في ظلال القران
للمعلم الشهيد سيد قطب
الجهاد والهداية متلازمان
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
لقد وردت روايات متعددة في تفسير هذه الآية ، وتحديد الفرقة التي تتفقه في الدين وتنذر قومها إذا رجعت إليهم .. والذي يستقيم عندنا في تفسير الآية : أن المؤمنين لا ينفرون كافة، ولكن تنفر من كل فرقة منهم طائفة – علي التناوب بين من ينفرون ومن يبقون .. لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة، وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم ، بما رأته وما فقهته من هذا الدين في أثناء الجهاد والحركة .
والوجه في هذا الذي ذهبنا إليه – وله أصل في تأويل ابن عباس – رضي الله عنهما – ومن تفسير الحسن البصري، واختيار ابن جرير ، وقول لابن كثير– إن هذا الدين منهج حركي ، لا يفقهه إلا من يتحرك به ، فالذين يخرجون للجهاد به هم أولي الناس بفقهه، بما يتكشف لهم من أسراره ومعانيه، وبما يتجلى لهم من آياته وتطبيقاته العميلة في أثناء الحركة به. أما الذين يقعدون فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن تحركوا، لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا، ولا فقهوا فقههم ، ولا وصلوا من أسرار هذا الدين إلي ما وصل إليه المتحركون وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والخروج بصفة عامة أدنى إلي الفهم والتفقه .
ولعل هذا عكسي ما يتبادر إلى الذهن، ومن أن المتخلفين عن الغزو والجهاد والحركة، هم الذين يتفرغون للتفقه في الدين! ولكن هذا وهم، لا يتفق مع طبيعة هذا الدين.. إن الحركة هي قوام هذا الدين، ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به، ويجاهدون لتقريره في واقع الناس، وتغليبه علي الجاهلية، بالحركة العملية. والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه، مهما تفرغوا لدراسته في الكتب – دراسة باردة – وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس، ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين علي الأوراق.
إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة، ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة... وفي هذا يكون الجهد الجاد المثمر، اللائق بجدية هذا الدين، وفي هذا يكون الجهاد الذي يفتح البصائر ويمكن من التفقه في الدين حقاً... وغير هذا لا يكون إلا هزلاً ترفضه طبيعة هذا الدين وإلا هروباً من واجب الجهاد الحقيقي تحت التستر بستار " تجديد الفقه الإسلامي " أو تطويره! ... هروب خيرٌ من الاعتراف بالضعف والتقصير ، وطلب المغفرة من الله علي التخلف والقعود مع المتخلفين القاعدين.!
تعليق