. لو سلمنا بهذا لاقتضى أن نتجاوز الوجه إلى شعر الرأس، وهو لا يسمى غرة، فيكون متناقضاً. والحلية: هي الزينة التي يحلى بها أهل الجنة، فقد ذكر الله أنهم: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [فاطر:33]، فمعناه أن أهل الجنة يحلون -يلبسون- حلياً للزينة وللكرامة، وتلك الحلي تكون في اليد وفي العضد ونحو ذلك، فالحلية تكون إلى منتهى الوضوء، فاستحب بعض العلماء أنه إذا توضأ يغسل بعض العضد ويغسل بعض الساق حتى يكون البياض أكثر.
4. لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فهم هذا الفهم وتجاوز بوضوئه محل الفرض، بل نقل عن أبي هريرة أنه كان يستتر خشية من استغراب الناس لفعله.
5. إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، وما كان ليترك الفاضل في كل مرة من وضوئه. وقال في الفتح: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روي هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه.
6. الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين والكعبين، وهى من أواخر القرآن نزولا وإليك نص كلام "ابن القيم" في كتابه حادي الأرواح، قال: "أخرجا في الصحيحين والسياق لـ "مسلم" عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال يا بني فروخ [2] أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضـد وإطالته.
وتطويل التحجيل، وممن استحبه بعض الحنفية والشافعية والحنابلة وقد اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الوجه والمرفقين والكعبين، ثم قال : " فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم فهذا يرد قولهم ".
ولذا فإن الصحيح أنه لا يستحب وهو قول أهل المدينة، وورد فيه عن أحمد روايتان.والحديث لا يدل على الإطالة، فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم، لا في العضد والكتف.
وأما قوله: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بَين ذلك غير واحد من الحفاظ.وفي مـسند الإمام أحمد في هذا الحديث، قال نعيم: فلا أدرى قوله : " من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو شيء قاله أبو هريرة من عنده.
ونقل الإمام النووي عن القاضى عياض أنه قال ك وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدي به إذا ترخص في أمر لضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهبا شذّ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم . هذا كلام القاضى ، والله أعلم .المراد "بأمتي":
الأمة في العموم تنقسم إلى قسمين :
1-أمة الإجابة: وهم من استجابوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم.2- أمة دعوة : وهي كل ما عدا أمة الإجابة من مشركين ووثنين ويهود وحتى نصارى , كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم .والمقصود بـ " الأمة " في هذا الحديث هي أمة الإجابة .
بدليل أنه صلى الله عليه وسلم أتى على أهل المقبرة فقال : (سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . ثم قال : وددت أنا قد رأينا إخواننا . فقالوا : يا رسول الله ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض . فقالوا : يا رسول الله ، كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك ؟ قال : أرأيت لو أن رجلا كان له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل بهم دهم ، ألم يكن يعرفها ؟ قالوا : بلى . قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غُـرّاً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ) رواه مسلم .فضل الوضوء
جاء في فضل الوضوء أحديث كثيرة نذكر منها:1-قال عليه الصلاة والسلام : (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره) . رواه مسلم .
2-وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقيا من الذنوب) . رواه مسلم .
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن) . رواه أحمد وغيره .
لا يترك الوضوء إلا من ترك الصلاة.
إن من يترك الوضوء القادر عليه من المكلفين لا يكون من المصلين , لأن الصلاة لا تكون إلا بوضوء عدا أهل الأعذار .
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، وهذه صفة المصلين . فَبِمَ يُعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان ؟فأجاب – رحمه الله – :
الحمد لله رب العالمين هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغرّ محجّـلا ، وهم الذين يتوضؤون للصلاة ، وأما الأطفال فهم تبع للرجال ، وأما من لم يتوضأ قط ، ولم يُصِلّ ، فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة . انتهى .هذا وقد وصلنا إلى نهاية الباب بفضله تعالى ونعمته. والحمدلله.
تنبيه:
سيكون بعد أسبوعين بإذن الله من تاريخ اليوم أول اختبار نهائي للباب السابق .
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
--------------------------------------------------------------------------------------------
[1] هذه رواية أحمد، وفى الصحيحين أيضاً وتحجيله.
[2] قال الليث: بلغنا أن فروخ كان من ولد إبراهيم عليه السلام، بعد إسحاق و إسماعيل، فكثر نسله ونما عدده، فولد العجم الذين في وسط البلاد . هكذا حكاه الأزهري عنه .
.
لتحميل الدرس اتبع الروابط التالية
صيغة Word
http://www.sawtaljihad.org/omda/as-lesson10.doc
صيغة Pdf
http://www.sawtaljihad.org/omda/as-lesson10.pdf
تعليق