بسم الله الرحمن الرحيم
"إنما المؤمنون إخوة"-الحجرات 10-
لقد بعث الله نبيه بدين الحق وأيّده ونصره وآنسه بأصحابٍ ارتبطوا معًا برباط وثيق ليس له حِلّ، فأيّان أن يحل رباط أصله عقيدة عهدها الله بالحفظ والحماية إلى يوم الدين! وأيّان أن يهدم بنيانٌ أساسه راسخٌ منذ أنار الله الكون بنور الإسلام.
قال تعالى:"واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا"
صدق الله الذي هدى صحابة رسوله إلى دين الإسلام وأنزل في قلوبهم حبه وحب من أحبه فكانوا إخوة متلاحمين يتناصرون على الحق وإخوة مؤمنين تتلاقى قلوبهم في حمى الرحمن وهم ساجدين راكعين ذاكرين عابدين. بل وإخوة متلازمين يقضون عن معسرهم دينه ويلبّون حاجة سائلهم وينصرون مظلومهم بقضاء مظلمته وينصرون ظالمهم بدعوته بالمعروف.
ولعل أجلّ وأعظم ما شهده التاريخ من سياسة متينة لا تضاهيها سياسة أخرى وقاعدةٍ أرسيت إلى يوم الدين ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حين قدم إلى المدينة. فكانت هذه المؤاخاة التي انطلقت من المسجد منارةً رخصت أمامها الأموال فتقاسموها بل ورخصت أمامها الدنيا حين يدعو الداعي لنصرة أخ العقيدة فتراهم ينظمون الجيوش لنصرة إخوانهم والذود عن ديارهم، ولن نسرد القصص والروايات التاريخية التي تجسِّد معنى المؤاخاة التي تجلّت في أعمالهم ولكننا هنا لنتساءل عما إذا كانت هذه المؤاخاة التي أرسى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد لقيت رجالها في وقتنا الحاضر، وهل لا زالت أخوّة المسلمين تتدفق من قلوبهم كما كان شأنها بين الصحابة رضوان الله عليهم.
فواقع المسلمين في شتى بقاع الأرض لا تكاد تخلو عين الناظر إليه من أراضٍ احتلّت وأعراضٍ انتهكت ومحارم استبيحت و أرواحٍ أزهقت، فهم في مكابدةٍ دائمة للظلم والهوان والذل والاعتداء. فإن نجوا من ظلم الآخرين كانوا هم الظالمين لأنفسهم بغفلتهم وتقاعسهم عن نصرة إخوانهم، فترى أحدهم لا يلقي بالاً لما ينال إخوانه من الاعتداءات بل إن البعض يرى ويشاهد بعينه مجريات الأحداث فيثور لحظة ويخور أخرى وتمر صور القتل والتشريد والعذاب كما لو كانت فيلمًا سينمائيًا يتباكى أمام شاشته الرائي ثم يسير بعدها وكأن شيئًا لم يكن. ناهيك عمّا يقوله البعض عن امتناعه عن مشاهدة أخبار المسلمين لأنها لا تحمل سوى التنكيد والكآبة والحزن! فإذا حان موعد نشرة الأخبار تراه يسرع بتغيير القناة حتى لا تتأثر نفسيته أو ينشغل باله بهذه الأخبار المملة!
ثم تجده في الوقت ذاته يتابع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفازية الأخرى دون كللٍ أو ملل، ويخصص لها جزءًا كبيرًا من وقته وجهده فتراه يقضي الأوقات ما بين متابعة البرنامج ومن ثم التحدث عن أحداثه مع أصدقائه. ولو تفكر لحظةً فيما يشاهده لوجده إرهاقًا للذهن ومضيعةً للوقت وإنهاكًا للجسد دون أن يجني منه فوائد تذكر. وتجد آخر يتابع البرامج المتعلقة بالمغني أو المغنية الفلانية وينفق أمواله على شراء منتجاتهم وصورهم وكل ما يتعلق بهم ويتابع أخبارهم فهذه تزوجت وتلك طُلِّقت وهذا مرض وذاك سافر والآخر مات!!!!
هذا هو الواقع الذي نلمسه في زمننا هذا، وهذه هي حقيقة الأخوة التي ندّعيها اليوم!
نرى الحزن مخيمًا على وجوه إخواننا ونسمع صراخ الأرامل والثكالى ونسمع آه الأسير تأتينا من وراء قضبان الظلم وتزكم أنوفنا رائحة الدم الذي ينساب من أجساد المؤمنين ونرى صوت الأذان يكتم فوق مآذن المساجد وقيود الظلم تقبض أيادي الموحدين وسياط الجوع تأكل أجساد من تجمعنا بهم لا إله إلا الله، ثم بعد هذا كله ندير ظهورنا و نصم آذاننا كي لا نقض مضاجعنا أو نكابد الملل في نهارنا أو تؤرقنا الكآبة في ليلنا.
حريٌّ بنا أن نراجع نفوسنا ونسائلها عمّا إذا كانت عقيدة التوحيد تسري فينا مسرى الدم في العروق لتشعل فينا الغيرة والنخوة والانتصار لإخواننا الذين يجمعنا بهم الدين.
بقلم وريشة:
هداية
تعليق