الخُروج عَلى الحُكّام ( بَحثٌ ، قائم البُرهان كقائم الظهيرة)
----------------
أتمنّى من الشباب قراءة البحث كاملا لما فيه من الحقّ المبين الذي يدحض جميع شبهات وأباطيل مرجئة العصر.
يتضمّن البحث:
حكم طاعة الإمام المسلم وبيان متّى يجب الخروج عليه.
أقوال كبار العلماء القائلين بكفر من حكم بغير التنزيل.
الردّ على شبهة " لا ماصلّوا" و " إلاّ أن تروا كفرا بواحا" وشبهة المفاسد المترتّبة عن الخروج ، وشبهة الأبرياء الذين يسقطون بنيران المجاهدين، وشرط القدرة ، وذريعة التربية والاستضعاف...الخ.
فرضية أنّ هؤلاء الحكّام لم يكفروا بتعطيل الشرع وبيان النواقض الأخرى التي خرجوا بها من الإسلام.
بيان جواز قتال هؤلاء الحكّام لأسباب أخرى غير تعطيل الشرع.
جواز الخروج على الحاكم المسلم ( إن كثر فسقه وفساده).
بيان شروط الإمامة وأن هؤلاء الحكّام ليسوا كذلك، بل لا يصلحون لدين ولا لدنيا.
طاعة الأئمّة واجبة لقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، وللأحاديث المتواترة في وجوب ذلك ومنها مأخرجه البخاري: ( اسمعوا وأطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله) وفي الصحيحين: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ أو كره إلاّ أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّا تحثّ جميعها على طاعتهم وتحرّم الخروج عليهم ما أقاموا كتاب الله ولم يظهروا الكفر البواح ، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال: دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، قال: إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ( وهنا مربط الفرس).
فحديث " عبادة " يقيّد أحاديث الصبر ويخصّصها ، فإذا كفر الحاكم وجبت المنازعة والخروج ، والى هذا التقييد أشار البخاري بإيراده لأحاديث الصبر السبق ذكرها ثمّ أتبعها بحديث " عبادة" في نفس الباب.
وعلى هذا ، فمن الجهل الكبير المستبين، والمغالطات الخطيرة التي يهذي بها البعض،تنـزيل الأحاديث الواردة في حق أئمة المسلمين ، على حكّام العصر المرتدين. فهي والله فتنة عظيمة قد عمّت فأعمت ، ورزية رمت فأصمّت ، وكلمة أوحاها شيطان الجنّ إلى شيطان الإنس فقرّها في أذنه ثمّ ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد.
ولو افترضنا - جدلا- تنـزيل أحاديث الأئمة عليهم، فإنّ هذه الأحاديث مقيَّدة بحديث عبادة بن الصامت: وألا ننازع الأمر أهله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) متفق عليه، فمتى وقع الحاكم في الكفر الصريح، كالحكم بغير ما أنـزل الله فقد سقطت طاعته وخرج عن حكم الولاية ووجب الخروج عليه كما قال النووي: قال القاضي عياض : أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنّه لو طرأ عليه كفر ينعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها... وقال: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعتهووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلاّ إذا ظنّواالقدرة عليه فإنّ تحقّقوا العجز لم يجب القيام فيها وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفرّ بدينه. (شرح النووي على مسلم، 12/229).
فطاعة وليّ الأمر، وحرمة الخروج عليه قيّدها الحبيب عليهم الصلاة والسلام بقوله: ( ما أقام فيكم كتاب الله) وقوله: ( إلاّ أن تروا كفرا بواحا فيه من الله برهانا). فان لم يقم كتاب الله ، وأظهر الكفر البواح، فلا سمع ولا طاعة ووجب الخروج عليه وخلعه بإجماع المسلمين.
فذِكرُ أنّ الحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين كذلك ، شرط في صحّة ولايتهم التي توجب طاعتهم.
جاء في الحديث: إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين (رواه البخاري).
وقال ابن حزم (الملل والنحل 102/4) : (.....فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا زاغ عن شيء منها منع من ذلك وأقيم عليه الحدّ والحق فإذا لم يؤمن آذاه إلاّ بخلعه خلع ووليّ غيره ).
وذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج1ص13 .. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله أن نضرب بهذا ( السيف) من عدل عن هذا ( المصحف).وقال رحمه الله: فمن عدل عن الكتاب قُــِوّم بالحديد ، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، كتاب يهدي وسيف ينصر ( السياسة الشرعية).
وحديث ابن مسعود: سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنّة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله.( رواه أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي ، الطبراني في الكبير وإسناده على شرط مسلم).
وقال شيخ الإسلام: أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها، حتى يكون الدين كله لله.(الفتاوى/باب الجهاد).
فكيف بالله عليكم يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدوّ لله ورسوله ممّن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى: يا أيّها النبيّ جاهد الكفّاروالمنافقين واغلظ عليهم؟.
قال ابن حجر: قال ابن التين: وقد أجمعوا أنّه - أي الخليفة - إذا دعا إلى كفر أوبدعة أنّه يُقام عليه. وقال ابن حجر: وملخّصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعا، فيجب على كلّ مسلم القيام في ذلك. (فتح الباري: 13/123).
قوله " بدعة " أي مكفّرة من جنس تبديل الشرع.
فإن قال مرجئة العصر : هذا صحيح ولكنّ ، ماذا عن الحديث الذي رواه مسلم: ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ”لا ما صلّوا“ ؟.
قلنا: فالمراد بلفظ : ( لا ماصلّوا ) لا يعني مجرّد الصلاة بل تشير إلى استكمال أسباب الإيمان الكامل وما يبنى على الصلاة من استقامة وتقوى بعيدة عن الفسق والظلم المنافي للصلاة وروحها ومقاصدها .
فذكر الصلاة هاهنا كما ذكر أهل العلم إشارة إلى إقامة الدين والتوحيد ، فالصلاة لا تغني مع نقض أصل التوحيد شيئا – فتأمّل أخي المسلم – فقد يكون الرجل مصليّا مزكيّا ومجاهدا ومع هذا يكفر ويحلّ ماله ودمه بمجرّد وقوعه بناقض من نواقض " لا إله إلاّ الله " ولذا قال النووي فيه: وأمّا قوله: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلّوا ، ففيه معنى ماسبق أنّه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرّد الظلم والفسق مالم يغيّروا شيئا من قواعد الإسلام. اهـ
وهل يسقط الحدّ على المسلم المحصن إذا زنا لأنّه يقيم الصلاة؟.
يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في " مصباح الظلام ص 328" : فمن جعل الإسلام هو الإتيان بأحد المباني فقط ، مع ترك التزام توحيد الله والبراءة من الشرك فهو أجهل النّاس وأضلّهم. اهـ
ولهذا حين أفتى بعض العلماء أيّام التتار بحرمة قتالهم بدعوى أنّهم دخلوا الإسلام ، قال شيخ الإسلام: ( إذا رأيتموني في صفّهم فاقتلوني) تأكيدا منه رحمه الله أنّ قتال التتار لا شبهة فيه ألبتة حتّى وهم ينطقون بالشهادتين ويقيمون الصلوات ذلك لأنّهم حكّموا " الياسق" وعطّلوا حكم الله.
بل وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتل الخوارج الذي قال فيهم: تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم...
ووجه الاستدلال: تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم.
وحديث ابن مسعود السابق: سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يارسول الله إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله.
تأمّلوا قوله عليه الصلاة والسلام: تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله. ( مع أنّهم يصلّون كما هو مذكور في الحديث).
يقول الشيخ محمد حامد الفقي: من اتّخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها ... فهو بلا شكّ كافر مرتدّ ... ولا ينفعه أي اسم تسمّى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها.
وجاء في السياسة الشرعية ج1 ص 106 وما بعدها : وأيّما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فانه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله.
وقال شيخ الإسلام: وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كلّه لله وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فمن منع هذا قوتل باتّفاق المسلمين.( السياسة الشرعية ص62).
أي من منع إقامة الدين لتكون كلمة الله هي العليا قوتل كائنا من كان باتّفاق المسلمين، ولم ينفعه أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها.
فالإسلام ليس مجرّد مجموعة من العقائد الكلامية وجملة من المناسك والشعائر كما يُفهم من معنى الدين في هذا الزمان، بل الحقّ إنّه نظام كلّي شامل يريد تحرير الإنسان من العبودية للعباد ، وتقرير ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ، وتحطيم مملكة الهوى البشري في الأرض ، وإقامة مملكة الشريعة الإلهية في عالم الإنسان . .
وان قال القوم: وماذا عن قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان؟.
قلنا: الكفر البواح ليس معناه كما يعتقد الكثير أن يقول الحاكم أنا كافر ( أي يبوح بكلمة الكفر بلسانه) لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: إلاّ أن تروا كفرا بواحا ( تأمّلوا قوله – تروا-) وفي بعض روايات البخاري لهذا الحديث : ( إلاّ أن تروا معصية بواحا ) وفي بعضها : ( إلاّ أن يأمروا بإثم بواح ).
قال الخطابي: معنى قوله " بواحا" يريد ظاهرا.
أي كفرا ظاهرا ( كالتحاكم إلى القوانين الوضعية ، وموالاة المشركين، وماهم عليه من البغض لهذه الأمّة بل لم يترك هؤلاء الحكّام الملاعين ناقضا من نواقض الإسلام العشرة إلاّ وارتكبوه).
وان قالوا: لنفترض " جدلا" جواز الخروج عليهم ، أفلا تضعون للمفاسد اعتبارا؟.
قلنا: قال القاضي عياض وإذا وقع الحاكم في الكفر فلا ينظر إلى مفسدة الخروج عليه، إذ لا مفسدة أعظم من فتنة الكفر، قال تعالى: والفتنة أكبر من القتل ، وقد أجمع العلماء على أن حفظ الدين مقدّم على حفظ النفس وغيرها من الضرورات الخمس.( النووي شرح مسلم).
وقال سليمان ابن سحمان: فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الإسلام.وقال الشاطبي: ممّا اتّفق عليه أهل الملّة أنّ النفوس محترمة محفوظة ومطلوبة للإحياء، بحيث إذادار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها أو إتلافها وإحياء المال ? كان إحياؤها أولى ? فإن عارض إحياؤها إماتة الدين، كان إحياء الدين أولى، وإن أدّى إلى إمامتها. (الموافقات 2/39).
وقال شيخ الإسلام فكل الفتن تصغر وتهون أمام فتنة الشرك.. وكل فتنة تُحتمل في سبيل إزالة الفتنة الأكبر؛ ألا وهي فتنة الشرك والكفر.. فالقتال وإن كانت تترتب عليه بعض المشاق والآلام والفتن إلاّ أنّها كلّها تهون في سبيل إزالة فتنة الكفر والشرك.اهـ
وقال رحمه الله: وذلك أنّ الله تعالى أباح من قتل النّفوس ما يُحتاج إليه في صلاح الخَلق كما قال تعالى: ( والفتنة أشدّ من القتل) أي أنّ القتل وان كان فيه شرّ وفساد ففي فتنة الكفّار من الشرّ والفساد ماهو أكبر منه. اهـ
فعن أيّ مصالح ومفاسد يتكلّمون؟ أهي شرعية فما دليلهم عليها ؟ أم عقلية محضة في مواجهة النصّ؟.
من أعلم بمصالح العباد؟ قال تعالى: قل أأنتم أعلم أم الله؟.
قال الشاطبي: المصالح المجتلبة شرعا، والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية... ( إلى أن قال) : المنافع الحاصلة للمكلف مشوبة بالمضار عادة، كما أن المضار محفوفة ببعض المنافع.. ( الموافقات2/39).
قال الشيخ حامد العلي حفظه الله: والعجب أن هؤلاء المفتونين، عكسوا ما أراده الله منهم، فقد أمرهم بالتزام شريعته، وتكفل لهم برزقهم وقدر آجالهم، فكان همهم أرزاقهم، وآجالهم، التي تكفل الله بها، فلا تزيد ولا تنقص، وأهملوا دينهم الذي أمرهم الله تعالى بحفظه، وظنوا أن رضاهم بعلو الكافر عليهم، وتحالفهم معه، سيكون سببا في انبساط الدنيا لهم، وحلول الأمن عليهم. اهـش (منقـــــــول)
----------------
أتمنّى من الشباب قراءة البحث كاملا لما فيه من الحقّ المبين الذي يدحض جميع شبهات وأباطيل مرجئة العصر.
يتضمّن البحث:
حكم طاعة الإمام المسلم وبيان متّى يجب الخروج عليه.
أقوال كبار العلماء القائلين بكفر من حكم بغير التنزيل.
الردّ على شبهة " لا ماصلّوا" و " إلاّ أن تروا كفرا بواحا" وشبهة المفاسد المترتّبة عن الخروج ، وشبهة الأبرياء الذين يسقطون بنيران المجاهدين، وشرط القدرة ، وذريعة التربية والاستضعاف...الخ.
فرضية أنّ هؤلاء الحكّام لم يكفروا بتعطيل الشرع وبيان النواقض الأخرى التي خرجوا بها من الإسلام.
بيان جواز قتال هؤلاء الحكّام لأسباب أخرى غير تعطيل الشرع.
جواز الخروج على الحاكم المسلم ( إن كثر فسقه وفساده).
بيان شروط الإمامة وأن هؤلاء الحكّام ليسوا كذلك، بل لا يصلحون لدين ولا لدنيا.
طاعة الأئمّة واجبة لقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، وللأحاديث المتواترة في وجوب ذلك ومنها مأخرجه البخاري: ( اسمعوا وأطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله) وفي الصحيحين: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ أو كره إلاّ أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّا تحثّ جميعها على طاعتهم وتحرّم الخروج عليهم ما أقاموا كتاب الله ولم يظهروا الكفر البواح ، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال: دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، قال: إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ( وهنا مربط الفرس).
فحديث " عبادة " يقيّد أحاديث الصبر ويخصّصها ، فإذا كفر الحاكم وجبت المنازعة والخروج ، والى هذا التقييد أشار البخاري بإيراده لأحاديث الصبر السبق ذكرها ثمّ أتبعها بحديث " عبادة" في نفس الباب.
وعلى هذا ، فمن الجهل الكبير المستبين، والمغالطات الخطيرة التي يهذي بها البعض،تنـزيل الأحاديث الواردة في حق أئمة المسلمين ، على حكّام العصر المرتدين. فهي والله فتنة عظيمة قد عمّت فأعمت ، ورزية رمت فأصمّت ، وكلمة أوحاها شيطان الجنّ إلى شيطان الإنس فقرّها في أذنه ثمّ ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد.
ولو افترضنا - جدلا- تنـزيل أحاديث الأئمة عليهم، فإنّ هذه الأحاديث مقيَّدة بحديث عبادة بن الصامت: وألا ننازع الأمر أهله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) متفق عليه، فمتى وقع الحاكم في الكفر الصريح، كالحكم بغير ما أنـزل الله فقد سقطت طاعته وخرج عن حكم الولاية ووجب الخروج عليه كما قال النووي: قال القاضي عياض : أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنّه لو طرأ عليه كفر ينعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها... وقال: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعتهووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلاّ إذا ظنّواالقدرة عليه فإنّ تحقّقوا العجز لم يجب القيام فيها وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفرّ بدينه. (شرح النووي على مسلم، 12/229).
فطاعة وليّ الأمر، وحرمة الخروج عليه قيّدها الحبيب عليهم الصلاة والسلام بقوله: ( ما أقام فيكم كتاب الله) وقوله: ( إلاّ أن تروا كفرا بواحا فيه من الله برهانا). فان لم يقم كتاب الله ، وأظهر الكفر البواح، فلا سمع ولا طاعة ووجب الخروج عليه وخلعه بإجماع المسلمين.
فذِكرُ أنّ الحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين كذلك ، شرط في صحّة ولايتهم التي توجب طاعتهم.
جاء في الحديث: إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين (رواه البخاري).
وقال ابن حزم (الملل والنحل 102/4) : (.....فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا زاغ عن شيء منها منع من ذلك وأقيم عليه الحدّ والحق فإذا لم يؤمن آذاه إلاّ بخلعه خلع ووليّ غيره ).
وذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج1ص13 .. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله أن نضرب بهذا ( السيف) من عدل عن هذا ( المصحف).وقال رحمه الله: فمن عدل عن الكتاب قُــِوّم بالحديد ، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، كتاب يهدي وسيف ينصر ( السياسة الشرعية).
وحديث ابن مسعود: سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنّة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله.( رواه أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي ، الطبراني في الكبير وإسناده على شرط مسلم).
وقال شيخ الإسلام: أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها، حتى يكون الدين كله لله.(الفتاوى/باب الجهاد).
فكيف بالله عليكم يستقيم القول بوجوب السمع والطاعة لمن هو عدوّ لله ورسوله ممّن أوجب الله على المؤمنين جهاده من الكفار والمنافقين كما قال تعالى: يا أيّها النبيّ جاهد الكفّاروالمنافقين واغلظ عليهم؟.
قال ابن حجر: قال ابن التين: وقد أجمعوا أنّه - أي الخليفة - إذا دعا إلى كفر أوبدعة أنّه يُقام عليه. وقال ابن حجر: وملخّصه أنّه ينعزل بالكفر إجماعا، فيجب على كلّ مسلم القيام في ذلك. (فتح الباري: 13/123).
قوله " بدعة " أي مكفّرة من جنس تبديل الشرع.
فإن قال مرجئة العصر : هذا صحيح ولكنّ ، ماذا عن الحديث الذي رواه مسلم: ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ”لا ما صلّوا“ ؟.
قلنا: فالمراد بلفظ : ( لا ماصلّوا ) لا يعني مجرّد الصلاة بل تشير إلى استكمال أسباب الإيمان الكامل وما يبنى على الصلاة من استقامة وتقوى بعيدة عن الفسق والظلم المنافي للصلاة وروحها ومقاصدها .
فذكر الصلاة هاهنا كما ذكر أهل العلم إشارة إلى إقامة الدين والتوحيد ، فالصلاة لا تغني مع نقض أصل التوحيد شيئا – فتأمّل أخي المسلم – فقد يكون الرجل مصليّا مزكيّا ومجاهدا ومع هذا يكفر ويحلّ ماله ودمه بمجرّد وقوعه بناقض من نواقض " لا إله إلاّ الله " ولذا قال النووي فيه: وأمّا قوله: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلّوا ، ففيه معنى ماسبق أنّه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرّد الظلم والفسق مالم يغيّروا شيئا من قواعد الإسلام. اهـ
وهل يسقط الحدّ على المسلم المحصن إذا زنا لأنّه يقيم الصلاة؟.
يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في " مصباح الظلام ص 328" : فمن جعل الإسلام هو الإتيان بأحد المباني فقط ، مع ترك التزام توحيد الله والبراءة من الشرك فهو أجهل النّاس وأضلّهم. اهـ
ولهذا حين أفتى بعض العلماء أيّام التتار بحرمة قتالهم بدعوى أنّهم دخلوا الإسلام ، قال شيخ الإسلام: ( إذا رأيتموني في صفّهم فاقتلوني) تأكيدا منه رحمه الله أنّ قتال التتار لا شبهة فيه ألبتة حتّى وهم ينطقون بالشهادتين ويقيمون الصلوات ذلك لأنّهم حكّموا " الياسق" وعطّلوا حكم الله.
بل وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتل الخوارج الذي قال فيهم: تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم...
ووجه الاستدلال: تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم.
وحديث ابن مسعود السابق: سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يارسول الله إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله.
تأمّلوا قوله عليه الصلاة والسلام: تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله. ( مع أنّهم يصلّون كما هو مذكور في الحديث).
يقول الشيخ محمد حامد الفقي: من اتّخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها ... فهو بلا شكّ كافر مرتدّ ... ولا ينفعه أي اسم تسمّى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها.
وجاء في السياسة الشرعية ج1 ص 106 وما بعدها : وأيّما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فانه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله.
وقال شيخ الإسلام: وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كلّه لله وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فمن منع هذا قوتل باتّفاق المسلمين.( السياسة الشرعية ص62).
أي من منع إقامة الدين لتكون كلمة الله هي العليا قوتل كائنا من كان باتّفاق المسلمين، ولم ينفعه أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها.
فالإسلام ليس مجرّد مجموعة من العقائد الكلامية وجملة من المناسك والشعائر كما يُفهم من معنى الدين في هذا الزمان، بل الحقّ إنّه نظام كلّي شامل يريد تحرير الإنسان من العبودية للعباد ، وتقرير ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ، وتحطيم مملكة الهوى البشري في الأرض ، وإقامة مملكة الشريعة الإلهية في عالم الإنسان . .
وان قال القوم: وماذا عن قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان؟.
قلنا: الكفر البواح ليس معناه كما يعتقد الكثير أن يقول الحاكم أنا كافر ( أي يبوح بكلمة الكفر بلسانه) لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: إلاّ أن تروا كفرا بواحا ( تأمّلوا قوله – تروا-) وفي بعض روايات البخاري لهذا الحديث : ( إلاّ أن تروا معصية بواحا ) وفي بعضها : ( إلاّ أن يأمروا بإثم بواح ).
قال الخطابي: معنى قوله " بواحا" يريد ظاهرا.
أي كفرا ظاهرا ( كالتحاكم إلى القوانين الوضعية ، وموالاة المشركين، وماهم عليه من البغض لهذه الأمّة بل لم يترك هؤلاء الحكّام الملاعين ناقضا من نواقض الإسلام العشرة إلاّ وارتكبوه).
وان قالوا: لنفترض " جدلا" جواز الخروج عليهم ، أفلا تضعون للمفاسد اعتبارا؟.
قلنا: قال القاضي عياض وإذا وقع الحاكم في الكفر فلا ينظر إلى مفسدة الخروج عليه، إذ لا مفسدة أعظم من فتنة الكفر، قال تعالى: والفتنة أكبر من القتل ، وقد أجمع العلماء على أن حفظ الدين مقدّم على حفظ النفس وغيرها من الضرورات الخمس.( النووي شرح مسلم).
وقال سليمان ابن سحمان: فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الإسلام.وقال الشاطبي: ممّا اتّفق عليه أهل الملّة أنّ النفوس محترمة محفوظة ومطلوبة للإحياء، بحيث إذادار الأمر بين إحيائها وإتلاف المال عليها أو إتلافها وإحياء المال ? كان إحياؤها أولى ? فإن عارض إحياؤها إماتة الدين، كان إحياء الدين أولى، وإن أدّى إلى إمامتها. (الموافقات 2/39).
وقال شيخ الإسلام فكل الفتن تصغر وتهون أمام فتنة الشرك.. وكل فتنة تُحتمل في سبيل إزالة الفتنة الأكبر؛ ألا وهي فتنة الشرك والكفر.. فالقتال وإن كانت تترتب عليه بعض المشاق والآلام والفتن إلاّ أنّها كلّها تهون في سبيل إزالة فتنة الكفر والشرك.اهـ
وقال رحمه الله: وذلك أنّ الله تعالى أباح من قتل النّفوس ما يُحتاج إليه في صلاح الخَلق كما قال تعالى: ( والفتنة أشدّ من القتل) أي أنّ القتل وان كان فيه شرّ وفساد ففي فتنة الكفّار من الشرّ والفساد ماهو أكبر منه. اهـ
فعن أيّ مصالح ومفاسد يتكلّمون؟ أهي شرعية فما دليلهم عليها ؟ أم عقلية محضة في مواجهة النصّ؟.
من أعلم بمصالح العباد؟ قال تعالى: قل أأنتم أعلم أم الله؟.
قال الشاطبي: المصالح المجتلبة شرعا، والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية... ( إلى أن قال) : المنافع الحاصلة للمكلف مشوبة بالمضار عادة، كما أن المضار محفوفة ببعض المنافع.. ( الموافقات2/39).
قال الشيخ حامد العلي حفظه الله: والعجب أن هؤلاء المفتونين، عكسوا ما أراده الله منهم، فقد أمرهم بالتزام شريعته، وتكفل لهم برزقهم وقدر آجالهم، فكان همهم أرزاقهم، وآجالهم، التي تكفل الله بها، فلا تزيد ولا تنقص، وأهملوا دينهم الذي أمرهم الله تعالى بحفظه، وظنوا أن رضاهم بعلو الكافر عليهم، وتحالفهم معه، سيكون سببا في انبساط الدنيا لهم، وحلول الأمن عليهم. اهـش (منقـــــــول)
تعليق