إنهم يُريدون الله
كانت حياتهم مضربا للأمثال في الإخلاص و التجرد, لهم في ذلك قصص و أخبار, إنما هي عبق الزمان الذي تعطّر به, قصص أخفوها و بالغوا في ذلك, حتى أظهرها الله لتكون منارا للسائرين, و عبرة للمعتبرين , و نبراساً يُنير الطريق للكسالى و المتهاونين .
أشبه ما يكون عملهم برجل عمل بليل, فطلع الفجر فرآه كل الناس, و صنف آخر يعملون بالنهار للناس فجاء الليل فطمس كل معالمه.
لما ولي حفص بن غياث- رحمه الله - قاضيا: قال أبو يوسف لأصحابه: تعالوا نكتب نوادر حفص ! فلما وردت أحكامه و قضاياه على أبي يوسف، قال له أصحابه: أين النوادر التي زعمت تكتبها ? قال ويحكم ! إن حفصاً أراد الله فوفقه.
نعم أراد الله فوفقه, أراد الله فوفقه, إنها المعادلة التي لا تتغير و لا تتبدل و لا تتخلف.
وهذا الإمام مالك رحمه الله يقول: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة، و استحلفني أن لا اذكر اسمه في الحديث !
فأبى الله إلا أن يُذكر و يُشكر, و يُدعى له و يُستغفر، و نحن الآن و بعد مئات السنين, و ما زالت الأمة تسطر أخباره بكل فخر و اعتزاز, فيا لله ما أعظم العمل حين يكون لله , و ما أجمل عاقبته .
و هذا شيخ الإسلام طلحة بن مصرف رحمه الله اشتهر بالقراءة، و كان يسمى سيد القراء, فلما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من فيها، ذهب ليقرأ على الأعمش ليسلخ ذلك الاسم عنه ! و لتـنـزل رتبته في أعينهم، و يأبى الله إلا رفعته.
و هذا إمام أهل السنة يقول عنه ابن معين: ما رأيت مثل أحمد صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشئ مما كان فيه من الخير
لأنهم يريدون الله ، انشغلوا به ليرضى عنهم ، فبماذا يفتخرون و هم يوقنون بأن الخير خيره ، و الفضل فضله .
كانت و صاياهم كما قال بشر : لا تعمل لتُذكر، اكتم حسناتك ، كما تكتم سيئاتك .
و كانت آمالهم كما قال الشافعي رحمه الله : وددت أن كل علم اعلمه تعلمه الناس أوجر عليه و لا يحمدوني !
يا للـه ! بمثل هذه العبارات الصادقة يبرز التميز ، و تفترق الطرق ، و يوفق من يوفق ، و يخذل من يخذل ، جمعوا الهم فجعلوه واحداً ، و اختصروا السفر مع اقرب و أسهل طريق ، فبانت لهم المعالم ، و ظهرت لهم العلامات ، حتى اطمأنت قلوبهم ، و فاضت مشاعرهم ، و لواعج الشوق تُزعجهم ، فشمروا و جدوا في السير ، حتى أصبحت أخبارهم مضرباً للمثل ، و نجوماً يهتدي بها السائرون ، قال ابن القيم رحمه الله : " كان الإمام أحمد رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب و كان يُحب تجريد الحديث ، و يكره أن يُكتب كلامه و يشتد عليه جدا ، فعلم الله صدق نيته و حسن قصده فكُتب من كلامه و فتواه أكثر من ثلاثين سفرا ، منّ الله علينا بأكثرها إلا القليل ، و قد جمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ عشرين سفرا " ا.هـ
نعم " فعلم الله صدق نيته و حسن قصده " ما أجمل قراءتها، و أبهى منظرها، و أحسن عاقبتها.
و هذا إمام دار الهجرة، له النصيب الوافر في هذا الباب ، فعن ابن إسحاق بن بابين قال : وجدنا في تركة مالك صندوقين مقفولين فيهما كتب ، فجعل أبي يقرأها ويبكي ويقول: رحمك الله إنك كنت تريد بعملك الله ، لقد جالسته الدهر الطويل وما سمعته يحدث بشيء مما قرأت .
إنهم يريدون الله بعلمهم، و كلامهم، و سكناتهم و حركاتهم ، و جميع أحوالهم و حالاتهم ، فهذا عالم المغرب يقول عنه احد تلاميذه : كان سحنون صمته لله ، وكلامه لله، إذا أعجبه الكلام صمت، وإذا أعجبه الصمت تكلم.
و قال ابن متعب: ما عمل سحنون قط شيئاً إلا لله، ولا تكلم بشيء إلا لله، فلذلك عظم خطره.
نعم و لذلك عظم خطره , و تعطّر ذكره , و بقي الثناء له و الترحم عليه , حتى إنهم لا يأبهون برأي الناس و لا يُعيرونه اهتماماً ، و لا تعني الاتهامات و الظنون لهم شيئا ، فهذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ، كان يتهمه الناس بالبخل في حياته ، فلما مات نشر الله له الثناء الحسن ، و أظهر ما كان يُخفيه بالليل عن الناس ، حتى قال أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السر إلا بعد ما مات علي بن الحسين .
و إذا كان هذا في العطاء لله ، فهناك من يترك لله ، فهذا أبو عبد الله محمد بن عتاب القرطبي خلّف صندوقاً مقفلاً قد أوصى ألا يُفتح إلا بعد موته، فلما مات فتح ، فإذا فيه أربعة كتب من أربعة رؤساء: ابن عباد وابن الأفطس وابن صمادح وابن هود، كل منهم يدعوه الى نفسه وتقلّد القضاء ببلده، وقد كتب على كل كتاب منها: تركت هذا لله .
سبحان الله ! تأتيه الطلبات من الملوك والرؤساء، لنيل المراتب والوظائف العالية، فيجعل هذا كله في صندوق ! نعم إنهم يُريدون الله.
و لا ننسى أن نذكر الصحابة رضوان الله عليهم ، لأنهم يتبوءون مركز الصدارة في هذا الباب ، فترك الله لهم الذكر الحسن ، و جُمعت أخبارهم و أقوالهم و أحوالهم في بطون الكتب و صدور الرجال ، و أصبحت سيرهم على كل لسان ، فلا ترى مسلماً إلا و يُثني عليهم و يُجلهم و يحفظ نبذة من أخبارهم و أحوالهم ، لأن ما كان لله يبقى و ينتفع الناس به ، قال علي بن الفضيل لأبيه يا أبت: ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , قال يا بني: وتدري بما حلا ؟ قال: لا , قال: لأنهم أرادوا به الله تعالى.
و قد ذكر الله أنهم ( يبتغون فضلاً من ربهم و رضوانا ) و أنهم ( يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ) ، و علق الذهبي على قصة لأمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – فقال : " و لم يكن سعيد بن زيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة و الجلالة و إنما تركه عمر رضي الله عنه لئلا يبقى شائبة حظ لأنه ختنه و ابن عمه ، و لو ذكره في الشورى لقال الرافضي حابى ابن عمه ، فأخرج منها و لده و عصبته ، فكذلك فليكن العمل لله " ا.هــ
نعم كذا فليكن العمل لله ، و ما أكثر هذه النماذج و القصص و الأخبار عن الصحابة في هذا المجال .
فالواجب على المربين و المتصدين للتعليم و التوجيه ، تعميق هذا المفهوم في النفوس ، لأن هذا هو الطريق للرضوان و الفوز و الفلاح ، فالمطلوب أن نكون دعاة لله عز و جل ، لا لأنفسنا و حظوظنا و شهواتنا ( و ما يُلقاها إلا الذين صبروا و ما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم ) .
كانت حياتهم مضربا للأمثال في الإخلاص و التجرد, لهم في ذلك قصص و أخبار, إنما هي عبق الزمان الذي تعطّر به, قصص أخفوها و بالغوا في ذلك, حتى أظهرها الله لتكون منارا للسائرين, و عبرة للمعتبرين , و نبراساً يُنير الطريق للكسالى و المتهاونين .
أشبه ما يكون عملهم برجل عمل بليل, فطلع الفجر فرآه كل الناس, و صنف آخر يعملون بالنهار للناس فجاء الليل فطمس كل معالمه.
لما ولي حفص بن غياث- رحمه الله - قاضيا: قال أبو يوسف لأصحابه: تعالوا نكتب نوادر حفص ! فلما وردت أحكامه و قضاياه على أبي يوسف، قال له أصحابه: أين النوادر التي زعمت تكتبها ? قال ويحكم ! إن حفصاً أراد الله فوفقه.
نعم أراد الله فوفقه, أراد الله فوفقه, إنها المعادلة التي لا تتغير و لا تتبدل و لا تتخلف.
وهذا الإمام مالك رحمه الله يقول: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة، و استحلفني أن لا اذكر اسمه في الحديث !
فأبى الله إلا أن يُذكر و يُشكر, و يُدعى له و يُستغفر، و نحن الآن و بعد مئات السنين, و ما زالت الأمة تسطر أخباره بكل فخر و اعتزاز, فيا لله ما أعظم العمل حين يكون لله , و ما أجمل عاقبته .
و هذا شيخ الإسلام طلحة بن مصرف رحمه الله اشتهر بالقراءة، و كان يسمى سيد القراء, فلما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من فيها، ذهب ليقرأ على الأعمش ليسلخ ذلك الاسم عنه ! و لتـنـزل رتبته في أعينهم، و يأبى الله إلا رفعته.
و هذا إمام أهل السنة يقول عنه ابن معين: ما رأيت مثل أحمد صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشئ مما كان فيه من الخير
لأنهم يريدون الله ، انشغلوا به ليرضى عنهم ، فبماذا يفتخرون و هم يوقنون بأن الخير خيره ، و الفضل فضله .
كانت و صاياهم كما قال بشر : لا تعمل لتُذكر، اكتم حسناتك ، كما تكتم سيئاتك .
و كانت آمالهم كما قال الشافعي رحمه الله : وددت أن كل علم اعلمه تعلمه الناس أوجر عليه و لا يحمدوني !
يا للـه ! بمثل هذه العبارات الصادقة يبرز التميز ، و تفترق الطرق ، و يوفق من يوفق ، و يخذل من يخذل ، جمعوا الهم فجعلوه واحداً ، و اختصروا السفر مع اقرب و أسهل طريق ، فبانت لهم المعالم ، و ظهرت لهم العلامات ، حتى اطمأنت قلوبهم ، و فاضت مشاعرهم ، و لواعج الشوق تُزعجهم ، فشمروا و جدوا في السير ، حتى أصبحت أخبارهم مضرباً للمثل ، و نجوماً يهتدي بها السائرون ، قال ابن القيم رحمه الله : " كان الإمام أحمد رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب و كان يُحب تجريد الحديث ، و يكره أن يُكتب كلامه و يشتد عليه جدا ، فعلم الله صدق نيته و حسن قصده فكُتب من كلامه و فتواه أكثر من ثلاثين سفرا ، منّ الله علينا بأكثرها إلا القليل ، و قد جمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ عشرين سفرا " ا.هـ
نعم " فعلم الله صدق نيته و حسن قصده " ما أجمل قراءتها، و أبهى منظرها، و أحسن عاقبتها.
و هذا إمام دار الهجرة، له النصيب الوافر في هذا الباب ، فعن ابن إسحاق بن بابين قال : وجدنا في تركة مالك صندوقين مقفولين فيهما كتب ، فجعل أبي يقرأها ويبكي ويقول: رحمك الله إنك كنت تريد بعملك الله ، لقد جالسته الدهر الطويل وما سمعته يحدث بشيء مما قرأت .
إنهم يريدون الله بعلمهم، و كلامهم، و سكناتهم و حركاتهم ، و جميع أحوالهم و حالاتهم ، فهذا عالم المغرب يقول عنه احد تلاميذه : كان سحنون صمته لله ، وكلامه لله، إذا أعجبه الكلام صمت، وإذا أعجبه الصمت تكلم.
و قال ابن متعب: ما عمل سحنون قط شيئاً إلا لله، ولا تكلم بشيء إلا لله، فلذلك عظم خطره.
نعم و لذلك عظم خطره , و تعطّر ذكره , و بقي الثناء له و الترحم عليه , حتى إنهم لا يأبهون برأي الناس و لا يُعيرونه اهتماماً ، و لا تعني الاتهامات و الظنون لهم شيئا ، فهذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ، كان يتهمه الناس بالبخل في حياته ، فلما مات نشر الله له الثناء الحسن ، و أظهر ما كان يُخفيه بالليل عن الناس ، حتى قال أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السر إلا بعد ما مات علي بن الحسين .
و إذا كان هذا في العطاء لله ، فهناك من يترك لله ، فهذا أبو عبد الله محمد بن عتاب القرطبي خلّف صندوقاً مقفلاً قد أوصى ألا يُفتح إلا بعد موته، فلما مات فتح ، فإذا فيه أربعة كتب من أربعة رؤساء: ابن عباد وابن الأفطس وابن صمادح وابن هود، كل منهم يدعوه الى نفسه وتقلّد القضاء ببلده، وقد كتب على كل كتاب منها: تركت هذا لله .
سبحان الله ! تأتيه الطلبات من الملوك والرؤساء، لنيل المراتب والوظائف العالية، فيجعل هذا كله في صندوق ! نعم إنهم يُريدون الله.
و لا ننسى أن نذكر الصحابة رضوان الله عليهم ، لأنهم يتبوءون مركز الصدارة في هذا الباب ، فترك الله لهم الذكر الحسن ، و جُمعت أخبارهم و أقوالهم و أحوالهم في بطون الكتب و صدور الرجال ، و أصبحت سيرهم على كل لسان ، فلا ترى مسلماً إلا و يُثني عليهم و يُجلهم و يحفظ نبذة من أخبارهم و أحوالهم ، لأن ما كان لله يبقى و ينتفع الناس به ، قال علي بن الفضيل لأبيه يا أبت: ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , قال يا بني: وتدري بما حلا ؟ قال: لا , قال: لأنهم أرادوا به الله تعالى.
و قد ذكر الله أنهم ( يبتغون فضلاً من ربهم و رضوانا ) و أنهم ( يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ) ، و علق الذهبي على قصة لأمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – فقال : " و لم يكن سعيد بن زيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة و الجلالة و إنما تركه عمر رضي الله عنه لئلا يبقى شائبة حظ لأنه ختنه و ابن عمه ، و لو ذكره في الشورى لقال الرافضي حابى ابن عمه ، فأخرج منها و لده و عصبته ، فكذلك فليكن العمل لله " ا.هــ
نعم كذا فليكن العمل لله ، و ما أكثر هذه النماذج و القصص و الأخبار عن الصحابة في هذا المجال .
فالواجب على المربين و المتصدين للتعليم و التوجيه ، تعميق هذا المفهوم في النفوس ، لأن هذا هو الطريق للرضوان و الفوز و الفلاح ، فالمطلوب أن نكون دعاة لله عز و جل ، لا لأنفسنا و حظوظنا و شهواتنا ( و ما يُلقاها إلا الذين صبروا و ما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم ) .
تعليق