تكررت الإساءة إلى مقدسات المسلمين في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر, نالت من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم, ومن كتاب الله عز وجل وغير ذلك من المقدسات.. كما تنوعت مصادرها وتعددت اتجاهاتها, وكان آخرها إقدام شركة إيطالية على تسويق أغطية مراحيض تحمل آيات كريمات من سورة البقرة؛ وهو ما ينم عن منهجية غربية ثابتة في مواجهة معتقدات الأمة وثوابتها.
ونحاول في هذا المقال عرض المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية, ثم أهداف هذه الحملة ومنطلقاتها.
المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية
الغرب في إساءته تلك القبيحة للأمة انطلق من منهجية واضحة وراسخة في ذهنه, ولم تكن خبط عشواء أو ارتجالية كما يزعم البعض, أو فقط كرد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر, التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية, بل نرى تناغمًا من ورائه قوى تحركه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية.
وهذه بعض خيوط ذلك المنهج الآثم من واقع ما مر بنا من تجارب مريرة انتهكت فيه أعظم مقدسات الإسلام:
1ـ شمول الإساءة لكل ما هو مقدس في الإسلام
الإساءة الغربية للمقدسات الإسلامية لم تقتصر على شئ واحد, بل تعددت أوجه الإساءة فبعضها تعرض للإسلام ذاته, وانتهاكات أخرى وجِهت لكتاب الله عز وجل, وثالثة عرّضت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم, ورابعة وجهت إلى بعض شعائر الدين كالحجاب والصيام.
ـ فقد انتهكت حرمة كتاب الله ووضع في القاذورات والمرحاض في سجون جوانتانامو نكاية في المعتقلين هناك, وشيء من ذلك أيضًا شهدته سجون الاحتلال الصهيوني, وفي رسالة نشرتها صحيفة "فولكسكرانت" بعنوان "كفى.. امنعوا القرآن"، وصف النائب الهولندي جيرت فيلدرز، رئيس حزب الحرية المصحف بأنه كتاب فاشي وطالب بمنعه من البلاد.
ـ وتعرّض النبي صلى الله عليه وسلم للسخرية من خلال الرسوم المسيئة في صحف الدانمارك والنرويج والسويد, هذا فضلاً عن المقالات التي عرضت له ولحياته بطريقة مهينة تنم عن حقد دفين.
ـ واقترن الإسلام بـ"الإرهاب" بعد الهجمة التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وظهرت الدعوات اليمينية التي تدعو إلى طرد المسلمين من أوروبا, متزامنة مع تصريح بابا الفاتيكان بأن الإسلام انتشر بالإكراه وحد السيف.
ـ ويواجه النقاب والحجاب حربًا مستعرة في عدد من الدول الأوروبية, حيث أبدى مفوض العدل بالاتحاد الأوروبي "فرانكو فاتيني" معارضته للحجاب؛ زاعمًا أن ارتداء المرأة المسلمة له داخل المجتمعات الغربية يزيد عملية الاندماج صعوبة, وأنه يتعارض مع القيم والنظم الأوروبية الحضارية.
كما أصدرت فرنسا قانونًا يحظر ارتداء الحجاب في المدارس, وتحظر بعض الولايات الألمانية على المعلمات في المدارس الحكومية ارتداء الحجاب, وكذلك حظرت إيطاليا جميع أغطية الوجه بأن أعادت العمل بقوانين قديمة كانت قد صدرت لمواجهة ما يسمى "الإرهاب" المحلي.
2ـ الهجوم من قِبل كافة التيارات والشخصيات
لم يعد التهجم على الإسلام والنيل من مقدساته حكرًا على فئة بعينها, غالية في تصوراتها يمينية في أفكارها ومعتقداتها, بل شمل كافة القطاعات الغربية بما فيها من رجال السياسة والصحافيين والممثلين ورسامي الكاريكاتير, وشرائح عدة من المجتمع الغربي.
ـ فرئيس حزب التقدم المسيحي النرويجي "كارلي هاغين"، المعادي للعرب والمسلمين، تهجّم علانية على رسول الإسلام الذي في نظره يجبر الأطفال على قتل الآخرين لأسلمه العالم.
ـ والكاهن والواعظ السويدي "رينار سوغارد" وصف في جريدة "افتون بلادت" رسول الإسلام بأنه مرتبك للغاية ومزواج ويحب النساء، وخصوصًا الصغيرات منهن؛ حيث تزوّج بفتاة لم يتعدَّ عمرها تسع سنوات.
ـ وصحيفة "مغازينات" النرويجية أعادت نشر 12 رسمًا ساخرًا للرسول؛ بدعوى حرية التعبير، وذلك بعد أن نشرتها "يلاندز بوسطن".
فالغرب يحرص على تنوّع مصدر الإساءة, فمرة تأتي من الفاتيكان, وأخرى من السويد, وثالثة من الدانمارك.. وهكذا تأتي السهام من أكثر من جانب ومن أكثر من دولة وجهة؛ بهدف تفريق الجهود الإسلامية ومنع تجمعها على مصدر واحد وتشتيت قوتها, وحتى لا تحمل عاصمة واحدة أو جهة ما عبء المواجهة وحدها.
3ـ العناية الغربية ببعض الأقلام المهاجرة واستغلالها
استغل الغرب بعض الأقلام المغمورة اللاهثة وراء الثروة والشهرة وأعطاها ما تريد؛ في سبيل أن تغمس أقلامها في تلك المؤامرة، وتسلط سهام نقدها المسموم على الإسلام والمسلمين, ووجدت بالفعل بغيتها في فئة ضالة لم يكن أولها المفتون "سلمان رشدي"، صاحب كتاب "آيات شيطانية, ولن تكون الكاتبة البنجالية المولد المرتدة عن الإسلام "تسليمة نسرين" آخر هؤلاء الموتورين الباحثين عن السراب.
وإلى جانب هؤلاء يعني الغرب ويبرز أولئك الذين فُتنوا عن دينهم بالردة, بل ويسعى جاهدًا ليفتح أمامهم المجال للطعن في الإسلام وتكوين الجمعيات والمنتديات المختصة بهذا الشأن, ومن هؤلاء رئيس "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا" إحسان جامعي، الذي ارتد عن الإسلام بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية, وأسس مع زميلته ليلي برادة، وهي ناشطة في الحزب الليبرالي "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا"، بدعم من اثنين من نقّاد الإسلام المعروفين بهولندا، وهما رجل القانون أفشين إليان والفيلسوف بول كليتور.
4ـ الاستمرارية في الإساءة
فالغرب يصر على الإساءة, ويمضي فيها قدمًا, حتى لا تكاد تمر الأيام القلائل إلا وتحمل الرياح الغربية إساءة جديدة من جهة مغايرة, ومع كل مرة يرفض الاعتذار عما بدر منه ويبررها بحرية التعبير المكفولة هناك، والتي لا يعرف نظيرًا لها في بلاد العرب والمسلمين.
الأهداف الغربية من تعمد الإساءة للمقدسات الإسلامية
الغرب يهدف من وراء هذه المنهجية المنظمة في النيل من مقدسات المسلمين وعقائدهم عدة أهداف منها الآتي:
1ـ جس نبض الشارع العربي والإسلامي
فالغرب يسعى لمعرفة حرارة التديّن في الشارع المسلم, والمصادر التي تقود إلى توهج هذه الحرارة, والعوامل التي تؤثر فيها, على نحو ما تفعل "إسرائيل" بالنسبة للمسجد الأقصى؛ حيث تختبر نوايا المسلمين تجاه مخططاتها الرامية إلى تقويض المسجد المبارك؛ وبناء على ردود الأفعال تحدد إحداثيات أفعالها المقبلة.
2ـ جعل الإساءة إلى مقدسات المسلمين أمر طبيعي
فالغرب يعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية المندفعة عقب كل حادثة, ثم يعاود الإساءة مرة أخرى؛ حتى يتكون شعور داخلي لدى المسلمين بكون هذا الأمر طبيعي ومتقبل؛ وهو ما قد يكون له التأثير في منزلة هذه المعتقدات والمقدسات لدى المسلمين على مرور الأجيال, فيتم "تذويب" معالم الدين رويدًا حتى تظهر أجيال ممسوخة خجولة من هويتها وانتمائها الديني, وتجري لاهثة وراء الغرب وقيمه الخاوية التي يستعلي بها.
3ـ تكوين رأي عام غربي مناهض للإسلام
يسعى الغرب جاهدًا لتكوين رأي عام معادي للإسلام والمسلمين؛ من خلال المس المباشر بمقدسات الدين وإظهار الإسلام على أنه نموذج للرجعية والتخلف, وأن دعاته همجيون لا يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد.
والرأي عندي أن دافع الغرب في ذلك هو إجهاض أي توجّه يقود الشعوب هناك لرؤية الإسلام بوجهه الحقيقي كما أنزله الله, والخوف من "أسلمة القارة الأوروبية", وهو الأمر الذي لم يعد خافيًا على أحد؛ حتى نطقت به أفواه الغرب أكثر من مرة, منهم رئيس الحزب المسيحي الاشتراكي والحليف الرئيس في الائتلاف الحاكم الألماني 'إدموند شتويبر', وصرح به كذلك "جيورج جاينزفاين" السكرتير الخاص للبابا بنديكيت السادس؛ محذرًا من ذوبان هوية القارة المسيحية.
فالغرب يسعى جديًا لفرز عالم اليوم بين "شرق إسلامي إرهابي مدمّر" و"غرب مسيحي ديمقراطي متحضر", وتأجيج الصراعات مع الإسلام بالنيل منه؛ ووضعه في موضع العدو هو سبيلهم إلى ذلك.
4ـ الخشية من ركائز النهضة الإسلامية
الغرب يدرك جيدًا أن نهضة هذه الأمة لن تكون إلا بالتمسك بمرجعيتها الدينية وثوابتها وهويتها الإسلامية, ومن ثَم فهو يخشى من يقظة العملاق مرة أخرى, وهو ما قد يقوّض أحلامه في سيادة الكون, خاصة مع التآكل الحادث في حضارته المادية التي أشقت الإنسانية التي باتت متطلعة للمنقذ من هذا الضلال والشقاء المزخرف بمادية طاغية استعبدت الإنسان الغربي وأنهكت قواه الروحية.
إدراك الغرب لتلك الحقيقة راح يقابلها بمحاولة القضاء على مرتكزات النهضة الإسلامية، المتمثلة في ثوابت الأمة ومقدساتها؛ خشية القادم الذي يزيله من كرسي الريادة، ويضعه حيث مكانه الصحيح في قاع الحضارة الإنسانية.
5ـ وضع الإسلام في صورة متدنية عن بقية المعتقدات
لا شك أن هذه الإساءة للمعتقدات الإسلامية يقابلها تشدّد مفرط في أية إشارة أو عبارة تشكك فيما ترى "إسرائيل" أنها من مقتضيات وجودها أو تاريخها، ومن ذلك الحديث عن "الهولوكست" الذي كان السجن والملاحقة القضائية جزاء من تعرّض له بالإنكار أو حتى مجرد التشكيك مهما علت منزلته وطالت قامته الأكاديمية والعلمية, وشيء من ذلك أيضًا لمن تعرّض للمسيحية أو المسيح عليه السلام.
من هنا ندرك رغبة الغرب في إخراج الإسلام من بين المقدسات, وجعله في منزلة متدنية عن بقية الأديان؛ في محاولة لتهميش أتباعه وجعلهم خارج السياق التاريخي والحضاري, كغيرهم من
أصحاب المعتقدات المنكفئة على نفسها البعيدة عن مجرى التأثير الحضاري.
بقي القول بأن مواجهة تلك الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دأب وصبر طويل, وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها روح الجهاد والدفع عن الدين الخاتم، الذي فيه خلاص البشرية من أسقامها وأمراضها, واضعة نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المأرب والمراد، والإخلاص الذي يترفّع عن أجندات خاصة وأهداف جانبية تضيع في ثناياها القضية المحورية.
ونحاول في هذا المقال عرض المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية, ثم أهداف هذه الحملة ومنطلقاتها.
المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية
الغرب في إساءته تلك القبيحة للأمة انطلق من منهجية واضحة وراسخة في ذهنه, ولم تكن خبط عشواء أو ارتجالية كما يزعم البعض, أو فقط كرد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر, التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية, بل نرى تناغمًا من ورائه قوى تحركه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية.
وهذه بعض خيوط ذلك المنهج الآثم من واقع ما مر بنا من تجارب مريرة انتهكت فيه أعظم مقدسات الإسلام:
1ـ شمول الإساءة لكل ما هو مقدس في الإسلام
الإساءة الغربية للمقدسات الإسلامية لم تقتصر على شئ واحد, بل تعددت أوجه الإساءة فبعضها تعرض للإسلام ذاته, وانتهاكات أخرى وجِهت لكتاب الله عز وجل, وثالثة عرّضت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم, ورابعة وجهت إلى بعض شعائر الدين كالحجاب والصيام.
ـ فقد انتهكت حرمة كتاب الله ووضع في القاذورات والمرحاض في سجون جوانتانامو نكاية في المعتقلين هناك, وشيء من ذلك أيضًا شهدته سجون الاحتلال الصهيوني, وفي رسالة نشرتها صحيفة "فولكسكرانت" بعنوان "كفى.. امنعوا القرآن"، وصف النائب الهولندي جيرت فيلدرز، رئيس حزب الحرية المصحف بأنه كتاب فاشي وطالب بمنعه من البلاد.
ـ وتعرّض النبي صلى الله عليه وسلم للسخرية من خلال الرسوم المسيئة في صحف الدانمارك والنرويج والسويد, هذا فضلاً عن المقالات التي عرضت له ولحياته بطريقة مهينة تنم عن حقد دفين.
ـ واقترن الإسلام بـ"الإرهاب" بعد الهجمة التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وظهرت الدعوات اليمينية التي تدعو إلى طرد المسلمين من أوروبا, متزامنة مع تصريح بابا الفاتيكان بأن الإسلام انتشر بالإكراه وحد السيف.
ـ ويواجه النقاب والحجاب حربًا مستعرة في عدد من الدول الأوروبية, حيث أبدى مفوض العدل بالاتحاد الأوروبي "فرانكو فاتيني" معارضته للحجاب؛ زاعمًا أن ارتداء المرأة المسلمة له داخل المجتمعات الغربية يزيد عملية الاندماج صعوبة, وأنه يتعارض مع القيم والنظم الأوروبية الحضارية.
كما أصدرت فرنسا قانونًا يحظر ارتداء الحجاب في المدارس, وتحظر بعض الولايات الألمانية على المعلمات في المدارس الحكومية ارتداء الحجاب, وكذلك حظرت إيطاليا جميع أغطية الوجه بأن أعادت العمل بقوانين قديمة كانت قد صدرت لمواجهة ما يسمى "الإرهاب" المحلي.
2ـ الهجوم من قِبل كافة التيارات والشخصيات
لم يعد التهجم على الإسلام والنيل من مقدساته حكرًا على فئة بعينها, غالية في تصوراتها يمينية في أفكارها ومعتقداتها, بل شمل كافة القطاعات الغربية بما فيها من رجال السياسة والصحافيين والممثلين ورسامي الكاريكاتير, وشرائح عدة من المجتمع الغربي.
ـ فرئيس حزب التقدم المسيحي النرويجي "كارلي هاغين"، المعادي للعرب والمسلمين، تهجّم علانية على رسول الإسلام الذي في نظره يجبر الأطفال على قتل الآخرين لأسلمه العالم.
ـ والكاهن والواعظ السويدي "رينار سوغارد" وصف في جريدة "افتون بلادت" رسول الإسلام بأنه مرتبك للغاية ومزواج ويحب النساء، وخصوصًا الصغيرات منهن؛ حيث تزوّج بفتاة لم يتعدَّ عمرها تسع سنوات.
ـ وصحيفة "مغازينات" النرويجية أعادت نشر 12 رسمًا ساخرًا للرسول؛ بدعوى حرية التعبير، وذلك بعد أن نشرتها "يلاندز بوسطن".
فالغرب يحرص على تنوّع مصدر الإساءة, فمرة تأتي من الفاتيكان, وأخرى من السويد, وثالثة من الدانمارك.. وهكذا تأتي السهام من أكثر من جانب ومن أكثر من دولة وجهة؛ بهدف تفريق الجهود الإسلامية ومنع تجمعها على مصدر واحد وتشتيت قوتها, وحتى لا تحمل عاصمة واحدة أو جهة ما عبء المواجهة وحدها.
3ـ العناية الغربية ببعض الأقلام المهاجرة واستغلالها
استغل الغرب بعض الأقلام المغمورة اللاهثة وراء الثروة والشهرة وأعطاها ما تريد؛ في سبيل أن تغمس أقلامها في تلك المؤامرة، وتسلط سهام نقدها المسموم على الإسلام والمسلمين, ووجدت بالفعل بغيتها في فئة ضالة لم يكن أولها المفتون "سلمان رشدي"، صاحب كتاب "آيات شيطانية, ولن تكون الكاتبة البنجالية المولد المرتدة عن الإسلام "تسليمة نسرين" آخر هؤلاء الموتورين الباحثين عن السراب.
وإلى جانب هؤلاء يعني الغرب ويبرز أولئك الذين فُتنوا عن دينهم بالردة, بل ويسعى جاهدًا ليفتح أمامهم المجال للطعن في الإسلام وتكوين الجمعيات والمنتديات المختصة بهذا الشأن, ومن هؤلاء رئيس "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا" إحسان جامعي، الذي ارتد عن الإسلام بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية, وأسس مع زميلته ليلي برادة، وهي ناشطة في الحزب الليبرالي "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا"، بدعم من اثنين من نقّاد الإسلام المعروفين بهولندا، وهما رجل القانون أفشين إليان والفيلسوف بول كليتور.
4ـ الاستمرارية في الإساءة
فالغرب يصر على الإساءة, ويمضي فيها قدمًا, حتى لا تكاد تمر الأيام القلائل إلا وتحمل الرياح الغربية إساءة جديدة من جهة مغايرة, ومع كل مرة يرفض الاعتذار عما بدر منه ويبررها بحرية التعبير المكفولة هناك، والتي لا يعرف نظيرًا لها في بلاد العرب والمسلمين.
الأهداف الغربية من تعمد الإساءة للمقدسات الإسلامية
الغرب يهدف من وراء هذه المنهجية المنظمة في النيل من مقدسات المسلمين وعقائدهم عدة أهداف منها الآتي:
1ـ جس نبض الشارع العربي والإسلامي
فالغرب يسعى لمعرفة حرارة التديّن في الشارع المسلم, والمصادر التي تقود إلى توهج هذه الحرارة, والعوامل التي تؤثر فيها, على نحو ما تفعل "إسرائيل" بالنسبة للمسجد الأقصى؛ حيث تختبر نوايا المسلمين تجاه مخططاتها الرامية إلى تقويض المسجد المبارك؛ وبناء على ردود الأفعال تحدد إحداثيات أفعالها المقبلة.
2ـ جعل الإساءة إلى مقدسات المسلمين أمر طبيعي
فالغرب يعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية المندفعة عقب كل حادثة, ثم يعاود الإساءة مرة أخرى؛ حتى يتكون شعور داخلي لدى المسلمين بكون هذا الأمر طبيعي ومتقبل؛ وهو ما قد يكون له التأثير في منزلة هذه المعتقدات والمقدسات لدى المسلمين على مرور الأجيال, فيتم "تذويب" معالم الدين رويدًا حتى تظهر أجيال ممسوخة خجولة من هويتها وانتمائها الديني, وتجري لاهثة وراء الغرب وقيمه الخاوية التي يستعلي بها.
3ـ تكوين رأي عام غربي مناهض للإسلام
يسعى الغرب جاهدًا لتكوين رأي عام معادي للإسلام والمسلمين؛ من خلال المس المباشر بمقدسات الدين وإظهار الإسلام على أنه نموذج للرجعية والتخلف, وأن دعاته همجيون لا يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد.
والرأي عندي أن دافع الغرب في ذلك هو إجهاض أي توجّه يقود الشعوب هناك لرؤية الإسلام بوجهه الحقيقي كما أنزله الله, والخوف من "أسلمة القارة الأوروبية", وهو الأمر الذي لم يعد خافيًا على أحد؛ حتى نطقت به أفواه الغرب أكثر من مرة, منهم رئيس الحزب المسيحي الاشتراكي والحليف الرئيس في الائتلاف الحاكم الألماني 'إدموند شتويبر', وصرح به كذلك "جيورج جاينزفاين" السكرتير الخاص للبابا بنديكيت السادس؛ محذرًا من ذوبان هوية القارة المسيحية.
فالغرب يسعى جديًا لفرز عالم اليوم بين "شرق إسلامي إرهابي مدمّر" و"غرب مسيحي ديمقراطي متحضر", وتأجيج الصراعات مع الإسلام بالنيل منه؛ ووضعه في موضع العدو هو سبيلهم إلى ذلك.
4ـ الخشية من ركائز النهضة الإسلامية
الغرب يدرك جيدًا أن نهضة هذه الأمة لن تكون إلا بالتمسك بمرجعيتها الدينية وثوابتها وهويتها الإسلامية, ومن ثَم فهو يخشى من يقظة العملاق مرة أخرى, وهو ما قد يقوّض أحلامه في سيادة الكون, خاصة مع التآكل الحادث في حضارته المادية التي أشقت الإنسانية التي باتت متطلعة للمنقذ من هذا الضلال والشقاء المزخرف بمادية طاغية استعبدت الإنسان الغربي وأنهكت قواه الروحية.
إدراك الغرب لتلك الحقيقة راح يقابلها بمحاولة القضاء على مرتكزات النهضة الإسلامية، المتمثلة في ثوابت الأمة ومقدساتها؛ خشية القادم الذي يزيله من كرسي الريادة، ويضعه حيث مكانه الصحيح في قاع الحضارة الإنسانية.
5ـ وضع الإسلام في صورة متدنية عن بقية المعتقدات
لا شك أن هذه الإساءة للمعتقدات الإسلامية يقابلها تشدّد مفرط في أية إشارة أو عبارة تشكك فيما ترى "إسرائيل" أنها من مقتضيات وجودها أو تاريخها، ومن ذلك الحديث عن "الهولوكست" الذي كان السجن والملاحقة القضائية جزاء من تعرّض له بالإنكار أو حتى مجرد التشكيك مهما علت منزلته وطالت قامته الأكاديمية والعلمية, وشيء من ذلك أيضًا لمن تعرّض للمسيحية أو المسيح عليه السلام.
من هنا ندرك رغبة الغرب في إخراج الإسلام من بين المقدسات, وجعله في منزلة متدنية عن بقية الأديان؛ في محاولة لتهميش أتباعه وجعلهم خارج السياق التاريخي والحضاري, كغيرهم من
أصحاب المعتقدات المنكفئة على نفسها البعيدة عن مجرى التأثير الحضاري.
بقي القول بأن مواجهة تلك الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دأب وصبر طويل, وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها روح الجهاد والدفع عن الدين الخاتم، الذي فيه خلاص البشرية من أسقامها وأمراضها, واضعة نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المأرب والمراد، والإخلاص الذي يترفّع عن أجندات خاصة وأهداف جانبية تضيع في ثناياها القضية المحورية.
تعليق