نزل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً في أول آياته يحث على القراءة لتحصيل العلم والمعرفة بشرط الإيمان بالله، حتى لا يطغى الإنسان كما في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (*) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (*) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (*) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (*) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (*) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (*) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (*) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ [العلق:1-5]..
وبهذا يشترط القرآن الكريم إسلامية العلم والمعرفة لصالح البشرية، لأن العلم بلا دين يؤدي إلى الإلحاد والغطرسة، كما في الحضارة الحديثة المعاصرة، وإلى الهلاك كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد يؤدي إلى الرخاء المادي مع الفراغ الروحي، والخوف من المخزون الضخم لأسلحة الدمار الشامل، وهذه الحضارة المزيفة اتخذت من العلم المادي إلهاً، ومن التكنولوجيا سلطاناً للسيطرة والتحكم واستعمار الآخرين والمساهمة في تخلفهم...
لهذا ينادي الإسلام بربط القرآن بالكون، أي: ربط الوحي بالوجود، والدين بالعلم، والغيب بالشهادة، كأساس لإسلامية العلم والمعرفة، ولا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، فلقد وردت كلمة (العلم) أكثر من ثمان مئة مرة بالقرآن الكريم، علاوة على مئات المرات لكلمات (العقل) و(الفكر) و(المعرفة) وبهذا فعلمية القرآن ساطعة سطوع الشمس، وعندما تمسك المسلمون بدينهم قدموا للبشرية إسهاماً علمياً ملحوظاً في الطبيعة والرياضيات والفلك في العصور الوسطى باعتراف المنصفين من علماء الغرب، مثل برينولت الذي يقول في كتابه (بناء الإنسانية making of humanity): «لا توجد ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي في مطلع عصر النهضة إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى المنهج العلمي التجريبي الذي نقله روجر بيكون من العرب أثناء وجودهم في إسبانيا (800 ـ 1200م)». ولكن الغرب يتجاهل هذه الحقيقة بل ويتهم دين الإسلام بأنه سبب التخلف الحالي للمسلمين، ناسياً أن هذا التخلف ناتج من خضوع المسلمين لاستعمار التتار والمغول والصليبيين قديماً، واستعمار الغرب والصهيونية حديثاً، وسيطرة هذا النفوذ الأجنبي على عقول المسلمين، فأصبحوا للأسف تابعين لغيرهم، وأهملوا دينهم، وقلدوا الغرب وانبهروا بحضارته الحديثة دون أن يشاركوا في صنعها أو توجيهها، ونسوا قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾[سورة المائدة: 49]. وكان الواجب على المسلمين أن يتسلحوا بثقافتهم الإسلامية لإحيائها وتأصيلها وتجديدها وتعميمها لإعطاء منهج جديد لإسلامية العلم والمعرفة في مواجهة الإلحاد المادي المعاصر، والنظام العالمي الجائر، وخاصة بعد أن سقط القناع ذو الوجهين عن هذا النظام وعن كل شعاراته، واتضح الزيف في تطبيقه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلاوة على اعتراف بعض علماء القرن العشرين البارزين أمثال: أينشتين، وكريسي، وموريسون، وغيرهم بوجود الله وقدرته، وظهرت كتب كثيرة حول الدين والعلم في الغرب، ولهذا فقد حان الوقت لإظهار الوجه الحضاري للإسلام والمسلمين. ولقد واجه أجدادنا المسلمون في بدء ظهور الإسلام حضارتي الروم والفرس دون انصهارهم في إحداهما مدافعين عن ذاتيتهم، فالإسلام له أيدلوجية خاصة أساسها القرآن والسنة، وشعارها العلم والإيمان، كما سنوضح فيما يلي:
1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام، ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[سورة الأعراف:52]. وقوله ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[سورة آل عمران:18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة». والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ».
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾[سورة الزمر:9].
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية. والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾[سورة القصص:78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
1ـ العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[سورة البقرة:111].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقل معاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[سورة الإسراء:36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[سورة يونس:101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
﴿إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (*) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (*) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (*) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾[سورة الغاشية:17ـ20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾[سورة المائدة:104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[سورة البقرة:164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [سورة طه: 114]. ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾[سورة الكهف:109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[سورة الإسراء:85].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[سورة العلق:5].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
(أ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (*) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[سورة آل عمران:190ـ191].
(ب) الإنسانية: أي: المعرفة لصالح الإنسان وخيره وسعادته في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[سورة الجاثية:13].
(ج) الشمول والإحاطة: القرآن الكريم موسوعة تشمل جميع أساسيات المعارف في عالمي الغيب والشهادة تاركاً التفاصيل لاجتهاد البشر، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾[سورة الأنعام:38].
(د) الوسطية والتوازن: وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم﴾[سورة الفاتحة:6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.
وبهذا يشترط القرآن الكريم إسلامية العلم والمعرفة لصالح البشرية، لأن العلم بلا دين يؤدي إلى الإلحاد والغطرسة، كما في الحضارة الحديثة المعاصرة، وإلى الهلاك كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد يؤدي إلى الرخاء المادي مع الفراغ الروحي، والخوف من المخزون الضخم لأسلحة الدمار الشامل، وهذه الحضارة المزيفة اتخذت من العلم المادي إلهاً، ومن التكنولوجيا سلطاناً للسيطرة والتحكم واستعمار الآخرين والمساهمة في تخلفهم...
لهذا ينادي الإسلام بربط القرآن بالكون، أي: ربط الوحي بالوجود، والدين بالعلم، والغيب بالشهادة، كأساس لإسلامية العلم والمعرفة، ولا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، فلقد وردت كلمة (العلم) أكثر من ثمان مئة مرة بالقرآن الكريم، علاوة على مئات المرات لكلمات (العقل) و(الفكر) و(المعرفة) وبهذا فعلمية القرآن ساطعة سطوع الشمس، وعندما تمسك المسلمون بدينهم قدموا للبشرية إسهاماً علمياً ملحوظاً في الطبيعة والرياضيات والفلك في العصور الوسطى باعتراف المنصفين من علماء الغرب، مثل برينولت الذي يقول في كتابه (بناء الإنسانية making of humanity): «لا توجد ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي في مطلع عصر النهضة إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى المنهج العلمي التجريبي الذي نقله روجر بيكون من العرب أثناء وجودهم في إسبانيا (800 ـ 1200م)». ولكن الغرب يتجاهل هذه الحقيقة بل ويتهم دين الإسلام بأنه سبب التخلف الحالي للمسلمين، ناسياً أن هذا التخلف ناتج من خضوع المسلمين لاستعمار التتار والمغول والصليبيين قديماً، واستعمار الغرب والصهيونية حديثاً، وسيطرة هذا النفوذ الأجنبي على عقول المسلمين، فأصبحوا للأسف تابعين لغيرهم، وأهملوا دينهم، وقلدوا الغرب وانبهروا بحضارته الحديثة دون أن يشاركوا في صنعها أو توجيهها، ونسوا قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾[سورة المائدة: 49]. وكان الواجب على المسلمين أن يتسلحوا بثقافتهم الإسلامية لإحيائها وتأصيلها وتجديدها وتعميمها لإعطاء منهج جديد لإسلامية العلم والمعرفة في مواجهة الإلحاد المادي المعاصر، والنظام العالمي الجائر، وخاصة بعد أن سقط القناع ذو الوجهين عن هذا النظام وعن كل شعاراته، واتضح الزيف في تطبيقه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلاوة على اعتراف بعض علماء القرن العشرين البارزين أمثال: أينشتين، وكريسي، وموريسون، وغيرهم بوجود الله وقدرته، وظهرت كتب كثيرة حول الدين والعلم في الغرب، ولهذا فقد حان الوقت لإظهار الوجه الحضاري للإسلام والمسلمين. ولقد واجه أجدادنا المسلمون في بدء ظهور الإسلام حضارتي الروم والفرس دون انصهارهم في إحداهما مدافعين عن ذاتيتهم، فالإسلام له أيدلوجية خاصة أساسها القرآن والسنة، وشعارها العلم والإيمان، كما سنوضح فيما يلي:
1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام، ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[سورة الأعراف:52]. وقوله ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[سورة آل عمران:18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة». والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ».
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾[سورة الزمر:9].
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية. والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾[سورة القصص:78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
1ـ العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[سورة البقرة:111].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقل معاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[سورة الإسراء:36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[سورة يونس:101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
﴿إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (*) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (*) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (*) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾[سورة الغاشية:17ـ20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾[سورة المائدة:104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[سورة البقرة:164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [سورة طه: 114]. ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾[سورة الكهف:109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[سورة الإسراء:85].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[سورة العلق:5].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
(أ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (*) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[سورة آل عمران:190ـ191].
(ب) الإنسانية: أي: المعرفة لصالح الإنسان وخيره وسعادته في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[سورة الجاثية:13].
(ج) الشمول والإحاطة: القرآن الكريم موسوعة تشمل جميع أساسيات المعارف في عالمي الغيب والشهادة تاركاً التفاصيل لاجتهاد البشر، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾[سورة الأنعام:38].
(د) الوسطية والتوازن: وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم﴾[سورة الفاتحة:6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.
تعليق