إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجلة الدورية الصادرة عن اللجنة الدعوية التابعة لسرايا القدس لواء الرسول محمد صلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجلة الدورية الصادرة عن اللجنة الدعوية التابعة لسرايا القدس لواء الرسول محمد صلي



    أولا : الطريق إلى الوحده الإسلامية
    الحمد لله ربِّ العالمين، ياربِّ لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، يُحي ويميت وهُو على كل شئ قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصَفِيُّهُ مِنْ خلْقه وخليلُه، بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الغُمةَ، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، اللهمّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وارض اللهم عن العشرة والذين بايعوه تحت الشجره متحدين
    فبالوحدة الإسلامية، والأُخوة الإيمانية سطعتْ شمسُ الإسلامِ على العالم، وامتدتْ فتوحاتُه في الكون وخَضَعتْ له دولٌ وممالك قروناً طويلةً , وبغياب الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية انحلَّتْ عُرانا، ووهَنَتْ قُوانا، وتداعتْ علينا الأممُ كما تَداعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها
    والحقُّ أنَّ الأمة الإسلامية تملك من أسباب الوحدة، وأواصر الأخوة، وقوة الإرادة، وإصرار العزيمة ما يجعلها قادرة على تجاوز هذه المحن وتغيير هذا الواقع, وأول خطوة يجب أن نقوم بها في الطريق إلى تحقيق الوحدة والتحقق بها هي تعميق الإحساس والشعور بالأسس والأصول الإيمانية للوحدة الإسلامية من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون)
    وقال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير)
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعريف الإيمان: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) .
    إنَّ هذه الأسس والأصول أوثق وأكبر ضمان للوحدة المنشودة إلى آخر الدهر، ولهذا يجب تعميق الإحساس والشعور بالوحدة والإخوة الإسلامية
    **الخطوةُ الثانيةُ التي يجب أن نقوم بها في الطريق إلى تحقيق الوحدة والتحقق بها هي العمل على ائتلاف القلوب والمشاعر بالحب والتراحم.
    لقد كان تأليفُ القلوب بابَ الإسلام إلى تحقيق نعمة الوحدة والأخوة بين المؤمنين، ومِنْ ثَمَّ إلى تحقيق النصر على الأعداء
    - قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون)َ وقال تعالى: (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
    - والإسلامُ الذى فعل هذا بالأمس، وأطفأ نار العداوةِ بين الأوس والخزرج، وأنقذ الأمة من شفا حفرة من النار قادرٌ على أن يفعل مثله اليوم لأن ائتلاف القلوب والمشاعرو التواد والتراحم والتعاطف سمة من سمات المؤمنين و خصائص الإيمان.
    -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى " .
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن يأْلَفُ ويُؤْلَفُ ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه)) .

    بهذا الحب وبهذا التآلف وبهذا التراحم والتعاطف تتحقق الوحدةُ الإسلامية والأخوةُ الإيمانية، وبغير هذا لا يكون إلا ما ترون من فرقة واختلاف بين الاخوه ووصلت حتى بين الشقاء
    **الخطوة الثالثة التي يجب أن نقوم بها على طريق تحقيق الوحدة الإسلامية والتحقق بها هي إحياءُ الأخوة الحقة التي تثمر الحب والإيثار، والتعاون والتناصر المؤثـر الفَّعـال طاعة لقوله تعـالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُـونَ إِخْوَةٌ ) وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
    وتعالوْا بنا أيها الإخوة المؤمنون نتأملْ صورة المجتمع الإسلامي الأول لنرى كيف بَنَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحْدَتَهُ الإسلامية وأُخُوَّتَهُ الإيمانية على خُلُق الحب والإيثار. قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) . وقد طالبَنا القرآنُ الكريم - أيها الإخوة المؤمنون - بإحكام الوحدة الإسلامية وتأصيلها وتفعيلها بالتآزر والتناصر بين المؤمنين، ولفَتَ أنظارنا إلى أن أعداءنا يوالى بعضُهم بعضا، وحَذَّرنا من التفريط في هذه الموالاة، وبَصَّرنا بالعواقب الوخيمة والنتائج السيئة المترتبة على ترك التناصر والموالاة. قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) .
    وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضا)) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخوا المسلم لا يظلمه ولا يسلمه))
    ** والخطوة الرابعة التي يجب أن نقوم بها في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية والتحقق بها هي أن نتسامَى فوق خلافاتنا، وأن نضرب بها عرض الحائط، وأن نترفع لصالح الإسلام والوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية عن المصالح الشخصية والمنافع الدنيوية والحزبية المقيتة -إنَّ التنازع والاختلاف وفساد ذات البين يُضْعِفُ الأقوياء ويُهْلِكُ الضعفاء، بينما التعاضد والاتحاد وإصلاح ذات البين يَصْنَع النصر المحقق والقوة المرهبة للاعداء ومن خلفهم.
    قال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاحُ ذاتِ البيْن، فإنَّ فسادَ ذاتِ البيْن هي الحالقة)) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دَبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشَّعْر ولكن تحلق الدِّين)) .
    **الخطوةُ الخامسة التي يجب أن نقوم بها في سبيل الوحدة الإسلامية والتحقق بها هي أن نتحاشَى الانقسام في شأن أعدائنا، لأن الانقسام في شأنهم يشوه صورتنا، ويضعف قوتنا، ويَصُبُّ في الأخير في مصلحتهم لا في مصلحتنا، ولذلك قال جلَّ شأنه منكراً على المؤمنين اختلافهم في شأن المنافقين : فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً .
    أيها الإخوة المجاهدون: إن الوحدة التي يقيمها الإسلام ليستْ عصبيةً من العصبيات، وليست حزبيه فيها أيُّ تهديد لأي أحد، وإنما هي طريق وسبيل إلى بناء أمة فاضلة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله وتَخْلُفُ نبيها صلى الله عليه وسلم فى إلحاق الرحمة بالعالمين. قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ).
    وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبته العالمية يوم حجة الوداع عن اعتدال الإسلام ووسطيته عندما أكد على أن الإنسانية كلها أسرة واحدة: ربُّها واحد، وأبوها واحد فقال: ((إنَّ ربكم واحد وإن أباكم واحد)) .
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي قيادتنا الحكيمة عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يبارك لنا فيهم , بما رحمونا من هذا الاقتتال وعصمونا من اتلدماء ونرجوا من الله أن يسخرهم ويهديهم لأفضل السبل لتخليص هذا البلد من الفرقة والانحلال والاقتتال
    وأن يجعله وسائر بلاد المسلمين سخاءً رخاءً آمناً مطمئناً، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

    التواضـع

    إنَّ المتأملَ في تاريخ الإسلام وانتشارِ دعوتِه في الأرضِ يَجِدُ أنَّ الأخلاقَ الحسنة وفي مقدمتها التواضعُ، وخَفْضُ الجَناحِ للمؤمنين، ولِينُ الجانب كان لها أثرٌ في نَشْرِ الإسلامِ، وتحْبِيبِهِ إلى الناس، وترغيبِهم فيه، والتفافِهم حوْلَه، واعتناقِهم لشرائعه انظر معي أخي المسلم إلى أخلاق السلف الصالح من المسلمين الأوائل
    - قال تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) وقـال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ). فالناس جميعاً سواسية، ربهم واحد وأبوهم واحد، فعلاَمَ التكبر؟ وقال تعالى في وصف المؤمنين: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ . أذلة على المؤمنين: أي عاطفين متواضعين، أعزة على الكافرين: أي أقويـاء متغلبين، ونظيره قوله تعـالى : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ . وقال رسول الله : ((إنَّ اللهَ أوْحَى إليَّ أنْ تَواضَعُوا حتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ على أَحَدٍ، ولاَ يَبْغِيَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ)) .
    ولاَ يَحْسَبَنَّ أَحَدٌ أَنَّ رفعةَ التواضع والمتواضعين تقفُ عند حدود الحياة الدنيا! كَلاَّ، إِنَّ هذه الرفعةَ تتجاوز الدنيا إلى الآخرة، لاَ بلْ إِنَّ الدار الآخرة كُلَّها جعلها اللهُ لأهل التواضع الذين لا يُريدون عُلُوًّا في الأرض ولا فساداً كدأْب فرعونَ وقارونَ وغيرهما مِنْ أهلِ التكبر والتجبر على عباد الله.
    ولقد بين الله ثواب المتواضعين بعد أنْ بيَّن عاقبةَ أهلِ التكبر والتجبر الذين خَسَفَ بهم وبدارهم الأرضَ: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . وقال رسول الله : إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إليَّ وأَقْرَبِكُمْ منِّي مجلساً يومَ القيامةِ أحَاسنكم أخلاقاً، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يارسول الله قد علمنا الثرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون؟ قال: ((المتكبرون)) ..
    أيها الإخوة المجاهدون: والمتأملُ في سيرة النبي الأعظم والرسولِ الأكرمِ سيدِ ولدِ آدمَ يجدُ صوراً عجيبةً من التواضع تستحقُّ أنْ نقفَ عندها طويلاً لنتعلم كيف نتواضع لله، وكيف نتواضع لأهلنا وفي بيوتنا، وكيف نتواضع لأصحابنا وأحبابنا والناس أجمعين، وكيف نُصلِحُ بالتواضع دنيانا التي فيها معاشُنا وآخرتَنا التي فيها معادُنا.
    - من صور تواضعه نجده يقف بباب ربه بِضَعْفٍ وافتقار، وخُضوعٍ وانكسار، يرجو رحمته ويخشى عذابه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان فيما دعا به رسولُ الله في حجة الوداع: ((اللهم إنك تسمعُ كلامي، وترى مكاني، وتعلمُ سِرِّي وعلانيتي، ولا يَخْفَى عليك شيء من أَمْري، أناَ البائسُ الفقيرُ، المستغيثُ المستجيرُ، الوجِلُ المشفقُ، المقِرُّ المعترفُ بذنبهِ، أسألك مسألةَ المسكين، وأبتهلُ إليك ابتهالَ الذليل، وأدعوكَ دعاءَ الخائفِ الضرير، مَنْ خَضَعَتْ لكَ رَقَبَتُه، وفاضتْ لك عَبْرتُهُ، وذَلَّ لكَ جسدُه ورَغِمَ لكَ أَنْفُه، اللهم لا تجعلْني بدعائكَ ربِّ شقيا، وكُنْ بي رؤوفاً رحيماً، يا خيرَ المسؤولين، ويا خيرَ المعطين)) ..
    أخي المجاهد:
    هكذا يكون التواضُع لله، بالخضوع لعظمته، والتذلل في ساحة عبوديته، والافتقار إلى عفوه ورحمته، والفزع إلى حوله وقوته. وفي الصورة الثانية من صور تواضعه نجده بَشَراً من البشر لاَ يأْنَفُ مِنْ خِدمة أَهْلِهِ وهُوَ سيدُ الأولين والآخرين.
    سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها: ((ما كان النبي يَصْنَعُ في بيته؟ قالتْ: كان يكونُ في مِهْنةِ أهلِه " يعني خِدْمَةَ أَهْلِه " فإذا حضرتِ الصلاةُ خرجَ إلى الصلاة)) . وقيل لعائشة رضي الله عنها: ((ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: كانَ بَشَراً من البَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، ويَخْدِمُ نَفْسَهُ)) .
    - من صُور تواضعه نجده مع أصحابه كواحد منهم، لا يتكلف ولا يتزمت، بلْ يَتَبَسَّطُ معهم، ولا يترفع عليهم.
    يقول خارجة بن زيدِ بنِ ثابت: دَخَلَ نَفرٌ علَى زيد بن ثابت فقالوا له: حَدِّثْنَا أَحاديثَ رسول الله ، قال: ((ماذا أُحَدِّثُكُمْ، كنتُ جارَه، فكان إذا نَزَلَ عليه الوحيُ بَعَثَ إليَّ فكتبْتُه له، فكان إذا ذَكَرْنَا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذَكَرْنَا الآخرةَ ذكرها معنا، وإذا ذَكَرْنَا الطعامَ ذَكَرَهُ معنا، فكُلُّ هذا أُحَدِّثُكُمْ عن رسول الله )) .
    - من صُور تواضعه نجده  لكمال تواضعه يُفْشي السلامَ على الصبيان، ويعودُ المرضى، ويُشيِّعُ الجنائز، ويُجيبُ الدعوةَ ولو إلى شئ بسيط من الطعام، ويَقْبَلُ الهدية، ويَرْكَبُ الحمارَ، ويمشِي في الأسواق، ويَحْمِلُ متاعَه بنفسه. عن أنس رضي الله عنه أنَّه مرَّ علَى صبيان فسلَّم عليهم، وقال: ((كان النبي يفعله)) .
    - وعنه رضي الله عنه قال: (( كان يَعُودُ المريضَ، ويَتَّبِعُ الجنازة، ويُجيبُ دعوةَ المملوك، ويَرْكَبُ الحمارَ، لقد رأيتُه يومَ خَيْبرَ على حمارٍ خِطامُهُ لِيفٌ)) .
    - من صُور تواضعه نجده يوم الفتح والنصر والظَّفَر يتَنسَّكُ وَيَتَخَشَّعُ ويَضَعُ رأسَهُ تواضُعاً لله. يقول أنس رضي الله عنه: لَمَّا دَخَلَ رسولُ الله  مكة استَشَرَفَهُ الناسُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ على رَحْلِهِ تَخَشُّعًا لله وهذه هي السنة النبوية حيث عفى النبي  عن الذين آذوه من المشركين فما بالنا لا نرحم أنفسنا ولا إخواننا المسلمين الذين يصلون معنا في المساجد فأين أخلاق الاسلام العظيم
    وفي رواية: ((وَإنَّ رسولَ الله ليضعُ رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح)) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً كَلَّمَ رسولَ الله يوم الفتح فأَخَذتْهُ الرعدة، فقال النبي : ((هَوِّنْ عليكَ فإني لستُ بملكٍ، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) .
    أيها الإخوة المؤمنون: هذا هُوَ التواضعُ الذي أُمِرْنا به، وهذه هي معالمه، وهذه هي صوره ونماذجه المشرقة التي يجب التأسي بها: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .
    نسأل الله سبحانه وتعالى من فضله أن يجعلنا من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
    -
    ثانيا: إنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون
    إنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون
    إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله
    هذا العنوان جزء من آية كريمة يقول فيها الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }النساء104, إن حمل هذا الدين والقيام بأمانة تبليغه للبشرية أجمع والدفاع عنه والوفاء بحقه، والقيام بأعبائه أمر صعب شاق على النفوس، وإن القيام بهذا الجهد لا يمكن أبداً أن يكافئه أي جهد في دنيا الناس
    ومن هنا كان هذا الدين يحتاج في حمله إلى نفوس أبيّة، إلى نفوس جادة، يحتاج الحاملون لهذا الدين والقائمون به إلى مزيد من رفع الهمة ، وإلى مزيد من الجدية حتى يكونوا مؤهلين للقيام بهذا الدين ولتحمّل أعباء نشره ومواجهة ما يواجههم في هذا الطريق، ولا شك أن هذا القرآن وهو يربي هذه الأمة ، يربيها على تقوى الله عز وجل وتوحيده وعبادته، ويربيها على الخلق والسلوك ، ويربيها على حمل أعباء هذا الدين والقيام بهذه الأمانة التي ائتمن الله عز وجل هذه الأمة عليها، لا شك أن هذا القرآن يخاطب القلوب البشرية ويخاطب الناس بكافة وسائل الخطاب وأساليبه، وليس أعظم أثراً لدى الناس من النماذج الحية التي تُعرض أمامهم؛ فالحديث النظري يحفز الكثير من الناس، لكن الصورة الحية التي يرونها بأعينهم ، أو يقرؤون عنها فتتخيلها أذهانهم وكأنهم يرونها رأي العين ، لاشك أن هذه الصورة تترك أعظم الأثر لدى الناس، إنك حين تسمع حديثاً عن رجل أصيب بحادث هشم عظامه، وأصاب جسمه بآلام مبرّحة، يترك ذلك أثراً عظيماً في نفسك ، لكنه لا يصل إلى درجة رؤيتك هذا الرجل أمامك وهو يتشحّط بدمائه ، وربما استطاع كاتب مبدع مُجيد أن يصور لك هذا المشهد وكأنك تراه بأم عينيك، فيترك أمام ناظريك صورة ربما لا تبتعد عن تلك الصورة التي رايتها شاخصة ببصرك، ولهذا يؤكد القرآن على هذه القضية فيعرض القدوات والنماذج الحية أمام هذه الأمة
    يخبر الله تبارك وتعالى أن الابتلاء سنة لمن دخل في طريق الإيمان : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2
    ثم يعرض القرآن نموذجاً حيًّا من حياة السابقين ، ليجعل هذه القضية شاخصة أمام أعينهم، وأن الابتلاء ليس أمراً خاصًّا بهم، قال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت
    إذاً فالفتنة على طريق الإيمان ليست قضية خاصة بهؤلاء المخاطبين بهذا القرآن ، وليست قضية خاصة بهذه الأمة، إنما هي سنة ماضية
    وفي القرآن الكريم حديث عن سنة لا تتخلف في قيام هذه الدعوات وانتصارها ، يقول تبارك وتعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214
    أتظنون أنكم تدخلون الجنة؟ ولمّا يصيبكم ما أصاب من كان قبلكم ؟ لقد مستهم البأساء والضراء حتى يتساءل الرسول وهو أعلم الناس بوعد الله ، وحتى يتساءل المؤمنون معه [متى نصر الله]؟ وهو سؤال يحمل في طياته عظم ما كان يعانيه هؤلاء من البلاء والمضايقة. وفي آية أخرى يبين الله عز وجل طبيعة هذا الدين، وطبيعة هذا النصر والتمكين لهذه الأمة
    {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }يوسف110
    إذاً فالنصر والتمكين للدين إنما يأتي حين يستيئس الرسل، وحين يظن أقوامهم المكذبون أن هؤلاء الرسل قد كُذبوا ما وُعدوا.
    وفي غزوة أحد حين أصاب المؤمنين ما أصابهم، فعادوا من تلك الغزوة وما من بيت إلا وفيه قتيل أوجريح، وقد افتقدوا سبعين من خيارهم ومن صلحائهم وكانوا يظنون أنها ساعة وتأتي الدولة لهم.. يقول تبارك وتعالى مخبراً لهم أن هذه السنة سنة الماضين من قبل {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ, وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }هذه طريق المؤمنين الصادقين الذين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم
    وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج من ذلك ، جاء إليه أحد أصحابه وهو خباب - رضي الله عنه - يشتكي إليه ما أصابه من المشركين وقال له: ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فغضب صلى الله عليه وسلم لأنه قرأ في حديث خباب الاستعجال واستبطاء وعد الله عز وجل؛ فقعد صلى الله عليه وسلم وقال:"لقد كان من كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيُشق باثنين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون". إنها سنة الماضين من قبلكم، ويمضى خباب - رضي الله عنه - وقد سمع هذا التثبيت والتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم ، يمضي بنفس صادقة جادة وعزيمة أبيّة يستمد من هذه النماذج التي عرضها له صلى الله عليه وسلم روحاً تدفعه إلى مزيد من الصبر على الابتلاء والصبر على الأذى والمضايقة، وتدفعه إلى الشعور بالأمل والاستبشار وإلى أن يطرح اليأس عنه جانباً، وأن يعلم ان ما أصابه فقد أصاب السابقين قبله
    - عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء آذاه قومه وهو يقول:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
    إن المبادئ ليست رخيصة، وإن إصلاح المجتمعات لا يمكن أن يتم بجهود مبعثرة ونفوس هينة كسولة، إنه يحتاج إلى أن يُدفع لذلك ثمن باهظ، يحتاج إلى أن يكون أشرفُ خلق الله عز وجل يتعرضون لمثل هذا الأمر حتى يمسح أحدهم الدم عن وجهه وهو يقول : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
    بل أخبر الله عز وجل عن بعض أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أنهم كانوا يُقتلون بغير حق؛ فحكى القرآن كثيراً عن بني إسرائيل أنهم يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ,عرض الله تبارك وتعالى هذه الصوره ليوضح للمؤمنين أن هذه هي الطريق الواجب اتباعها بالصبر على البلاء وليس بالضجر والعربدة والافساد في الارض وقطع العلاقات بين الناس , وهي ليست دعوة خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل هو خطاب له ولأصحابه وللأمة أجمع أن يقتدوا بهدي أولئك الأنبياء.
    وهناك صور أخرى للذين تحتملوا في سبيل هذا الدين المشاق والمكاره، كقصة أهل الكهف الذين اختاروا أن يعيشوا في كهف خشن بعيد عن الناس، وأصحاب الأخدود الذين اختاروا أن يقذفوا في نار الدنيا، وكان هذا أحب إليهم من أن يعودوا إلى الكفر بعد أن أنقذهم الله منه؛ فكانوا أهلاً لأن يذوقوا حلاوة الإيمان ولذة الإيمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يُكره أن يقذف في النار".
    لقد كان المسلمون ربما يشعرون بنوع من اليأس والألم ويصيبهم الإحباط وهم يواجهون أعداء الله عز وجل، فيثير فيهم القرآن الكريم النظر إلى جانب آخر ربما كان له دور عظيم في إحياء نفوسهم، يقول تبارك وتعالى : {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }
    لا يصيبكم الوهن ولا الضعف وأنتم تبتغون القوم في الجهاد والدعوة ، وأن تبذلوا ما تبذلون، فإن كنتم تألمون وتدفعون الثمن فأولئك يألمون كما تألمون، إن كان يسقط منكم شهداء فأولئك يسقط منهم قتلى، إن كنتم تبذلون الوقت والجهد فأولئك يبذلون كما تبذلون.
    ويقول تبارك وتعالى في آية أخرى : {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران ,إذن فالقضية ليست حكراً على المؤمنين، ولا على الذين يحملون الدعوة الصادقة، إنما هي سنة الله عز وجل في كل من يريد أن يحمل مبدأ يدافع عنه ويضحي في سبيله ، فهو ثمن لابد أن يدفعه كل من يريد أن ينشر مبدأً سواءً أكان حقّاً أم باطلاً، هو ثمن لابد أن يدفعه كل من يريد أن يدعو إلى عقيدة سواءً أكانت عقيدة صحيحة أم كانت عقيدة ضالة ، لاشك أن الذي يريد هذا المطلب النفيس الغالي لابد أن يدفع الثمن، ومن ثَمّ كان المؤمنون الصادقون الداعون إلى الله عز وجل وهم ينشرون دعوة الحق والتي لا حَقّ سواها، وهم ينشرون هذا المبدأ الصادق والذي تهون دونه سائر المبادئ كان هؤلاء بحاجة إلى عرض هذا النموذج، فلئن كان طريقكم شاقاً فطريق الآخرين كذلك، وأنتم تزيدون عليهم أنكم أصحاب هدف سام ونية صادقة [وترجون من الله مالايرجون] أنتم تشعرون أن كل ما تبذلونه ستلقون جزاءه عند الله يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، أما هؤلاء فهم حطب جهنم
    فإلى نماذج مما يبذله أهل الدنيا سواءً أكانوا من حطب جهنم: أهل المذاهب الضالة الذين يدعون إلى سبيل الشيطان، أو من أولئك الذين يريدون تحصيل شهوات الدنيا وحطامها وثمنها العاجل، إنها نماذج من الذين يكدحون ويعملون في هذه الدنيا وهم لا يعملون لدين الله عز وجل، وإن اختلفت نواياهم وتباينت مواقفهم، ما بين داعٍ إلى سبيل الشيطان، وما بين رجل يبتغي الدنيا ويبتغي الشهوات.
    إننا نسمع الكثير عن بذل المشقة والسفر وسائر ألوان المشاق في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، وربما تهتز نفوسنا شوقاً إلى مثل هذه الأعمال والجهود، ويتمنى كل واحد منا أن يبذل جهداً في الدعوة إلى دين الله عز وجل، ولو دعاه ذلك إلى تحمل المشقة وتحمل الصعاب وتحمل السفر، لكن حين تريد ذلك فلا تظن أنك وحدك تفعل ذلك، بل هاهم طلاب الدنيا وأرباب الدنيا يدفعون الثمن الباهظ لذلك ومن هذه النماذج:
    - عبدالله بن سبأ :رجل يهودي تظاهر بالدخول في دين الإسلام حتى يهدم فيه من الداخل، لقد سافر هذا الرجل وتردد بين الأمصار، من مصر إلى الكوفة إلى اليمن هنا وهناك، كل هذا الأمر لأجل أن يجمع الأحزاب ويؤلبهم على هدم دولة الإسلام وعلى إثارة الفتن والقلاقل على خليفة المسلمين عثمان - رضي الله عنه -، وبذل في ذلك ما بذل من الجهد والسفر وبذل الأموال الطائلة حتى يدعو إلى هذا المذهب الضال ، وحتى يحقق ما يريد، واستجاب له طائفة من الرعاع، وبذلوا نفوسهم في معارك أثاروها، وما موقعة الجمل وموقعة صفّين ومقتل عمر - رضي الله عنه - ومقتل عثمان ومقتل علي - رضي الله عنهم - أجمعين وتلك الفتن التي ذهب ضحيتها خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم… ما تلك الفتن أجمع إلا حصاد جهد بذله أولئك من السهر والسفر والمشقة
    - وها هم اليهود وقد أقاموا دولتهم، من أين أتى هؤلاء اليهود؟ إنهم شردمة الامم، لقد جاءوا من دول عدة ، لا تجمعهم لغة، ولا قومية، ولا تركيبة اجتماعية، لا يجمعهم إلا شيء واحد، هو أنهم يدينون باليهودية فبذلوا الجهد في تجميع شتاتهم ولَمِّ شملهم، وبذلوا الأموال حتى جاؤوا إلى الأرض المقدسة وبقوا فيها، وتحملوا في سبيل ذلك ما تحملوا، حتى استطاعوا أن يحققوا تواجدهم، وهاهو أحد طغاتهم الهالكين وهو موشيه دَيّان الذي كان وزيراً في ذلك المسخ، وكان رجلها الأول في وقت من الأوقات يحكي في مذكراته كيف أنه كان يصرف الأوقات الطويلة حتى يستطيع أن يقابل أحد الزعماء في لقاء غير معلن، فيغير وجهه بالمساحيق ويزيل تلك اللفافة التي كانت على عينه، ثم يسير في رحلة طويلة إلى دولة أوروبية ثم يسير بعد ذلك في طائرة أخرى وقد أخذه الإعياء وقد سهر لمدة يومين، فيستلقي في الطائرة ويلتحف بلحاف كان معه، ثم يذهب بعد ذلك ويبقى لمدة يومين وينهي مهمته ويعود إلى منزله، ولا يجد وقتاً ليتناول الطعام فيصلح طعاماً عاجلاً بنفسه ,إنه يعلم ضلال مذهبه، وأنه من حطب جهنم، ومع ذلك يبذل كل ما يبذل فيتحمل السفر والمشاق والمخاطر والسهر وشظف العيش ,أيكون مبدؤه أغلى من مبادئ المؤمنين الصادقين الدعاة إلى توحيد الله تبارك وتعالى؟
    - انضر أخي المجاهدكم نحن مقصرونفمثلا: سائقو الشاحنات، يسير أحدهم مدة أسبوع في الطريق وهو يقود شاحنته ، وحين يشتد به الحر يوقف شاحنته لينام تحتها والرياح تهيل عليه التراب والغبار ، يبذل المشقة والجهد ويأكل طعام المسافر ويتناول شراب المسافر، ويغيب عن أهله وعن أولاده أسابيع طويلة، ويتحمل مشقة السفر ، كل ذلك من أجل أن يحصل على قوت يومه وليلته فهلا قطعت ربع هذه المسافة لأجل الله فقد يسافر الرجل الشهور الطويلة بل والسنوات لاجل الرغيف فما بالتا لا نصبر على طاعة الله والجهاد في سبيله
    * إن الدعوة لدين الله عز وجل أغلى واللهِ عندنا من أنفسنا و من هذا الحطام الفاني ، فإن كانوا يألمون فنحن أولى أن نألم، وإن كان يمسهم القرح فنحن أولى أن يمسنا القرح، ونحن نعلم أن ساعة سهر نقضيها في سبيل الله مدخرة لنا عند الله عز وجل، ونحن نعلم أن تعباً ونصباً نبذله في سبيل الله عز وجل لن يضيع وسوف نلقاه عند الله تبارك وتعالى .





    ولو قُدّر لك أن تذهب إلى سوق الماشية أو إلى سوق الخضار ولو قبل الفجر بساعات لرأيت أولئك الذين قد سبقوك، وربما جاء أحدهم من مسافة بعيدة وافترش الرصيف هناك، ونام ينتظر أن يدرك البكور ويدرك السوق في أوله، وأنت حيث يطلب منك التبكير إلى مجلس علم أو التبكير إلى بذل جهد وعمل تحتسبه عند الله عز وجل ، ربما استكثرت ذلك وظننت أن ذلك الجهد الذي تبذله جهد كثير مضنٍ ، فلو رأيت ما يبذله هؤلاء علمت أنهم يألمون أشد مما تألم ويصيبهم القرح أشد مما يصيبك وأنت ترجو من الله عز وجل أكثر مما يرجو هؤلاء، فأنت أولى بالبذل والتضحية.
    - ربما يشعر الذين يقومون بالجهاد لاعلاء الدين أنهم يتحملون الأذى والمخاطر، وهو شأن ليس خاصاً بهم، بل هو شأن السابقين كلهم كما قال تبارك وتعالى : {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ)
    ها هو عبدالله بن سبأ وأصحابه تعرضوا لما تعرضوا له، فمنهم من قتل، و منهم حرقوا لما غلو فيه، هاهم أولئك بذلوا نفوسهم، وتحملوا التحريق والأذى في سبيل دعوتهم الفاسدة فما بالنا وانفغسنا تتكاسل عن العوة والجهاد في سبيل الله , الهم ثبت قلوبنا على الحق ..آمين
    #########
    يرجى المعذرة فالإعلان عن منتديات أخرى ممنوع
    وأي ملاحظة أو استفسار قسم الشكاوى والإقتراحات ،مفتوح!

  • #2
    ثالثا : بعض الأعمال الفاضلة التي ينبغي على المسلم الاجتهاد لفعلها هذا الشهر:
    بعض الأعمال الفاضلة التي ينبغي على المسلم الاجتهاد لفعلها هذا الشهر:
    أولاً : الصوم
    قال صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان ؛ فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه، و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) [أخرجه البخاري ومسلم] .
    وقال صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) -لا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط ، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) [أخرجه البخاري] .
    وقال صلى الله عليه وسلم : ( الصوم جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم ) [أخرجه البخاري ومسلم] .

    ثانياً: القيام : قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) [أخرجه البخاري ومسلم] .
    وقال تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً . والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما ) [الفرقان 63 ـ 64] .
    وقد كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . قالت عائشة : رضي الله عنها : ( لا تدع قيام الليل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً .
    وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يصلي من الليل ما شاء حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة ثم يقول لهم : الصلاة ، الصلاة .. ويتلو هذه الآية : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) [طه الآية 132] .
    وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) [الزمر الآية 9]
    قال : ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال ابن حاتم : وإنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة .
    وعن علقمة بن قيس قال : بت مع عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ليلة فقام أول الليل ثم قام يصلي فكان يقرأ قراءة الإمام في المسجد يرتل ولا يرجع يسمع من حوله ولا يرجع صوته ، حتى لم يبق من الغلس إلا كما بين المغرب إلى الانصراف منها ثم أوتر .
    وفي حديث السائب بن زيد قال : كان القارئ يقرأ بالمئين ـ يعني بمئات الآيات ـ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام قال : وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر .
    - ينبغي لك أخي المسلم أن تكمل التراويح مع الإمام حتى تكتب في القائمين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )
    ثالثاً : الصدقة
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان أجود بالخير من الريح المرسلة .. وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة صدقة في رمضان ) [أخرجه الترمذي عن أنس] .
    روى زيد بن أسلم عن أبيه ، قال سمعت عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ، قال فجئت بنصف مالي ـ قال : فقال لي رسول الله : ( ما أبقيت لأهلك ) . قال : فقلت مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أبقيت لأهلك ) قال أبقيت لهم الله ورسوله ، قلت : لا أسابقك إلى شيء أبداً .
    فيا أخي المسلم :
    للصدقة في رمضان أهمية وخصوصية فبادر إليها واحرص على أدائها, ولها صور كثيرة منها :
    أ ـ إطعام الطعام : قال الله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرةً وسروراً وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً ) [الإنسان 8 ـ 12] .
    فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات سواءً كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح ، فلا يشترط في المطعم الفقر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ) وقد قال بعض السلف : لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل !!
    وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ، منهم عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وداود الطائي ومالك بن دينار ، وأحمد بن حنبل ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين .
    وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم .. منهم الحسن وابن المبارك .
    و كان رجال من بني عدي يصلون في المسجد ما يفطر أحد منهم على طعام قط وحده ، إن وجد من يأكل معه أكل وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه .
    وعبادة إطعام الطعام ، ينشأ عنها عبادات كثيرة منها التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة : ( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا )
    ب ـ تفطير الصائمين :
    قال صلى الله عليه وسلم : ( من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني . وفي حديث سلمان : ( ومن فطر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا : يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ بعدها ، حتى يدخل الجنة ) .
    رابعاً : كثرة قراءة القرآن
    شهر رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته ، وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله ، فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان ، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرة ، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمه ، يقرؤها في غير الصلاة ، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان ، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف ، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن .
    قال ابن رجب : إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر ، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان .
    البكاء عند تلاوة القرآن أو سماعة
    لم يكن هدي السلف نثر القرآن نثر الشعر دون تدبر وفهم ، وإنما كانوا يتأثرون بكلام الله عز وجل ويحركون به القلوب ,ففي البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ علي . فقلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال إني أحب أن أسمعه من غيري قال : فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) قال : حسبك ، فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) .
    وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت ( أفمن هذا الحديث تعجبون . وتضحكون ولا تبكون ) بكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يلج النار من بكى من خشية الله ) .
    خامساً : الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس
    كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس .. [أخرجه مسلم] -عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) هذا في كل الأيام فكيف بأيام رمضان ؟
    فيا أخي .. رعاك الله استعن على تحصيل هذا الثواب الجزيل بقيام الليل والإقتداء بالصالحين ، ومجاهدة النفس في ذات الله وعلو الهمة لبلوغ الذروة من منازل الجنة ,اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة......آمين
    -
    - رابعا : قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن المفطرات في مجال التداوي
    قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن المفطرات في مجال التداوي
    بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، في المدة من 9 إلى 12 صفر 1418هـ (الموافق 14-17 يونيو 1997م)، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء.
    قرر ما يلي: أولاً: الأمور الآتية لا تعد من المفطرات:
    1) قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
    2) الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
    3) ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.
    4) إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.
    5)ما يدخل الإحليل، أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
    6) حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
    7) المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
    8) الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية.
    9) ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد؛ كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.
    10) إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.
    11)أخذ عينات من الكبد أو غيره من الأعضاء، ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
    12) منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى 13)دخول أي أداة مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.
    14) القيء غير المتعمد، بخلاف المتعمد (الاستقاءة .
    ثانياً: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.
    *** مفسدات الصيام :
    أجمع العلماء على أربعة أشياء من المفسدات :
    1- الأكل 2)الشرب 3)الجماع 4)الحيض والنفاس .
    والأكل والشرب والجماع بيّنها الله تعالى في قوله تعالى : ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...) الآية .
    وفي قوله r من حديث عائشة رضي الله عنها : " أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم "
    -والمراد بـ " المفطرات المعاصرة " : مفسدات الصيام التي استجدت وهي كثيرة :
    المفطر الأول :
    - بخاخ الربو هل يُفطِّر أم لا ؟
    اختلف فيه المعاصرون : 1)لا يفطر ولا يفسد الصوم ، وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، والشيخ محمد العثيمين رحمه الله ، والشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله ، واللجنة الدائمة للإفتاء .
    - لأن هذا لا يشبه الأكل والشرب فيشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية .
    - أن الأطباء ذكروا أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية وهو جائز للصائم مطلقاًَ على الراجح ولا شك أنه سينزل شيء من هذا السواك إلى المعدة ، فنزول السائل الدوائي كنزول أثر السواك .
    المفطر الثاني : الأقراص التي توضع تحت اللسان :
    والمراد بها : أقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية ، وهي تُمتص مباشرة ويحملها الدم إلى القلب فتتوقف الأزمة المفاجئة التي أصابت القلب .
    حكمها : هي جائزة لأنه لا يدخل منها شيء إلى الجوف بل تُمتص في الفم ، وعلى هذا فليست مفطرة .
    المفطر الثالث: القطرة :
    التي تستخدم عن طريق الأنف هل هي مفطرة ؟ للعلماء المتأخرين قولان :
    القول الأول : أنها تفطر ، قال به ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله .
    واستدلوا : بحديث لقيط بن صبرة مرفوعاًَ " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماًَ " ، فهذا دليل على أن الأنف منفذ إلى المعدة ، وإذا كان كذلك فاستخدام هذه القطرة نهى عنه النبي r ,وأيضاًَ نهي النبي r عن المبالغة في الاستنشاق يتضمن النهي عن إدخال أي شيء عن طريق الأنف ولو كان يسيراًَ لأن الداخل عن طريق المبالغة شيء يسير .
    القول الثاني : أنها لا تفطر ، واستدلوا : بما تقدم من القياس على ما تبقى من المضمضة ، والقطرة يصل منها شيء يسير إلى المعدة .
    - أن الأصل صحة الصيام وكونه يفطر بهذا فهذا أمر مشكوك فيه ؛ والأصل بقاء الصيام واليقين لا يزول بالشك
    المفطر الرابع: معجون الأسنان :
    - لا يفطر لأن الفم في حكم الظاهر , لكن الأولى للصائم أن لا يستخدمه إلا بعد الإفطار , إذ نفوذه قوي , ويستغنى عن ذلك بالسواك , أو بالفرشة بلا معجون
    المفطر الخامس : بخاخ الأنف :
    البحث فيه كالبحث في بخاخ الربو : فيكون بخاخ الأنف لا يفطر .
    المفطر السادس : التخدير :
    وهو أنواع :
    الأول : التخدير الجزئي عن طريق الأنف :
    وذلك بأن يشم المريض مادة غازية تؤثر على أعصابه فيحدث التخدير : فهذا لا يفطر ، لأن المادة الغازية التي تدخل الأنف ليست جرماًَ ولا تحمل مواد مغذية .
    الثاني : التخدير الجزئي الصيني :
    نسبة إلى بلاد الصين :
    يتم بإدخال إبر جافة إلى مراكز الإحساس تحت الجلد فتستحث نوعاًَ من الغدد على إفراز المورفين الطبيعي الذي يحتوي عليه الجسم ؛ وبذلك يفقد المريض القدرة على الإحساس
    وهذا لا يؤثر على الصيام ما دام أنه موضعي وليس كلياًَ ؛ ولعدم دخول المادة إلى الجوف
    الثالث : التخدير الجزئي بالحقن :
    وذلك بحقن الوريد بعقار سريع المفعول ؛ بحيث يغطي على عقل المريض بثوانٍِ معدودة
    فما دام أنه موضعي وليس كلياًَ فلا يفطر ؛ ولأنه لا يدخل إلى الجوف .
    المفطر السابع : قطرة الأذن :
    عبارة عن دهن" مستحضرات طبية " يصب في الأذن ؛ فهل يفطر أو لا ؟
    تكلم عليه العلماء في السابق في مسألة " إذا داوى نفسه بماء صبه في أذنه " .
    الجمهور : أنه يفطر .
    والطب الحديث : بيّن أنه ليس بين الأذن والدماغ قناة يصل بها المائع إلا في حالة واحدة ؛ وهي ما إذا حصل خرق في طبلة الأذن ، وعلى هذا الصواب : أنها لا تفطر .
    المفطر الثامن : غسول الأذن :مثل قطرة الاذن
    - إذا كانت الطبلة موجودة : فلا يفطر.
    - إذا كانت الطبلة فيها خرق : فإنه يفطر, لأن السائل الداخل كثير.
    المفطر التاسع : قطرة العين :
    فيه خلاف للمتأخرين وهو مبني على خلاف سابق , وهو ما يتعلق بالكحل هل هو مفطر أو ليس مفطراً ؟
    الرأي الأول: أنه لا يفطر , وهو مذهب الحنفية والشافعية , ويستدلون بأنه لا منفذ بين العين والجوف , وإذا كان كذلك فإنه لا يفطر.
    الرأي الثاني: للمالكية والحنابلة : أن الكحل يفطر , وهذا بناءًَ على أن هناك منفذاًَ بين العين والجوف.
    وعليه اختلف المتأخرون في قطرة العين :
    الرأي الأول : أن قطرة العين ليست مفطرة , قال به ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله , وغيرهما.
    الرأي الثاني : أنها تفطر قياساًَ على الكحل .
    والصواب : أنها لا تفطر ***************
    المفطر العاشر: الحقن العلاجية:
    وهذه تنقسم إلى :
    1- حقن جلديه . 2- حقن عضلية . 3- حقن وريدية .
    فأما الحقن الجلدية والعضلية غير المغذية : فلا تفطر عند المعاصرين , وقد نص على ذلك ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله ، والدليل : أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده , وكذلك هي ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما .
    أما الحقن الوريدية المغذية فهي مفطرة : وهو قول الشيخ السعدي وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله , ومجمع الفقه الإسلامي
    مسألة : الإبر التي يتعاطاها مريض السكر ليست مفطرة .
    المفطر الحادي عشر : الدهانات والمراهم واللاصقات العلاجية :
    الجلد في داخله أوعية دموية تقوم بامتصاص ما يوضع عليه عن طريق الشعيرات الدموية , وهذا امتصاص بطيء جداً .
    وعليه هل ما يوضع على الجلد يكون مفطراًَ ؟
    تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال : أنها لا تفطر , وهذا ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي .
    المفطر الثاني عشر : قسطرة الشرايين :
    وهي عبارة عن أنبوب دقيق يدخل في الشرايين لأجل العلاج أو التصوير .
    ذهب مجمع الفقه الإسلامي أنها لا تفطر : لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ولا يدخل المعدة .
    المفطر الثالث عشر : الغسيل الكلوي :
    وله طريقتان :
    الأولى : الغسيل بواسطة آلة تسمى " الكلية الصناعية " حيث يتم سحب الدم إلى هذا الجهاز , ويقوم الجهاز بتصفية الدم من المواد الضارة ثم يعود إلى الجسم عن طريق الوريد .
    الثانية : عن طريق الغشاء البريتواني في البطن :
    وبذلك بأن يدخل أنبوب صغير في جدار البطن فوق السرة , ثم يدخل عادة لتران من السوائل تحتوي على نسبة عالية من السكر الجلوكوز إلى داخل البطن
    واختلف المعاصرون فيه هل هو مفطر أم لا ؟
    الرأي الأول : أنه مفطر , قال به ابن باز رحمه الله , وفتوى اللجنة الدائمة .
    وأدلتهم : أن غسيل الكلى يزود الدم بالدم النقي , وقد يزود بمادة غذائية أخرى , فاجتمع مفطران .
    المفطرالرابع عشر : التحاميل التي تستخدم عن طريق فرج المرأة :
    ومثله : الغسول المهبلي ,فهل تفطر هذه الأشياء أو لا ؟
    تكلم عليها العلماء قديماً وحديثاً :
    عند المالكية والحنابلة : أن المرأة إذا قطرت في قبلها مائعاً فإنها لا تفطر .
    وعلَّلوا : بأنه ليس هناك اتصال بين فرج المرأة والجوف .
    والطب الحديث يقول : بأنه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين جوف المرأة , وعلى هذا لا تفطر بتلك الأشياء .
    *المفطر الخامس عشر : التحاميل التي تؤخذ عن طريق الدبر :
    وتستخدم لعدة أغراض طبية : لتخفيف الحرارة وتخفيف آلام البواسير ومثله : الحقن الشرجية .
    أنها لا تفطر ، وهو قول ابن عثيمين رحمة الله ، لأنها تحتوي مواد علاجية دوائية ، وليس منها سوائل غذائية , فليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما .
    وهذا هو الصواب .
    * المفطر السابع عشر : ما يدخل في الجسم عبر مجرى الذكر من منظار أو محلول أو دواء :فهل هذا مفطر ؟!
    التقطير في الإحليل لا يفطر , ولو وصل إلى المثانة .
    واستدلوا : بأنه ليس هناك منفذ بين باطن الذكر و الجوف , وهو المصحح عند الشافعية :
    وفي الطب الحديث : لا علاقة بين المسالك البولية والجهاز الهضمي : وعلية لا يفطر .
    المفطر الثامن عشر : ما يتعلق بأخذ شيء من الدم للتحليل :
    هذا لا يفطر لأنه ليس في معنى الحجامة , فالحجامة تضعف البدن .
    هذا والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب



    - خامسا : نبذة عن صفة صوم النبي -صلى الله عليه وسلم


    بسم الله الرحمن الرحيم
    نبذة عن صفة صوم النبي -صلى الله عليه وسلم- نسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لتطبيق سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، والله الموفق.
    تعريف الصيام: هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
    - صيام رمضان أحد أركان الإسلام العظيمة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام" متفق عليه
    ***ملاحظه
    الصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم
    * الكافر لا يصوم، ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم .
    • الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم ، لكن يؤمر به ليعتاده
    المريض مرضاً طارئاً ينتظر برؤه يفطر ان شق عليه الصوم ويقضى بعد برئه
    * المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام عنه وإن كان كبيراً ، ومثله المعتوه الذي لا تمييز له، والكبير المخرف الذي لا تمييز له
    * العاجز عن الصوم لسبب دائم كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه - يطعم عن كل يوم مسكيناً
    * الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع ، أو خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف.
    *الحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس ، وتقضيان ما فاتهما.
    * المضطر للفطر لإنقاذ معصوم من غرق أو حريق يفطر لينقذه ويقضي.
    * المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى ما أفطره، سواءً كان سفره طارئاً كسفر العمرة أم دائما كأصحاب سيارات الأجرة فيفطرون إن شاءوا ما داموا في غير بلدهم.
    *** أحكام الصيام 1): النيـــة:
    وجوب تبييت النية في صوم الفريضة قبل طلوع الفجر، لقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" (صحيح أبي داود) .
    وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" (صحيح النسائي). والنية محلها القلب، والتلفظ بها لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم .
    2) وقت الصوم:
    قال تعالى: ?وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ? (البقرة: 187) . والفجر فجران :

    * الفجر الكاذب: وهو لا يُحِلُ صلاة الصبح، ولا يُحرِمُ الطعام على الصائم، وهو البياض المستطيل الساطع المُصعَّد كذنب السرحان
    * الفجر الصادق: وهو الذي يحرم الطعام على الصائم ، ويحل صلاة الفجر، وهو الأحمر المستطيل المعترض على رؤوس الشعاب والجبال, فإذا أقبل الليل من جهة الشرق وأدبر من جهة الغرب وغربت الشمس فليفطر.
    قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" متفق عليه
    وهذا أمر يتحقق بعد غروب قرص الشمس مباشرة وإن كان ضوءها ظاهراً
    3) السحور :
    قال -صلى الله عليه وسلم-: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" رواه مسلم
    وقال -صلى الله عليه وسلم-: "البركة في ثلاثة: الجماعة، والثريد، والسحور"
    وكون السحور بركة ظاهرة لا ينبغي تركه، لأنه اتباع للسنة، ويقوي على
    - الصيام. وهو الغذاء المبارك كما سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "هلمّ إلى الغذاء المبارك "
    وقال صلى الله عليه وسلم: "السحور أكلة بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم
    جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" (حسن رواه الإمام أحمد) . وقال -صلى الله عليه وسلم :نعم سحور المؤمن التمور" (صحيح أبي داود).
    وكان من هديه تأخير السحور إلى قبيل الفجر.
    4) ما يجب على الصائم تركه :
    قول الزور: قال صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله عز وجل حاجة أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري
    * اللغو والرفث: قال : صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشراب ، وإنما الصيام من اللغو والرفث ، فإن سابَّـك أحد أو جَهِل عليك فقل : إني صائم"
    5- ما يباح للصائم :
    - الصائم يصبح جنباً: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" (متفق عليه
    - السواك للصائم: قال صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " (متفق عليه) . فلم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم من غيره، ففي هذا دلالة على أن السواك للصائم ولغيره عند كل وضوء وكل صلاة عام، وفي كل الأوقات قبل الزوال أو بعده.
    - المضمضة والاستنشاق: كان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق وهو صائم ، لكنه منع الصائم من المبالغة فيهما، قال صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً (صحيح أبي داود
    - تحليل الدم وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية: فإنها ليست من المفطرات، لأنها ليست مغذية ولا تصل إلى الجوف.
    - قلع السن: لا يفطر الصائم.
    - ذوق الطعام: وهذا مقيد بعدم دخوله الحلق، وكذلك الأمر بمعجون الأسنان. لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه: "لا باس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم" رواه البخاري
    - الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل العين: هذه الأمور لا تفطر سواء وجد طعمه في حلقه أم لم يجده ، وقال الإمام البخاري في صحيحه: "ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم باساً ".
    -6) الإفطـار :
    - تعجيل الفطر من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه مخالفة اليهود والنصارى ، فإنهم يؤخرون ، وتأخيرهم له أمد ، وهو ظهور النجم .. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" (متفق عليه ,وقال - صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم "
    - الفطر قبل صلاة المغرب: عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر قبل أن يصلي" (حسن رواه أبو داود
    * على ماذا يفطر؟ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء" ( صحيح أبي داود
    * ماذا يقول عند الإفطار؟ قال - صلى الله عليه وسلم- : "للصائم عند فطره دعوة لا ترد , وكان يدعو -صلى الله عليه وسلم- عند إفطاره: "ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله" (صحيح أبي داود
    7) مفسدات الصوم :
    - الأكل والشرب متعمداً : سواء كان نافعاً أم ضاراً كالدخان. أما إذا فعل ذلك ناسياً أو مخطئاً أو مكرهاً فلا شيء عليه إن شاء الله . قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه
    - تعمد القيء: وهو إخراج ما في المعدة عن طريق الفم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء،ومن استقاء فليقض" (صحيح أبي داود) فإن قاء من غير قصد لم يفطر
    - الجماع: وإذا وقع في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم فعليه مع القضاء كفارة مغلظة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً
    - الحقن الغذائية: وهي إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء أو إلى الدم بقصد تغذية المريض ، فهذا النوع يفطر الصائم ، لأنه إدخال إلى الجوف

    - الحيض والنفاس: خروج دم من المرأة في جزء من النهار سواء وجد في أوله أو آخره أفطرت وقضت
    - إنزال المني: يقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك، وأما الإنزال بالاحتلام فلا يفطر لأنه بغير اختيار الصائم
    - حقن الدم: مثل أن يحصل للصائم نزيف فيحقن به دمه تعويضاً عما نزف منه.
    *القضــاء :
    يستحب المبادرة إلى القضاء وعدم التأخير ، ولا يجب التتابع في القضاء . أجمع أهل العلم أن من مات وعليه صلوات فاتته فلا يقضي عنه ، وكذلك من عجز عن الصيام لا يصوم عنه أحد في حياته، بل يطعم عن كل يوم مسكيناً ... ولكن من مات وعليه صوم صام عنه وليه ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" متفق عليه
    *9) الصوم مع ترك الصلاة :
    من صام وترك الصلاة فقد ترك الركن الأهم من أركان الإسلام بعد التوحيد، ولايفيده صومه شيئاً ما دام تاركاً للصلاة ، لأن الصلاة عماد الدين الذي يقوم عليه، وتارك الصلاة محكوم بكفره، والكافر لا يقبل منه عمل لقوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" (صحيح رواه الإمام أحمد
    10)قيام الليل – التراويح -
    لقد سن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قيام رمضان جماعة، ثم تركه مخافة أن يفرض على الأمة فلا تستطيع القيام بهذه الفريضة. وعدد ركعاتها ثمان ركعات دون الوتر لحديث عائشة رضي الله عنها: "ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" (متفق عليه). ولما أحيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه السنة جمع إحدى عشرة ركعة، وصلّوا في زمانه ثلاثة وعشرين، وصلّوا بعده تسعاً وثلاثين ركعة،
    **زكاة الفطر :
    وهى فرض لحديث ابن عمر رضي الله عنه : "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على الناس " (متفق عليه
    وتجب زكاة الفطر على الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، والحر والعبد من المسلمين ومقدارها صاع من غالب قوت البلد إذا كان فاضلاً عن قوت يومه وليلته وقوت عياله ، والأفضل فيها الأنفع للفقراء .
    ووقت إخراجها: يوم العيد قبل الصلاة ، ويجوز قبله بيوم أو يومين ، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد وهذا وبالله التوفيق
    اللهم تقبل منا الصيام والقيام وبلغنا رمضان وإخواننا أعواماً عديدة وأزمنة بعيده وثبتنا على الإيمان
    #########
    يرجى المعذرة فالإعلان عن منتديات أخرى ممنوع
    وأي ملاحظة أو استفسار قسم الشكاوى والإقتراحات ،مفتوح!

    تعليق


    • #3
      سادسا : من أخلاق المسلم: الصبر
      من أخلاق المسلم: الصبر
      ما هو الصبر؟
      الصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد، والمسلم يتجمل بالصبر، ويتحمل المشاق، ولا يجزع، ولا يحزن لمصائب الدهر ونكباته. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
      -ذات يوم مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري) فقالت المرأة: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي ,فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك , فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [متفق عليه]. أي يجب على الإنسان أن يصبر في بداية المصيبة.
      - أسلم عمار بن ياسر وأبوه ياسر وأمه سمية -رضي الله عنهم- وعلم الكفار بإسلامهم، فأخذوهم جميعًا، وظلوا يعذبونهم عذابًا شديدًا، فلما مرَّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لهم: (صبرًا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة) وصبر آل ياسر، وتحملوا ما أصابهم من العذاب، حتى مات الأب والأم من شدة العذاب، واستشهد الابن بعد ذلك في إحدى المعارك؛ ليكونوا جميعًا من السابقين إلى الجنة، الضاربين أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى.
      - الصبر خلق الأنبياء:
      ضرب أنبياء الله -صلوات الله عليهم- أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل. يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمله للأذى: (كأني أنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي (يُشْبِه) نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه (أصابوه وجرحوه)، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
      وقد وصف الله -تعالى- كثيرًا من أنبيائه بالصبر، فقال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ }الأنبياء
      وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وأولو العزم من الرسل هم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد -عليهم صلوات الله وسلامه-
      وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا
      -وقال تعالى عن نبيه أيوب: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص44
      ، فقد كان أيوب -عليه السلام- رجلا كثير المال والأهل، فابتلاه الله واختبره في ذلك كله، فأصابته الأمراض، وظل ملازمًا لفراش المرض سنوات طويلة، وفقد ماله وأولاده، ولم يبْقَ له إلا زوجته التي وقفت بجانبه صابرة محتسبة وفيةً له.
      وكان أيوب مثلا عظيمًا في الصبر، فقد كان مؤمنًا بأن ذلك قضاء الله، وظل لسانه ذاكرًا، وقلبه شاكرًا، فأمره الله أن يضرب الأرض برجله ففعل، فأخرج الله له عين ماء باردة، وأمره أن يغتسل ويشرب منها، ففعل، فأذهب الله عنه الألم والأذى والمرض، وأبدله صحة وجمالا ومالا كثيرًا، وعوَّضه بأولاد صالحين جزاءً له على صبره، قال تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} [ص: 43].
      - فضل الصبر:
      أعد الله للصابرين الثواب العظيم والمغفرة الواسعة، يقول تعالى: {وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157]. ويقول: {إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10].
      ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما أُعْطِي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)
      [متفق عليه]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نَصَبٍ (تعب) ولا وَصَبٍ (مرض) ولا هَمّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشَاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) [متفق عليه].
      - أنواع الصبر:
      الصبر أنواع كثيرة، منها: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المرض، والصبر على المصائب، والصبر على الفقر، والصبر على أذى الناس.. إلخ.
      -الصبر على الطاعة: فالمسلم يصبر على الطاعات؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها في أوقاتها على خير وجه، والمحافظة عليها. يقول الله -تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف: 28]. ويقول تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132].
      -الصبر عن المعصية: المسلم يقاوم المغريات التي تزين له المعصية، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم، وإرادة قوية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل المهاجرين من هجر ما نهي الله عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله -عز وجل-) [الطبراني].
      الصبر على المرض: إذا صبر المسلم على مرض ابتلاه الله به، كافأه الله عليه بأحسن الجزاء، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده، وكتمها ولم يشْكُهَا إلى الناس، كان حقًّا على الله أن يغفر له).
      وصبر المسلم على مرضه سبب في دخوله الجنة، فالسيدة أم زُفَر -رضي الله عنها- كانت مريضة بالصَّرَع، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها بالشفاء. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ). فاختارت أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة. [متفق عليه]. ويقول تعالى في الحديث القدسي: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر، عوضتُه منهما الجنة) [البخاري].
      -الصبر على المصائب: المسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أوأهله.
      يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صَفِيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) [البخاري]. وقد مرَّت أعرابية على بعض الناس، فوجدتهم يصرخون، فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان. فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرمون (يضيقون)، وعن ثوابه يرغبون (يبتعدون).
      وقال الإمام علي: إن صبرتَ جرى عليك القلم وأنتَ مأجور (لك أجر وثواب)، وإن جزعتَ جرى عليكَ القلم وأنت مأزور (عليك وزر وذنب).
      -الصبر على ضيق الحياة: المسلم يصبر على عسر الحياة وضيقها، ولا يشكو حاله إلا لربه، وله الأسوة والقدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين، فالسيدة عائشة -رضي الله عنها- تحكي أنه كان يمر الشهران الكاملان دون أن يوقَد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وكانوا يعيشون على التمر والماء. [متفق عليه].
      -الصبر على أذى الناس: قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم إذا كان مخالطًا الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [الترمذي].
      - الصبر المكروه:
      الصبر ليس كله محمودًا، فهو في بعض الأحيان يكون مكروهًا, والصبر المكروه هو الصبر الذي يؤدي إلى الذل والهوان، أو يؤدي إلى التفريط في الدين أو تضييع بعض فرائضه، أما الصبر المحمود فهو الصبر على بلاء لا يقدر الإنسان على إزالته أو التخلص منه، أو بلاء ليس فيه ضرر بالشرع, أما إذا كان المسلم قادرًا على دفعه أو رفعه أو كان فيه ضرر بالشرع فصبره حينئذ لا يكون مطلوبًا.
      قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً }
      ** الأمور التي تعين على الصبر:
      * معرفة أن الحياة الدنيا زائلة لا دوام فيها.
      * معرفة الإنسـان أنه ملْكُ لله -تعالى- أولا وأخيرًا، وأن مصيره إلى الله تعالى.
      * التيقن بحسن الجزاء عند الله، وأن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله، قال تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
      * اليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آتٍ، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسرًا، وأن ما وعد الله به المبتلِين من الجزاء لابد أن يتحقق. قال تعالى: {فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرا)
      * الاستعانة بالله واللجوء إلى حماه، فيشعر المسلم الصابر بأن الله معه، وأنه في رعايته. قال الله -تعالى-: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
      * الاقتداء بأهل الصبر والعزائم، والتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان البلاء والشدائد، وبخاصة أنبياء الله ورسله.
      * الإيمان بقدر الله، وأن قضاءه نافذ لا محالة، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير . (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 22-23].الابتعاد عن الاستعجال والغضب وشدة الحزن والضيق واليأس من رحمة الله؛ لأن كل ذلك يضعف عزيمة المسلم عن الصبر والمصابرة ويؤدي إلى الضجر من قدر الله ,أعاذنا الله وإياكم منه وجعلنا من عباده الصابرين

      سابعا : لله الإخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة المرسلين
      إن الإخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة المرسلين قال تعالى: ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله قال الله تعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه)) [رواه مسلم].
      وقال: ((من تعلم علماً بما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة (يعني ريحها) يوم القيامة)) [رواه أبو داود
      أيها الأخوة المجاهدون: قد يقول قائلكم ما هو الإخلاص الذي يأتي في الكتاب والسنة واستعمال السلف الصالح رحمهم الله.
      فأقول: لقد تنوعت تعاريف العلماء للإخلاص، ولكنها تصب في معين واحد ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في حركاته وسكناته وعباداته الظاهرة والباطنة، خالصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس.
      قال أحد العلماء: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا. أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يخالطه نفسٌ ولا هوىً ولا دنياأي لا يريد بهذا العمل سوى وجه الله.
      أيها الخوة المسلمون: إن شأن الإخلاص مع العبادات بل مع جميع الأعمال حتى المباحة لعجيب جداً، فبالإخلاص يعطي الله على القليل الكثير، وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئاً، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر الذنوب كما في حديث البطاقة , من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله: ((يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مدّ البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: أفلك عذر أو حسنة فيها؟ فيقول الرجل: لا، فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها، أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) [صححه الذهبي].
      قال ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض. قال: وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مدّ البصر تثقل البطاقة وتطيش السجلات، فلا يعذب. ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه . ومن هذا أيضاً أيها الأخوة حديث الرجل الذي سقى الكلب، وفي رواية: بغي من بغايا بني إسرائيل.
      فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرجه فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفّه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر)) [متفق عليه]. وفي رواية البخاري: ((فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة)). ومن هذا أيضاً ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو أيضاً عن النبي قال: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين))، وفي رواية: ((مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة)).
      قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقاً على حديث البغي التي سقت الكلب وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق قال رحمه الله: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها,فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال, وفي المقابل نجد أن أداء الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله، لا قيمة لها ولا ثواب فيها، بل صاحبها معرض للوعيد الشديد، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير، وقتال الكفار، وقيل: العلم الشرعي.
      كما جاء في حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به، فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال: جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار,ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به يعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت؟ قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار , ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من صنوف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها ألا أنفقت فيها قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)) [رواه مسلم].
      أيها الأخوة المجاهدون: ولذلك فقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله أشد الناس كي تكون خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى. خوفاً على أعمالهم من أن يخالطه الرياء أو تشوبها شائبة الشرك. فكانوا رحمهم الله يجاهدون أنفسهم في أعمالهم وأقوالهم
      ولذلك لما حدث يزيد بن هارون بحديث عمر ((إنما الأعمال بالنيات)) والإمام أحمد جالس، فقال الإمام أحمد ليزيد: يا أبا خالد هذا الخناق.
      وكان سفيان الثوري يقول: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب علي.
      وقال يوسف بن أسباط، تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
      وقال بعض السلف: من سره أن يكمُل له عمله، فليحسن نيته، فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسنت نيته حتى باللقمة.
      قال سهل بن عبد الله : ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
      وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.
      وهذا محمد بن المنكدر يقول: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
      وكان رحمه الله إذا حدث بحديث النبي يشتد عليه البكاء (هو في حلقته) فكان يشد العمامة على عينه ويقول: ما أشد الزكام ما أشد الزكام –خشيته من الرياء.
      وهذا عبد الواحد بن زيد يخبرنا بحدث عجيب حصل لأيوب، وقد عاهده ألا يخبر إلا أن يموت أيوب إذ لا رياء حينئذ، قال عبد الواحد كنت مع أيوب فعطشنا عطشاً شديداً حتى كادوا يهلكون، فقال أيوب: تستر عليّ؟ فقلت: نعم إلا أن تموت ,قال عبد الواحد فغمز أيوب برجله على حرّاء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معي.
      *وقال أبو حازم: لا يحسن عبد فيما بينه وبين ربه إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد ,ولا يعور ما بينه وبين الله إلا أعور الله ما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها.
      وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله وكان رحمهم الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة ولم تعلم به زوجته، سبحان الله انظر كيف ربّوا أنفسهم على الإخلاص وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة، فهذا زوجته تضاجعه وينام معها ومع ذلك يقوم عشرين سنة أو أكثر ولم تعلم به، أي إخفاء للعمل كهذا، وأي إخلاص كهذا.
      فأين بعض المسلمين اليوم الذي يحدث بجميع أعماله، ولربما لو قام ليلة من الدهر لعلم به الأقارب والجيران والأصدقاء، أو لو تصدق بصدقة أو أهدى هدية، أو تبرع بمال أو غير ذلك لعلمت الأمة في شرقها وغربها، إني لأعجب من هؤلاء، أهم أكمل إيمانا وأقوى إخلاصاً من هؤلاء السلف بحيث أن السلف يخفون أعمالهم لضعف إيمانهم، وهؤلاء يظهرونها لكمال الإيمان؟ عجباً لمن يشترط أن ىيكتب اسمه على شبابيك وأبواب المستشفيات لأنه تبرع بها، فإني أوصيك أخي المسلم إذا أردت أن يحبك الله وأن تنال رضاه فما عليك إلا بصدقات مخفية لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك فضلاً أن يعلمه الناس, وما عليك إلا بركعات إمامها الخشوع وقائدها الإخلاص تركعها في ظلمات الليل بحيث لا يراك إلا الله ولا يعلم بك أحد ,إن تربية النفس على مثل هذه الأعمال لهو أبعد لها عن الرياء وأكمل لها في الإخلاص.
      وقد كان محمد بن سيرين رحمه الله يضحك في النهار حتى تدمع عينه، فإذا جاء الليل قطعه بالبكاء والصلاة.
      اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، واجعلها خالصة لك، صواباً على سنة رسولك محمد آمين
      إخواني في الله: اعلموا أن الإخلاص ينافيه عدةُ أمورٍ من حب الدنيا والشهرة والشرف والرياء، والسمعة والعجب,والرياء هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها، فهو يقصد التعظيم والمدح والرغبة أو الرهبة فيمن يرائيه , وأما السمعة فهي العمل لأجل سماع الناس ,وأما العجب فهو قرين الرياء، والعجب أن يعجب الإنسان بعبادته ويرى نفسه بعين الإعجاب وكل هذه من مهلكات الأعمال ,وهناك أيها الأخوة مسالك دقيقة جداً من مسالك الرياء يوقع الشيطان فيها العبد المؤمن من حيث يشعر أو لا يشعر، وسأذكر لك بعضها لأن الحديث عن الرياء والعجب وغيرهما مما ينافي الإخلاص حديث طويل جداً، ولكن حسبي في هذا المقام أن أورد لك ثلاثة من تلك المسالك الدقيقة للرياء، وهذه المسالك غالباً يقع فيها الصالحون إلا من رحمه الله.
      - أولها: فما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: "وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته، بحيث لا يريد الإطلاع، ولا يسّر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ,ووجد لذلك استبعاداً في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه، ولو لم يكن قد سبق من تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه. وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر ولا يسلم منه إلا الصديقون".
      - ثانيها: فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية وقصداً، فيجعل الإخلاص وسيلة لأحد المطالب الدنيوية.
      وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله:- "حكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه قال: فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تعالى" وهذا مسلك خطير كما سمعت وقليل من يتفطن له ,والأمثلة عليه كثيرة من الواقع، فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات مثلاً كصيام النوافل وقيام الليل وكثرة الصلاة والخشوع، وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيوفق في اختباره أو سيفوز بوظيفة ما، فهذا بالحقيقة إنما أخلص للاختبارات وذلك أخلص للوظيفة ,ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس يذهب إلى المسجد ماشياً أو يحج كل سنة أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة ,ويكون قد انعقد في قلبه أنه يفعل ذلك لينشط جسمه أو يحرك الدورة الدموية كما يقولون.
      قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكيلة. بل اجعل مشيك للمسجد وحجك وعبادتك خالصة لله تعالى، وهذه الأشياء تحصل حتماً دون أن تعقد عليها قلبك.
      - ثالث هذه المسالك الدقيقة وهو ما أشار اليه الحافظ ابن رجب رحمه الله بقوله: "ههنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.


      ثامنا : رمضان
      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسماَ لتكفير الذنوب والآثام ، أجزل فيه الفضائل والإنعام ، وفضل أيامه على سائر الأيام ، لمن عمر ليله بالقيام ، ونهاره بالصيام .
      أحمده سبحانه وأشكره وأصلي وأسلم على خير من صلى وصام ، وبكى من خشية ربه حين قام
      صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الخير والإنعام ، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام .
      الإخوة المجاهدون: إن رحمة الله تعالى بعباده واسعة ،فجعل لهم مواسم ليتزودوا منها بالباقيات الصالحات ، ويأخذوا عدتهم منها قبل الممات ، فكم هو رحيم بعباده كريم جواد معطاء, ومن أجل هذه المواسم موسم رمضان ، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )
      أيها الأخوة المسلمون :
      ينبغي للمسلم المؤمن أن يُقدر هذه المواسم حق قدرها ، يستشعر بقلبه فضيلتها ، فرمضان موسم مبارك ، أيامه فاضلة ، ولياليه مباركه ، كان رسول الله  يبشر أصحابه بقدومه فيقول
      " إذا كان أول ليله من ليالي رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار ، فلم يفتح منها باب ، وفتحّت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، ذلك كل ليله " رواه الترمذي .
      جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض .
      - وقد ذهبت طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد ، و ذهبت طائفة إلى أن كل الصوم في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى ,ففي رمضان" لله عند كل فطر عتقاء " رواه أحمد
      - وعن أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله  : " إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة ، إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة ، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة " رواه الترمذي
      فهذه بعض فضائل هذا الموسم المبارك :
      ـ تفتح فيه أبواب الجنان .
      ـ إغلاق أبواب النيران .
      - لله عتقاء في كل يوم وليلة ، وعند كل فطر .
      - للصائم دعوة لا ترد .
      -من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، وأيضاً من قام -رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم .
      -" الصوم حاجز عن النار "
      - كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه عطاء من الرب الكريم ، وما ظنك برب كريم وهاب .
      شهر يفوق على الشهور بليلة *** من ألف شهر فضلت تفضـيلاً
      طوبى لعبد صح فيه صيامه *** ودعا المهيمن بكرة وأصيــلا
      وبليلة قــد قام يختم ورده *** متبتـــلاً لإلهــه تبتــيلا
      تأمل كيف كان رسول الله  يحتفي بهذا الموسم ، ولك فيه أعظم أسوة . إذ قال ربك :{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب
      يقول ابن عباس " كان رسول الله أجود الناس " وجوده بجميع أنواع الجود : بالمال والبدن والوقت والجاه والعلم والتعليم ، والدلالة على الخير .
      يقيم ليالي هذا الشهر المبارك يقطعها بالتلاوة والقيام ، وغالب قيامه ' كان منفرداً ، وذلك لرحمته بالأمة خشية أن يفرض القيام على أمته .
      تأمل كيف كان قيامه في رمضان :- يقول أبو ذر  : " كنا مع النبي  فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب بنا شطر الليل أي نصفه . تأمل .. ثم لم يقم بنا في الرابعة ، وقام بنا في الثالثة حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ( يعني السحور )
      وهذا حذيفة  يقول : صليت مع رسول الله  ليلة في رمضان قال : فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم آل عمران ، لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل ، قال : فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة ، أي صلاة الفجر " أخرجه الإمام أحمد .
      فكيف حالنا مع صلاة القيام والتراويح نمن على الله بركعات لا اطمئنان فيها ولا خشوع ، ولا تبتل ولا خضوع ، فصار أحدنا لا هو الذي صلى ففاز بالثواب ، ولا هو الذي ترك فاعترف بتقصيره وسَلم من الإعجاب .
      أين نحن من حال السلف الذين كانوا يعظمون هذه العبادة ، كانوا يصلون ويقومون حتى يعتمدون على العصي من طول القيام .
      كان علي بن عبدا لله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة ، فسمي السجاد .
      وسعيد بن جبر يختم القرآن في ركعةٍ في جوف الكعبة .
      وكان عروة بن الزبير ـ رحمه الله ـ يقرأ كل يوم ربع القرآن في المصحف
      قال المعتمر بن سليمان : مكث أبي سليمان التميمي ـ رحمه الله ـ أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يصلي صلاة الفجر بوضوء العشاء الآخرة .
      قال معمر : " صلى على جانبي سليمان التميمي ـ رحمه الله ـ بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته : " تبارك الذي بيده الملك " حتى أتى على هذه الآية : " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا ، ثم خرجت إلى بيتي ، فلما رجعت إلى المسجد لأوذن الفجر فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة !! وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها .
      قال أبو إسحاق السباعي ـ رحمه الله ـ ذهبت الصلاة مني !! ( أي لما ضعفت وكبر سني ) وضعفت ورق عظمي ، إني اليوم أقوم في الصلاة فما اقرأ إلا البقرة وآل عمران !! ، وكان رحمه الله قد ضعف على القيام ، فكان لا يقدر أن يقوم إلى الصلاة حتى يقام ، فإذا أقاموه فاستتم قائماً قرأ ألف آية وهو قائم .
      وهل كانت صلاتهم صلاة الغافلين اللاهين كحالنا اليوم .. اسمع طرفاً من أخبارهم .
      ـ قال يعمر بن بشر : أتيت باب عبدالله بن المبارك ـ رحمه الله ذات ليلة بعد العشاء فوجدته يصلي وهو يقرأ قوله تعالى : ( إذا السماء انفطرت ) حتى بلغ ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) فوقف عندها يرددها إلى أن ذهب وقت من الليل فانصرفت ثم رجعت غليه لما طلع الفجر فإذا هو لا يزال يرددها ، فلما رأى الفجر قد طلع قال : حلمك وجهلي !! حلمك وجهلي !! فانصرفت وتركته .
      ـ قام العبد الصالح : سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ ذات ليلة يصلي من الليل فقرأ ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) ، فأخذ يرددها حتى أصبح .
      ـ قام العبد الصالح : سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ ذات ليلة يصلي من الليل فمر بهذه الآية ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ) فرددها بضعاً وعشرين مرة ، وكان يبكي بالليل حتى عمش
      ـ كان العبد الصالح علي بن الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ يصلي من الليل حتى ما يقدر أن يأوي إلى فراشه إلا حبوا !! ثم يلتفت إلى أبيه ويقول : يا أبت سبقني المتعبدون !!
      ـ قيل للعبد الصالح : يزيد بن هارون ـ رحمه الله ـ وكان ذو عينين جميلتين فعمي من كثرة بكائه من الليل ، يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان ؟!! فقال : ذهب بهما بكاء الأسحار !! ، ولما سئل عن حزبه ( أي ورده بالليل ) قال : وأنام من الليل شيئاً ؟!! إذا لا أنام الله عيني .
      ـ عن عبدا لرحمن بن عجلان قال : بت عند الربيع بن خيثم ـ رحمه الله ـ ذات ليلة فقام يصلي ، فمر بهذه الآية : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجتر حوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }الجاثية21 ، فمكث ليلته حتى أصبح ما يجاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد .
      ـ كان الربيع بن خيثم ـ رحمه الله ـ إذا قام بالليل يصلي تناديه أمه مشقة عليه وتقول له : يا بني ألا تنام ؟ فيقول لها : يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له ألا ينام .
      ـ قال عطاء الخراساني ـ رحمه الله ـ تبعت مالك بن دينار ـ رحمه الله ذات ليلة فرأيته لما دخل بيته استقبل القبلة وقام في محرابه وأخذ يصلي ما شاء الله أن يصلي ، ثم أخذ بلحيته وجعل يقول : يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك على النار ، فما زال يرددها حتى طلع الفجر .
      هكذا كانوا يعيشون بالطاعات ، يتلذذون بالقربات .
      فلله درهم ، من خلق ، أصبحوا حججاً على من جاء بعدهم .
      هذا حالهم مع القيام في غير رمضان ، فكيف تظن حالهم في ليالي رمضان ، لقد كانوا يقومون الليالي في رمضان حتى يعتمدون على العصي من طول القيام
      كانوا إذا قرأ القارئ البقرة في ثمان ركعات عدوا ذلك تخفيفاً ، فليت شعري كيف لو رأوا قيامنا وصلاتنا .
      كانوا يعظمون رمضان لا يكاد أحدهم يخرج من المسجد يحفظ صيامه ، ولك أن تتخيل زمانهم وزماننا .
      كيف كانت شوارعهم وبيوتهم وقت ذاك ، إذ يخشون فساد صيامهم ، فكيف حال شوارعنا وبيوتنا اليوم ؟
      ولك أن تتخيل كيف كان حال أهل زمانهم وهم قد وصفوا بالصلاح والتقوى وقارن بينهم وبين أهل زمانهم .
      -* رمضان وكنوزه العظيمة
      أحبتي في الله .. إن شرائع الله كاملة ، فالله شرع الصيام لحكم عظيمة ، وغايات كريمة
      من أعظمها: تحقيق العبودية الحقة لله ، فالعبد يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله ، لأن الله أمره بذلك ، وهذا من أعظم الدلائل على الإيمان ,فهو ما ترك هذه الأشياء إلا لعلمه أن الله فرضه عليه , ويؤمن أيضا أن الله يعوضه خيراً منها في الدنيا والآخرة ، بل انظر على الحديث القدسي : " ترك طعامه وشرابه من أجلي "
      من حكمه: تحقيق التقوى :ـ
      والمتقي عبداً أطاع ربه ومولاه ، وابتعد عن مساخطه وما لا يرضاه ، وجاهد في تحصيلها ولو يترك لنفسه العنان ، لم يلجمها بلجام التقوى ، ولذا قال : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري
      " ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر "
      كم هي الثمار عظيمة عندما تتأثر القلوب بالصيام ،فترى الألسنة قد كفت عن الحرام ، وترى الأبصار قد غضت عن الحرمات وترى الأيدي قد حفظت عن الآثام .
      كم يتدرب الصائم ويتعلم الإخلاص في رمضان ، ولذا قيل: أعظم الأعمال التي يظهر فيها الإخلاص – الصيام- لأن الصائم يخلو وحده لا يراه أحد فلا تجرؤ نفسه على الطعام والشراب لعلمه بمراقبته لربه جل وعلا .
      -قال : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه
      فأنت لا تصوم لأن الناس حولك صائمون ، بل صُمْ لأن الله فرض عليك الصيام ، واحتسب الأجر والثواب على ذي الجلال والإكرام .
      من أثر الصيام : صفاء الروح وسمو النفس وعلوها ، ولذا قيل للإمام أحمد : " أيخشع القلب والبدن شبعان ؟ قال : ما أظن ذلك .
      وفي الصيام التمرن على ضبط النفس والسيطرة عليها عند النزغات والمثيرات .
      وفي الحديث " فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم "
      في رمضان يتذكر الصائم الفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون طعاماً يسد جوعتهم ويروي عطشهم لذا كان عمر بن عبدا العزيز لايشبع وقت خلافته فيقال له : يا أمير المؤمنين: لما لا تشبع ؟ فيقول : حتى لا أنسى الجوعى
      إن المرء إذا شعر بألم الآخرين لا ينساهم ، فالصائم ربما ذاق ألم الجوع فتذكر الجائعين .
      فرأف بهم ورحمهم وجعل لهم من ماله حظ ونصيب ، وهذا رسول الله  أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان " رواه البخاري
      - هل كنت ممن تؤثر السهر الطويل وتتلذذ بكثرة الركوع وطول السجود ؟
      هل كنت تنتظر صلاة التراويح بفارغ الصبر ، أي الرجلين أنت أخي المبارك :
      { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } الزمر9 .
      هل كنت عند تلاوة الآيات وسماعها كما وصف الله أهل الآيات ؟
      {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23
      عن أم سعيد بن علقمه " قالت " كان داود الطائي ـ رحمه الله ـ جاراً لنا ، فكنت اسمع بكاؤه عامة الليل لا يهدأ ، ولربما ترنم في السحر بشيء من القرآن ، فأرى أن جميع نعيم الدنيا قد جمع في ترنيمه تلك الساعة .
      - أوصيك أخي المجاهد.. أن تجتهد في تحصيل هذه اللذة ، وإذا لم نحصل عليها في أيام وليال رمضان فمتى نحصل عليها , قال بعض السلف:" مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا ألذ ما فيها ، قيل: ما ألذ ما فيها ؟ قال : الأنس بالله والتلذذ بخطابه والوقوف بين يديه "
      رمضان فرصة عظيمة لإزالة وحشة قلوبنا ,إذا قمت إلى صلاتك فتذكر عظمة هذا المقام
      - تذكر حال السلف ، يقول أحدهم والله ما خرجت من صلاة إلا واشتقت إلى ما بعدها , يا ويح قلوبنا ويا وحشة النفوس ويا بعدها عن مواطن الرحمات ,
      - أيها الأخ المسلم: ها هو شهر رمضان حل ، وها هي مواطن الرحمات قربت ، فكيف سيكون حالك مع القيام ؟
      كيف كان حالنا مع القرآن الكريم ، ورمضان هو شهر القرآن ، تأمل في حال السلف , لقد كان السلف يعظمون كلام الله ، ولا يقدمون عليه كلام ، هذا على الدوام ، أما في رمضان فلهم فيه شأن آخر ، كانوا يتركون كتب العلم " أقول كتب العلم " لا جرائد عصرنا وصحف وقتنا ، كم مرة ختمت أخي القرآن في رمضان الماضي ؟
      كيف كان حال سلفنا الصالح ، كان للشافعي في كل يوم وليلة من رمضان ختمتين .
      وقد تقول لي ذاك زمان سلف ، وأقول هذه حجة الباطلين الكسالى ، إن في زماننا أيها الأخوة من يختمون القرآن في كل يوم وليلة مرة .
      فإذاً حالنا كان مع القرآن في رمضان الماضي لا يسر ، فهل نستمر على ذلك ؟
      تذكر أن القرآن شفيعاً لأصحابه يوم القيامة بمنطوق حديث المصطفى  " فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " ولقد اجتمع لك في رمضان شفيعان كريمان .. القرآن والصيام .

      وأريدك يا أخي في الله أن تعيش مع القرآن بقلبك وتدبره تدبر الباحث عن النجاة وحسبك أن الله قال : { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } الإسراء
      تدبر هذا النداء الكريم {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }الزخرف68
      تدبر هذا النداء الكريم الذي يطمئن النفوس من هم {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ }الزخرف69 ، ما هي البشارة ؟ " ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ " ثم تنتقل بك الآيات على مشهد آخر ، مشهد العذاب والنكال والخزي {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }الزخرف74
      جمع لهم بين الخلود واليأس من الرحمة ، لماذا دخلوا هنا ، ما الذي أوجب عليهم الدخول { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }النحل118
      ، ثم اسمع هذه الآية : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ }
      ماذا يريدون من مالك خازن النار ؟ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ، يطلبون الموت ، فهل يجابوا ؟ نعم يجابوا ، ولكن بجواب يخلع ما على قلوبهم إلا اليأس ، قال {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }الزخرف78
      أفلا نغتم الفرصة؟ كيف كان حالنا مع الذكر ، كيف كان حالنا مع البر والصلة ، كيف كان حالنا مع الجود والصدقة وتفطير الصائمين ، رمضان موسم للصدقة والإنفاق ألم يكن نبينا أجود الناس,أفلا نتشبه به
      لقد كنا دائماً نحدث أنفسنا بانتهاز فرصة رمضان ، فها هو رمضان قادم ، فما عسانا فاعلون ؟ رمضان يطل علينا هلاله بعد أيام ، فأي رمضان يكون رمضانك هذه المرة ؟
      * هل هو رمضان المسوفين الكسالى ؟
      * أم هو رمضان المسارعين المجدين ؟
      * هل هو رمضان الصيام والقيام الحقيقي ؟
      * هل هو رمضان الحفظ على الجوارح والأركان؟
      تسابقت القنوات الفاسدة تسابق غير شريف لصد الناس عن سبيل الله,فمن منكم سيشمر ويساعد في نشر الدين وتنبيه الناس من الغفلة ,ولو بالقليل من الوقت والمال
      أيعقل أن يصبح هذا الشهر الكريم عند البعض شهراً يتضاعف فيه الفسق والعصيان؟
      أيعقل أن تتضاعف الجهود من أجل تحويل شهرا تتنزل الرحمات إلى شهر الفن والتمثيل والطيش والسفه؟ نعم والله لقد صار .
      إنهم يهاجمون أياماً مباركة يريدون إفساد ليالينا الفاضلة بالمسابقات الفاشلة فهل يعقل هذا
      { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27
      رمضان فرصة عظيمة لتبديل الأحوال ، رمضان فرصة لمن كان مقصراً في الصلاة أن يحافظ عليها ,و فرصة لمن هجر القرآن أن يعود إلى كتاب ربه ,و فرصة لمن تلبس ببعض المعاصي والمحرمات أن يتركها ,رمضان فرصة لمن كان بينه وبين أحد قطيعة أن يصل من قطع .
      يا رب .. إن عظمت ذنوبي كثرة
      إن كان لا يرجوك إلا محسناً
      أدعوك يا ربي كما أمرت تضرعاً
      ما لي إليك وسيلة إلا الدعاء
      فلقد علمت بأن عفوك أعظم
      فبمن يلوذ ويستجير المجرم
      فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم ؟
      وجميل عفوك ثم إني مسلم

      متى تنتبه من رقادك أيها الوسنان ؟ ، متى تفيق لنفسك أيها الكسلان ، أما ترى قوافل العائدين ، ألا تكرى تهجد المتهجدين ؟ ، وتسمع تلاوة التالين . ، وأنين المذنبين ، واستغفار المستغفرين ، أما في قلبك حياة لتغتنم مواسم الخيرات ؟ ، أوليس عندك همة لتبادر قبل الممات ؟ .
      - تذكروا من صاموا معنا في الأعوام الماضية وقاموا .. أين هم الآن ؟ إنهم في لحود الأرض قد غيبوا ، وعن الأعمال قد منعوا ، كل واحد منهم قد أمّل أن يعيش حتى يدرك رمضان ، ولكن عمره انقضى ، فتذكر نعمة اله عليك إذ أبقاك وبعدهم ، وتركك ، وأخذهم .


      تاسعا : طاعة الأمراء والعلماء بالمعروف

      طاعة الأمراء والعلماء بالمعروف
      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
      شدد الإسلام على وجوب طاعة ولاة الأمر في المعروف ؛ لأن بهذه الطاعة تستقيم أمور الأمة ويحصل الأمن والاستقرار ويأمن الناس من الفتنة . وأوضحت الشريعة الإسلامية أن المراد بولاة الأمر هم العلماء والأمراء والحكام ذوو السلطان وفي عرفنا القادة والأمراء المجاهدون .
      وأكدت الشريعة الاسلاميه أن وجوب طاعتهم تكون في المعروف وليس في معصية الله عز وجل , وبينت السنة أن الحاكم الذي يأمر بالمعصية لا يطاع في هذه المعصية دون أن يكون للرعية حق الخروج على الإمام بسبب ذلك ,وبين متى يجوز الخروج على الأمراء بالضوابط التي ضبطها الشرع الكريم بوجود الرعية من الحكام كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان مع القدرة والاستطاعة على التغيير ، فإن عدموا القدرة لعجزهم فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرا بواحا . لأن خروجهم فيه فساد للأمة ويضر الناس ويوجب الفتنة وهو ما يتعارض ودوافع الخروج الشرعي وهو الإصلاح ومنفعة الناس والأمة .
      ففي هذه الحالة تكتفي الرعية ببذل النصح والكلام بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبهذا تبرأ الذمة, وذلك لما له من أهمية الطاعة وملازمة الجماعة وعظم الوعيد من الله ورسوله لمن أراد شق عصا الطاعة وفرق المسلمين
      *- وعندما سئل بن باز عن كيفية التعامل مع من يستحل القوانين المخالفة للشريعة من الحكام قال سماحته : نطيعهم في المعروف وليس في المعصية حتى يأتي الله بالبديل وعندما سئل سماحته عن الجماعات الإسلامية المختلفة الموجودة في الساحة الإسلامية وعن أيها أولى بالإتباع أكد أن الجماعة التي يجب إتباعها هي الجماعة التي تسير على منهج الكتاب والسنة وهو ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم , وأوضح أن كل جماعة من هذه الجماعات الموجودة لديها حق وباطل وهؤلاء يطاعون في الحق وهو ما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة وما خالف الدليل يرد عليهم ويقال لهم أخطأتم في هذا ، ويرى سماحته أن على أهل العلم واجبا عظيما ودورا كبيرا في هذا المجال وهو بيان الحق والرد على هذه الجماعات فيما أخطأت فيه ممن يعرفون تفاصيل هذه الجماعات .
      وأوضح أيضا أن هذه الجماعات ليست معصومة وليس لأحد منهم أن يدعي العصمة فالواجب البحث عن الحق وهو ما وافق الدليل من الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة وما خالف الدليل وجب أن يلقى به جانبا سواء كان من هذه الجماعات أو من غيرهم من أصحاب المذاهب والجماعات
      إذ أن الأصل وجوب اتباع الدليل من الكتاب والسنة فما وافقهما فهو الحق وما خالفهما فهو الباطل وحذر سماحته من الذين يدعون إلى غير كتاب الله عز وجل وإلى غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء لا يُتَّبعون ولا يقلدون بل يًعادون في الله ويحذر منهم
      * سؤال : ما المراد بطاعة ولاة الأمر في الآية هل هم العلماء أم الحكام ولو كانوا ظالمين لأنفسهم ولشعوبهم؟
      جواب : يقول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}http://www.binbaz.org.sa/print.php?type=article&id=347 - _ftn1 وأولو الأمر هم : العلماء وأمراء المسلمين وعلماؤهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله , فالعلماء والأمراء يطاعون في المعروف , لأن بطاعتهم تستقيم الأحوال ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر وينصف المظلوم ويردع الظالم ويستطيع كل مجاهد أن ينفذ ما طُلب منه بدقه متناهيه . أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف و لا يقدر المجاهد أن ينفذ عمله إلا بصعوبة لأن العمل تراكمي أي غالبا ما يطلب من كل فرد القيام بجزء من العمل , فالواجب أن يطاعوا في طاعة الله في المعروف سواء كانوا أمراء أو علماء فالعالِم يبين حكم الله والأمير ينفذ حكم الله هذا هو الأصل في أولي الأمر ، هم العلماء بالله وبشرعه وهم أمراء المسلمين فعليهم أن ينفذوا أمر الله وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق وأن تسمع لأمرائها في المعروف- أما إذا أمروا بمعصية سواء كان الآمر أميرا أو عالما فإنهم لا يطاعون في ذلك ، إذا قال لك أمير اشرب الخمر فلا تشربها أو إذا قال لك كل الربا فلا تأكله ، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه ، والتقي لا يأمر بذلك لكن قد يأمر بذلك الفاسق , والمقصود أنه إذا أمرك العالم أو الأمير بشيء من معاصي الله فلا تطعه في معاصي الله إنما الطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) لكن لا يجوز الخروج على الأئمة وإن عصوا بل يجب السمع والطاعة في المعروف مع المناصحة ولا تنزعن يدا من طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره وفيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة)) ويقول عليه الصلاة والسلام : ((من رأى من أميره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة فإنه من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية)) وقال عليه الصلاة والسلام : ((من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم وأن يشق عصاكم فاقتلوه كائنا من كان)) والمقصود أن الواجب السمع والطاعة في المعروف لولاة الأمور من الأمراء والعلماء- وبهذا تنتظم الأمور وتصلح الأحوال ويأمن الناس وينصف المظلوم ويردع الظالم وتأمن السبل ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور وشق العصا إلا إذا وجد منهم كفراً بواحا عليه من الله برهان ويستطيعون بخروجهم أن ينفعوا المسلمين وأن يزيلوا الظلم وأن يقيموا دولة صالحة , أما إذا كانوا لا يستطيعون فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرا بواحا , لأن خروجهم يضر الناس ويفسد الأمة ويوجب الفتنة والقتل بغير الحق
      * سؤال : كيف نتعامل مع الأمير العاصي؟
      جواب : نطيعه في المعروف وليس في المعصية حتى يأتي الله بالبديل .
      * سؤال : تعلم يا سماحة الشيخ – بن باز- ما حل في الساحة من فتن فأصبح هناك جماعات مثل جماعة التبليغ وجماعة الإخوان والسلفية وغيرهم من الجماعات وكل جماعة تقول : إنها هي التي على صواب في اتباع السنة من هم الذين على صواب من هذه الجماعات ومن نتبع منهم؟ ونرجو منك أن تسميهم بأسمائهم؟
      جواب : الجماعة التي يجب إتباعها والسير على منهاجها هم أهل الصراط المستقيم ، هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهم أتباع الكتاب والسنة الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا ، أما الجماعات الأخرى فلا تتبع منها أحدا إلا فيما وافقت فيه الحق , سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ أو أنصار السنة أو من يقولون إنهم السلفيون أو الجماعة الإسلامية أو من تسمي نفسها بجماعة أهل الحديث وأي فرقة تسمي نفسها بأي شيء فإنهم يطاعون ويتبعون في الحق والحق ما قام عليه الدليل وما خالف الدليل يرد عليهم ويقال لهم : قد أخطأتم في هذا ، فالواجب موافقتهم فيما يوافق الآية الكريمة أو الحديث الشريف أو إجماع سلف الأمة . أما ما خالفوا فيه الحق فإنه يردعليهم , فأهل العلم العالمون بالكتاب والسنة الذين تفقهوا في الدين من طريق الكتاب والسنة ، هم الذين يعرفون تفاصيل هذه الجماعات وهذه الجماعات عندها حق وباطل فهي ليست معصومة وكل واحد غير معصوم ولكن الحق ما قام عليه الدليل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع سلف الأمة سواء من هذه الجماعات أو غيرهم- فما قام عليه الدليل فهو الحق وما خالف الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الإجماع القطعي يكون خطأ- وأما الذين يدعون إلى غير كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء لا يتبعون ولا يقلدون ، إنما يطاع ويتبع من دعا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فيقال له : أحسنت إذا أحسن وأخطأت إذا أخطأ ويتبع في الصواب ، ويدعي له بالتوفيق ، وإذا أخطأ يقال له أخطأت في كذا وخالفت الدليل الفلاني والواجب عليك التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق- هذا يقوله أهل العلم وأهل البصيرة- أما العامي فليس من أهل العلم وإنما العلماء هم العلماء بالكتاب والسنة المعروفون الذين يتبعون الكتاب والسنة فعلى العامي أن يسأل هؤلاء الذين عرفوا الكتاب والسنة عما أشكل عليه مثل أن يسألهم ما تقولون في دعوة فلان الذي يقول كذا ويقول كذا حتى يتبصر ويعرف الحق كما قال الله سبحانه : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}http://www.binbaz.org.sa/print.php?type=article&id=347 - _ftn2 وهم أهل العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أما أهل البدعة فليسوا من أهل الذكر ، والدعاة إلى البدعة ليسوا من أهل الذكر أيضا , والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
      ** الأمر المهم جدا والذي أثار حفيظتي هو أزمة الطاعة
      فللأسف الشديد كانت طاعة البعض للامير في بعض الامور قليله نسبيا .
      ذلك أن بعض الشباب كان يجادل أميرهُ حينما كان يتوجه إليهم طالبا منهم أي طلب بل يحزنني أن بعضهم يكذبون في أعذارهم فهل هذه أخلاق المسلمين أو المجاهدين , لذلك سنُذكر بفضل طاعة الأمير
      * قصة عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنه حين كانت متوجها إلى المسجد النبوي في أيام خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فسمع أمير المؤمنين من داخل المسجد يقول لمن تواجد داخل المسجد "إجلسوا" وكان عبد الله ما زال خارج المسجد ولكنه جلس على الأرض مكانه حيث سمع الأمرتحت أشعة الشمس الحارقة طاعة لأمير المؤمنين !!!
      * من واقع المعسكرات أيام الرعيل الاول حيث كان شباب الكشافة في جولة فقال لهم أمير الفرقة "قف" فإذا بأحدهم قد وقف على رجل واحدة فقط رافعا الرجل الأخرى شيئا قليلا فسألوه عن ذلك فأجاب : كنا نمشي وكان دور هذه الرجل في الأعلى – كعادة الإنسان في المشي ، رجل على الأرض ورجل في الهواء - ولما قال الأمير "قف" توقفت كليا تاركا رجلي هذه مكانها في الأعلى طاعة للأمير في قوله "قف" !!!

      أخوتي هي علي واجب أن أذكركم ما حدث يوم أحد من مخالفة – عدم طاعة – نفر من الصاحبة رضوان الله عليهم لقول وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفاع النصرة وشج رأس رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وكسر رباعيته وقت كثير من الصحابة رضوان الله عليهم !!! كل ذلك بسبب المخالفة أي عدم الطاعة .
      فالطاعة يا إخواني المجاهدين أمر مهم جدا وعليها تترتب نزول البركات ونزول النصرة . وبعدمها – ولو من نفر وقسم قليل - ترتفع البركة وترتفع النصرة .
      * الأخوة المجاهدين إذا لم تكونوا أنتم من يلتزم الطاعة ويتنافس في فعل ذلك فمن تتوقعون أن يقوم به ؟
      ولا بأس بأن أذكركم بأننا ما التزمنا للعب والعرنطه ,إنما لنجاهد بأنفسنا وأموالنا في سبيل الله ، فعليكم باغتنام الفرص لتتنافسوا بإظهار وتطبيق الصفات الطيبة ، من طاعة وانضباط للأوامر , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
      وأمر آخر وهو من أنواع عدم طاعة الأمير هو القيام بأعمال تخالف المجموعة دون إذن صريح من أمير المعسكر أو حتى القيام بأعمال غير خلقية– في أوقات يضن أنه ليس من حق الأمير عليه سمعاً فيها – خارجة عن النظام والخلق الإسلامي ,اعلم أخي المجاهد أنه يجب عليك أن تكون الوجه المشرق للمجموعة المجاهد التي اخترتها وسعيت لأن تكون معها , فقبلتك أن تكون بين صفوفها للأخلاق التي كنت تتسم بها
      ** أخي المجاهد أعزك الله بالإسلام
      الإخوة ا لمجاهدين عندما نذكر مسألة طاعة الأمير لا نذكرها من باب فضل هذا العمل وكأن في الأمر تفضُّل أو كريم خلق إن في طاعة الأمير واجب شرعي كما الأمر بالصلاة والصوم والزكاة, ومخالفة الأمير كمن ترك صلاة او فرَّط بحد من الحدود..وقد يقول قائل نحن لا نريد أن نكون مجرد أحجار شطرنج نُحرّك من القادة ,نحن نريد أن يكون لنا شخصيتنا ورأينا .
      اقول: نحن لا ندعو لطاعة عمياء , فنحن لا نسير وراء القادة وقد أسلمنا لهم عقولنا وأرواحنا ,نحن ندعوا للطاعة المبصرة , طاعة في كل ما يرضي الله تعالى ووفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وما سار عليه صحابته رضوان الله عليهم
      وإلا كيف تفهمون قصة الفتاة التي عمرها 10 سنوات التي وقفت لعمر بن الخطاب أمير المؤمنين !! وقالت له أخطأت يا أمير المؤمنين , وكان وقد اخطأ في مسألة المواريث ... وكان رد فعله عندما أدرك خطأه أن قال: صدقت الجارية واخطأ عمر ..وكيف تقولون بذلك الموقف الذي فيه وقف أمير المؤمنين معاوية يوما على منبره بعد أن قطع بعض الأعطيات عن أفراد المسلمين فقال: اسمعوا وأطيعوا فقام إليه أبو مسلم يناقشه على هذا التصرف الخاطئ قال: لا سمع ولا طاعة يا معاوية، قال ولم يا أبا مسلم ، فقال يا معاوية كيف تمنع العطاء وانه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال للحاضرين مكانكم وغاب ساعة عن أعينهم، ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَاغَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ" وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم إنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى أُعطيكم من مال الله ,وهذا هو معنى الطاعة ,حيث نفذ الأمر ثم ناقشه عندما سمح الوقت له
      #########
      يرجى المعذرة فالإعلان عن منتديات أخرى ممنوع
      وأي ملاحظة أو استفسار قسم الشكاوى والإقتراحات ،مفتوح!

      تعليق


      • #4
        جزاك الله كل خير اخوي المهاجر في الله علي الموضوع الرائع تقبل الله منك

        في رعاية الله وحفظه

        تعليق


        • #5
          جزاك الله كل خير اخي على هذة المجله القيمه

          في حفظ الله وتوفيقه

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك اخي وجزاك الله خيرا

            تعليق

            يعمل...
            X