الخلافة الأموية
بتنازل الحسن بن علي عن الخلافة إلى معاوية ابن أبي سفيان, انتقلت الخلافة إلى بني أمية وتحقق الأمل الذي كانوا يرقبونه ويعملون من أجله. وقد انطوى العهد الأموي على فترتين:
أ - الفترة السفيانية : وهي الفترة التي تولى الخلافة فيها معاوية ابن أبي سفيان وابنه يزيد بن معاوية وحفيده معاوية بن يزيد وقد امتدت 23 سنة (41 - 64هـ).
ب- الفترة المروانية : وهي الفترة التي انتقلت فيها الخلافة إلى مروان بن الحكم حتى عهد حفيده مروان بن محمد بن الحكم, آخر خلفاء بني أمية, ومدتها 68 سنة (64 - 132هـ).
وفي خلال الفترتين ومدتهما 91 سنة وتسعة أشهر توالى أربعة عشر خليفة كان أعظمهم شأنا معاوية ابن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وأخوه هشام بن عبد الملك وكانت مدة خلافتهم (71 سنة) من أصل (91 سنة) فالدولة الأموية كانت دولتهم, وفي عهدهم امتدت رقعتها من البحر الأطلسي إلى حدود الصين, ثم أخذت شمس الخلافة بالغروب, بما شبت فيها من ثورات أضرمها الصراع على الخلافة وانتقاض على الحكم وثورات الخوارج وحروب أهلية أثارتها العصبية القبلية بين المضرية واليمنية. وقد ترتب على انتقال الخلافة إلى بني أمية النتائج التالية.
في المجال السياسي
أ- نقل العاصمة من الكوفة إلى دمشق وكان علي ابن أبي طالب نقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة وقد أغضب نقل العاصمة إلى دمشق أهل الحجاز وأهل العراق.
ب- تحول الخلافة إلى ملك موروث
ج- انتقال سلطة الحكم إلى أقوى الجماعات القرشية المنافسة لبني هاشم
د- نشوء عهد من الاستقرار السياسي في الدولة الإسلامية استمر حوالي ربع قرن, أتاح لها هضم الفتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين وتنظيمها في إطار الحكم الإسلامي.
هـ- أصبح نظام الخلافة أشبه شيء بالنظام الملكي أو القيصري, ومن ثم زادت الصفة الزمنية في الخلافة على الصفة الدينية. وأخذت الدولة بالنظام الإداري والمالي الذي كان متبعا في الدولتين الفارسية والبيزنطية.
في المجال الاقتصادي
تحولت طرق التجارة إلى مواني الشام ومصر, وخاصة بعد معركة (ذات الصواري) سنة 34هـ وتدمير الأسطول البيزنطي وجعل شرق البحر المتوسط بحرا عربيا.
في مجال أصول الحكم
أظهرت الأحداث السياسية التي رافقت مسألة الخلافة اتجاهات فكرية قامت على أساسها نظريات ذات طابع سياسي ما لبثت أن تحولت إلى مذاهب دينية, وقد عالجت أصول الحكم على أساس تفكيرها ومنها استمدت المبادئ التي ينبغي أن تحكم هذه الأصول.
وتتمثل هذه الاتجاهات في أربعة مذاهب هي: الشيعة والخوارج والمرجئة وأهل السنة.
1- الشيعة:
أ- الشيعة الإمامية
يقوم مذهب الشيعة الإمامية في أصول الحكم على الاعتقاد بأن عليا ابن أبي طالب أحق الصحابة بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم
والإمامة عند الشيعة الاثني عشرية تتسلسل بعد علي ابن أبي طالب في ابنيه الحسن ثم الحسين, ثم تنتقل إلى علي (زين العابدين) ابن الحسين, ثم إلى ابنه محمد (الباقر), ثم إلى ابنه جعفر (الصادق), ثم إلى ابنه موسى (الكاظم), ثم إلى ابنه علي (الرضا), ثم إلى ابنه محمد (الجواد), ثم إلى ابنه علي (الهادي), ثم إلى ابنه الحسن (العسكري), ثم إلى ابنه محمد المنتظر (المهدي) الذي اختفى في كهف بسامراء سنة 256هـ وهو عندهم في حالة غيبة ينتظرون عودته ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا . .
ب- الشيعة الزيدية
هم أتباع زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب, ويذهبون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين عليا بالنص الصريح, كما يعتقد الشيعة الإمامية, وإنما عينه بالأوصاف, غير أن الأوصاف التي عرفت عن علي تجعله المقصود بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم, لأنها لن تتحقق في أحد كما تحققت في علي, ويشترط الزيدية في الإمام أن يكون هاشميا, ورعا, تقيا, سخيا, ومن بعد علي يشترط أن يكون فاطميا, أي من نسل فاطمة بنت رسول الله, سواء أكان من نسل الحسن أم من نسل الحسين, ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم.
غير أنهم خلافا للشيعة الإمامية, يرون جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل, إذا قضت المصلحة بذلك. فالصفات التي يجب أن تجتمع في الإمام ليست هي الصفات الواجبة لصحة الإمامة, وإنما هي صفات الإمام الكامل, وهو أولى بها من غيره, فإن اختار أهل الحل والعقد إماما لم يستوف بعض هذه الصفات وبايعوه صحت إمامته ولزمت بيعته, ولهذا أقر الإمام زيد إمامة الشيخين: أبي بكر وعمر, ولم يكفر أحدا من الصحابة, ولما سمعت شيعة الكوفة رأيه وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه, ومن ثم عرفوا باسم (الرافضة) .
جـ- الكيسانية
هم أتباع محمد بن علي ابن أبي طالب من زوجته خولة بنت جعفر الحنفية والمعروف بابن الحنفية وقد جرت تسميتهم بالكيسانية نسبة إلى (كيسان) مولى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب, وهو الذي اقتبس من علي ابن أبي طالب ومن ابنه محمد الأسرار كلها من علم الباطن وعلم التأويل وعلم الآفاق والأنفس.
وينادي أتباعه بإمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد أخويه الحسن والحسين. وقد تبنى هذا المذهب المختار ابن أبي عبيد الله الثقفي, وتوجه إلى العراق سنة 64هـ بعد موت يزيد بن معاوية داعيا لمحمد ومدعيا أنه من دعاته, وأخذ يذكر علوما يزخرفها بترهات ويعزوها إليه, وقد صحب معه كيسانا وجعله على شرطته .
د- الإسماعيلية
هم أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه, وقد توفي في حياة أبيه. وهنا افترق الشيعة إلى فرقتين: فرقة قالت إن الإمامة انتقلت إلى موسى (الكاظم) ابن جعفر الصادق مدعية أن الإمامة سقطت عن إسماعيل بوفاته, وسميت (الموسوية) أو (الجعفرية), وفرقة ادعت أن الإمامة انتقلت من إسماعيل, وهو عندهم الإمام السابع, إلى ابنه محمد ودعيت باسم (السبعية) واشتهرت باسم (الإسماعيلية)
ومن بعده بدأ دور الأئمة المستورين, الذين كانوا يسيرون سرا خوفا من بطش العباسيين, وكان أول من ظهر منهم بعد الستر عبيد الله (المهدي) مؤسس الدولة العبيدية بأفريقية والتي عرفت فيما بعد باسم الدولة الفاطمية, وكانت أكبر الدويلات التي نشأت في العصر العباسي .
هـ - الشيعة الغلاة
ومنهم الغرابية, وهم القائلون بأن الله أرسل جبريل لعلي ابن أبي طالب, ولكنه جاء خطأ إلى محمد لأنه يشبهه كما يشبه الغراب الغراب, فعلي عندهم هو الرسول وأولاده من بعده هم الرسل. ومنهم فرق أخرى نحت هذا النحو وقد اندثرت وأتت على تفصيلها كتب الملل والنحل .
2- الخوارج
كانوا من شيعة علي ابن أبي طالب ثم فارقوه وخرجوا عليه وقاتلوه لأنه لم يتب كما تابوا, وأضحى لهم عقيدة دينية وأخرى سياسية, خالفوا فيها الشيعة والمذاهب الأخرى.
عقيدتهم الدينية
لا يعتبرون الإيمان بالقلب كافيا, بل لا بد أن يقترن بالإيمان عمل صالح والعمل الصالح هو الذي يفرضه الدين, ولذلك نراهم يكفرون عليا ابن أبي طالب لأنهم طلبوا إليه أن يتوب توبة مقرونة بالعمل, والعمل المطلوب منه أن يرفض وثيقة التحكيم ويعود إلى قتال معاوية فأبى, فاعتبروه رافضا العمل بأحكام الدين, لأنه بقبوله وثيقة التحكيم يكون قد خلع نفسه من إمارة المؤمنين وسوى نفسه بمعاوية
عقيدتهم السياسية
فهي تستند إلى مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام, وهو المساواة بين المسلمين فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات, لا تمييز بينهم ولا تفاضل إلا بالتقوى
كماأنهم لا يعترفون بشرعية السلف إلا لأبي بكر وعمر وست سنوات من خلافة عثمان, لأنه حاد عن الطريق المستقيم الذي سلكه الشيخان من قبله وهما: أبو بكر وعمر, فآثر قرابته وولاهم الأعمال وأغدق عليهم الأموال من بيت المال, كما لا يعترفون بشرعية خلافة علي ابن أبي طالب إلا ابتداء من مبايعته بالخلافة حتى قبوله التحكيم, وقد أباحوا قتل من لا يرى رأيهم, ومن يقول بشرعية خلافة عثمان بعد السنوات الست, وشرعية خلافة علي بعد قبوله التحكيم, فهو عندهم يستحق القتل هو ونساؤه وأولاده .
وقف الخوارج أنفسهم لنصرة العدل ومقاومة الظلم وحماية المستضعفين, وفي ذلك فجروا الثورات ضد الأمويين وضد عمالهم, وانضم إلى الموالي من الفرس والبربر من أهل شمالي إفريقية, لما كانون يلقونه من حرمانهم العدل والمساواة. وكان الخوارج يشترطون في زعمائهم الشجاعة والتقوى ويبايعونهم على الموت ويلقبونهم بأمير المؤمنين. وكان قتالهم لمخالفيهم من الأشواق التي كانت تجذبهم إلى مزيد من التضحية والاستشهاد, وهم يعتبرون أنفسهم المسلمين حقا دون سواهم, أما من عداهم فكفار يبيحون قتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم. وقد افترق الخوارج إلى فرق منها: الأزارقة أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق وإلى نجدات أصحاب نجدة بن عامر الحنفي, وإلى عجاردة أصحاب عبد الكريم بن عجرد, وإلى أباضية أصحاب عبد الله بن أباض وإلى صفرية أصحاب زياد بن الأصفر وعمران بن حطان, وقد أوضحت كتب الملل والنحل ما بينهم من فروق.
3 - المرجئة
هم فئة من المسلمين, خالفوا رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة وقالوا بأن كل من آمن بوحدانية الله لا يمكن الحكم عليه بالكفر, لأن الحكم عليه موكول إلى الله تعالى وحده يوم القيامة, مهما كانت الذنوب التي اقترفها. وهم يستندون في اعتقادهم إلى قوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
والعقيدة الأساسية عندهم عدم تكفير أي إنسان, أيا كان, ما دام قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين, مهما ارتكب من المعاصي, تاركين الفصل في أمره إلى الله تعالى وحده, لذلك كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية, كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد نشأ هذا المذهب في أعقاب الخلاف السياسي الذي نشب بعد مقتل عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب, وعنه نشأ الاختلاف في مرتكب الكبيرة. فالخوارج يقولون بكفره والمرجئة يقولون برد أمره إلى الله تعالى إذا كان مؤمنا, وعلى هذا لا يمكن الحكم على أحد من المسلمين بالكفر مهما عظم ذنبه, لأن الذنب مهما عظم لا يمكن أن يذهب بالإيمان, والأمر يرجأ إلى يوم القيامة وإلى الله تعالى مرجعه. ويذهب الخوارج, خلافا للمرجئة, إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار. وقد وقف أكثر الفقهاء من أهل السنة والمحدثين موقفا وسطا, فرأوا أن قول المرجئة بعفو الله عن المعاصي قد يطمع الفساق, فقرروا أن مرتكب الذنب يعذب بمقدار ما أذنب ولا يخلد في النار, وقد يعفو الله عنه. ويعرف هؤلاء بمرجئة السنة ومنهم سعيد بن جبير وحماد ابن أبي سليمان وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني, وآخرون .
ويذهب أكثر المرجئة مذهب أهل السنة في أن الخليفة يجب أن يكون قرشيا, وأن الإمامة لا تجوز إلا في قريش لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش
4- أهل السنة
وهم الجماعة الكبرى من أهل الإسلام, وتضم أنصار بني أمية والموالي, كما تضم المرجئة وأهل الحديث والفقهاء, ومن ورائهم جماهير الناس الذين كانوا يوالون الحكام رهبة أو رغبة أو محبة, ومن هذه الجماعة تألفت القاعدة العريضة للإسلام. وقد قرر فقهاؤهم شروطا للخليفة, وهي أن يكون من صميم قريش وأن يكون حرا بالغا, عاقلا, من أهل العلم بأحكام الشرع, واستنبطوا من الطرائق التي تتم بها اختيار الخلفاء الراشدين قواعد لتولي الخلافة وهي:
أ- أن يتم اختيار الخليفة من قبل أهل الحل والعقد, وهم أهل الرأي والحكمة والعدالة في بلد الخلافة, على أن لا يقل عددهم عن خمسة, يجمعون على اختيار الخليفة من بينهم, كما جرت بيعة أبي بكر بخمسة وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وأسيد بن الحضير وبشير بن ثعلبة, وسالم مولى أبي حذيفة, ثم تبعهم الناس. كذلك جعل عمر بن الخطاب الشورى في ستة ليختاروا من بينهم أحدهم للخلافة .
ب- أن يعهد الخليفة بالخلافة لمن يختاره لها, ممن تتوفر فيه شروط الخلافة, ولا يحتاج إلى شهادة أهل الحل والعقد, كما فعل أبو بكر حين عهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب فأثبت المسلمون خلافته بعهده .
جـ- ولما تحولت الخلافة إلى ملك, أجاز الفقهاء أن يعهد الخليفة إلى ابنه أو إلى أخيه, إذا كانت تتوفر في المعهود له صفات الخليفة, كما أجازوا للخليفة أن يعهد إلى اثنين أو أكثر من أبنائه, إذا رتب الخلافة فيهم .
د- كذلك أجاز الفقهاء الخلافة لمن ينالها غصبا بالقهر والغلبة, حتى ولو كان برا أو فاجرا, لكيلا يبيت المسلمون بغير إمام . ومن الواضح أن فقهاء السنة لم يستطيعوا وضع قواعد ثابتة للخلافة, كما فعلت المذاهب الأخرى, بل نزلوا على حكم الواقع الذي كان كثير ما يتقرر بالقوة, فكان يرقى إلى سدة الخلافة من لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة التي باتت شروطا نظرية.
( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )
بتنازل الحسن بن علي عن الخلافة إلى معاوية ابن أبي سفيان, انتقلت الخلافة إلى بني أمية وتحقق الأمل الذي كانوا يرقبونه ويعملون من أجله. وقد انطوى العهد الأموي على فترتين:
أ - الفترة السفيانية : وهي الفترة التي تولى الخلافة فيها معاوية ابن أبي سفيان وابنه يزيد بن معاوية وحفيده معاوية بن يزيد وقد امتدت 23 سنة (41 - 64هـ).
ب- الفترة المروانية : وهي الفترة التي انتقلت فيها الخلافة إلى مروان بن الحكم حتى عهد حفيده مروان بن محمد بن الحكم, آخر خلفاء بني أمية, ومدتها 68 سنة (64 - 132هـ).
وفي خلال الفترتين ومدتهما 91 سنة وتسعة أشهر توالى أربعة عشر خليفة كان أعظمهم شأنا معاوية ابن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وأخوه هشام بن عبد الملك وكانت مدة خلافتهم (71 سنة) من أصل (91 سنة) فالدولة الأموية كانت دولتهم, وفي عهدهم امتدت رقعتها من البحر الأطلسي إلى حدود الصين, ثم أخذت شمس الخلافة بالغروب, بما شبت فيها من ثورات أضرمها الصراع على الخلافة وانتقاض على الحكم وثورات الخوارج وحروب أهلية أثارتها العصبية القبلية بين المضرية واليمنية. وقد ترتب على انتقال الخلافة إلى بني أمية النتائج التالية.
في المجال السياسي
أ- نقل العاصمة من الكوفة إلى دمشق وكان علي ابن أبي طالب نقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة وقد أغضب نقل العاصمة إلى دمشق أهل الحجاز وأهل العراق.
ب- تحول الخلافة إلى ملك موروث
ج- انتقال سلطة الحكم إلى أقوى الجماعات القرشية المنافسة لبني هاشم
د- نشوء عهد من الاستقرار السياسي في الدولة الإسلامية استمر حوالي ربع قرن, أتاح لها هضم الفتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين وتنظيمها في إطار الحكم الإسلامي.
هـ- أصبح نظام الخلافة أشبه شيء بالنظام الملكي أو القيصري, ومن ثم زادت الصفة الزمنية في الخلافة على الصفة الدينية. وأخذت الدولة بالنظام الإداري والمالي الذي كان متبعا في الدولتين الفارسية والبيزنطية.
في المجال الاقتصادي
تحولت طرق التجارة إلى مواني الشام ومصر, وخاصة بعد معركة (ذات الصواري) سنة 34هـ وتدمير الأسطول البيزنطي وجعل شرق البحر المتوسط بحرا عربيا.
في مجال أصول الحكم
أظهرت الأحداث السياسية التي رافقت مسألة الخلافة اتجاهات فكرية قامت على أساسها نظريات ذات طابع سياسي ما لبثت أن تحولت إلى مذاهب دينية, وقد عالجت أصول الحكم على أساس تفكيرها ومنها استمدت المبادئ التي ينبغي أن تحكم هذه الأصول.
وتتمثل هذه الاتجاهات في أربعة مذاهب هي: الشيعة والخوارج والمرجئة وأهل السنة.
1- الشيعة:
أ- الشيعة الإمامية
يقوم مذهب الشيعة الإمامية في أصول الحكم على الاعتقاد بأن عليا ابن أبي طالب أحق الصحابة بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم
والإمامة عند الشيعة الاثني عشرية تتسلسل بعد علي ابن أبي طالب في ابنيه الحسن ثم الحسين, ثم تنتقل إلى علي (زين العابدين) ابن الحسين, ثم إلى ابنه محمد (الباقر), ثم إلى ابنه جعفر (الصادق), ثم إلى ابنه موسى (الكاظم), ثم إلى ابنه علي (الرضا), ثم إلى ابنه محمد (الجواد), ثم إلى ابنه علي (الهادي), ثم إلى ابنه الحسن (العسكري), ثم إلى ابنه محمد المنتظر (المهدي) الذي اختفى في كهف بسامراء سنة 256هـ وهو عندهم في حالة غيبة ينتظرون عودته ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا . .
ب- الشيعة الزيدية
هم أتباع زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب, ويذهبون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين عليا بالنص الصريح, كما يعتقد الشيعة الإمامية, وإنما عينه بالأوصاف, غير أن الأوصاف التي عرفت عن علي تجعله المقصود بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم, لأنها لن تتحقق في أحد كما تحققت في علي, ويشترط الزيدية في الإمام أن يكون هاشميا, ورعا, تقيا, سخيا, ومن بعد علي يشترط أن يكون فاطميا, أي من نسل فاطمة بنت رسول الله, سواء أكان من نسل الحسن أم من نسل الحسين, ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم.
غير أنهم خلافا للشيعة الإمامية, يرون جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل, إذا قضت المصلحة بذلك. فالصفات التي يجب أن تجتمع في الإمام ليست هي الصفات الواجبة لصحة الإمامة, وإنما هي صفات الإمام الكامل, وهو أولى بها من غيره, فإن اختار أهل الحل والعقد إماما لم يستوف بعض هذه الصفات وبايعوه صحت إمامته ولزمت بيعته, ولهذا أقر الإمام زيد إمامة الشيخين: أبي بكر وعمر, ولم يكفر أحدا من الصحابة, ولما سمعت شيعة الكوفة رأيه وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه, ومن ثم عرفوا باسم (الرافضة) .
جـ- الكيسانية
هم أتباع محمد بن علي ابن أبي طالب من زوجته خولة بنت جعفر الحنفية والمعروف بابن الحنفية وقد جرت تسميتهم بالكيسانية نسبة إلى (كيسان) مولى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب, وهو الذي اقتبس من علي ابن أبي طالب ومن ابنه محمد الأسرار كلها من علم الباطن وعلم التأويل وعلم الآفاق والأنفس.
وينادي أتباعه بإمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد أخويه الحسن والحسين. وقد تبنى هذا المذهب المختار ابن أبي عبيد الله الثقفي, وتوجه إلى العراق سنة 64هـ بعد موت يزيد بن معاوية داعيا لمحمد ومدعيا أنه من دعاته, وأخذ يذكر علوما يزخرفها بترهات ويعزوها إليه, وقد صحب معه كيسانا وجعله على شرطته .
د- الإسماعيلية
هم أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه, وقد توفي في حياة أبيه. وهنا افترق الشيعة إلى فرقتين: فرقة قالت إن الإمامة انتقلت إلى موسى (الكاظم) ابن جعفر الصادق مدعية أن الإمامة سقطت عن إسماعيل بوفاته, وسميت (الموسوية) أو (الجعفرية), وفرقة ادعت أن الإمامة انتقلت من إسماعيل, وهو عندهم الإمام السابع, إلى ابنه محمد ودعيت باسم (السبعية) واشتهرت باسم (الإسماعيلية)
ومن بعده بدأ دور الأئمة المستورين, الذين كانوا يسيرون سرا خوفا من بطش العباسيين, وكان أول من ظهر منهم بعد الستر عبيد الله (المهدي) مؤسس الدولة العبيدية بأفريقية والتي عرفت فيما بعد باسم الدولة الفاطمية, وكانت أكبر الدويلات التي نشأت في العصر العباسي .
هـ - الشيعة الغلاة
ومنهم الغرابية, وهم القائلون بأن الله أرسل جبريل لعلي ابن أبي طالب, ولكنه جاء خطأ إلى محمد لأنه يشبهه كما يشبه الغراب الغراب, فعلي عندهم هو الرسول وأولاده من بعده هم الرسل. ومنهم فرق أخرى نحت هذا النحو وقد اندثرت وأتت على تفصيلها كتب الملل والنحل .
2- الخوارج
كانوا من شيعة علي ابن أبي طالب ثم فارقوه وخرجوا عليه وقاتلوه لأنه لم يتب كما تابوا, وأضحى لهم عقيدة دينية وأخرى سياسية, خالفوا فيها الشيعة والمذاهب الأخرى.
عقيدتهم الدينية
لا يعتبرون الإيمان بالقلب كافيا, بل لا بد أن يقترن بالإيمان عمل صالح والعمل الصالح هو الذي يفرضه الدين, ولذلك نراهم يكفرون عليا ابن أبي طالب لأنهم طلبوا إليه أن يتوب توبة مقرونة بالعمل, والعمل المطلوب منه أن يرفض وثيقة التحكيم ويعود إلى قتال معاوية فأبى, فاعتبروه رافضا العمل بأحكام الدين, لأنه بقبوله وثيقة التحكيم يكون قد خلع نفسه من إمارة المؤمنين وسوى نفسه بمعاوية
عقيدتهم السياسية
فهي تستند إلى مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام, وهو المساواة بين المسلمين فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات, لا تمييز بينهم ولا تفاضل إلا بالتقوى
كماأنهم لا يعترفون بشرعية السلف إلا لأبي بكر وعمر وست سنوات من خلافة عثمان, لأنه حاد عن الطريق المستقيم الذي سلكه الشيخان من قبله وهما: أبو بكر وعمر, فآثر قرابته وولاهم الأعمال وأغدق عليهم الأموال من بيت المال, كما لا يعترفون بشرعية خلافة علي ابن أبي طالب إلا ابتداء من مبايعته بالخلافة حتى قبوله التحكيم, وقد أباحوا قتل من لا يرى رأيهم, ومن يقول بشرعية خلافة عثمان بعد السنوات الست, وشرعية خلافة علي بعد قبوله التحكيم, فهو عندهم يستحق القتل هو ونساؤه وأولاده .
وقف الخوارج أنفسهم لنصرة العدل ومقاومة الظلم وحماية المستضعفين, وفي ذلك فجروا الثورات ضد الأمويين وضد عمالهم, وانضم إلى الموالي من الفرس والبربر من أهل شمالي إفريقية, لما كانون يلقونه من حرمانهم العدل والمساواة. وكان الخوارج يشترطون في زعمائهم الشجاعة والتقوى ويبايعونهم على الموت ويلقبونهم بأمير المؤمنين. وكان قتالهم لمخالفيهم من الأشواق التي كانت تجذبهم إلى مزيد من التضحية والاستشهاد, وهم يعتبرون أنفسهم المسلمين حقا دون سواهم, أما من عداهم فكفار يبيحون قتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم. وقد افترق الخوارج إلى فرق منها: الأزارقة أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق وإلى نجدات أصحاب نجدة بن عامر الحنفي, وإلى عجاردة أصحاب عبد الكريم بن عجرد, وإلى أباضية أصحاب عبد الله بن أباض وإلى صفرية أصحاب زياد بن الأصفر وعمران بن حطان, وقد أوضحت كتب الملل والنحل ما بينهم من فروق.
3 - المرجئة
هم فئة من المسلمين, خالفوا رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة وقالوا بأن كل من آمن بوحدانية الله لا يمكن الحكم عليه بالكفر, لأن الحكم عليه موكول إلى الله تعالى وحده يوم القيامة, مهما كانت الذنوب التي اقترفها. وهم يستندون في اعتقادهم إلى قوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
والعقيدة الأساسية عندهم عدم تكفير أي إنسان, أيا كان, ما دام قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين, مهما ارتكب من المعاصي, تاركين الفصل في أمره إلى الله تعالى وحده, لذلك كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية, كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد نشأ هذا المذهب في أعقاب الخلاف السياسي الذي نشب بعد مقتل عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب, وعنه نشأ الاختلاف في مرتكب الكبيرة. فالخوارج يقولون بكفره والمرجئة يقولون برد أمره إلى الله تعالى إذا كان مؤمنا, وعلى هذا لا يمكن الحكم على أحد من المسلمين بالكفر مهما عظم ذنبه, لأن الذنب مهما عظم لا يمكن أن يذهب بالإيمان, والأمر يرجأ إلى يوم القيامة وإلى الله تعالى مرجعه. ويذهب الخوارج, خلافا للمرجئة, إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار. وقد وقف أكثر الفقهاء من أهل السنة والمحدثين موقفا وسطا, فرأوا أن قول المرجئة بعفو الله عن المعاصي قد يطمع الفساق, فقرروا أن مرتكب الذنب يعذب بمقدار ما أذنب ولا يخلد في النار, وقد يعفو الله عنه. ويعرف هؤلاء بمرجئة السنة ومنهم سعيد بن جبير وحماد ابن أبي سليمان وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني, وآخرون .
ويذهب أكثر المرجئة مذهب أهل السنة في أن الخليفة يجب أن يكون قرشيا, وأن الإمامة لا تجوز إلا في قريش لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش
4- أهل السنة
وهم الجماعة الكبرى من أهل الإسلام, وتضم أنصار بني أمية والموالي, كما تضم المرجئة وأهل الحديث والفقهاء, ومن ورائهم جماهير الناس الذين كانوا يوالون الحكام رهبة أو رغبة أو محبة, ومن هذه الجماعة تألفت القاعدة العريضة للإسلام. وقد قرر فقهاؤهم شروطا للخليفة, وهي أن يكون من صميم قريش وأن يكون حرا بالغا, عاقلا, من أهل العلم بأحكام الشرع, واستنبطوا من الطرائق التي تتم بها اختيار الخلفاء الراشدين قواعد لتولي الخلافة وهي:
أ- أن يتم اختيار الخليفة من قبل أهل الحل والعقد, وهم أهل الرأي والحكمة والعدالة في بلد الخلافة, على أن لا يقل عددهم عن خمسة, يجمعون على اختيار الخليفة من بينهم, كما جرت بيعة أبي بكر بخمسة وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وأسيد بن الحضير وبشير بن ثعلبة, وسالم مولى أبي حذيفة, ثم تبعهم الناس. كذلك جعل عمر بن الخطاب الشورى في ستة ليختاروا من بينهم أحدهم للخلافة .
ب- أن يعهد الخليفة بالخلافة لمن يختاره لها, ممن تتوفر فيه شروط الخلافة, ولا يحتاج إلى شهادة أهل الحل والعقد, كما فعل أبو بكر حين عهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب فأثبت المسلمون خلافته بعهده .
جـ- ولما تحولت الخلافة إلى ملك, أجاز الفقهاء أن يعهد الخليفة إلى ابنه أو إلى أخيه, إذا كانت تتوفر في المعهود له صفات الخليفة, كما أجازوا للخليفة أن يعهد إلى اثنين أو أكثر من أبنائه, إذا رتب الخلافة فيهم .
د- كذلك أجاز الفقهاء الخلافة لمن ينالها غصبا بالقهر والغلبة, حتى ولو كان برا أو فاجرا, لكيلا يبيت المسلمون بغير إمام . ومن الواضح أن فقهاء السنة لم يستطيعوا وضع قواعد ثابتة للخلافة, كما فعلت المذاهب الأخرى, بل نزلوا على حكم الواقع الذي كان كثير ما يتقرر بالقوة, فكان يرقى إلى سدة الخلافة من لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة التي باتت شروطا نظرية.
( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )
تعليق