بسم الله الرحمن الرحيم
البديل هو الدعوة والجهاد
[الكاتب: أيمن الظواهري]
بسمِ اللهِ، والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وآلهِ وصحبِهِ ومن والاه.
أيها الإخوةُ المسلمونَ في كلِ مكانٍ...
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
وبعدُ...
ها هو الحقدُ الصليبيُ الذي يُكنُه الغربُ الصليبيُ بقيادةِ أمريكا للإسلامِ، والذي كانت أحدَ أمثلتِه الإساءاتُ المتكررةُ، التي وُجهت إلى شخصيةِ الرسولِ الأكرمِ صلى اللهُ عليه وسلم.
فقد وجهوا الإساءاتِ للنبيِ صلى اللهُ عليه وسلم، وتعمدوا الاستمرارَ في ذلك ورفضَ الاعتذارِ، ولازالوا ينشرون هذه الإساءاتِ، بينما لا يجرؤ أحدٌ منهم أن يمسَ اليهوديةَ بأذىً، ولا أن يشككَ في مزاعمِ اليهودِ ضد النازيين ولا أن يهينَ الشاذين جنسياً، وإلا وقعَ تحت طائلةِ الهجومِ والاضطهادِ وعقوباتِ القانونِ.
وليس تطاولهُم على النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم بسببِ حريةِ الرأيِ، ولكن بسببِ تبدلِ المقدسات والمدنساتِ في هذه الحضارةِ المنتكسةِ، فالرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليه وسلم بل والسيدُ المسيحُ عليه السلامُ لم يعودا مقدسَين، بينما الساميةُ والمحرقةُ النازيةُ والشذوذُ الجنسيُ أصبحت من المقدساتِ.
ففي فرنسا صدرَ قانونٌ يعاقبُ كلَ من يشككُ في وقوعِ المحرقةِ النازيةِ ضد اليهودِ، بينما يَحْرُمُ على المسلماتِ في المدارسِ تغطيةُ رؤوسِهن، وفي فرنسا لا يستطيعُ الأبُ المسلمُ أن يمنعَ ابنتَه من ممارسةِ الفاحشةِ، لأن القانونَ يحميها، ولكن هذا القانونَ يعاقبُها إذا غطت رأسَها في المدرسةِ! وفي انجلترا صدرَ قانونٌ يعاقبُ من يمجدُ الإرهابَ، ولكن لا ضيرَ من سبِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم.
وهذه الإهاناتُ لشخصِ الرسولِ الأكرمِ صلى اللهُ عليه وسلم هي حلقةٌ من سلسلةِ الإهاناتِ، التي تتعمدُ الحملةُ الصليبيةُ توجيهَها للإسلامِ والمسلمين، هل نسينا سلمان رشدي وبذاءاتِه ضد النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم وأمهاتِ المؤمنين؟ وهل نسينا مدى التكريمِ والحفاوةِ التي يتمتعُ بها؟ - حتى لقد استقبلوه في البيتِ الأبيضِ - وهل نسينا منعَ فرنسا للحجابِ دفاعاً عن العلمَانيةِ؟ وهل نسينا إهاناتِ الأمريكانِ المتكررةِ للقرآنِ الكريمِ؟ وهل نسينا ضغطَ أمريكا من أجلِ إيداعِ وفاءِ قسطنطين وأخواتِها لأقبيةِ التعذيبِ في الأديرةِ المحميةِ بالنفوذِ الأمريكيِ الصليبيِ؟ وهاهو الوزيرُ الإيطاليُ يخرجُ مرتدياً قميصاً عليه تلك الصورُ المجرمةُ، وهاهي جرائمُ أبو غريب تُطِلُ علينا مرةً أخرى، لتفضحَ كذبَهم بأنها حوادثُ متفرقةٌ قام بها صغارُ الجنودِ.
كلُ هذا لأننا في نظرِ الغربِ نهبٌ مباحٌ، من حقِهم احتلالُ أرضِنا وسرِقةُ ثرواتِنا، ثم سبُنا وسبُ دينِنا وإهانةُ قرآنِنا ونبيِنا عليه الصلاةُ والسلامُ، ثم بعد ذلك يعطوننا دروساً في الحريةِ والعدالةِ وحقوقِ الإنسانِ.
إن مواجهةَ هذه الحوادثِ ليست بالمظاهراتِ ولا بحرقِ السفاراتِ فقط، ثم نعودُ لبيوتِنا لنمارسَ حياتَنا كما اعتدنا.
ليس هذا هو القيامَ بحقِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم الذي قالَ عنه المولى سبحانه في كتابِه الكريمِ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، وقال عنه سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}.
ولكن مواجهةَ هذه الإهاناتِ تتطلبُ قومةً صادقةً من الأمةِ لتتصدى للحملةِ الصليبيةِ على الإسلامِ باليدِ واللسانِ والبيانِ والسنانِ.
تتطلبُ منا؛ أن نسألَ أنفسَنا سؤالاً خطيراً: هل نحنُ مستعدون للتضحيةِ بأنفسِنا وما نملكُ في سبيلِ اللهِ؟ أم أننا أحرصُ على متاعِ الدنيا من حرصِنا على انتصارِ الإسلامِ؟
إذا كنا مستعدين للتضحيةِ بأنفسِنا وما نملكُ في سبيلِ اللهِ، فعلينا بالسعيِ الجادِ في صدِ هذه الحملةِ الصليبيةِ المجرمةِ التي تستهدفُ عقيدتَنا وحرماتِنا وأرضَنا وثرواتِنا.
علينا حينئذٍ أن نعملَ على أربعِ جبهاتٍ مترابطةٍ:
الجبهةُ الأولى:
جبهةُ إنزالِ الخسائرِ بالغربِ الصليبيِ وخاصةً في كيانِه الاقتصاديِ بضرباتٍ يظلُ ينزفُ منها لسنين، وضرباتُ نيويوركَ وواشنطنَ ومدريدَ ولندنَ خيرُ مثالٍ على ذلك، وفي هذا الصددِ علينا أن نحرمَ الغربَ الصليبيَ من سرقةِ بترولِ المسلمين، الذي يُستنزفُ في أكبرِ سرقةٍ عرفها التاريخُ البشريُ. ويجبُ علينا أيضاً أن نمارسَ المقاطعةَ الاقتصاديةَ الشعبيةَ ضد الدانمركِ والنرويجِ وفرنسا وألمانيا وضد كلِ الدولِ التي شاركت في هذا التهجمِ الدنيءِ، بل وضد كلِ الدولِ التي شاركت في الحملةِ الصليبيةِ على الإسلامِ والمسلمين.
أما الجبهة الثانية:
فهي جبهةُ طردِ العدوِ الصليبيِ الصهيونيِ من بلادِ الإسلامِ، وخاصةً من العراقِ وأفغانستانَ وفلسطينَ. يجب أن تدفعَ القواتُ الغازيةُ لديارِ الإسلامِ ثمناً باهظاً لهذا الغزوِ.
ويجبُ أن تخرجَ منهزمةً من ديارِنا بعد أن تنهارَ اقتصادياتُها، لنقيمَ على أرضِنا دولةَ الخلافةِ المسلمةِ بإذنِ اللهِ.
والأمةُ المسلمةُ في كلِ مكانٍ مسؤولةٌ عن دعمِ العملِ الجهاديِ في ميادينِ الجهادِ المفتوحةِ ضد الصليبيين واليهودِ، التي يجب أن يتسابقَ المسلمون في دعمِها بالرجالِ والمالِ والعتادِ والخبرةِ، ولا يُتصورُ أن توجَه زكواتُ المسلمين وصدقاتُهم وخيراتُهم لغيرِ هذه الميادينِ قبل أن تُوفى حاجَتها.
إن المجاهدين في ميادينِ العراقِ وفلسطينَ وأفغانستانَ هم خطُ الدفاعِ الأولِ عن الإسلامِ والمسلمين، ولو انكسرَ هذا الخطُ - لا قدرَ اللهُ - فسيستولى الصليبيون على كلِ ثرواتِنا.
أما الجبهةُ الثالثةُ:
فهي جبهةُ العملِ على تغييرِ الأنظمةِ الفاسدةِ المفسدةِ، التي باعت كرامتَنا وعزتَنا للغربِ الصليبيِ، واستسلمت لإسرائيلَ. فعلى أهلِ الرأيِ والنفوذِ ونخبِ الأمةِ المؤثرةِ أن يتجمعوا ويتشاوروا، ويتحملوا مسؤوليتَهم، ويبادروا إلى العملِ على تغييرِ هذه الأنظمةِ الفاسدةِ المفسدةِ، التي لا أملَ في إصلاحِ أحوالِنا طالما ظلت جاثمةً على صدورِنا.
أما الجبهةُ الرابعةُ:
فهي جبهةُ العملِ الشعبيِ الدعويِ. فعلى كلِ داعيةٍ وعالمٍ وكاتبٍ وصاحبِ رأيٍ وفكرٍ في الأمةِ المسلمةِ أن يقومَ بدورِه في توعيةِ الأمةِ من الخطرِ الذي يواجهُها، وأن يحرضَها على العودةِ للإسلامِ والعملِ على تحكيمِ شرعِه، والحذرِ من كلِ منهجٍ - وإن ارتدى ثوباً إسلامياً - يدعو لنبذِ حاكميةِ الشريعةِ أو التحاكمِ لغيرِها من المناهجِ والمبادئِ.
وعليهم أن يحفزوا الأمةَ لمساندةِ أبنائِها المجاهدين مادياً ومعنوياً، وأن يضربوا لها المثلَ والقدوةَ في تبليغِ كلمةِ الحقِ بتضحياتِهم ونشرِها بين الناسِ، حتى تستجيبَ الأمةُ لدعوتِهم لها بالتضحيةِ والفداءِ.
سئل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ).
ويجب أن ينشروا الدعوةَ لوجوبِ تغييرِ الواقعِ الفاسدِ المَهينِ الذي نعيشُه، حتى تصبحَ هذه الدعوةُ تياراً جارفاً يكتسحُ الفسادَ والمفسدين،
هكذا نستطيعُ أن نتصدى تصدياً حقيقياً فعالاً لهذه الحملةِ الصليبيةِ الحاقدةِ.
ولعل هذه الأحداثَ المتتابعةَ تظهرُ للمسلمين أيةَ حريةٍ يريدُها الغربُ الصليبيُ لنا، إنها حريةُ الاعتداءِ على الإسلامِ والمسلمين.
ولو استولى هؤلاءِ الصليبيون على بلادِنا - كما خططوا ويخططون - لدنسوا كلَ مقدسٍ، ولاعتدوا على كلِ قيمةٍ، ولانتهكوا كلَ حرمةٍ.
إن مخططَهم الرهيبَ المجرمَ لم يتصدَ له ويوقفَه إلا استشهادُ وتضحياتُ المجاهدين في فلسطينَ والعراقِ وأفغانستانَ والشيشانِ، لولا هؤلاء المجاهدون لكان حالُنا اليومَ في حضيضِ المهانةِ والمذلةِ.
أمتي المسلمةَ...
إن الغربَ يتمتعُ بنفاقٍ عجيبٍ في المبادئِ والأخلاقِ، فما هو حلالٌ لهم حرامٌ على غيرِهم:
فحلالٌ عليهم أن يقصفونا ويقتلوا نساءَنا وأطفالَنا، وحرامٌ علينا أن نردَ عليهم، وحلالٌ عليهم أن يدمروا المساجد ويقتحموها في أفغانستانَ والعراقِ، وحرامٌ علينا أن نعرفَ ما يدورُ في أقبيةِ التعذيبِ بالأديرةِ التي سيقت لها وفاءُ قسطنطينُ وأخواتُها.
لقد كذَبَ بوشُ في خطابِه عن حالةِ الاتحادِ فقالَ: (إن مستقبلَ أمريكا مرتبطٌ بمحاربةِ الطغيانِ والإرهابِ)، بينما أمريكا ما حققت ولا تُحققُ مصالَحها إلا بنشرِ الطغيانِ والإرهابِ على يد أصدقائِها آلِ سعودٍ ومشرفٍ ومباركٍ وعبدِ اللهِ بنِ الحسينِ وزينِ العابدين بنِ عليٍ.
وبوشُ يدعونا لاحترامِ حقوقِ الإنسانِ، بينما ينشرَُ سجونَه السريةَ في كلِ مكانٍ، ويمارسُ التعذيبَ القذرَ في باجرام وأبوغريب وجوانتانامو، ويرسلُ المسلمين ليعذَبوا في سجونِ أصدقائِه.
لقد كذَبَ بوشُ في خطابِه عن حالةِ الاتحادِ فقالَ: (إن شعبَ مصرَ العظيمَ قد أبدى رأيَه في الانتخاباتِ الرئاسيةِ)، وكلُ العالمِ يعلمُ كيف تمتِ الانتخاباتُ الرئاسيةُ في مصرَ بالتزويرِ والإجرامِ.
وبوشُ داعيةُ الديمقراطيةِ هددَ حماسَ - في خطابِه عن حالةِ الاتحادِ - بقطعِ المعوناتِ إن لم تعترفْ بإسرائيلَ، وتتخلى عن الجهادِ، وتلتزمْ باتفاقاتِ الاستسلامِ بين السلطةِ وإسرائيلَ.
وفي هذا الصددِ يهُمني أن أنبهَ إخواني المسلمين في فلسطينَ لعدةِ أمورٍ، حتى يدركوا أبعادَ المؤامرةِ الأمريكيةِ ضدهم:
الأمرُ الأولُ؛ أن الوصولَ للسلطةِ ليس مطلوباً لذاتِه:
ولكنه مطلوبٌ لتمكينِ شرعِ اللهِ في الأرضِ، فإذا تخلينا عن أساسِ الدينِ وهو حاكميةُ الشريعةِ، فكيف سنطبقُ منهجَ اللهِ في الأرضِ؟
إن التحاكمَ لشرعِ اللهِ أصلٌ من أصولِ التوحيدِ، أما التحاكمُ لغيرِ اللهِ من الآراءِ والأهواءِ فهو ليس دينَ اللهِ ولا شرعَه، إنه دينٌ آخرٌ وشرعٌ آخرٌ، يقولُ الحقُ تباركَ وتعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
الأمرُ الثاني؛ أن علينا أن نفهمَ حقيقةَ الصراعِ وأبعادَه:
حقيقةُ الصراعِ أن الاحتلالَ اليهوديَ لفلسطينَ هو رأسُ حربةِ الحملةِ الصليبيةِ على الإسلامِ والمسلمين، والصراعُ يمتدُ في أبعادِه ليشملَ المواجهةَ بين الأمةِ المسلمةِ كلِها والغربِ الصليبيِ.
ففلسطينُ قضيةُ كلِ مسلمٍ، ولا يمكنُ خوضُ الجهادِ فيها على أساسٍ وطنيٍ علمانيٍ ضيقٍ، ينحي حاكميةَ الشريعةِ، ويحترمُ العلمانيين باعةَ فلسطينَ، وكذلك فإن كلَ مسلمٍ في فلسطينَ هو جزءٌ من أمتِه المسلمةِ، ومسؤولٌ عن نصرةِ كلِ قضاياها.
إن العلمانيين في السلطة الوطنية قد باعوا فلسطينَ ورضوا منها بالفتاتِ، والاعترافُ بهؤلاء المتنازلين وإسباغُ الشرعيةِ عليهم مخالفٌ لمنهجِ الإسلامِ، فهؤلاء في ميزانِ الإسلامِ مجرمون، وفلسطينُ ليست ملكاً لهم، ولا عقاراً ورِثوه، حتى يتخلَوا عنها. والدخولُ مع هؤلاء البائعين لفلسطينَ في مجلسٍ تشريعيٍ واحدٍ والنظرُ لبيعِهم لفلسطينَ - المخالفِ للإسلامِ - على أنه اجتهادٌ معتبرٌ، والرضا بأن يكون الحكَمُ الفصلُ بيننا وبينهم هو عددَ الأصواتِ مخالفةٌ صريحةٌ لمنهجِ القرآنِ.
ومعنى اعترافِنا بشرعيةِ سلطتِهم ونظامِهم هو اعترافُنا بما وقعوه من اتفاقاتٍ، ومعنى هذا أيضاً أن هؤلاء المجرمين لو استطاعوا أن يحصلوا على الأغلبيةِ في أية انتخاباتٍ قادمةٍ فعلينا أن نسلمَ لهم بالحقِ في بيعِ فلسطينَ، بينما ليس من حقِ أحدٍ فلسطينيٍ أو غيرِ فلسطينيٍ أن يتنازلَ عن حبةِ رملٍ واحدةٍ من فلسطينَ، هذه كانت دارُ إسلامٍ احتلها الكفارُ، وفرضُ عينٍ على كلِ مسلمٍ أن يسعى في استردادِها.
هذا هو المعنى الخطيرُ في قبولِ دخولِ هذه المجالسِ العلمانيةِ على أساسٍ من دستورَ علمانيٍ وعلى أساسِ اتفاقياتِ مدريدَ وأوسلو وخريطةِ الطريقِ وغيرِها من اتفاقياتِ الاستسلامِ المخالفةِ بل المتصادمةِ مع الشريعةِ.
إن لكلِ أمةٍ مرجعيةً، فاليهودُ لا يقبلون أن يكون حاملاً لجنسيتِهم من يسعى للقضاءِ على إسرائيلَ، وأمريكا وكثيرٌ من الدولِ تفرضُ على المتجنسِ أن يقسمَ على احترامِ دستورِهم وقوانينِهم.
والمسلمون مرجعيتُهم الإسلامُ، الذي يقومُ على التوحيدِ وعلى التسليمِ للمولى سبحانَه بحقِ الحكمِ والتشريعِ.
الأمرُ الثالثُ؛ هو أننا لو تنازلنا عن حاكميةِ الشريعةِ طمعاً في استردادِ جزءٍ من فلسطينَ فلن يرضى منا الغربُ الصليبيُ بذلك:
وسيظلُ يشنُ الحربَ علينا، ولن يمكنَنا من الحكمِ، حتى نرضى بما يفرضُه علينا من اعترافٍ واستسلامٍ لإسرائيلَ، فلماذا نبيعُ دينَنا من أجلِ دنيا موهومةٍ.
ونحن نعلمُ علمَ اليقينِ؛ أن فلسطينَ لن تتحررَ بالانتخاباتِ، ولكن بالجهادِ في سبيلِ اللهِ.
الأمرُ الرابعُ؛ أنه قد صدرت عدةُ تصريحاتٍ تدورُ حولَ قبولِ واحترامِ الاتفاقاتِ الموقعةِ بين السلطةِ الوطنيةِ وإسرائيلَ:
أي أن أصحابَ هذه التصريحاتِ يقبلون باتفاقياتِ مدريدَ وأوسلو وخارطةِ الطريقِ وأخواتِها من اتفاقياتِ الاستسلامِ.
وهذه سقطةٌ خطيرةٌ، يجبُ الرجوعُ عنها فوراً. وإن المرءَ ليتساءلُ من أجلِ ماذا تمَ التنازلُ عن حاكميةِ الشريعة؟ ومن أجلِ ماذا تم القبولُ باتفاقياتِ الاستسلامِ؟ من أجلِِ ثمانين مِقعداً في بلديةِ غزةَ.
إخواني المسلمين في فلسطينَ وفي العراقِ وفي كلِ مكانٍ...
إن علينا أن نحذرَ من اللُُعبةِ الأمريكيةِ الجديدةِ المسماةِ بـ "العمليةِ السياسيةِ".
هذه اللعبةُ التي تقومُ على أربعة أركانٍ ماكرةٍ:
الركنُ الأولُ: التخلي عن التحاكمِ للشريعةِ.
والركنُ الثاني: الاعترافُ بالأوضاعِ القائمةِ واتفاقياتِ الاستسلامِ، التي فرضها العدوُ بالتواطؤِ مع باعةِ حرماتِنا وكرامتِنا.
والركنُ الثالثُ: إلقاءُ السلاحِ ونبذُ الجهادِ، والركنُ الرابعُ: استعلاءُ العدوِ واحتفاظُه بكلِ ترسانتِه من الأسلحةِ التقليديةِ وغيرِ التقليديةِ وقواعدِه على أرضِنا وقواتِه المحتلةِ لبلادِنا، واستمرارُه في ضربِنا والعدوانِ علينا.
والعدوُ الصليبيُ الصهيونيُ يستدرجُ بعضَنا بإغراءِ السلطةِ والسماحِ بحريةِ الحركةِ للإقرارِ ببعضِ شروطِ اللعبةِ، ثم يدفعُهم بالضغطِ والحصارِ لتقبلِ باقي الشروطِ.
ولذا علينا أن نواجهَ مؤامرةَ العدوِ بخطةٍ عقائديةٍ جهاديةٍ تقومُ على التمسكِ بحاكميةِ الشريعةِ ورفضِ اتفاقياتِ الاستسلامِ ومواصلةِ الجهادِ والإثخانِ في ترسانتِه ونظامِه الاقتصاديِ.
وقد يتساءلُ متسائِلٌ: وما الضررُ من تحقيقِ مكاسبَ سياسيةٍ، حتى ولو كانت مرحليةً أو قليلةً؟
والجواب: أن التحذيرَ لا يتناولُ المكاسبَ القليلةَ، ولكنه يتناولُ الثمنَ الباهظَ الذي دُفع من أجلِها، أفمن من أجلِ ثمانين مِقعداً في بلديةِ غزةَ نتنازلُ عن عقيدةِ التوحيدِ ونلتزمُ باتفاقياتِ الاستسلامِ؟!
وقد يتساءلُ متسائِلٌ آخرٌ: وما البديلُ؟
الجواب: أن البديلَ هو طريقُ الأنبياءِ والمرسلين؛ الدعوةُ والجهادُ، الدعوةُ للعقيدةِ الصافيةِ والجهادُ في سبيلِها، حتى تتحررَ الأرضُ، وتقومَ دولةُ الخلافةِ المسلمةِ بإذنِ اللهِ.
أمتي المسلمةَ في كلِ مكانٍ...
إن اللهَََ سبحانه وتعالي لم يأمرْنا بالسعيِ لتحريرِ الأرضِ ورفعِ الظلمِ وحمايةِ الحرماتِ بأيةِ وسيلةٍ وأيِ منهاجٍ، بل أمرنا اللهُ سبحانه وتعالى بالجهادِ لكي لكي تكون كلمة الله هي العليا ويكونَ الدينُ كلُه للهِ، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ}.
وقال النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ، حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ).
فإذا كان الدينُ كلُه للهِ، وإذا كانت كلمةُ اللهِ هي العليا، فحينئذٍ ستتحررُ الأرضُ، وسيرفعُ الظلمُ، وستُحمى الحرماتُ.
أما إذا ضحينا بحاكميةِ الشريعةِ، واسبغنا الشرعيةَ على باعةِ الأوطانِ وموقعي اتفاقياتِ الاستسلامِ أملاً في تحريرِ الأرضِ أو رفعِ الظلمِ أو صيانةِ الحرماتِ، فسنخسرُ الدينَ والدنيا معاً، وستبقى الأرضُ محتلةً والظلمُ قائماً والحرماتُ منتَهكةً.
يقولُ الحقُ تبارك وتعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ
وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلمَ
البديل هو الدعوة والجهاد
[الكاتب: أيمن الظواهري]
بسمِ اللهِ، والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وآلهِ وصحبِهِ ومن والاه.
أيها الإخوةُ المسلمونَ في كلِ مكانٍ...
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
وبعدُ...
ها هو الحقدُ الصليبيُ الذي يُكنُه الغربُ الصليبيُ بقيادةِ أمريكا للإسلامِ، والذي كانت أحدَ أمثلتِه الإساءاتُ المتكررةُ، التي وُجهت إلى شخصيةِ الرسولِ الأكرمِ صلى اللهُ عليه وسلم.
فقد وجهوا الإساءاتِ للنبيِ صلى اللهُ عليه وسلم، وتعمدوا الاستمرارَ في ذلك ورفضَ الاعتذارِ، ولازالوا ينشرون هذه الإساءاتِ، بينما لا يجرؤ أحدٌ منهم أن يمسَ اليهوديةَ بأذىً، ولا أن يشككَ في مزاعمِ اليهودِ ضد النازيين ولا أن يهينَ الشاذين جنسياً، وإلا وقعَ تحت طائلةِ الهجومِ والاضطهادِ وعقوباتِ القانونِ.
وليس تطاولهُم على النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم بسببِ حريةِ الرأيِ، ولكن بسببِ تبدلِ المقدسات والمدنساتِ في هذه الحضارةِ المنتكسةِ، فالرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليه وسلم بل والسيدُ المسيحُ عليه السلامُ لم يعودا مقدسَين، بينما الساميةُ والمحرقةُ النازيةُ والشذوذُ الجنسيُ أصبحت من المقدساتِ.
ففي فرنسا صدرَ قانونٌ يعاقبُ كلَ من يشككُ في وقوعِ المحرقةِ النازيةِ ضد اليهودِ، بينما يَحْرُمُ على المسلماتِ في المدارسِ تغطيةُ رؤوسِهن، وفي فرنسا لا يستطيعُ الأبُ المسلمُ أن يمنعَ ابنتَه من ممارسةِ الفاحشةِ، لأن القانونَ يحميها، ولكن هذا القانونَ يعاقبُها إذا غطت رأسَها في المدرسةِ! وفي انجلترا صدرَ قانونٌ يعاقبُ من يمجدُ الإرهابَ، ولكن لا ضيرَ من سبِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم.
وهذه الإهاناتُ لشخصِ الرسولِ الأكرمِ صلى اللهُ عليه وسلم هي حلقةٌ من سلسلةِ الإهاناتِ، التي تتعمدُ الحملةُ الصليبيةُ توجيهَها للإسلامِ والمسلمين، هل نسينا سلمان رشدي وبذاءاتِه ضد النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم وأمهاتِ المؤمنين؟ وهل نسينا مدى التكريمِ والحفاوةِ التي يتمتعُ بها؟ - حتى لقد استقبلوه في البيتِ الأبيضِ - وهل نسينا منعَ فرنسا للحجابِ دفاعاً عن العلمَانيةِ؟ وهل نسينا إهاناتِ الأمريكانِ المتكررةِ للقرآنِ الكريمِ؟ وهل نسينا ضغطَ أمريكا من أجلِ إيداعِ وفاءِ قسطنطين وأخواتِها لأقبيةِ التعذيبِ في الأديرةِ المحميةِ بالنفوذِ الأمريكيِ الصليبيِ؟ وهاهو الوزيرُ الإيطاليُ يخرجُ مرتدياً قميصاً عليه تلك الصورُ المجرمةُ، وهاهي جرائمُ أبو غريب تُطِلُ علينا مرةً أخرى، لتفضحَ كذبَهم بأنها حوادثُ متفرقةٌ قام بها صغارُ الجنودِ.
كلُ هذا لأننا في نظرِ الغربِ نهبٌ مباحٌ، من حقِهم احتلالُ أرضِنا وسرِقةُ ثرواتِنا، ثم سبُنا وسبُ دينِنا وإهانةُ قرآنِنا ونبيِنا عليه الصلاةُ والسلامُ، ثم بعد ذلك يعطوننا دروساً في الحريةِ والعدالةِ وحقوقِ الإنسانِ.
إن مواجهةَ هذه الحوادثِ ليست بالمظاهراتِ ولا بحرقِ السفاراتِ فقط، ثم نعودُ لبيوتِنا لنمارسَ حياتَنا كما اعتدنا.
ليس هذا هو القيامَ بحقِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم الذي قالَ عنه المولى سبحانه في كتابِه الكريمِ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، وقال عنه سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}.
ولكن مواجهةَ هذه الإهاناتِ تتطلبُ قومةً صادقةً من الأمةِ لتتصدى للحملةِ الصليبيةِ على الإسلامِ باليدِ واللسانِ والبيانِ والسنانِ.
تتطلبُ منا؛ أن نسألَ أنفسَنا سؤالاً خطيراً: هل نحنُ مستعدون للتضحيةِ بأنفسِنا وما نملكُ في سبيلِ اللهِ؟ أم أننا أحرصُ على متاعِ الدنيا من حرصِنا على انتصارِ الإسلامِ؟
إذا كنا مستعدين للتضحيةِ بأنفسِنا وما نملكُ في سبيلِ اللهِ، فعلينا بالسعيِ الجادِ في صدِ هذه الحملةِ الصليبيةِ المجرمةِ التي تستهدفُ عقيدتَنا وحرماتِنا وأرضَنا وثرواتِنا.
علينا حينئذٍ أن نعملَ على أربعِ جبهاتٍ مترابطةٍ:
الجبهةُ الأولى:
جبهةُ إنزالِ الخسائرِ بالغربِ الصليبيِ وخاصةً في كيانِه الاقتصاديِ بضرباتٍ يظلُ ينزفُ منها لسنين، وضرباتُ نيويوركَ وواشنطنَ ومدريدَ ولندنَ خيرُ مثالٍ على ذلك، وفي هذا الصددِ علينا أن نحرمَ الغربَ الصليبيَ من سرقةِ بترولِ المسلمين، الذي يُستنزفُ في أكبرِ سرقةٍ عرفها التاريخُ البشريُ. ويجبُ علينا أيضاً أن نمارسَ المقاطعةَ الاقتصاديةَ الشعبيةَ ضد الدانمركِ والنرويجِ وفرنسا وألمانيا وضد كلِ الدولِ التي شاركت في هذا التهجمِ الدنيءِ، بل وضد كلِ الدولِ التي شاركت في الحملةِ الصليبيةِ على الإسلامِ والمسلمين.
أما الجبهة الثانية:
فهي جبهةُ طردِ العدوِ الصليبيِ الصهيونيِ من بلادِ الإسلامِ، وخاصةً من العراقِ وأفغانستانَ وفلسطينَ. يجب أن تدفعَ القواتُ الغازيةُ لديارِ الإسلامِ ثمناً باهظاً لهذا الغزوِ.
ويجبُ أن تخرجَ منهزمةً من ديارِنا بعد أن تنهارَ اقتصادياتُها، لنقيمَ على أرضِنا دولةَ الخلافةِ المسلمةِ بإذنِ اللهِ.
والأمةُ المسلمةُ في كلِ مكانٍ مسؤولةٌ عن دعمِ العملِ الجهاديِ في ميادينِ الجهادِ المفتوحةِ ضد الصليبيين واليهودِ، التي يجب أن يتسابقَ المسلمون في دعمِها بالرجالِ والمالِ والعتادِ والخبرةِ، ولا يُتصورُ أن توجَه زكواتُ المسلمين وصدقاتُهم وخيراتُهم لغيرِ هذه الميادينِ قبل أن تُوفى حاجَتها.
إن المجاهدين في ميادينِ العراقِ وفلسطينَ وأفغانستانَ هم خطُ الدفاعِ الأولِ عن الإسلامِ والمسلمين، ولو انكسرَ هذا الخطُ - لا قدرَ اللهُ - فسيستولى الصليبيون على كلِ ثرواتِنا.
أما الجبهةُ الثالثةُ:
فهي جبهةُ العملِ على تغييرِ الأنظمةِ الفاسدةِ المفسدةِ، التي باعت كرامتَنا وعزتَنا للغربِ الصليبيِ، واستسلمت لإسرائيلَ. فعلى أهلِ الرأيِ والنفوذِ ونخبِ الأمةِ المؤثرةِ أن يتجمعوا ويتشاوروا، ويتحملوا مسؤوليتَهم، ويبادروا إلى العملِ على تغييرِ هذه الأنظمةِ الفاسدةِ المفسدةِ، التي لا أملَ في إصلاحِ أحوالِنا طالما ظلت جاثمةً على صدورِنا.
أما الجبهةُ الرابعةُ:
فهي جبهةُ العملِ الشعبيِ الدعويِ. فعلى كلِ داعيةٍ وعالمٍ وكاتبٍ وصاحبِ رأيٍ وفكرٍ في الأمةِ المسلمةِ أن يقومَ بدورِه في توعيةِ الأمةِ من الخطرِ الذي يواجهُها، وأن يحرضَها على العودةِ للإسلامِ والعملِ على تحكيمِ شرعِه، والحذرِ من كلِ منهجٍ - وإن ارتدى ثوباً إسلامياً - يدعو لنبذِ حاكميةِ الشريعةِ أو التحاكمِ لغيرِها من المناهجِ والمبادئِ.
وعليهم أن يحفزوا الأمةَ لمساندةِ أبنائِها المجاهدين مادياً ومعنوياً، وأن يضربوا لها المثلَ والقدوةَ في تبليغِ كلمةِ الحقِ بتضحياتِهم ونشرِها بين الناسِ، حتى تستجيبَ الأمةُ لدعوتِهم لها بالتضحيةِ والفداءِ.
سئل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ).
ويجب أن ينشروا الدعوةَ لوجوبِ تغييرِ الواقعِ الفاسدِ المَهينِ الذي نعيشُه، حتى تصبحَ هذه الدعوةُ تياراً جارفاً يكتسحُ الفسادَ والمفسدين،
هكذا نستطيعُ أن نتصدى تصدياً حقيقياً فعالاً لهذه الحملةِ الصليبيةِ الحاقدةِ.
ولعل هذه الأحداثَ المتتابعةَ تظهرُ للمسلمين أيةَ حريةٍ يريدُها الغربُ الصليبيُ لنا، إنها حريةُ الاعتداءِ على الإسلامِ والمسلمين.
ولو استولى هؤلاءِ الصليبيون على بلادِنا - كما خططوا ويخططون - لدنسوا كلَ مقدسٍ، ولاعتدوا على كلِ قيمةٍ، ولانتهكوا كلَ حرمةٍ.
إن مخططَهم الرهيبَ المجرمَ لم يتصدَ له ويوقفَه إلا استشهادُ وتضحياتُ المجاهدين في فلسطينَ والعراقِ وأفغانستانَ والشيشانِ، لولا هؤلاء المجاهدون لكان حالُنا اليومَ في حضيضِ المهانةِ والمذلةِ.
أمتي المسلمةَ...
إن الغربَ يتمتعُ بنفاقٍ عجيبٍ في المبادئِ والأخلاقِ، فما هو حلالٌ لهم حرامٌ على غيرِهم:
فحلالٌ عليهم أن يقصفونا ويقتلوا نساءَنا وأطفالَنا، وحرامٌ علينا أن نردَ عليهم، وحلالٌ عليهم أن يدمروا المساجد ويقتحموها في أفغانستانَ والعراقِ، وحرامٌ علينا أن نعرفَ ما يدورُ في أقبيةِ التعذيبِ بالأديرةِ التي سيقت لها وفاءُ قسطنطينُ وأخواتُها.
لقد كذَبَ بوشُ في خطابِه عن حالةِ الاتحادِ فقالَ: (إن مستقبلَ أمريكا مرتبطٌ بمحاربةِ الطغيانِ والإرهابِ)، بينما أمريكا ما حققت ولا تُحققُ مصالَحها إلا بنشرِ الطغيانِ والإرهابِ على يد أصدقائِها آلِ سعودٍ ومشرفٍ ومباركٍ وعبدِ اللهِ بنِ الحسينِ وزينِ العابدين بنِ عليٍ.
وبوشُ يدعونا لاحترامِ حقوقِ الإنسانِ، بينما ينشرَُ سجونَه السريةَ في كلِ مكانٍ، ويمارسُ التعذيبَ القذرَ في باجرام وأبوغريب وجوانتانامو، ويرسلُ المسلمين ليعذَبوا في سجونِ أصدقائِه.
لقد كذَبَ بوشُ في خطابِه عن حالةِ الاتحادِ فقالَ: (إن شعبَ مصرَ العظيمَ قد أبدى رأيَه في الانتخاباتِ الرئاسيةِ)، وكلُ العالمِ يعلمُ كيف تمتِ الانتخاباتُ الرئاسيةُ في مصرَ بالتزويرِ والإجرامِ.
وبوشُ داعيةُ الديمقراطيةِ هددَ حماسَ - في خطابِه عن حالةِ الاتحادِ - بقطعِ المعوناتِ إن لم تعترفْ بإسرائيلَ، وتتخلى عن الجهادِ، وتلتزمْ باتفاقاتِ الاستسلامِ بين السلطةِ وإسرائيلَ.
وفي هذا الصددِ يهُمني أن أنبهَ إخواني المسلمين في فلسطينَ لعدةِ أمورٍ، حتى يدركوا أبعادَ المؤامرةِ الأمريكيةِ ضدهم:
الأمرُ الأولُ؛ أن الوصولَ للسلطةِ ليس مطلوباً لذاتِه:
ولكنه مطلوبٌ لتمكينِ شرعِ اللهِ في الأرضِ، فإذا تخلينا عن أساسِ الدينِ وهو حاكميةُ الشريعةِ، فكيف سنطبقُ منهجَ اللهِ في الأرضِ؟
إن التحاكمَ لشرعِ اللهِ أصلٌ من أصولِ التوحيدِ، أما التحاكمُ لغيرِ اللهِ من الآراءِ والأهواءِ فهو ليس دينَ اللهِ ولا شرعَه، إنه دينٌ آخرٌ وشرعٌ آخرٌ، يقولُ الحقُ تباركَ وتعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
الأمرُ الثاني؛ أن علينا أن نفهمَ حقيقةَ الصراعِ وأبعادَه:
حقيقةُ الصراعِ أن الاحتلالَ اليهوديَ لفلسطينَ هو رأسُ حربةِ الحملةِ الصليبيةِ على الإسلامِ والمسلمين، والصراعُ يمتدُ في أبعادِه ليشملَ المواجهةَ بين الأمةِ المسلمةِ كلِها والغربِ الصليبيِ.
ففلسطينُ قضيةُ كلِ مسلمٍ، ولا يمكنُ خوضُ الجهادِ فيها على أساسٍ وطنيٍ علمانيٍ ضيقٍ، ينحي حاكميةَ الشريعةِ، ويحترمُ العلمانيين باعةَ فلسطينَ، وكذلك فإن كلَ مسلمٍ في فلسطينَ هو جزءٌ من أمتِه المسلمةِ، ومسؤولٌ عن نصرةِ كلِ قضاياها.
إن العلمانيين في السلطة الوطنية قد باعوا فلسطينَ ورضوا منها بالفتاتِ، والاعترافُ بهؤلاء المتنازلين وإسباغُ الشرعيةِ عليهم مخالفٌ لمنهجِ الإسلامِ، فهؤلاء في ميزانِ الإسلامِ مجرمون، وفلسطينُ ليست ملكاً لهم، ولا عقاراً ورِثوه، حتى يتخلَوا عنها. والدخولُ مع هؤلاء البائعين لفلسطينَ في مجلسٍ تشريعيٍ واحدٍ والنظرُ لبيعِهم لفلسطينَ - المخالفِ للإسلامِ - على أنه اجتهادٌ معتبرٌ، والرضا بأن يكون الحكَمُ الفصلُ بيننا وبينهم هو عددَ الأصواتِ مخالفةٌ صريحةٌ لمنهجِ القرآنِ.
ومعنى اعترافِنا بشرعيةِ سلطتِهم ونظامِهم هو اعترافُنا بما وقعوه من اتفاقاتٍ، ومعنى هذا أيضاً أن هؤلاء المجرمين لو استطاعوا أن يحصلوا على الأغلبيةِ في أية انتخاباتٍ قادمةٍ فعلينا أن نسلمَ لهم بالحقِ في بيعِ فلسطينَ، بينما ليس من حقِ أحدٍ فلسطينيٍ أو غيرِ فلسطينيٍ أن يتنازلَ عن حبةِ رملٍ واحدةٍ من فلسطينَ، هذه كانت دارُ إسلامٍ احتلها الكفارُ، وفرضُ عينٍ على كلِ مسلمٍ أن يسعى في استردادِها.
هذا هو المعنى الخطيرُ في قبولِ دخولِ هذه المجالسِ العلمانيةِ على أساسٍ من دستورَ علمانيٍ وعلى أساسِ اتفاقياتِ مدريدَ وأوسلو وخريطةِ الطريقِ وغيرِها من اتفاقياتِ الاستسلامِ المخالفةِ بل المتصادمةِ مع الشريعةِ.
إن لكلِ أمةٍ مرجعيةً، فاليهودُ لا يقبلون أن يكون حاملاً لجنسيتِهم من يسعى للقضاءِ على إسرائيلَ، وأمريكا وكثيرٌ من الدولِ تفرضُ على المتجنسِ أن يقسمَ على احترامِ دستورِهم وقوانينِهم.
والمسلمون مرجعيتُهم الإسلامُ، الذي يقومُ على التوحيدِ وعلى التسليمِ للمولى سبحانَه بحقِ الحكمِ والتشريعِ.
الأمرُ الثالثُ؛ هو أننا لو تنازلنا عن حاكميةِ الشريعةِ طمعاً في استردادِ جزءٍ من فلسطينَ فلن يرضى منا الغربُ الصليبيُ بذلك:
وسيظلُ يشنُ الحربَ علينا، ولن يمكنَنا من الحكمِ، حتى نرضى بما يفرضُه علينا من اعترافٍ واستسلامٍ لإسرائيلَ، فلماذا نبيعُ دينَنا من أجلِ دنيا موهومةٍ.
ونحن نعلمُ علمَ اليقينِ؛ أن فلسطينَ لن تتحررَ بالانتخاباتِ، ولكن بالجهادِ في سبيلِ اللهِ.
الأمرُ الرابعُ؛ أنه قد صدرت عدةُ تصريحاتٍ تدورُ حولَ قبولِ واحترامِ الاتفاقاتِ الموقعةِ بين السلطةِ الوطنيةِ وإسرائيلَ:
أي أن أصحابَ هذه التصريحاتِ يقبلون باتفاقياتِ مدريدَ وأوسلو وخارطةِ الطريقِ وأخواتِها من اتفاقياتِ الاستسلامِ.
وهذه سقطةٌ خطيرةٌ، يجبُ الرجوعُ عنها فوراً. وإن المرءَ ليتساءلُ من أجلِ ماذا تمَ التنازلُ عن حاكميةِ الشريعة؟ ومن أجلِ ماذا تم القبولُ باتفاقياتِ الاستسلامِ؟ من أجلِِ ثمانين مِقعداً في بلديةِ غزةَ.
إخواني المسلمين في فلسطينَ وفي العراقِ وفي كلِ مكانٍ...
إن علينا أن نحذرَ من اللُُعبةِ الأمريكيةِ الجديدةِ المسماةِ بـ "العمليةِ السياسيةِ".
هذه اللعبةُ التي تقومُ على أربعة أركانٍ ماكرةٍ:
الركنُ الأولُ: التخلي عن التحاكمِ للشريعةِ.
والركنُ الثاني: الاعترافُ بالأوضاعِ القائمةِ واتفاقياتِ الاستسلامِ، التي فرضها العدوُ بالتواطؤِ مع باعةِ حرماتِنا وكرامتِنا.
والركنُ الثالثُ: إلقاءُ السلاحِ ونبذُ الجهادِ، والركنُ الرابعُ: استعلاءُ العدوِ واحتفاظُه بكلِ ترسانتِه من الأسلحةِ التقليديةِ وغيرِ التقليديةِ وقواعدِه على أرضِنا وقواتِه المحتلةِ لبلادِنا، واستمرارُه في ضربِنا والعدوانِ علينا.
والعدوُ الصليبيُ الصهيونيُ يستدرجُ بعضَنا بإغراءِ السلطةِ والسماحِ بحريةِ الحركةِ للإقرارِ ببعضِ شروطِ اللعبةِ، ثم يدفعُهم بالضغطِ والحصارِ لتقبلِ باقي الشروطِ.
ولذا علينا أن نواجهَ مؤامرةَ العدوِ بخطةٍ عقائديةٍ جهاديةٍ تقومُ على التمسكِ بحاكميةِ الشريعةِ ورفضِ اتفاقياتِ الاستسلامِ ومواصلةِ الجهادِ والإثخانِ في ترسانتِه ونظامِه الاقتصاديِ.
وقد يتساءلُ متسائِلٌ: وما الضررُ من تحقيقِ مكاسبَ سياسيةٍ، حتى ولو كانت مرحليةً أو قليلةً؟
والجواب: أن التحذيرَ لا يتناولُ المكاسبَ القليلةَ، ولكنه يتناولُ الثمنَ الباهظَ الذي دُفع من أجلِها، أفمن من أجلِ ثمانين مِقعداً في بلديةِ غزةَ نتنازلُ عن عقيدةِ التوحيدِ ونلتزمُ باتفاقياتِ الاستسلامِ؟!
وقد يتساءلُ متسائِلٌ آخرٌ: وما البديلُ؟
الجواب: أن البديلَ هو طريقُ الأنبياءِ والمرسلين؛ الدعوةُ والجهادُ، الدعوةُ للعقيدةِ الصافيةِ والجهادُ في سبيلِها، حتى تتحررَ الأرضُ، وتقومَ دولةُ الخلافةِ المسلمةِ بإذنِ اللهِ.
أمتي المسلمةَ في كلِ مكانٍ...
إن اللهَََ سبحانه وتعالي لم يأمرْنا بالسعيِ لتحريرِ الأرضِ ورفعِ الظلمِ وحمايةِ الحرماتِ بأيةِ وسيلةٍ وأيِ منهاجٍ، بل أمرنا اللهُ سبحانه وتعالى بالجهادِ لكي لكي تكون كلمة الله هي العليا ويكونَ الدينُ كلُه للهِ، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ}.
وقال النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ، حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ).
فإذا كان الدينُ كلُه للهِ، وإذا كانت كلمةُ اللهِ هي العليا، فحينئذٍ ستتحررُ الأرضُ، وسيرفعُ الظلمُ، وستُحمى الحرماتُ.
أما إذا ضحينا بحاكميةِ الشريعةِ، واسبغنا الشرعيةَ على باعةِ الأوطانِ وموقعي اتفاقياتِ الاستسلامِ أملاً في تحريرِ الأرضِ أو رفعِ الظلمِ أو صيانةِ الحرماتِ، فسنخسرُ الدينَ والدنيا معاً، وستبقى الأرضُ محتلةً والظلمُ قائماً والحرماتُ منتَهكةً.
يقولُ الحقُ تبارك وتعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ
وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلمَ
تعليق