روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم
في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم: (
مالي أراك متغير اللون ) فقال: يا محمد جئتُكَ في الساعة التي أمر الله
بمنافخ
النار أن تنفخ فيها، ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق، و أن النار حق، وأن
عذاب
القبر حق، وأن عذاب الله أكبر أنْ تقرّ عينه حتى يأمنها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جبريل صِف لي جهنم )
قال: نعم، إن الله تعالى لمّا خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فاحْمَرّت، ثم
أوقد
عليها ألف سنة فابْيَضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسْوَدّت، فهي سوداء
مُظلمة
لا ينطفئ لهبها ولا جمرها .
والذي بعثك بالحق، لو أن خُرْم إبرة فُتِحَ منها لاحترق أهل الدنيا عن
آخرهم من
حرّها.
والذي بعثك بالحق، لو أن ثوباً من أثواب أهل النار عَلِقَ بين السماء و
الأرض،
لمات جميع أهل الأرض من نَتَنِهَا و حرّها عن آخرهم لما يجدون من حرها ..
والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله تعالى
في
كتابه وُضِع على جبلٍ لَذابَ حتى يبلُغ الأرض السابعة ..
والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أنّ رجلاً بالمغرب يُعَذّب لاحترق الذي
بالمشرق من
شدة عذابها .
حرّها شديد ، و قعرها بعيد ، و حليها حديد ، و شرابها الحميم و الصديد ،
و
ثيابها مقطعات النيران ، لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزءٌ مقسومٌ من
الرجال
والنساء .
فقال صلى الله عليه وسلم: ( أهي كأبوابنا هذه ؟! )
قال: لا ، ولكنها مفتوحة، بعضها أسفل من بعض، من باب إلى باب مسيرة سبعين
سنة،
كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يُساق أعداء الله إليها
فإذا
انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال و السلاسل، فتسلك السلسلة
في فمه
وتخرج من دُبُرِه ، وتُغَلّ يده اليسرى إلى عنقه، وتُدخَل يده اليمنى في
فؤاده،
وتُنزَع من بين كتفيه ، وتُشدّ بالسلاسل، ويُقرّن كل آدمي مع شيطان في
سلسلة ،
ويُسحَبُ على وجهه ، وتضربه الملائكة بمقامع من حديد، كلما أرادوا أن
يخرجوا
منها من غم أُعيدوا فيها .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ سكّان هذه الأبواب ؟! )
فقال: أما الباب الأسفل ففيه المنافقون، ومَن كفر مِن أصحاب المائدة، وآل
فرعون
، و اسمها الهاوية ..
و الباب الثاني فيه المشركون و اسمه الجحيم ..
و الباب الثالث فيه الصابئون و اسمه سَقَر ..
و الباب الرابع فيه ابليس و من تَبِعَهُ ، و المجوس ، و اسمه لَظَى ..
و الباب الخامس فيه اليهود و اسمه الحُطَمَة ..
و الباب السادس فيه النصارى و اسمه العزيز ، ثم أمسكَ جبريلُ حياءً من
رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه السلام: (ألا تخبرني من سكان
الباب
السابع ؟ فقال: فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا و لم يتوبوا . فخَرّ
النبي
صلى الله عليه وسلم مغشيّاً عليه، فوضع جبريل رأسه على حِجْرِه حتى أفاق،
فلما
أفاق قال عليه الصلاة و السلام: ( يا جبريل عَظُمَتْ مصيبتي ، و اشتدّ
حزني ،
أَوَ يدخل أحدٌ من أمتي النار ؟ )
قال: نعم ، أهل الكبائر من أمتك . .
ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و بكى جبريل ..
و دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله و احتجب عن الناس ، فكان لا
يخرج إلا
إلى الصلاة يصلي و يدخل و لا يكلم أحداً، يأخذ في الصلاة يبكي و يتضرّع
إلى
الله تعالى .
فلما كان اليوم الثالث ، أقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى وقف بالباب و
قال:
السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه
أحد
فتنحّى باكياً. .
فأقبل عمر رضي الله عنه فوقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت
الرحمة، هل
إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى يبكي. .
فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت
الرحمة، هل
إلى مولاي رسول الله من سبيل ؟ فأقبل يبكي مرة، ويقع مرة، ويقوم أخرى حتى
أتى
بيت فاطمة ووقف بالباب ثم قال: السلام عليك يا ابنة رسول الله صلى الله
عليه
وسلم ، وكان علي رضي الله عنه غائباً ، فقال: يا ابنة رسول الله ، إنّ
رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا
يكلم
أحداً و لا يأذن لأحدٍ في الدخول ..
فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية و أقبلت حتى وقفت على باب رسول الله صلى
الله
عليه وسلم ثم سلّمت و قالت : يا رسول الله أنا فاطمة ، ورسول الله ساجدٌ
يبكي،
فرفع رأسه و قال: ( ما بال قرة عيني فاطمة حُجِبَت عني ؟ افتحوا لها
الباب )
ففتح لها الباب فدخلت ، فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت
بكاءً
شديداً لما رأت من حاله مُصفرّاً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من البكاء و
الحزن ،
فقالت: يا رسول الله ما الذي نزل عليك ؟!
فقال: ( يا فاطمة جاءني جبريل و وصف لي أبواب جهنم ، و أخبرني أن في أعلى
بابها
أهل الكبائر من أمتي ، فذلك الذي أبكاني و أحزنني )
قالت: يا رسول الله كيف يدخلونها ؟!
قال: ( بلى تسوقهم الملائكة إلى النار ، و لا تَسْوَدّ وجوههم ، و لا
تَزْرَقّ
أعينهم ، و لا يُخْتَم على أفواههم ، و لا يقرّنون مع الشياطين ، و لا
يوضع
عليهم السلاسل و الأغلال )
قالت: يا رسول الله كيف تقودهم الملائكة ؟!
قال: ( أما الرجال فباللحى، و أما النساء فبالذوائب و النواصي .. فكم من
ذي
شيبةٍ من أمتي يُقبَضُ على لحيته وهو ينادي: واشَيْبتاه واضعفاه ، و كم
من شاب
قد قُبض على لحيته ، يُساق إلى النار وهو ينادي: واشباباه واحُسن
صورتاه ، و كم
من امرأة من أمتي قد قُبض على ناصيتها تُقاد إلى النار و هي تنادي:
وافضيحتاه
واهتك ستراه ، حتى يُنتهى بهم إلى مالك ، فإذا نظر إليهم مالك قال
للملائكة: من
هؤلاء ؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء ، لم تَسْوَدّ
وجوههم
ولم تَزرقّ أعينهم و لم يُختَم على أفواههم و لم يُقرّنوا مع الشياطين و
لم
توضع السلاسل و الأغلال في أعناقهم !!
فيقول الملائكة: هكذا أُمِرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة ..
فيقول لهم مالك: يا معشر الأشقياء من أنتم ؟!
وروي في خبر آخر : أنهم لما قادتهم الملائكة قالوا : وامحمداه ، فلما
رأوا
مالكاً نسوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من هيبته ، فيقول لهم : من
أنتم؟
فيقولون: نحن ممن أُنزل علينا القرآن،ونحن ممن يصوم رمضان . فيقول لهم
مالك: ما
أُنزل القرآن إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا سمعوا اسم محمد
صاحوا
: نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
فيقول لهم مالك : أما كان لكم في القرآن زاجرٌ عن معاصي الله تعالى ..
فإذا وقف
بهم على شفير جهنم، ونظروا إلى النار وإلى الزبانية قالوا: يا مالك ائذن
لنا
نبكي على أنفسنا ، فيأذن لهم ، فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم دموع ،
فيبكون
الدم ، فيقول مالك: ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا، فلو كان في
الدنيا من
خشية الله ما مسّتكم النار اليوم ..
فيقول مالك للزبانية : ألقوهم .. ألقوهم في النار
فإذا أُلقوا في النار نادوا بأجمعهم : لا إله إلا الله ، فترجع النار
عنهم ،
فيقول مالك: يا نار خذيهم، فتقول : كيف آخذهم و هم يقولون لا إله إلا
الله؟
فيقول مالك: نعم، بذلك أمر رب العرش، فتأخذهم ، فمنهم من تأخذه إلى
قدميه،
ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذه
إلى
حلقه، فإذا أهوت النار إلى وجهه قال مالك: لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا
للرحمن
في الدنيا، و لا تحرقي قلوبهم فلطالما عطشوا في شهر رمضان .. فيبقون ما
شاء
الله فيها ، ويقولون: يا أرحم الراحمين يا حنّان يا منّان، فإذا أنفذ
الله
تعالى حكمه قال: يا جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى الله عليه
وسلم ؟
فيقول: اللهم أنت أعلم بهم . فيقول انطلق فانظر ما حالهم .
فينطلق جبريل عليه السلام إلى مالك و هو على منبر من نار في وسط جهنم،
فإذا نظر
مالك على جبريل عليه السلام قام تعظيماً له ، فيقول له يا جبريل :
ماأدخلك هذا
الموضع ؟ فيقول: ما فَعَلْتَ بالعصابة العاصية من أمة محمد ؟ فيقول مالك:
ما
أسوأ حالهم و أضيَق مكانهم،قد أُحرِقَت أجسامهم، و أُكِلَت لحومهم،
وبقِيَت
وجوههم و قلوبهم يتلألأ فيها الإيمان .
فيقول جبريل: ارفع الطبق عنهم حتى انظر إليهم . قال فيأمر مالك
الخَزَنَة
فيرفعون الطبق عنهم، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حُسن خَلقه، علموا أنه
ليس من
ملائكة العذاب فيقولون : من هذا العبد الذي لم نر أحداً قط أحسن منه ؟
فيقول
مالك : هذا جبريل الكريم الذي كان يأتي محمداً صلى الله عليه وسلم
بالوحي ،
فإذا سمعوا ذِكْر محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم: يا جبريل أقرئ
محمداً
صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخبره أن معاصينا فرّقت بيننا وبينك،
وأخبره
بسوء حالنا .
فينطلق جبريل حتى يقوم بين يدي الله تعالى ، فيقول الله تعالى: كيف رأيت
أمة
محمد؟ فيقول: يارب ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم .
فيقول: هل سألوك شيئاً ؟ فيقول: يا رب نعم، سألوني أن أُقرئ نبيّهم منهم
السلام
و أُخبره بسوء حالهم . فيقول الله تعالى : انطلق فأخبره ..
فينطلق جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في خيمة من درّة بيضاء
لها
أربعة آلاف باب، لكل باب مصراعان من ذهب ، فيقول: يا محمد . . قد جئتك من
عند
العصابة العصاة الذين يُعذّبون من أمتك في النار ، وهم يُقرِئُونك
السلام
ويقولون ما أسوأ حالنا، وأضيق مكاننا .
فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحت العرش فيخرّ ساجداً ويثني على
الله
تعالى ثناءً لم يثنِ عليه أحد مثله ..
فيقول الله تعالى : ارفع رأسك ، و سَلْ تُعْطَ ، و اشفع تُشفّع .
فيقول: ( يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذتَ فيهم حكمك وانتقمت منهم،
فشفّعني
فيهم )
فيقول الله تعالى : قد شفّعتك فيهم ، فَأْتِ النار فأخرِج منها من قال لا
إله
إلا الله . فينطلق النبي صلىالله عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي صلى الله
عليه
وسلم قام تعظيماً له فيقول : ( يا مالك ما حال أمتي الأشقياء ؟! )
فيقول: ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم . فيقول محمد صلى الله عليه وسلم :
( افتح
الباب و ارفع الطبق ) ، فإذا نظر أصحاب النار إلى محمد صلى الله عليه
وسلم
صاحوا بأجمعهم فيقولون: يا محمد ، أَحْرَقت النار جلودنا و أحرقت
أكبادنا،
فيُخرجهم جميعاً و قد صاروا فحماً قد أكلتهم النار فينطلق بهم إلى نهر
بباب
الجنة يسمى نهر الحيوان ، فيغتسلون منه فيخرجون منه شباباً جُرْدَاً
مُرْدَاً
مُكحّلين و كأنّ وجوههم مثل القمر ، مكتوب على جباههم "الجهنّميون عتقاء
الرحمن
من النار" ، فيدخلون الجنة فإذا رأى أهل النار أن المسلمين قد أُخرجوا
منها
قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج من النار، وهو قوله تعالى :
} رُبّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفََرَواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ
{ [ الحجر:2
]
*و عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اذكروا من النار ما شئتم،
فلا
تذكرون شيئاً إلا وهي أشد منه )
* و قال: ( إنّ أَهْوَن أهل النار عذاباً لَرجلٌ في رجليه نعلان من نار ،
يغلي
منهما دماغه، كأنه مرجل، مسامعه جمر، وأضراسه جمر، و أشفاره لهب النيران،
و
تخرج أحشاء بطنه من قدميه ، و إنه لَيَرى أنه أشد أهل النار عذاباً، و
إنه مِن
أهون أهل النار عذاباً )
* وعن ميمون بن مهران أنه لما نزلت هذه الآية : } وَ إِنَّ جَهَنّمَ
لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ { [ الحجر:43 ] ، وضع سلمان يده على رأسه و
خرج
هارباً ثلاثة أيام ، لا يُقدر عليه حتى جيء به .
أعوذ بالله من عذاب القبر و عذاب جهنم .
وسلم
في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم: (
مالي أراك متغير اللون ) فقال: يا محمد جئتُكَ في الساعة التي أمر الله
بمنافخ
النار أن تنفخ فيها، ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق، و أن النار حق، وأن
عذاب
القبر حق، وأن عذاب الله أكبر أنْ تقرّ عينه حتى يأمنها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جبريل صِف لي جهنم )
قال: نعم، إن الله تعالى لمّا خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فاحْمَرّت، ثم
أوقد
عليها ألف سنة فابْيَضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسْوَدّت، فهي سوداء
مُظلمة
لا ينطفئ لهبها ولا جمرها .
والذي بعثك بالحق، لو أن خُرْم إبرة فُتِحَ منها لاحترق أهل الدنيا عن
آخرهم من
حرّها.
والذي بعثك بالحق، لو أن ثوباً من أثواب أهل النار عَلِقَ بين السماء و
الأرض،
لمات جميع أهل الأرض من نَتَنِهَا و حرّها عن آخرهم لما يجدون من حرها ..
والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله تعالى
في
كتابه وُضِع على جبلٍ لَذابَ حتى يبلُغ الأرض السابعة ..
والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أنّ رجلاً بالمغرب يُعَذّب لاحترق الذي
بالمشرق من
شدة عذابها .
حرّها شديد ، و قعرها بعيد ، و حليها حديد ، و شرابها الحميم و الصديد ،
و
ثيابها مقطعات النيران ، لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزءٌ مقسومٌ من
الرجال
والنساء .
فقال صلى الله عليه وسلم: ( أهي كأبوابنا هذه ؟! )
قال: لا ، ولكنها مفتوحة، بعضها أسفل من بعض، من باب إلى باب مسيرة سبعين
سنة،
كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يُساق أعداء الله إليها
فإذا
انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال و السلاسل، فتسلك السلسلة
في فمه
وتخرج من دُبُرِه ، وتُغَلّ يده اليسرى إلى عنقه، وتُدخَل يده اليمنى في
فؤاده،
وتُنزَع من بين كتفيه ، وتُشدّ بالسلاسل، ويُقرّن كل آدمي مع شيطان في
سلسلة ،
ويُسحَبُ على وجهه ، وتضربه الملائكة بمقامع من حديد، كلما أرادوا أن
يخرجوا
منها من غم أُعيدوا فيها .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ سكّان هذه الأبواب ؟! )
فقال: أما الباب الأسفل ففيه المنافقون، ومَن كفر مِن أصحاب المائدة، وآل
فرعون
، و اسمها الهاوية ..
و الباب الثاني فيه المشركون و اسمه الجحيم ..
و الباب الثالث فيه الصابئون و اسمه سَقَر ..
و الباب الرابع فيه ابليس و من تَبِعَهُ ، و المجوس ، و اسمه لَظَى ..
و الباب الخامس فيه اليهود و اسمه الحُطَمَة ..
و الباب السادس فيه النصارى و اسمه العزيز ، ثم أمسكَ جبريلُ حياءً من
رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه السلام: (ألا تخبرني من سكان
الباب
السابع ؟ فقال: فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا و لم يتوبوا . فخَرّ
النبي
صلى الله عليه وسلم مغشيّاً عليه، فوضع جبريل رأسه على حِجْرِه حتى أفاق،
فلما
أفاق قال عليه الصلاة و السلام: ( يا جبريل عَظُمَتْ مصيبتي ، و اشتدّ
حزني ،
أَوَ يدخل أحدٌ من أمتي النار ؟ )
قال: نعم ، أهل الكبائر من أمتك . .
ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و بكى جبريل ..
و دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله و احتجب عن الناس ، فكان لا
يخرج إلا
إلى الصلاة يصلي و يدخل و لا يكلم أحداً، يأخذ في الصلاة يبكي و يتضرّع
إلى
الله تعالى .
فلما كان اليوم الثالث ، أقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى وقف بالباب و
قال:
السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه
أحد
فتنحّى باكياً. .
فأقبل عمر رضي الله عنه فوقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت
الرحمة، هل
إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى يبكي. .
فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت
الرحمة، هل
إلى مولاي رسول الله من سبيل ؟ فأقبل يبكي مرة، ويقع مرة، ويقوم أخرى حتى
أتى
بيت فاطمة ووقف بالباب ثم قال: السلام عليك يا ابنة رسول الله صلى الله
عليه
وسلم ، وكان علي رضي الله عنه غائباً ، فقال: يا ابنة رسول الله ، إنّ
رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا
يكلم
أحداً و لا يأذن لأحدٍ في الدخول ..
فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية و أقبلت حتى وقفت على باب رسول الله صلى
الله
عليه وسلم ثم سلّمت و قالت : يا رسول الله أنا فاطمة ، ورسول الله ساجدٌ
يبكي،
فرفع رأسه و قال: ( ما بال قرة عيني فاطمة حُجِبَت عني ؟ افتحوا لها
الباب )
ففتح لها الباب فدخلت ، فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت
بكاءً
شديداً لما رأت من حاله مُصفرّاً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من البكاء و
الحزن ،
فقالت: يا رسول الله ما الذي نزل عليك ؟!
فقال: ( يا فاطمة جاءني جبريل و وصف لي أبواب جهنم ، و أخبرني أن في أعلى
بابها
أهل الكبائر من أمتي ، فذلك الذي أبكاني و أحزنني )
قالت: يا رسول الله كيف يدخلونها ؟!
قال: ( بلى تسوقهم الملائكة إلى النار ، و لا تَسْوَدّ وجوههم ، و لا
تَزْرَقّ
أعينهم ، و لا يُخْتَم على أفواههم ، و لا يقرّنون مع الشياطين ، و لا
يوضع
عليهم السلاسل و الأغلال )
قالت: يا رسول الله كيف تقودهم الملائكة ؟!
قال: ( أما الرجال فباللحى، و أما النساء فبالذوائب و النواصي .. فكم من
ذي
شيبةٍ من أمتي يُقبَضُ على لحيته وهو ينادي: واشَيْبتاه واضعفاه ، و كم
من شاب
قد قُبض على لحيته ، يُساق إلى النار وهو ينادي: واشباباه واحُسن
صورتاه ، و كم
من امرأة من أمتي قد قُبض على ناصيتها تُقاد إلى النار و هي تنادي:
وافضيحتاه
واهتك ستراه ، حتى يُنتهى بهم إلى مالك ، فإذا نظر إليهم مالك قال
للملائكة: من
هؤلاء ؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء ، لم تَسْوَدّ
وجوههم
ولم تَزرقّ أعينهم و لم يُختَم على أفواههم و لم يُقرّنوا مع الشياطين و
لم
توضع السلاسل و الأغلال في أعناقهم !!
فيقول الملائكة: هكذا أُمِرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة ..
فيقول لهم مالك: يا معشر الأشقياء من أنتم ؟!
وروي في خبر آخر : أنهم لما قادتهم الملائكة قالوا : وامحمداه ، فلما
رأوا
مالكاً نسوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من هيبته ، فيقول لهم : من
أنتم؟
فيقولون: نحن ممن أُنزل علينا القرآن،ونحن ممن يصوم رمضان . فيقول لهم
مالك: ما
أُنزل القرآن إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا سمعوا اسم محمد
صاحوا
: نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
فيقول لهم مالك : أما كان لكم في القرآن زاجرٌ عن معاصي الله تعالى ..
فإذا وقف
بهم على شفير جهنم، ونظروا إلى النار وإلى الزبانية قالوا: يا مالك ائذن
لنا
نبكي على أنفسنا ، فيأذن لهم ، فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم دموع ،
فيبكون
الدم ، فيقول مالك: ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا، فلو كان في
الدنيا من
خشية الله ما مسّتكم النار اليوم ..
فيقول مالك للزبانية : ألقوهم .. ألقوهم في النار
فإذا أُلقوا في النار نادوا بأجمعهم : لا إله إلا الله ، فترجع النار
عنهم ،
فيقول مالك: يا نار خذيهم، فتقول : كيف آخذهم و هم يقولون لا إله إلا
الله؟
فيقول مالك: نعم، بذلك أمر رب العرش، فتأخذهم ، فمنهم من تأخذه إلى
قدميه،
ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذه
إلى
حلقه، فإذا أهوت النار إلى وجهه قال مالك: لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا
للرحمن
في الدنيا، و لا تحرقي قلوبهم فلطالما عطشوا في شهر رمضان .. فيبقون ما
شاء
الله فيها ، ويقولون: يا أرحم الراحمين يا حنّان يا منّان، فإذا أنفذ
الله
تعالى حكمه قال: يا جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى الله عليه
وسلم ؟
فيقول: اللهم أنت أعلم بهم . فيقول انطلق فانظر ما حالهم .
فينطلق جبريل عليه السلام إلى مالك و هو على منبر من نار في وسط جهنم،
فإذا نظر
مالك على جبريل عليه السلام قام تعظيماً له ، فيقول له يا جبريل :
ماأدخلك هذا
الموضع ؟ فيقول: ما فَعَلْتَ بالعصابة العاصية من أمة محمد ؟ فيقول مالك:
ما
أسوأ حالهم و أضيَق مكانهم،قد أُحرِقَت أجسامهم، و أُكِلَت لحومهم،
وبقِيَت
وجوههم و قلوبهم يتلألأ فيها الإيمان .
فيقول جبريل: ارفع الطبق عنهم حتى انظر إليهم . قال فيأمر مالك
الخَزَنَة
فيرفعون الطبق عنهم، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حُسن خَلقه، علموا أنه
ليس من
ملائكة العذاب فيقولون : من هذا العبد الذي لم نر أحداً قط أحسن منه ؟
فيقول
مالك : هذا جبريل الكريم الذي كان يأتي محمداً صلى الله عليه وسلم
بالوحي ،
فإذا سمعوا ذِكْر محمد صلى الله عليه وسلم صاحوا بأجمعهم: يا جبريل أقرئ
محمداً
صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخبره أن معاصينا فرّقت بيننا وبينك،
وأخبره
بسوء حالنا .
فينطلق جبريل حتى يقوم بين يدي الله تعالى ، فيقول الله تعالى: كيف رأيت
أمة
محمد؟ فيقول: يارب ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم .
فيقول: هل سألوك شيئاً ؟ فيقول: يا رب نعم، سألوني أن أُقرئ نبيّهم منهم
السلام
و أُخبره بسوء حالهم . فيقول الله تعالى : انطلق فأخبره ..
فينطلق جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في خيمة من درّة بيضاء
لها
أربعة آلاف باب، لكل باب مصراعان من ذهب ، فيقول: يا محمد . . قد جئتك من
عند
العصابة العصاة الذين يُعذّبون من أمتك في النار ، وهم يُقرِئُونك
السلام
ويقولون ما أسوأ حالنا، وأضيق مكاننا .
فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحت العرش فيخرّ ساجداً ويثني على
الله
تعالى ثناءً لم يثنِ عليه أحد مثله ..
فيقول الله تعالى : ارفع رأسك ، و سَلْ تُعْطَ ، و اشفع تُشفّع .
فيقول: ( يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذتَ فيهم حكمك وانتقمت منهم،
فشفّعني
فيهم )
فيقول الله تعالى : قد شفّعتك فيهم ، فَأْتِ النار فأخرِج منها من قال لا
إله
إلا الله . فينطلق النبي صلىالله عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي صلى الله
عليه
وسلم قام تعظيماً له فيقول : ( يا مالك ما حال أمتي الأشقياء ؟! )
فيقول: ما أسوأ حالهم و أضيق مكانهم . فيقول محمد صلى الله عليه وسلم :
( افتح
الباب و ارفع الطبق ) ، فإذا نظر أصحاب النار إلى محمد صلى الله عليه
وسلم
صاحوا بأجمعهم فيقولون: يا محمد ، أَحْرَقت النار جلودنا و أحرقت
أكبادنا،
فيُخرجهم جميعاً و قد صاروا فحماً قد أكلتهم النار فينطلق بهم إلى نهر
بباب
الجنة يسمى نهر الحيوان ، فيغتسلون منه فيخرجون منه شباباً جُرْدَاً
مُرْدَاً
مُكحّلين و كأنّ وجوههم مثل القمر ، مكتوب على جباههم "الجهنّميون عتقاء
الرحمن
من النار" ، فيدخلون الجنة فإذا رأى أهل النار أن المسلمين قد أُخرجوا
منها
قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج من النار، وهو قوله تعالى :
} رُبّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفََرَواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ
{ [ الحجر:2
]
*و عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اذكروا من النار ما شئتم،
فلا
تذكرون شيئاً إلا وهي أشد منه )
* و قال: ( إنّ أَهْوَن أهل النار عذاباً لَرجلٌ في رجليه نعلان من نار ،
يغلي
منهما دماغه، كأنه مرجل، مسامعه جمر، وأضراسه جمر، و أشفاره لهب النيران،
و
تخرج أحشاء بطنه من قدميه ، و إنه لَيَرى أنه أشد أهل النار عذاباً، و
إنه مِن
أهون أهل النار عذاباً )
* وعن ميمون بن مهران أنه لما نزلت هذه الآية : } وَ إِنَّ جَهَنّمَ
لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ { [ الحجر:43 ] ، وضع سلمان يده على رأسه و
خرج
هارباً ثلاثة أيام ، لا يُقدر عليه حتى جيء به .
أعوذ بالله من عذاب القبر و عذاب جهنم .
تعليق