السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني الكرام سوف نتناول في هزا الدرس تاريخ المولد النبوي وحكم الاحتفال بة واقوال العلاماء في زالك وشبه وردود والله المستعان
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى الله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً إلى يوم الدين.. أما بعد:
أخي المسلم.. أختي المسلمة..
في مثل هذه الأيام يحتفل فئام من البشر بيوم مولد محمد صلى الله عليه وسلم، وهم من وقت ليس ببعيد يعدون العدة ويجهزون الأجهزة استعداداً للاحتفال لهذا اليوم، فالأضواء قد علقت في أعمدة الشوارع، والبيوت قد زينت بالزهور والورود، والحلويات قد أصبح لها سوق رائجة للبيع، وبعض الأمكنة استئجرت حتى يُفْعَل بها هذا الاحتفال، والمعازف والطبول والدفوف وأشياء كثيرة كثيرة قد نُفِضَ عنها الغبار استعداداً لذكرى المولد النبوي!!
فهل فعل هذا من الأمور التي ترضي الرب تبارك وتعالى؟ وما هو حكمه؟ وهل فعله السلف أو أقروه؟ إلى غير ذلك من الأشياء التي سأطرقها في هذا البحث اليسير.
وقبل أن أصول وأجول في ثنايا هذا البحث فإني سأذكر مقدمة يسيرة نافعة بإذن الله عز وجل لمن أراد الله هدايته وأبعده عن أسباب شقاوته، كلها من سلسبيل القرآن ومشكاة الحديث والسنة، فهما المنهل العذب الزلال على قلوب أهل الإيمان، والصواعق المردية لأهل الكفر والضلال.
فهذه مقدمة نافعة في الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة، ووجوب طاعة الله ورسوله، وأن مرجع أهل السنة والجماعة في استدلالهم هو كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام لا إلى آراء الناس وعقول المشايخ، نقول فيها:
يا مَن يقرأ هذا الكلام المزبور والخط المسطور، قد أنزل الله علينا هذا القرآن ليكون الهادي لنا في ظلمات الحياة، ومنيراً للصراط المستقيم، وقائداً يدعو البشرية جمعاء إلى جنة خلد أعدت للمؤمنين. وقد ذكر الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم آيات كثيرة بلغت ثلاثاً وثلاثين آية كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل ـ قدس الله روحه ـ كلها في الأمر والحث على طاعة الله ورسله والتمسك بغرز القرآن والسنة فقد قال تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعض الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} [الأحزاب: 36].
فقد ذكر الله أنه لا يكون للمؤمنين إذا قضى الله ورسوله عليهم أي أمر، وتأمل هنا قوله تعالى {أمراً} فهي نكرة في سياق النفي فهي تعم كل أمر، فإذا قضى الله ورسوله أي أمر لا يكون لهم أن يتخيروا من أمرهم هذا غير الذي قضى فيهم ثم ذكر الله عزل وجل أن من عصى الله ورسوله فهو في ضلال بعيد؛ لأنه يأبى ما قضاه الله ورسوله عليه وخالف أمرهما.
وقال تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 51 ـ 52].
وقال تعالى {..فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 36].
وقال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..} [الحشر: 7].
وقال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} [المائدة: 92].
وقد حذرنا الله عز وجل من الإشراك بطاعته فقال {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121]، وقال تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله..} [الشورى: 21]، وقال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا..} [لقمان: 21]، وقال تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} [النساء: 61].
ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالتمسك بسنته فيقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". (مسند أحمد 4/126، وانظر صحيح الجامع 2546).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". (صحيح مسلم867).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري 2697، ومسلم 1718).
والعجب كل العجب ـ والله ـ أن ترى كثيراً ممن ينتسبون للإسلام ويقولون بألسنتهم نحن نحب الله ورسوله فإذا أنكرت عليهم شيئاً من منكرات في الدين ظاهرةٍ عليهم، جادلوك بألسنتهم وبدءوا يستندون بأقوال لبعض من ينتسب إلى العلم، وهي أقوال "ساقطة" وصدق من قال: "لكل ساقطة لاقطة"، ثم إذا قلت لهم قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجوا وأكثروا وقالوا أنت قرن مماحك، فواأسفاه على أناس أعرضوا عن الكتاب والسنة، وكأنّ هذين الأصلين من أًول شريعتنا لا اعتبار لهما في مجرى حياتهم، ويأتي آخرون من هذا الصنف ثم يقولون وهل أنت أعلم من الشيخ الفلاني أو العالم الرباني فهم يرونا نفعل مثل هذه الأمور التي تدعون أنها منكرات وبدع ولم ينكروا علينا ما نفعله؟
وهذه طامة كبيرة وقارعة خطيرة حيث أن مثل هؤلاء قد أجّروا عقولهم لمشايخهم ولم يريدوا أن يطلبوا أدلة الكتابة والسنة؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لتركوا منكرات كثيرة وقعوا بها ولما أقلعوا عن البدع والمعاصي التي تحيط بهم. وأعيذك الله أخي وأنت يا أختاه أن تكونا من مثل هذا النوع فإن الهوى استحكم على قلوبهم فهم إما أن يناقشوك بآرائهم وأهوائهم أو بآراء مشايخهم بلا استناد للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وقد قال الشاعر ينكر على المحتجين بكلام شيوخهم:ـ
أقول قال الله قال رسوله *** فتجيب شيخي إنه قد قالَ
وأمثال هؤلاء قليل ـ إن شاء الله ـ وأسأله تعالى أن يهديهم ويصلح شأنهم.
وقد يحصل لك في النقاش مع مثل هذه النخبة من البشر أنهم يقولون لك هذه وجهة نظرنا وما ندين الله به وأنت يا من تناقشني برأيك هذه هي وجهة نظرك وما تدين الله به، والحمد لله كل على هدى مستقيم.
وهذه شبهة ألقاها عليهم شيخهم ـ إبليس الرجيم ـ وإلا فإن الجواب عن ذلك أن يقال: أن المرجع في النزاع والنقاش هو كتاب الله سبحانه وتعلى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} [النساء: 59].
وقال تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله..} [الشورى: 10].
نعم، هذا هو مرجعنا كتاب الله عز وجل..
لا تذكـــر الكتب الســـوالف *** طلع النهار فأطفئ القنديلا
إذاً ما يدعي به أهل الهوى من أنّ آرائهم هي التي يدينون الله بها فكلامهم هذا مردود عليهم، وعلى هذا فإن اليهود والنصارى يدينون الله بما هم عليه من الكفر والضلال ولن ينقذهم كلامهم هذا عند الله شيئاً.
وأنا الآن أطلب من القارئ الكريم والأخت الكريمة أن يتجردا للحق فالحق أحق أن يتبع فماذا بعد الحق إلا الضلال، وحذار حذار من الهوى فالله عز وجل يقول {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26] وقال: {بل اتبع الذين ظلموا أهوائهم}.
وقد أحسن من قال:
إن الهوان هو الهوى قلب اسمه *** فـــإذا هَوِيتَ فقــد لقيت هوانــــاً
وأختم بقول الله سبحانه {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153]، وليكن شعار كل مسلم طالب للحق مبتعد عن الباطل أن يقول ما قاله أحد المتقدمين ـ رحمه الله ـ:
كتــاب الله عــز وجــل قولي *** ومــا صحت به الآثــار ديني
فدع ما صدّ عن هذي وخذها *** تكــن منها عــلى عين اليقين
في حكم الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم.
في يوم 12/ 3 يحتفل جمع من الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة إن الاحتفال بمثل هذا اليوم واتخاذه عيداً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها كتاب ولا سنة ولا إجماع سلف الأمة.
بل الأمة الإسلامية في عهد القرون الثلاثة الأولى التي فضلها محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها لا تعرف احتفالاً ولا عيداً إلا الأضحى والفطر، أما سواهما من الأعياد والذكريات فهو لغو غير معدود ولا معروف عندهم، بل لا تشرئب إليها أنفسهم، ولا ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي الإنكار على كل من خالف الإسلام بكفر أو بدعة أو معصية، ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت بيوتاتهم من البدع المنكرة، والأمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسألا ويقولا:
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين، ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الاحتفال مع أنهم أحب للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً، ومن تعبّد الله بما لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال الإمام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فما دام أن السلف لم يفعلوا مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا ألا نفعلها، وقد قال الناظم:
وكل خير في إتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لاختصت بفضل معين، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته لا تكون في يوم واحد بل في كل الأيام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلاط الرجال بالنساء، وفيها الغلو بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أنّ بعضهم قد يجعله في مقام الربوبية، وبعضهم يظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم يحضر المولد فيقومون له محييين ومرحبين، ويكون كذلك من المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلات الموسيقى، وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب. وكل هذه الأمور منكرة محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذاً به سبحانه ـ فكيف إذا اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي بسند صحيح. ولفظه: "كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين فهي بدعة وأمّا من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك بقول الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من مخلوقات الله عز وجل لا تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، وقد سرت بدعتهم هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن تيمية، وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص، ولو كان قصد هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لأنهم قرءوا كتبنا الإسلامية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره..." ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً بما "رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، وإتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات" أ.ه. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (155) المنتدى الإسلامي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون، وهم من الباطنيين، وقد حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع الهجري، وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) أنه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جداً، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: "ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد..". [الرد على الرفاعي والبوطي، للعباد (82ـ83). وكتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، (2/451ـ452)].
وقال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (44ـ45) : "مما حدث وكثر السؤال عنه الموالد فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب...". [القول الفصل، إسماعيل الأنصاري (2/457ـ458)].
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 137) عن هذا الملك وهو أبو سعيد كوكبوري: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً.. [إلى أن قال:] قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة آلف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.. [إلى أن قال:] ويعمل الصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (140)].
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346): "هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه. [مجموعة الرسائل والتوجيهات، محمد جميل زينو (1/199)].
وقال ياقوت في معجمه (1/138) عن الملك المظفر صاحب إربل وقد كان من معاصريه: "طباع هذا الأمير متضادة، فإنه كثير الظلم، عسوف بالرعية، راغب في أخذ الأموال من غير وجهها" ا.ه
إذاًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل الظالم المتعسف المبتدع، فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هؤلاء المبتدعة؟
12ـ ومن الأمور التي تجعلنا نقول إن الاحتفال بذكرى المولد بدعة، أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (142)].
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لأنها تجر الإنسان إلى الشرك بالله وقد لا يعلم ذلك، ولأن صاحبها يعتقد أنه على صواب ويجادل عن جواز بدعته، أما صاحب المعصية يعلم أن المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلزَم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين الإسلام وهلم جراً، ثم أن محمداً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول "فلأي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلاده، ولا يحزنون بموته لولا قسوة القلب"، وعلى هذا الإلزام يكون في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا بالموالد والذكريات.
في حكم الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم.
في يوم 12/ 3 يحتفل جمع من الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة إن الاحتفال بمثل هذا اليوم واتخاذه عيداً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها كتاب ولا سنة ولا إجماع سلف الأمة.
بل الأمة الإسلامية في عهد القرون الثلاثة الأولى التي فضلها محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها لا تعرف احتفالاً ولا عيداً إلا الأضحى والفطر، أما سواهما من الأعياد والذكريات فهو لغو غير معدود ولا معروف عندهم، بل لا تشرئب إليها أنفسهم، ولا ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي الإنكار على كل من خالف الإسلام بكفر أو بدعة أو معصية، ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت بيوتاتهم من البدع المنكرة، والأمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسألا ويقولا:
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين، ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الاحتفال مع أنهم أحب للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً، ومن تعبّد الله بما لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال الإمام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فما دام أن السلف لم يفعلوا مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا ألا نفعلها، وقد قال الناظم:
وكل خير في إتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لاختصت بفضل معين، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته لا تكون في يوم واحد بل في كل الأيام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلاط الرجال بالنساء، وفيها الغلو بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أنّ بعضهم قد يجعله في مقام الربوبية، وبعضهم يظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم يحضر المولد فيقومون له محييين ومرحبين، ويكون كذلك من المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلات الموسيقى، وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب. وكل هذه الأمور منكرة محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذاً به سبحانه ـ فكيف إذا اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي بسند صحيح. ولفظه: "كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين فهي بدعة وأمّا من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك بقول الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من مخلوقات الله عز وجل لا تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، وقد سرت بدعتهم هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن تيمية، وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص، ولو كان قصد هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لأنهم قرءوا كتبنا الإسلامية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره..." ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً بما "رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، وإتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات" أ.ه. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (155) المنتدى الإسلامي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون، وهم من الباطنيين، وقد حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع الهجري، وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) أنه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جداً، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: "ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد..". [الرد على الرفاعي والبوطي، للعباد (82ـ83). وكتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، (2/451ـ452)].
وقال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (44ـ45) : "مما حدث وكثر السؤال عنه الموالد فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب...". [القول الفصل، إسماعيل الأنصاري (2/457ـ458)].
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 137) عن هذا الملك وهو أبو سعيد كوكبوري: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً.. [إلى أن قال:] قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة آلف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.. [إلى أن قال:] ويعمل الصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (140)].
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346): "هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه. [مجموعة الرسائل والتوجيهات، محمد جميل زينو (1/199)].
وقال ياقوت في معجمه (1/138) عن الملك المظفر صاحب إربل وقد كان من معاصريه: "طباع هذا الأمير متضادة، فإنه كثير الظلم، عسوف بالرعية، راغب في أخذ الأموال من غير وجهها" ا.ه
إذاًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل الظالم المتعسف المبتدع، فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هؤلاء المبتدعة؟
12ـ ومن الأمور التي تجعلنا نقول إن الاحتفال بذكرى المولد بدعة، أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (142)].
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لأنها تجر الإنسان إلى الشرك بالله وقد لا يعلم ذلك، ولأن صاحبها يعتقد أنه على صواب ويجادل عن جواز بدعته، أما صاحب المعصية يعلم أن المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلزَم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين الإسلام وهلم جراً، ثم أن محمداً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول "فلأي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلاده، ولا يحزنون بموته لولا قسوة القلب"، وعلى هذا الإلزام يكون في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا بالموالد والذكريات.
في حكم الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم.
في يوم 12/ 3 يحتفل جمع من الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة إن الاحتفال بمثل هذا اليوم واتخاذه عيداً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها كتاب ولا سنة ولا إجماع سلف الأمة.
بل الأمة الإسلامية في عهد القرون الثلاثة الأولى التي فضلها محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها لا تعرف احتفالاً ولا عيداً إلا الأضحى والفطر، أما سواهما من الأعياد والذكريات فهو لغو غير معدود ولا معروف عندهم، بل لا تشرئب إليها أنفسهم، ولا ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي الإنكار على كل من خالف الإسلام بكفر أو بدعة أو معصية، ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت بيوتاتهم من البدع المنكرة، والأمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسألا ويقولا:
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين، ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الاحتفال مع أنهم أحب للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً، ومن تعبّد الله بما لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال الإمام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فما دام أن السلف لم يفعلوا مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا ألا نفعلها، وقد قال الناظم:
وكل خير في إتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لاختصت بفضل معين، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته لا تكون في يوم واحد بل في كل الأيام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلاط الرجال بالنساء، وفيها الغلو بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أنّ بعضهم قد يجعله في مقام الربوبية، وبعضهم يظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم يحضر المولد فيقومون له محييين ومرحبين، ويكون كذلك من المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلات الموسيقى، وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب. وكل هذه الأمور منكرة محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذاً به سبحانه ـ فكيف إذا اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي بسند صحيح. ولفظه: "كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين فهي بدعة وأمّا من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك بقول الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من مخلوقات الله عز وجل لا تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، وقد سرت بدعتهم هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن تيمية، وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص، ولو كان قصد هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لأنهم قرءوا كتبنا الإسلامية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره..." ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً بما "رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، وإتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات" أ.ه. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (155) المنتدى الإسلامي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون، وهم من الباطنيين، وقد حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع الهجري، وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) أنه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جداً، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: "ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد..". [الرد على الرفاعي والبوطي، للعباد (82ـ83). وكتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، (2/451ـ452)].
وقال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (44ـ45) : "مما حدث وكثر السؤال عنه الموالد فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب...". [القول الفصل، إسماعيل الأنصاري (2/457ـ458)].
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 137) عن هذا الملك وهو أبو سعيد كوكبوري: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً.. [إلى أن قال:] قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة آلف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.. [إلى أن قال:] ويعمل الصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (140)].
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346): "هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه. [مجموعة الرسائل والتوجيهات، محمد جميل زينو (1/199)].
وقال ياقوت في معجمه (1/138) عن الملك المظفر صاحب إربل وقد كان من معاصريه: "طباع هذا الأمير متضادة، فإنه كثير الظلم، عسوف بالرعية، راغب في أخذ الأموال من غير وجهها" ا.ه
إذاًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل الظالم المتعسف المبتدع، فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هؤلاء المبتدعة؟
12ـ ومن الأمور التي تجعلنا نقول إن الاحتفال بذكرى المولد بدعة، أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (142)].
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لأنها تجر الإنسان إلى الشرك بالله وقد لا يعلم ذلك، ولأن صاحبها يعتقد أنه على صواب ويجادل عن جواز بدعته، أما صاحب المعصية يعلم أن المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلزَم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين الإسلام وهلم جراً، ثم أن محمداً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول "فلأي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلاده، ولا يحزنون بموته لولا قسوة القلب"، وعلى هذا الإلزام يكون في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا بالموالد والذكريات.
.". موقف أهل السنة والجماعة من بدعة المولد
اتفق العلماء من السلف الصالح - رحمهم الله – على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ، أمر محدث مبتدع في الدين ، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن التابعين وتابعيهم ، ولا علماء الأمة المشهورين كالأئمة الأربعة ونحوهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول ، التي يقال إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم )
وقال – أيضا – في – " اقتضاء الصراط المستقيم " : (( فصل . ومن المنكرات في هذا الباب : سائر الأعياد والمواسم المبتدعة ، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم ، أو لم تبلغه ؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها ؛ لسببين :
أحدهما : أن فيها مشابهة للكفار .
والثاني : أنها من البدع . فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر ، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب ؛ ))
وقد ذكر رحمه الله تعالى توجيه ذلك فقال : (( أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات ، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر – رضي الله عنهما – قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : ؛" بعثت أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين إصبعيه : السبابة والوسطى - ويقول :" أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " وفي رواية للنسائي : " وكل ضلالة في النار " . ))
وبين رحمه الله تعالى أن الزمان ثلاثة أنواع ويدخل فيها بعض أعياد المكان والأفعال
أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة الإسلامية أصلا ، ولم يكن له ذكر في السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
اخواني الكرام سوف نتناول في هزا الدرس تاريخ المولد النبوي وحكم الاحتفال بة واقوال العلاماء في زالك وشبه وردود والله المستعان
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى الله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً إلى يوم الدين.. أما بعد:
أخي المسلم.. أختي المسلمة..
في مثل هذه الأيام يحتفل فئام من البشر بيوم مولد محمد صلى الله عليه وسلم، وهم من وقت ليس ببعيد يعدون العدة ويجهزون الأجهزة استعداداً للاحتفال لهذا اليوم، فالأضواء قد علقت في أعمدة الشوارع، والبيوت قد زينت بالزهور والورود، والحلويات قد أصبح لها سوق رائجة للبيع، وبعض الأمكنة استئجرت حتى يُفْعَل بها هذا الاحتفال، والمعازف والطبول والدفوف وأشياء كثيرة كثيرة قد نُفِضَ عنها الغبار استعداداً لذكرى المولد النبوي!!
فهل فعل هذا من الأمور التي ترضي الرب تبارك وتعالى؟ وما هو حكمه؟ وهل فعله السلف أو أقروه؟ إلى غير ذلك من الأشياء التي سأطرقها في هذا البحث اليسير.
وقبل أن أصول وأجول في ثنايا هذا البحث فإني سأذكر مقدمة يسيرة نافعة بإذن الله عز وجل لمن أراد الله هدايته وأبعده عن أسباب شقاوته، كلها من سلسبيل القرآن ومشكاة الحديث والسنة، فهما المنهل العذب الزلال على قلوب أهل الإيمان، والصواعق المردية لأهل الكفر والضلال.
فهذه مقدمة نافعة في الأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة، ووجوب طاعة الله ورسوله، وأن مرجع أهل السنة والجماعة في استدلالهم هو كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام لا إلى آراء الناس وعقول المشايخ، نقول فيها:
يا مَن يقرأ هذا الكلام المزبور والخط المسطور، قد أنزل الله علينا هذا القرآن ليكون الهادي لنا في ظلمات الحياة، ومنيراً للصراط المستقيم، وقائداً يدعو البشرية جمعاء إلى جنة خلد أعدت للمؤمنين. وقد ذكر الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم آيات كثيرة بلغت ثلاثاً وثلاثين آية كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل ـ قدس الله روحه ـ كلها في الأمر والحث على طاعة الله ورسله والتمسك بغرز القرآن والسنة فقد قال تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعض الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} [الأحزاب: 36].
فقد ذكر الله أنه لا يكون للمؤمنين إذا قضى الله ورسوله عليهم أي أمر، وتأمل هنا قوله تعالى {أمراً} فهي نكرة في سياق النفي فهي تعم كل أمر، فإذا قضى الله ورسوله أي أمر لا يكون لهم أن يتخيروا من أمرهم هذا غير الذي قضى فيهم ثم ذكر الله عزل وجل أن من عصى الله ورسوله فهو في ضلال بعيد؛ لأنه يأبى ما قضاه الله ورسوله عليه وخالف أمرهما.
وقال تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 51 ـ 52].
وقال تعالى {..فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 36].
وقال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..} [الحشر: 7].
وقال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} [المائدة: 92].
وقد حذرنا الله عز وجل من الإشراك بطاعته فقال {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121]، وقال تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله..} [الشورى: 21]، وقال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا..} [لقمان: 21]، وقال تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} [النساء: 61].
ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالتمسك بسنته فيقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". (مسند أحمد 4/126، وانظر صحيح الجامع 2546).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". (صحيح مسلم867).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري 2697، ومسلم 1718).
والعجب كل العجب ـ والله ـ أن ترى كثيراً ممن ينتسبون للإسلام ويقولون بألسنتهم نحن نحب الله ورسوله فإذا أنكرت عليهم شيئاً من منكرات في الدين ظاهرةٍ عليهم، جادلوك بألسنتهم وبدءوا يستندون بأقوال لبعض من ينتسب إلى العلم، وهي أقوال "ساقطة" وصدق من قال: "لكل ساقطة لاقطة"، ثم إذا قلت لهم قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجوا وأكثروا وقالوا أنت قرن مماحك، فواأسفاه على أناس أعرضوا عن الكتاب والسنة، وكأنّ هذين الأصلين من أًول شريعتنا لا اعتبار لهما في مجرى حياتهم، ويأتي آخرون من هذا الصنف ثم يقولون وهل أنت أعلم من الشيخ الفلاني أو العالم الرباني فهم يرونا نفعل مثل هذه الأمور التي تدعون أنها منكرات وبدع ولم ينكروا علينا ما نفعله؟
وهذه طامة كبيرة وقارعة خطيرة حيث أن مثل هؤلاء قد أجّروا عقولهم لمشايخهم ولم يريدوا أن يطلبوا أدلة الكتابة والسنة؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لتركوا منكرات كثيرة وقعوا بها ولما أقلعوا عن البدع والمعاصي التي تحيط بهم. وأعيذك الله أخي وأنت يا أختاه أن تكونا من مثل هذا النوع فإن الهوى استحكم على قلوبهم فهم إما أن يناقشوك بآرائهم وأهوائهم أو بآراء مشايخهم بلا استناد للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وقد قال الشاعر ينكر على المحتجين بكلام شيوخهم:ـ
أقول قال الله قال رسوله *** فتجيب شيخي إنه قد قالَ
وأمثال هؤلاء قليل ـ إن شاء الله ـ وأسأله تعالى أن يهديهم ويصلح شأنهم.
وقد يحصل لك في النقاش مع مثل هذه النخبة من البشر أنهم يقولون لك هذه وجهة نظرنا وما ندين الله به وأنت يا من تناقشني برأيك هذه هي وجهة نظرك وما تدين الله به، والحمد لله كل على هدى مستقيم.
وهذه شبهة ألقاها عليهم شيخهم ـ إبليس الرجيم ـ وإلا فإن الجواب عن ذلك أن يقال: أن المرجع في النزاع والنقاش هو كتاب الله سبحانه وتعلى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} [النساء: 59].
وقال تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله..} [الشورى: 10].
نعم، هذا هو مرجعنا كتاب الله عز وجل..
لا تذكـــر الكتب الســـوالف *** طلع النهار فأطفئ القنديلا
إذاً ما يدعي به أهل الهوى من أنّ آرائهم هي التي يدينون الله بها فكلامهم هذا مردود عليهم، وعلى هذا فإن اليهود والنصارى يدينون الله بما هم عليه من الكفر والضلال ولن ينقذهم كلامهم هذا عند الله شيئاً.
وأنا الآن أطلب من القارئ الكريم والأخت الكريمة أن يتجردا للحق فالحق أحق أن يتبع فماذا بعد الحق إلا الضلال، وحذار حذار من الهوى فالله عز وجل يقول {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26] وقال: {بل اتبع الذين ظلموا أهوائهم}.
وقد أحسن من قال:
إن الهوان هو الهوى قلب اسمه *** فـــإذا هَوِيتَ فقــد لقيت هوانــــاً
وأختم بقول الله سبحانه {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153]، وليكن شعار كل مسلم طالب للحق مبتعد عن الباطل أن يقول ما قاله أحد المتقدمين ـ رحمه الله ـ:
كتــاب الله عــز وجــل قولي *** ومــا صحت به الآثــار ديني
فدع ما صدّ عن هذي وخذها *** تكــن منها عــلى عين اليقين
في حكم الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم.
في يوم 12/ 3 يحتفل جمع من الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة إن الاحتفال بمثل هذا اليوم واتخاذه عيداً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها كتاب ولا سنة ولا إجماع سلف الأمة.
بل الأمة الإسلامية في عهد القرون الثلاثة الأولى التي فضلها محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها لا تعرف احتفالاً ولا عيداً إلا الأضحى والفطر، أما سواهما من الأعياد والذكريات فهو لغو غير معدود ولا معروف عندهم، بل لا تشرئب إليها أنفسهم، ولا ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي الإنكار على كل من خالف الإسلام بكفر أو بدعة أو معصية، ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت بيوتاتهم من البدع المنكرة، والأمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسألا ويقولا:
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين، ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الاحتفال مع أنهم أحب للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً، ومن تعبّد الله بما لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال الإمام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فما دام أن السلف لم يفعلوا مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا ألا نفعلها، وقد قال الناظم:
وكل خير في إتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لاختصت بفضل معين، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته لا تكون في يوم واحد بل في كل الأيام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلاط الرجال بالنساء، وفيها الغلو بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أنّ بعضهم قد يجعله في مقام الربوبية، وبعضهم يظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم يحضر المولد فيقومون له محييين ومرحبين، ويكون كذلك من المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلات الموسيقى، وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب. وكل هذه الأمور منكرة محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذاً به سبحانه ـ فكيف إذا اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي بسند صحيح. ولفظه: "كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين فهي بدعة وأمّا من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك بقول الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من مخلوقات الله عز وجل لا تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، وقد سرت بدعتهم هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن تيمية، وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص، ولو كان قصد هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لأنهم قرءوا كتبنا الإسلامية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره..." ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً بما "رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، وإتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات" أ.ه. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (155) المنتدى الإسلامي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون، وهم من الباطنيين، وقد حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع الهجري، وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) أنه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جداً، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: "ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد..". [الرد على الرفاعي والبوطي، للعباد (82ـ83). وكتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، (2/451ـ452)].
وقال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (44ـ45) : "مما حدث وكثر السؤال عنه الموالد فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب...". [القول الفصل، إسماعيل الأنصاري (2/457ـ458)].
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 137) عن هذا الملك وهو أبو سعيد كوكبوري: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً.. [إلى أن قال:] قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة آلف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.. [إلى أن قال:] ويعمل الصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (140)].
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346): "هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه. [مجموعة الرسائل والتوجيهات، محمد جميل زينو (1/199)].
وقال ياقوت في معجمه (1/138) عن الملك المظفر صاحب إربل وقد كان من معاصريه: "طباع هذا الأمير متضادة، فإنه كثير الظلم، عسوف بالرعية، راغب في أخذ الأموال من غير وجهها" ا.ه
إذاًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل الظالم المتعسف المبتدع، فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هؤلاء المبتدعة؟
12ـ ومن الأمور التي تجعلنا نقول إن الاحتفال بذكرى المولد بدعة، أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (142)].
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لأنها تجر الإنسان إلى الشرك بالله وقد لا يعلم ذلك، ولأن صاحبها يعتقد أنه على صواب ويجادل عن جواز بدعته، أما صاحب المعصية يعلم أن المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلزَم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين الإسلام وهلم جراً، ثم أن محمداً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول "فلأي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلاده، ولا يحزنون بموته لولا قسوة القلب"، وعلى هذا الإلزام يكون في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا بالموالد والذكريات.
في حكم الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم.
في يوم 12/ 3 يحتفل جمع من الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة إن الاحتفال بمثل هذا اليوم واتخاذه عيداً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها كتاب ولا سنة ولا إجماع سلف الأمة.
بل الأمة الإسلامية في عهد القرون الثلاثة الأولى التي فضلها محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها لا تعرف احتفالاً ولا عيداً إلا الأضحى والفطر، أما سواهما من الأعياد والذكريات فهو لغو غير معدود ولا معروف عندهم، بل لا تشرئب إليها أنفسهم، ولا ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي الإنكار على كل من خالف الإسلام بكفر أو بدعة أو معصية، ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت بيوتاتهم من البدع المنكرة، والأمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسألا ويقولا:
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين، ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الاحتفال مع أنهم أحب للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً، ومن تعبّد الله بما لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال الإمام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فما دام أن السلف لم يفعلوا مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا ألا نفعلها، وقد قال الناظم:
وكل خير في إتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لاختصت بفضل معين، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته لا تكون في يوم واحد بل في كل الأيام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلاط الرجال بالنساء، وفيها الغلو بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أنّ بعضهم قد يجعله في مقام الربوبية، وبعضهم يظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم يحضر المولد فيقومون له محييين ومرحبين، ويكون كذلك من المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلات الموسيقى، وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب. وكل هذه الأمور منكرة محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذاً به سبحانه ـ فكيف إذا اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي بسند صحيح. ولفظه: "كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين فهي بدعة وأمّا من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك بقول الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من مخلوقات الله عز وجل لا تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، وقد سرت بدعتهم هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن تيمية، وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص، ولو كان قصد هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لأنهم قرءوا كتبنا الإسلامية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره..." ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً بما "رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، وإتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات" أ.ه. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (155) المنتدى الإسلامي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون، وهم من الباطنيين، وقد حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع الهجري، وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) أنه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جداً، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: "ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد..". [الرد على الرفاعي والبوطي، للعباد (82ـ83). وكتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، (2/451ـ452)].
وقال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (44ـ45) : "مما حدث وكثر السؤال عنه الموالد فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب...". [القول الفصل، إسماعيل الأنصاري (2/457ـ458)].
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 137) عن هذا الملك وهو أبو سعيد كوكبوري: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً.. [إلى أن قال:] قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة آلف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.. [إلى أن قال:] ويعمل الصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (140)].
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346): "هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه. [مجموعة الرسائل والتوجيهات، محمد جميل زينو (1/199)].
وقال ياقوت في معجمه (1/138) عن الملك المظفر صاحب إربل وقد كان من معاصريه: "طباع هذا الأمير متضادة، فإنه كثير الظلم، عسوف بالرعية، راغب في أخذ الأموال من غير وجهها" ا.ه
إذاًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل الظالم المتعسف المبتدع، فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هؤلاء المبتدعة؟
12ـ ومن الأمور التي تجعلنا نقول إن الاحتفال بذكرى المولد بدعة، أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (142)].
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لأنها تجر الإنسان إلى الشرك بالله وقد لا يعلم ذلك، ولأن صاحبها يعتقد أنه على صواب ويجادل عن جواز بدعته، أما صاحب المعصية يعلم أن المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلزَم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين الإسلام وهلم جراً، ثم أن محمداً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول "فلأي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلاده، ولا يحزنون بموته لولا قسوة القلب"، وعلى هذا الإلزام يكون في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا بالموالد والذكريات.
في حكم الاحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم.
في يوم 12/ 3 يحتفل جمع من الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة إن الاحتفال بمثل هذا اليوم واتخاذه عيداً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها كتاب ولا سنة ولا إجماع سلف الأمة.
بل الأمة الإسلامية في عهد القرون الثلاثة الأولى التي فضلها محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها لا تعرف احتفالاً ولا عيداً إلا الأضحى والفطر، أما سواهما من الأعياد والذكريات فهو لغو غير معدود ولا معروف عندهم، بل لا تشرئب إليها أنفسهم، ولا ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي الإنكار على كل من خالف الإسلام بكفر أو بدعة أو معصية، ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت بيوتاتهم من البدع المنكرة، والأمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسألا ويقولا:
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين، ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الاحتفال مع أنهم أحب للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً، ومن تعبّد الله بما لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال الإمام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فما دام أن السلف لم يفعلوا مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا ألا نفعلها، وقد قال الناظم:
وكل خير في إتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لاختصت بفضل معين، ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته لا تكون في يوم واحد بل في كل الأيام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلاط الرجال بالنساء، وفيها الغلو بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أنّ بعضهم قد يجعله في مقام الربوبية، وبعضهم يظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم يحضر المولد فيقومون له محييين ومرحبين، ويكون كذلك من المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلات الموسيقى، وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب. وكل هذه الأمور منكرة محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذاً به سبحانه ـ فكيف إذا اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح فقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي بسند صحيح. ولفظه: "كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين فهي بدعة وأمّا من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك بقول الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من مخلوقات الله عز وجل لا تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، وقد سرت بدعتهم هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن تيمية، وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص، ولو كان قصد هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لأنهم قرءوا كتبنا الإسلامية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره..." ويعلل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً بما "رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، وإتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات" أ.ه. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (155) المنتدى الإسلامي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون، وهم من الباطنيين، وقد حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع الهجري، وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) أنه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جداً، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: "ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد..". [الرد على الرفاعي والبوطي، للعباد (82ـ83). وكتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، (2/451ـ452)].
وقال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (44ـ45) : "مما حدث وكثر السؤال عنه الموالد فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب...". [القول الفصل، إسماعيل الأنصاري (2/457ـ458)].
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 137) عن هذا الملك وهو أبو سعيد كوكبوري: "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً.. [إلى أن قال:] قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة آلف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.. [إلى أن قال:] ويعمل الصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (140)].
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الاحتفال بالمولد النبوي أول من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع، وبين قول من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع، أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (11/346): "هم كفار، فساق، فجار ملحدون، زنادقة، معطلون الإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه. [مجموعة الرسائل والتوجيهات، محمد جميل زينو (1/199)].
وقال ياقوت في معجمه (1/138) عن الملك المظفر صاحب إربل وقد كان من معاصريه: "طباع هذا الأمير متضادة، فإنه كثير الظلم، عسوف بالرعية، راغب في أخذ الأموال من غير وجهها" ا.ه
إذاًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل الظالم المتعسف المبتدع، فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هؤلاء المبتدعة؟
12ـ ومن الأمور التي تجعلنا نقول إن الاحتفال بذكرى المولد بدعة، أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها. [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال (142)].
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لأنها تجر الإنسان إلى الشرك بالله وقد لا يعلم ذلك، ولأن صاحبها يعتقد أنه على صواب ويجادل عن جواز بدعته، أما صاحب المعصية يعلم أن المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلزَم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين الإسلام وهلم جراً، ثم أن محمداً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول "فلأي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلاده، ولا يحزنون بموته لولا قسوة القلب"، وعلى هذا الإلزام يكون في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا بالموالد والذكريات.
.". موقف أهل السنة والجماعة من بدعة المولد
اتفق العلماء من السلف الصالح - رحمهم الله – على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ، أمر محدث مبتدع في الدين ، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن التابعين وتابعيهم ، ولا علماء الأمة المشهورين كالأئمة الأربعة ونحوهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول ، التي يقال إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم )
وقال – أيضا – في – " اقتضاء الصراط المستقيم " : (( فصل . ومن المنكرات في هذا الباب : سائر الأعياد والمواسم المبتدعة ، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم ، أو لم تبلغه ؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها ؛ لسببين :
أحدهما : أن فيها مشابهة للكفار .
والثاني : أنها من البدع . فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر ، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب ؛ ))
وقد ذكر رحمه الله تعالى توجيه ذلك فقال : (( أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات ، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر – رضي الله عنهما – قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : ؛" بعثت أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين إصبعيه : السبابة والوسطى - ويقول :" أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " وفي رواية للنسائي : " وكل ضلالة في النار " . ))
وبين رحمه الله تعالى أن الزمان ثلاثة أنواع ويدخل فيها بعض أعياد المكان والأفعال
أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة الإسلامية أصلا ، ولم يكن له ذكر في السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
تعليق