محاسبة الصحابة والتابعين للحكام
كما جاء في ذلك، أي في محاسبة الحكام، آثار كثيرة عن الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة منها:
* خطبة أبي بكر، رضي الله عنه، التي اشتهرت في كتب التواريخ، والأدب، والفقه، عند توليه الخلافة. وشهرة الخطبة، وتلقي الأمة لها بالقبول تغني، إن شاء الله، عن دراسة اسانيدها. فمن ذلك ما أخرجه ابن سعد في طبقاته، قال: أخبرنا عبيد بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن عروة، قال: قال عبيد الله، أظنه عن أبيه، قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، أيها الناس: قد وليت عليكم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وسن النبي، صلى الله عليه وسلم، ... ) إلى أن قال: (أيها الناس: إنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني)، هذا مرسل جيد للغاية، تعضده رواية أخرى من طريق مستقل لابن سعد، قال: أخبرنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا أبي، قال: سمعت الحسن (أي البصري) يقول: لما بويع أبو بكر قال خطيباً، وذكر بعض خطبته إلى أن قال: (.. فإذا رأيتموني استقمت، فاتبعوني، وإن رأيتموني زغت فقوموني).
* قال الإمام عبد الله بن المبارك في الزهد والرقائق: أخبرنا سفيان بن عيينة عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشربة بن حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: (كيف تراني يا محمد؟)، فقال: (أراك والله كما أحب، وكما يُحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عادلاً في قسمه. ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف). فقال عمر: (هاه!). فقال: (ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف!). فقال: (الحمد الله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني!). موسى بن أبي عيسى الحناط الغفاري، أبوهارون المدني. ثقة لكنه لم يدرك أحداً من الصحابة.
* أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق في ترجمة بشير بن سعد ـ رضى الله عنه ـ من عدة طرق يقوي بعضها بعضاً أثراً عن عمر بن الخطاب، منها التالي: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا أبو الحسين بن النقور قال: أخبرنا أبو القاسم بن حبابة قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا مصعب بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني محمد بن النعمان أن النعمان بن بشير أخبره: [أن عمر بن الخطاب قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماكنتم فاعلين؟ فقال ذلك مرتين، أوثلاثاً: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماكنتم فاعلين؟ فقال بشير بن سعد: (لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح!)، فقال عمر: (أنتم إذاً أنتم!)]. هذا الأثر حسن صحيح الإسناد بذاته صالح للإحتجاج، وهو، قطعاً، في غاية الصحة بشواهده ومتابعاته، كما ستجد تفصيله في الملحق.
* الحوار الذي اشتهرت في كتب التواريخ، والأدب، بين عمر بن الخطاب، ورجل في المسجد، عندما خطب عمر: (...، إذا أحسنت فأعينوني، وإذا أسأت فقوموني)، فقام له الرجل فقال: (لو رأينا فيك اعوجاجاً، لقوّمناه بسيوفنا!)، فرد عمر: (الحمد لله الذي جعل في أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، من يقَوِّم عمر بسيفه!)، والصحابة حضور كثيرون، ولم ينكر عليه عمر، ولا أحد منهم عليه ذلك. ولم نجد هذا الأثر مسنداً، مع كثرة البحث، ولكنه مؤيد بالآثار القوية السابقة في جوهر معناه.
* وأخرج ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري قال: كان هشام بن حكيم يأمر بالمعروف، فكان عمر يقول، إذا بلغه الشيء: (أما ما عشت أنا وهشام فلا يكون ذلك!). وسيتبين فيما يأتي أن أكثر أمر هشام بالمعروف، ونهيه عن المنكر إنما هو للأمراء.
* وفي «فضائل الصحابة»: [حدثنا عبد الله قال حدثني أبو سعيد الأسدي عباد بن يعقوب قثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن موسى بن طريف عن عباية قال: قال علي: (أحاج الناس يوم القيامة بتسع: بإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية، والجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود، واشباهه)]
* وجاء في «الورع» لابن أبي الدنيا: [حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المرزوي قال سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول: (لا تملأوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة)]. قلت: هذا إسناد فيه رجال لم أعرفهم، ولكن لفظه يشبه ما هو معروف عن الإمام الحجة، التابعي الكبير، سعيد بن المسيب.
* وقال الحافظ في «تهذيب التهذيب» خلال ترجمة الإمام الحسن بن صالح الهمداني الثوري، بعد أن ذكر نقد بعضهم له لأنه: (كان يرى السيف): [وقولهم: (كان يرى السيف)، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم لكن أستقر الأمر على ترك ذلك، لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه ففي وقعة الحرة ووقعة بن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام. والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد. وأما ترك الجمعة ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلي خلف فاسق ولا يصحح ولاية الإمام الفاسق فهذا ما يعتذر به عن الحسن، وان كان الصواب خلافه، فهو إمام مجتهد!].
قلت: لسنا ها هنا بصدد مناقشة قضية «الخروج بالسيف» على أئمة الجور، وهل استقر الأمر فعلاً على خلاف ذلك، كما زعم الحافظ، رحمه الله، أم هناك تفصيل وتفريع يتعلق بإمكانية خلع الظالم بقتال يسير من غير قتنة تدوم، أي بما يشبه «ثورة القصر» أو «الإنقلاب العسكري»، الذي نص على جوازه، بل وربما وجوبه، كثير من الأئمة. نعم: لسنا بصدد ذلك ها هنا، بل قد فصلناه في غير هذا المكان (راجع الملحق الموسوم: «ولاية الفاسق» من كتابنا: «طاعة أولي الأمر: حدودها، وقيودها»، وهو منشور متداول)، وإنما أردنا أن نبرهن أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يحاسبون الحكام إلى درجة الخروج بالسيف.
فمن الصحابة: سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير الذي خرج في مكة بعد كارثة «الحرة» وبويع بالخلافة من أغلب المسلمين، وكاد الأمر أن يستقر له، وعبد الله بن عباس، وغيرهم، ممن بايع يوم الحرة أو بايع عبد الله بن الزبير.
ومن التابعين: كبار أبناء الصحابة في يوم «الحرة»، وكذلك من خرج مع الحسين وعبد الله بن الزبير، وبعد ذلك في ثورة ابن الأشعث، كبار علماء التابعين من أمثال: سعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.
ثم في الجيل التالي من كبار أتباع التابعين: الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، رضوان الله وسلامه عيهم، عندما ثار على هشام بن عبد الملك، وبعده بجيل واحد ثار محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية)، وأخوه إبراهيم، على أبي جعفر المنصور، الخليفة العباسي.
أما انتهاء أكثر تلك «الثورات» بالفشل، وما ترتب عليه من مصائب، فلا علاقة له بالحكم الشرعي عليها، لأن هذه قضية مستقلة. تماماً كما أن هزيمة خيار هذه الأمة الإسلامية من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في «أحد»، وما ترتب عليها من اجتراء المشركين على المسلمين حتى حاصروهم يوم الأحزاب، لا يجوز أن يستنبط منها حرمة أو كراهية جهاد الكفرة والمشركين، أو صد عدوان المعتدين، فها هنا كذلك.
والمقصود هنا هو إبطال مزاعم الدجاجلة من المدخليين والجاميين، وغيرهم من أدعياء السلفية الكذابين، أن السلف لم يكونوا يحتسبون على الحكام علناً، دع عنك الخروج بالسيف، أللهم إن كانوا يقصدون سلفهم من أحبار اليهود وكهنة النصارى، فلربما كان هذا صحيحاً، أما سلف هذه الأمة المحمدية فلا!
ابو مريم الاسمري
جزيرتنا الجديدة
كما جاء في ذلك، أي في محاسبة الحكام، آثار كثيرة عن الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة منها:
* خطبة أبي بكر، رضي الله عنه، التي اشتهرت في كتب التواريخ، والأدب، والفقه، عند توليه الخلافة. وشهرة الخطبة، وتلقي الأمة لها بالقبول تغني، إن شاء الله، عن دراسة اسانيدها. فمن ذلك ما أخرجه ابن سعد في طبقاته، قال: أخبرنا عبيد بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن عروة، قال: قال عبيد الله، أظنه عن أبيه، قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، أيها الناس: قد وليت عليكم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وسن النبي، صلى الله عليه وسلم، ... ) إلى أن قال: (أيها الناس: إنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني)، هذا مرسل جيد للغاية، تعضده رواية أخرى من طريق مستقل لابن سعد، قال: أخبرنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا أبي، قال: سمعت الحسن (أي البصري) يقول: لما بويع أبو بكر قال خطيباً، وذكر بعض خطبته إلى أن قال: (.. فإذا رأيتموني استقمت، فاتبعوني، وإن رأيتموني زغت فقوموني).
* قال الإمام عبد الله بن المبارك في الزهد والرقائق: أخبرنا سفيان بن عيينة عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشربة بن حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: (كيف تراني يا محمد؟)، فقال: (أراك والله كما أحب، وكما يُحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عادلاً في قسمه. ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف). فقال عمر: (هاه!). فقال: (ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف!). فقال: (الحمد الله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني!). موسى بن أبي عيسى الحناط الغفاري، أبوهارون المدني. ثقة لكنه لم يدرك أحداً من الصحابة.
* أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق في ترجمة بشير بن سعد ـ رضى الله عنه ـ من عدة طرق يقوي بعضها بعضاً أثراً عن عمر بن الخطاب، منها التالي: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا أبو الحسين بن النقور قال: أخبرنا أبو القاسم بن حبابة قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا مصعب بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني محمد بن النعمان أن النعمان بن بشير أخبره: [أن عمر بن الخطاب قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماكنتم فاعلين؟ فقال ذلك مرتين، أوثلاثاً: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماكنتم فاعلين؟ فقال بشير بن سعد: (لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح!)، فقال عمر: (أنتم إذاً أنتم!)]. هذا الأثر حسن صحيح الإسناد بذاته صالح للإحتجاج، وهو، قطعاً، في غاية الصحة بشواهده ومتابعاته، كما ستجد تفصيله في الملحق.
* الحوار الذي اشتهرت في كتب التواريخ، والأدب، بين عمر بن الخطاب، ورجل في المسجد، عندما خطب عمر: (...، إذا أحسنت فأعينوني، وإذا أسأت فقوموني)، فقام له الرجل فقال: (لو رأينا فيك اعوجاجاً، لقوّمناه بسيوفنا!)، فرد عمر: (الحمد لله الذي جعل في أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، من يقَوِّم عمر بسيفه!)، والصحابة حضور كثيرون، ولم ينكر عليه عمر، ولا أحد منهم عليه ذلك. ولم نجد هذا الأثر مسنداً، مع كثرة البحث، ولكنه مؤيد بالآثار القوية السابقة في جوهر معناه.
* وأخرج ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري قال: كان هشام بن حكيم يأمر بالمعروف، فكان عمر يقول، إذا بلغه الشيء: (أما ما عشت أنا وهشام فلا يكون ذلك!). وسيتبين فيما يأتي أن أكثر أمر هشام بالمعروف، ونهيه عن المنكر إنما هو للأمراء.
* وفي «فضائل الصحابة»: [حدثنا عبد الله قال حدثني أبو سعيد الأسدي عباد بن يعقوب قثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن موسى بن طريف عن عباية قال: قال علي: (أحاج الناس يوم القيامة بتسع: بإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية، والجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود، واشباهه)]
* وجاء في «الورع» لابن أبي الدنيا: [حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المرزوي قال سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول: (لا تملأوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة)]. قلت: هذا إسناد فيه رجال لم أعرفهم، ولكن لفظه يشبه ما هو معروف عن الإمام الحجة، التابعي الكبير، سعيد بن المسيب.
* وقال الحافظ في «تهذيب التهذيب» خلال ترجمة الإمام الحسن بن صالح الهمداني الثوري، بعد أن ذكر نقد بعضهم له لأنه: (كان يرى السيف): [وقولهم: (كان يرى السيف)، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم لكن أستقر الأمر على ترك ذلك، لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه ففي وقعة الحرة ووقعة بن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام. والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد. وأما ترك الجمعة ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلي خلف فاسق ولا يصحح ولاية الإمام الفاسق فهذا ما يعتذر به عن الحسن، وان كان الصواب خلافه، فهو إمام مجتهد!].
قلت: لسنا ها هنا بصدد مناقشة قضية «الخروج بالسيف» على أئمة الجور، وهل استقر الأمر فعلاً على خلاف ذلك، كما زعم الحافظ، رحمه الله، أم هناك تفصيل وتفريع يتعلق بإمكانية خلع الظالم بقتال يسير من غير قتنة تدوم، أي بما يشبه «ثورة القصر» أو «الإنقلاب العسكري»، الذي نص على جوازه، بل وربما وجوبه، كثير من الأئمة. نعم: لسنا بصدد ذلك ها هنا، بل قد فصلناه في غير هذا المكان (راجع الملحق الموسوم: «ولاية الفاسق» من كتابنا: «طاعة أولي الأمر: حدودها، وقيودها»، وهو منشور متداول)، وإنما أردنا أن نبرهن أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يحاسبون الحكام إلى درجة الخروج بالسيف.
فمن الصحابة: سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير الذي خرج في مكة بعد كارثة «الحرة» وبويع بالخلافة من أغلب المسلمين، وكاد الأمر أن يستقر له، وعبد الله بن عباس، وغيرهم، ممن بايع يوم الحرة أو بايع عبد الله بن الزبير.
ومن التابعين: كبار أبناء الصحابة في يوم «الحرة»، وكذلك من خرج مع الحسين وعبد الله بن الزبير، وبعد ذلك في ثورة ابن الأشعث، كبار علماء التابعين من أمثال: سعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.
ثم في الجيل التالي من كبار أتباع التابعين: الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، رضوان الله وسلامه عيهم، عندما ثار على هشام بن عبد الملك، وبعده بجيل واحد ثار محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية)، وأخوه إبراهيم، على أبي جعفر المنصور، الخليفة العباسي.
أما انتهاء أكثر تلك «الثورات» بالفشل، وما ترتب عليه من مصائب، فلا علاقة له بالحكم الشرعي عليها، لأن هذه قضية مستقلة. تماماً كما أن هزيمة خيار هذه الأمة الإسلامية من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في «أحد»، وما ترتب عليها من اجتراء المشركين على المسلمين حتى حاصروهم يوم الأحزاب، لا يجوز أن يستنبط منها حرمة أو كراهية جهاد الكفرة والمشركين، أو صد عدوان المعتدين، فها هنا كذلك.
والمقصود هنا هو إبطال مزاعم الدجاجلة من المدخليين والجاميين، وغيرهم من أدعياء السلفية الكذابين، أن السلف لم يكونوا يحتسبون على الحكام علناً، دع عنك الخروج بالسيف، أللهم إن كانوا يقصدون سلفهم من أحبار اليهود وكهنة النصارى، فلربما كان هذا صحيحاً، أما سلف هذه الأمة المحمدية فلا!
ابو مريم الاسمري
جزيرتنا الجديدة
تعليق