بسم الله
الاخوه الكرام والاخوات الفضليات
بارك الله لكم
وحفظكم بحفظه واكرمكم بكرمه
اما بعد
كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرَامٌ : دَمُهُ ومالُهُ وعرضُهُ
الحمدُ للهِ خلقَ الإنسانَ وعلمَهُ, وزيَّنَهُ بالعقلِ وأكرَمَهُ, فَصَانَ حُرمَتَهُ وأمَّنهُ, وحَرَّمَ بغيرِ وَجهِ الحقِّ دَمَهُ, وبَيَّنَ لهُ الحدودَ فلا يَتَعَدَّى وألزَمَهُ. وأصلي وأسلمُ على نَبِيِّنَا ورَسُولِنَا, وقائِدِنَا وقدوَتِنَا, محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلمَ صلاةً وسلاماً دائِمَينِ مُتلازِمَينِ ما بَقيَ الليلُ والنهارُ.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ الحقُّ, شهادَةً كفَلَقِ الصبح ِ, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ من خيرةِ خلقِهِ وخليلُهُ, بَلَّغَ الرسَالةَ, وأدَّى الأمانةَ, وَنَصَحَ الأمَّةَ , وكَشَفَ الغُمَّةَ, وتَرَكَنَا على مَحَجَّةٍ بيضاءَ لَيلِهَا كنهارِهَا , لا يَزيغُ عنها إلاَّ هالكٌ , ولا يَتَنَكَّبُهَا إلاَّ من رَضِيَ لنفسِهِ الشقاء .
أيُّها المسلمون: اتقوا اللهَ عبادَ اللهِ, اتقوا اللهَ في سِرِّكُم وجَهرِكُم، في لَيلِكُم ونهارِكُم، في حَرَكاتِكُم وسَكَنَاتِكُم، فيمَا تقولونَ, وفيما تفعلونَ، وجُمَّاعُ التقوى في حياةِ المسلمِ أن يَحفَظَ الرأسَ وما حَوى، والبطنَ وما وَعَى، وأن يَتذكَّرَ اللهَ ساعةَ البَلى
:امرنا اليومَ هامٍ جَلل، بلْ عظيمٍ وأيَّ عظيمٍ، عن جريمةٍ شنعاءَ توجبُ اللعنةَ, وتَطرُدُ من الرحمةِ، جريمةٍ بالرُّغمِ من عِظَمِها إلاَّ أنها تتوالى عَبْرَ العُصورِ، وتتكررُ بتكررِ الأجيالِ. والشيطانُ أشدُّ ما يكونُ حِرصًا عليها, لأنهُ يضمنُ بها اللعنةَ للفاعلِ, وَسَخَطَ اللهِ وغَضَبهُ. جريمةٍ وأيِّ جريمةٍ، هِيَ وَهْجُ الفِتَنِ، وَوَقُودُ الدَّمَارِ، ومِعولُ الهدمِ. نعم، إنها جريمةُ القتلِ، جريمةُ إزهاقِ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ قتلَهَا إلاَّ بالحقِّ . جريمةٍ توجبُ سَخَطَ اللهِ والنارَ والعذابَ الأليمَ المقيم َ.
أيُّها المسلمون : ألا فلتعلموا أن حِفظَ الدينِ والأنفسِ وحمايةَ الأعراضِ والحفاظَ على العقلِ والنَّسلِ من مقاصدِ هذا الدينِ القويمِ، ومن الجوانبِ الرئيسةِ التي رَعَاها أيَّما رِعَايةٍ، واعتنى بها غايةَ العنايةِ، صيانةً للأمَّةِ وحفاظاً على الأفرادِ والمجتمعاتِ من أخطارِ الجرائمِ المدمِّرَةِ، وعُنوانُ صلاحِ أيِّ أُمَّةٍ ودليلُ سَعَادَتِهَا واستقرارِهَا إنَّمَا هوَ برعايةِ أبنائِهَا لهذا الجانبِ العظيمِ، وهوَ حِفظُ الأنفسِ وحمايَتُهَا.فمقصودُ الشرعِ من الخلقِ سبعة ٌ: المحافظةُ على نوع ِالإنسانِ ، وعلى العقل ِ، وعلى الكرامةِ الإنسانيةِ ، وعلى المِلكيةِ الفَرديةِ ، وعلى الدينِ، وعلى الأمنِ، وعلى الدولةِ ، وهذهِ هيَ ألأهدافُ العليا الثابتةُ, لِصيانةِ المجتمع ِ، ولا يلحَقـُهَا التغييرُ ولا التطور, ودماءُ المسلمينَ عندَ اللهِ مَكَرَّمَةٌ مُحترَمةٌ, مَصُونةٌ مُحَرَّمَةٌ، لا يَحِلُّ سَفكُهَا، ولا يجوزُ انتهاكُهَا, إلاَّ بحقٍّ شرعيٍّ. وقتلُ النفسِ المعصومةِ عُدوانٌ آثمٌ, وجُرمٌ غاشِمٌ، وأيُّ ذنبٍ عندَ اللهِ أعظمُ بعدَ الشركِ بهِ من قتلِ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بالحقِّ ؟! لِمَا في ذلكَ من إيلامٍ للمقتولِ وإثكالٍ لأهلِهِ, وترميلٍ لنِسائِهِ, وَتَيتِيمٍ لأطفالِهِ, وإضاعَةٍ لحقُوقِهِ, وقطع ٍلأعمالِِهِِ, بإزهَاقِ روحِهِ، مَعَ ما فيهِ من عُدوانٍ صارخٍ, على الحُرُمَاتِ وتطاولٍ فاضحٍ, على أمنِ الأفرادِ والمجتمعاتِ .
وإنهُ لَمِنَ المؤسفِ والمحُزِنِ حقًا, أن يسمعَ المسلمُ بينَ وقتٍ وآخرٍ, ما تهتزُّ لهُ النفوسُ حُزنًا وألماً، وما ترجُفُ لهُ القلوبُ أسَفَاً ونَدَمَاً، وما يتأثرُ بهِ المسلمُ عندما يسمعُ عن قتلِ نفسٍ مسلمةٍ مصونةٍ معصومةٍ,على أيدٍ آثمةٍ وأنفُسٍ شريرةٍ مُجرِمَةٍ, تَسفكُ دمَاً مسلماً، إنها لجريمةٌ شنيعةٌ, ومصيبةٌ فظيعةٌ, ترتعدُ منها الفرائصُ, وتنخلعُ لها القلوبُ، أوَ ليسَ اللهُ قد قال : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {93} ) النساء .
أربعُ عقوباتٍ عظيمةٍ يستحقُّهَا من اللهِ صاحبُ الجريمةِ ,
ألا وهيَ : جَهَنَّمُ خالدًا فيها،
وَغَضَبُ اللهِ عليهِ،
ولعنَتُهُ ،
وأعَدَّ لَهُ عذابًا عظيماً .
ويقولُ سبُحانَهُ وتعالى : ( مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبنَا عَلَى بَنِي إِسرائيلَ أَنهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا{32} ) المائدة.
ويقولُ سبحانَهُ وتعالى وتقدس : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا{68}يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا{69} إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{70} ) الفرقان .
أيُّها الإخوةُ العقلاءُ : جريمة ُالقتلِ جريمةٌ شنعاءُ, وفِعلةٌ نكراءُ، عَدَّهَا الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في السبع ِالموبقاتِ فقالَ: ( اجتَنِبُوا السبعَ الموبِقَاتِ) وذكرَ منها : ( قتلَ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بالحقِّ ) وقال : ( لا يَزَالُ العبدُ في فُسحَةٍ من دينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حَرامًا ) وقالَ : ( ألا لا ترجِعُوا بَعدي كُفَّارًا، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بعض ) وهو القائلُ أيضاً: ( سباب المسلمِ فسوقٌ وقتالهُ كفر )
وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال : ( يجيءُ المقتولُ مُتعلقًا بقاتِلِهِ يومَ القيامةِ آخذًا رأسَهُ بيدِهِ فيقولُ: يا ربِّ، سَلْ هذا:فيمَ قَتَلَني؟ قالَ:فيقولُ قتلتُهُ لتكونَ العِزَّةُ لفلانٍ,قالَ: فإنها ليست لَهُ، بُؤ بإثمِهِ، قالَ : فيهوي في النارِ سبعينَ خريفاً )
وفي حديثٍ أخرَ: ( لو أنَّ أهلَ السماءِ والأرضِ اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأَكَبَّهُمُ اللهُ في النار )
ولِصيانةِ النفوسِ فقد حَرَّمَ الإسلامُ الإعانةَ على القتلِ، فقد رويَ عنهُ عليهِ السلامُ أنهُ قال: ( مَن أعانَ على قتلِ مسلمٍ بشطرِ كلمةٍ ـ يعني قالَ لهُ أُق... ولم يُكمل ـ لقيَ اللهَ مكتوبٌ بينَ عينيهِ: آيِسٌ من رحمةِ اللهِ ) . بَلْ إنَّ الأمرَ يَتَعدَّى ذلكَ ولو بالإشارةِ إلى المسلمِ بسلاحٍ, حتى بالمُزاح ِ، فقد قالَ عليهِ السلامُ : ( لا يُشيرُ أحَدُكُم إلى أخيهِ بالسلاحِ، فإنهُ لا يَدري لَعلَّ الشيطانَ يَنزِعُ في يدِهِ فيقعَ في حفرةٍ من النار ) .
وما ذاكَ أيُّها الإخوةُ الأحبة ُإلاَّ سدًا لِذريعةِ الفسادِ والإفسادِ , وصيانةً لِدِماءِ المسلمينَ المعصومةِ من أن تُنتهكَ، لا, بلْ إنَّ الإسلامَ نهى عن مُجَرَّدِ ترويعِ المسلمينَ, وتخويفِ الآمنين، فقالَ إمامُ المتقينَ وسيدُ المرسلينَ محذِّراً : ( من أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ فإنَّ الملائكةَ تَلْعَنُهُ حتى يَنتهي، وإنْ كانَ أخاهُ لأمِّهِ وأبيهِ) .وفي الحديثِ الآخَرَ: (مَن أخافَ مُؤمنًا كانَ حقًا على اللهِ أن لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أفزاع ِيومِ القيامةِ) .
إخوتي في اللهِ, أحبتي في الله : إنَّهُ لمنَ المؤسفِ أن نشهدَ وفي أعقابِ الزمانِ, وتعاقُبِ الأيامِ, بينَ الحينِ والآخرِ تساهُلَ الكثيرِ من الناس ِفي أمورِ الدماءِ، وعَدَمَ مُبَالاتِهِم بالمحافظةِ على أمنِ الناسِ ومُمتَلَكاتِهِم .
أيُّها المسلمون : إن العواملَ المؤديةَ إلى القتلِ في أيامِنَا هذهِ كثيرةٌ، ومُثِيرَاتِ الفِتَنِ مُتعدِّدَةٌ، وأسلحةَ إبليسَ في إذكاءِ نارِ الفتنةِ جاهزةٌ دائمًا, والزيادَةَ في وَهَجِهَا لا تعدُّ ولا تُحصى.
ألا فلتعلمْ أخي المسلمَ أنكَ إن تُضرَبْ. فَتُشبَعَ ضَرْبَاً خيرٌ لكَ من أن يكونَ بجيبكَ سكينٌ أو في سيارَتِكَ سلاحٌ أو عصًا. يُغويكَ الشيطانُ في استخدامِهَا, لإزهاقِ نفسِ ضارِبِكَ، إنهُ لخيرٌ لكَ أن تعودَ إلى أهلِكَ مَضروبًا، وأولى لكَ مِن أن تتلطِّخَ يَدُكَ بدمِ مسلمٍ تستحقُّ بهِ قَصَاصًَا في الدنيا, وهَوانًا في الآخرةِ، ولا تَزالُ في فُسحَةٍ من دِينكَ ما لم تُصِبْ دمًا حَرامًا. نعم، أنْ تُدافعَ عن عِرضِكَ ونفسِكَ فجائز , ولكنْ أن يَنسَاقَ المسلمُ مَعَ عَدُوِّهِ الأوَّلِ إبليس ِ اللعينِ, حتى يقعَ في مُستنقعِ المعصيةِ واللعنِ فذاكَ هوَ المحظُورُ, والخَطرُ المبُين. وإنهُ لفَخرٌ حَقًا, أن يَملكَ المسلمُ نَفسَهُ عندَ الغضبِ، فلا يجعلَ للشيطانِ عليهِ سبيلاً. كيفَ لا, وقد دَعَا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ زمنَ الفتنِ أن يَعمَدَ إلى سيفِهِ فَيَدُقَّ على حدِّهِ بحجرٍ, ويقصدُ بهِ, أن يكسرَ المسلمُ سيفهُ, ويَلزَمَ بيتَهُ زَمَنَ الفِتَن, وأيُّ فِتنةٍ أعظمُ من قتلِ المسلمِ بعدَ الشركِ باللهِ كما أسلفنا .
أيُّها الناس: إنَّ ما جرى بغزة َهاشم ٍ, وما يجري ببغدادَ الرشيدِ , وما هو حاصلٌ ويَحصُلُ في السودانِ وفي الصومالِ وغيرِها من بلادِ المسلمينَ , من قتل ٍ للمسلمينَ , بأيدي مُسلمينَ ليسَ إلاَّ نِتَاجَاً للوطنيةِ العَفنةِ, والطائفيةِ المقيتةِ , والدعاوى العصبيةِ , والروابطِ البغيضةِ المنتنةِ .
فإن لم تدَّارَكُوها أيُّها العقلاءُ فإنَّ نارَ الفتنةِ ستأتي عليكم , ويَلفـَحُكُم لهيبُهَا, وقد تأتي على الأخضرِ واليابس ِلا قـَدَّرَ اللهُ .
فما المُتناحرونَ إلاَّ آباؤكُم, أو أبناؤكُم, أو إخوانـُكُم, أو بعضٌ من عشيرتِكُم, فأصلحوا ذاتَ بينِكم, يرضى عنكم ربُّكم , وتستغفرُ لكم ملائكة ُالأرض ِ وملائكة ُالسماء
نسألُكَ اللهمَّ بأسمائكَ الحسنى , وصفاتِكَ العلى, أن تحفظَ دماءَنا, وأن لا تجعلَ بأسنا بيننا شديداً, وأن ترفعَ الشقاءَ, وتدفعَ البلاءَ, وأن تـُلهمَنا من العلم ِالصالح ِما يُنـْجينا , وأن تنجينا من العلم السَّيءِ ما يُردينا , وأن ترزُقنا من اليقين ِما يُهَوِّنُ علينا مَصائبَ الدنيا , برحمتكَ مولايَ , فأنتَ أرحمُ الراحمين .
اللهمَّ أعزَّنا بالإسلام،وأعِزَّ الإسلامَ بنا،
اللهمَّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، إنكَ مولانا قريبٌ سميعٌ مجيبُ الدَّعْواتِ, وآخرُ دعوانا أن ِالحمدُ للهِ ربِّ العالمين , والصلاة ُ والسلامُ على إمام ِالمتقينَ وسيدِ المرسلينَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم تسليماً كثيرا.
فى امان الله
منقوووووووووووووووووووول
الاخوه الكرام والاخوات الفضليات
بارك الله لكم
وحفظكم بحفظه واكرمكم بكرمه
اما بعد
كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرَامٌ : دَمُهُ ومالُهُ وعرضُهُ
الحمدُ للهِ خلقَ الإنسانَ وعلمَهُ, وزيَّنَهُ بالعقلِ وأكرَمَهُ, فَصَانَ حُرمَتَهُ وأمَّنهُ, وحَرَّمَ بغيرِ وَجهِ الحقِّ دَمَهُ, وبَيَّنَ لهُ الحدودَ فلا يَتَعَدَّى وألزَمَهُ. وأصلي وأسلمُ على نَبِيِّنَا ورَسُولِنَا, وقائِدِنَا وقدوَتِنَا, محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلمَ صلاةً وسلاماً دائِمَينِ مُتلازِمَينِ ما بَقيَ الليلُ والنهارُ.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ الحقُّ, شهادَةً كفَلَقِ الصبح ِ, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ من خيرةِ خلقِهِ وخليلُهُ, بَلَّغَ الرسَالةَ, وأدَّى الأمانةَ, وَنَصَحَ الأمَّةَ , وكَشَفَ الغُمَّةَ, وتَرَكَنَا على مَحَجَّةٍ بيضاءَ لَيلِهَا كنهارِهَا , لا يَزيغُ عنها إلاَّ هالكٌ , ولا يَتَنَكَّبُهَا إلاَّ من رَضِيَ لنفسِهِ الشقاء .
أيُّها المسلمون: اتقوا اللهَ عبادَ اللهِ, اتقوا اللهَ في سِرِّكُم وجَهرِكُم، في لَيلِكُم ونهارِكُم، في حَرَكاتِكُم وسَكَنَاتِكُم، فيمَا تقولونَ, وفيما تفعلونَ، وجُمَّاعُ التقوى في حياةِ المسلمِ أن يَحفَظَ الرأسَ وما حَوى، والبطنَ وما وَعَى، وأن يَتذكَّرَ اللهَ ساعةَ البَلى
:امرنا اليومَ هامٍ جَلل، بلْ عظيمٍ وأيَّ عظيمٍ، عن جريمةٍ شنعاءَ توجبُ اللعنةَ, وتَطرُدُ من الرحمةِ، جريمةٍ بالرُّغمِ من عِظَمِها إلاَّ أنها تتوالى عَبْرَ العُصورِ، وتتكررُ بتكررِ الأجيالِ. والشيطانُ أشدُّ ما يكونُ حِرصًا عليها, لأنهُ يضمنُ بها اللعنةَ للفاعلِ, وَسَخَطَ اللهِ وغَضَبهُ. جريمةٍ وأيِّ جريمةٍ، هِيَ وَهْجُ الفِتَنِ، وَوَقُودُ الدَّمَارِ، ومِعولُ الهدمِ. نعم، إنها جريمةُ القتلِ، جريمةُ إزهاقِ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ قتلَهَا إلاَّ بالحقِّ . جريمةٍ توجبُ سَخَطَ اللهِ والنارَ والعذابَ الأليمَ المقيم َ.
أيُّها المسلمون : ألا فلتعلموا أن حِفظَ الدينِ والأنفسِ وحمايةَ الأعراضِ والحفاظَ على العقلِ والنَّسلِ من مقاصدِ هذا الدينِ القويمِ، ومن الجوانبِ الرئيسةِ التي رَعَاها أيَّما رِعَايةٍ، واعتنى بها غايةَ العنايةِ، صيانةً للأمَّةِ وحفاظاً على الأفرادِ والمجتمعاتِ من أخطارِ الجرائمِ المدمِّرَةِ، وعُنوانُ صلاحِ أيِّ أُمَّةٍ ودليلُ سَعَادَتِهَا واستقرارِهَا إنَّمَا هوَ برعايةِ أبنائِهَا لهذا الجانبِ العظيمِ، وهوَ حِفظُ الأنفسِ وحمايَتُهَا.فمقصودُ الشرعِ من الخلقِ سبعة ٌ: المحافظةُ على نوع ِالإنسانِ ، وعلى العقل ِ، وعلى الكرامةِ الإنسانيةِ ، وعلى المِلكيةِ الفَرديةِ ، وعلى الدينِ، وعلى الأمنِ، وعلى الدولةِ ، وهذهِ هيَ ألأهدافُ العليا الثابتةُ, لِصيانةِ المجتمع ِ، ولا يلحَقـُهَا التغييرُ ولا التطور, ودماءُ المسلمينَ عندَ اللهِ مَكَرَّمَةٌ مُحترَمةٌ, مَصُونةٌ مُحَرَّمَةٌ، لا يَحِلُّ سَفكُهَا، ولا يجوزُ انتهاكُهَا, إلاَّ بحقٍّ شرعيٍّ. وقتلُ النفسِ المعصومةِ عُدوانٌ آثمٌ, وجُرمٌ غاشِمٌ، وأيُّ ذنبٍ عندَ اللهِ أعظمُ بعدَ الشركِ بهِ من قتلِ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بالحقِّ ؟! لِمَا في ذلكَ من إيلامٍ للمقتولِ وإثكالٍ لأهلِهِ, وترميلٍ لنِسائِهِ, وَتَيتِيمٍ لأطفالِهِ, وإضاعَةٍ لحقُوقِهِ, وقطع ٍلأعمالِِهِِ, بإزهَاقِ روحِهِ، مَعَ ما فيهِ من عُدوانٍ صارخٍ, على الحُرُمَاتِ وتطاولٍ فاضحٍ, على أمنِ الأفرادِ والمجتمعاتِ .
وإنهُ لَمِنَ المؤسفِ والمحُزِنِ حقًا, أن يسمعَ المسلمُ بينَ وقتٍ وآخرٍ, ما تهتزُّ لهُ النفوسُ حُزنًا وألماً، وما ترجُفُ لهُ القلوبُ أسَفَاً ونَدَمَاً، وما يتأثرُ بهِ المسلمُ عندما يسمعُ عن قتلِ نفسٍ مسلمةٍ مصونةٍ معصومةٍ,على أيدٍ آثمةٍ وأنفُسٍ شريرةٍ مُجرِمَةٍ, تَسفكُ دمَاً مسلماً، إنها لجريمةٌ شنيعةٌ, ومصيبةٌ فظيعةٌ, ترتعدُ منها الفرائصُ, وتنخلعُ لها القلوبُ، أوَ ليسَ اللهُ قد قال : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {93} ) النساء .
أربعُ عقوباتٍ عظيمةٍ يستحقُّهَا من اللهِ صاحبُ الجريمةِ ,
ألا وهيَ : جَهَنَّمُ خالدًا فيها،
وَغَضَبُ اللهِ عليهِ،
ولعنَتُهُ ،
وأعَدَّ لَهُ عذابًا عظيماً .
ويقولُ سبُحانَهُ وتعالى : ( مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبنَا عَلَى بَنِي إِسرائيلَ أَنهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا{32} ) المائدة.
ويقولُ سبحانَهُ وتعالى وتقدس : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا{68}يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا{69} إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{70} ) الفرقان .
أيُّها الإخوةُ العقلاءُ : جريمة ُالقتلِ جريمةٌ شنعاءُ, وفِعلةٌ نكراءُ، عَدَّهَا الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في السبع ِالموبقاتِ فقالَ: ( اجتَنِبُوا السبعَ الموبِقَاتِ) وذكرَ منها : ( قتلَ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بالحقِّ ) وقال : ( لا يَزَالُ العبدُ في فُسحَةٍ من دينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حَرامًا ) وقالَ : ( ألا لا ترجِعُوا بَعدي كُفَّارًا، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بعض ) وهو القائلُ أيضاً: ( سباب المسلمِ فسوقٌ وقتالهُ كفر )
وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال : ( يجيءُ المقتولُ مُتعلقًا بقاتِلِهِ يومَ القيامةِ آخذًا رأسَهُ بيدِهِ فيقولُ: يا ربِّ، سَلْ هذا:فيمَ قَتَلَني؟ قالَ:فيقولُ قتلتُهُ لتكونَ العِزَّةُ لفلانٍ,قالَ: فإنها ليست لَهُ، بُؤ بإثمِهِ، قالَ : فيهوي في النارِ سبعينَ خريفاً )
وفي حديثٍ أخرَ: ( لو أنَّ أهلَ السماءِ والأرضِ اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأَكَبَّهُمُ اللهُ في النار )
ولِصيانةِ النفوسِ فقد حَرَّمَ الإسلامُ الإعانةَ على القتلِ، فقد رويَ عنهُ عليهِ السلامُ أنهُ قال: ( مَن أعانَ على قتلِ مسلمٍ بشطرِ كلمةٍ ـ يعني قالَ لهُ أُق... ولم يُكمل ـ لقيَ اللهَ مكتوبٌ بينَ عينيهِ: آيِسٌ من رحمةِ اللهِ ) . بَلْ إنَّ الأمرَ يَتَعدَّى ذلكَ ولو بالإشارةِ إلى المسلمِ بسلاحٍ, حتى بالمُزاح ِ، فقد قالَ عليهِ السلامُ : ( لا يُشيرُ أحَدُكُم إلى أخيهِ بالسلاحِ، فإنهُ لا يَدري لَعلَّ الشيطانَ يَنزِعُ في يدِهِ فيقعَ في حفرةٍ من النار ) .
وما ذاكَ أيُّها الإخوةُ الأحبة ُإلاَّ سدًا لِذريعةِ الفسادِ والإفسادِ , وصيانةً لِدِماءِ المسلمينَ المعصومةِ من أن تُنتهكَ، لا, بلْ إنَّ الإسلامَ نهى عن مُجَرَّدِ ترويعِ المسلمينَ, وتخويفِ الآمنين، فقالَ إمامُ المتقينَ وسيدُ المرسلينَ محذِّراً : ( من أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ فإنَّ الملائكةَ تَلْعَنُهُ حتى يَنتهي، وإنْ كانَ أخاهُ لأمِّهِ وأبيهِ) .وفي الحديثِ الآخَرَ: (مَن أخافَ مُؤمنًا كانَ حقًا على اللهِ أن لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أفزاع ِيومِ القيامةِ) .
إخوتي في اللهِ, أحبتي في الله : إنَّهُ لمنَ المؤسفِ أن نشهدَ وفي أعقابِ الزمانِ, وتعاقُبِ الأيامِ, بينَ الحينِ والآخرِ تساهُلَ الكثيرِ من الناس ِفي أمورِ الدماءِ، وعَدَمَ مُبَالاتِهِم بالمحافظةِ على أمنِ الناسِ ومُمتَلَكاتِهِم .
أيُّها المسلمون : إن العواملَ المؤديةَ إلى القتلِ في أيامِنَا هذهِ كثيرةٌ، ومُثِيرَاتِ الفِتَنِ مُتعدِّدَةٌ، وأسلحةَ إبليسَ في إذكاءِ نارِ الفتنةِ جاهزةٌ دائمًا, والزيادَةَ في وَهَجِهَا لا تعدُّ ولا تُحصى.
ألا فلتعلمْ أخي المسلمَ أنكَ إن تُضرَبْ. فَتُشبَعَ ضَرْبَاً خيرٌ لكَ من أن يكونَ بجيبكَ سكينٌ أو في سيارَتِكَ سلاحٌ أو عصًا. يُغويكَ الشيطانُ في استخدامِهَا, لإزهاقِ نفسِ ضارِبِكَ، إنهُ لخيرٌ لكَ أن تعودَ إلى أهلِكَ مَضروبًا، وأولى لكَ مِن أن تتلطِّخَ يَدُكَ بدمِ مسلمٍ تستحقُّ بهِ قَصَاصًَا في الدنيا, وهَوانًا في الآخرةِ، ولا تَزالُ في فُسحَةٍ من دِينكَ ما لم تُصِبْ دمًا حَرامًا. نعم، أنْ تُدافعَ عن عِرضِكَ ونفسِكَ فجائز , ولكنْ أن يَنسَاقَ المسلمُ مَعَ عَدُوِّهِ الأوَّلِ إبليس ِ اللعينِ, حتى يقعَ في مُستنقعِ المعصيةِ واللعنِ فذاكَ هوَ المحظُورُ, والخَطرُ المبُين. وإنهُ لفَخرٌ حَقًا, أن يَملكَ المسلمُ نَفسَهُ عندَ الغضبِ، فلا يجعلَ للشيطانِ عليهِ سبيلاً. كيفَ لا, وقد دَعَا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ زمنَ الفتنِ أن يَعمَدَ إلى سيفِهِ فَيَدُقَّ على حدِّهِ بحجرٍ, ويقصدُ بهِ, أن يكسرَ المسلمُ سيفهُ, ويَلزَمَ بيتَهُ زَمَنَ الفِتَن, وأيُّ فِتنةٍ أعظمُ من قتلِ المسلمِ بعدَ الشركِ باللهِ كما أسلفنا .
أيُّها الناس: إنَّ ما جرى بغزة َهاشم ٍ, وما يجري ببغدادَ الرشيدِ , وما هو حاصلٌ ويَحصُلُ في السودانِ وفي الصومالِ وغيرِها من بلادِ المسلمينَ , من قتل ٍ للمسلمينَ , بأيدي مُسلمينَ ليسَ إلاَّ نِتَاجَاً للوطنيةِ العَفنةِ, والطائفيةِ المقيتةِ , والدعاوى العصبيةِ , والروابطِ البغيضةِ المنتنةِ .
فإن لم تدَّارَكُوها أيُّها العقلاءُ فإنَّ نارَ الفتنةِ ستأتي عليكم , ويَلفـَحُكُم لهيبُهَا, وقد تأتي على الأخضرِ واليابس ِلا قـَدَّرَ اللهُ .
فما المُتناحرونَ إلاَّ آباؤكُم, أو أبناؤكُم, أو إخوانـُكُم, أو بعضٌ من عشيرتِكُم, فأصلحوا ذاتَ بينِكم, يرضى عنكم ربُّكم , وتستغفرُ لكم ملائكة ُالأرض ِ وملائكة ُالسماء
نسألُكَ اللهمَّ بأسمائكَ الحسنى , وصفاتِكَ العلى, أن تحفظَ دماءَنا, وأن لا تجعلَ بأسنا بيننا شديداً, وأن ترفعَ الشقاءَ, وتدفعَ البلاءَ, وأن تـُلهمَنا من العلم ِالصالح ِما يُنـْجينا , وأن تنجينا من العلم السَّيءِ ما يُردينا , وأن ترزُقنا من اليقين ِما يُهَوِّنُ علينا مَصائبَ الدنيا , برحمتكَ مولايَ , فأنتَ أرحمُ الراحمين .
اللهمَّ أعزَّنا بالإسلام،وأعِزَّ الإسلامَ بنا،
اللهمَّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، إنكَ مولانا قريبٌ سميعٌ مجيبُ الدَّعْواتِ, وآخرُ دعوانا أن ِالحمدُ للهِ ربِّ العالمين , والصلاة ُ والسلامُ على إمام ِالمتقينَ وسيدِ المرسلينَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم تسليماً كثيرا.
فى امان الله
منقوووووووووووووووووووول
تعليق