بسم الله الرحمن الرحيم
إلى من يصل إليه من المؤمنين والمسلمين ـ أحسن الله إليهم في الدنيا والآخرة، وأسبغ عليهم نعمه باطنة وظاهرة، ونصرهم نصرا عزيزا، وفتح عليهم فتحًا كبيرًا، وجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيراً، وجعلهم معتصمين بحبله المتين، مهتدين إلى صراطه المستقيم ـ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلى على صفوته من خليقته، وخيرته من بريته، محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: فإن الله ـ عز وجل ـ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفي بالله شهيدا، وجعله خاتم النبيين، وسيد ولد آدم من الناس أجمعين، وجعل كتابه الذي أنزله /عليه مهيمنا على ما بين يديه من الكتب ومصدقا لها، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر؛ فهم يوفون سبعين فرقة، هم خيرها وأكرمها على الله، وقد أكمل لهم دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام دينًا. فليس دين أفضل من دينهم الذي جاء به رسولهم، ولا كتاب أفضل من كتابهم، ولا أمة خيرًا من أمتهم، بل كتابنا ونبينا وديننا وأمتنا أفضل من كل كتاب ودين ونبي وأمة.
فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم، {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، واحفظوا هذه التي بها تنالون نعيم الدنيا والآخرة، واحذروا أن تكونوا ممن بدل نعمة الله كفرًا، فتعرضون عن حفظ هذه النعمة ورعايتها، فيحيق بكم ما حاق بمن انقلب على عقبيه، واشتغل بما لا ينفعه من أمر الدنيا عما لا بد له منه من مصلحة دينه ودنياه، فخسر الدنيا والآخرة.
فقد سمعتم ما نعت الله به الشاكرين والمنقلبين حيث يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. أنزل الله ـ سبحانه ـ هذه الآية وما قبلها وما بعدها في غزوة أحد،لما انكسر المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم،/ وقتل جماعة من خيار الأمة، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طائفة يسيرة حتى خلص إليه العدو، فكسروا رباعيته، وشجوا وجهه، وهشموا البيضة على رأسه، وقتل وجرح دونه طائفة من خيار أصحابه لذبهم عنه، ونعق الشيطان فيهم: أن محمدا قد قتل. فزلزل ذلك قلوب بعضهم، حتى انهزم طائفة، وثبت الله آخرين حتى ثبتوا.
وكذلك لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فتزلزلت القلوب، واضطرب حبل الدين، وغشيت الذلة من شاء الله من الناس، حتى خرج عليهم الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقرأ قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فكأن الناس لم يسمعوها حتى تلاها الصديق ـ رضي الله عنه ـ فلا يوجد من الناس إلا من يتلوها.
وارتد بسبب موت الرسول صلى الله عليه وسلم ولما حصل لهم من الضعف جماعات من الناس، قوم ارتدوا عن الدين بالكلية، وقوم ارتدوا عن بعضه، فقالوا: نصلى، ولا نزكي. وقوم ارتدوا عن إخلاص الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. فآمنوا مع محمد /بقوم من النبيين الكذابين، كمسيلمة الكذاب، وطليحة الأسدي، وغيرهما، فقام إلى جهادهم الشاكرون، الذين ثبتوا على الدين، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار، والطلقاء، والأعراب، ومن اتبعهم بإحسان، الذين قال الله ـ عز وجل ـ فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، هم أولئك الذين جاهدوا المنقلبين على أعقابهم الذين لم يضروا الله شيئًا.
وما أنزل الله في القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم، وسيعمل بها آخرون. فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين، الذين يحبهم الله ـ عز وجل ـ ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم، الذين يخرجون عن الدين، ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين، الذين خرجوا على أهل الإسلام، وتكلم بعضهم بالشهادتين، وتسمي بالإسلام من غير التزام شريعته، فإن عسكرهم مشتمل على أربع طوائف:
كافرة باقية على كفرها: من الكرج، والأرمن، والمغل.
وطائفة كانت مسلمة فارتدت عن الإسلام، وانقلبت على عقبيها: مـن العرب، والفرس، والروم، وغيرهم.
وهؤلاء أعظم جرمًا عند الله / وعند رسوله والمؤمنين من الكافر الأصلى من وجوه كثيرة. فإن هؤلاء يجب قتلهم حتمًا ما لم يرجعوا إلى ما خرجوا عنه، لا يجوز أن يعقد لهم ذمة، ولا هدنة، ولا أمان، ولا يطلق أسيرهم، ولا يفادي بمال ولا رجال، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، ولا يسترقون، مع بقائهم على الردة بالاتفاق. ويقتل من قاتل منهم، ومن لم يقاتل؛ كالشيخ الهرم، والأعمي، والزمن، باتفاق العلماء. وكذا نساؤهم عند الجمهور.
والكافر الأصلى يجوز أن يعقد له أمان وهدنة، ويجوز المن عليه والمفاداة به إذا كان أسيرًا عند الجمهور، ويجوز إذا كان كتابياً أن يعقد له ذمة، ويؤكل طعامهم، وتنكح نساؤهم، ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل، باتفاق العلماء. وكذلك لا يقتل منهم إلا من كان من أهل القتال عند جمهور العلماء، كما دلت عليه السنة.
فالكافر المرتد أسوأ حالاً في الدين والدنيا من الكافر المستمر على كفره. وهؤلاء القوم فيهم من المرتدة ما لا يحصي عددهم إلا الله. فهذان صنفان.
وفيهم ـ أيضًا ـ من كان كافرًا فانتسب إلى الإسلام ولم يلتزم شرائعه: من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، والكف عن دماء / المسلمين وأموالهم، والتزام الجهاد في سبيل الله، وضرب الجزية على اليهود والنصاري، وغير ذلك.
وهؤلاء يجب قتالهم بإجماع المسلمين، كما قاتل الصديق مانعي الزكاة، بل هؤلاء شر منهم من وجوه، وكما قاتل الصحابة ـ أيضًا ـ مع أمير المؤمنين ـ على رضي الله عنه ـ الخوارج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم في وصفهم: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)، وقال: (لو يعلم الذين يقاتلون ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل)، وقال: (هم شر الخلق والخليقة، شر قتلي تحت أديم السماء، خير قتلي من قتلوه). فهؤلاء مع كثرة صيامهم وصلاتهم وقراءتهم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وقاتلهم أمير المؤمنين على، وسائر الصحابة الذين معه، ولم يختلف أحد في قتالهم، كما اختلفوا في قتال أهل البصرة والشام؛ لأنهم كانوا يقاتلون المسلمين. فإن هؤلاء شر من أولئك من غير وجه، وإن لم يكونوا مثلهم في الاعتقاد؛ فإن معهم من يوافق رأيه في المسلمين رأي الخوارج. فهذه ثلاثة أصناف.
وفيهم صنف رابع شر من هؤلاء.وهم قوم ارتدوا عن شرائع/الإسلام وبقوا مستمسكين بالانتساب إليه. فهؤلاء الكفار المرتدون، والداخلون فيه من غير التزام لشرائعه، والمرتدون عن شرائعه لا عن سمته، كلهم يجب قتالهم بإجماع المسلمين، حتى يلتزموا شرائع الإسلام،وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله،وحتى تكون كلمة الله ـ التي هي كتابه وما فيه من أمره ونهيه وخبره ـ هي العليا. هذا إذا كانوا قاطنين في أرضهم، فكيف إذا استولوا على أراضي الإسلام: من العراق، وخراسان، والجزيرة، والروم، فكيف إذا قصدوكم وصالوا عليكم بغيا وعدوانًا؟! {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عليهمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ على مَن يَشَاء وَاللّهُ عليمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 13- 15].
واعلموا ـ أصلحكم الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه من وجوه كثيرة أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة)، وثبت أنهم بالشام.
فهذه الفتنة قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق:
الطائفة المنصورة، وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين.
والطائفة المخالفة،وهم هؤلاء / القوم، ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام.
والطائفة المخذلة، وهم القاعدون عن جهادهم؛ وإن كانوا صحيحي الإسلام.
فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة؟فما بقي قسم رابع.
واعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله ـ تعالى ـ في كتابه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَي الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة. فمن عاش من المجاهدين كان كريمًا له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يعطي الشهيد ست خصال: يغفر له بأول قطرة من دمه، ويري مقعده من الجنة، ويكسي حلة من الإيمان، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين، ويوقي فتنة القبر، ويؤمن من الفزع الأكبر) رواه أهل السنن. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض، أعدها الله ـ سبحانه وتعالى ـ للمجاهدين في سبيله)، فهذا ارتفاع خمسين ألف سنة في الجنة لأهل الجهاد. وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت، الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام)، وقال رجل: أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: (لا تستطيعه)./ قال: أخبرني به؟ قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر، وتقوم لا تفتر؟) قال: لا، قال: (فذلك الذي يعدل الجهاد في سبيل الله). وهذه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
وكذلك اتفق العلماء ـ فيما أعلم ـ على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد. فهو أفضل من الحج، وأفضل من الصوم التطوع، وأفضل من الصلاة التطوع.
والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه: لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلى من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود. فقد اختار الرباط ليلة على العبادة في أفضل الليالى عند أفضل البقاع؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون بالمدينة دون مكة؛ لمعان منها: أنهم كانوا مرابطين بالمدينة. فإن الرباط هو المقام بمكان يخيفه العدو ويخيف العدو، فمن أقام فيه بنية دفع العدو فهو مرابط، والأعمال بالنيات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل). رواه أهل السنن وصححوه. وفي صحيح مسلم عن سلمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطًا أجري عليه عمله، وأجري عليه رزقه من الجنة، وأمن الفتان)، يعني: منكر ونكير. فهذا في الرباط فكيف الجهاد؟! /وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبد أبدًا)، وقال: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار)، فهذا في الغبار الذي يصيب الوجه والرجل، فكيف بما هو أشق منه، كالثلج، والبرد، والوحل؟!
ولهذا عاب الله ـ عز وجل ـ المنافقين الذين يتعللون بالعوائق، كالحر والبرد، فقال ـ سبحانه وتعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81]، وهكذا الذين يقولون: لا تنفروا في البرد، فيقال: نار جهنم أشد بردًا. كما أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اشتكت النار إلى ربها، فقالت: ربي أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر والبرد فهو من زمهرير جهنم)، فالمؤمن يدفع بصبره على الحر والبرد في سبيل الله حر جهنم وبردها، والمنافق يفر من حر الدنيا وبردها حتى يقع في حر جهنم وزمهريرها.
واعلموا ـ أصلحكم الله ـ أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين، وأن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون. وهؤلاء القوم مقهورون مقموعون. والله ـ سبحانه وتعالى ـ ناصرنا عليهم، ومنتقم لنا منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. فأبشروا بنصر الله ـ تعالى ـ وبحسن /عاقبته {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وهذا أمر قد تيقناه وتحققناه، والحمد لله رب العالمين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 10- 14].
واعلموا ـ أصلحكم الله ـ أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيرًا أن أحياه إلى هذا الوقت الذى يجدد الله فيه الدين، ويحيى فيه شعار المسلمين، وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيهاً بالسابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار. فمن قام فى هذا الوقت بذلك، كان من التابعين لهم بإحسان، الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم. فينبغى للمؤمنين أن يشكروا الله ـ تعالى ـ على هذه المحنة التى/ حقيقتها منحة كريمة من الله، وهذه الفتنة التى باطنها نعمة جسيمة، حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ـ كأبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وغيرهم ـ حاضرين فى هذا الزمان، لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين.
ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته، وسفه نفسه، وحرم حظًا عظيمًا من الدنيا والآخرة، إلا أن يكون ممن عذر الله ـ تعالى ـ كالمريض، والفقير، والأعمى وغيرهم، وإلا فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله. ففى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه فى أهله بخير فقد غزا)، ومن كان قادرًا ببدنه وهو فقير، فليأخذ من أموال المسلمين ما يتجهز به سواء كان المأخوذ زكاة، أو صلة، أو من بيت المال، أو غير ذلك، حتى لو كان الرجل قد حصل بيده مال حرام وقد تعذر رده إلى أصحابه لجهلـه بهـم ونحـو ذلك، أو كـان بيده ودائـع أو رهون أو عـوار قـد تعذر معرفة أصحابها فلينفقها فى سبيل الله، فإن ذلك مصرفها.
ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد؛ فإن الله ـ عز وجل ـ يغفر ذنوبه، كما أخبر الله فى كتابه بقوله ـ سبحانه وتعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[الصف: 12]. ومن أراد التخلص من الحرام والتوبة ولا يمكن رده إلى أصحابه فلينفقه فى سبيل الله على أصحابه، فإن ذلك طريق حسنة إلى / خَلاَصه، مع ما يحصل له من أجر الجهاد.
وكذلك من أراد أن يُكَفِّر الله عنه سيئاته فى دعوى الجاهلية وحميتها فعليه بالجهاد؛ فإن الذين يتعصبون للقبائل وغير القبائل ـ مثل قيس ويمن، وهلال وأسد ونحو ذلك ـ كل هؤلاء إذا قتلوا، فإن القاتل والمقتول فى النار، كذلك صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار). قيل:يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنه كان حريصًا على قتل أخيه). أخرجاه فى الصحيحين.وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل تحت راية عَمِيَّة: يغضب لعَصَبِيَّة، ويدعو لعصبية فهو فى النار). رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (من تَعَزَّى بعزاء أهل الجاهلية فأعِضُّوه بهن أبيه ولا تَكْنُوا) فسمع أبى بن كعب رجلاً يقول: يا لفلان، فقال: اعضض أيْرَ أبيك، فقال: يا أبا المنذر، ما كنت فاحشاً. فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد فى مسنده.
ومعنى قوله: (من تعزى بعزاء الجاهلية) يعنى: يتعزى بعزواتهم، وهى الانتساب إليهم فى الدعوة، مثل قوله: يا لقيس! يا ليمن! ويا لهلال! ويا لأسد، فمن تعصب لأهل بلدته، أو مذهبه، أو طريقته، أو قرابته، أو لأصدقائه دون غيرهم، كانت فيه شعبة من الجاهلية، حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله ـ تعالى ـ معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله. فإن /كتابهم واحد، ودينهم واحد، ونبيهم واحد، وربهم إله واحد، لا إله إلا هو، له الحمد فى الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه ترجعون. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: 102- 106]. قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل الفرقة والبدعة.
فالله، الله، عليكم بالجماعة والائتلاف على طاعة الله ورسوله، والجهاد فى سبيله؛ يجمع الله قلوبكم، ويكفر عنكم سيئاتكم، ويحصل لكم خير الدنيا والآخرة. أعاننا الله وإياكم على طاعته وعبادته، وصرف عنا وعنكم سبيل معصيته، وأتانا وإياكم فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، ووقانا عذاب النار، وجعلنا وإياكم ممن رضى الله عنه وأعد له جنات النعيم، إنه على كل شىء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
مجموع الفتاوى ابن تيمية جـ 28
إلى من يصل إليه من المؤمنين والمسلمين ـ أحسن الله إليهم في الدنيا والآخرة، وأسبغ عليهم نعمه باطنة وظاهرة، ونصرهم نصرا عزيزا، وفتح عليهم فتحًا كبيرًا، وجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيراً، وجعلهم معتصمين بحبله المتين، مهتدين إلى صراطه المستقيم ـ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلى على صفوته من خليقته، وخيرته من بريته، محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: فإن الله ـ عز وجل ـ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفي بالله شهيدا، وجعله خاتم النبيين، وسيد ولد آدم من الناس أجمعين، وجعل كتابه الذي أنزله /عليه مهيمنا على ما بين يديه من الكتب ومصدقا لها، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر؛ فهم يوفون سبعين فرقة، هم خيرها وأكرمها على الله، وقد أكمل لهم دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام دينًا. فليس دين أفضل من دينهم الذي جاء به رسولهم، ولا كتاب أفضل من كتابهم، ولا أمة خيرًا من أمتهم، بل كتابنا ونبينا وديننا وأمتنا أفضل من كل كتاب ودين ونبي وأمة.
فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم، {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، واحفظوا هذه التي بها تنالون نعيم الدنيا والآخرة، واحذروا أن تكونوا ممن بدل نعمة الله كفرًا، فتعرضون عن حفظ هذه النعمة ورعايتها، فيحيق بكم ما حاق بمن انقلب على عقبيه، واشتغل بما لا ينفعه من أمر الدنيا عما لا بد له منه من مصلحة دينه ودنياه، فخسر الدنيا والآخرة.
فقد سمعتم ما نعت الله به الشاكرين والمنقلبين حيث يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. أنزل الله ـ سبحانه ـ هذه الآية وما قبلها وما بعدها في غزوة أحد،لما انكسر المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم،/ وقتل جماعة من خيار الأمة، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طائفة يسيرة حتى خلص إليه العدو، فكسروا رباعيته، وشجوا وجهه، وهشموا البيضة على رأسه، وقتل وجرح دونه طائفة من خيار أصحابه لذبهم عنه، ونعق الشيطان فيهم: أن محمدا قد قتل. فزلزل ذلك قلوب بعضهم، حتى انهزم طائفة، وثبت الله آخرين حتى ثبتوا.
وكذلك لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فتزلزلت القلوب، واضطرب حبل الدين، وغشيت الذلة من شاء الله من الناس، حتى خرج عليهم الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقرأ قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فكأن الناس لم يسمعوها حتى تلاها الصديق ـ رضي الله عنه ـ فلا يوجد من الناس إلا من يتلوها.
وارتد بسبب موت الرسول صلى الله عليه وسلم ولما حصل لهم من الضعف جماعات من الناس، قوم ارتدوا عن الدين بالكلية، وقوم ارتدوا عن بعضه، فقالوا: نصلى، ولا نزكي. وقوم ارتدوا عن إخلاص الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. فآمنوا مع محمد /بقوم من النبيين الكذابين، كمسيلمة الكذاب، وطليحة الأسدي، وغيرهما، فقام إلى جهادهم الشاكرون، الذين ثبتوا على الدين، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار، والطلقاء، والأعراب، ومن اتبعهم بإحسان، الذين قال الله ـ عز وجل ـ فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، هم أولئك الذين جاهدوا المنقلبين على أعقابهم الذين لم يضروا الله شيئًا.
وما أنزل الله في القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم، وسيعمل بها آخرون. فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين، الذين يحبهم الله ـ عز وجل ـ ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم، الذين يخرجون عن الدين، ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين، الذين خرجوا على أهل الإسلام، وتكلم بعضهم بالشهادتين، وتسمي بالإسلام من غير التزام شريعته، فإن عسكرهم مشتمل على أربع طوائف:
كافرة باقية على كفرها: من الكرج، والأرمن، والمغل.
وطائفة كانت مسلمة فارتدت عن الإسلام، وانقلبت على عقبيها: مـن العرب، والفرس، والروم، وغيرهم.
وهؤلاء أعظم جرمًا عند الله / وعند رسوله والمؤمنين من الكافر الأصلى من وجوه كثيرة. فإن هؤلاء يجب قتلهم حتمًا ما لم يرجعوا إلى ما خرجوا عنه، لا يجوز أن يعقد لهم ذمة، ولا هدنة، ولا أمان، ولا يطلق أسيرهم، ولا يفادي بمال ولا رجال، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، ولا يسترقون، مع بقائهم على الردة بالاتفاق. ويقتل من قاتل منهم، ومن لم يقاتل؛ كالشيخ الهرم، والأعمي، والزمن، باتفاق العلماء. وكذا نساؤهم عند الجمهور.
والكافر الأصلى يجوز أن يعقد له أمان وهدنة، ويجوز المن عليه والمفاداة به إذا كان أسيرًا عند الجمهور، ويجوز إذا كان كتابياً أن يعقد له ذمة، ويؤكل طعامهم، وتنكح نساؤهم، ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل، باتفاق العلماء. وكذلك لا يقتل منهم إلا من كان من أهل القتال عند جمهور العلماء، كما دلت عليه السنة.
فالكافر المرتد أسوأ حالاً في الدين والدنيا من الكافر المستمر على كفره. وهؤلاء القوم فيهم من المرتدة ما لا يحصي عددهم إلا الله. فهذان صنفان.
وفيهم ـ أيضًا ـ من كان كافرًا فانتسب إلى الإسلام ولم يلتزم شرائعه: من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، والكف عن دماء / المسلمين وأموالهم، والتزام الجهاد في سبيل الله، وضرب الجزية على اليهود والنصاري، وغير ذلك.
وهؤلاء يجب قتالهم بإجماع المسلمين، كما قاتل الصديق مانعي الزكاة، بل هؤلاء شر منهم من وجوه، وكما قاتل الصحابة ـ أيضًا ـ مع أمير المؤمنين ـ على رضي الله عنه ـ الخوارج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم في وصفهم: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)، وقال: (لو يعلم الذين يقاتلون ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل)، وقال: (هم شر الخلق والخليقة، شر قتلي تحت أديم السماء، خير قتلي من قتلوه). فهؤلاء مع كثرة صيامهم وصلاتهم وقراءتهم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وقاتلهم أمير المؤمنين على، وسائر الصحابة الذين معه، ولم يختلف أحد في قتالهم، كما اختلفوا في قتال أهل البصرة والشام؛ لأنهم كانوا يقاتلون المسلمين. فإن هؤلاء شر من أولئك من غير وجه، وإن لم يكونوا مثلهم في الاعتقاد؛ فإن معهم من يوافق رأيه في المسلمين رأي الخوارج. فهذه ثلاثة أصناف.
وفيهم صنف رابع شر من هؤلاء.وهم قوم ارتدوا عن شرائع/الإسلام وبقوا مستمسكين بالانتساب إليه. فهؤلاء الكفار المرتدون، والداخلون فيه من غير التزام لشرائعه، والمرتدون عن شرائعه لا عن سمته، كلهم يجب قتالهم بإجماع المسلمين، حتى يلتزموا شرائع الإسلام،وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله،وحتى تكون كلمة الله ـ التي هي كتابه وما فيه من أمره ونهيه وخبره ـ هي العليا. هذا إذا كانوا قاطنين في أرضهم، فكيف إذا استولوا على أراضي الإسلام: من العراق، وخراسان، والجزيرة، والروم، فكيف إذا قصدوكم وصالوا عليكم بغيا وعدوانًا؟! {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عليهمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ على مَن يَشَاء وَاللّهُ عليمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 13- 15].
واعلموا ـ أصلحكم الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه من وجوه كثيرة أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة)، وثبت أنهم بالشام.
فهذه الفتنة قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق:
الطائفة المنصورة، وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين.
والطائفة المخالفة،وهم هؤلاء / القوم، ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام.
والطائفة المخذلة، وهم القاعدون عن جهادهم؛ وإن كانوا صحيحي الإسلام.
فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة؟فما بقي قسم رابع.
واعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله ـ تعالى ـ في كتابه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَي الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة. فمن عاش من المجاهدين كان كريمًا له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يعطي الشهيد ست خصال: يغفر له بأول قطرة من دمه، ويري مقعده من الجنة، ويكسي حلة من الإيمان، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين، ويوقي فتنة القبر، ويؤمن من الفزع الأكبر) رواه أهل السنن. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض، أعدها الله ـ سبحانه وتعالى ـ للمجاهدين في سبيله)، فهذا ارتفاع خمسين ألف سنة في الجنة لأهل الجهاد. وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت، الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام)، وقال رجل: أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: (لا تستطيعه)./ قال: أخبرني به؟ قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر، وتقوم لا تفتر؟) قال: لا، قال: (فذلك الذي يعدل الجهاد في سبيل الله). وهذه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
وكذلك اتفق العلماء ـ فيما أعلم ـ على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد. فهو أفضل من الحج، وأفضل من الصوم التطوع، وأفضل من الصلاة التطوع.
والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه: لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلى من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود. فقد اختار الرباط ليلة على العبادة في أفضل الليالى عند أفضل البقاع؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون بالمدينة دون مكة؛ لمعان منها: أنهم كانوا مرابطين بالمدينة. فإن الرباط هو المقام بمكان يخيفه العدو ويخيف العدو، فمن أقام فيه بنية دفع العدو فهو مرابط، والأعمال بالنيات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل). رواه أهل السنن وصححوه. وفي صحيح مسلم عن سلمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطًا أجري عليه عمله، وأجري عليه رزقه من الجنة، وأمن الفتان)، يعني: منكر ونكير. فهذا في الرباط فكيف الجهاد؟! /وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبد أبدًا)، وقال: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار)، فهذا في الغبار الذي يصيب الوجه والرجل، فكيف بما هو أشق منه، كالثلج، والبرد، والوحل؟!
ولهذا عاب الله ـ عز وجل ـ المنافقين الذين يتعللون بالعوائق، كالحر والبرد، فقال ـ سبحانه وتعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81]، وهكذا الذين يقولون: لا تنفروا في البرد، فيقال: نار جهنم أشد بردًا. كما أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اشتكت النار إلى ربها، فقالت: ربي أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر والبرد فهو من زمهرير جهنم)، فالمؤمن يدفع بصبره على الحر والبرد في سبيل الله حر جهنم وبردها، والمنافق يفر من حر الدنيا وبردها حتى يقع في حر جهنم وزمهريرها.
واعلموا ـ أصلحكم الله ـ أن النصرة للمؤمنين والعاقبة للمتقين، وأن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون. وهؤلاء القوم مقهورون مقموعون. والله ـ سبحانه وتعالى ـ ناصرنا عليهم، ومنتقم لنا منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. فأبشروا بنصر الله ـ تعالى ـ وبحسن /عاقبته {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وهذا أمر قد تيقناه وتحققناه، والحمد لله رب العالمين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 10- 14].
واعلموا ـ أصلحكم الله ـ أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيرًا أن أحياه إلى هذا الوقت الذى يجدد الله فيه الدين، ويحيى فيه شعار المسلمين، وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيهاً بالسابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار. فمن قام فى هذا الوقت بذلك، كان من التابعين لهم بإحسان، الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم. فينبغى للمؤمنين أن يشكروا الله ـ تعالى ـ على هذه المحنة التى/ حقيقتها منحة كريمة من الله، وهذه الفتنة التى باطنها نعمة جسيمة، حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ـ كأبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وغيرهم ـ حاضرين فى هذا الزمان، لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين.
ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته، وسفه نفسه، وحرم حظًا عظيمًا من الدنيا والآخرة، إلا أن يكون ممن عذر الله ـ تعالى ـ كالمريض، والفقير، والأعمى وغيرهم، وإلا فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله. ففى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه فى أهله بخير فقد غزا)، ومن كان قادرًا ببدنه وهو فقير، فليأخذ من أموال المسلمين ما يتجهز به سواء كان المأخوذ زكاة، أو صلة، أو من بيت المال، أو غير ذلك، حتى لو كان الرجل قد حصل بيده مال حرام وقد تعذر رده إلى أصحابه لجهلـه بهـم ونحـو ذلك، أو كـان بيده ودائـع أو رهون أو عـوار قـد تعذر معرفة أصحابها فلينفقها فى سبيل الله، فإن ذلك مصرفها.
ومن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد؛ فإن الله ـ عز وجل ـ يغفر ذنوبه، كما أخبر الله فى كتابه بقوله ـ سبحانه وتعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[الصف: 12]. ومن أراد التخلص من الحرام والتوبة ولا يمكن رده إلى أصحابه فلينفقه فى سبيل الله على أصحابه، فإن ذلك طريق حسنة إلى / خَلاَصه، مع ما يحصل له من أجر الجهاد.
وكذلك من أراد أن يُكَفِّر الله عنه سيئاته فى دعوى الجاهلية وحميتها فعليه بالجهاد؛ فإن الذين يتعصبون للقبائل وغير القبائل ـ مثل قيس ويمن، وهلال وأسد ونحو ذلك ـ كل هؤلاء إذا قتلوا، فإن القاتل والمقتول فى النار، كذلك صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار). قيل:يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنه كان حريصًا على قتل أخيه). أخرجاه فى الصحيحين.وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل تحت راية عَمِيَّة: يغضب لعَصَبِيَّة، ويدعو لعصبية فهو فى النار). رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (من تَعَزَّى بعزاء أهل الجاهلية فأعِضُّوه بهن أبيه ولا تَكْنُوا) فسمع أبى بن كعب رجلاً يقول: يا لفلان، فقال: اعضض أيْرَ أبيك، فقال: يا أبا المنذر، ما كنت فاحشاً. فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد فى مسنده.
ومعنى قوله: (من تعزى بعزاء الجاهلية) يعنى: يتعزى بعزواتهم، وهى الانتساب إليهم فى الدعوة، مثل قوله: يا لقيس! يا ليمن! ويا لهلال! ويا لأسد، فمن تعصب لأهل بلدته، أو مذهبه، أو طريقته، أو قرابته، أو لأصدقائه دون غيرهم، كانت فيه شعبة من الجاهلية، حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله ـ تعالى ـ معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله. فإن /كتابهم واحد، ودينهم واحد، ونبيهم واحد، وربهم إله واحد، لا إله إلا هو، له الحمد فى الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه ترجعون. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: 102- 106]. قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل الفرقة والبدعة.
فالله، الله، عليكم بالجماعة والائتلاف على طاعة الله ورسوله، والجهاد فى سبيله؛ يجمع الله قلوبكم، ويكفر عنكم سيئاتكم، ويحصل لكم خير الدنيا والآخرة. أعاننا الله وإياكم على طاعته وعبادته، وصرف عنا وعنكم سبيل معصيته، وأتانا وإياكم فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، ووقانا عذاب النار، وجعلنا وإياكم ممن رضى الله عنه وأعد له جنات النعيم، إنه على كل شىء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
مجموع الفتاوى ابن تيمية جـ 28
تعليق