أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة
دعوة الطُّفَيْل بن عَمرو الدَّوْسِيّ (رضي الله عنه) في قومه
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن محمد بن إسحق قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذِّرونه النَّاس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طُفيل بن عمرو الدَّوْسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، فمشى إليه رجال من قريش -وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً- فقالوا له: يا طُفيل، إنّك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا1، فرّق جماعتنا، وإنما قوله كالسحر، يفرِّق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلِّمه ولا تسمع منه. قال: فوالله مازالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت أذنيَّ حين غدوت إلى المسجد كرسفاً2 فَرَقاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي: واثكل أمي، إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟! فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيته، فاتَّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا -للذي قالوا لي- فوالله ما بَرحوا يخوِّفونني أمرك حتى سددتُ أذنيَّ بكُرسُف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض علي أمرك. فعرض عليَّ الإسلام، وتلا علي القرآن. قال: فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن، ولا أمراً أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادعُ الله لي أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. قال: فقال: «اللهم اجعل له آية».
قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيَّة3 تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيَّ مثل المصباح، قال: فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنُّوا أنها مُثْلة4 وقعت في وجهي لفراق دينهم. قال: فتحوَّل فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا هابط إليهم من الثنية، حتى جئتهم فأصبحت فيهم.
فلما نزلت أتاني أبي -وكان شيخاً كبيراً- قال فقلت: إليك عني يا أبتِ، فلستَ مني ولست منك. وقال: ولمَ أيْ بُني؟ قال قلت: أسلمت وتابعت دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال أبي: ديني دينك، فاغتسلَ وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلستُ منك ولستِ مني، قالت: لمَ بأبي أنت وأمي؟ قال قلت: فرَّق بيني وبينك الإسلام، فأسلمتْ، ودعوتُ دَوْساًَ إلى الإسلام فأبطأوا عليَّ.
ثم جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة، فقلت: يا نبي الله، إنه قد غلبني دَوْسٌ فادع الله عليهم فقال: «اللهم اهدِ دَوْساً، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم». قال: فرجعت لم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وقضى بدراً وأُحداً والخندق. ثم قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن أسلم معي من قومي ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دَوْس. (وأخرجه ابن سعد والأموي).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أعضل بنا: جعل أمرنا يشتد ويستغلق.
2- الكرسف: القطن.
3- الثنية: الفرجة بين الجبلين.
4- مثلة: عقوبة وتنكيل.
دعوة الطُّفَيْل بن عَمرو الدَّوْسِيّ (رضي الله عنه) في قومه
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن محمد بن إسحق قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذِّرونه النَّاس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طُفيل بن عمرو الدَّوْسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، فمشى إليه رجال من قريش -وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً- فقالوا له: يا طُفيل، إنّك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا1، فرّق جماعتنا، وإنما قوله كالسحر، يفرِّق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلِّمه ولا تسمع منه. قال: فوالله مازالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت أذنيَّ حين غدوت إلى المسجد كرسفاً2 فَرَقاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي: واثكل أمي، إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟! فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيته، فاتَّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا -للذي قالوا لي- فوالله ما بَرحوا يخوِّفونني أمرك حتى سددتُ أذنيَّ بكُرسُف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض علي أمرك. فعرض عليَّ الإسلام، وتلا علي القرآن. قال: فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن، ولا أمراً أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادعُ الله لي أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. قال: فقال: «اللهم اجعل له آية».
قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيَّة3 تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيَّ مثل المصباح، قال: فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنُّوا أنها مُثْلة4 وقعت في وجهي لفراق دينهم. قال: فتحوَّل فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا هابط إليهم من الثنية، حتى جئتهم فأصبحت فيهم.
فلما نزلت أتاني أبي -وكان شيخاً كبيراً- قال فقلت: إليك عني يا أبتِ، فلستَ مني ولست منك. وقال: ولمَ أيْ بُني؟ قال قلت: أسلمت وتابعت دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال أبي: ديني دينك، فاغتسلَ وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلستُ منك ولستِ مني، قالت: لمَ بأبي أنت وأمي؟ قال قلت: فرَّق بيني وبينك الإسلام، فأسلمتْ، ودعوتُ دَوْساًَ إلى الإسلام فأبطأوا عليَّ.
ثم جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة، فقلت: يا نبي الله، إنه قد غلبني دَوْسٌ فادع الله عليهم فقال: «اللهم اهدِ دَوْساً، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم». قال: فرجعت لم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وقضى بدراً وأُحداً والخندق. ثم قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن أسلم معي من قومي ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دَوْس. (وأخرجه ابن سعد والأموي).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أعضل بنا: جعل أمرنا يشتد ويستغلق.
2- الكرسف: القطن.
3- الثنية: الفرجة بين الجبلين.
4- مثلة: عقوبة وتنكيل.
تعليق