بدأت القصة بمهمة جهادية وانتهت بحصار تحت الأعماق دون ماء أو هواء أو طعام.
الحادثة تذكرنا بالرواية الشهيرة"رحلة إلى مركز الأرض" لكنها وقعت هنا شرق دير البلح، حيث العدو والمقاومة فالهدف واضح والغاية منشودة.
تحت الأرض
قبل أن يقدم الجيش الإسرائيلي على تنفيذ عملية عسكرية شرق دير البلح بيومين كانت المناوبة من نصيب المجاهد أبو بلال وقبيل التوغل انضم إليه أبو خليل، حيث تمركزا في أحد المنازل على "التبة 86 " واسمها هذا جاء من معركة قديمة استشهد فيها عدد كبير من الإخوان المسلمين.
لم تكف الأجهزة اللاسلكية الخاصة بكتائب القسام عن الحديث بينهما وبين القيادة فأنفاسهم هناك في غرفة العمليات كانت تحتبس وهم يتابعون العملية التي استغرق الإعداد لها شهورا طويلة.
اختار أبو خليل مقعدا بعيدا عن أبو بلال وهو يقول "العملية كانت كمين متقدم يستهدف القوات الخاصة والآليات فقمنا بتلغيم المنزل ومحيطه بالعبوات الأرضية والمضادة للأفراد وكانت خطتنا أن نفجرها في حال وصولهم للمنزل لأنها نقطة عبور حتمية لهم فإذا أخلوا الجرحى من الجنود نبدأ بتفجير البيت وكنا جاهزين للانطلاق بعدها وخوض اشتباك مع من يبقى، حيث كان لنا نفق فوهته داخل المنزل " .
واستخدم المقاومان نفقا يمتد من بئر للمياه قريب يؤدي إلى احد حجرات المنزل فإذا تم تفجير المنزل يتم الاحتماء بالنفق لمواصلة العملية وقد نجحت خطوتهم الأولى.
أما أبو بلال فقال"السيناريو الأول كان ساحة حرب حول المنزل ففي حال أسعفوا المصابين سواء من القوات الخاصة أو الآليات نفجر البيت ثم يخرج أبو خليل يضرب عليهم القذائف وأنا اشتبك بالسلاح الرشاش أما الاحتمال الثاني كان انتظار القوات الخاصة ثم تفجير عبوات خارجية وعندها يلجئوا للمنزل وسنقوم أيضا بتفجيره".
ومتابعة للخطة بدأ المجاهد أبو خليل باستهداف الآليات بالقذائف المضادة للدروع من أحد حجرات المنزل "شعروا بالخطر من ممرهم الحتمي فبدأت الآليات بالتجريف وبعد اشتباك تقدمت الآليات وشرعت في تدمير المنزل وبعد 15 دقيقة جاءت الأوامر بتفجير المنزل على 3 آليات وبالفعل تم تفجير طن من المتفجرات كانت بالداخل فأعطبت آلية وهربت 8 آليات بشكل جنوني".
بدأ الجيش في الوصول إلى قناعة بوجود أشخاص في محيط المنزل فتم محاصرته بـ8 آليات أخرى في حين لجأ المجاهدان إلى النفق ويضيف أبو بلال "لم يعرفوا بوجود نفق فجهزنا أنفسنا لخطوة التطهير واستهداف آليات جديدة والوحدات الخاصة وبعد 10 دقائق تعززت الآليات بعشر إضافية".
ولازالت ذاكرة أبو خليل خضراء بتفاصيل الحدث فمثل هذه التجربة لا تنسى حتى بمرور 20 عاماً, احتبست أنفاس الاثنين داخل النفق الضيق وهم يسمعون صوت المتفجرات التي تأخذ إشارة البدء من أصابعهم في الظلام بينما امتد تجريف الآليات حتى الساعة 12 ليلا بعد أن عجز الجيش عن تحديد مكانهم فأعادت الجرافات ترتيب الأرض المجعدة دون جدوى ثم استدعوا حفّارا ضخما "باقر" لاستئناف المهمة.
بين أسنان الحفار
أدى انفجار المنزل إلى انسداد فوهة النفق وانهيار كميات كبيرة من التراب والردم داخل النفق الذي لا يكفي لوقوف أي شخص فساد ظلام دامس منع المجاهدين من رؤية بعضهما البعض .
شرع الحفّار في ضرب أسنانه في الأرض فدخلت لعمق 8 أمتار ما تسبب في انهيار المزيد من التراب داخل النفق وبدأت الأنفاس تضيق والملابس تتلون بالتراب إضافة إلى سحابة كثيفة من الغبار المحشور داخل الممر الضيق عن ذلك قال أبو بلال "كنا نسمع طقطقة الخشب فوقنا والدبابات تقوم بمناورات فوق حتى ينهار النفق وعندما ضرب الحفّار الخشب بعمق ثار غبار شديد ولم يكن معنا أي إضاءة ولا حتى ماء أو هواء وطعام. " كانت كل ضربة تحصد معها سنوات من أعمارهم التي لم تتجاوز الثلاثين, إن خوفهم في تلك الساعة يشبه لحد كبير ما تصارعه عندما تلتقي بأفعى في حجرة نومك ماذا عساك تفعل؟!
بدا العالم في عيونهما خاليا سوى من صوت الآليات في الأعلى وموقفهما الصعب في الأسفل, نفذت بطاريات الهاتف الخلوي التي كانت تساعدهما أحيانا في إرسال واستقبال رسالة بعد الزحف لفوهة النفق المدمرة وأصبح الاثنان في انتظار الليل ليستأنفا الخطة الثانية "الخروج لاستهداف القوات الخاصة والاشتباك حتى الشهادة".
واصلت الجرافات والحفّار العمل وداخل النفق كان ينجو الاثنان كل دقيقة من ضربة قاتلة تقتحم عليهم الظلمة وتتسبب في انهيار المزيد من التراب والردم, المشهد كان مستنسخا عشرات المرات، لكن النتيجة كانت عجيبة حتى قامت الآليات بتجريف البئر "الفوهة الثانية للنفق" ما جعلهما في حفرة مسدودة الطرفين فطاشت أحلام الحصول على الهواء أو حتى النجاة.
محاولة فتح الهاتف الخلوي كانت تثير جنون الدبابة التي تهرع مع فتحه من بعيد وتربض فوق الهاتف تماما ولا يصرفها عن ذلك إلا فصل بطارية الخلوي!
بعد تجريف فوهة البئر انهارت الرمال بمسافة 2 متر للداخل لكن أحد أعمدة الباطون تعاطف مع الموقف فسقط بشكل عرضي ما حال دون انهيار مزيد من الرمال .
وصلت إشارة إلى الاثنين عبر وسيلة اتصال خاصة بالقيادة بالشروع في محاولة الخروج بأي شكل لاستهداف القوات الخاصة الموجودة حول النفق. حاولا إزالة التراب و تمكن أبو بلال أن ينظر من فتحة ضيقة جدا " وأضاف :"حاولت الصعود ورأيت عددا من الكلاب ورجعت لمكاني فورا وفي هذه اللحظة جاء الحفار وضرب سقف البئر –ينظر لصديقه- فانهار وأغلق النفق تماما ولم نعد نسمع سوى صوت اهتزاز الأرض ولم أتخيل بعدها أن نصمد دون أي مقوم من مقومات الحياة" .
البحث عن نفس
حاول الاثنان التفتيش عن الهواء ففكر أبو بلال الأقرب للفوهة المنهارة استخدام قطعة حديدية صغيرة للحفر "بدأت أحفر لنحصل على الهواء لكن دون جدوى حتى جاء الحفّار وضرب فوهة البئر مرة أخرى فازداد الأمر سوءاً عندها جاءتنا رسالة من القيادة انه تم كشف وتواصل انهيار التراب فحاولنا الاحتماء بملابسنا ونحن نشعر بفقدان الحياة "لم يكن يؤازرهما بعد الله سوى صوت قذائف الهاون التي يطلقها القسام في الأعلى .
سأل أبو خليل أبو بلال ما العمل ؟! فرد الثاني ليس لنا إلا الله, وعندما سألتهما عن حديثهما في تلك اللحظات أجابا إجابة واحدة "كنا نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار ما ظنك باثنين الله ثالثهما... لا تحزن إن الله معنا وكنا نردد يا من أنجيت يونس في بطن الحوت نجنا من الكرب كما تذكرنا موقف موسى عليه السلام حين أنجاه الله فأنزل الله علينا السكينة" .
لحظات الاحتضار
أوشك اليوم الأول على الانتهاء فضعفت الأصوات وفقدا الأمل في النجاة, لقد شرعا في الصلاة والذكر لأن النهاية اقتربت, مرّ شريط العمر ثقيلا على الذاكرة تقافزت صور الأهل والأصدقاء والطفولة والمدرسة.. تذكرا اللحظات الأولى للتدريب العسكري ورحلة الجهاد وصولا بالساعات الأولى للعملية التي انتهت في هذا المكان الذي لا يعرفه أحد.
دخل اليوم الثاني وهما بانتظار أمر الله, يتحلّى أبو خليل بهدوء وهو يتحدث "كانت لحظات صعبة استذكرت وتمنيت فيها أن أخرج وأقاتل حتى يتحقق قدر الله " أما أبو بلال فقال "جاء في مخيلتي أننا جئنا لتعزيز دين الله وأن الله اشترى ونحن بعنا وتذكرت أننا لم نخلق إلا لنقدم أغلى ما نملك وأن غربتنا في الله".
بدأت أصواتهم تسبح, فضَّل أبو بلال أن يصمت ساعاته الأخيرة مع الحياة وأن يصلي, لم يستطع أن يرى أبو خليل مع أنه خلفه مباشرة.
كان أبو خليل مصاب بعدة جروح دون أن يشعر، أما أبو بلال فكشف عن ساقه المصابة التي أنساه هول الموقف حالتها.
عن تلك الساعة قال أبو بلال"استدرت للقبلة وشرعت في الصلاة كنا نقدر الوقت تقديرات قلت في نفسي ليجرفوا المكان وأنا أصلي! لم أستطع مد جسدي بدأت بالتكبير وواصلت."
الحياة من كبد الموت
شعر أبو خليل باختناق كامل وعدم القدرة على الصمود، أما أبو بلال فتوقع 5 دقائق فقط ويموت بعدها وعند التاسعة صباحا اختفى صوت الآليات ويضيف: "اختفى الصوت فقلت: أبو خليل هل تسمع الآليات؟ وفجأة سمعت صوت أناس أحدهم يقول "بيعوض الله" حاولت أن أقترب من الفوهة المدمرة مددت أصابعي كانت فتحة صغيرة جدا، حيث جاء أحد المجاهدين فرأى أصابعي وصار ينادي لإحضار الجرافة".
مرت 10 دقائق كأنها 20 سنة وعندما شرعت الجرافة في العمل انهار التراب عليهما فحشرا تماما وبعد جهد جهيد تمكنت الجرافة من إزالة بعض الترب ثم ثارت سحابة من الغبار ولم يدر معها أبو بلال وأبو خليل إلا والأيادي تمتد وتنتشلهما من النفق المدمر.
"سجدنا سجدة شكر وقد استقبلنا مجاهدو القسام القادمين من القرارة فهم الأقرب لنا " كانت لحظة خروجهم أحياء مفاجئة كبرى هلل معها الناس من حولهم وكبروا وأطلق البعض النار في الهواء.
ويرى أبو خليل أن تلك التجربة كانت فريدة جدا" وأضاف:" بعد هذه التجربة أريد أن أكون في موقع هجوم وليس في موقع دفاع حتى أثخن في العدو لقد كان العمل في النفق طوال شهور جبار جدا".
ويترحم الاثنان عند ختام الحديث على الشهيد محمود أبو سمرة أحد منفذي عملية كرم أبو سالم الأخيرة، حيث شارك معهم في إعداد النفق ورابط طوال يومين على مئات الأمتار من منطقة التوغل.
إن 48 ساعة من الجهاد والصمود تحت الأرض تدعو الضباط الإسرائيليين ألا يطيلوا النظر في المرآة إلى بزاتهم العسكرية وقمصانهم المنشاة فهناك من أكثر منهم شجاعة ويعملون تحت الأرض.
الحادثة تذكرنا بالرواية الشهيرة"رحلة إلى مركز الأرض" لكنها وقعت هنا شرق دير البلح، حيث العدو والمقاومة فالهدف واضح والغاية منشودة.
تحت الأرض
قبل أن يقدم الجيش الإسرائيلي على تنفيذ عملية عسكرية شرق دير البلح بيومين كانت المناوبة من نصيب المجاهد أبو بلال وقبيل التوغل انضم إليه أبو خليل، حيث تمركزا في أحد المنازل على "التبة 86 " واسمها هذا جاء من معركة قديمة استشهد فيها عدد كبير من الإخوان المسلمين.
لم تكف الأجهزة اللاسلكية الخاصة بكتائب القسام عن الحديث بينهما وبين القيادة فأنفاسهم هناك في غرفة العمليات كانت تحتبس وهم يتابعون العملية التي استغرق الإعداد لها شهورا طويلة.
اختار أبو خليل مقعدا بعيدا عن أبو بلال وهو يقول "العملية كانت كمين متقدم يستهدف القوات الخاصة والآليات فقمنا بتلغيم المنزل ومحيطه بالعبوات الأرضية والمضادة للأفراد وكانت خطتنا أن نفجرها في حال وصولهم للمنزل لأنها نقطة عبور حتمية لهم فإذا أخلوا الجرحى من الجنود نبدأ بتفجير البيت وكنا جاهزين للانطلاق بعدها وخوض اشتباك مع من يبقى، حيث كان لنا نفق فوهته داخل المنزل " .
واستخدم المقاومان نفقا يمتد من بئر للمياه قريب يؤدي إلى احد حجرات المنزل فإذا تم تفجير المنزل يتم الاحتماء بالنفق لمواصلة العملية وقد نجحت خطوتهم الأولى.
أما أبو بلال فقال"السيناريو الأول كان ساحة حرب حول المنزل ففي حال أسعفوا المصابين سواء من القوات الخاصة أو الآليات نفجر البيت ثم يخرج أبو خليل يضرب عليهم القذائف وأنا اشتبك بالسلاح الرشاش أما الاحتمال الثاني كان انتظار القوات الخاصة ثم تفجير عبوات خارجية وعندها يلجئوا للمنزل وسنقوم أيضا بتفجيره".
ومتابعة للخطة بدأ المجاهد أبو خليل باستهداف الآليات بالقذائف المضادة للدروع من أحد حجرات المنزل "شعروا بالخطر من ممرهم الحتمي فبدأت الآليات بالتجريف وبعد اشتباك تقدمت الآليات وشرعت في تدمير المنزل وبعد 15 دقيقة جاءت الأوامر بتفجير المنزل على 3 آليات وبالفعل تم تفجير طن من المتفجرات كانت بالداخل فأعطبت آلية وهربت 8 آليات بشكل جنوني".
بدأ الجيش في الوصول إلى قناعة بوجود أشخاص في محيط المنزل فتم محاصرته بـ8 آليات أخرى في حين لجأ المجاهدان إلى النفق ويضيف أبو بلال "لم يعرفوا بوجود نفق فجهزنا أنفسنا لخطوة التطهير واستهداف آليات جديدة والوحدات الخاصة وبعد 10 دقائق تعززت الآليات بعشر إضافية".
ولازالت ذاكرة أبو خليل خضراء بتفاصيل الحدث فمثل هذه التجربة لا تنسى حتى بمرور 20 عاماً, احتبست أنفاس الاثنين داخل النفق الضيق وهم يسمعون صوت المتفجرات التي تأخذ إشارة البدء من أصابعهم في الظلام بينما امتد تجريف الآليات حتى الساعة 12 ليلا بعد أن عجز الجيش عن تحديد مكانهم فأعادت الجرافات ترتيب الأرض المجعدة دون جدوى ثم استدعوا حفّارا ضخما "باقر" لاستئناف المهمة.
بين أسنان الحفار
أدى انفجار المنزل إلى انسداد فوهة النفق وانهيار كميات كبيرة من التراب والردم داخل النفق الذي لا يكفي لوقوف أي شخص فساد ظلام دامس منع المجاهدين من رؤية بعضهما البعض .
شرع الحفّار في ضرب أسنانه في الأرض فدخلت لعمق 8 أمتار ما تسبب في انهيار المزيد من التراب داخل النفق وبدأت الأنفاس تضيق والملابس تتلون بالتراب إضافة إلى سحابة كثيفة من الغبار المحشور داخل الممر الضيق عن ذلك قال أبو بلال "كنا نسمع طقطقة الخشب فوقنا والدبابات تقوم بمناورات فوق حتى ينهار النفق وعندما ضرب الحفّار الخشب بعمق ثار غبار شديد ولم يكن معنا أي إضاءة ولا حتى ماء أو هواء وطعام. " كانت كل ضربة تحصد معها سنوات من أعمارهم التي لم تتجاوز الثلاثين, إن خوفهم في تلك الساعة يشبه لحد كبير ما تصارعه عندما تلتقي بأفعى في حجرة نومك ماذا عساك تفعل؟!
بدا العالم في عيونهما خاليا سوى من صوت الآليات في الأعلى وموقفهما الصعب في الأسفل, نفذت بطاريات الهاتف الخلوي التي كانت تساعدهما أحيانا في إرسال واستقبال رسالة بعد الزحف لفوهة النفق المدمرة وأصبح الاثنان في انتظار الليل ليستأنفا الخطة الثانية "الخروج لاستهداف القوات الخاصة والاشتباك حتى الشهادة".
واصلت الجرافات والحفّار العمل وداخل النفق كان ينجو الاثنان كل دقيقة من ضربة قاتلة تقتحم عليهم الظلمة وتتسبب في انهيار المزيد من التراب والردم, المشهد كان مستنسخا عشرات المرات، لكن النتيجة كانت عجيبة حتى قامت الآليات بتجريف البئر "الفوهة الثانية للنفق" ما جعلهما في حفرة مسدودة الطرفين فطاشت أحلام الحصول على الهواء أو حتى النجاة.
محاولة فتح الهاتف الخلوي كانت تثير جنون الدبابة التي تهرع مع فتحه من بعيد وتربض فوق الهاتف تماما ولا يصرفها عن ذلك إلا فصل بطارية الخلوي!
بعد تجريف فوهة البئر انهارت الرمال بمسافة 2 متر للداخل لكن أحد أعمدة الباطون تعاطف مع الموقف فسقط بشكل عرضي ما حال دون انهيار مزيد من الرمال .
وصلت إشارة إلى الاثنين عبر وسيلة اتصال خاصة بالقيادة بالشروع في محاولة الخروج بأي شكل لاستهداف القوات الخاصة الموجودة حول النفق. حاولا إزالة التراب و تمكن أبو بلال أن ينظر من فتحة ضيقة جدا " وأضاف :"حاولت الصعود ورأيت عددا من الكلاب ورجعت لمكاني فورا وفي هذه اللحظة جاء الحفار وضرب سقف البئر –ينظر لصديقه- فانهار وأغلق النفق تماما ولم نعد نسمع سوى صوت اهتزاز الأرض ولم أتخيل بعدها أن نصمد دون أي مقوم من مقومات الحياة" .
البحث عن نفس
حاول الاثنان التفتيش عن الهواء ففكر أبو بلال الأقرب للفوهة المنهارة استخدام قطعة حديدية صغيرة للحفر "بدأت أحفر لنحصل على الهواء لكن دون جدوى حتى جاء الحفّار وضرب فوهة البئر مرة أخرى فازداد الأمر سوءاً عندها جاءتنا رسالة من القيادة انه تم كشف وتواصل انهيار التراب فحاولنا الاحتماء بملابسنا ونحن نشعر بفقدان الحياة "لم يكن يؤازرهما بعد الله سوى صوت قذائف الهاون التي يطلقها القسام في الأعلى .
سأل أبو خليل أبو بلال ما العمل ؟! فرد الثاني ليس لنا إلا الله, وعندما سألتهما عن حديثهما في تلك اللحظات أجابا إجابة واحدة "كنا نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار ما ظنك باثنين الله ثالثهما... لا تحزن إن الله معنا وكنا نردد يا من أنجيت يونس في بطن الحوت نجنا من الكرب كما تذكرنا موقف موسى عليه السلام حين أنجاه الله فأنزل الله علينا السكينة" .
لحظات الاحتضار
أوشك اليوم الأول على الانتهاء فضعفت الأصوات وفقدا الأمل في النجاة, لقد شرعا في الصلاة والذكر لأن النهاية اقتربت, مرّ شريط العمر ثقيلا على الذاكرة تقافزت صور الأهل والأصدقاء والطفولة والمدرسة.. تذكرا اللحظات الأولى للتدريب العسكري ورحلة الجهاد وصولا بالساعات الأولى للعملية التي انتهت في هذا المكان الذي لا يعرفه أحد.
دخل اليوم الثاني وهما بانتظار أمر الله, يتحلّى أبو خليل بهدوء وهو يتحدث "كانت لحظات صعبة استذكرت وتمنيت فيها أن أخرج وأقاتل حتى يتحقق قدر الله " أما أبو بلال فقال "جاء في مخيلتي أننا جئنا لتعزيز دين الله وأن الله اشترى ونحن بعنا وتذكرت أننا لم نخلق إلا لنقدم أغلى ما نملك وأن غربتنا في الله".
بدأت أصواتهم تسبح, فضَّل أبو بلال أن يصمت ساعاته الأخيرة مع الحياة وأن يصلي, لم يستطع أن يرى أبو خليل مع أنه خلفه مباشرة.
كان أبو خليل مصاب بعدة جروح دون أن يشعر، أما أبو بلال فكشف عن ساقه المصابة التي أنساه هول الموقف حالتها.
عن تلك الساعة قال أبو بلال"استدرت للقبلة وشرعت في الصلاة كنا نقدر الوقت تقديرات قلت في نفسي ليجرفوا المكان وأنا أصلي! لم أستطع مد جسدي بدأت بالتكبير وواصلت."
الحياة من كبد الموت
شعر أبو خليل باختناق كامل وعدم القدرة على الصمود، أما أبو بلال فتوقع 5 دقائق فقط ويموت بعدها وعند التاسعة صباحا اختفى صوت الآليات ويضيف: "اختفى الصوت فقلت: أبو خليل هل تسمع الآليات؟ وفجأة سمعت صوت أناس أحدهم يقول "بيعوض الله" حاولت أن أقترب من الفوهة المدمرة مددت أصابعي كانت فتحة صغيرة جدا، حيث جاء أحد المجاهدين فرأى أصابعي وصار ينادي لإحضار الجرافة".
مرت 10 دقائق كأنها 20 سنة وعندما شرعت الجرافة في العمل انهار التراب عليهما فحشرا تماما وبعد جهد جهيد تمكنت الجرافة من إزالة بعض الترب ثم ثارت سحابة من الغبار ولم يدر معها أبو بلال وأبو خليل إلا والأيادي تمتد وتنتشلهما من النفق المدمر.
"سجدنا سجدة شكر وقد استقبلنا مجاهدو القسام القادمين من القرارة فهم الأقرب لنا " كانت لحظة خروجهم أحياء مفاجئة كبرى هلل معها الناس من حولهم وكبروا وأطلق البعض النار في الهواء.
ويرى أبو خليل أن تلك التجربة كانت فريدة جدا" وأضاف:" بعد هذه التجربة أريد أن أكون في موقع هجوم وليس في موقع دفاع حتى أثخن في العدو لقد كان العمل في النفق طوال شهور جبار جدا".
ويترحم الاثنان عند ختام الحديث على الشهيد محمود أبو سمرة أحد منفذي عملية كرم أبو سالم الأخيرة، حيث شارك معهم في إعداد النفق ورابط طوال يومين على مئات الأمتار من منطقة التوغل.
إن 48 ساعة من الجهاد والصمود تحت الأرض تدعو الضباط الإسرائيليين ألا يطيلوا النظر في المرآة إلى بزاتهم العسكرية وقمصانهم المنشاة فهناك من أكثر منهم شجاعة ويعملون تحت الأرض.
تعليق