آثار المعاصي
يقول الله تعالى: ((ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عمِلوا لعلّهم يرجعون))
أخوة الإسلام لو تسنىّ لواحدٍ منا أن يطرح سؤالاً على كلّ فردٍ من أفراد الأمة الإسلامية (هل أنت فرحٌ مسرور في هذه الدنيا ؟؟) سواء كان المسؤول غنياً أو فقيراً رجلاً أو امرأة حاكماً أو محكوماً شاباً أو شيّباً ، حتماً لكان الجواب بالنفي على لسان كلّ مسؤول ؛ و السؤال الذي نطرحه بدورنا لماذا هذا النفي للسرور و الفرحة لأفراد الأمة الإسلامية ؟! و لماذا هذا الضنك و التعب و البؤس الذي يعيشه كثير من المسلمين ؟! إنها المعاصي عباد الله ، و إنه البعد عن الله سبحانه و تعالى ، و كيف لا يكون ذلك و الله سبحانه و تعالى يقول ((و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً)) .
عباد الله ... قد يقول قائلٌ إن عزْوَ الضنك و الشقاء في الدنيا للإعراض عن الله و للمعاصي فيه شيء من المبالغة ، و لكن حقيقة إخواني في الله لو تتبّعنا الأسباب التي أدّت إلى شقاء الأمة على مستوى الأفراد و الجماعات و الدول لوجدنا مردّها جميعاً إلى هذه المعاصي و إلى هذا البعد عن منهج الله تعالى فإن شقاء الأمة الإسلامية إنما يعود لهوانها على عدوّها و ظهور أعدائها عليها و هذا الأمر إخواني في الله بحدّ ذاته إنما هو سبب حتميّ لبعد الأمة عن الجهاد في سبيل الله و هذه أوّل معصية و أهمّ معصية ترتكبها الأمة بتركها ذروة سنام الإسلام و أعلى شيء في هذا الدين ..
و من هنا قال صلى الله عليه و سلم معلماً و منبّهاً لنا ((إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) ، و أيّ ذلّ أخوة الإيمان في هذه الأمة وصلت إليه بترك الجهاد أكثر من أن يعرِض العدو للأمة حلولاً حول مقدّساتها و أوقات عبادتها و إدارة مساجدها كما يكثر الحديث في هذه الأيام حول طرح موضوع القدس للتّقسيم و لإشراف أعدائنا عليها ، و الفكرة المطروحة من بنات أفكار عدوّنا و المضحك المبكي عباد الله أننا راضون مستسلمون لهذه المصيبة و يرفضها عدوّنا الذي طرحها .
أخوة الإسلام ... إن طرح القدس للتدويل و ليس كلّ القدس و إنما جزء محدود منها و إشراف أعدائنا عليها إنما هو خديعة كبرى و خيانة عظمى ، هذه القدس التي هي أرض وقف إسلامية لا يجوز لأيّ أحد و بأي صفة التنازل عن ذرة تراب واحدة منها وقفها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه – و أشهد على ذلك جيلاً من الصحابة و وضعها أمانة في أعناق الأمة الإسلامية و اشترط لنا ألاّ يسكن فيها أحد من المجرِمين اليهود ، هذا الأمر إن نسيَه البعض أو تناساه فلا بدّ لباقي الأمة أن تبقى متيقّظة لكي لا تصحو يوماً و أولى قبلتها يهدم و ثالث مساجدها يُباد عن الوجود و عندها لن ينفع الندم ، فالمؤامرة اليهودية الصليبية حول القدس إخواني جدّ عظيمة فما تقولون بمطاردة كلّ من يتابع أمور القدس و اعتقالهم و تلفيق التهم إليهم بمسميات عدة و ما ذلك إلا لأن هذه الثلة المؤمنة تزعِج هؤلاء المجرمين .
عباد الله إن ترك الجهاد في سبيل الله يعدّ من أعظم المعاصي لأن أثره ينعكس على الأمة كلها لا على فردٍ دون غيره ، و ترك الجهاد يجعل الأعداء يتجرّأون على الأمة بأسرها كما نرى في أيامنا هذه لا يأبهون لصغيرٍ أو كبير ما دام هذا المصطلح محذوفاً من ذاكرة الأمة بفعل أعدائها و تواطئ عملائها.
أخوة الإسلام ... إن المقياس الوحيد على مرّ العصور الذي تقاس به الأمة الإسلامية عزيزة أم أنها ذليلة إنما هو القدس فمتى كانت القدس في أيدي المسلمين فاعلم أن الغلبة و العزة في ذلك الزمان للمؤمنين و متى كانت القدس أسيرة و مغتصبة في أيدي أعدائنا فهو الدليل على ذلّ الأمة لأعدائها .
عباد الله ... إن المعاصي التي يقترِفها الناس في حياتهم اليومية صغيرة كانت أم كبيرة إنما تؤثر على مجموع المسلمين في جميع شؤون حياتهم حتى على مستوى تلقّي المصائب ، يقول الله تعالى : ((و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير)) فإن الفرد الذي تتوالى عليه المصائب عليه أن ينظر إلى معاصيه و إلى كسب يديه و ليراجع نفسه ثم لينظر ، فإن آب و رجع فإن الله سبحانه يرفع عنه البلاء الذي أصابه و إلا فإن الله يمهِله ثم تأتيه المصيبة التي لا يقوم معها و هذا مصداقٌ لقول الله تعالى : ((فكلاًّ أخذنا بذنبه)) ..
أيها المسلمون ... إن انتشار المصائب المرضيّة من المعاصي كالزنى و الربا و التبرج و السفور و شرب الخمور إنما هو مما يعجّل بهلاك الأمة دون أن ينظر الله إليها نظرة رحمة ، فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليها و سلم دخل عليها فزعاً يقول : ((لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه - و حلق بإصبعيه الإبهام و التي تليها - .. فقلت يا رسول الله أنهْلَك و فينا الصالحون ؟ قال صلى الله عليه و سلم : نعم إذا كثر الخبث)) و ما أكثر الخبث و المعاصي في أيامنا هذه .
عباد الله ... إن من المعاصي التي تنتشر في الأمة في هذه الأيام ما كان الواحدة منها سبباً لهلاك الآمة ، فلو نظرنا إلى الأمم السابقة و تتبّعنا أخبارها لوجدنا معصية واحدة من معاصينا إذا تفشّت في أمة ممن سبقوا أهلكتهم لوحدها ... فهؤلاء قوم لوطٍ أُخِذوا بمعصية واحدة .. و هؤلاء قومٌ شعيب أُخذوا بتطفيف الميزان و غيرهم .. و غيرهم .
و لكن رحمة الله تعالى بهذه الأمة و استجابة لطلب النبي صلى الله عليه و سلم أن يؤجّل لهذه الأمة حسابها إلى يوم القيامة غير أن هذا لا يعفي الناس من الالتزام بشرع الله تعالى لأنهم إذا ازدادوا في معاصيهم فإن الله يبدلهم بغيرهم كما قال الله تعالى : ((و إن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)) .. و كما قال تعالى : ((و ما أصابك من سيئة فمن نفسك)) .. فالحذر الحذر عباد الله من المعاصي فإن الله تعالى أعلن الحرب على آكلي الربا فقال : ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقيَ من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فاأذَنوا بحربٍ من الله و رسوله)) فكم من آكلي الربا بيننا لا ينتهون و لا يعتبرون و هذا النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ((ما ظهرت الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأمراض التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) فكم من الأمراض ظهرت فينا بمعاصينا.
أخوة الإيمان .. إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقود جيشاً فيه أبو بكر الذي يعادِل إيمانه إيمان أمة ، و فيه عمر الذي لو كان نبياً بعد الحبيب صلى الله عليه و سلم لكان هو ، و فيه عثمان الذي تستحي منه الملائكة ، و فيه عليّ أول فدائي افتدى النبي صلى الله عليه و سلم بروحه و ابن عمه و زوج ابنته .. و مع ذلك كلّه و بمعصية واحدة في غزوة أحد انقلب نصر المؤمنين هزيمة لأن سنن الله تعالى لا تتبدّل ، فكيف بنا نحن فينا ما فينا من المعاصي ثم ننشد الله نصراً على أعدائنا .. فيا ليت قومي يفقهون ..
و هذا النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ((إذا ظهر الزنى و الربا في قومٍ فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله)) و لن يشفع للصالحين صلاحهم إذا نزل بأس الله تعالى و هذا كما أخبر الله تعالى في كتابه ((و اتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة)) ..
و هكذا أخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ((إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه بأهل الأرض ، و إن كان فيهم قوم صالحون ، يصيبهم ما أصاب الناس ثم يرجعون إلى رحمة الله و مغفرته)) ..
أمة الإسلام ... لا يفعلنّ أحدنا كما تفعل النعامة تضع رأسها في التراب و تغفَل ما حولها ، بل لا بدّ لكلّ واحدٍ منا أن يقوم بواجبه بإصلاح نفسه و من يعول بداية ثم ينطلق في مجتمعه آمراً بالمعروف و ناهياً عن المنكر و إلا حقّ عذاب الله و لعنته على من ترك ذلك كما حق على بني إسرائيل فقال تعالى : ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصَوا و كانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه ، لبئس ما كانوا يفعلون)) ... فلنرجع إلى بيوتنا أخوة الإسلام و لننظر فيها من يصلّي و من لا يصلّي ، و من يخفق قلبه على المجاهدين و على آلام المؤمنين و من يخفق قلبه على المطربين و الممثلين و على الكرة و غيرها ، و لننظر لأعراضنا و بناتنا هل هنّ من الضالات المضلات الفاتنات لعباد الله بخروجهن كاسيات عاريات سافرات متبرجات أم أنهن من العفيفات المؤمنات على درب أمهات المؤمنين عليهن رضوان الله .
أخوة الإسلام ... إن الخروج من حالة الشقاء و التعب للأفراد و الدول إنما هو بالعودة إلى شرع الله قولاً و فعلاً و بالمزاوجة بين عبادتنا و حياتنا دونما فصلٍ أو تفريق ، و بهذا تكسب الأمة الخيرية التي وصفها الله بها فقال : ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله)) ... فليقم كلّ واحدٍ منا بواجبه و ليزيل الحجة عن نفسه أمام الله تعالى و قد أخبر بذلك جلّ جلاله فقال : ((و إذْ قالت أمة منهم لم تعِظون قوماً الله مهلِكُهم أو معذّبهم عذاباً شديداً ، قالوا معذرة إلى ربكم و لعلهم يتّقون)) .. فالقيام بالواجب معذِرة إلى الله تعالى و لا نغْترّ بكثرة الفاجرين لأن الله تعالى جعل كثرتهم سنة في الحياة فقال تعالى ((قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث)) ، فليست الكثرة دائماً هي على الحق بل إن الله تعالى قال في كتابه ((و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين))، و قال جلّ جلاله : ((و إن تطِعْ أكثرَ من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله)) ..
فيا أيها المسلمون ... العودة الحميدة إلى شرع الله هي خلاصنا و عندها فقط ندعو الله بقلوب مؤمنة فيستجاب لنا لأن الرحمات إنما تتنزّل بارتفاع الصالحات من الأرض و إلا فيكون مصيرنا كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ((و الذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف و لتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشِكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)) .. و قال عليه الصلاة و السلام : ((إن الناس إذا رأَوْا المنكر و لا يغيّرونه ، أوشك أن يعمّهم الله بعقابٍ منه)) و أيّ عقاب أكثر من اعتلاء أحطّ خلق الله من إخوان القردة و الخنازير من اليهود على الأمة الإسلامية يحكُمون و يتحكّمون بها و بحالها و مالها ، حتى أصبح المسلمون مثالاً للهوان تضرِبه باقي الملل .
و اعلموا عباد الله أن كلّ معصية تترك في القلب نكتة سوداء و أثراً مظلِماً حتى يصبح القلب مغلّفاً بطبقة من المعاصي لا يحلّ حلالاً و لا يحرّم حراماً و كل ذلك بكسب العباد و بفعل المعاصي و هذا مصداقاً لقوله تعالى : ((كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) لذلك وجب علينا الحذر من معاصينا أشدّ الحذر و الله المستعان على ذلك .
فاللهم ردّنا إلى دينك رداً جميلاً و ارفع عنا برحمةٍ منك ما نعيش من ذلّ و هوان إنك على كلّ شيء قدير و بالإجابة جدير ...
يقول الله تعالى: ((ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عمِلوا لعلّهم يرجعون))
أخوة الإسلام لو تسنىّ لواحدٍ منا أن يطرح سؤالاً على كلّ فردٍ من أفراد الأمة الإسلامية (هل أنت فرحٌ مسرور في هذه الدنيا ؟؟) سواء كان المسؤول غنياً أو فقيراً رجلاً أو امرأة حاكماً أو محكوماً شاباً أو شيّباً ، حتماً لكان الجواب بالنفي على لسان كلّ مسؤول ؛ و السؤال الذي نطرحه بدورنا لماذا هذا النفي للسرور و الفرحة لأفراد الأمة الإسلامية ؟! و لماذا هذا الضنك و التعب و البؤس الذي يعيشه كثير من المسلمين ؟! إنها المعاصي عباد الله ، و إنه البعد عن الله سبحانه و تعالى ، و كيف لا يكون ذلك و الله سبحانه و تعالى يقول ((و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً)) .
عباد الله ... قد يقول قائلٌ إن عزْوَ الضنك و الشقاء في الدنيا للإعراض عن الله و للمعاصي فيه شيء من المبالغة ، و لكن حقيقة إخواني في الله لو تتبّعنا الأسباب التي أدّت إلى شقاء الأمة على مستوى الأفراد و الجماعات و الدول لوجدنا مردّها جميعاً إلى هذه المعاصي و إلى هذا البعد عن منهج الله تعالى فإن شقاء الأمة الإسلامية إنما يعود لهوانها على عدوّها و ظهور أعدائها عليها و هذا الأمر إخواني في الله بحدّ ذاته إنما هو سبب حتميّ لبعد الأمة عن الجهاد في سبيل الله و هذه أوّل معصية و أهمّ معصية ترتكبها الأمة بتركها ذروة سنام الإسلام و أعلى شيء في هذا الدين ..
و من هنا قال صلى الله عليه و سلم معلماً و منبّهاً لنا ((إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) ، و أيّ ذلّ أخوة الإيمان في هذه الأمة وصلت إليه بترك الجهاد أكثر من أن يعرِض العدو للأمة حلولاً حول مقدّساتها و أوقات عبادتها و إدارة مساجدها كما يكثر الحديث في هذه الأيام حول طرح موضوع القدس للتّقسيم و لإشراف أعدائنا عليها ، و الفكرة المطروحة من بنات أفكار عدوّنا و المضحك المبكي عباد الله أننا راضون مستسلمون لهذه المصيبة و يرفضها عدوّنا الذي طرحها .
أخوة الإسلام ... إن طرح القدس للتدويل و ليس كلّ القدس و إنما جزء محدود منها و إشراف أعدائنا عليها إنما هو خديعة كبرى و خيانة عظمى ، هذه القدس التي هي أرض وقف إسلامية لا يجوز لأيّ أحد و بأي صفة التنازل عن ذرة تراب واحدة منها وقفها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه – و أشهد على ذلك جيلاً من الصحابة و وضعها أمانة في أعناق الأمة الإسلامية و اشترط لنا ألاّ يسكن فيها أحد من المجرِمين اليهود ، هذا الأمر إن نسيَه البعض أو تناساه فلا بدّ لباقي الأمة أن تبقى متيقّظة لكي لا تصحو يوماً و أولى قبلتها يهدم و ثالث مساجدها يُباد عن الوجود و عندها لن ينفع الندم ، فالمؤامرة اليهودية الصليبية حول القدس إخواني جدّ عظيمة فما تقولون بمطاردة كلّ من يتابع أمور القدس و اعتقالهم و تلفيق التهم إليهم بمسميات عدة و ما ذلك إلا لأن هذه الثلة المؤمنة تزعِج هؤلاء المجرمين .
عباد الله إن ترك الجهاد في سبيل الله يعدّ من أعظم المعاصي لأن أثره ينعكس على الأمة كلها لا على فردٍ دون غيره ، و ترك الجهاد يجعل الأعداء يتجرّأون على الأمة بأسرها كما نرى في أيامنا هذه لا يأبهون لصغيرٍ أو كبير ما دام هذا المصطلح محذوفاً من ذاكرة الأمة بفعل أعدائها و تواطئ عملائها.
أخوة الإسلام ... إن المقياس الوحيد على مرّ العصور الذي تقاس به الأمة الإسلامية عزيزة أم أنها ذليلة إنما هو القدس فمتى كانت القدس في أيدي المسلمين فاعلم أن الغلبة و العزة في ذلك الزمان للمؤمنين و متى كانت القدس أسيرة و مغتصبة في أيدي أعدائنا فهو الدليل على ذلّ الأمة لأعدائها .
عباد الله ... إن المعاصي التي يقترِفها الناس في حياتهم اليومية صغيرة كانت أم كبيرة إنما تؤثر على مجموع المسلمين في جميع شؤون حياتهم حتى على مستوى تلقّي المصائب ، يقول الله تعالى : ((و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير)) فإن الفرد الذي تتوالى عليه المصائب عليه أن ينظر إلى معاصيه و إلى كسب يديه و ليراجع نفسه ثم لينظر ، فإن آب و رجع فإن الله سبحانه يرفع عنه البلاء الذي أصابه و إلا فإن الله يمهِله ثم تأتيه المصيبة التي لا يقوم معها و هذا مصداقٌ لقول الله تعالى : ((فكلاًّ أخذنا بذنبه)) ..
أيها المسلمون ... إن انتشار المصائب المرضيّة من المعاصي كالزنى و الربا و التبرج و السفور و شرب الخمور إنما هو مما يعجّل بهلاك الأمة دون أن ينظر الله إليها نظرة رحمة ، فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليها و سلم دخل عليها فزعاً يقول : ((لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه - و حلق بإصبعيه الإبهام و التي تليها - .. فقلت يا رسول الله أنهْلَك و فينا الصالحون ؟ قال صلى الله عليه و سلم : نعم إذا كثر الخبث)) و ما أكثر الخبث و المعاصي في أيامنا هذه .
عباد الله ... إن من المعاصي التي تنتشر في الأمة في هذه الأيام ما كان الواحدة منها سبباً لهلاك الآمة ، فلو نظرنا إلى الأمم السابقة و تتبّعنا أخبارها لوجدنا معصية واحدة من معاصينا إذا تفشّت في أمة ممن سبقوا أهلكتهم لوحدها ... فهؤلاء قوم لوطٍ أُخِذوا بمعصية واحدة .. و هؤلاء قومٌ شعيب أُخذوا بتطفيف الميزان و غيرهم .. و غيرهم .
و لكن رحمة الله تعالى بهذه الأمة و استجابة لطلب النبي صلى الله عليه و سلم أن يؤجّل لهذه الأمة حسابها إلى يوم القيامة غير أن هذا لا يعفي الناس من الالتزام بشرع الله تعالى لأنهم إذا ازدادوا في معاصيهم فإن الله يبدلهم بغيرهم كما قال الله تعالى : ((و إن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)) .. و كما قال تعالى : ((و ما أصابك من سيئة فمن نفسك)) .. فالحذر الحذر عباد الله من المعاصي فإن الله تعالى أعلن الحرب على آكلي الربا فقال : ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقيَ من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فاأذَنوا بحربٍ من الله و رسوله)) فكم من آكلي الربا بيننا لا ينتهون و لا يعتبرون و هذا النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ((ما ظهرت الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأمراض التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) فكم من الأمراض ظهرت فينا بمعاصينا.
أخوة الإيمان .. إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقود جيشاً فيه أبو بكر الذي يعادِل إيمانه إيمان أمة ، و فيه عمر الذي لو كان نبياً بعد الحبيب صلى الله عليه و سلم لكان هو ، و فيه عثمان الذي تستحي منه الملائكة ، و فيه عليّ أول فدائي افتدى النبي صلى الله عليه و سلم بروحه و ابن عمه و زوج ابنته .. و مع ذلك كلّه و بمعصية واحدة في غزوة أحد انقلب نصر المؤمنين هزيمة لأن سنن الله تعالى لا تتبدّل ، فكيف بنا نحن فينا ما فينا من المعاصي ثم ننشد الله نصراً على أعدائنا .. فيا ليت قومي يفقهون ..
و هذا النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ((إذا ظهر الزنى و الربا في قومٍ فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله)) و لن يشفع للصالحين صلاحهم إذا نزل بأس الله تعالى و هذا كما أخبر الله تعالى في كتابه ((و اتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة)) ..
و هكذا أخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ((إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه بأهل الأرض ، و إن كان فيهم قوم صالحون ، يصيبهم ما أصاب الناس ثم يرجعون إلى رحمة الله و مغفرته)) ..
أمة الإسلام ... لا يفعلنّ أحدنا كما تفعل النعامة تضع رأسها في التراب و تغفَل ما حولها ، بل لا بدّ لكلّ واحدٍ منا أن يقوم بواجبه بإصلاح نفسه و من يعول بداية ثم ينطلق في مجتمعه آمراً بالمعروف و ناهياً عن المنكر و إلا حقّ عذاب الله و لعنته على من ترك ذلك كما حق على بني إسرائيل فقال تعالى : ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصَوا و كانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه ، لبئس ما كانوا يفعلون)) ... فلنرجع إلى بيوتنا أخوة الإسلام و لننظر فيها من يصلّي و من لا يصلّي ، و من يخفق قلبه على المجاهدين و على آلام المؤمنين و من يخفق قلبه على المطربين و الممثلين و على الكرة و غيرها ، و لننظر لأعراضنا و بناتنا هل هنّ من الضالات المضلات الفاتنات لعباد الله بخروجهن كاسيات عاريات سافرات متبرجات أم أنهن من العفيفات المؤمنات على درب أمهات المؤمنين عليهن رضوان الله .
أخوة الإسلام ... إن الخروج من حالة الشقاء و التعب للأفراد و الدول إنما هو بالعودة إلى شرع الله قولاً و فعلاً و بالمزاوجة بين عبادتنا و حياتنا دونما فصلٍ أو تفريق ، و بهذا تكسب الأمة الخيرية التي وصفها الله بها فقال : ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله)) ... فليقم كلّ واحدٍ منا بواجبه و ليزيل الحجة عن نفسه أمام الله تعالى و قد أخبر بذلك جلّ جلاله فقال : ((و إذْ قالت أمة منهم لم تعِظون قوماً الله مهلِكُهم أو معذّبهم عذاباً شديداً ، قالوا معذرة إلى ربكم و لعلهم يتّقون)) .. فالقيام بالواجب معذِرة إلى الله تعالى و لا نغْترّ بكثرة الفاجرين لأن الله تعالى جعل كثرتهم سنة في الحياة فقال تعالى ((قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث)) ، فليست الكثرة دائماً هي على الحق بل إن الله تعالى قال في كتابه ((و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين))، و قال جلّ جلاله : ((و إن تطِعْ أكثرَ من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله)) ..
فيا أيها المسلمون ... العودة الحميدة إلى شرع الله هي خلاصنا و عندها فقط ندعو الله بقلوب مؤمنة فيستجاب لنا لأن الرحمات إنما تتنزّل بارتفاع الصالحات من الأرض و إلا فيكون مصيرنا كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ((و الذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف و لتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشِكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)) .. و قال عليه الصلاة و السلام : ((إن الناس إذا رأَوْا المنكر و لا يغيّرونه ، أوشك أن يعمّهم الله بعقابٍ منه)) و أيّ عقاب أكثر من اعتلاء أحطّ خلق الله من إخوان القردة و الخنازير من اليهود على الأمة الإسلامية يحكُمون و يتحكّمون بها و بحالها و مالها ، حتى أصبح المسلمون مثالاً للهوان تضرِبه باقي الملل .
و اعلموا عباد الله أن كلّ معصية تترك في القلب نكتة سوداء و أثراً مظلِماً حتى يصبح القلب مغلّفاً بطبقة من المعاصي لا يحلّ حلالاً و لا يحرّم حراماً و كل ذلك بكسب العباد و بفعل المعاصي و هذا مصداقاً لقوله تعالى : ((كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) لذلك وجب علينا الحذر من معاصينا أشدّ الحذر و الله المستعان على ذلك .
فاللهم ردّنا إلى دينك رداً جميلاً و ارفع عنا برحمةٍ منك ما نعيش من ذلّ و هوان إنك على كلّ شيء قدير و بالإجابة جدير ...
تعليق