الدعوة السلفية المفترى عليها
كلمة سلفية تعبر عن العودة إلى نهج السلف الصالح و التمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل و التمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم و الأحاديث الصحيحة و الرجوع للكتب المذهبية التي تستدل من الكتاب والسنة الصحيحةو يبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام و تعاليمه التي تسمى بالبدع.ودعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب هي امتداد لدعوة ابن تيمية و بأنه لا يعارض بنية المذاهب الفقهية التي يدافعون عنها و يتهمون السلفيين بأنهم يبنون الفقه الذي بناه فقهاء عظام مثل الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد بن حنبل و أن ليس أي فقيه معاصر لن يصل لدرجة من الفقه تسمح له بمعارضة آراء الأئمة الكبار الأربعة و تلاميذهم او استنباط الأحكام مباشرة من القرآن و السنة التي هي وظيفة المجتهدين و العلماء.
ومن رموز التجديد السلفي في أواخر عهدالسلطنة العثمانية :
• محمد بن عبدالوهاب.
• محمد رشيد رضا (صاحب المنار) في مصر.
• البوفالي والشيخ الدهلوي في الهند.
• الثعالبي في تونس.
• ابن باديس في الجزائر.
• علال الفاسي في المغرب.
• الالوسي في العراق.
• محمد المهدي السودان
• محمد السنوسي ليبيا
[تحرير]
مصطلح السلف
يعرف مصطلح السلف على أنه الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل ، الذي يعمد الإسلام دوما الى التأكيد دوما على صوابية منهجها معتمدا على حديث للنبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يقول : " خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فبيّن النبي أن خير قرون الأمة القرن الذي بعث فيه رسول الله فقال: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " . ثم يعمدون إلى تعريف الصحابي على أنه كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ، ومات على ذلك ، فالصحابة: هم الذين رأوا رسول الله . والتابعون: هم الذين رأوا الصحابة ، أو واحداً من الصحابة.
فالسلف: هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الثلاثة الأول يستثنون من ذلك الفرق الاخرى التي يعتبرونها من أهل البدع كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ، والجهمية . و يأتي هنا تعريف المنهج السلفي على أنه الاعتقاد بمعتقد السلف الصالح رضي الله عنهم ، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة لأنهم هم أقرب إلي الرسول. فهم أقرب إلى صحة الإعتقاد و المنهج.
فحسب الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- إمام أهل السنة لما قيل له ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام الله ونسكت؟ قال: كان هذا يسع من كان قبلنا أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول القرآن كلام الله غير مخلوق .
حسب قول الإمام أحمد كان يسع المسلمين قبل قول المعتزلة بخلق القرآن ، كان يسعهم أن يقولوا القرآن كلام الله ويسكتون ، ولكن لما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن ، كان لابد لأهل الحق من أن يصرحوا بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فكان يكفي العبد اسم الإسلام عندما كان المسلمون جماعة واحدة ، على اعتقاد واحد ، وعلى فهم واحد للكتاب والسنة ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة ، وإنكم ستحدثون ، ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول " . وقال الإمام مـالك: لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان ، لأن البدع ظهرت في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم . كما أخبر النبي فقال: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ " فمن عاش من الصحابة ، ومن طال عمره من الصحابة رضي الله عنهم رأى مصداق ما أخبر به الرسول من ظهور البدع ، وظهور الاختلاف وظور الفرق .
فالدعوة السلفية ليست فهم الإسلام بفهم شخص من الناس ، ليست فهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، أو فهم العلامة ابن باز ، أو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، أو الشيخ محمد بن إسماعيل ، ولكن المقصود بالسلفية: المُحافظة على معتقد السلف ، وعلى فهم السلف للكتاب والسنة ، وعلى منهج السلف رضي الله عنهم . فالدعوة السلفية: هي المحافظة على ما مضى عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، ولا شك أنها الدعوة للتمسك بالسنة التي أمرنا بالتمسك بها رسول الله فقال: " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي "
و يؤكد السلفية ان السنة ليست مجرد إعفاء اللحية ، أو الثوب القصير مثلاً ، وليست بعض الأقوال والأفعال ، ولكن السنة تشمل ما مضى عليه النبي والصحابة رضي الله عنهم . فالسنة أقوال وأفعال وعقائد ، السنة أن تكون على معتقد السلف ، وتقتدي بالنبي في هديه ، وفي سمته ، وفي أقواله وفي أعماله ، والسلفية أن نتمسك بالسنة وبما أمرنا بالتمسك به رسول الله .
[تحرير]
قواعد المنهج السلفي
• أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي: تقديم النقل على العقل
• القاعدة الثانية : للمنهج السلفي: رفض التأويل الكلامي
• القاعدة الثالثة: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث
1. أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي: تقديم النقل على العقل
أهل السنة يقدمون النقل على العقل ، فإذا قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ ، وإذا قال رسول الله فلا قول لأحد . وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة ، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل ، أو كلام رسول الله ، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم ، حتى قال ابن عباس كلمة ملأت الدنيا قال: " توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر ، وقال عمر " . فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة ، فإذا قال رسول الله فلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله ، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم ، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول الله . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اتهموا الرأي في الدين ، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده " يعني قول رسول الله كان يقول: ألسنا على الحق وهم على الباطل ، علام نعطي الدَّنية في ديننا ، فيقول: له النبي الزم غزرك ، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل ، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: علام نعطي الدنية في ديننا ، ونحن على الحق وهم على الباطل ، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله .
كذلك يقول علي رضي الله عنه: ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخُفِّ أَوْلَى بالمسح من ظاهره ) ، فالدين: بالنقل ، وليس بالعقل ، الشرع يقول: يمسح ظاهر الخف البعيد عن ملامسة الأرض والأتربة ، ولو كان الدين بالعقل ، لكان يمسح باطن الخف ، ولا يمسح ظاهر الخف .
1. القاعدة الثانية للمنهج السلفي: رفض التأويل الكلامي
التأويل بالمعنى الاصطلاحي ، والذي استعمله السلف فهو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر ، يعني: مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه . لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث غير مراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله كذا ، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع ، فيفتح باب من أبواب الشر
1. القاعدة الثالثة: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، فأهل السنة هم أسعد الناس بالكتاب والسنة
قال الله عز وجل: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان ، فلا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوا به ، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه ، كما يفعل أهل البدع ، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون ، وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل ، أو رسوله .
لذلك تجدون الكتب التي تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بهذا المنهج الواضح الحق ، يستدلون دائماً بالآيات والأحاديث ، فهي جنتهم التي فيها يرتعون ، وإليها ينقلبون ، بخلاف الكتب الفكرية ، وكتب أهل البدع ، والكتب التي تقول بأشياء تخالف النصوص ، فيرجعون إلى عقولهم ، أو بعض الآراء التي يستطيعون أن يروجوا على الناس بها باطلهم .
وهكذا يتضح لنا المنهج السلفي ، وهو أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا فلم باتباع أحد من علماء السنة ، ولكننا تعبدنا باتباع رسول الله فهذه هي السلفية ، أن تكون على فهم الصحابة للكتاب والسنة ، وأن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا ، ولا تفهم الإسلام من خلال شخص غير معصوم ، فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله .
[تحرير]
الأصول العلمية للدعوة السلفية
معنى الأصول العلمية:
القضايا الكلية التي تهتم بها هذه الدعوة ، وتجعلها نُصْبَ عينيها.
أصل الأصول هو التوحيد
فما بعث الله عز وجل رسولاً إلاَّ بالتوحيد ، كما قال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (45) سورة الزخرف ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء . وهذه مقالة متكررة من كل رسول: {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (50) سورة هود ، تجدون هود ، وصالح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وكل نبي أتى قومه بهذه الكلمة {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فقضية الأنبياء واحدة ، كما أن قضية الدعاة إلى الله عز وجل واحدة . كما أن القضية التي ينبغي أن تهتم بها كل دعوة تَدَّعِي أنها على الحق ، وأنها على السنة ، وأنها الفرقة الناجية ، هي قضية التوحيد أي: تعبيد الناس لله عز وجل . فهذا رِبْعِيّ بن عامر الذي فهم عن رسول الله ورباه النبي لما دخل على رستم سأله عما جاء به فقال: " إن الله أبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضِيْقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
فوظيفة الرسل وأتباع الرسل هي: أنهم يخرجونهم من هذه العبادة الباطلة ، من عبادة غير الله ويعبّدونهم لله عز وجل ، يجعلونهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل ، يعرفونهم التوحيد ويعرفونهم بالله عز وجل ، وهي القضية التي خلق الله من أجلها الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات
القضية الثانية أو الأصل الثاني من الأصول العلمية للدعوة السلفية هو الاتباع
والاتباع يأتي بأحد معنيين: (( الاتباع الذي هو ضد الابتداع )) . كما قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " فالاتباع يأتي بمعنى اتباع هدى النبي ، واتباع سنة النبي كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر ، وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (80) سورة النساء ، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب . والأحاديث كثيرة وشهيرة فمن ذلك قوله :" فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي "( ) ، ومنه قوله: " لكل عمل شِرّةٌ ، ولكل شرة فَتْرَةٌ ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته لغير ذلك فقد ضل "( ) . فالحاصل: أن الله عز وجل تعبدنا باتباع رسوله.
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع .
كما حذرنا الله عز وجل من مخالفة هديه وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور . وقال النبي: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وشر( ) . وقال: " أما بعد ، فإن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد الأمرو محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة "( ) .
فكان هذا المنهج واضحاً جداً للصحابة رضي الله عنهم ، حتى لما طلب أبو بكر الصديق من زيد بن ثابت أن يجمع القرآن ، قال: (( كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله )) ، لما أقتنع عمر بن الخطاب وذهب عمر وأبو بكر لزيد بن ثابت يطلبان منه أن يجمع القرآن ، ويتتبع آيات القرآن فقال: (( كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله )) .
الاتباع أيضاً يأتي بمعنى الاتباع الذي هو منـزلة متوسطة بين الاجتهاد والتقليد
فالاتباع: أن تتبع العالم بدليله من الكتاب والسنة ، فهي منزلة متوسطة بين الاجتهاد التقليد . والاجتهاد: أن تحصل أدوات الاجتهاد ، تدرس القرآن ، وتعلم ما به من ناسخ ومنسوخ ، ومطلق ومُقيد ، وخاص ، وعام ، وكذلك تدرس أحاديث النبي ، أو على الأقل تعرف مواقعها في كتب السنة ، وتدرس اللغة العربية ، وتدرس الأصلين أصول الحديث ، وأصول الفقه ، ثم إذا حصّلت أدوات النظر المباشر والاجتهاد من حقك أن تجمع النصوص وأن تجتهد ، فهذه منزلة الاجتهاد ، وهي لخواص الأمة من العلماء الذين حصلوا أدوات الاجتهاد ، في مقابل هذه المنزلة هناك منزلة التقليد . والتقليد: جائز للجاهل المحض ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فإن الجاهل المحض الذي لا يقرأ ولا يكتب إذا تلوت عليه الدليل ، أو إذا ذكرت له الآية والحديث لا يفهم المقصود ، فهو إذا أراد أن يطلّق زوجته يطلب منك أن يعرف كيف يطلق ، وإذا أراد أن يحج بيت الله فيريد منك أن يعرف كيف يحج ، وإذا فهم ذلك فهذا حسبه ولا يستطيع أكثر من ذلك ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فالتقليد جائز في مواطن منها الجاهل المحض الذي لا يفهم المقصود من الآية والحديث .
كذلك المسائل التي ليست فيها نص من الكتاب أو السنة صحيح صريح يدل على المعنى بوضوح ، ولكن قد يكون هناك نص غير ظاهر الدلالة ، فتختلف أنظار العلماء وأفهام العلماء للنص ، وبعضهم يستدل به على قضية ، والآخر يستدل به على عكس القضية . فمثل هذه المسائل أيضاً تكون من مسائل الاجتهاد ، وهي التي فيها نص غير واضح الدلالة ، أو غير صريح الدلالة ، فتكون أيضاً من مسائل الاجتهاد .
فمسائل الاجتهاد: المسائل التي ليس فيها نص بالمرة ، ويكون مستند العلماء فيها أن يقيسوا مسألة غير منصوصة على منصوصة للتشابه بينهما . والقياس: كما يقولون كأكل الميتة للمضطر ، فهو لم يجد نصاً في المسألة فلجأ للقياس ، والذين يقيسون هم العلماء كما بينا . فالحاصل: أن القياس يلجأ إليه عند عدم وجود النص ، أو عند وجود نص غير واضح الدلالة أو غير صريح في القضية ، فهذه المسألة تعتبر من مسائل الاجتهاد ، فيجوز لك أن تقلد في مثل هذه المسائل الاجتهادية عالماً من علماء الأمة ، وأن تأخذ بفهمه لهذه القضية ، ولا يعترض مجتهد على مجتهد ، ولا مَنْ قلد ، يعني لا يعترض مَنْ قلد مجتهداً على من قلد مجتهداً آخر ، طالما أن المسألة ليس فيها نص صريح من الكتاب أو السنة
كلمة سلفية تعبر عن العودة إلى نهج السلف الصالح و التمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل و التمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم و الأحاديث الصحيحة و الرجوع للكتب المذهبية التي تستدل من الكتاب والسنة الصحيحةو يبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام و تعاليمه التي تسمى بالبدع.ودعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب هي امتداد لدعوة ابن تيمية و بأنه لا يعارض بنية المذاهب الفقهية التي يدافعون عنها و يتهمون السلفيين بأنهم يبنون الفقه الذي بناه فقهاء عظام مثل الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد بن حنبل و أن ليس أي فقيه معاصر لن يصل لدرجة من الفقه تسمح له بمعارضة آراء الأئمة الكبار الأربعة و تلاميذهم او استنباط الأحكام مباشرة من القرآن و السنة التي هي وظيفة المجتهدين و العلماء.
ومن رموز التجديد السلفي في أواخر عهدالسلطنة العثمانية :
• محمد بن عبدالوهاب.
• محمد رشيد رضا (صاحب المنار) في مصر.
• البوفالي والشيخ الدهلوي في الهند.
• الثعالبي في تونس.
• ابن باديس في الجزائر.
• علال الفاسي في المغرب.
• الالوسي في العراق.
• محمد المهدي السودان
• محمد السنوسي ليبيا
[تحرير]
مصطلح السلف
يعرف مصطلح السلف على أنه الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل ، الذي يعمد الإسلام دوما الى التأكيد دوما على صوابية منهجها معتمدا على حديث للنبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يقول : " خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فبيّن النبي أن خير قرون الأمة القرن الذي بعث فيه رسول الله فقال: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " . ثم يعمدون إلى تعريف الصحابي على أنه كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ، ومات على ذلك ، فالصحابة: هم الذين رأوا رسول الله . والتابعون: هم الذين رأوا الصحابة ، أو واحداً من الصحابة.
فالسلف: هم الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم من أهل القرون الثلاثة الأول يستثنون من ذلك الفرق الاخرى التي يعتبرونها من أهل البدع كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ، والجهمية . و يأتي هنا تعريف المنهج السلفي على أنه الاعتقاد بمعتقد السلف الصالح رضي الله عنهم ، وينتهجون منهج السلف في فهم الكتاب والسنة لأنهم هم أقرب إلي الرسول. فهم أقرب إلى صحة الإعتقاد و المنهج.
فحسب الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- إمام أهل السنة لما قيل له ألا يسعنا أن نقول القرآن كلام الله ونسكت؟ قال: كان هذا يسع من كان قبلنا أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول القرآن كلام الله غير مخلوق .
حسب قول الإمام أحمد كان يسع المسلمين قبل قول المعتزلة بخلق القرآن ، كان يسعهم أن يقولوا القرآن كلام الله ويسكتون ، ولكن لما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن ، كان لابد لأهل الحق من أن يصرحوا بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فكان يكفي العبد اسم الإسلام عندما كان المسلمون جماعة واحدة ، على اعتقاد واحد ، وعلى فهم واحد للكتاب والسنة ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة ، وإنكم ستحدثون ، ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول " . وقال الإمام مـالك: لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان ، لأن البدع ظهرت في آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم . كما أخبر النبي فقال: " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ " فمن عاش من الصحابة ، ومن طال عمره من الصحابة رضي الله عنهم رأى مصداق ما أخبر به الرسول من ظهور البدع ، وظهور الاختلاف وظور الفرق .
فالدعوة السلفية ليست فهم الإسلام بفهم شخص من الناس ، ليست فهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، أو فهم العلامة ابن باز ، أو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، أو الشيخ محمد بن إسماعيل ، ولكن المقصود بالسلفية: المُحافظة على معتقد السلف ، وعلى فهم السلف للكتاب والسنة ، وعلى منهج السلف رضي الله عنهم . فالدعوة السلفية: هي المحافظة على ما مضى عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، ولا شك أنها الدعوة للتمسك بالسنة التي أمرنا بالتمسك بها رسول الله فقال: " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي "
و يؤكد السلفية ان السنة ليست مجرد إعفاء اللحية ، أو الثوب القصير مثلاً ، وليست بعض الأقوال والأفعال ، ولكن السنة تشمل ما مضى عليه النبي والصحابة رضي الله عنهم . فالسنة أقوال وأفعال وعقائد ، السنة أن تكون على معتقد السلف ، وتقتدي بالنبي في هديه ، وفي سمته ، وفي أقواله وفي أعماله ، والسلفية أن نتمسك بالسنة وبما أمرنا بالتمسك به رسول الله .
[تحرير]
قواعد المنهج السلفي
• أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي: تقديم النقل على العقل
• القاعدة الثانية : للمنهج السلفي: رفض التأويل الكلامي
• القاعدة الثالثة: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث
1. أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي: تقديم النقل على العقل
أهل السنة يقدمون النقل على العقل ، فإذا قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ ، وإذا قال رسول الله فلا قول لأحد . وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة ، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل ، أو كلام رسول الله ، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم ، حتى قال ابن عباس كلمة ملأت الدنيا قال: " توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر ، وقال عمر " . فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة ، فإذا قال رسول الله فلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله ، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم ، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول الله . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " اتهموا الرأي في الدين ، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده " يعني قول رسول الله كان يقول: ألسنا على الحق وهم على الباطل ، علام نعطي الدَّنية في ديننا ، فيقول: له النبي الزم غزرك ، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل ، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: علام نعطي الدنية في ديننا ، ونحن على الحق وهم على الباطل ، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله .
كذلك يقول علي رضي الله عنه: ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخُفِّ أَوْلَى بالمسح من ظاهره ) ، فالدين: بالنقل ، وليس بالعقل ، الشرع يقول: يمسح ظاهر الخف البعيد عن ملامسة الأرض والأتربة ، ولو كان الدين بالعقل ، لكان يمسح باطن الخف ، ولا يمسح ظاهر الخف .
1. القاعدة الثانية للمنهج السلفي: رفض التأويل الكلامي
التأويل بالمعنى الاصطلاحي ، والذي استعمله السلف فهو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر ، يعني: مرجوح ، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به ، والمصير إليه . لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين ، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد ، وظاهر الحديث غير مراد ، إنما أراد الله عز وجل كذا ، وإنما أراد رسول الله كذا ، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع ، فيفتح باب من أبواب الشر
1. القاعدة الثالثة: هي كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث ، فأهل السنة هم أسعد الناس بالكتاب والسنة
قال الله عز وجل: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان ، فلا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم ، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة ، فما وافق أصولهم أخذوا به ، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه ، كما يفعل أهل البدع ، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون ، وحولها يدندنون ، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل ، أو رسوله .
لذلك تجدون الكتب التي تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بهذا المنهج الواضح الحق ، يستدلون دائماً بالآيات والأحاديث ، فهي جنتهم التي فيها يرتعون ، وإليها ينقلبون ، بخلاف الكتب الفكرية ، وكتب أهل البدع ، والكتب التي تقول بأشياء تخالف النصوص ، فيرجعون إلى عقولهم ، أو بعض الآراء التي يستطيعون أن يروجوا على الناس بها باطلهم .
وهكذا يتضح لنا المنهج السلفي ، وهو أن ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا فلم باتباع أحد من علماء السنة ، ولكننا تعبدنا باتباع رسول الله فهذه هي السلفية ، أن تكون على فهم الصحابة للكتاب والسنة ، وأن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا ، ولا تفهم الإسلام من خلال شخص غير معصوم ، فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله .
[تحرير]
الأصول العلمية للدعوة السلفية
معنى الأصول العلمية:
القضايا الكلية التي تهتم بها هذه الدعوة ، وتجعلها نُصْبَ عينيها.
أصل الأصول هو التوحيد
فما بعث الله عز وجل رسولاً إلاَّ بالتوحيد ، كما قال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (45) سورة الزخرف ، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء . وهذه مقالة متكررة من كل رسول: {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (50) سورة هود ، تجدون هود ، وصالح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وكل نبي أتى قومه بهذه الكلمة {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فقضية الأنبياء واحدة ، كما أن قضية الدعاة إلى الله عز وجل واحدة . كما أن القضية التي ينبغي أن تهتم بها كل دعوة تَدَّعِي أنها على الحق ، وأنها على السنة ، وأنها الفرقة الناجية ، هي قضية التوحيد أي: تعبيد الناس لله عز وجل . فهذا رِبْعِيّ بن عامر الذي فهم عن رسول الله ورباه النبي لما دخل على رستم سأله عما جاء به فقال: " إن الله أبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضِيْقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .
فوظيفة الرسل وأتباع الرسل هي: أنهم يخرجونهم من هذه العبادة الباطلة ، من عبادة غير الله ويعبّدونهم لله عز وجل ، يجعلونهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل ، يعرفونهم التوحيد ويعرفونهم بالله عز وجل ، وهي القضية التي خلق الله من أجلها الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات
القضية الثانية أو الأصل الثاني من الأصول العلمية للدعوة السلفية هو الاتباع
والاتباع يأتي بأحد معنيين: (( الاتباع الذي هو ضد الابتداع )) . كما قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " فالاتباع يأتي بمعنى اتباع هدى النبي ، واتباع سنة النبي كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر ، وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (80) سورة النساء ، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب . والأحاديث كثيرة وشهيرة فمن ذلك قوله :" فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي "( ) ، ومنه قوله: " لكل عمل شِرّةٌ ، ولكل شرة فَتْرَةٌ ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته لغير ذلك فقد ضل "( ) . فالحاصل: أن الله عز وجل تعبدنا باتباع رسوله.
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع .
كما حذرنا الله عز وجل من مخالفة هديه وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور . وقال النبي: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وشر( ) . وقال: " أما بعد ، فإن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد الأمرو محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة "( ) .
فكان هذا المنهج واضحاً جداً للصحابة رضي الله عنهم ، حتى لما طلب أبو بكر الصديق من زيد بن ثابت أن يجمع القرآن ، قال: (( كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله )) ، لما أقتنع عمر بن الخطاب وذهب عمر وأبو بكر لزيد بن ثابت يطلبان منه أن يجمع القرآن ، ويتتبع آيات القرآن فقال: (( كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله )) .
الاتباع أيضاً يأتي بمعنى الاتباع الذي هو منـزلة متوسطة بين الاجتهاد والتقليد
فالاتباع: أن تتبع العالم بدليله من الكتاب والسنة ، فهي منزلة متوسطة بين الاجتهاد التقليد . والاجتهاد: أن تحصل أدوات الاجتهاد ، تدرس القرآن ، وتعلم ما به من ناسخ ومنسوخ ، ومطلق ومُقيد ، وخاص ، وعام ، وكذلك تدرس أحاديث النبي ، أو على الأقل تعرف مواقعها في كتب السنة ، وتدرس اللغة العربية ، وتدرس الأصلين أصول الحديث ، وأصول الفقه ، ثم إذا حصّلت أدوات النظر المباشر والاجتهاد من حقك أن تجمع النصوص وأن تجتهد ، فهذه منزلة الاجتهاد ، وهي لخواص الأمة من العلماء الذين حصلوا أدوات الاجتهاد ، في مقابل هذه المنزلة هناك منزلة التقليد . والتقليد: جائز للجاهل المحض ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فإن الجاهل المحض الذي لا يقرأ ولا يكتب إذا تلوت عليه الدليل ، أو إذا ذكرت له الآية والحديث لا يفهم المقصود ، فهو إذا أراد أن يطلّق زوجته يطلب منك أن يعرف كيف يطلق ، وإذا أراد أن يحج بيت الله فيريد منك أن يعرف كيف يحج ، وإذا فهم ذلك فهذا حسبه ولا يستطيع أكثر من ذلك ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فالتقليد جائز في مواطن منها الجاهل المحض الذي لا يفهم المقصود من الآية والحديث .
كذلك المسائل التي ليست فيها نص من الكتاب أو السنة صحيح صريح يدل على المعنى بوضوح ، ولكن قد يكون هناك نص غير ظاهر الدلالة ، فتختلف أنظار العلماء وأفهام العلماء للنص ، وبعضهم يستدل به على قضية ، والآخر يستدل به على عكس القضية . فمثل هذه المسائل أيضاً تكون من مسائل الاجتهاد ، وهي التي فيها نص غير واضح الدلالة ، أو غير صريح الدلالة ، فتكون أيضاً من مسائل الاجتهاد .
فمسائل الاجتهاد: المسائل التي ليس فيها نص بالمرة ، ويكون مستند العلماء فيها أن يقيسوا مسألة غير منصوصة على منصوصة للتشابه بينهما . والقياس: كما يقولون كأكل الميتة للمضطر ، فهو لم يجد نصاً في المسألة فلجأ للقياس ، والذين يقيسون هم العلماء كما بينا . فالحاصل: أن القياس يلجأ إليه عند عدم وجود النص ، أو عند وجود نص غير واضح الدلالة أو غير صريح في القضية ، فهذه المسألة تعتبر من مسائل الاجتهاد ، فيجوز لك أن تقلد في مثل هذه المسائل الاجتهادية عالماً من علماء الأمة ، وأن تأخذ بفهمه لهذه القضية ، ولا يعترض مجتهد على مجتهد ، ولا مَنْ قلد ، يعني لا يعترض مَنْ قلد مجتهداً على من قلد مجتهداً آخر ، طالما أن المسألة ليس فيها نص صريح من الكتاب أو السنة
تعليق