إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى"



    الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية



    قسم الإعلام التوعوي



    :: يقدم ::



    سلسلة


    "الهداية في أحاديث البداية"



    للشيخ أبي الحارث الأنصاري - حفظه الله



    يسر إخوانكم فى الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية أن يقدموا لكم سلسلة " الهداية فى أحاديث البداية " وإخوانكم فى الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية يهيبون بالأخوة المسلمين وأنصار الجهاد عامة وإخواننا فى أرض الرباط خاصة أن يحرصوا على متابعة هذه السلسلة لما فيها من علم وفير وفوائد ونصائح لمن أراد أن يضع قدمه على طريق البداية , نسأل الله تعالى أن يجزى كاتبها خير الجزاء , وأن ينفع قارئها إنه ولى ذلك والقادر عليه ....



    الحلقة التاسعة


    "وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى"



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله والرحمة والرضوان على الصحب والآل ثم أما بعد:


    الطبيعي والمألوف أن يدعو صاحب الرسالة الناس لرسالته، بتوحيد العبادة، ونبذ الشركاء، والدعوة لمكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، ترغيباً بما عند الله للمؤمنين، وترهيباً للعاصين، لذا جاء الأمر الرباني لكل الأنبياء والرسل بدعوة الناس إلى عبادة رب الناس، وهذا الأمر جاء على مراتب،


    يُلخصها الإمام ابن القيم في الزاد فقال: وَلَهَا –أي الدعوة- مَرَاتِبُ:


    الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: النّبُوّةُ.


    الثّانِيَةُ: إنْذَارُ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ.


    الثّالِثَةُ: إنْذَارُ قَوْمِهِ.


    الرّابِعَةُ: إنْذَارُ قَوْمٍ مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِهِ وَهُمْ الْعَرَبُ قَاطِبَةً.


    الْخَامِسَةُ: إنْذَارُ جَمِيعِ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْسِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ.


    وَأَقَامَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ يَدْعُو إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ مُسْتَخْفِيًا ثُمّ نَزَلَ عَلَيْهِ: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ"[الْحَجَر: 94]، فَأَعْلَنَ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -بِالدّعْوَةِ وَجَاهَرَ قَوْمَهُ بِالْعَدَاوَةِ وَاشْتَدّ الْأَذَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتّى أَذِنَ اللّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَتَيْنِ.


    وقد قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدعوته بمراتبها على أكمل وجه، فدعا أهل بيته وقرابته وقومه والطوائف والقبائل، يذهب بنفسه الشريفة لهم، يعظهم ويذكرهم، ويطلب النُصرة حتى يبلغ رسالة ربه، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ومنهم من سكت وانتظر ما تؤول إليه الحال فيكون مع المنتصر، ومنهم من ناصب العداء...
    هذا هو المتوقع في عرض كل دعوة، ولكن...


    ليس كل من أسلم سار على نفس المعهود، أن يدعوه رسول الله فيستجيب له، نعم حدث هذا وتكرر في دعوة أمثال الصديق وخديجة وعلي، وغيرهم كثير ممن أسلم، ومع ذلك فقد جاء في أسباب إسلام آخرين ما يُثير العجب، فإسلامهم جاء بطريقة عكسية أو إن شئنا قلنا بدأوا من النهاية، وهذا ما يجب أن يُسلط عليه الضوء، لئلا يقع دعاة العمل الإسلامي، فيما عاتب الله عليه نبيه في حديث الأعمى، حين طمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إسلام القوم، وهو المأمور -صلى الله عليه وسلم- بدعوتهم، فجاء البيان الرباني: "وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى"، لذا كان لابد من إعادة دراسة أسباب الإسلام، ليتعرف العامل على بعض أسباب الالتحاق، لأنه سيواجه هذه الحقيقة لا محالة، زُهد المدعوين بالدعوة، ومجيء رجال لم يُدعوا يوما، لذا نطرح نظرية: "مجيء من يسعى"، لتكون عوناً لرجال الدعوة والعمل لئلا ينصب الأمر فقط عند دعوة الناس للالتحاق، بل يتعداه في أناس علم الله في قلوبهم الخير فساق إليهم الإيمان كآسية التي أتى الله بموسى إلي بيتها، وحديثها في موضع آخر، فالأمر ينصب في دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-...


    والمقصود أن دراسة أسباب التحاق بعض الرجال بالإسلام، جاء على غير دعوة خاصة من الرسول لهم، بل جاءت الرحمة الربانية بهم، فساقتهم أسباب أرضية مادية للعمل الإسلامي، فوجدوا أنفسهم مسلمين، فانطلقوا للعمل...


    ومنهم من تهيأت عندهم الأسباب للالحتاق، كسبق الخزرج لليهود في إتباع النبي الذي كانت تخوفهم به، أو رجاءهم وأملهم أن يُوحد الدين الجديد بين الأخوة في المدينة...


    لذا جاءت الدعوة لكل عامل، ألا يتوقف عند أسباب العمل من دعوة الناس والصبر عليهم حتى يؤمنوا، بل يكون بالتوجه إلى الله بالعمل، والله سبحانه يُقدر النتائج بحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه، فهناك أناس جاءوا يسعون ويبحثون عن الإسلام، جاءوا ليلتحقوا بالإسلام، جاءوا لينطلقوا من خلال الإسلام للعمل، وهي الدعوة المقصودة بحديثنا، فتح أبواب الالتحاق لرجال أرادوا الحق فأرادهم وقصدوا الهدى فوجدهم، لم تدخل عليهم الدعوة قراهم، بل جاءوا يتهادون للإسلام، منهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، الذي بقي منتظراً لظهور الإسلام فأرسل من يتحرى له الخبر ثم التحق، في البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَخِيهِ ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي فَانْطَلَقَ الْأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ فَقَالَ مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَعْرِفُهُ وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ فَاضْطَجَعَ فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَمْسَى فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ فَأَقَامَهُ فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ لَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَادَ عَلِيٌّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَأَقَامَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ قَالَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنِّي فَعَلْتُ فَفَعَلَ فَأَخْبَرَهُ قَالَ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي فَفَعَلَ فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ...


    وليقاتل العامل، وليأسر، وليرجئ القتل، فإنَّ مِنْ أسراه من يستجديه ليقتله، وفي قلبه أكبر الأمل أن يدعه ليعود مسلماً موحداً، وثمامة شاهد على نفسه، وعلى من سيأتي من بعده، فقد جاء للدين يسعى، منعه الكبر، وأن يُقال أسلم تحت ظل السيف، وحين خُلي سبيله، جاء يسعى، في الصحيحين واللفظ للأول عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ.


    وليعجب العامل من انتقال الرجال إليه غضباً وحمية وعصبية، ليس اعتناقاً للفكرة ولا اعتقاداً للمبدأ، بقدر ما هي ثورة غضب ساقت الرجال للالتحاق، و"حمزة" في هذا الموضع في الموضع الأنبل، مثل يجري على مر الزمان، وغيره كثير، جاء يسعى تدفعه الحمية الجاهلية، والعصبية القبيلة للانتصار لشخص الرسول – صلى الله عليه وسلم-، لم يجد بداً من ذلك، فجاء يسعى، في مستدرك الحاكم عن ابن إسحاق أن أبا جهل اعترض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الصفا، فآذاه وشتمه وقال فيه ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادي قريش، وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركا على دين قومه، فجاءته المولاة وقد قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرجع إلى بيته، فقالت له: يا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفاً وجده ها هنا، فآذاه وشتمه، وبلغ ما يكره، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم ولم يكلم محمدا، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته، فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع، يريد الطواف بالبيت متعمدا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة مملوءة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا صبأت، فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي ذلك منه، أنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا، ومر حمزة على إسلامه...


    ثم لتعلم أيها العامل أن هناك أناس علموا الأديان جلها، وطافوا الطوائف كلها، فتركوها بانتظارك، لأن زمنك قد أهل، وهم على علم ودراية بقرب مجيئك، فإنَّ سلمان قد ذاق في سبيل الوصول للحق ما لا يصدقه عقل، ولولا أنه عدل غير متهم، لقلنا ذاك ضرب من خيال بل هو الشئ المحال، ولكن ما الغرابة في أقوام جاءوا يسعون للحق، تركوا الباطل وأهله وانتقلوا للمفضول في انتظار الفاضل، فلما أهل هلاله كانوا على إثره من المهتدين، إنه "سلمان" طليعة قوم يبحثون عن الحق، فكن صاحبه يكونوا أتباعه، يُمثلهم سلمان وهم في كل زمان، عند ابن هشام في السيرة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ حَدّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ، وَأَنَا أَسْمَعُ مِنْ فِيهِ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبّ خَلْقِ اللّهِ إلَيْهِ لَمْ يَزَلْ بِهِ حُبّهُ إيّايَ حَتّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ وَاجْتَهَدْت فِي الْمَجُوسِيّةِ حَتّى كُنْتُ قَطْنَ النّارِ قَالَ وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيّ إنّي قَدْ شُغِلْت فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ إلَيْهَا فَاطّلَعَهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ثُمّ قَالَ لِي: وَلَا تَحْتَبِسُ عَنّي فَإِنّك إنْ احْتَبَسْتَ عَنّي كُنْت أَهَمّ إلَيّ مِنْ ضَيْعَتِي ، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي، قَالَ فَخَرَجْت أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ الّتِي بَعَثَنِي إلَيْهَا ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النّصَارَى ، فَسَمِعْت أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلّونَ وَكُنْت لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إيّايَ فِي بَيْتِهِ فَلَمّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ فَلَمّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْت فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْت: هَذَا وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْ الدّينِ الّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحْتُهُمْ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ وَتَرَكْت ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا ؛ ثُمّ قُلْت لَهُمْ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدّينِ ؟ قَالُوا: بِالشّامِ. فَرَجَعْت إلَى أَبِي ، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي ، وَشَغَلْته عَنْ عَمَلِهِ كُلّهِ فَلَمّا جِئْته قَالَ أَيْ بُنَيّ أَيْنَ كُنْتَ ؟ أَوَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إلَيْك مَا عَهِدْتُ ؟ قَالَ قُلْت لَهُ يَا أَبَتِ مَرَرْتُ بِأُنَاسٍ يُصَلّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ فَوَاَللّهِ مَا زِلْت عِنْدَهُمْ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ قَالَ أَيّ بُنَيّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدّينِ خَيْرٌ دِينُك وَدِينُ آبَائِك خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ قُلْت لَهُ كَلّا وَاَللّهِ إنّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، قَالَ فَخَافَنِي ، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا ، ثُمّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ.


    قَالَ وَبَعَثْت إلَى النّصَارَى فَقُلْت لَهُمْ إذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشّامِ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ . قَالَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشّامِ تُجّارٌ مِنْ النّصَارَى ، فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ فَقُلْت لَهُمْ إذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ فَآذَنُونِي بِهِمْ . قَالَ فَلَمّا أَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيّ ثُمّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمْتُ الشّامَ . فَلَمّا قَدِمْتُهَا ، قُلْتُ مَنْ أَفَضْلُ أَهْلُ هَذَا الدّينِ عِلْمًا ؟ قَالُوا : الْأُسْقُفُ فِي الْكَنِيسَةِ.


    قَالَ: فَجِئْته فَقُلْت لَهُ إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدّينِ فَأَحْبَبْتُ أَنّ أَكُونَ مَعَك، وَأَخْدُمُك فِي كَنِيسَتِك، فَأَتَعَلّمَ مِنْك، وَأُصَلّيَ مَعَك؛ قَالَ اُدْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ وَكَانَ رَجُلُ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصّدَقَةِ وَيُرَغّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ حَتّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْته يَصْنَعُ ثُمّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ النّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ فَقُلْت لَهُمْ إنّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُركُمْ بِالصّدَقَةِ وَيُرَغّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا، اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ فَقَالُوا لِي: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ ؟ قَالَ قُلْت لَهُمْ أَنَا أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ قَالُوا: فَدُلّنَا عَلَيْهِ قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا. قَالَ فَلَمّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاَللّهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا، قَالَ فَصَلَبُوهُ وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ.


    قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلّي الْخَمْسَ أَرَى أَنّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ وَأَزْهَدَ فِي الدّنْيَا، وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ، قَالَ فَأَحْبَبْته حُبّا لَمْ أُحِبّهُ شَيْئًا قَبْلَهُ، قَالَ فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إنّي قَدْ كُنْت مَعَك وَأَحْبَبْتُك حُبّا لَمْ أُحِبّهُ شَيْئًا قَبْلَك، وَقَدْ حَضَرَك مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللّهِ تَعَالَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ أَيْ بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَقَدْ هَلَكَ النّاسُ وَبَدّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إلّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلَانٌ وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ.


    قَالَ: فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِك، وَأَخْبَرَنِي أَنّك عَلَى أَمْرِهِ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إلَيْك، وَأَمَرَنِي بِاللّحُوقِ بِك، وَقَدْ حَضَرَك مِنْ أَمْرِ اللّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مِنْ تُوصِي بِي ؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ يَا بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنّا عَلَيْهِ إلّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ.


    فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْت بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَأَخْبَرْته خَبَرِي، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبُهُ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْته عَلَى أَمْرِ صَاحِبِيهِ. فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ فَوَاَللّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَلَمّا حُضِرَ قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ ثُمّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَيْك؛ قَالَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ يَا بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُك أَنْ تَأْتِيَهُ إلّا رَجُلًا بِعَمُورِيّةَ مِنْ أَرْضِ الرّومِ، فَإِنّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ فَإِنّهُ عَلَى أَمْرِنَا .


    فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُورِيّةَ، فَأَخْبَرْته خَبَرِي؛ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْت عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ عَلَى هُدَى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ. قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ ثُمّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللّهِ تَعَالَى، فَلَمّا حُضِرَ قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ ثُمّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَى تُوصِي بِي ؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ أَيْ بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنّا عَلَيْهِ مِنْ النّاسِ آمُرُك بِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ وَلَكِنّهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانُ نَبِيّ وَهُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ .


    قَالَ ثُمّ مَاتَ وَغُيّبَ وَمَكَثْت بِعَمُورِيّةَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ أَمْكُثَ ثُمّ مَرّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجّارٌ فَقُلْت لَهُمْ احْمِلُونِي إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ قَالُوا: نَعَمْ. فأعْطَيْتُهُمُوها وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ حَتّى إذَا بَلَغُوا وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي، فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيّ عَبْدًا، فَكُنْت عِنْدَهُ وَرَأَيْت النّخْلَ فَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِق فِي نَفْسِي، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ فَاحْتَمَلَنِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبُعِثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ بِمَكّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذكَرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرّقّ ثُمّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ لِسَيّدِي أَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيّدِي جَالِسٌ تَحْتِي، إذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمّ لَهُ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا فُلَانُ قَاتَلَ اللّهُ بَنِي قَيْلَةَ وَاَللّهِ إنّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنّهُ نَبِيّ.


    قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ - الرّعْدَةُ مِنْ الْبَرْدِ وَالِانْتِفَاضُ - حَتّى ظَنَنْتُ أَنّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيّدِي، فَنَزَلْت عَنْ النّخْلَةِ فَجَعَلْت أَقُولُ لِابْنِ عَمّهِ ذَلِكَ مَاذَا تَقُولُ؟ فَغَضِبَ سَيّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمّ قَالَ مَا لَك وَلِهَذَا ؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِك. قَالَ قُلْت: لَا شَيْءَ إنّمَا أَرَدْت أَنْ أَسْتَثْبِتَهُ عَمّا قَالَ.


    قَالَ: وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْته فَلَمّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمّ ذَهَبْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَقُلْت لَهُ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّك رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَك أَصْحَابٌ لَك غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ كَانَ عِنْدِي لِلصّدَقَةِ فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ فَقَرّبْته إلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا، وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ، قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، قَالَ ثُمّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْت شَيْئًا، وَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمّ جِئْته بِهِ فَقُلْت لَهُ إنّي قَدْ رَأَيْتُك لَا تَأْكُلُ الصّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ، قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَاتَانِ ثِنْتَانِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَدْ تَبِعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَلَيّ شَمْلَتَانِ لِي، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ ثُمّ اسْتَدَرْت أَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؛ فَلَمّا رَآنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْت إلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبّلُهُ وَأَبْكِي؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَوّلْ فَتَحَوّلْت فَجَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَصَصْت عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدّثْتُك يَا ابْنَ عَبّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسْمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ.



    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



    توضيح : فى نهاية السلسلة سيتم نشرها على هيئة كتاب إلكترونى إن شاء الله تعالى .


    ولا تنسونا من صالح دعائكم



    إخوانكم في


    قسم الإعلام التوعوي


    الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية


    رَصدٌ لأخبَار المُجَاهدِين وَ تَحرِيضٌ للمُؤمِنين

  • #2

    يعطيك العافية اخي وجزاك الله كل خير000وفي ميزان اعمالك يارب !

    تعليق


    • #3
      بارك الله بك , شكراً أخي الكريم
      #################
      اذا تكرر نفس التوقيع سيتم طردك من المنتدى المرة القادمة
      الادارة

      تعليق


      • #4

        تعليق


        • #5
          أيها العضو الصديق لا بأس أن تؤيد رأيك بالحجة و البرهان .....

          كما لا بأس أن تنقض أدلتي ، وتزييف مما تعتقد أنك مبطل له
          .....

          لكن هناك أمر لا أرضاه لك أبدا ما حييت ، ولا أعتقد أنه ينفعك
          ؟

          الشتم و السباب

          تعليق

          يعمل...
          X