بسم الله الرحمن الرحيم
" توجيهات منهجية1"
الحمد لله معز الإسلام بنصر، ومذل الشرك بقهره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي جعل الأيام دول بعدله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه...
أما بعد:
أحبتي في الله أحييكم بتحية إسلامنا الرسالي العظيم
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيسرني أن أقد لكم الإصدار الأول ضمن سلسلة " توجيهات منهجية "، وهذا الاصدار هو عبارة عن محاضرة للشيخ المجاهد اسامة بن لادن حفظه الله، ألقاها عام 1423هـ، وقد حرصنا على اخراجها في ابهى حلة، واضافة من الهوامش والتعليقات مما نرجو ان يكون مفيدا، سائلين الله عز وجل أن ينفع بهذا العمل شباب الأمة، وأن يجزل الأجر والثواب لكل من أعان على نشره، وأن يتجاوز عنا برحمته، والله الموفق.
فعند الحديث عن الأحوال التي تمر بها الأمة في هذه الأيام, وما أصابها من احتلال وظلم وعدوان من القوى الإسرائيلية, والقوى الأمريكية, وانحسار ظل الإسلام عن هذه الأرض، ينبغي تلمس هدي محمد صلى الله عليه وسلم في إقامة هذا الدين, يوم أن بدأ غريباً في أول الإسلام [1].
فإن الناظر في ذلك يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص منذ البداية عندما صدع بالدعوة أن يعرض دعوته على القبائل [2]. وإذا نظرنا في أهم العناصر التي كان يدعو القبائل إليها نجدها واضحة جداً:
1) أنه كان يدعوهم إلى شهادة التوحيد، إلى شهادة "أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله [3]".
2) والبند الآخر أنه كان يدعوهم إلى الإيواء والنصرة [4].
كما ظهر ذلك جلياً في دعوته لبني عامر بن صعصعة, فلما قالوا له: (إلى أي شيء تدعو يا أخا العرب ؟!), قال: ((أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, وأن تؤوني وتنصروني)) [5].
فهنا يظهر لنا معلما واضحا, أن هذه الدعوة وهذه الكلمة العظيمة لابد لها من أرض, وهذه الشجرة الكريمة لابد لها من أرض تنبت فيها, وهي التي تقوم بنصرتها وإيوائها. فمن هنا استمر عليه الصلاة والسلام يبحث عن هذه الأرض, وأثناء ذلك يقوم بالدعوة في مكة, فمكث ثلاث عشرة سنة.
وكل ما عندنا من علم هو جزء يسير من علمه عليه الصلاة والسلام، وهو أفصح العرب الذي أوتي جوامع الكلم, وهو المؤيد بالوحي من فوق سبع سموات, ومع ذلك كله لم يؤمن له سوى بضعة عشرات من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وهنا يظهر بوضوح أيضاً أن هذه الكلمة رغم قوتها لابد لها من عناصر أخرى لكي تظلل الأرض, فمكث الحال على ذلك إلى أن يسر الله سبحانه وتعالى أرض المدينة المنورة, ويسر الأنصار - الأوس والخزرج- فلما احتضنوا الدعوة انتشر الإسلام, وفي خلال بضع سنوات إذا بمئات الألوف قد دخلوا في الإسلام في جزيرة العرب, ودخل الناس في دين الله أفواجا.
فهنا معلم كما ذكرت؛ أن الدعوة بغير قوة تبقى منحسرة, ولابد لها من البحث عن القوة في الأرض والمصر. وهذا المعنى يظهر في هذه الأيام بوضوح, منذ أن انحسرت الدول الإسلامية وانحسرت دولة الخلافة وقامت أنظمة تحكم بغير ما أنزل الله -وهي في الحقيقة تحارب شرع الله- برغم كثرة الجامعات وكثرة المدارس وكثرة الكتب والخطباء والأئمة والمساجد وحفظة القرآن, ولكن الإسلام في انحسار وللأسف الشديد؛ لأن الناس لم يسيروا حسب منهج محمد صلى الله عليه وسلم.
فالمنهج فيما يبدو لنا ويظهر؛ وهو في خصال محددة تظهر في نص آخر من نصوص الشريعة، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [سورة المائدة : 45]، فهذا النص هو في مثل حالتنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}.
عندما تحصل الردة؛ ماهي الصفات المطلوبة لإعادة الناس إلى الإسلام؟ فهنا ذكر صفات ستة؛ {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، فلابد أن نتصف بهذه الصفات:
1) المحبة العظيمة لله سبحانه وتعالى.
2) والذلة على المؤمنين والتراحم.
3) والتناصح بالحسنى وبالمعروف.
4) والعزة على الكافرين.
وهذا يظهر بوضوح في أهم عروة في الإسلام وهي الولاء والبراء, نوالي المؤمنين ونعادي الكافرين ونكون عليهم أعزة [6].
5) ثم الصفة الخامسة {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.
فالجهاد في سبيل الله وعدم الخوف من لومة أي لائم, هاتان الصفتان في غاية الأهمية لإعادة الناس إلى الدين.
فالذين يظنون أنهم يمكن أن يعيدوا الناس إلى الدين, وأن يقيموا دولة إسلامية بعد أن انحسر ظل الإسلام عن الأرض, فهؤلاء ما فقهوا منهج الله سبحانه وتعالى, فهذه الآية غاية في الوضوح والصراحة في حالة الردة، فلا بد من المحبة والولاء، أن يكون ظاهرًاً عند الناس, والبراء من الكفار أن يكون ظاهراً، مع الجهاد في سبيل الله، {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} وهي تشمل النصح بكل أنواعه، والأمر بالمعروف بكل أنواعه.
فإذا قمنا بتحقيق هذه الصفات, وأوجدنا عناصر تتخلق بهذه الصفات, فنكون قد أوجدنا القاعدة القوية التي تبدأ في التغيير, وتجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى إلى أن يقوم الحق.
ومن النصوص أيضاً في هذا المعنى؛ عندنا الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، وهو يقول فيه : ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يبطئ بها، فقال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم)).
فهنا معنى عظيم جداً في هذا الدين, وهو أن الله سبحانه وتعالى حميد غني عن الجميع, وسنة الاستبدال لا تستثني أحداً، فهذا نبي من أنبياء الله تأخر قليلاً في إبلاغ ما أمر به, فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبي آخر "إما أن يبلغهن أو تبلغهن"، فمن نحن حتى نتأخر عن تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى, وعن تنفيذ أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تأخرنا فسنة الاستبدال قائمة علينا.
فقال عيسى عليه السلام ليحيى: ((إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وتعدوا على الشرف فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن؛ أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال؛ هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك، وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال؛ أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله))، ثم يعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: ((وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة)) [رواه الإمام احمد والترمذي].
فالشاهد هنا أن الخمس الأول؛ وهي أركان الإسلام، لا تقوم كحكومة ولا تقوم كمنهج للبشر, إلا بالخمس الأُخر. كما لا يمكن أن يكون إنسان مسلمً في ذاته وفي قلبه ولكن وهو يُحكم بالقوانين الوضعية, ولا يعم الإسلام الأرض, أمّا الإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بإبلاغه هو؛ أن يعم الأرض ويتحاكم إليه, لا أن يبقى في الشعائر التعبدية فقط [7]، فلابد من هذه الخمس. وهذه الخمس إذا انتبهنا هي تتفق وتؤكد المعنى الذي جاء في دعوته عليه الصلاة والسلام للقبائل ؛
1) تشهد أن لا إله إلا الله، ومقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله [8].
2) وأن تؤوني وأن تنصروني.
فالإيواء والنصرة هي منطبقة في هذه الخمس, فالإيواء والنصرة لا بد له من جماعة, ولا بد له من سمع وطاعة, ولابد له من جهاد, ولا بد له من هجرة، وإذا تتبعنا النصوص في كتاب الله, وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد بوضوح هذه المعاني حيث ما تذهب تبرز بقوة على أن السبيل لإقامة الدولة الإسلامية ولنشر الدين لابد له:
1) من جماعة.
2) وسمعٍ وطاعة.
3) وهجرة وجهاد.
فالذين يريدون أن يقيموا للإسلام شأناً بدون تضحيات الهجرة, وبدون تضحيات الجهاد في سبيل الله, فهؤلاء لم يفقهوا منهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإن فقهوه ولم يعملوا به واشتغلوا بغيره من الطاعات فهؤلاء يتهربون من تبعات هذه العبادات الثقيلة, فإن الجهاد كُرهٌ كما نص على ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه. فيتضح مما مضى أهمية الجماعة والجهاد.
ونحن في وضع لم يعد لدينا دولة لنهاجر إليها؛ وقد كانت هذه الفرصة متاحة، وكانت فرصة نادرة، فمنذ أن سقطت الخلافة حرص الصليبيون على أن لايُمكّّن أهل الإسلام الصادقون لإقامة دولة, وقدر الله سبحانه وتعالى أن جاءت الأحداث في أفغانستان وهزم الاتحاد السوفيتي, وتنازل الصليبيون عن ذلك الحرص والاهتمام في ظل خوفهم ورعبهم من الاتحاد السوفيتي, فلم يكن هناك بد من دفع الاتحاد السوفيتي إلا بكل شيء, ولو كان بالمجاهدين, ولو كان بالأصوليين, ولو كان بشباب الإسلام المجاهد, ففتح ذلك الباب, ومضى بضع عشرة سنة.
ولكن للأسف الشديد لم تنهض الأمة بواجبها المطلوب, وخاصة العلماء والدعاة والخطباء والجماعات الإسلامية, وإنما الذين جاءوا إلى أرض الجهاد لنصرة المجاهدين هم نفر بسيط من عامة الشباب من شباب الأمة، مع ماقدمه بعض التجار بعضاً من أموالهم، ولكن لم تكن كافية لإقامة دولة قوية.
وكانت الفرصة جيدة جداً لإقامة دولة قوية بعيداً عن التعصبات القطرية والقبلية، وكان إخواننا الأفغان في وضعٍ وفي انشراحٍ وتعاون غير عادي, كان الوضع يسمح بقوة أن تقوم دولة إسلامية بإعتبارات إسلامية, لا باعتبارات قطرية وقومية, فللأسف الشديد بالرغم من الارتياح الشديد والمناداة وتكرار ذلك والحث والتحريض، وخاصة من الشيخ عبد الله عزام عليه رحمة الله [9] ومن غيره من الإخوة للجماعات وللعلماء وللمفكرين؛ أن اغتنموا هذه الفرصة! ولكن لا حياة لمن تنادي، شُغل الناس وسُحبوا باعتبارات أرضية, وباعتبارات قطرية, وكلٌ يريد أن يقيم هو شخصياً دولة الإسلام, وكل جماعة تريد أن تقوم الدولة الإسلامية في أرضها حيث ولدوا، وكأننا أصبحنا أسرى لهذه الأفكار، فمكثت هذه الفرصة بضع عشرة سنة ولم يتحرك الناس للاستفادة منها، وأذكر ذلك لأقول إن الأمر ليس سهلاً, الآن أصبحت الظروف أصعب.
ثم يسر الله سبحانه بين ذلك وهذا أن قامت دولة الطلبة وإقامة طالبان, وهذا الصراع الذي حصل بين الأفغان، ومكثوا ست سنوات تقريباً أو أكثر, وأيضاً بقي الناس أسرى لأهوائهم وأسرى للإعلام العالمي الذي شن حملة لا هوادة فيها ضد الطالبان وشوهوا سمعتهم، والإعلام العالمي قد يلام في تأثيره أو قد يُحمَّل بعض التأثير على العوام, أما من غير المقبول أن يكون الدعاة والذين تصدروا لنصرة الدين أمام الناس من غير المقبول أن يقولوا تأثرنا بالإعلام العالمي, أفغانستان على بعد بضع ساعات من جزيرة العرب مثلاً, أو من أي مكان من أقطار العالم الإسلامي.
فهذا التأخر عن نصرة هذه الدولة رغم أن اسمها دولة الطالبان؛ دولة طلبة العلم، هو مؤشر على وجود خلل غير عادي إما في فقههم أو في صدقهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فيما يظهر لنا والله أعلم, فذهبت هذه الدولة وهم لم يحركوا ساكناً.
وأقول؛ إنني على يقين بفضل الله سبحانه وتعالى أن في الأمة من الطاقات ما يكفي لإقامة الدولة الإسلامية, وإقامة الخلافة الإسلامية، ولكن نحن بحاجة إلى إبلاغ هذه الطاقات؛ أن هذا الأمر واجب عليهم. ونحن بحاجة إلى إبلاغ الطاقات الأخرى المقيدة لهذه الطاقات؛ أنكم تأثمون بتقييد هذه الطاقات. فإذا فقه الشباب وفقه التجار واجبهم فيمكن أن نقوم بالمهمة, فيُرفع الإثم عن باقي الأمة, وأيضاً يرفع الضنك والأذى الذي يصيبنا.
فنحن نريد الناس الذين - كما لايخفى – يقولون؛ أن الجهاد لا يحتاج إلى جميع الأمة, وهذه كلمة حق, ولكن لم يرد بها الحق, فالجهاد لا يمكن أن يستوعب جميع الأمة اليوم، ودفع العدو الصائل يندفع بجزء يسير جداً من الأمة، هذا حق, ولكن يبقى الحكم أنه فرض عين, وهم يخالفوننا في إطلاق هذا الحكم, يقولون؛ نحن وصّلنا لكم بضعة آلاف لا تستطيعون أن تستوعبوهم! ويقولون؛ ليس من المعقول أن نترك كل الثغرات وكلنا نذهب للجهاد! فمن هنا يظهر بوضوح لوثة العصر, وهي اللوثة المادية, لوثة بروز العقل, فهذه أحكام أجمع عليها الفقهاء من سلف الأمة رحمهم الله [10]، واليوم يخرج علينا فقهاء يعترضون على إجماع الأمة, إذا تعين الجهاد [11] فهو أولى الأولويات بدون شك كما ذكر شيخ الإسلام [12], فدفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه.
فليس هناك وجه في أن تقول؛ إذا ذهبوا جميعهم لم يستوعبهم الجهاد!, هذا ناتج عن خلل غير عادي في الفقه, وهو ناتج عن ركون إلى الدنيا غير عادي, فالأمر إذا تعين؛ مجرد أن يأتي العدد الذي يكفي لدفع العدو الصائل يصبح تلقائياً الجهاد فرض كفاية, فيبقى الباقون الذين تأخروا في ثغورهم وتندفع الضرورة بهذا التحرك.
فهذا للأسف من أكبر العوامل المثبطة عند الصحوة الإسلامية، وهو يظهر في كتاباتهم وفي رسائلهم وفي لقاءاتهم.
ويقولون؛ إن الجهاد عبادة عظيمة, ولكن هناك عبادات أخرى!.
هؤلاء ما فقهوا منهج محمد صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه تلك الدروس وتلك العبر. وأن كعباً رضي الله عنه عندما جلس وقعد في المدينة كان يقوم بكثير من الطاعات وهو في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث عن نبينا عليه السلام أن طلب العلم في مسجده عليه الصلاة والسلام كالجهاد في سبيل الله [13]، ومع ذلك كله، ومع سابقته في الإسلام وهو من أصحاب بيعة العقبة -وما أدراك ما بيعة العقبة وهي التي تكونت بها الجماعة المسلمة لإقامة الدولة المسلمة- ومع ذلك كله لم يُذكر بأي صفة من هذه الصفات، لأنه عندما يتعين الجهاد لا مجال للطاعات الأخرى لأن تُذكر, وإنما يُذكر في مقابل الجهاد القعود والعتاب والتوبيخ, ولا يُقال "جزاه الله خيراً ذاك في المدينة، وياحظه يصلي في الحرم" أو "يعطي دروس"! هذا لا يقال لنص القرآن الكريم {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة : 24].
لو تتبعتم النصوص في وصف القاعدين, تجدها متواترة على هذا المعنى في أمتنا وفي الأمم السابقة ؛ فقوم موسى لما تأخروا عنه وصفهم الله سبحانه وتعالى ايضاً بالفسق {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [سورة المائدة : 25] ، وكذلك إذا تتبعنا الذين تخلفوا يوم تبوك, الله سبحانه وتعالى أيضاً وصفهم بالفسق.
فأما اليوم فهناك خلل في طريقة المحافظة على هذا الدين, وفي تفعيل الطاقات لنصرة هذا الدين, فالآن أصبح الذي يقعد عن نصرة الدين لا يشعر بالإثم, بل هو يشعر أنه في طاعة, ولا يشعر بسوءة هذه الكبيرة العظيمة التي جاء فيها عشرات الآيات تهدد وتحذر, وترغب في هذه الطاعة, وتوبخ من يقعد عنها, وتقرّع الذين يركنون إلى الدنيا, ومن كان الذي يُهدَد؟ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تهديداً تلو التهديد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ}، هذا توبيخ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيل} [سورة التوبة 38].
هل يجترئ أحدٌ منا اليوم أن يقول لأبيه أو لعمه أو لشيخه؛ "أنت رضيت بالحياة الدنيا؟! هذه فلسطين منذ ثمانين سنة ما أطلَقت فيها طلقة! ولا غّبرت قدمك يوماً من الأيام! فأنت من الذين رضوا بالحياة الدنيا!" لا أحد يستطيع ان يقول ذلك. هناك خلل عام في فهم الصحوة حول الطرق التي يحافظ بها على الدين، والآيات كما ذكرت إذا تتبعناها كثيراً.
والشباب الذين عندهم القدرة على فداء الدين وعلى التضحية من أجل الدين, للأسف الشديد عندهم خلط في السمع والطاعة لعلماء الإسلام القاعدين, فالقاعد لا يسمع له ولا يطاع، فمن هنا هذه الطاقات تبقى معطلة، ويصرفونهم عن الواجب المتعين إلى فرض كفاية؛ كطلب العلم، لو أصبح كل الناس علماء لن يقوم الدين إلا بالجماعة والسمع والطاعة والنصرة والجهاد.
فمن هنا نحن بحاجة إلى أن نُفهّم الشباب أن قياداتهم العلمية هي راضية بالدنيا, هي تفر من واجب ثقيل تذمّر منه بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى يبين ذلك بقوله {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [سورة الأنفال : 5 ].
الصحابة رضي الله عنه لما خرجوا يوم بدر خرجوا على أنهم سيأخذون العير للتجارة, فلما بلغهم أن قريشاً قد خرجت في ألفٍ كَرِه بعضهم ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يروي أبو أيوب- فقال: ((أشيروا علي أيها الناس؟))، فقال؛ أظهرنا كرهنا للقاء العدو. فقلنا: (يارسول الله ما خرجنا لقتال عدو ولا طاقة لنا بهم, وإنما خرجنا للعير)، فقال: ((أشيروا علي أيها الناس؟))، فكررنا ذلك، فقال: ((أشيروا علي أيها الناس؟))، فتكلم المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله! إذاً لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة : 24] ، ولكن نقول لك؛ إذهب أنت وربك فقاتلا فإنا معكم مقاتلون، والله لنقاتلن عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك).
فإذا كان الصحابة الكرام الذين عاشوا في جو القتال والجهاد؛ القتال بين الأوس والخزرج أخذت منهم الشيء الكثير وهي عبر عشرات السنين، وجاء الإسلام وهم في مطاحنات لها أول ليس لها آخر, وكان القتل أمراً ليس ذي بال كبير عند الأوس والخزرج في الجاهلية. وجاء الإسلام ليحثهم على ذلك بالجهاد.
فكيف بنا اليوم تتشابه القلوب وتتواطأ كلها - إلا من رحم الله - على القعود عن نصرة الله.
يجب أن يفهم الشباب أن هناك خللاً كبيراً، وأن هؤلاء لا بد أن نصفهم بالصفات التي وصفهم بها الله سبحانه وتعالى.
كل من يقعد عن الجهاد بغير عذر وصفه في القرآن ظاهر بيّن، إنّه "الفسق" {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [سورة التوبة : 46] ، الذين يرضون بالقعود مع الخوالف؛ هم لا يفقهون, وإن أخذوا أكبر الشهادات من أفضل الجامعات, وهم لايعلمون وإن وجّهت إليهم كل أسئلة الفتاوى, فهذا نص كتاب الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: { رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ}، هذا ذمٌ شديدٌ جداً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد {رَضُوا} هذا هو الذم، {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة 78].
فمفتي الديار صاحب الكتب والتأليفات والمصنفات الكثيرة هو لا يفقه, لأن العلم ثمرته خشية الله سبحانه وتعالى. قالت تلك المرأة أم سفيان رحمها الله: (يا أيها العالم!)، قال: (إنما العالم من يخشى الله) [14]، فليس العلم هو كثرة الرواية، وإنما العلم هو عبادة الله بما أنزل سبحانه وتعالى والخوف منه وتقواه.
وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى -بعدها في بضع آيات- {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}، لو كانوا يفقهون، وقوي اليقين في قلوبهم؛ أن ما عند الله سبحانه خير لهم من هذه الدنيا, لما ركنوا إليها ولما داهنوا، ولأسرعوا الخطى وتسابقوا في تلك الخيرات إرضاءً لله تعالى.
فأقول ينبغي أن يُشرح للشباب هذه المعاني, وتفك هذه القيود التي تقيدهم من ذلك.
فهذا أخونا أبو العباس [15] طاقة عظيمة - ومثله كثير جداً بالذات في بلادنا وفي بلاد الإسلام, ولكنها تُقيد - ولكنه نفع الله به, وخرج وانفك من ذلك القيد الذي تلبسه, فلما جاء هنا رأى الأمور على حقيقتها, وقال تلك الوصية البليغة لتنبيه الناس من ذلك الوهم, قال: (ما أنتم فيه من طلب للعلم؛ فهذا أمر عظيم, وهذا خير كبير, وجزاكم الله خيراً, أما إذا تعين الجهاد فلا ثمّ لا إذا تعين الجهاد لا يتزاحم معه شيء), يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (إذا تزاحمت الواجبات قُدّم آكدها)، فالناس - وخاصة أبناء الصحوة - فيهم خير كبير وطاقات هائلة, وهم مستعدون للتضحية ولكن من المهم أن يزال عنهم هذا الضباب, وأن يزال عنهم هذا الغبش.
من النصوص الأخرى التي ينبغي الاقتداء بها في مثل هذه الظروف:
هو حديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يصور وضعاً شبيهاً لوضعنا الحالي, فيقول رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر - مخافة أن يدركني [16] - فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) [متفق عليه][17].
فهذا الوضع كما تلاحظون أن العالم الإسلامي انتشر فيه هذا الشر العظيم, وهو أن الأئمة الذين يدعون الناس إلى جهنم هم أظهر ما يكونون في حكام المنطقة - حكام العالم العربي والإسلامي - فهم في إعلامهم وأجهزتهم وإفسادهم للبلاد, فهم يدعون الناس عبر تبنيهم للأفكار الهدّامة وعبر تبنيهم للقوانين الوضعية والقوانين الكفرية, فهم يدعون الناس في الصباح والمساء إلى أبواب جهنم - ولاحول ولا قوة إلا بالله - فالكفر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم على مرأى ومسمع في الصحف وأجهزة التلفاز, وفي الراديو والندوات, ولاينكر عليهم منكر, فهؤلاء هم الأئمة الذين يدعون الناس إلى جهنم.
ما هو الحل إذا حصل مثل هذا؟
فهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه سأل حتى وصل إلى مثل هذه الحاله فقال: (هل بعد ذلك الخير من شر؟ فقال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، وقال رضي الله عنه: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟).
هذا كلام واضح بيّن صريح يسأل عن المخرج في مثل هذه الحالة التي نحن نعيش فيها اليوم، فيقول: (ما تأمرني إن أدركني ذلك؟)، فأمره بأمر واحد - رغم كثرة الواجبات وأهميتها - ولكن في مثل هذا الوضع هناك أمرٌ واحد يتقدم على جميع الواجبات الأخرى بعد الإيمان، قال: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟) قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).
فهذا الواجب العظيم الذي هو فرض الساعة لا مكان له بين العلماء اليوم ولا يتحدثون عنه, بل شُغلوا كل واحد منهم - إلا من رحم الله - بالتهليل والمدح للأئمة الطواغيت الذين كفروا بالله ورسوله, فبرقيات تذهب من هؤلاء لمدح هؤلاء الحكام الذين كفروا بالله ورسوله, ويُكفر بالله ورسوله في صحفهم وفي إعلامهم, وبرقيات أخرى من هؤلاء الحكام الذين كفروا إلى هؤلاء العلماء تمدحهم, ودلسوا في ذلك على الأمة!
فالأمة لم تصب من قبل بمثل هذه الكارثة التي أصيبت بها اليوم, كان يحصل خلل ولكنه جزئي, أما الخلل اليوم فهو قد عمّ الناس مع هذه الثورة الإعلامية, وأصبح الإعلام يدخل على كل بيت، فهذه الفتنة ما سلم منها بيت حضر ولا بيت وبر, ما سلم منها أحد، في السابق كان يزِل العالم وتبقى زلته محدودة في مكان معين, ويَفجُر الأمير والحاكم ويبقى فجُوره محدوداً داخل القصر، أما أن يصبح جُل الناس أسرى وظائفهم التي هي لهذا الطاغية، فهذا ما حصل في تاريخ الإسلام قط.
وكلما حصل انحدار وكلما حصل بُعد عن دين الله فهناك تلقائيةً في هذا الدين وفي منهجه القويم المتكامل، يبدأ هناك آخرون في تصحيح المسار ويضحون بأنفسهم, لكن لم يحصل قط أن سواد الأمة وأن الفقهاء والعلماء أسرى وظائف عند الطواغيت!
حدثني بعضهم قال: "نحن لا نستطيع أن نقول الحق, لأننا إذا أردنا أن نقول الحق نفكر في هؤلاء الأطفال الذين في البيت وهؤلاء النساء, أين يذهبون؟ وأين نذهب نحن؟".
فينبغي على الشباب أن يفهم طبيعة العلاقة اليوم بين موظفي الدولة والحاكم, وكل من هو موظف دولة؛ هو موظف دولة, ولا ينبغي للشباب أن يغضب إذا قلنا؛ إن الشيخ الفلاني هو موظف دولة.
نحن لو عملنا استبياناً أو أي جهة ما قدمت بعمل استبيان للناس, في هذا الاستبيان الاسم والعمر والحالة الاجتماعية والوظيفة؛ "هل أنت موظف حكومي؟ أم حر متكسبب، كما يقال عندنا أو تاجر؟ أو لايوجد عمل أو متقاعد؟"، فماذا سيكتب من هو موظف للدولة؟
فالمدير سيكتب؛ أنا موظف دولة موظف حكومة.
والشرطي سيقول؛ أنا موظف حكومة.
والقضاة سيقولون؛ نحن موظفو حكومة.
وعلماء دار الإفتاء سيقولون؛ نحن موظفو حكومة!
فهناك خلل في فهم الشباب إذا وصفنا هؤلاء بأوصافهم الحقيقية؛ أنهم موظفو حكومة تراه يغضب!
فهذا خلط عجيب وازدواجية عجيبة! أنت ترفض أن ننسبهم إلى هذا الحاكم الطاغية! وهم هذا وصفهم وهذه حقيقتهم.
فطريق الحل طريق واضح جداً جداً بيّن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأمور العظام:
1) حلها بالاجتماع للجهاد.
2) حلها بالجماعة والسمع والطاعة والجهاد.
3) حلها تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
وجماعة المسلمين وإمامه أول واجب عليهم هو؛ دفع الكفر ودفع العدو الصائل، ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [سورة النساء : 84]، فدفع بأس الكفّار هو:
1) بالتحريض.
2) وبالقتال.
فلماذا الناس لا يهتدون؟ لأن على هذا الطريق دعاة إلى أبواب جهنم:
1) الحكام وأجهزتهم يدعون الناس في الليل والنهار يصرفونهم عن هذا الطريق المستقيم.
2) وموظفو الحكومة بعضهم وُظّفوا عيناً للصد عن دين الله.
وظفتهم الدولة بمسميات مختلفة، لكن حقيقة الوظيفة هو موظف يشهد شهادة الزور.
فوزير الإعلام مثلاً مهمته أن يشهد شهادات الزور، هو وجهازه كله، في كل يوم يدلس على الناس, ويظهر أن البلاد هي أفضل بلاد, وأن الحاكم هذا عبقري ليس مثله شيء، وقس على ذلك.
وكذلك وزير الدفاع يدلس على الناس ويشهد شهادات الزور ويقول إننا بخير, وإن قواتنا المسلحة جيدة, ونحن في الحقيقة تحت الاحتلال منذ أكثر من عقد من الزمان! كل العالم يعلم أننا تحت الاحتلال, وأن الطائرات الأمريكية تخرج متى شاءت دون أن تخبر أحداً في الليل أو النهار. ويخرج علينا وزير الدفاع ليقول؛ "نحن مستقلون وليس أحد يستخدم أراضينا بغير إذننا"، فهؤلاء الذين يشهدون شهادة الزور.
وبفضل الله الوعي الذي انتشر في الفترة الأخيرة بين الناس أصبحوا يعرفون ويعلمون أن هؤلاء موظفو حكومة.
لكن الخطر الذي يأتينا ليس من وزير الداخلية وليس من أتباع وزير الداخلية, فهؤلاء مهما فعلوا لا يستطيعوا أن يلبسوا على الناس, فخطر تلبيسهم مكشوف ومعروف لدى العوام أنهم يكذبون عليهم ويخادعونهم، ولكن الخطر الشديد عندما يأتي الكذب والخداع من أئمة الدين الذين هم ما اتقوا الله سبحانه وتعالى, ويشهدون شهادة الزور في الصباح والمساء يضللون الأمة [18].
فكيف إذا كانت شهادة الزور في البيت الحرام, في مكة المكرمة عند الكعبة المشرفة، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة)) فذكر أولهم ((ملحد في الحرم)) - هذا كما في صحيح البخاري رحمه الله - فهذا من أعظم الإلحاد في الحرم؛ أن تشهد شهادة الزور تضلل أمة من أجل بضعة دراهم تأخذها في آخر كل شهر.
فلا يختلف أحد في كفر هؤلاء الحكام, وفي فجورهم, وفي إباحتهم للبلاد, وإفسادهم للعباد.
ثم تأتي وتشهد شهادة الزور في ذلك المكان العظيم؛ في البيت الحرام وفي الشهر الحرام! -ولا حول ولا قوة إلا بالله-
وقد قال صلى الله عليه وسلم ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟!))، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الشرك بالله -عافانا الله وإياكم من الشرك- وعقوق الوالدين -وكان متكئاً فجلس فقال- ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور))، فما زال يكررها حتى قال الصحابي: (حتى قلنا؛ ليته سكت) [متفق عليه].
فهذه شهادة الزور، تشهد شهادة زور على شبرٍ من الأرض، هي من أكبر الكبائر في أي بقعة من الأرض تشهدها, فكيف تشهد عند البيت الحرام؟! [19] هذه شهادة الزور في كل جمعة وفي كل مناسبة لتضلل أمة بأسرها, من أجل بضع دراهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فكم هو إثم هذا الذي يشهد هذه الشهادة!
فهؤلاء موظفو دولة لا يمكن لعاقل أن يرجع إليهم في أمور دينه, فأقل ما يقال فيهم؛ كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله للذين يدافعون عن الحكام الطواغيت، قال: (أقل أحوالهم أنهم فسّاق) [20], فهؤلاء أقل أحوالهم أنهم فسّاق. فينبغي للناس أن يقاطعوهم, وأن يهجروهم.
فإنه كما يقول ابن عباس رضي الله عنه في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل؛ كان الرجل يلقى الرجل فيقول؛ يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك! ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) [رواه أبو داود][21]، فهذا من أول النقص الذي يدخل على الأمة.
فلابد من التباين، فنحن لا نتكلم عن أمور صغائر, وإنما نتكلم عن أكبر الكبائر, الشرك بالله الذي تحكم به البلاد, وموالاة الأعداء الذي هو من نواقض الإسلام [22].
فإذا لم يحصل للشباب هذا الفهم، للأسف؛ تجد شاباً يأتيك مسروراً أنه التقى بالشيخ الفلاني من أئمة الحرم, ما ينبغي أن تبتسم في وجه هذا الفاسق الذي يضلل الأمة بأسرها! فإذا لم يحصل هذا الفهم في الصحوة لن نصل إلى مرادنا لإقامة الحق.
فالتبيين والإيضاح للناس أن الأئمة قد ضلوا؛ هذا أمر في غاية الأهمية , لذلك في الحديث الصحيح عن أبي بكر رضي الله عنه لما سألته المرأة الأحمسية، قالت له: (ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح – هذا الإسلام - الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟) فقال لها: (بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم) [رواه البخاري]، فاستقامة الإمام هي شرط مهم لبقاء الدين.
فالذين يريدون أن يقولوا للناس؛ إن الدين موجود مع أن الإمام قد كفر بالله ورسوله منذ قرنٍ من الزمان, منذ أن أقيم بقوة الإنجليز ووالى الإنجليز وبسلاح الإنجليز وبذهب الإنجليز [23], وعاث في البلاد، وكان من أكبر أسباب سقوط الدولة الإسلامية - الدولة العثمانية - هذا كافر بالله لا يمكن أن يكون مؤمنا، لايبقى الدين حاكماً إذا كفر الإمام.
فهذا الفقه لابد أن يكون واضحاً جلياً, فعندما يكفر الإمام يجب أن ينتفض الناس [24]، لم يعد الإسلام موجوداً, لابد من الحركة لإقامة إمام يقيم في الناس حدود الله سبحانه وتعالى، فقال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).
من الخدع التي يستخدمها الحكام في مخادعة الناس؛ وكأننا قد أظلنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظلتنا الحالة التي يتحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يتهم فيها الأمين ويؤتمن الخائن ويصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويتكلم فيها الرويبضة))، قيل: يا رسول وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه ينطق في أمر العامة)) [25].
فهذا الزمان كما هو ملاحظ من الخدع التي يستخدمها الحكام سواءً حكام العرب وحكام المسلمين أو حكام العالم أجمع.
فمِن أَظهر تلك العلامات أن يتحدث بوش على أن سفاح العصر شارون يسميه بـ "رجل سلام" [26].
وكذلك حكام المنطقة يخادعوننا, ويوالون الكفار, ثم يدعون أنهم ما زالوا على الإسلام.
ومما يزيد في هذا الخداع هو استحداث هيئات غرضها التدليس على الناس. وقد يستغرب الناس عندما نتحدث عن أن بعض الهيئات المنتسبة إلى الشرع والمنتسبة إلى الفقه وإلى العلم أنها تقوم بهذا الدور - من حيث تدري أو لا تدري - فغرض النظام من إظهار بعض العلماء على شاشات التلفاز وعبر محطات الإذاعات لإفتاء الناس, ليس هذا هو الغرض الأساس لهذه المهمة, ولو كان كذلك لظهر الصادقون من العلماء على شاشات المحطات المحلية وغيرها, وعلى المحطات الإذاعية المحلية, ولكن الغرض أن هذه الهيئات لها مهمة في الظروف الحرجة وفي ساعات الصفر.
كما رأينا من قبل عندما والى النظام القوات الأمريكية الصليبية وأدخلها إلى بلاد الحرمين, وضج الناس وضج الشباب, فكان صمّام الأمان للناس أن هذه الهيئة وأمثالها صدّرت فتاوى بإلحاق الإجازة لتصرف الحاكم وَسمّوه بـ "ولي الأمر" - وما هو للمسلمين بولي أمر على الحقيقة - فينبغي الانتباه إلى ذلك.
وقد يتعجب الناس؛ هل يعقل أن هذا الشيخ فلان أو ذلك على جلالة قدره في العلم, ورغم كبر سنه, هل يعقل أن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل؟!
أقول؛ إن الإنسان ليس بمعصوم [27], وإذا نظرنا في تاريخنا وفي تاريخ العالم الإسلامي عبر القرون الماضية فنجد أن هذه الحالات تتكرر.
وسأذكر مثالاً أو مثالين ليعي الناس هذا الأمر:
1) فقد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في سيَره, ذكر سيرةَ علي بن المديني رحمه الله - انظر إلى مقدمة تلك السيرة - وقال: (علي بن المديني... أمير المؤمنين في الحديث) [سير أعلام النبلاء: 11/41]، وذكره ووصفه ومدحه وذكر أن الناس في علم الحديث عالة عليه, ولكن من باب الإنصاف مع جلالة قدر علي بن المديني - وإذا ذكر لا يذكر علماؤنا في هذا العلم بجواره - ولكنه مع ذلك زل زلةً شديدة عندما تعرض لخدمة السلطان, وعندما ضغط عليه أمراء بني العباس وافقهم بضد ما يعتقد, وفي ضد ما كان يُدَرّس, وافقهم في تلك الفتنة المضلة الفظيعة [28].
2) وكذلك شيخ المؤمنين في الحديث يحيى بن معين رحمه الله [29] زل نفس الزلة.
وكثير من العلماء في ذلك العصر زلوا هذه الزلة, نتيجة للتهديد بالضرب والسجن, وقد يصل إلى القتل, وما ثبت إلا عدد يسير كما تعلمون كان منهم إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فينبغي التنبه لذلك, واقرأوا هذه السيرة لتروا ولتعتبروا بحال الناس.
وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)) [رواه الإمام أحمد]، هذا إذا كان القاضي غضبان فينبغي عليه أن لا يقضي بين اثنين، فكيف إذا كان خائفاً؟ والخوف أشد وقعاً على النفوس من الغضب كما يقول ابن القيم رحمه الله : (فمن قصر النهي على الغضب وحده، دون الهم المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمأ الشديد، وشغل القلب المانع من الفهم، فقد قل فقهه وفهمه) [إعلام الموقعين ج1 ص 207-208].
فالناس في بلادنا خائفون من أن يقولوا كلمة الحق, فينبغي التنبه. وقد صرّحوا لنا مراراً كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان عن الخوف الذي يخشونه فيما لو صدعوا بالحق, وقد حدثت من قبل أن أحد كبار العلماء في هيئة كبار العلماء حدثني عندما كنّا نقول لهم: "إنه ينبغي إصدار فتوى بوجوب الإعداد, على التسليم فرضاً بقولكم أن وجود الأمريكان في البلاد ضرورة", فاعتذر عن إصدار فتوى مع تصريحه في المجلس بأنه حق, وأنه لابد من أن يكون العمل للجهاد في البلاد على أبناء البلاد وأن يخرج الأمريكان, قال: (لكن الدولة لا توافق لنا بهذا), ولمّا قلنا له: "حاولوا عبر هيئة كبار العلماء أن تستصدروا فتوى بذلك, فقال كلاماً وأنا أشكر له مصارحته لي, قال ليس في نظامنا في قانون هيئة كبار العلماء"، قال: (لسنا نحن الذين نبحث القضية ونصدر فيها فتوى، وإنما تصدر الفتاوى في المسائل التي تحال إلينا من المقام السامي) [30] - على حد تعبيره -
فينبغي للناس أن تعي هذا الأمر، فإذا استمر هذا الخلط ولم يتميز الولاء للمؤمنين وللدين, ولم يتميز البراء والبراءة من الشرك والإلحاد, فلن نجد السبيل الذي نصل به إلى رضوان الله سبحانه وتعالى، فهذا أمر في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة. وينبغي على الصادقين من العلماء وطلبة العلم والدعاة أن يوضحوه للناس وللشباب, حتى لا يلتبس عليهم الأمر.
فالنظام كما أنه استحدث وزارة الإعلام مهمتها التدليس على الناس,كذلك هو فرّغ ميزانية ضخمة لهذه الهيئات التي تنتسب إلى الإسلام, مهمتها أن تعطي الشرعية للنظام وأن النظام على حق.
فحتى تتصوروا المسألة, تصور أن مبنى هيئة كبار العلماء هو ملحق بالقصر الملكي, وتصور أن دار الإفتاء في الأزهر هي ملحقة بالقصر الجمهوري التابع لحسني مبارك [31], ودار الإفتاء في بلاد الحرمين ملحقة بقصر الملك، فهل تذهب وتسأل هذا الرجل الموظف الذي يتقاضى راتباً من الملك, تسأله عن حكم الملك؟ وهل الملك فعلاً والى الكفار؟! وهل الولاء للكفار ناقض من نواقض الإسلام؟! هذه المسائل واضحة بينة وإن التبس على بعض الناس لقلة علمهم، فيُرجع بها إلى الصادقين، فلا تذهب تسأل موظفاً عند الملك عن حكم الملك!
فهؤلاء كما ذكرت لا يقاسون بعلي بن المديني رحمه الله ولا يقاسون بيحيى بن معين رحمه الله، ومع ذلك كمٌ هائل غفير الذين زلّوا عندما ضغط عليهم السلطان.
فلنأخذ بكلام الإمام علي رضي الله عنه عندما قال للحارث: (يا حارث! إنه ملبوسٌ عليك, لا يُعرف الحق بالرجال, اعرف الحق تعرف أهله) [32].
فهذه المسألة حاصل فيها – للأسف - تقليد كبير, كثير من الشباب يقلدون أمرهم لبعض موظفي الدولة, وهؤلاء يوضع عليهم عباءه ويعطون أسماء كبيرة، وهم في الحقيقة موظفون للدولة، عن علم أضلهم الله سبحانه عن علم, ففي كتبهم, وتعلمنا من كتبهم؛ أن من نواقض الإسلام العشرة موالاة الكافرين [33]، ويصارحوننا في مجالسهم الخاصة, ولكن يخافون ويتأولون كما تأول يحيى بن معين رحمه الله فينبغي التنبه لذلك.
ومن الأمور المهمة في ميدان النجاة والخروج من هذا التيه؛ هو النصح للدين -النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- فمسألة النصيحة هي في غاية الأهمية, وهي الإطار المهم الذي يحفظ الدين. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الدين النصيحة)) [رواه مسلم]، لأن النصيحة التي هي من أبرز معالمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هي التي تحافظ على الدين, فلذلك اختصر عليه الصلاة والسلام الدين بهذه الكلمة ((الدين النصيحة)).
ولكننا في زمن اختلط على الناس فهم الدين, وظنوا أن الدين يقوم بغير نصيحة ويقوم بغير المخاطرة. فنظراً لكثرة الترف الذي أصاب الناس, وإلى ركونهم إلى الدنيا وإلى الأرض, والأشد والأنكى أن هذا المرض القاتل يوزّعه هؤلاء القاعدون الراكنون إلى الدنيا على الشباب الصادقين الغيورين على دينهم, الذين يريدون أن ينكروا المنكر, ويأمرونهم بعدم إنكار المنكر، وهم في ذلك يتقدمون بآرائهم بين يدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سنذكره بإذن الله.
فلا يستقيم أمر الدين إلا بالنصح وإلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتحمّل كل المخاطر في سبيل هذا الدين, ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) [رواه الإمام أحمد]، هذا كله حتى يستقيم الدين.
وحال هؤلاء الذين يعرّضون أنفسهم للمخاطر من أجل أن يستقيم الدين كحال أناس في سفينة, يسير بها قائدها إلى هاوية سحيقة في مجرى نهر, فهذا يريد أن ينصح القائد وهؤلاء من خوفهم يقولون له؛ "إذا نصحته سيقتلك لا تنصحه!", فالحاصل أن الجميع سيذهبون إلى تلك الهاوية [34].
ففي ديننا من التأكيد والحرص على تصحيح المسار، إلى درجة أن تقدم نفسك في سبيل الله لتصحيح المسارحتى يبقى الناس على الدين, فلذا جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمامٍ جائر فأمره ونهاه، فقتله)) [رواه الحاكم] ، فهذا للأسف الفهم الواضح الصريح للحديث، كان علماؤنا ومشايخنا يقومون بتثبيطنا عنه وينهوننا أن نفعل مثل هذا ويقولون ليس من ورائه مصلحة.
ففي هذا الفهم خطر عظيم على دينهم وعلى اعتقادهم، كيف يتقدمون بهذا بين يدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الواضح الصريح ((سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب, ورجل قائم إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله))، فقوتنا وسلاحنا للمحافظة على بقاء ديننا, وعلى مقاومة أي محاولة لتحريف الدين داخلية أو نتيجة ضغط خارجي هي الروح الاستشهادية, فالجهاد وما تفرع منه هو السبيل لإحقاق الحق, ولإبطال الباطل.
فينبغي للشباب الذين شرح الله صدورهم لحب الدين, وللفداء في سبيل الله أن لا يلتفتوا إلى هؤلاء الموظفين, وأن لا يلتفتوا إلى القاعدين, وأن لا يلتفتوا إلى الراكنين, فشتان شتان بين علمائنا الذين يشار إليهم بالبنان, ومن يشار إليهم اليوم نتيجة الثورة الإعلامية ونتيجة التقدم الإعلامي الهائل.
فالحكومة تنظر في العلماء فما رأت فيه موافقة لها ولينٍ ومداهنةٍ منهم سلطت عليه الأضواء, فينشأ الناشئة منذ الصغر ويسمعون؛ "الشيخ فلان أرسل برقية إلى الملك", و "الملك رد إليه برقية", ويظهر عن يمين الملك في كل يوم اثنين وغيره [35], فيقع في ذهنه أن هؤلاء أهل الخير والصلاح.
قال أهل العلم؛ "دخول العلماء على السلاطين فيه مضارٌ ثلاث" [36]، فمن أعظم مضاره تضليل العامة, فالعامة يقولون لولا أن هذا الإمام وهذا الملك أو هذا الرئيس على خير لما دخل عليه الشيخ فلان! وهم يتجاهلون أن هذا الذي دخل على الملك هو موظفٌ ملحقٌ بالديوان الملكي أو ملحقٌ بوزارة الداخلية.
يقول الإمام أحمد رحمه الله : (من قلّة فقه الرجل أن يقلّد في دينه الرجال) [أعلام الموقعين 2/211].
فإذا انتبهنا إلى الذين يضعهم الحاكم في طريق الجهاد، وحذّرنا الناس منهم، فبإذن الله سنصل إلى طريق الجهاد الذي يُكفّ به بأس الكفار ويحق الحق [37]. فهؤلاء علماء الدولة وعلماء السلاطين ليس في فقههم؛ فقه محمد صلى الله عليه وسلم والفهم لطبيعة منهج الله سبحانه وتعالى.
فلا بد أن يستقر في أذهاننا؛ أن الالتزام بالدين بالضرورة أن يكون هناك معاداة من أهل الباطل, فكما في الحديث الصحيح في صحيح البخاري رحمه الله الحديث الذي ترويه أمنا عائشة رضي الله عنها عندما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمنا خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل فلما قص عليه ما قص من بدء الوحي فقال ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت فيها جذعاً [38] إذ يخرجك قومك)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أو مخرجيّ هم؟!))، قال: (ماجاء رجل قط بمثل ماجئت به إلا عودي) [متفق عليه][39]، هذا هو فقه محمد صلى الله عليه وسلم فكل من التزم الإسلام حقاً لابد أن يُعادى.
وهؤلاء الأنصار رضي الله عنهم لما جاءوا في يوم العقبة يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فجاء معه العباس -وهو على دين قومه لم يسلم بَعد- فقال: (يامعشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمداً فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصيرة بالحرب واستقلال بمعاداة العرب قاطبة. فإنها سترميكم عن قوسٍ واحدة فأروني رأيكم وأنتم وأمركم, ولا تفرّقوا إلا عن إجماع فإن أحسن الحديث أصدقه, صفوا لي الحرب؟ كيف تقاتلون عدوكم؟) ، فهذا العباس - وهو على دين قومه كافراً - ولكن يحتاط لابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم ويفقه أن معنى "لا إله إلا الله"؛ أن الناس والعالم سيعادي أهلها, فعند ذلك تكلم عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال: (نحن والله أهل الحرب, وغذينا بها, وورثناها كابراً عن كابر نرمي بالنبل حتى تفنى, ونطاعن بالرماح حتى تكسر, ثم نمشي بالسيوف نضارب بها حتى يموت الأعزل منا أو من عدونا)، فقال العباس: (هل فيكم دروع)، قالوا: (نعم ها هي)، عند ذلك تقدم البراء بن معرور رضي الله عنه، وقال: (قد سمعنا ما قلت, وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه, ولكنا نريد الوفاء والصدق, وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا هو فهم السلف رضي الله عنهم للالتزام بالدين وبذل مهج الأنفس لله سبحانه وتعالى وفي الدفاع عن دينه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً مما جاء في ذلك اليوم المبارك - يوم العقبة - عندما قام الصحابة يريدون أن يبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده أسعد بن زرارة وقال: (رويداً يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم, وأن تعضكم السيوف, فإما أنتم تصبرون على ذلك؛ فخذوه وأجركم على الله, وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة؛ فذروه فهو أعذر لكم عند الله) [رواه الإمام أحمد][40].
فهذا هو فهم السلف لمعنى "لا إله إلا الله"، وما تقتضيه "لا إله إلا الله" من تحكيمٍ في الأرض ومما سيضطر إلى المواجهه مع العدو.
وكما قال المثنى بن الحارثة لرسولنا عليه السلام يوم أن عرض عليهم أن يؤمنوا بلا إله إلا الله, وأن يحموه ويؤووه, فقال المثنى - كان مشركاً يومها - قال: (إن هذا أمر تكرهه الملوك).
وفي الحديث الآخر عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق السؤال عن أفضل الأعمال حتى في العشر من ذي الحجة فاستثنى, ووضح لهم أي الأعمال أفضل, فهي أفضل حتى من العمل في عشر ذي الحجة فقال عليه السلام: ((إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)) [رواه البخاري].
فأما ما انتشر بين العلماء من السلامة على أنفسهم وعلى أبنائهم, وعلى أموالهم, وعلى وظائفهم, مع بقاء الدين, فهذا فهم مغاير لحقيقة "لا إله إلا الله" ولمعاداة أهل الباطل لها، فهذا التواؤم, وهذا التماشي بين العلماء والحكام - الذين كفروا بالله ورسوله - هو وضع خاطئ ينقلب وينصبُّ في الابتداء على أن العلماء تركوا حقيقة "لا إله إلا الله", والالتزام بحقيقة "لا إله إلا الله" ومقتضيات "لا إله إلا الله", يداهنون الحكام.
فينبغي الحذر كل الحذر من هؤلاء, لأن النظام وضعهم عن قصدٍ للصد عن سبيل الله, وقد كان منذ ربع قرن كان الشيخ عبد الله بن حميد عليه رحمة الله، لا يُذكر بجواره العلماء الآخرون - بعد أن توفي الشيخ محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله - في ورعه وفقهه وعلمه وشدته في الحق، ولكن النظام لا يريد أهل الحق ولايريد أهل التقى والورع، فما زال يضايَق الشيخ عبد الله بن حميد وأُخذ الأضواء عنه بعيداً على عدد من العلماء الأخرين الذين فيهم لين ورقّة مع النظام, ونوع مداهنة, وأضف إلى ما لبّس عليه النظام, وتركوا الشيخ عبد الله بن حميد يضايقوه في عمله إلى أن استقال لما شعر أن الدولة بدأت تبتعد كثيراً, وظهر له أن الدولة توالي الكفار, وتبتعد كثيراً عن شرع الله سبحانه وتعالى.
فكذلك الحال اليوم تسلط الأضواء الإعلامية على العلماء, الغرض منه التدليس على المسلمين.
وفي هذا المجال لابدّ من الحديث أننا إذا عرفنا علماء السوء وعلماء السلاطين ينبغي البحث بجد واجتهاد عن الصادقين من العلماء, عن الذين يصدعون بالحق ولا يخافون لومة لائم، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة : 19]، فينبغي الالتفاف حولهم والتشاور معهم في نصرة لا إله إلا الله والعمل لتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى.
والصادقون من العلماء لهم صفات, والصادقون بيّن الله سبحانه وتعالى صفاتهم في كتابه الكريم قال : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات : 15] فمن أبرز صفات الصادقين:
1) صفة الإيمان.
2) وصفة الجهاد في سبيل الله.
وهذا المعنى نجده يتكرر، ويقترن الصدق مع الجهاد، ومع النصرة, ومع قول الحق, والصدع به, فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحشر : 8] الذين يهاجرون والذين ينصرون الله ورسوله ويجاهدون في سبيل الله هؤلاء في سبيل الله وللتمكين لدين رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء هم الصادقون.
ومن أعظم الجهاد كلمة الحق والصدع بها، كما مضى معنا في الحديث عن نبينا عليه السلام : ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر))، فالعلماء الذين يصدعون بالحق؛ هؤلاء هم الصادقون وهذه صفتهم.
أما الذين يرون أن الحكّام قد والوا الكفار, ويرون الحكام قد حكموا بغير ما أنزل الله, هؤلاء الذين يمدحون الطواغيت؛ ألا يرون أبراج البنوك الربوية؛ التي هي حكم بغير ما أنزل الله؟! وإعراض عن منهج الله بجوار الحرم؟! هذا الإلحاد قرب بيت الله الحرام, والإلحاد في الحرم ليس المقصود به فقط الكفر، وإنما كما في الحديث الذي مر معنا -في حديث صحيح البخاري- : ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة))، قال: ((ملحدُ في الحرم))، قال أهل العلم؛ الكبيرة في الحرم تعتبر إلحاداً، وذُكِرت هنا بمعنى إلحاد للتشنيع عليها وللتهويل عليها حتى يبتعد الناس عنها.
فأبرز صفات الصادقين؛ الجهاد باليد وباللسان, وقد يكون الإنسان صادقاً وهو ينكر بقلبه, ولكننا لا نعرفه ولا نتعرف عليه وإنما نتعرف على الذي ينكر بيده وبلسانه.
وهنا ينبغي أن نؤكد على شباب الصحوة ما مر معنا؛ أن فيهم من الطاقات ما يكفي وزيادة لإقامة الحق, ولإقامة دولة الإسلام, ودولة الخلافة, ولكن ينبغي أن يتحرروا ويحرروا عقولهم من التقليد الأعمى، فقد صح عن نبينا عليه السلام أنه قال: ((لا تكونوا إمعة، تقولون؛ إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)) [رواه الترمذي وحسنه].
وسأذكر لكم قصة ذات مغزى كبير أن أولي الألباب والنهى إذا قلدوا مَن أمامهم دون أن يتدبروا, فقد يضيع منهم خير عظيم, بل قد تضيع عليهم الآخرة - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه وعمر بن العاص، وعمرو بن العاص من دهاة العرب المعدودين, وخالد بن الوليد عبقري في الحروب, ومع ذلك تأخر إسلامهما لأكثر من عشرين سنه تقريباً, والنور بين يديهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشرة سنة بين أظهرهم في مكة ولا يرون هذا النور مع شدة ذكائهم ونباهتهم، فماهو السبب؟!
السبب؛ التقليد الأعمى, كانوا ينظرون إلى أولئك الرجال العظام في قريش -أهل الندوة- ويقتدون بهم, وعطّلوا عقولهم، فلما أسلم خالد وعمرو بن العاص قبل الفتح بشيء يسير - أي قريباً من عشرين سنة منذ بعثت محمد صلى الله عليه وسلم - فقال له بعض أصدقائه: (أين كان عقلك يا خالد ولم تر هذا النور لعشرين سنة؟)، فقال كلمة ينبغي التوقف عندها كثيراً للمقلدين، قال: (كنا نرى أمامنا رجالاً كنّا نرى أحلامهم كالجبال) - الوليد بن المغيرة, وعمرو بن هشام, وعتبة وشيبة ابني ربيعة, والعاص بن وائل السهمي, وأمية بن خلف - قوم عبّأوا على الناس عقولهم أنهم هم الذين يعرفون الصواب, وكانوا يقودونهم إلى المهلكة في الدنيا والآخرة.
فلما حرر خالد عقله نفع الله به وتفجرت طاقات, فكان سيفاً من سيوف الله فتح الله به أرضاً عظيمة في بلاد فارس وفي بلاد الروم.
فأقول: كثيرٌ من الناس عندهم من الطاقات الهائلة، ولكن يعطلها باتباع قاعد، باتباع من رضي بأن يكون مع الخوالف, فلا نجاة لهذه الأمة إلا بإتباع المنهج كاملاً، فكما ذكرت الخطر ملازم بصفة دائمة لهذه الدعوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ففي هذا الحديث العظيم فقه عظيم جداً حيث إنه وضّح للناس وللمؤمنين أهمية الأولويات في هذا الدين, فرأس الأمر الإسلام ورأس أركان الإيمان والإسلام شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، فالإيمان فيه شعب [41] فلا ينبغي بحال إذا غابت الشعبة الأولى وهي أعظمها وأفضلها وأعلاها شهادة أن "لا إله إلا الله" الاشتغال بما دونها, فهي الأساس لهذا الدين فما يفعل الناس في هذا الزمان وهم يرون بأم أعينهم أن "لا إله إلا الله" بمعناها الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قد غيّبت عن حكم الناس في جميع شؤون حياتهم, ويشتغلون بكثير من الشُعب مع غياب هذه. فهذا لا يمكن أن يسمى لمن علم بهذه الحقائق إلا هروباً عن أداء الواجب, بل عن أعظم واجب في الحياة, وهو تحكيم شهادة أن لا إله إلا الله على كل مؤمن.
ولو قعد الإنسان عن الجهاد واشتغل بإماطة الأذى عن الطريق وهي شعبة من شعب الإيمان وكان الجهاد متعيناً, فلا يقال لهذا الذي يعمل بهذه الشعبة أو بهذه الطاعه جزاه الله خيراً بل هو في ديننا فاسق من الفاسقين فارٌ فر عن نصرة لا إله إلا الله ونصرة دين محمد صلى الله عليه وسلم فينبغي الانتباه الشديد إلى هذه الأولوية, وهو كما لا يخفى، وللأسف الشديد غائبة غياباً عظيماً جداً من جميع بلاد الإسلام بدون استثناء. وأنبه الإخوة كما في حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله تعالى قال؛ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه)) [رواه البخاري]، فالفرائض والطاعات والعبادات هي بما فرض الله سبحانه وتعالى, وترتيبها كما رتبها الله سبحانه لا بما يتوافق معنا, وبما يتوافق مع أهوائنا, وبما يتوافق مع نفوسنا وتثاقلها إلى الأرض.
فعندما تكون الأولوية الأولى بتحكيم لا إله إلا الله فلا يصح بحال الاشتغال بالطاعات الأخرى على حساب إقامة الدولة الإسلامية, وتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى.
ومن الأشياء المهمة في هذا؛ أن العلماء الذين تبرزهم الدولة للناس هم يعلمون علم يقين أن "لا إله إلا الله" لا تحكم الناس اليوم, وأن الحكومات قد نقضوا هذه الكلمة العظيمة, ومع ذلك يدلسون على أنفسهم, ويخادعون أنفسهم, ويخادعون الناس بذكر العبادات والفتاوى للناس في مسائل مع غياب الأصل العظيم, فهم كالذي يبني على غير أساس.
فهؤلاء الذين يفتون؛ يعلمون أن هؤلاء الناس يذهبون يتحاكمون إلى المحاكم التجارية, وإلى هيئات فض المنازعات التجارية, وفض مشاكل الأطراف التجارية, وهذا حكم بغير ما أنزل الله, وهو كفرٌ أكبرٌ مخرج من الملة كما لا يخفى على أهل العلم [42]، ومع ذلك لا يتحدثون عن ذلك.
الربا؛ هذه البنوك لا يمكن لعالم صادق أن يقول إن الربا هذا هو مجرد كبيرة من الكبائر، فهذا الربا الذي يوجد في بلادنا هو تشريع من دون الله {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى : 21]، ومع ذلك يحدثون الناس عن أمور أخرى - هي من شعب الإيمان ولاشك - ولكن بعيداً عن أصل القضية, فهذه القضية الكبرى التي من أجلها بُعث الرسل, ومن أجلها أنزلت الكتب لكي تحكم بين الناس, فينبغي الانتباه الشديد إلى ذلك.
ومن المسائل المهمة أيضاً هنا؛ أن يبتعد الشباب عن أولئك الذين قد ضيّعوا الأمانة وخانوا الأمة فيما اؤتمنوا عليه, وقد جاء في الحديث عن حذيفة رضي الله عنهم قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا؛ أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها، قال؛ ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء) [متفق عليه].
وهذا حال كثير من الناس تظنه على شيء, تظن أن عنده أمانة وسيفتيك بما يرضي الله, ولكن ليس فيه شيء، كجمر دحرجته على رجلك - وفي تكملة الحديث، كما يقول رضي الله عنه نقلا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم - : ((ويصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال؛ إن في بني فلان رجلا أمينا! ويقال للرجل؛ ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)).
فينبغي التمييز بين أهل الأمانة الذين يؤدّون ما احتملوا من ميراث النبوة على نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وبين الذين أخذوا الشهادات العلميّة وأخذوا الدين للوظائف يأكلون به من هذه الدنيا على حساب دينهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله -
فخلاصة الأمر في هذا الباب؛أن هناك ثوابت عظام لابد من الانتباه إليها في مسألة الولاء والبراء؛ أن الأنظمة تسعى جهدها في تمييع الولاء والبراء ولمغالطة الناس في ذلك.
فمن الثوابت؛ أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة : 120].
ومن الثوابت الواقعية أيضاً؛ أن البلاد محتلة, وإذا احتلت فأوجب الواجبات - بعد الإيمان - دفع العدو الصائل, فهذه تصريحاتهم المتكررة, وهذا الواقع الذي يشهد على حالهم, فقد قال الأمير طلال بن عبد العزيز في لقاء له مع بعض الهيئات العالمية قال: (نحن لو قلنا للقوات الأمريكية أن أخرجي من بلادنا، هم لا يخرجون), وهذه صراحة واضحة جداً.
وكذلك وزير خارجية قطر قال: (نحن لو قلنا للحكومة الأمريكية وللقوات الأمريكية اخرجي من قطر، قال: نحن نشطب من الخريطة), فالبلاد محتلة بكل ما تعني الكلمة من معنى، ومازال الناس يشتغلون بعبادات ونوافل وطاعات بعيدة عن فرض الساعة!
فينبغي التركيز على:
1) أن المخرج هو بالجهاد في سبيل الله.
2) والحذر من القاعدين.
3) وعلى أن الهجرة والجهاد في سبيل الله كلاهما متلازم - في مثل هذه الأوضاع - لإقامة الحق وإبطال الباطل.
والله أعلم [43]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها)) [رواه مسلم].
[2] قال ابن إسحاق: (... سمعت ربيعة بن عباد ، يحدثه أبي، قال؛ إني لغلام شاب مع أبي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول؛ "يا بني فلان! إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني، حتى أُبين عن الله ما بعثني به"، قال؛ وخلفه رجل أحول وضيء، له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه، قال ذلك الرجل: "يا بني فلان! إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه!"، فقلت لأبي: "يا أبت! من هذا الذي يتبعه ويرد عليه؟ ما يقول؟"، قال؛ "هذا عمه عبد العزى بن عبدالمطلب، أبو لهب") [سيرة ابن هشام: 2/48-49].
[3] قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (ومعنى شهادة "أن محمد رسول الله"؛ طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، وإجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع) [الأصول الثلاثة].
وقال الحكمي: (هو التصديق الجازم من صميم القلب المواطئ لقول اللسان بأن محمداً عبده ورسوله إلى كافة الناس إنسهم وجنهم {شاهداً ومبشراً ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا} [؟]، فيجب تصديقه في جميع ما أخبر من أنباء ما قد سبق وأخبار ما سيأتي، وفيما أحل من حلال وحرم من حرام، والامتثال والانقياد لما أمر به، والكف والانتهاء عما نهى عنه، واتباع شريعته وإلترام سنته في السر والجهر، مع الرضا بما قضاه والتسليم له، وأن طاعته هي طاعة الله ومعصيته هي معصية الله...) [أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة: ص21].
[4] اخطأت بعض الأحزاب في مفهوم "النصرة" فضخمتها واعطتها اكبر من الحجم الذي تستحقه، وفي كتابه "الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة"، كتب الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة: (قولهم؛ "لا طريق إلى الخلافة إلا عن طريق طلب النصرة، تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يطلب النصرة لدينه ونفسه من قبائل وشيوخ العرب"، نجمل الرد على هذه الشبهة في النقاط التالية:
أولاً؛ إن قالوا طريق طلب النصرة مشروع، يجوز للحركة الإسلامية أن تسلكه إن تمكنت من ذلك، ووجدت لذلك سبيلاً، فهذا قول صحيح لا غبار عليه ولا خلاف، لكن أيضاً هذا الخيار لا يبرر للأمة القعود عن الإعداد والجهاد في سبيل الله، ولا يمنعها من ذلك؛ فطريق الإعداد والجهاد، وطلب النصرة، من ذوي الشوكة، كل ذلك يسير جنباً إلى جنب، ولا يجوز أن يكون السير بأحدهما ذريعة للتنكب أو التخلف عن الآخر.
ثانياً؛ أما إن قيل طريق طلب النصرة... هو شرط لصحة قيام الخلافة! أي لا يجوز للأمة أن تسلك طريقاً آخر لنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته غير طريق طلب النصرة! نقول؛ هذا قول باطل لم يدل عليه نص شرعي صحيح تصريحاً ولا تلميحاً، ما أنزل الله به من سلطان، ولم يقل به عالم معتبر من السلف ولا من الخلف، والذي يزعم غير ذلك فليخرج لنا دليله وبرهانه، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [البقرة:111] فلو كان طلب النصرة شرطاً لصحة قيام الخلافة... لجاء ولو نص واحد من الكتاب أو السنة ينص على ذلك، ولذكره أهل العلم ولو لمرة واحدة في كتب الفقه والعلم، ولما انتفى كل ذلك علمنا بالضرورة أنه شرط باطل لا يجوز القول به...
تاسعاً؛ مما يقلل من فاعلية طريق النصرة؛ هذا النظام الواسع لأجهزة التجسس والرصد المخابراتية التابعة للأنظمة الدولية والمحلية، مما يجعل من المستحيل أو الصعوبة بمكان للعصبة المؤمنة أن تسلك طريق النصرة على الطريقة الأول، وهي أن تعرض نفسها على الأفراد والجماعات - وبخاصة إن كانت هذه الأفراد أو الجماعات كافرة - وتطلب منهم النصرة من أجل العمل لهذا الدين وقيام خلافة إسلامية، ثم لا تُتخطف من قبل أجهزة المخابرات وتُغيب عن الوجود؟! فإذا كانت النسبة لهذا الدين وإرخاء اللحية والثوب جرم لا يغتفر عند كثير من الأنظمة الطاغية المعاصرة، فكيف إذا عُرف المرء - ولا بد له أن يُعرف إن أراد النصرة بمعناها وأسلوبها الأول - بأنه يسعى بين الناس يطلب منهم النصرة من أجل إقامة دولة وخلافة راشدة؟!...) [وللاستزادة راجع الكتاب].
[5] كان هذا سنة 10 للهجرة [الرحيق المختوم: 115]، قال ابن إسحاق: (وحدثني الزهري أنه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال رجل منهم؛ "والله، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش، لأكلت به العرب"، ثم قال؛ "أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟"، قال؛ "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء"، فقال له: "أفتُهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك"، فأبوا عليه) [سيرة ابن هشام: 2/49-50].
[6] قال الإمام حمد بن علي بن عتيق: (فأما معاداة الكفار والمشركين؛ فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم! بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) [سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك].
[7] يقول الاستاذ سيد قطب: (والذين يظنون أنفسهم في "دين الله" لأنهم يقولون بافواههم؛ "نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، ويدينون لله فعلا في شؤون الطهارة والشعائر والزواج والطلاق والميراث، بينما هم يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير الله؛ ويخضعون لشعائر لم يأذن بها الله – واكثرها مما يخالف مخالفة صريحة شريعة الله – ثم هم يبذلون أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وأخلاقهم – أرادوا ام لم يريدوا – ليحققوا ما تطلبه منهم الأصنام الجديدة، فإذا تعارض دين أو خلق أو عرض مع مطالب هذه الأصنام، نبذت أوامر الله فيها ونفذت مطالب الأصنام، الذين يظنون انفسهم "مسلمين" وفي "دين الله" وهذا حالهم، عليهم أن يستفيقوا لما هم فيه من الشرك العظيم! إن دين الله ليس بهذا الهزال الذي يتصوره من يزعمون انفسهم "مسلمين" في مشارق الأرض ومغاربها! إن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتقصيلاتها، والدينونة لله وحده في كل تفصيل وكل جزئية من جزئيات الحياة اليومية وتقصيلاتها – فضلا عن أصولها وكلياتها – هي دين الله، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه) [تفسير سورة إبراهيم].
[8] قال عبد الرحمن بن حسن: (ولابد في شهادة لا إله إلا الله من سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها، أحدها؛ العلم المنافي للجهل، الثاني؛ اليقين المنافي للشك، الثالث؛ القبول المنافي للرد، الرابع؛ الانقياد المنافي للترك، الخامس؛ الإخلاص المنافي للشرك، السادس؛ الصدق المنافي للذكب، السابع؛ المحبة المنافية لضدها)، وقال: (فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها... أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه؛ من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل – قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح - فغير نافع بالاجماع) [فتح المجيد 46 و49].
[9] الشهيد عبد الله عزام؛ ولد رحمه الله في جنين عام 1360هـ، انهى دراسته الإبتدائية والثانوية في قريته، ثم واصل تعليمه بكلية "خضورية الزراعية"، ونال منها الدبلوم بدرجة "إمتياز"، ثم عمل في سلك التعليم، وواصل طلبه للعلم الشرعي حتى انتسب إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق، ونال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير "جيد جدا" عام 1386هـ، وبعد سقوط الضفة الغربية عام 1387هـ عاد إلى فلسطين ليؤدي فريضة الإعداد والجهاد فشارك في العديد من المعارك، ثم انتسب إلى الازهر فحصل على شهادة الماجستير في أصول الفقه عام 1389هـ بتقدير "جيد جدا "، وعاد سنة 1390هـ إلى الاردن ليعمل مدرسا في كلية الشريعة بعمان، وبعث من قبل الكلية إلى الأزهر للحصول على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه، حيث حصل عليها سنة 1393هـ، وفي عام 1400هـ صدر قرار الحاكم العسكري الاردني بفصله من عمله في الكلية، فانتقل إلى الجزيرة العربية للتدريس في جامعة "الملك عبد العزيز" بجدة. اعير سنة 1401هـ إلى الجامعة الإسلامية الدولية بإسلام آباد للتدريس حسب طلبه ليكون قريبا من الجهاد الأفغاني، بعد انتهاء مدة الاعارة رفضت جامعة "الملك عبدالعزيز " تجديد العقد، فقدم الشيخ استقالته وتعاقد مع الرابطة عام 1406هـ. بدأ الشيخ رحمه الله في العمل الجهادي مع المجاهدين الأفغان عام 1402هـ، وقد قام عام 1404هـ بتأسيس "مكتب الخدمات"، ثم قد قدم استقالته من الجامعة الاسلامية بإسلام آباد، وتفرغ للعمل الجهادي وتحريض الامة، وفي 24/ربيع الآخر/1410هـ وبينما كان الشيخ في طريقه إلى مسجد "سبع الليل" في بيشاور لإلقاء خطبة الجمعة مرت سيارته من فوق لغم كان قد زرعته ايدي الكفر العالمي، فقتل شهيدا - نحسبه كذلك والله حسيبه - ظن أعداء الله انهم بقتل الشيخ –رحمه الله – سيخنقون الصوت الذي كان يقض مضاجعهم ومضاجع عملائهم، ولكن هيهات هيهات .. فقد استيقظ المارد وخرج من قمقمه .. ورحم الله سيدا إذ يقول: (إنّ كلماتنا ستبقى ميتة أعراسا من الشموع لا حراك فيها جامدة، حتى إذا متنا من أجلها إنتفضت حية و عاشت بين الأحياء)، فها هم شباب الجهاد اليوم ؛ ذلك الشباب الطاهر المتوضئ يذيقون أمري كا وحلفاءها وعملاءها في مشارق الأرض ومغاربها من ذات الكأس التي أذاقت غيرها منه لسنوات طويلة، والقادم أدهى وأمر بإذن الله. رحم الله الشيخ عبد الله عزام وجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
[10] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا) [الفتاوى الكبرى 4/607، للاستزادة راجع كتاب الشيخ عبد الله عزام رحمه الله "الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان"].
[11] قال ابن قدامة: (ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
أحدها؛ إذا التقى الزحفان وتقابل الصَّفان حَرُمَ على من حضر الانصراف وتعيَّن عليه المقام لقول الله تعالى {?يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا - إلى قوله - واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 45-46]، وقوله تعالى {?يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرّفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله?} [الأنفال: 51-61].
الثاني؛ إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
الثالث؛ إذا استنفر الإمامُ قوماً لزمهم النفير معه، لقول الله تعالى {?يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض... الآية} [ التوبة: 38] والتي بعدها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا استنفرتم فانفروا" [متفق عليه]) [المغني: 10/365].
قال العلامة عبد القادر بن عبد العزيز: (ويتضح من هذا أن الجهاد يكاد أن يكون فرض عين على جميع المسلمين الآن، خاصة الموضع الثاني - إذا نزل الكفار ببلد - فمعظم بلدان المسلمين الآن يحكمها ويتسلط عليها الكفار، إما مستعمر أجنبي كافر وإما حكومة محلية كافرة، وإذا تعين الجهاد فإن تركه يكون من الكبائر للوعيد الوارد فيه، بل من السبع الموبقات بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم) [العمدة في إعداد العدة].
[12] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما قتال الدفع؛ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) [الإختيارات العلمية لابن تيمية، ملحق بالفتوى الكبرى: 4/608].
[13] قال صلى الله عليه وسلم : ((من دخل مسجدنا هذا يتعلم خيرا أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله)) [رواه الإمام أحمد].
[14] تاريخ بغداد : 13/377.
[15] أبو العباس الجنوبي رحمه الله؛ هو عبد العزيز العمري؛ أحد فرسان غزوة نيورك وواشنطن المباركة، كان على متن الطائرة التي دكت البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، قال في وصيته: (الرسالة الرابعة؛ إلى طالب العلم؛ إلى من عكف على الكتب وثنا عند العلماء والمشايخ الركب؛ آه! كم لك من المعزة في القلب، لي معك تاريخ طويل، صاحبت كثيرًا وكثيرًا من أمثالك أولي الخلق النبيل، تروح وتغدو تسلك طرق الجنة، إنها نعمة تغبن عليها، لكن أما إذا ذكر الجهاد فلا وألف لا! الفرق شاسع بين الجلوس وبين خوضك المعامع. يا طالب العلم؛ الأمل في أن تجدد الحياة التي أنت فيها، اخرج في سبيل الله مرة وذق حلو هذا الطريق ومُرَّه، انظر إلى التاريخ! انظر إلى ساحات الجهاد! فإن كنت تصبو أن تكون داعية فعلاً فساحات الجهاد تحتاج إليك! واعلم أنك لو تخلفت فإن الجهاد قائم، وسنة الله جارية {وإن الله غني عن العالمين}، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، إن التضحية لا بد منها، ولكن الإيمان مرتبط بالعمل، وهذه ضريبة الإصلاح والجنة غالية الثمن...).
[16] قال حذيفة رضي الله عنه: (إن أصحابي تعلموا الخير، وأنا أتعلم الشر!)، قيل: وما يحملك على ذلك؟! قال: (إنه من تعلم الشر يَتّقِهِ) [كتاب العلم، لزهير بن حرب: ص20].
[17] وتتمة الحديث: (قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا! قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
[18] قال صلى الله عليه وسلم: ((غير الدجال أخوف على أمّتي من الدّجال؛ الأئمة المضلّون)) [رواه الإمام أحمد].
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني: (في هذا الحديث إرشاد نبويّ إلى وجوب كشف الأئمّة المضلّين، كما كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الدّجال، بجمع فتنتهما. وإذا كان الدّجال هو أعظم فتنة تقع في الدّنيا كما جاء في بعض الأحاديث، فإن هذا الحديث يبيّن أن الأئمّة المضلّين هم أشد فتنة وأكثر سوءاً وأعظم إفسادا...ً) [سلسلة مقالات بين منهجين: 10].
[19] قال ابن القيم: (ومن خواصه – يعني حرم الله وبيته - أنه يعاقب فيه على الهم بالسيئات وإن لم يفعلها، قال تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج: 25]... فوعد من هم بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الاليم، ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه... فالسيئة في حرم الله بلده وعلى بساطه آكد واعظم منها في طرف من اطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط مُلكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه) [زاد المعاد 1/17].
[20] قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب طاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام - كيف لا وهم يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ويسعون في الأرض فسادا بقولهم وفعلهم وتأييدهم - ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفرهم، أو زعم أن فعلهم هذا - لو كان باطلا - لا ينقلهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق، لأنه لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم) [الرسائل الشخصية: ص 188].
[21] وتتمة الحديث: ((فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ...}إلى قوله {فَاسِقُونَ}، ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا)).
[22] قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: (الثامن؛ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}).
[23] سأل أحمد منصور – مقدم برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة - طلال بن عبد العزيز آل سعود: (هل صحيح كان يتقاضى – أي عدو الله عبد العزيز آل سعود - راتب من البريطانيين؟)، فأجاب: (آه، نعم، كان يتلقى راتب، وكان الراتب هذا، هو أنا من وجهة نظري الآن لما هم "إدُّوله" هذا الراتب، هو مثل قروض، القروض التي تمنح من الدول الغنيَّة للدول الفقيرة)، فقال مقدم البرنامج: (يعني لم يكن هذا الراتب بمثابة إسكات للملك أو نوع من شراء الولاء؟)، فأجاب طلال بن عبد العزيز: (ممكن، ممكن، لأنه هدف الإنجليز، طبعاً معقول يعطوا راتب خمسة آلاف جنيه في ذلك الوقت لإنسان في الصحراء؟ مبلغ ضخم! هل ممكن يعطوه هكذا لوجه الله؟ لا! هم يعطوه لغرض في نفس يعقوب لا شك في ذلك، المهم متلقي هذا العطاء كيف يفسره؟ وكيف يستعمله؟ وكيف يكون موقفه تجاه المعطي؟) [برنامج شاهد على العصر، تاريخ الدولة السعودية كما يراه الأمير طلال، الحلقة الأولى، الثلاثاء 9-9-1421هـ].
[24] قال القاضي عياض: ( أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنّه لو طرأ عليه كفر ينعزل... وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها... وكذلك عند جمهورهم البدعة... فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلاّ إذا ظنّوا القدرة عليه فإنّ تحقّقوا العجز لم يجب القيام فيها وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفرّ بدينه) [شرح صحيح مسلم للنووي 12/229].
وقال ابن حجر: (وملخّصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كلّ مسلم القيام في ذلك) [فتح الباري 13/123].
[25] كنز العمال، وعند الإمام أحمد: ((الفويسق يتكلم في أمر العامة)).
[26] جاء في جريدة البيان الإماراتية تحت عنوان "السلام على الطريقة الامريكية": (... في الوقت الذي وصف "تيري لارسن" مبعوث الامين العام للامم المتحدة ما جرى في جنين بأنه "فظاعة تفوق التصور!"، وبينما طالب مسئولون دوليون باحالة مرتكبي هذه المجزرة الى المحاكمة الدولية! فإن الرئيس دبليو بوش يصف شارون بأنه "رجل سلام يريد ان تعيش اسرائيل بسلام مع جيرانها"، اذا كان شارون رجل سلام فمن يكون الارهابي؟! ومن يكون السفاح اذن؟!) [جريدة البيان/السبت/7 صفر1423 هـ].
[27] قال صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) [رواه مسلم].
[28] قال الذهبي: (قال ابن عمار الموْصليَّ في تاريخه؛ قال لي علي بن المديني؛ ما يمنعك أن تكفر الجهمية – وكنت أولاً لا أكفرهم – فلما أجاب علي إلى المحنة كتبت إليه أذكره ما قال لي وأذكره الله، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد فقال لي؛ ما في قلبي مما قلت واجبت شيء، ولكني خِفت أن اقتل، وتَعْلمُ ضعفي اني لو ضربت سوطا واحدا لمتّ، أو نحو هذا) [سير أعلام النبلاء: 11/57].
[29] قال الذهبي: (هو الإمام الجهبذ، شيخ المحدثين)، وقال: (وكان يحيى رحمه الله من أئمة السنة، فخاف من سطوة الدولة واجاب تقية) [سير أعلام النبلاء: 11/ 71 و87].
[30] قال الشيخ أسامة: (...فعندما دخل الأميركان في محرم في أول سنة 1411 هجرياً... وصدرت - للأسف- فتاوى، دولة ودول الخليج ساهمت في الضغط على هؤلاء العلماء لإصدار مثل هذه الفتاوى التي زعموا لهم أنها مؤقتة، وقد حدثنا من نثق به من هؤلاء العلماء، أمثال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مجلسه وفي بيته، قال؛ "نحن لم نصدر فتوى، وإنما بعد أن أدخلت الدولة الأميركان جمعونا وقالوا؛ لابد أن تصدروا فتوى، وإلا فإن الشباب سوف يقاتلون هذه القوات الأميركية"!! وتحدثت معه طويلاً في وجوب إصدار فتوى بإخراجهم من هيئة كبار العلماء، فقال لي بوضوح - يشهد الله الذي لا إله إلا هو - قال؛ "يا أسامة! ليس من حقنا في هيئة كبار العلماء أن نصدِّر فتوى من عند أنفسنا، وإنما إذا أحيلت إلينا من المقام السامي – على حد تعبيره - نحن نصدر فيها"، فهذا حالنا للأسف الشديد) [مقابلة مع قناة الجزيرة سنة 1420هـ].
[31] يقول الشيخ أيمن الظواهري: (... فمفتي الديار المصرية، وهو الموظف الرسمي في الحكومة المصرية الذي يتلقى راتبه منها ليؤدي عمله الذي استأجروه عليه؛ وهو إسباغ الشرعية على النظام العلماني الباطش بالمسلمين الموالي لليهود، في صورة تتفوق في غلوها على أشد عتاة غلاة المرجئة الأوائل، هو نفسه الذي أفتى المحكمة العسكرية العلمانية بإعدام المجاهدين الخمسة أبطال الإسلام في مصر - محمد عبد السلام فرج وعبد الحميد عبد السلام وخالد الإسلامبولي وحسين عباس وعطا طايل - الذين قتلوا أنور السادات، الذي وقع أربع اتفاقيات مع إسرائيل تعهد فيها بالاعتراف بدولة إسرائيل واستيلائها على فلسطين... وأشهر هذه الاتفاقات هي اتفاقية السلام مع إسرائيل - في عام 1979 - التي نصت على؛ إنهاء الحرب بين مصر وإسرائيل إلى الأبد! ومنعت مصر من مساعدة أية دولة تتعرض لعدوان إسرائيل، بل ودعت إلى التطبيع مع إسرائيل في كل المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية، ثم أصدر الأزهر فتوى يبارك فيها هذه الاتفاقية، ويقرر فيها أنها تتفق مع الشريعة!) [الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود].
[32] قال ابن الجوزي: (وأعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص، فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر يجب أن ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل، كما قال علي رضي الله عنه للحارث بن حوط – وقد قال له اتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل - فقال له؛ "يا حارث انه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله") [تلبيس إبليس 80].
[33] قال ابن باز - المفتي السابق للدولة السعودية - : (وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم!!) [مجموع الفتاوى والمقالات 1/274]، وقال أيضا : (أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}) [فتاوى إسلامية/جمع محمد بن عبد العزيز المسند/ج 4/فتوى رقم 6901].
ويقول صالح الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء في الدولة السعودية - : (ومن مظاهر موالاة الكفار إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم، وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة) [الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: ص351].
[34] قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل؛ قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا؛ لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا! فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) [رواه البخاري].
[35] قال صلى الله عليه وسلم: ((سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض...)) [رواه الترمذي، وقال: صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه]، وروي عنه صلى الله عليه وسلم: ((إذا رايت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة، فاعلم أنه لص)) [كنز العمال].
وقال محمد بن مسلمة: (الذباب على العذرة؛ أحسن من قارئ على باب هؤلاء).
قال السيوطي: (ذهب جمهور السلف وصلحاء الخلف إلى ان هذه الأحاديث والآثار جارية على إطلاقها، سواء دعوه إلى المجيء إليهم أم لا، وسواء دعوه لمصلحة دينية أم لغيرها، قال سفيان الثوري؛ "إن دعوك لتقرأ عليهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلا تأتهم") ["ما راواه الاساطين في عدم المجيء إلى السلاطين"، للسيوطي: ص58 و76].
[36] قال ابو الفرج ابن الجوزي: (ومن تلبيس إبليس على الفقهاء؛ مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم – مع القدرة على ذلك - وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضا، فيقع بذلك الفساد من ثلاثة أوجه؛ الأول؛ الأمير يقول "لولا أني على صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لا اكون مصيبا وهو يأكل من مالي"، والثاني؛ العامي أنه يقول "لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله، فإن فلانا الفقيه لا يبرح عنده"، والثالث؛ الفقيه، فإنه يفسد دينه بذلك) [تلبيس إبليس: ص118].
[37] قال الشيخ أيمن الظواهري: (لقد عاش الاف الشباب اسرى لهذه الاسماء الرنانة؛ ابن باز، العثيمين، وابي بكر الجزائري، يتبعونهم، أو على الأقل لا يجرؤون على مخالفتهم حتى وإن عظم خطأهم وفحش انحرافهم... لقد آن للشباب المسلم أن يتحرر من تلك الأسماء الرنانة الجوفاء التي تمادت في نفاق الطواغيت حتى هان قدرها واصبحت مثاراً للسخرية على ألسنة الأولياء والأعداء! وآن لهذا الشباب أن يلتف حول العلماء العالمين الصادقين الذين يعانون ويبتلون في سبيل دينهم ، والذين وصفهم المولى سبحانه في قوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، وآن لهذا الشباب أن يخرج من الغيبوبة التي يعيش فيها ويدرك أن معركة الإسلام والكفر، والحق والباطل، معركة محتومة لا فرار منها، وأنه إن لم يستعد لها ويعد لها عدتها فسيكون أول ضحاياها... الحق ابلج، والباطل لجلج؛ إن ابن باز وطائفته هم علماء السلطان الذين يبيعوننا لأعدائنا في مقابل راتب أو منصب، وإن غضب من غضب ورضي من رضي، إن صف الإيمان يجب قبل مواجهة صف الكفر أن يتخلص من المزيفين والمنافقين، {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}) [مجلة المجاهدون، العدد الحادي عشر، 3/شعبان/1415].
[38] قال النووي: (وقوله "جذعاً"؛ يعني شابا قويا، حتى ابالغ في نصرتك) [شرح مسلم 2/203].
[39] يقول الشيخ أبو محمد المقدسي: (قليل هم أولئك الذين يدركون حقيقة منهج هذا الدين العظيم وحجم تكاليفه، فعندما خلق الله الجنة والنار وبعث جبريل ليراهما ورأى الجنة وما فيها من نعيم للوهلة الأولى قال؛ "والله يارب لم يسمع بها أحد قط إلا دخلها"! فلما أن رآها بعد ذلك قد حفت بالمكاره، قال؛ "والله يارب خشيت أن لا يدخلها أحد"! فالطريق الذي أراده الله أن يوصل إلى الجنة ليس مزروعا بالورود والرياحين، كلا بل هو محفوف بالمكاره والابتلاءات والأذى والدماء، ولو كان أحد يدخل الجنة دون سلوك هذه الطريق لكان أولى الناس به رسل الله وأنبياؤه الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه، فقد أوذوا وشوهوا وكذبوا {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}، وهذه الحقيقة يعرفها كل عاقل درس منهج الانبياء وتاريخ الدعوات، ولذلك فأول كلمات سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نبيء من ورقة بن نوفل - وكان قد قرأ الكتب السابقة - كانت؛ "لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي"! فالذين يحلمون أن يكونوا من ورثة الأنبياء ثم يبحثون عن رضى الناس أو الحكومات لم يفقهوا حقيقة هذا المنهاج...) [مقالة بعنوان؛ لم يأت رجل قد بمثل ما حئت به إلا عودي، جمادى الآخرة 1423هـ]
[40] وتتمته: (قالوا: أمط عنا يا أسعد! فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا)، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة).
[41] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون شعبة - فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) [رواه مسلم].
[42] قال الشنقيطي رحمه الله: (أن الذين يتّبعون القوانين الوضعية التي شرَّعها الشيطان على ألسنة أوليائه مُخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كُفرهم وشِركهم إلا من طمس اللَّه بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم) [أضواء البيان 4/83-84].
وقال أحمد شاكر: (إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس؛ هي كُفرٌ بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عُذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائناً من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكل امرئٍ حسيبُ نفسه) [عمدة التفسير 172/4].
[43] إلى هنا انتهت محاضرة الشيخ المجاهد "أسامة بن لادن" حفظه الله وجعله غصة في حلوق الكافرين، مع التنبيه أن النقل تم بشكل حرفي عن شريط صوتي للشيخ مع تصرفات يسيرة اقتضى لها المقام، ولا يفوتنا أن نسأل الله عز وجل أن يجزل الأجر والثواب لمن قام بتفريغ هذه المحاضرة، علما أن النص الصوتي لهذه المحاضرة بصوت الشيخ أسامة بن لادن معروض في قسم الصوتيات في "منبر التوحيد والجهاد".
منقول عن منابر التوحيد
" توجيهات منهجية1"
الحمد لله معز الإسلام بنصر، ومذل الشرك بقهره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي جعل الأيام دول بعدله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه...
أما بعد:
أحبتي في الله أحييكم بتحية إسلامنا الرسالي العظيم
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيسرني أن أقد لكم الإصدار الأول ضمن سلسلة " توجيهات منهجية "، وهذا الاصدار هو عبارة عن محاضرة للشيخ المجاهد اسامة بن لادن حفظه الله، ألقاها عام 1423هـ، وقد حرصنا على اخراجها في ابهى حلة، واضافة من الهوامش والتعليقات مما نرجو ان يكون مفيدا، سائلين الله عز وجل أن ينفع بهذا العمل شباب الأمة، وأن يجزل الأجر والثواب لكل من أعان على نشره، وأن يتجاوز عنا برحمته، والله الموفق.
فعند الحديث عن الأحوال التي تمر بها الأمة في هذه الأيام, وما أصابها من احتلال وظلم وعدوان من القوى الإسرائيلية, والقوى الأمريكية, وانحسار ظل الإسلام عن هذه الأرض، ينبغي تلمس هدي محمد صلى الله عليه وسلم في إقامة هذا الدين, يوم أن بدأ غريباً في أول الإسلام [1].
فإن الناظر في ذلك يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص منذ البداية عندما صدع بالدعوة أن يعرض دعوته على القبائل [2]. وإذا نظرنا في أهم العناصر التي كان يدعو القبائل إليها نجدها واضحة جداً:
1) أنه كان يدعوهم إلى شهادة التوحيد، إلى شهادة "أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله [3]".
2) والبند الآخر أنه كان يدعوهم إلى الإيواء والنصرة [4].
كما ظهر ذلك جلياً في دعوته لبني عامر بن صعصعة, فلما قالوا له: (إلى أي شيء تدعو يا أخا العرب ؟!), قال: ((أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, وأن تؤوني وتنصروني)) [5].
فهنا يظهر لنا معلما واضحا, أن هذه الدعوة وهذه الكلمة العظيمة لابد لها من أرض, وهذه الشجرة الكريمة لابد لها من أرض تنبت فيها, وهي التي تقوم بنصرتها وإيوائها. فمن هنا استمر عليه الصلاة والسلام يبحث عن هذه الأرض, وأثناء ذلك يقوم بالدعوة في مكة, فمكث ثلاث عشرة سنة.
وكل ما عندنا من علم هو جزء يسير من علمه عليه الصلاة والسلام، وهو أفصح العرب الذي أوتي جوامع الكلم, وهو المؤيد بالوحي من فوق سبع سموات, ومع ذلك كله لم يؤمن له سوى بضعة عشرات من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وهنا يظهر بوضوح أيضاً أن هذه الكلمة رغم قوتها لابد لها من عناصر أخرى لكي تظلل الأرض, فمكث الحال على ذلك إلى أن يسر الله سبحانه وتعالى أرض المدينة المنورة, ويسر الأنصار - الأوس والخزرج- فلما احتضنوا الدعوة انتشر الإسلام, وفي خلال بضع سنوات إذا بمئات الألوف قد دخلوا في الإسلام في جزيرة العرب, ودخل الناس في دين الله أفواجا.
فهنا معلم كما ذكرت؛ أن الدعوة بغير قوة تبقى منحسرة, ولابد لها من البحث عن القوة في الأرض والمصر. وهذا المعنى يظهر في هذه الأيام بوضوح, منذ أن انحسرت الدول الإسلامية وانحسرت دولة الخلافة وقامت أنظمة تحكم بغير ما أنزل الله -وهي في الحقيقة تحارب شرع الله- برغم كثرة الجامعات وكثرة المدارس وكثرة الكتب والخطباء والأئمة والمساجد وحفظة القرآن, ولكن الإسلام في انحسار وللأسف الشديد؛ لأن الناس لم يسيروا حسب منهج محمد صلى الله عليه وسلم.
فالمنهج فيما يبدو لنا ويظهر؛ وهو في خصال محددة تظهر في نص آخر من نصوص الشريعة، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [سورة المائدة : 45]، فهذا النص هو في مثل حالتنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}.
عندما تحصل الردة؛ ماهي الصفات المطلوبة لإعادة الناس إلى الإسلام؟ فهنا ذكر صفات ستة؛ {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، فلابد أن نتصف بهذه الصفات:
1) المحبة العظيمة لله سبحانه وتعالى.
2) والذلة على المؤمنين والتراحم.
3) والتناصح بالحسنى وبالمعروف.
4) والعزة على الكافرين.
وهذا يظهر بوضوح في أهم عروة في الإسلام وهي الولاء والبراء, نوالي المؤمنين ونعادي الكافرين ونكون عليهم أعزة [6].
5) ثم الصفة الخامسة {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.
فالجهاد في سبيل الله وعدم الخوف من لومة أي لائم, هاتان الصفتان في غاية الأهمية لإعادة الناس إلى الدين.
فالذين يظنون أنهم يمكن أن يعيدوا الناس إلى الدين, وأن يقيموا دولة إسلامية بعد أن انحسر ظل الإسلام عن الأرض, فهؤلاء ما فقهوا منهج الله سبحانه وتعالى, فهذه الآية غاية في الوضوح والصراحة في حالة الردة، فلا بد من المحبة والولاء، أن يكون ظاهرًاً عند الناس, والبراء من الكفار أن يكون ظاهراً، مع الجهاد في سبيل الله، {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} وهي تشمل النصح بكل أنواعه، والأمر بالمعروف بكل أنواعه.
فإذا قمنا بتحقيق هذه الصفات, وأوجدنا عناصر تتخلق بهذه الصفات, فنكون قد أوجدنا القاعدة القوية التي تبدأ في التغيير, وتجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى إلى أن يقوم الحق.
ومن النصوص أيضاً في هذا المعنى؛ عندنا الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، وهو يقول فيه : ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يبطئ بها، فقال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم)).
فهنا معنى عظيم جداً في هذا الدين, وهو أن الله سبحانه وتعالى حميد غني عن الجميع, وسنة الاستبدال لا تستثني أحداً، فهذا نبي من أنبياء الله تأخر قليلاً في إبلاغ ما أمر به, فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبي آخر "إما أن يبلغهن أو تبلغهن"، فمن نحن حتى نتأخر عن تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى, وعن تنفيذ أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تأخرنا فسنة الاستبدال قائمة علينا.
فقال عيسى عليه السلام ليحيى: ((إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وتعدوا على الشرف فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن؛ أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال؛ هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك، وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال؛ أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله))، ثم يعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: ((وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة)) [رواه الإمام احمد والترمذي].
فالشاهد هنا أن الخمس الأول؛ وهي أركان الإسلام، لا تقوم كحكومة ولا تقوم كمنهج للبشر, إلا بالخمس الأُخر. كما لا يمكن أن يكون إنسان مسلمً في ذاته وفي قلبه ولكن وهو يُحكم بالقوانين الوضعية, ولا يعم الإسلام الأرض, أمّا الإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بإبلاغه هو؛ أن يعم الأرض ويتحاكم إليه, لا أن يبقى في الشعائر التعبدية فقط [7]، فلابد من هذه الخمس. وهذه الخمس إذا انتبهنا هي تتفق وتؤكد المعنى الذي جاء في دعوته عليه الصلاة والسلام للقبائل ؛
1) تشهد أن لا إله إلا الله، ومقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله [8].
2) وأن تؤوني وأن تنصروني.
فالإيواء والنصرة هي منطبقة في هذه الخمس, فالإيواء والنصرة لا بد له من جماعة, ولا بد له من سمع وطاعة, ولابد له من جهاد, ولا بد له من هجرة، وإذا تتبعنا النصوص في كتاب الله, وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد بوضوح هذه المعاني حيث ما تذهب تبرز بقوة على أن السبيل لإقامة الدولة الإسلامية ولنشر الدين لابد له:
1) من جماعة.
2) وسمعٍ وطاعة.
3) وهجرة وجهاد.
فالذين يريدون أن يقيموا للإسلام شأناً بدون تضحيات الهجرة, وبدون تضحيات الجهاد في سبيل الله, فهؤلاء لم يفقهوا منهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإن فقهوه ولم يعملوا به واشتغلوا بغيره من الطاعات فهؤلاء يتهربون من تبعات هذه العبادات الثقيلة, فإن الجهاد كُرهٌ كما نص على ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه. فيتضح مما مضى أهمية الجماعة والجهاد.
ونحن في وضع لم يعد لدينا دولة لنهاجر إليها؛ وقد كانت هذه الفرصة متاحة، وكانت فرصة نادرة، فمنذ أن سقطت الخلافة حرص الصليبيون على أن لايُمكّّن أهل الإسلام الصادقون لإقامة دولة, وقدر الله سبحانه وتعالى أن جاءت الأحداث في أفغانستان وهزم الاتحاد السوفيتي, وتنازل الصليبيون عن ذلك الحرص والاهتمام في ظل خوفهم ورعبهم من الاتحاد السوفيتي, فلم يكن هناك بد من دفع الاتحاد السوفيتي إلا بكل شيء, ولو كان بالمجاهدين, ولو كان بالأصوليين, ولو كان بشباب الإسلام المجاهد, ففتح ذلك الباب, ومضى بضع عشرة سنة.
ولكن للأسف الشديد لم تنهض الأمة بواجبها المطلوب, وخاصة العلماء والدعاة والخطباء والجماعات الإسلامية, وإنما الذين جاءوا إلى أرض الجهاد لنصرة المجاهدين هم نفر بسيط من عامة الشباب من شباب الأمة، مع ماقدمه بعض التجار بعضاً من أموالهم، ولكن لم تكن كافية لإقامة دولة قوية.
وكانت الفرصة جيدة جداً لإقامة دولة قوية بعيداً عن التعصبات القطرية والقبلية، وكان إخواننا الأفغان في وضعٍ وفي انشراحٍ وتعاون غير عادي, كان الوضع يسمح بقوة أن تقوم دولة إسلامية بإعتبارات إسلامية, لا باعتبارات قطرية وقومية, فللأسف الشديد بالرغم من الارتياح الشديد والمناداة وتكرار ذلك والحث والتحريض، وخاصة من الشيخ عبد الله عزام عليه رحمة الله [9] ومن غيره من الإخوة للجماعات وللعلماء وللمفكرين؛ أن اغتنموا هذه الفرصة! ولكن لا حياة لمن تنادي، شُغل الناس وسُحبوا باعتبارات أرضية, وباعتبارات قطرية, وكلٌ يريد أن يقيم هو شخصياً دولة الإسلام, وكل جماعة تريد أن تقوم الدولة الإسلامية في أرضها حيث ولدوا، وكأننا أصبحنا أسرى لهذه الأفكار، فمكثت هذه الفرصة بضع عشرة سنة ولم يتحرك الناس للاستفادة منها، وأذكر ذلك لأقول إن الأمر ليس سهلاً, الآن أصبحت الظروف أصعب.
ثم يسر الله سبحانه بين ذلك وهذا أن قامت دولة الطلبة وإقامة طالبان, وهذا الصراع الذي حصل بين الأفغان، ومكثوا ست سنوات تقريباً أو أكثر, وأيضاً بقي الناس أسرى لأهوائهم وأسرى للإعلام العالمي الذي شن حملة لا هوادة فيها ضد الطالبان وشوهوا سمعتهم، والإعلام العالمي قد يلام في تأثيره أو قد يُحمَّل بعض التأثير على العوام, أما من غير المقبول أن يكون الدعاة والذين تصدروا لنصرة الدين أمام الناس من غير المقبول أن يقولوا تأثرنا بالإعلام العالمي, أفغانستان على بعد بضع ساعات من جزيرة العرب مثلاً, أو من أي مكان من أقطار العالم الإسلامي.
فهذا التأخر عن نصرة هذه الدولة رغم أن اسمها دولة الطالبان؛ دولة طلبة العلم، هو مؤشر على وجود خلل غير عادي إما في فقههم أو في صدقهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فيما يظهر لنا والله أعلم, فذهبت هذه الدولة وهم لم يحركوا ساكناً.
وأقول؛ إنني على يقين بفضل الله سبحانه وتعالى أن في الأمة من الطاقات ما يكفي لإقامة الدولة الإسلامية, وإقامة الخلافة الإسلامية، ولكن نحن بحاجة إلى إبلاغ هذه الطاقات؛ أن هذا الأمر واجب عليهم. ونحن بحاجة إلى إبلاغ الطاقات الأخرى المقيدة لهذه الطاقات؛ أنكم تأثمون بتقييد هذه الطاقات. فإذا فقه الشباب وفقه التجار واجبهم فيمكن أن نقوم بالمهمة, فيُرفع الإثم عن باقي الأمة, وأيضاً يرفع الضنك والأذى الذي يصيبنا.
فنحن نريد الناس الذين - كما لايخفى – يقولون؛ أن الجهاد لا يحتاج إلى جميع الأمة, وهذه كلمة حق, ولكن لم يرد بها الحق, فالجهاد لا يمكن أن يستوعب جميع الأمة اليوم، ودفع العدو الصائل يندفع بجزء يسير جداً من الأمة، هذا حق, ولكن يبقى الحكم أنه فرض عين, وهم يخالفوننا في إطلاق هذا الحكم, يقولون؛ نحن وصّلنا لكم بضعة آلاف لا تستطيعون أن تستوعبوهم! ويقولون؛ ليس من المعقول أن نترك كل الثغرات وكلنا نذهب للجهاد! فمن هنا يظهر بوضوح لوثة العصر, وهي اللوثة المادية, لوثة بروز العقل, فهذه أحكام أجمع عليها الفقهاء من سلف الأمة رحمهم الله [10]، واليوم يخرج علينا فقهاء يعترضون على إجماع الأمة, إذا تعين الجهاد [11] فهو أولى الأولويات بدون شك كما ذكر شيخ الإسلام [12], فدفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه.
فليس هناك وجه في أن تقول؛ إذا ذهبوا جميعهم لم يستوعبهم الجهاد!, هذا ناتج عن خلل غير عادي في الفقه, وهو ناتج عن ركون إلى الدنيا غير عادي, فالأمر إذا تعين؛ مجرد أن يأتي العدد الذي يكفي لدفع العدو الصائل يصبح تلقائياً الجهاد فرض كفاية, فيبقى الباقون الذين تأخروا في ثغورهم وتندفع الضرورة بهذا التحرك.
فهذا للأسف من أكبر العوامل المثبطة عند الصحوة الإسلامية، وهو يظهر في كتاباتهم وفي رسائلهم وفي لقاءاتهم.
ويقولون؛ إن الجهاد عبادة عظيمة, ولكن هناك عبادات أخرى!.
هؤلاء ما فقهوا منهج محمد صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه تلك الدروس وتلك العبر. وأن كعباً رضي الله عنه عندما جلس وقعد في المدينة كان يقوم بكثير من الطاعات وهو في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث عن نبينا عليه السلام أن طلب العلم في مسجده عليه الصلاة والسلام كالجهاد في سبيل الله [13]، ومع ذلك كله، ومع سابقته في الإسلام وهو من أصحاب بيعة العقبة -وما أدراك ما بيعة العقبة وهي التي تكونت بها الجماعة المسلمة لإقامة الدولة المسلمة- ومع ذلك كله لم يُذكر بأي صفة من هذه الصفات، لأنه عندما يتعين الجهاد لا مجال للطاعات الأخرى لأن تُذكر, وإنما يُذكر في مقابل الجهاد القعود والعتاب والتوبيخ, ولا يُقال "جزاه الله خيراً ذاك في المدينة، وياحظه يصلي في الحرم" أو "يعطي دروس"! هذا لا يقال لنص القرآن الكريم {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة : 24].
لو تتبعتم النصوص في وصف القاعدين, تجدها متواترة على هذا المعنى في أمتنا وفي الأمم السابقة ؛ فقوم موسى لما تأخروا عنه وصفهم الله سبحانه وتعالى ايضاً بالفسق {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [سورة المائدة : 25] ، وكذلك إذا تتبعنا الذين تخلفوا يوم تبوك, الله سبحانه وتعالى أيضاً وصفهم بالفسق.
فأما اليوم فهناك خلل في طريقة المحافظة على هذا الدين, وفي تفعيل الطاقات لنصرة هذا الدين, فالآن أصبح الذي يقعد عن نصرة الدين لا يشعر بالإثم, بل هو يشعر أنه في طاعة, ولا يشعر بسوءة هذه الكبيرة العظيمة التي جاء فيها عشرات الآيات تهدد وتحذر, وترغب في هذه الطاعة, وتوبخ من يقعد عنها, وتقرّع الذين يركنون إلى الدنيا, ومن كان الذي يُهدَد؟ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تهديداً تلو التهديد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ}، هذا توبيخ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيل} [سورة التوبة 38].
هل يجترئ أحدٌ منا اليوم أن يقول لأبيه أو لعمه أو لشيخه؛ "أنت رضيت بالحياة الدنيا؟! هذه فلسطين منذ ثمانين سنة ما أطلَقت فيها طلقة! ولا غّبرت قدمك يوماً من الأيام! فأنت من الذين رضوا بالحياة الدنيا!" لا أحد يستطيع ان يقول ذلك. هناك خلل عام في فهم الصحوة حول الطرق التي يحافظ بها على الدين، والآيات كما ذكرت إذا تتبعناها كثيراً.
والشباب الذين عندهم القدرة على فداء الدين وعلى التضحية من أجل الدين, للأسف الشديد عندهم خلط في السمع والطاعة لعلماء الإسلام القاعدين, فالقاعد لا يسمع له ولا يطاع، فمن هنا هذه الطاقات تبقى معطلة، ويصرفونهم عن الواجب المتعين إلى فرض كفاية؛ كطلب العلم، لو أصبح كل الناس علماء لن يقوم الدين إلا بالجماعة والسمع والطاعة والنصرة والجهاد.
فمن هنا نحن بحاجة إلى أن نُفهّم الشباب أن قياداتهم العلمية هي راضية بالدنيا, هي تفر من واجب ثقيل تذمّر منه بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى يبين ذلك بقوله {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [سورة الأنفال : 5 ].
الصحابة رضي الله عنه لما خرجوا يوم بدر خرجوا على أنهم سيأخذون العير للتجارة, فلما بلغهم أن قريشاً قد خرجت في ألفٍ كَرِه بعضهم ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يروي أبو أيوب- فقال: ((أشيروا علي أيها الناس؟))، فقال؛ أظهرنا كرهنا للقاء العدو. فقلنا: (يارسول الله ما خرجنا لقتال عدو ولا طاقة لنا بهم, وإنما خرجنا للعير)، فقال: ((أشيروا علي أيها الناس؟))، فكررنا ذلك، فقال: ((أشيروا علي أيها الناس؟))، فتكلم المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله! إذاً لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [سورة المائدة : 24] ، ولكن نقول لك؛ إذهب أنت وربك فقاتلا فإنا معكم مقاتلون، والله لنقاتلن عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك).
فإذا كان الصحابة الكرام الذين عاشوا في جو القتال والجهاد؛ القتال بين الأوس والخزرج أخذت منهم الشيء الكثير وهي عبر عشرات السنين، وجاء الإسلام وهم في مطاحنات لها أول ليس لها آخر, وكان القتل أمراً ليس ذي بال كبير عند الأوس والخزرج في الجاهلية. وجاء الإسلام ليحثهم على ذلك بالجهاد.
فكيف بنا اليوم تتشابه القلوب وتتواطأ كلها - إلا من رحم الله - على القعود عن نصرة الله.
يجب أن يفهم الشباب أن هناك خللاً كبيراً، وأن هؤلاء لا بد أن نصفهم بالصفات التي وصفهم بها الله سبحانه وتعالى.
كل من يقعد عن الجهاد بغير عذر وصفه في القرآن ظاهر بيّن، إنّه "الفسق" {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [سورة التوبة : 46] ، الذين يرضون بالقعود مع الخوالف؛ هم لا يفقهون, وإن أخذوا أكبر الشهادات من أفضل الجامعات, وهم لايعلمون وإن وجّهت إليهم كل أسئلة الفتاوى, فهذا نص كتاب الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: { رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ}، هذا ذمٌ شديدٌ جداً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد {رَضُوا} هذا هو الذم، {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة 78].
فمفتي الديار صاحب الكتب والتأليفات والمصنفات الكثيرة هو لا يفقه, لأن العلم ثمرته خشية الله سبحانه وتعالى. قالت تلك المرأة أم سفيان رحمها الله: (يا أيها العالم!)، قال: (إنما العالم من يخشى الله) [14]، فليس العلم هو كثرة الرواية، وإنما العلم هو عبادة الله بما أنزل سبحانه وتعالى والخوف منه وتقواه.
وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى -بعدها في بضع آيات- {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}، لو كانوا يفقهون، وقوي اليقين في قلوبهم؛ أن ما عند الله سبحانه خير لهم من هذه الدنيا, لما ركنوا إليها ولما داهنوا، ولأسرعوا الخطى وتسابقوا في تلك الخيرات إرضاءً لله تعالى.
فأقول ينبغي أن يُشرح للشباب هذه المعاني, وتفك هذه القيود التي تقيدهم من ذلك.
فهذا أخونا أبو العباس [15] طاقة عظيمة - ومثله كثير جداً بالذات في بلادنا وفي بلاد الإسلام, ولكنها تُقيد - ولكنه نفع الله به, وخرج وانفك من ذلك القيد الذي تلبسه, فلما جاء هنا رأى الأمور على حقيقتها, وقال تلك الوصية البليغة لتنبيه الناس من ذلك الوهم, قال: (ما أنتم فيه من طلب للعلم؛ فهذا أمر عظيم, وهذا خير كبير, وجزاكم الله خيراً, أما إذا تعين الجهاد فلا ثمّ لا إذا تعين الجهاد لا يتزاحم معه شيء), يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (إذا تزاحمت الواجبات قُدّم آكدها)، فالناس - وخاصة أبناء الصحوة - فيهم خير كبير وطاقات هائلة, وهم مستعدون للتضحية ولكن من المهم أن يزال عنهم هذا الضباب, وأن يزال عنهم هذا الغبش.
من النصوص الأخرى التي ينبغي الاقتداء بها في مثل هذه الظروف:
هو حديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يصور وضعاً شبيهاً لوضعنا الحالي, فيقول رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر - مخافة أن يدركني [16] - فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) [متفق عليه][17].
فهذا الوضع كما تلاحظون أن العالم الإسلامي انتشر فيه هذا الشر العظيم, وهو أن الأئمة الذين يدعون الناس إلى جهنم هم أظهر ما يكونون في حكام المنطقة - حكام العالم العربي والإسلامي - فهم في إعلامهم وأجهزتهم وإفسادهم للبلاد, فهم يدعون الناس عبر تبنيهم للأفكار الهدّامة وعبر تبنيهم للقوانين الوضعية والقوانين الكفرية, فهم يدعون الناس في الصباح والمساء إلى أبواب جهنم - ولاحول ولا قوة إلا بالله - فالكفر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم على مرأى ومسمع في الصحف وأجهزة التلفاز, وفي الراديو والندوات, ولاينكر عليهم منكر, فهؤلاء هم الأئمة الذين يدعون الناس إلى جهنم.
ما هو الحل إذا حصل مثل هذا؟
فهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه سأل حتى وصل إلى مثل هذه الحاله فقال: (هل بعد ذلك الخير من شر؟ فقال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، وقال رضي الله عنه: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟).
هذا كلام واضح بيّن صريح يسأل عن المخرج في مثل هذه الحالة التي نحن نعيش فيها اليوم، فيقول: (ما تأمرني إن أدركني ذلك؟)، فأمره بأمر واحد - رغم كثرة الواجبات وأهميتها - ولكن في مثل هذا الوضع هناك أمرٌ واحد يتقدم على جميع الواجبات الأخرى بعد الإيمان، قال: (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟) قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).
فهذا الواجب العظيم الذي هو فرض الساعة لا مكان له بين العلماء اليوم ولا يتحدثون عنه, بل شُغلوا كل واحد منهم - إلا من رحم الله - بالتهليل والمدح للأئمة الطواغيت الذين كفروا بالله ورسوله, فبرقيات تذهب من هؤلاء لمدح هؤلاء الحكام الذين كفروا بالله ورسوله, ويُكفر بالله ورسوله في صحفهم وفي إعلامهم, وبرقيات أخرى من هؤلاء الحكام الذين كفروا إلى هؤلاء العلماء تمدحهم, ودلسوا في ذلك على الأمة!
فالأمة لم تصب من قبل بمثل هذه الكارثة التي أصيبت بها اليوم, كان يحصل خلل ولكنه جزئي, أما الخلل اليوم فهو قد عمّ الناس مع هذه الثورة الإعلامية, وأصبح الإعلام يدخل على كل بيت، فهذه الفتنة ما سلم منها بيت حضر ولا بيت وبر, ما سلم منها أحد، في السابق كان يزِل العالم وتبقى زلته محدودة في مكان معين, ويَفجُر الأمير والحاكم ويبقى فجُوره محدوداً داخل القصر، أما أن يصبح جُل الناس أسرى وظائفهم التي هي لهذا الطاغية، فهذا ما حصل في تاريخ الإسلام قط.
وكلما حصل انحدار وكلما حصل بُعد عن دين الله فهناك تلقائيةً في هذا الدين وفي منهجه القويم المتكامل، يبدأ هناك آخرون في تصحيح المسار ويضحون بأنفسهم, لكن لم يحصل قط أن سواد الأمة وأن الفقهاء والعلماء أسرى وظائف عند الطواغيت!
حدثني بعضهم قال: "نحن لا نستطيع أن نقول الحق, لأننا إذا أردنا أن نقول الحق نفكر في هؤلاء الأطفال الذين في البيت وهؤلاء النساء, أين يذهبون؟ وأين نذهب نحن؟".
فينبغي على الشباب أن يفهم طبيعة العلاقة اليوم بين موظفي الدولة والحاكم, وكل من هو موظف دولة؛ هو موظف دولة, ولا ينبغي للشباب أن يغضب إذا قلنا؛ إن الشيخ الفلاني هو موظف دولة.
نحن لو عملنا استبياناً أو أي جهة ما قدمت بعمل استبيان للناس, في هذا الاستبيان الاسم والعمر والحالة الاجتماعية والوظيفة؛ "هل أنت موظف حكومي؟ أم حر متكسبب، كما يقال عندنا أو تاجر؟ أو لايوجد عمل أو متقاعد؟"، فماذا سيكتب من هو موظف للدولة؟
فالمدير سيكتب؛ أنا موظف دولة موظف حكومة.
والشرطي سيقول؛ أنا موظف حكومة.
والقضاة سيقولون؛ نحن موظفو حكومة.
وعلماء دار الإفتاء سيقولون؛ نحن موظفو حكومة!
فهناك خلل في فهم الشباب إذا وصفنا هؤلاء بأوصافهم الحقيقية؛ أنهم موظفو حكومة تراه يغضب!
فهذا خلط عجيب وازدواجية عجيبة! أنت ترفض أن ننسبهم إلى هذا الحاكم الطاغية! وهم هذا وصفهم وهذه حقيقتهم.
فطريق الحل طريق واضح جداً جداً بيّن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأمور العظام:
1) حلها بالاجتماع للجهاد.
2) حلها بالجماعة والسمع والطاعة والجهاد.
3) حلها تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
وجماعة المسلمين وإمامه أول واجب عليهم هو؛ دفع الكفر ودفع العدو الصائل، ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [سورة النساء : 84]، فدفع بأس الكفّار هو:
1) بالتحريض.
2) وبالقتال.
فلماذا الناس لا يهتدون؟ لأن على هذا الطريق دعاة إلى أبواب جهنم:
1) الحكام وأجهزتهم يدعون الناس في الليل والنهار يصرفونهم عن هذا الطريق المستقيم.
2) وموظفو الحكومة بعضهم وُظّفوا عيناً للصد عن دين الله.
وظفتهم الدولة بمسميات مختلفة، لكن حقيقة الوظيفة هو موظف يشهد شهادة الزور.
فوزير الإعلام مثلاً مهمته أن يشهد شهادات الزور، هو وجهازه كله، في كل يوم يدلس على الناس, ويظهر أن البلاد هي أفضل بلاد, وأن الحاكم هذا عبقري ليس مثله شيء، وقس على ذلك.
وكذلك وزير الدفاع يدلس على الناس ويشهد شهادات الزور ويقول إننا بخير, وإن قواتنا المسلحة جيدة, ونحن في الحقيقة تحت الاحتلال منذ أكثر من عقد من الزمان! كل العالم يعلم أننا تحت الاحتلال, وأن الطائرات الأمريكية تخرج متى شاءت دون أن تخبر أحداً في الليل أو النهار. ويخرج علينا وزير الدفاع ليقول؛ "نحن مستقلون وليس أحد يستخدم أراضينا بغير إذننا"، فهؤلاء الذين يشهدون شهادة الزور.
وبفضل الله الوعي الذي انتشر في الفترة الأخيرة بين الناس أصبحوا يعرفون ويعلمون أن هؤلاء موظفو حكومة.
لكن الخطر الذي يأتينا ليس من وزير الداخلية وليس من أتباع وزير الداخلية, فهؤلاء مهما فعلوا لا يستطيعوا أن يلبسوا على الناس, فخطر تلبيسهم مكشوف ومعروف لدى العوام أنهم يكذبون عليهم ويخادعونهم، ولكن الخطر الشديد عندما يأتي الكذب والخداع من أئمة الدين الذين هم ما اتقوا الله سبحانه وتعالى, ويشهدون شهادة الزور في الصباح والمساء يضللون الأمة [18].
فكيف إذا كانت شهادة الزور في البيت الحرام, في مكة المكرمة عند الكعبة المشرفة، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة)) فذكر أولهم ((ملحد في الحرم)) - هذا كما في صحيح البخاري رحمه الله - فهذا من أعظم الإلحاد في الحرم؛ أن تشهد شهادة الزور تضلل أمة من أجل بضعة دراهم تأخذها في آخر كل شهر.
فلا يختلف أحد في كفر هؤلاء الحكام, وفي فجورهم, وفي إباحتهم للبلاد, وإفسادهم للعباد.
ثم تأتي وتشهد شهادة الزور في ذلك المكان العظيم؛ في البيت الحرام وفي الشهر الحرام! -ولا حول ولا قوة إلا بالله-
وقد قال صلى الله عليه وسلم ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟!))، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الشرك بالله -عافانا الله وإياكم من الشرك- وعقوق الوالدين -وكان متكئاً فجلس فقال- ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور, ألا وشهادة الزور))، فما زال يكررها حتى قال الصحابي: (حتى قلنا؛ ليته سكت) [متفق عليه].
فهذه شهادة الزور، تشهد شهادة زور على شبرٍ من الأرض، هي من أكبر الكبائر في أي بقعة من الأرض تشهدها, فكيف تشهد عند البيت الحرام؟! [19] هذه شهادة الزور في كل جمعة وفي كل مناسبة لتضلل أمة بأسرها, من أجل بضع دراهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فكم هو إثم هذا الذي يشهد هذه الشهادة!
فهؤلاء موظفو دولة لا يمكن لعاقل أن يرجع إليهم في أمور دينه, فأقل ما يقال فيهم؛ كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله للذين يدافعون عن الحكام الطواغيت، قال: (أقل أحوالهم أنهم فسّاق) [20], فهؤلاء أقل أحوالهم أنهم فسّاق. فينبغي للناس أن يقاطعوهم, وأن يهجروهم.
فإنه كما يقول ابن عباس رضي الله عنه في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل؛ كان الرجل يلقى الرجل فيقول؛ يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك! ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) [رواه أبو داود][21]، فهذا من أول النقص الذي يدخل على الأمة.
فلابد من التباين، فنحن لا نتكلم عن أمور صغائر, وإنما نتكلم عن أكبر الكبائر, الشرك بالله الذي تحكم به البلاد, وموالاة الأعداء الذي هو من نواقض الإسلام [22].
فإذا لم يحصل للشباب هذا الفهم، للأسف؛ تجد شاباً يأتيك مسروراً أنه التقى بالشيخ الفلاني من أئمة الحرم, ما ينبغي أن تبتسم في وجه هذا الفاسق الذي يضلل الأمة بأسرها! فإذا لم يحصل هذا الفهم في الصحوة لن نصل إلى مرادنا لإقامة الحق.
فالتبيين والإيضاح للناس أن الأئمة قد ضلوا؛ هذا أمر في غاية الأهمية , لذلك في الحديث الصحيح عن أبي بكر رضي الله عنه لما سألته المرأة الأحمسية، قالت له: (ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح – هذا الإسلام - الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟) فقال لها: (بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم) [رواه البخاري]، فاستقامة الإمام هي شرط مهم لبقاء الدين.
فالذين يريدون أن يقولوا للناس؛ إن الدين موجود مع أن الإمام قد كفر بالله ورسوله منذ قرنٍ من الزمان, منذ أن أقيم بقوة الإنجليز ووالى الإنجليز وبسلاح الإنجليز وبذهب الإنجليز [23], وعاث في البلاد، وكان من أكبر أسباب سقوط الدولة الإسلامية - الدولة العثمانية - هذا كافر بالله لا يمكن أن يكون مؤمنا، لايبقى الدين حاكماً إذا كفر الإمام.
فهذا الفقه لابد أن يكون واضحاً جلياً, فعندما يكفر الإمام يجب أن ينتفض الناس [24]، لم يعد الإسلام موجوداً, لابد من الحركة لإقامة إمام يقيم في الناس حدود الله سبحانه وتعالى، فقال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)).
من الخدع التي يستخدمها الحكام في مخادعة الناس؛ وكأننا قد أظلنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظلتنا الحالة التي يتحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يتهم فيها الأمين ويؤتمن الخائن ويصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويتكلم فيها الرويبضة))، قيل: يا رسول وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه ينطق في أمر العامة)) [25].
فهذا الزمان كما هو ملاحظ من الخدع التي يستخدمها الحكام سواءً حكام العرب وحكام المسلمين أو حكام العالم أجمع.
فمِن أَظهر تلك العلامات أن يتحدث بوش على أن سفاح العصر شارون يسميه بـ "رجل سلام" [26].
وكذلك حكام المنطقة يخادعوننا, ويوالون الكفار, ثم يدعون أنهم ما زالوا على الإسلام.
ومما يزيد في هذا الخداع هو استحداث هيئات غرضها التدليس على الناس. وقد يستغرب الناس عندما نتحدث عن أن بعض الهيئات المنتسبة إلى الشرع والمنتسبة إلى الفقه وإلى العلم أنها تقوم بهذا الدور - من حيث تدري أو لا تدري - فغرض النظام من إظهار بعض العلماء على شاشات التلفاز وعبر محطات الإذاعات لإفتاء الناس, ليس هذا هو الغرض الأساس لهذه المهمة, ولو كان كذلك لظهر الصادقون من العلماء على شاشات المحطات المحلية وغيرها, وعلى المحطات الإذاعية المحلية, ولكن الغرض أن هذه الهيئات لها مهمة في الظروف الحرجة وفي ساعات الصفر.
كما رأينا من قبل عندما والى النظام القوات الأمريكية الصليبية وأدخلها إلى بلاد الحرمين, وضج الناس وضج الشباب, فكان صمّام الأمان للناس أن هذه الهيئة وأمثالها صدّرت فتاوى بإلحاق الإجازة لتصرف الحاكم وَسمّوه بـ "ولي الأمر" - وما هو للمسلمين بولي أمر على الحقيقة - فينبغي الانتباه إلى ذلك.
وقد يتعجب الناس؛ هل يعقل أن هذا الشيخ فلان أو ذلك على جلالة قدره في العلم, ورغم كبر سنه, هل يعقل أن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل؟!
أقول؛ إن الإنسان ليس بمعصوم [27], وإذا نظرنا في تاريخنا وفي تاريخ العالم الإسلامي عبر القرون الماضية فنجد أن هذه الحالات تتكرر.
وسأذكر مثالاً أو مثالين ليعي الناس هذا الأمر:
1) فقد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في سيَره, ذكر سيرةَ علي بن المديني رحمه الله - انظر إلى مقدمة تلك السيرة - وقال: (علي بن المديني... أمير المؤمنين في الحديث) [سير أعلام النبلاء: 11/41]، وذكره ووصفه ومدحه وذكر أن الناس في علم الحديث عالة عليه, ولكن من باب الإنصاف مع جلالة قدر علي بن المديني - وإذا ذكر لا يذكر علماؤنا في هذا العلم بجواره - ولكنه مع ذلك زل زلةً شديدة عندما تعرض لخدمة السلطان, وعندما ضغط عليه أمراء بني العباس وافقهم بضد ما يعتقد, وفي ضد ما كان يُدَرّس, وافقهم في تلك الفتنة المضلة الفظيعة [28].
2) وكذلك شيخ المؤمنين في الحديث يحيى بن معين رحمه الله [29] زل نفس الزلة.
وكثير من العلماء في ذلك العصر زلوا هذه الزلة, نتيجة للتهديد بالضرب والسجن, وقد يصل إلى القتل, وما ثبت إلا عدد يسير كما تعلمون كان منهم إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فينبغي التنبه لذلك, واقرأوا هذه السيرة لتروا ولتعتبروا بحال الناس.
وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)) [رواه الإمام أحمد]، هذا إذا كان القاضي غضبان فينبغي عليه أن لا يقضي بين اثنين، فكيف إذا كان خائفاً؟ والخوف أشد وقعاً على النفوس من الغضب كما يقول ابن القيم رحمه الله : (فمن قصر النهي على الغضب وحده، دون الهم المزعج، والخوف المقلق، والجوع والظمأ الشديد، وشغل القلب المانع من الفهم، فقد قل فقهه وفهمه) [إعلام الموقعين ج1 ص 207-208].
فالناس في بلادنا خائفون من أن يقولوا كلمة الحق, فينبغي التنبه. وقد صرّحوا لنا مراراً كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان عن الخوف الذي يخشونه فيما لو صدعوا بالحق, وقد حدثت من قبل أن أحد كبار العلماء في هيئة كبار العلماء حدثني عندما كنّا نقول لهم: "إنه ينبغي إصدار فتوى بوجوب الإعداد, على التسليم فرضاً بقولكم أن وجود الأمريكان في البلاد ضرورة", فاعتذر عن إصدار فتوى مع تصريحه في المجلس بأنه حق, وأنه لابد من أن يكون العمل للجهاد في البلاد على أبناء البلاد وأن يخرج الأمريكان, قال: (لكن الدولة لا توافق لنا بهذا), ولمّا قلنا له: "حاولوا عبر هيئة كبار العلماء أن تستصدروا فتوى بذلك, فقال كلاماً وأنا أشكر له مصارحته لي, قال ليس في نظامنا في قانون هيئة كبار العلماء"، قال: (لسنا نحن الذين نبحث القضية ونصدر فيها فتوى، وإنما تصدر الفتاوى في المسائل التي تحال إلينا من المقام السامي) [30] - على حد تعبيره -
فينبغي للناس أن تعي هذا الأمر، فإذا استمر هذا الخلط ولم يتميز الولاء للمؤمنين وللدين, ولم يتميز البراء والبراءة من الشرك والإلحاد, فلن نجد السبيل الذي نصل به إلى رضوان الله سبحانه وتعالى، فهذا أمر في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة. وينبغي على الصادقين من العلماء وطلبة العلم والدعاة أن يوضحوه للناس وللشباب, حتى لا يلتبس عليهم الأمر.
فالنظام كما أنه استحدث وزارة الإعلام مهمتها التدليس على الناس,كذلك هو فرّغ ميزانية ضخمة لهذه الهيئات التي تنتسب إلى الإسلام, مهمتها أن تعطي الشرعية للنظام وأن النظام على حق.
فحتى تتصوروا المسألة, تصور أن مبنى هيئة كبار العلماء هو ملحق بالقصر الملكي, وتصور أن دار الإفتاء في الأزهر هي ملحقة بالقصر الجمهوري التابع لحسني مبارك [31], ودار الإفتاء في بلاد الحرمين ملحقة بقصر الملك، فهل تذهب وتسأل هذا الرجل الموظف الذي يتقاضى راتباً من الملك, تسأله عن حكم الملك؟ وهل الملك فعلاً والى الكفار؟! وهل الولاء للكفار ناقض من نواقض الإسلام؟! هذه المسائل واضحة بينة وإن التبس على بعض الناس لقلة علمهم، فيُرجع بها إلى الصادقين، فلا تذهب تسأل موظفاً عند الملك عن حكم الملك!
فهؤلاء كما ذكرت لا يقاسون بعلي بن المديني رحمه الله ولا يقاسون بيحيى بن معين رحمه الله، ومع ذلك كمٌ هائل غفير الذين زلّوا عندما ضغط عليهم السلطان.
فلنأخذ بكلام الإمام علي رضي الله عنه عندما قال للحارث: (يا حارث! إنه ملبوسٌ عليك, لا يُعرف الحق بالرجال, اعرف الحق تعرف أهله) [32].
فهذه المسألة حاصل فيها – للأسف - تقليد كبير, كثير من الشباب يقلدون أمرهم لبعض موظفي الدولة, وهؤلاء يوضع عليهم عباءه ويعطون أسماء كبيرة، وهم في الحقيقة موظفون للدولة، عن علم أضلهم الله سبحانه عن علم, ففي كتبهم, وتعلمنا من كتبهم؛ أن من نواقض الإسلام العشرة موالاة الكافرين [33]، ويصارحوننا في مجالسهم الخاصة, ولكن يخافون ويتأولون كما تأول يحيى بن معين رحمه الله فينبغي التنبه لذلك.
ومن الأمور المهمة في ميدان النجاة والخروج من هذا التيه؛ هو النصح للدين -النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- فمسألة النصيحة هي في غاية الأهمية, وهي الإطار المهم الذي يحفظ الدين. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الدين النصيحة)) [رواه مسلم]، لأن النصيحة التي هي من أبرز معالمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هي التي تحافظ على الدين, فلذلك اختصر عليه الصلاة والسلام الدين بهذه الكلمة ((الدين النصيحة)).
ولكننا في زمن اختلط على الناس فهم الدين, وظنوا أن الدين يقوم بغير نصيحة ويقوم بغير المخاطرة. فنظراً لكثرة الترف الذي أصاب الناس, وإلى ركونهم إلى الدنيا وإلى الأرض, والأشد والأنكى أن هذا المرض القاتل يوزّعه هؤلاء القاعدون الراكنون إلى الدنيا على الشباب الصادقين الغيورين على دينهم, الذين يريدون أن ينكروا المنكر, ويأمرونهم بعدم إنكار المنكر، وهم في ذلك يتقدمون بآرائهم بين يدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سنذكره بإذن الله.
فلا يستقيم أمر الدين إلا بالنصح وإلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتحمّل كل المخاطر في سبيل هذا الدين, ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) [رواه الإمام أحمد]، هذا كله حتى يستقيم الدين.
وحال هؤلاء الذين يعرّضون أنفسهم للمخاطر من أجل أن يستقيم الدين كحال أناس في سفينة, يسير بها قائدها إلى هاوية سحيقة في مجرى نهر, فهذا يريد أن ينصح القائد وهؤلاء من خوفهم يقولون له؛ "إذا نصحته سيقتلك لا تنصحه!", فالحاصل أن الجميع سيذهبون إلى تلك الهاوية [34].
ففي ديننا من التأكيد والحرص على تصحيح المسار، إلى درجة أن تقدم نفسك في سبيل الله لتصحيح المسارحتى يبقى الناس على الدين, فلذا جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمامٍ جائر فأمره ونهاه، فقتله)) [رواه الحاكم] ، فهذا للأسف الفهم الواضح الصريح للحديث، كان علماؤنا ومشايخنا يقومون بتثبيطنا عنه وينهوننا أن نفعل مثل هذا ويقولون ليس من ورائه مصلحة.
ففي هذا الفهم خطر عظيم على دينهم وعلى اعتقادهم، كيف يتقدمون بهذا بين يدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الواضح الصريح ((سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب, ورجل قائم إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله))، فقوتنا وسلاحنا للمحافظة على بقاء ديننا, وعلى مقاومة أي محاولة لتحريف الدين داخلية أو نتيجة ضغط خارجي هي الروح الاستشهادية, فالجهاد وما تفرع منه هو السبيل لإحقاق الحق, ولإبطال الباطل.
فينبغي للشباب الذين شرح الله صدورهم لحب الدين, وللفداء في سبيل الله أن لا يلتفتوا إلى هؤلاء الموظفين, وأن لا يلتفتوا إلى القاعدين, وأن لا يلتفتوا إلى الراكنين, فشتان شتان بين علمائنا الذين يشار إليهم بالبنان, ومن يشار إليهم اليوم نتيجة الثورة الإعلامية ونتيجة التقدم الإعلامي الهائل.
فالحكومة تنظر في العلماء فما رأت فيه موافقة لها ولينٍ ومداهنةٍ منهم سلطت عليه الأضواء, فينشأ الناشئة منذ الصغر ويسمعون؛ "الشيخ فلان أرسل برقية إلى الملك", و "الملك رد إليه برقية", ويظهر عن يمين الملك في كل يوم اثنين وغيره [35], فيقع في ذهنه أن هؤلاء أهل الخير والصلاح.
قال أهل العلم؛ "دخول العلماء على السلاطين فيه مضارٌ ثلاث" [36]، فمن أعظم مضاره تضليل العامة, فالعامة يقولون لولا أن هذا الإمام وهذا الملك أو هذا الرئيس على خير لما دخل عليه الشيخ فلان! وهم يتجاهلون أن هذا الذي دخل على الملك هو موظفٌ ملحقٌ بالديوان الملكي أو ملحقٌ بوزارة الداخلية.
يقول الإمام أحمد رحمه الله : (من قلّة فقه الرجل أن يقلّد في دينه الرجال) [أعلام الموقعين 2/211].
فإذا انتبهنا إلى الذين يضعهم الحاكم في طريق الجهاد، وحذّرنا الناس منهم، فبإذن الله سنصل إلى طريق الجهاد الذي يُكفّ به بأس الكفار ويحق الحق [37]. فهؤلاء علماء الدولة وعلماء السلاطين ليس في فقههم؛ فقه محمد صلى الله عليه وسلم والفهم لطبيعة منهج الله سبحانه وتعالى.
فلا بد أن يستقر في أذهاننا؛ أن الالتزام بالدين بالضرورة أن يكون هناك معاداة من أهل الباطل, فكما في الحديث الصحيح في صحيح البخاري رحمه الله الحديث الذي ترويه أمنا عائشة رضي الله عنها عندما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمنا خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل فلما قص عليه ما قص من بدء الوحي فقال ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت فيها جذعاً [38] إذ يخرجك قومك)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أو مخرجيّ هم؟!))، قال: (ماجاء رجل قط بمثل ماجئت به إلا عودي) [متفق عليه][39]، هذا هو فقه محمد صلى الله عليه وسلم فكل من التزم الإسلام حقاً لابد أن يُعادى.
وهؤلاء الأنصار رضي الله عنهم لما جاءوا في يوم العقبة يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فجاء معه العباس -وهو على دين قومه لم يسلم بَعد- فقال: (يامعشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمداً فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصيرة بالحرب واستقلال بمعاداة العرب قاطبة. فإنها سترميكم عن قوسٍ واحدة فأروني رأيكم وأنتم وأمركم, ولا تفرّقوا إلا عن إجماع فإن أحسن الحديث أصدقه, صفوا لي الحرب؟ كيف تقاتلون عدوكم؟) ، فهذا العباس - وهو على دين قومه كافراً - ولكن يحتاط لابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم ويفقه أن معنى "لا إله إلا الله"؛ أن الناس والعالم سيعادي أهلها, فعند ذلك تكلم عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال: (نحن والله أهل الحرب, وغذينا بها, وورثناها كابراً عن كابر نرمي بالنبل حتى تفنى, ونطاعن بالرماح حتى تكسر, ثم نمشي بالسيوف نضارب بها حتى يموت الأعزل منا أو من عدونا)، فقال العباس: (هل فيكم دروع)، قالوا: (نعم ها هي)، عند ذلك تقدم البراء بن معرور رضي الله عنه، وقال: (قد سمعنا ما قلت, وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه, ولكنا نريد الوفاء والصدق, وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا هو فهم السلف رضي الله عنهم للالتزام بالدين وبذل مهج الأنفس لله سبحانه وتعالى وفي الدفاع عن دينه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً مما جاء في ذلك اليوم المبارك - يوم العقبة - عندما قام الصحابة يريدون أن يبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده أسعد بن زرارة وقال: (رويداً يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم, وأن تعضكم السيوف, فإما أنتم تصبرون على ذلك؛ فخذوه وأجركم على الله, وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة؛ فذروه فهو أعذر لكم عند الله) [رواه الإمام أحمد][40].
فهذا هو فهم السلف لمعنى "لا إله إلا الله"، وما تقتضيه "لا إله إلا الله" من تحكيمٍ في الأرض ومما سيضطر إلى المواجهه مع العدو.
وكما قال المثنى بن الحارثة لرسولنا عليه السلام يوم أن عرض عليهم أن يؤمنوا بلا إله إلا الله, وأن يحموه ويؤووه, فقال المثنى - كان مشركاً يومها - قال: (إن هذا أمر تكرهه الملوك).
وفي الحديث الآخر عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق السؤال عن أفضل الأعمال حتى في العشر من ذي الحجة فاستثنى, ووضح لهم أي الأعمال أفضل, فهي أفضل حتى من العمل في عشر ذي الحجة فقال عليه السلام: ((إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)) [رواه البخاري].
فأما ما انتشر بين العلماء من السلامة على أنفسهم وعلى أبنائهم, وعلى أموالهم, وعلى وظائفهم, مع بقاء الدين, فهذا فهم مغاير لحقيقة "لا إله إلا الله" ولمعاداة أهل الباطل لها، فهذا التواؤم, وهذا التماشي بين العلماء والحكام - الذين كفروا بالله ورسوله - هو وضع خاطئ ينقلب وينصبُّ في الابتداء على أن العلماء تركوا حقيقة "لا إله إلا الله", والالتزام بحقيقة "لا إله إلا الله" ومقتضيات "لا إله إلا الله", يداهنون الحكام.
فينبغي الحذر كل الحذر من هؤلاء, لأن النظام وضعهم عن قصدٍ للصد عن سبيل الله, وقد كان منذ ربع قرن كان الشيخ عبد الله بن حميد عليه رحمة الله، لا يُذكر بجواره العلماء الآخرون - بعد أن توفي الشيخ محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله - في ورعه وفقهه وعلمه وشدته في الحق، ولكن النظام لا يريد أهل الحق ولايريد أهل التقى والورع، فما زال يضايَق الشيخ عبد الله بن حميد وأُخذ الأضواء عنه بعيداً على عدد من العلماء الأخرين الذين فيهم لين ورقّة مع النظام, ونوع مداهنة, وأضف إلى ما لبّس عليه النظام, وتركوا الشيخ عبد الله بن حميد يضايقوه في عمله إلى أن استقال لما شعر أن الدولة بدأت تبتعد كثيراً, وظهر له أن الدولة توالي الكفار, وتبتعد كثيراً عن شرع الله سبحانه وتعالى.
فكذلك الحال اليوم تسلط الأضواء الإعلامية على العلماء, الغرض منه التدليس على المسلمين.
وفي هذا المجال لابدّ من الحديث أننا إذا عرفنا علماء السوء وعلماء السلاطين ينبغي البحث بجد واجتهاد عن الصادقين من العلماء, عن الذين يصدعون بالحق ولا يخافون لومة لائم، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة : 19]، فينبغي الالتفاف حولهم والتشاور معهم في نصرة لا إله إلا الله والعمل لتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى.
والصادقون من العلماء لهم صفات, والصادقون بيّن الله سبحانه وتعالى صفاتهم في كتابه الكريم قال : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات : 15] فمن أبرز صفات الصادقين:
1) صفة الإيمان.
2) وصفة الجهاد في سبيل الله.
وهذا المعنى نجده يتكرر، ويقترن الصدق مع الجهاد، ومع النصرة, ومع قول الحق, والصدع به, فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحشر : 8] الذين يهاجرون والذين ينصرون الله ورسوله ويجاهدون في سبيل الله هؤلاء في سبيل الله وللتمكين لدين رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء هم الصادقون.
ومن أعظم الجهاد كلمة الحق والصدع بها، كما مضى معنا في الحديث عن نبينا عليه السلام : ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر))، فالعلماء الذين يصدعون بالحق؛ هؤلاء هم الصادقون وهذه صفتهم.
أما الذين يرون أن الحكّام قد والوا الكفار, ويرون الحكام قد حكموا بغير ما أنزل الله, هؤلاء الذين يمدحون الطواغيت؛ ألا يرون أبراج البنوك الربوية؛ التي هي حكم بغير ما أنزل الله؟! وإعراض عن منهج الله بجوار الحرم؟! هذا الإلحاد قرب بيت الله الحرام, والإلحاد في الحرم ليس المقصود به فقط الكفر، وإنما كما في الحديث الذي مر معنا -في حديث صحيح البخاري- : ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة))، قال: ((ملحدُ في الحرم))، قال أهل العلم؛ الكبيرة في الحرم تعتبر إلحاداً، وذُكِرت هنا بمعنى إلحاد للتشنيع عليها وللتهويل عليها حتى يبتعد الناس عنها.
فأبرز صفات الصادقين؛ الجهاد باليد وباللسان, وقد يكون الإنسان صادقاً وهو ينكر بقلبه, ولكننا لا نعرفه ولا نتعرف عليه وإنما نتعرف على الذي ينكر بيده وبلسانه.
وهنا ينبغي أن نؤكد على شباب الصحوة ما مر معنا؛ أن فيهم من الطاقات ما يكفي وزيادة لإقامة الحق, ولإقامة دولة الإسلام, ودولة الخلافة, ولكن ينبغي أن يتحرروا ويحرروا عقولهم من التقليد الأعمى، فقد صح عن نبينا عليه السلام أنه قال: ((لا تكونوا إمعة، تقولون؛ إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)) [رواه الترمذي وحسنه].
وسأذكر لكم قصة ذات مغزى كبير أن أولي الألباب والنهى إذا قلدوا مَن أمامهم دون أن يتدبروا, فقد يضيع منهم خير عظيم, بل قد تضيع عليهم الآخرة - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه وعمر بن العاص، وعمرو بن العاص من دهاة العرب المعدودين, وخالد بن الوليد عبقري في الحروب, ومع ذلك تأخر إسلامهما لأكثر من عشرين سنه تقريباً, والنور بين يديهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشرة سنة بين أظهرهم في مكة ولا يرون هذا النور مع شدة ذكائهم ونباهتهم، فماهو السبب؟!
السبب؛ التقليد الأعمى, كانوا ينظرون إلى أولئك الرجال العظام في قريش -أهل الندوة- ويقتدون بهم, وعطّلوا عقولهم، فلما أسلم خالد وعمرو بن العاص قبل الفتح بشيء يسير - أي قريباً من عشرين سنة منذ بعثت محمد صلى الله عليه وسلم - فقال له بعض أصدقائه: (أين كان عقلك يا خالد ولم تر هذا النور لعشرين سنة؟)، فقال كلمة ينبغي التوقف عندها كثيراً للمقلدين، قال: (كنا نرى أمامنا رجالاً كنّا نرى أحلامهم كالجبال) - الوليد بن المغيرة, وعمرو بن هشام, وعتبة وشيبة ابني ربيعة, والعاص بن وائل السهمي, وأمية بن خلف - قوم عبّأوا على الناس عقولهم أنهم هم الذين يعرفون الصواب, وكانوا يقودونهم إلى المهلكة في الدنيا والآخرة.
فلما حرر خالد عقله نفع الله به وتفجرت طاقات, فكان سيفاً من سيوف الله فتح الله به أرضاً عظيمة في بلاد فارس وفي بلاد الروم.
فأقول: كثيرٌ من الناس عندهم من الطاقات الهائلة، ولكن يعطلها باتباع قاعد، باتباع من رضي بأن يكون مع الخوالف, فلا نجاة لهذه الأمة إلا بإتباع المنهج كاملاً، فكما ذكرت الخطر ملازم بصفة دائمة لهذه الدعوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ففي هذا الحديث العظيم فقه عظيم جداً حيث إنه وضّح للناس وللمؤمنين أهمية الأولويات في هذا الدين, فرأس الأمر الإسلام ورأس أركان الإيمان والإسلام شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، فالإيمان فيه شعب [41] فلا ينبغي بحال إذا غابت الشعبة الأولى وهي أعظمها وأفضلها وأعلاها شهادة أن "لا إله إلا الله" الاشتغال بما دونها, فهي الأساس لهذا الدين فما يفعل الناس في هذا الزمان وهم يرون بأم أعينهم أن "لا إله إلا الله" بمعناها الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قد غيّبت عن حكم الناس في جميع شؤون حياتهم, ويشتغلون بكثير من الشُعب مع غياب هذه. فهذا لا يمكن أن يسمى لمن علم بهذه الحقائق إلا هروباً عن أداء الواجب, بل عن أعظم واجب في الحياة, وهو تحكيم شهادة أن لا إله إلا الله على كل مؤمن.
ولو قعد الإنسان عن الجهاد واشتغل بإماطة الأذى عن الطريق وهي شعبة من شعب الإيمان وكان الجهاد متعيناً, فلا يقال لهذا الذي يعمل بهذه الشعبة أو بهذه الطاعه جزاه الله خيراً بل هو في ديننا فاسق من الفاسقين فارٌ فر عن نصرة لا إله إلا الله ونصرة دين محمد صلى الله عليه وسلم فينبغي الانتباه الشديد إلى هذه الأولوية, وهو كما لا يخفى، وللأسف الشديد غائبة غياباً عظيماً جداً من جميع بلاد الإسلام بدون استثناء. وأنبه الإخوة كما في حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله تعالى قال؛ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه)) [رواه البخاري]، فالفرائض والطاعات والعبادات هي بما فرض الله سبحانه وتعالى, وترتيبها كما رتبها الله سبحانه لا بما يتوافق معنا, وبما يتوافق مع أهوائنا, وبما يتوافق مع نفوسنا وتثاقلها إلى الأرض.
فعندما تكون الأولوية الأولى بتحكيم لا إله إلا الله فلا يصح بحال الاشتغال بالطاعات الأخرى على حساب إقامة الدولة الإسلامية, وتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى.
ومن الأشياء المهمة في هذا؛ أن العلماء الذين تبرزهم الدولة للناس هم يعلمون علم يقين أن "لا إله إلا الله" لا تحكم الناس اليوم, وأن الحكومات قد نقضوا هذه الكلمة العظيمة, ومع ذلك يدلسون على أنفسهم, ويخادعون أنفسهم, ويخادعون الناس بذكر العبادات والفتاوى للناس في مسائل مع غياب الأصل العظيم, فهم كالذي يبني على غير أساس.
فهؤلاء الذين يفتون؛ يعلمون أن هؤلاء الناس يذهبون يتحاكمون إلى المحاكم التجارية, وإلى هيئات فض المنازعات التجارية, وفض مشاكل الأطراف التجارية, وهذا حكم بغير ما أنزل الله, وهو كفرٌ أكبرٌ مخرج من الملة كما لا يخفى على أهل العلم [42]، ومع ذلك لا يتحدثون عن ذلك.
الربا؛ هذه البنوك لا يمكن لعالم صادق أن يقول إن الربا هذا هو مجرد كبيرة من الكبائر، فهذا الربا الذي يوجد في بلادنا هو تشريع من دون الله {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى : 21]، ومع ذلك يحدثون الناس عن أمور أخرى - هي من شعب الإيمان ولاشك - ولكن بعيداً عن أصل القضية, فهذه القضية الكبرى التي من أجلها بُعث الرسل, ومن أجلها أنزلت الكتب لكي تحكم بين الناس, فينبغي الانتباه الشديد إلى ذلك.
ومن المسائل المهمة أيضاً هنا؛ أن يبتعد الشباب عن أولئك الذين قد ضيّعوا الأمانة وخانوا الأمة فيما اؤتمنوا عليه, وقد جاء في الحديث عن حذيفة رضي الله عنهم قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا؛ أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها، قال؛ ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء) [متفق عليه].
وهذا حال كثير من الناس تظنه على شيء, تظن أن عنده أمانة وسيفتيك بما يرضي الله, ولكن ليس فيه شيء، كجمر دحرجته على رجلك - وفي تكملة الحديث، كما يقول رضي الله عنه نقلا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم - : ((ويصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال؛ إن في بني فلان رجلا أمينا! ويقال للرجل؛ ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)).
فينبغي التمييز بين أهل الأمانة الذين يؤدّون ما احتملوا من ميراث النبوة على نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وبين الذين أخذوا الشهادات العلميّة وأخذوا الدين للوظائف يأكلون به من هذه الدنيا على حساب دينهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله -
فخلاصة الأمر في هذا الباب؛أن هناك ثوابت عظام لابد من الانتباه إليها في مسألة الولاء والبراء؛ أن الأنظمة تسعى جهدها في تمييع الولاء والبراء ولمغالطة الناس في ذلك.
فمن الثوابت؛ أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة : 120].
ومن الثوابت الواقعية أيضاً؛ أن البلاد محتلة, وإذا احتلت فأوجب الواجبات - بعد الإيمان - دفع العدو الصائل, فهذه تصريحاتهم المتكررة, وهذا الواقع الذي يشهد على حالهم, فقد قال الأمير طلال بن عبد العزيز في لقاء له مع بعض الهيئات العالمية قال: (نحن لو قلنا للقوات الأمريكية أن أخرجي من بلادنا، هم لا يخرجون), وهذه صراحة واضحة جداً.
وكذلك وزير خارجية قطر قال: (نحن لو قلنا للحكومة الأمريكية وللقوات الأمريكية اخرجي من قطر، قال: نحن نشطب من الخريطة), فالبلاد محتلة بكل ما تعني الكلمة من معنى، ومازال الناس يشتغلون بعبادات ونوافل وطاعات بعيدة عن فرض الساعة!
فينبغي التركيز على:
1) أن المخرج هو بالجهاد في سبيل الله.
2) والحذر من القاعدين.
3) وعلى أن الهجرة والجهاد في سبيل الله كلاهما متلازم - في مثل هذه الأوضاع - لإقامة الحق وإبطال الباطل.
والله أعلم [43]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها)) [رواه مسلم].
[2] قال ابن إسحاق: (... سمعت ربيعة بن عباد ، يحدثه أبي، قال؛ إني لغلام شاب مع أبي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول؛ "يا بني فلان! إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني، حتى أُبين عن الله ما بعثني به"، قال؛ وخلفه رجل أحول وضيء، له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه، قال ذلك الرجل: "يا بني فلان! إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه!"، فقلت لأبي: "يا أبت! من هذا الذي يتبعه ويرد عليه؟ ما يقول؟"، قال؛ "هذا عمه عبد العزى بن عبدالمطلب، أبو لهب") [سيرة ابن هشام: 2/48-49].
[3] قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (ومعنى شهادة "أن محمد رسول الله"؛ طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، وإجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع) [الأصول الثلاثة].
وقال الحكمي: (هو التصديق الجازم من صميم القلب المواطئ لقول اللسان بأن محمداً عبده ورسوله إلى كافة الناس إنسهم وجنهم {شاهداً ومبشراً ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا} [؟]، فيجب تصديقه في جميع ما أخبر من أنباء ما قد سبق وأخبار ما سيأتي، وفيما أحل من حلال وحرم من حرام، والامتثال والانقياد لما أمر به، والكف والانتهاء عما نهى عنه، واتباع شريعته وإلترام سنته في السر والجهر، مع الرضا بما قضاه والتسليم له، وأن طاعته هي طاعة الله ومعصيته هي معصية الله...) [أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة: ص21].
[4] اخطأت بعض الأحزاب في مفهوم "النصرة" فضخمتها واعطتها اكبر من الحجم الذي تستحقه، وفي كتابه "الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة"، كتب الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة: (قولهم؛ "لا طريق إلى الخلافة إلا عن طريق طلب النصرة، تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يطلب النصرة لدينه ونفسه من قبائل وشيوخ العرب"، نجمل الرد على هذه الشبهة في النقاط التالية:
أولاً؛ إن قالوا طريق طلب النصرة مشروع، يجوز للحركة الإسلامية أن تسلكه إن تمكنت من ذلك، ووجدت لذلك سبيلاً، فهذا قول صحيح لا غبار عليه ولا خلاف، لكن أيضاً هذا الخيار لا يبرر للأمة القعود عن الإعداد والجهاد في سبيل الله، ولا يمنعها من ذلك؛ فطريق الإعداد والجهاد، وطلب النصرة، من ذوي الشوكة، كل ذلك يسير جنباً إلى جنب، ولا يجوز أن يكون السير بأحدهما ذريعة للتنكب أو التخلف عن الآخر.
ثانياً؛ أما إن قيل طريق طلب النصرة... هو شرط لصحة قيام الخلافة! أي لا يجوز للأمة أن تسلك طريقاً آخر لنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته غير طريق طلب النصرة! نقول؛ هذا قول باطل لم يدل عليه نص شرعي صحيح تصريحاً ولا تلميحاً، ما أنزل الله به من سلطان، ولم يقل به عالم معتبر من السلف ولا من الخلف، والذي يزعم غير ذلك فليخرج لنا دليله وبرهانه، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [البقرة:111] فلو كان طلب النصرة شرطاً لصحة قيام الخلافة... لجاء ولو نص واحد من الكتاب أو السنة ينص على ذلك، ولذكره أهل العلم ولو لمرة واحدة في كتب الفقه والعلم، ولما انتفى كل ذلك علمنا بالضرورة أنه شرط باطل لا يجوز القول به...
تاسعاً؛ مما يقلل من فاعلية طريق النصرة؛ هذا النظام الواسع لأجهزة التجسس والرصد المخابراتية التابعة للأنظمة الدولية والمحلية، مما يجعل من المستحيل أو الصعوبة بمكان للعصبة المؤمنة أن تسلك طريق النصرة على الطريقة الأول، وهي أن تعرض نفسها على الأفراد والجماعات - وبخاصة إن كانت هذه الأفراد أو الجماعات كافرة - وتطلب منهم النصرة من أجل العمل لهذا الدين وقيام خلافة إسلامية، ثم لا تُتخطف من قبل أجهزة المخابرات وتُغيب عن الوجود؟! فإذا كانت النسبة لهذا الدين وإرخاء اللحية والثوب جرم لا يغتفر عند كثير من الأنظمة الطاغية المعاصرة، فكيف إذا عُرف المرء - ولا بد له أن يُعرف إن أراد النصرة بمعناها وأسلوبها الأول - بأنه يسعى بين الناس يطلب منهم النصرة من أجل إقامة دولة وخلافة راشدة؟!...) [وللاستزادة راجع الكتاب].
[5] كان هذا سنة 10 للهجرة [الرحيق المختوم: 115]، قال ابن إسحاق: (وحدثني الزهري أنه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال رجل منهم؛ "والله، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش، لأكلت به العرب"، ثم قال؛ "أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟"، قال؛ "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء"، فقال له: "أفتُهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك"، فأبوا عليه) [سيرة ابن هشام: 2/49-50].
[6] قال الإمام حمد بن علي بن عتيق: (فأما معاداة الكفار والمشركين؛ فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم! بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) [سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك].
[7] يقول الاستاذ سيد قطب: (والذين يظنون أنفسهم في "دين الله" لأنهم يقولون بافواههم؛ "نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، ويدينون لله فعلا في شؤون الطهارة والشعائر والزواج والطلاق والميراث، بينما هم يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير الله؛ ويخضعون لشعائر لم يأذن بها الله – واكثرها مما يخالف مخالفة صريحة شريعة الله – ثم هم يبذلون أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وأخلاقهم – أرادوا ام لم يريدوا – ليحققوا ما تطلبه منهم الأصنام الجديدة، فإذا تعارض دين أو خلق أو عرض مع مطالب هذه الأصنام، نبذت أوامر الله فيها ونفذت مطالب الأصنام، الذين يظنون انفسهم "مسلمين" وفي "دين الله" وهذا حالهم، عليهم أن يستفيقوا لما هم فيه من الشرك العظيم! إن دين الله ليس بهذا الهزال الذي يتصوره من يزعمون انفسهم "مسلمين" في مشارق الأرض ومغاربها! إن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتقصيلاتها، والدينونة لله وحده في كل تفصيل وكل جزئية من جزئيات الحياة اليومية وتقصيلاتها – فضلا عن أصولها وكلياتها – هي دين الله، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه) [تفسير سورة إبراهيم].
[8] قال عبد الرحمن بن حسن: (ولابد في شهادة لا إله إلا الله من سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها، أحدها؛ العلم المنافي للجهل، الثاني؛ اليقين المنافي للشك، الثالث؛ القبول المنافي للرد، الرابع؛ الانقياد المنافي للترك، الخامس؛ الإخلاص المنافي للشرك، السادس؛ الصدق المنافي للذكب، السابع؛ المحبة المنافية لضدها)، وقال: (فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها... أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه؛ من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل – قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح - فغير نافع بالاجماع) [فتح المجيد 46 و49].
[9] الشهيد عبد الله عزام؛ ولد رحمه الله في جنين عام 1360هـ، انهى دراسته الإبتدائية والثانوية في قريته، ثم واصل تعليمه بكلية "خضورية الزراعية"، ونال منها الدبلوم بدرجة "إمتياز"، ثم عمل في سلك التعليم، وواصل طلبه للعلم الشرعي حتى انتسب إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق، ونال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير "جيد جدا" عام 1386هـ، وبعد سقوط الضفة الغربية عام 1387هـ عاد إلى فلسطين ليؤدي فريضة الإعداد والجهاد فشارك في العديد من المعارك، ثم انتسب إلى الازهر فحصل على شهادة الماجستير في أصول الفقه عام 1389هـ بتقدير "جيد جدا "، وعاد سنة 1390هـ إلى الاردن ليعمل مدرسا في كلية الشريعة بعمان، وبعث من قبل الكلية إلى الأزهر للحصول على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه، حيث حصل عليها سنة 1393هـ، وفي عام 1400هـ صدر قرار الحاكم العسكري الاردني بفصله من عمله في الكلية، فانتقل إلى الجزيرة العربية للتدريس في جامعة "الملك عبد العزيز" بجدة. اعير سنة 1401هـ إلى الجامعة الإسلامية الدولية بإسلام آباد للتدريس حسب طلبه ليكون قريبا من الجهاد الأفغاني، بعد انتهاء مدة الاعارة رفضت جامعة "الملك عبدالعزيز " تجديد العقد، فقدم الشيخ استقالته وتعاقد مع الرابطة عام 1406هـ. بدأ الشيخ رحمه الله في العمل الجهادي مع المجاهدين الأفغان عام 1402هـ، وقد قام عام 1404هـ بتأسيس "مكتب الخدمات"، ثم قد قدم استقالته من الجامعة الاسلامية بإسلام آباد، وتفرغ للعمل الجهادي وتحريض الامة، وفي 24/ربيع الآخر/1410هـ وبينما كان الشيخ في طريقه إلى مسجد "سبع الليل" في بيشاور لإلقاء خطبة الجمعة مرت سيارته من فوق لغم كان قد زرعته ايدي الكفر العالمي، فقتل شهيدا - نحسبه كذلك والله حسيبه - ظن أعداء الله انهم بقتل الشيخ –رحمه الله – سيخنقون الصوت الذي كان يقض مضاجعهم ومضاجع عملائهم، ولكن هيهات هيهات .. فقد استيقظ المارد وخرج من قمقمه .. ورحم الله سيدا إذ يقول: (إنّ كلماتنا ستبقى ميتة أعراسا من الشموع لا حراك فيها جامدة، حتى إذا متنا من أجلها إنتفضت حية و عاشت بين الأحياء)، فها هم شباب الجهاد اليوم ؛ ذلك الشباب الطاهر المتوضئ يذيقون أمري كا وحلفاءها وعملاءها في مشارق الأرض ومغاربها من ذات الكأس التي أذاقت غيرها منه لسنوات طويلة، والقادم أدهى وأمر بإذن الله. رحم الله الشيخ عبد الله عزام وجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
[10] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا) [الفتاوى الكبرى 4/607، للاستزادة راجع كتاب الشيخ عبد الله عزام رحمه الله "الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان"].
[11] قال ابن قدامة: (ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
أحدها؛ إذا التقى الزحفان وتقابل الصَّفان حَرُمَ على من حضر الانصراف وتعيَّن عليه المقام لقول الله تعالى {?يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا - إلى قوله - واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 45-46]، وقوله تعالى {?يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرّفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله?} [الأنفال: 51-61].
الثاني؛ إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
الثالث؛ إذا استنفر الإمامُ قوماً لزمهم النفير معه، لقول الله تعالى {?يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض... الآية} [ التوبة: 38] والتي بعدها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا استنفرتم فانفروا" [متفق عليه]) [المغني: 10/365].
قال العلامة عبد القادر بن عبد العزيز: (ويتضح من هذا أن الجهاد يكاد أن يكون فرض عين على جميع المسلمين الآن، خاصة الموضع الثاني - إذا نزل الكفار ببلد - فمعظم بلدان المسلمين الآن يحكمها ويتسلط عليها الكفار، إما مستعمر أجنبي كافر وإما حكومة محلية كافرة، وإذا تعين الجهاد فإن تركه يكون من الكبائر للوعيد الوارد فيه، بل من السبع الموبقات بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم) [العمدة في إعداد العدة].
[12] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما قتال الدفع؛ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) [الإختيارات العلمية لابن تيمية، ملحق بالفتوى الكبرى: 4/608].
[13] قال صلى الله عليه وسلم : ((من دخل مسجدنا هذا يتعلم خيرا أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله)) [رواه الإمام أحمد].
[14] تاريخ بغداد : 13/377.
[15] أبو العباس الجنوبي رحمه الله؛ هو عبد العزيز العمري؛ أحد فرسان غزوة نيورك وواشنطن المباركة، كان على متن الطائرة التي دكت البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، قال في وصيته: (الرسالة الرابعة؛ إلى طالب العلم؛ إلى من عكف على الكتب وثنا عند العلماء والمشايخ الركب؛ آه! كم لك من المعزة في القلب، لي معك تاريخ طويل، صاحبت كثيرًا وكثيرًا من أمثالك أولي الخلق النبيل، تروح وتغدو تسلك طرق الجنة، إنها نعمة تغبن عليها، لكن أما إذا ذكر الجهاد فلا وألف لا! الفرق شاسع بين الجلوس وبين خوضك المعامع. يا طالب العلم؛ الأمل في أن تجدد الحياة التي أنت فيها، اخرج في سبيل الله مرة وذق حلو هذا الطريق ومُرَّه، انظر إلى التاريخ! انظر إلى ساحات الجهاد! فإن كنت تصبو أن تكون داعية فعلاً فساحات الجهاد تحتاج إليك! واعلم أنك لو تخلفت فإن الجهاد قائم، وسنة الله جارية {وإن الله غني عن العالمين}، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، إن التضحية لا بد منها، ولكن الإيمان مرتبط بالعمل، وهذه ضريبة الإصلاح والجنة غالية الثمن...).
[16] قال حذيفة رضي الله عنه: (إن أصحابي تعلموا الخير، وأنا أتعلم الشر!)، قيل: وما يحملك على ذلك؟! قال: (إنه من تعلم الشر يَتّقِهِ) [كتاب العلم، لزهير بن حرب: ص20].
[17] وتتمة الحديث: (قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا! قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
[18] قال صلى الله عليه وسلم: ((غير الدجال أخوف على أمّتي من الدّجال؛ الأئمة المضلّون)) [رواه الإمام أحمد].
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني: (في هذا الحديث إرشاد نبويّ إلى وجوب كشف الأئمّة المضلّين، كما كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الدّجال، بجمع فتنتهما. وإذا كان الدّجال هو أعظم فتنة تقع في الدّنيا كما جاء في بعض الأحاديث، فإن هذا الحديث يبيّن أن الأئمّة المضلّين هم أشد فتنة وأكثر سوءاً وأعظم إفسادا...ً) [سلسلة مقالات بين منهجين: 10].
[19] قال ابن القيم: (ومن خواصه – يعني حرم الله وبيته - أنه يعاقب فيه على الهم بالسيئات وإن لم يفعلها، قال تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج: 25]... فوعد من هم بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الاليم، ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه... فالسيئة في حرم الله بلده وعلى بساطه آكد واعظم منها في طرف من اطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط مُلكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه) [زاد المعاد 1/17].
[20] قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب طاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام - كيف لا وهم يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ويسعون في الأرض فسادا بقولهم وفعلهم وتأييدهم - ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفرهم، أو زعم أن فعلهم هذا - لو كان باطلا - لا ينقلهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق، لأنه لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم) [الرسائل الشخصية: ص 188].
[21] وتتمة الحديث: ((فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ...}إلى قوله {فَاسِقُونَ}، ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا)).
[22] قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: (الثامن؛ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}).
[23] سأل أحمد منصور – مقدم برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة - طلال بن عبد العزيز آل سعود: (هل صحيح كان يتقاضى – أي عدو الله عبد العزيز آل سعود - راتب من البريطانيين؟)، فأجاب: (آه، نعم، كان يتلقى راتب، وكان الراتب هذا، هو أنا من وجهة نظري الآن لما هم "إدُّوله" هذا الراتب، هو مثل قروض، القروض التي تمنح من الدول الغنيَّة للدول الفقيرة)، فقال مقدم البرنامج: (يعني لم يكن هذا الراتب بمثابة إسكات للملك أو نوع من شراء الولاء؟)، فأجاب طلال بن عبد العزيز: (ممكن، ممكن، لأنه هدف الإنجليز، طبعاً معقول يعطوا راتب خمسة آلاف جنيه في ذلك الوقت لإنسان في الصحراء؟ مبلغ ضخم! هل ممكن يعطوه هكذا لوجه الله؟ لا! هم يعطوه لغرض في نفس يعقوب لا شك في ذلك، المهم متلقي هذا العطاء كيف يفسره؟ وكيف يستعمله؟ وكيف يكون موقفه تجاه المعطي؟) [برنامج شاهد على العصر، تاريخ الدولة السعودية كما يراه الأمير طلال، الحلقة الأولى، الثلاثاء 9-9-1421هـ].
[24] قال القاضي عياض: ( أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنّه لو طرأ عليه كفر ينعزل... وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها... وكذلك عند جمهورهم البدعة... فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلاّ إذا ظنّوا القدرة عليه فإنّ تحقّقوا العجز لم يجب القيام فيها وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفرّ بدينه) [شرح صحيح مسلم للنووي 12/229].
وقال ابن حجر: (وملخّصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كلّ مسلم القيام في ذلك) [فتح الباري 13/123].
[25] كنز العمال، وعند الإمام أحمد: ((الفويسق يتكلم في أمر العامة)).
[26] جاء في جريدة البيان الإماراتية تحت عنوان "السلام على الطريقة الامريكية": (... في الوقت الذي وصف "تيري لارسن" مبعوث الامين العام للامم المتحدة ما جرى في جنين بأنه "فظاعة تفوق التصور!"، وبينما طالب مسئولون دوليون باحالة مرتكبي هذه المجزرة الى المحاكمة الدولية! فإن الرئيس دبليو بوش يصف شارون بأنه "رجل سلام يريد ان تعيش اسرائيل بسلام مع جيرانها"، اذا كان شارون رجل سلام فمن يكون الارهابي؟! ومن يكون السفاح اذن؟!) [جريدة البيان/السبت/7 صفر1423 هـ].
[27] قال صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) [رواه مسلم].
[28] قال الذهبي: (قال ابن عمار الموْصليَّ في تاريخه؛ قال لي علي بن المديني؛ ما يمنعك أن تكفر الجهمية – وكنت أولاً لا أكفرهم – فلما أجاب علي إلى المحنة كتبت إليه أذكره ما قال لي وأذكره الله، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد فقال لي؛ ما في قلبي مما قلت واجبت شيء، ولكني خِفت أن اقتل، وتَعْلمُ ضعفي اني لو ضربت سوطا واحدا لمتّ، أو نحو هذا) [سير أعلام النبلاء: 11/57].
[29] قال الذهبي: (هو الإمام الجهبذ، شيخ المحدثين)، وقال: (وكان يحيى رحمه الله من أئمة السنة، فخاف من سطوة الدولة واجاب تقية) [سير أعلام النبلاء: 11/ 71 و87].
[30] قال الشيخ أسامة: (...فعندما دخل الأميركان في محرم في أول سنة 1411 هجرياً... وصدرت - للأسف- فتاوى، دولة ودول الخليج ساهمت في الضغط على هؤلاء العلماء لإصدار مثل هذه الفتاوى التي زعموا لهم أنها مؤقتة، وقد حدثنا من نثق به من هؤلاء العلماء، أمثال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مجلسه وفي بيته، قال؛ "نحن لم نصدر فتوى، وإنما بعد أن أدخلت الدولة الأميركان جمعونا وقالوا؛ لابد أن تصدروا فتوى، وإلا فإن الشباب سوف يقاتلون هذه القوات الأميركية"!! وتحدثت معه طويلاً في وجوب إصدار فتوى بإخراجهم من هيئة كبار العلماء، فقال لي بوضوح - يشهد الله الذي لا إله إلا هو - قال؛ "يا أسامة! ليس من حقنا في هيئة كبار العلماء أن نصدِّر فتوى من عند أنفسنا، وإنما إذا أحيلت إلينا من المقام السامي – على حد تعبيره - نحن نصدر فيها"، فهذا حالنا للأسف الشديد) [مقابلة مع قناة الجزيرة سنة 1420هـ].
[31] يقول الشيخ أيمن الظواهري: (... فمفتي الديار المصرية، وهو الموظف الرسمي في الحكومة المصرية الذي يتلقى راتبه منها ليؤدي عمله الذي استأجروه عليه؛ وهو إسباغ الشرعية على النظام العلماني الباطش بالمسلمين الموالي لليهود، في صورة تتفوق في غلوها على أشد عتاة غلاة المرجئة الأوائل، هو نفسه الذي أفتى المحكمة العسكرية العلمانية بإعدام المجاهدين الخمسة أبطال الإسلام في مصر - محمد عبد السلام فرج وعبد الحميد عبد السلام وخالد الإسلامبولي وحسين عباس وعطا طايل - الذين قتلوا أنور السادات، الذي وقع أربع اتفاقيات مع إسرائيل تعهد فيها بالاعتراف بدولة إسرائيل واستيلائها على فلسطين... وأشهر هذه الاتفاقات هي اتفاقية السلام مع إسرائيل - في عام 1979 - التي نصت على؛ إنهاء الحرب بين مصر وإسرائيل إلى الأبد! ومنعت مصر من مساعدة أية دولة تتعرض لعدوان إسرائيل، بل ودعت إلى التطبيع مع إسرائيل في كل المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية، ثم أصدر الأزهر فتوى يبارك فيها هذه الاتفاقية، ويقرر فيها أنها تتفق مع الشريعة!) [الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود].
[32] قال ابن الجوزي: (وأعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص، فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر يجب أن ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل، كما قال علي رضي الله عنه للحارث بن حوط – وقد قال له اتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل - فقال له؛ "يا حارث انه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله") [تلبيس إبليس 80].
[33] قال ابن باز - المفتي السابق للدولة السعودية - : (وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم!!) [مجموع الفتاوى والمقالات 1/274]، وقال أيضا : (أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}) [فتاوى إسلامية/جمع محمد بن عبد العزيز المسند/ج 4/فتوى رقم 6901].
ويقول صالح الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء في الدولة السعودية - : (ومن مظاهر موالاة الكفار إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم، وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة) [الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: ص351].
[34] قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل؛ قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا؛ لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا! فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) [رواه البخاري].
[35] قال صلى الله عليه وسلم: ((سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض...)) [رواه الترمذي، وقال: صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه]، وروي عنه صلى الله عليه وسلم: ((إذا رايت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة، فاعلم أنه لص)) [كنز العمال].
وقال محمد بن مسلمة: (الذباب على العذرة؛ أحسن من قارئ على باب هؤلاء).
قال السيوطي: (ذهب جمهور السلف وصلحاء الخلف إلى ان هذه الأحاديث والآثار جارية على إطلاقها، سواء دعوه إلى المجيء إليهم أم لا، وسواء دعوه لمصلحة دينية أم لغيرها، قال سفيان الثوري؛ "إن دعوك لتقرأ عليهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلا تأتهم") ["ما راواه الاساطين في عدم المجيء إلى السلاطين"، للسيوطي: ص58 و76].
[36] قال ابو الفرج ابن الجوزي: (ومن تلبيس إبليس على الفقهاء؛ مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم – مع القدرة على ذلك - وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضا، فيقع بذلك الفساد من ثلاثة أوجه؛ الأول؛ الأمير يقول "لولا أني على صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لا اكون مصيبا وهو يأكل من مالي"، والثاني؛ العامي أنه يقول "لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله، فإن فلانا الفقيه لا يبرح عنده"، والثالث؛ الفقيه، فإنه يفسد دينه بذلك) [تلبيس إبليس: ص118].
[37] قال الشيخ أيمن الظواهري: (لقد عاش الاف الشباب اسرى لهذه الاسماء الرنانة؛ ابن باز، العثيمين، وابي بكر الجزائري، يتبعونهم، أو على الأقل لا يجرؤون على مخالفتهم حتى وإن عظم خطأهم وفحش انحرافهم... لقد آن للشباب المسلم أن يتحرر من تلك الأسماء الرنانة الجوفاء التي تمادت في نفاق الطواغيت حتى هان قدرها واصبحت مثاراً للسخرية على ألسنة الأولياء والأعداء! وآن لهذا الشباب أن يلتف حول العلماء العالمين الصادقين الذين يعانون ويبتلون في سبيل دينهم ، والذين وصفهم المولى سبحانه في قوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، وآن لهذا الشباب أن يخرج من الغيبوبة التي يعيش فيها ويدرك أن معركة الإسلام والكفر، والحق والباطل، معركة محتومة لا فرار منها، وأنه إن لم يستعد لها ويعد لها عدتها فسيكون أول ضحاياها... الحق ابلج، والباطل لجلج؛ إن ابن باز وطائفته هم علماء السلطان الذين يبيعوننا لأعدائنا في مقابل راتب أو منصب، وإن غضب من غضب ورضي من رضي، إن صف الإيمان يجب قبل مواجهة صف الكفر أن يتخلص من المزيفين والمنافقين، {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}) [مجلة المجاهدون، العدد الحادي عشر، 3/شعبان/1415].
[38] قال النووي: (وقوله "جذعاً"؛ يعني شابا قويا، حتى ابالغ في نصرتك) [شرح مسلم 2/203].
[39] يقول الشيخ أبو محمد المقدسي: (قليل هم أولئك الذين يدركون حقيقة منهج هذا الدين العظيم وحجم تكاليفه، فعندما خلق الله الجنة والنار وبعث جبريل ليراهما ورأى الجنة وما فيها من نعيم للوهلة الأولى قال؛ "والله يارب لم يسمع بها أحد قط إلا دخلها"! فلما أن رآها بعد ذلك قد حفت بالمكاره، قال؛ "والله يارب خشيت أن لا يدخلها أحد"! فالطريق الذي أراده الله أن يوصل إلى الجنة ليس مزروعا بالورود والرياحين، كلا بل هو محفوف بالمكاره والابتلاءات والأذى والدماء، ولو كان أحد يدخل الجنة دون سلوك هذه الطريق لكان أولى الناس به رسل الله وأنبياؤه الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه، فقد أوذوا وشوهوا وكذبوا {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}، وهذه الحقيقة يعرفها كل عاقل درس منهج الانبياء وتاريخ الدعوات، ولذلك فأول كلمات سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نبيء من ورقة بن نوفل - وكان قد قرأ الكتب السابقة - كانت؛ "لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي"! فالذين يحلمون أن يكونوا من ورثة الأنبياء ثم يبحثون عن رضى الناس أو الحكومات لم يفقهوا حقيقة هذا المنهاج...) [مقالة بعنوان؛ لم يأت رجل قد بمثل ما حئت به إلا عودي، جمادى الآخرة 1423هـ]
[40] وتتمته: (قالوا: أمط عنا يا أسعد! فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا)، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة).
[41] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون شعبة - فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) [رواه مسلم].
[42] قال الشنقيطي رحمه الله: (أن الذين يتّبعون القوانين الوضعية التي شرَّعها الشيطان على ألسنة أوليائه مُخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كُفرهم وشِركهم إلا من طمس اللَّه بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم) [أضواء البيان 4/83-84].
وقال أحمد شاكر: (إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس؛ هي كُفرٌ بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عُذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائناً من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكل امرئٍ حسيبُ نفسه) [عمدة التفسير 172/4].
[43] إلى هنا انتهت محاضرة الشيخ المجاهد "أسامة بن لادن" حفظه الله وجعله غصة في حلوق الكافرين، مع التنبيه أن النقل تم بشكل حرفي عن شريط صوتي للشيخ مع تصرفات يسيرة اقتضى لها المقام، ولا يفوتنا أن نسأل الله عز وجل أن يجزل الأجر والثواب لمن قام بتفريغ هذه المحاضرة، علما أن النص الصوتي لهذه المحاضرة بصوت الشيخ أسامة بن لادن معروض في قسم الصوتيات في "منبر التوحيد والجهاد".
منقول عن منابر التوحيد
تعليق